المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409002
يتصفح الموقع حاليا : 240

البحث

البحث

عرض المادة

لماذا كانت قبلة العالم في أرضنا؟

قبل بضعة أسابيع من معركة بدر وقع حدث دلالته العميقة في صلة المسلمين بأهل الكتاب. فقد كان بيت المقدس القبلة التي يتجه إليها أصحاب الأديان السماوية جميعاً.

 

ثم صدر الأمر إلى المسلمين أن يتحولوا من بيت المقدس إلى مكة المكرمة!..

ما سر هذا التحول؟..

الواقع أن أهل الكتاب ما كانوا سعداء بالدين الجديد! ولا فهموا من وحدة القبلة أن قرابة مشتركة تربطهم بأتباعه!

 

الذي حدث أنهم ضاقوا أشد الضيق بالنبي العربي، وعدوه منافساً محذوراً كأن الأمر صراع على مغنم عاجل، أو مأرب قريب!

 

ولو كان أهل الكتاب مخلصين لأديانهم لكان لهم موقف آخر، فإن العرب كانوا عباد أصنام! حتى عرفهم محمد بالإله الواحد. وكانوا يعيشون ليومهم حتى أقنعهم بالعمل لليوم الآخر. وكانوا لا يدرون شيئاً عن نبوة سبقت حتى حدثهم عن موسى وعيسى وغيرهما من المرسلين!..

 

فلم الضيق بهذه الرسالة؟ ومخاصمة صاحبها؟..

بيد أن الأمر تجاوز الخصومة المحتملة إلى ضرب من اللدد يثير الاشمئزاز. تدبر قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ ۖ  فَٱعْفُوا وَٱصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦٓ ۗ  إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ} [البقرة: 109].

 

وإذا كانت للمسلمين مساجد تنبعث من منابرها صيحات التوحيد وتستقبل ساحتها الركع السجود، فإن أهل الكتاب تواصوا بصرف الناس عن هذه المساجد، وتأمروا على تهديمها {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُۥ وَسَعَىٰ فِى خَرَابِهَآ} [البقرة:114].

 

فلم يبق بعدئذ مساغ لمشاركة هؤلاء الحاقدين قبلتهم، وانبعثت في نفس الرسول الكريم الرغبة في الاتجاه إلى القبلة الأولى، إلى الكعبة التي بناها جده الأكبر إبراهيم الخليل، ولكنه لا يستطيع ذلك إلا بإذن من الله، فلينتظر، وليؤمل!.

 

ثم جاء – على تلهف وشوق – الأمر الإلهي {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى ٱلسَّمَآءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَٰهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ} [البقرة: 144]. فاتجه المسلمون إلى الكعبة المشرفة بعد قرابة سبعة عشر شهراً من الصلاة إلى بيت المقدس.

 

كانت هذه المدة كافية لفضح ضغائن اليهود، وأثرتهم المفرطة، وظنهم أن الدين مؤسسة احتكارية يديرها حكماء صهيون لمصلحة جنس من الأجناس، إنهم لا يفهمون ولا يريدون أن يفهموا أن الدين علاقة سمحة رحبة بين الناس ورب الناس.

 

وقد بدا لي من تجارب كثيرة أن المتاجرين بالحق قد يكونون شراً من المخدوعين بالباطل، وأن العرب الأميين كانوا – بنقاء سرائرهم – أصلح للحياة والإحياء من أهل الكتاب المستكبرين الشرهين..

 

كان أولئك العرب يعتزون بكعبتهم، ويرغبون طوال عمرهم في استقبالها، وهم لم ينسوا أن الله حماها عندما أراد نصارى الحبشة هدمها! وأن قوى السماء هي التي تصدت للمغيرين لما عجز أهل الأرض عن الدفاع، فإذا الجيش المعتدي يلقى {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍۢ مِّن سِجِّيلٍۢ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍۢ مَّأْكُولٍ} [الفيل: 3-5].

 

مع ما كان للمسجد الحرام من هذه المكانة الوطيدة، فإن الصحابة قبلوا عن طيب خاطر ترك استقباله لما هاجروا، ولبوا أمر الله باستقبال بيت المقدس!.

 

كان امتحاناً صعباً غير أنهم نجحوا فيه: {وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ} [البقرة: 143].

 

وعندما يحتدم النقاش حول القبلة التي يتجه الناس إليها، يذكر الإسلام حقائق رفيعة، يلقيها في مسامع كل من ينتسبون إلى دين! حقائق لا يقررها إلا الإسلام وحده! إنه يتساءل: ما هذا اللغط حول الاتجاه إلى شمال أو جنوب؟..

إن الكمال البشرى لا يصنعه استقبال مكان هنا أو مكان هناك! الكمال المنشود عمل حقيقي داحل النفس الإنسانية تزكو به وتسمو..

 

العظمة الإنسانية، هي اليقين الراسخ والاستمساك بالله، وإن هاجت العواصف! وبذل المعروف وإجابة الملهوف، ومساندة الضعفاء وإيتاء المحرومين!..

 

وهي الثبات على المبدأ وإن كثرت المغريات، والمضي على الجهاد وإن فدحت المغارم!..

 

إن اتجاه المسلمين إلى المسجد الحرام في صلواتهم حق لا ريب فيه، وهي قضية تنظيمية سنشرح بعد قليل أبعادها، بيد أن ذلك لا يعني نسيان الحقيقة في الوصول إلى الكمال الإنساني والرضوان الإلهي، وتدبر قوله تبارك اسمه: {لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْأَخِرِ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلْكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّۦنَ وَءَاتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِى ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَٰهَدُوا ۖ  وَٱلصَّٰبِرِينَ فِى ٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ ۗ  أُولَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوا ۖ  وَأُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].

 

إن اليهود يلتمسون الشرف من الانتساب إلى نبي الله يعقوب! والأب العظيم لا يرفع شأن بنيه إذا كانت أعمالهم هابطة! وهم يرتبطون بالقدس والأرض المقدسة، والأرض لا تقدس أحداً، إنما يتزكى المرء بالهدى والتقى والعفاف والعدالة!.

 

والخلاف بين الناس باق إلى قيام الساعة، إنه جزء من طبيعة الحياة، وهو بعض الحكمة في خلق الناس!..

 

لكن الخلاقف مهما اتسمت شقته لا يجوز أن يكون مثار عدوان وتظالم، ولا يجوز أن يجعل الحيف حقاً، ومن ثم قال الله لنبيه: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْكِتَٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٍۢ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍۢ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍۢ قِبْلَةَ بَعْضٍۢ ۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم مِّنۢ بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ} [البقرة: 145].

 

والجملة الأخيرة في الآية الكريمة تشير إلى خصائص أمتنا، وإلى الرسالة التي كلفت بحملها إلى آخر الدهر..

 

إن العرب عندما يحملون للناس حضارة فهذه تنفرد بأنها موصولة بالسماء، تعرف الله، وتلتزم هداه، وترفض الفلسفات المادية، والرغبات المجنونة في عبادة الحياة ونسيان ما بعدها..

 

وقد شاء الله أن يذكر للعرب وظيفتهم الدولية، عندما جعل قبلة العالمين في أرضهم وعندما طالب البشر في كل مكان أن يولوا وجوههم شطر المسجد الحرام!..

فما معنى ذلك؟..

 

إذا قيل: إن موسكو قبلة الشيوعيين في العالم، فليس معنى ذلك اتجاه اليساريين إلى جدار في "الكرملين"! بل المعنى أنهم يستقون أفكارهم ويتلون توجيهاتهم من هناك!..

 

والواقع أن القرآن الكريم في سياق تحديده للقبلة قال للعرب في جلاء: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]. والآية توضح الوظيفة التي اختارها القدر لأمتنا، فإن الله اختار محمداً ليحمل أمانات الوحي، وليكون بسيرته وسنته أسوة حسنة!. وقد تلقى العرب ذلك منه ليعلموا الناس كما تعلموا، وليهدوهم كما اهتدوا، أو ليكونوا أساتذة للعالم كما كان محمداً أستاذاً لهم! تلك وظيفتهم التي رفعهم الله إليها، والتي لابد من حسابهم عليها..

 

 

والشهادة على الناس منزلة فوق التبليغ العادي! قد يكون المرء شاهداً في قضية لا علاقة له بوقائعها، كل دوره فيها أنه يقول الحق، فهل هذا دور الأمة العربية في تاريخ البشرية؟ كلا، ربما تحول الشاهد إلى متهم إذا تبين من التحقيق أن له أصابع في وقوع الجريمة!!.

 

والعرب منذ حملوا رسالة الإسلام وجب عليهم أن يستنيروا بها وأن يرفعوا منارها، وأن يستطبوا بأدويتها، ويعالجوا علل العالم بدوائها، فمسئوليتهم مضاعفة. الرسول أمام الله يشهد بأنه علمهم من جهالة، وأقامهم من عوج، وهم أمام الله كذلك مطالبون بالشهادة على سكان الأرض، إنهم بلغوهم الوحي الأعلى وقدموا من أنفسهم نماذج عملية للتقوى والإصلاح والإنصاف! ترى هل قام العرب بهذه الأمانات؟.

 

إن رباط العروبة بالإسلام وثيق، وهذا الرباط وحده هو الذي يجعل العرب أمة قائدة رائدة فإذا وهت صلتها به، فهي تخون أساس وجودها، وهي ستتحول حتماً من رأس إلى ذنب! أو من أمة تدفع غيرها نحو الخير، إلى أمة يدحرجها الآخرون إلى الشر أو إلى الهاوية!.

 

وقد تأكد هذا المعنى مرة أخرى في سياق تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام وذلك في قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ  وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُۥ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة:150].

 

أي حتى تنقطع حجج العرب الحراص على كعبتهم الضائقين بالاتجاه السابق إلى بيت المقدس! أما أهل العناد والمتشبثون بالجاهلية الأولى، فلا تخافوهم، فأمرهم إلى إدبار ونارهم إلى رماد.. {إِلَّا ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِى وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة: 150].

 

 

أي إن الله باختياره المسجد الحرام قبلة لكل مصل في الدنيا، يضاعف على العرب منته، ويتم عليهم نعمته.. وقد بدا الإنعام عليهم بانبعاث الرسول منهم {كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151].

 

والمعنى أن العرب بهذا الدين أضحى لهم تاريخ جديد، وافتتحوا به صفحة مجد باذخ ما كان لهم به عهد من قبل، ذلك أنهم يتلون آيات الحق، ويمهدون طريق التربية الفاضلة، ويخطون معلم الحكمة والرشد، فليعرفوا لله حقه وليقدروه قدره {فَٱذْكُرُونِىٓ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُوا لِى وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] وهكذا يخاطب الله العرب ويشرح لهم ما أسدى إليهم من جميل! فهل نذكر ونشكر؟؟.

 

والأنبياء شهود على أممهم بالبلاغ المبين، وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب الناس في حجة الوداع يقول:  اللَّهُمَّ قَدْ بَلَّغْتُ..  اللَّهُمَّ فاشهد!!..

 

وهناك قبل شهادة الأنبياء مواثيق الفطرة التي أخذها الله على أبناء آدم. إن الله أودع في كل ضمير صوتاً يذكر بالله ويدفع إلى صراطه المستقيم، ويقاوم التقاليد المنحرفة والأصوات الزائفة، وما من إنسان إلا هو مسئول عن هذا الميثاق: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِىٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ  قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُوا يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَٰفِلِينَ أَوْ تَقُولُوٓا إِنَّمَآ أَشْرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّنۢ بَعْدِهِمْ ۖ  أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: 172-173].

 

ويتضح من ذلك أن العدل الإلهي يستظهر على كل مخطيء بشاهدين من العقل والنقل! ومع ذلك، فأن ناساً يوم الحساب سيحاولون بالكذب الإفلات من مصيرهم!..

 

مشركون يقولون: {وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] ودجالون مرنوا على الاحتيال والمخادعة في الدنيا يحاولون في الآخرة أن يقوموا بالدور القديم {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ  وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَىْءٍ ۚ أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَٰذِبُونَ} [المجادلة: 18]. وهيهات أن يجدي هذا التملص مهما صاحبه حلف!..

 

ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم شهيداً على العرب فسيجاء به يوم القيامة وبالكتاب القيم الجامع الذي بلغه وسيرى عندئذ من وفى ومن عذر؟ بل من آمن ومن كفر؟ قال الله سبحانه: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍۢ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ تِبْيَٰنًا لِّكُلِّ شَىْءٍۢ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].

 

إنني أحببت أن أشرح هذه القضية لأن العرب من أمد قريب أو بعيد شرعوا ينسون أو يتناسون رسالتهم! بل بدا لهم أن يستقيلوا من الوظيفة الشريفة التي آثرهم الله بها أو اصطفاهم لها.

 

وسمعنا من يقول في جعل فاضح: إن العروبة شيء، والإسلام شيء آخر! وإن العروبة يمكن أن تشق طريقها بغير دين إلى مستقبل مكين!..

 

وقد استجاب نفر من الأغرار لهذه الفرية، فإذا الأمة المسكينة تتراجع في كل ميدان، وتلاحقها الهزائم الشائنة في كل أفق، ولولا بقايا إيمان مبثوثة هنا وهناك لحل بها خزي الأبد، ولكنها تقاون اليوم ببأس شديد معتمدة على مواريث الإسلام وحده.

هل للعرب في قديم الزمان وحديثه رسالة أخرى غير الإسلام يمكن أن يؤديها للعالم؟..

 

إن لمحمد كتاباً وسنة قامت عليهما دولة، وأينعت حضارة! وتصدرت قافلة البشرية أمة تعتز بها وتبنى عليها، فماذا لغيره في الأولين والآخرين؟ وما قدر العرب من غير محمد والإسلام؟.

 

قال شخص غر: وهل ضروري أن تكون لأمة ما رسالة سماوية حتى تقتعد مكانة مرموقة في العالم؟. ما أكثر الشعوب التي استراحت واستقرت برسالات أرضية!!..

قلتك هذا الكلام قرة عين الاستعمار الصهيونية! إنهما لا يريدان أكثر من تجريد المسلمين من عقائدهم وتاريخهم حتى يقفوا أمام أعدائهم عزلاً من كل سلاح فعال.

 

وعندما يفقد عرب فلسطين أساسهم الديني أمام أتباع التوراة فستضيع فلسطين!..

وعندما يزهد غيرهم في معتقداته الإسلامية فسينطلق التبشير العالمي دون عائق، وتكسب الصليبية جولتها الجديدة.

لا بل إن الوثنية التي ذبحت المسلمين في "أسام" ستقطع شوطاً أوسع في الإجهاز على مبدأ التوحيد!..

إن تحقير الثقافة الإسلامية وتوهين أركانها لابد أن ينتهي بهذه النتائج!..

أما يحق لنا أن نحصن الأجيال الجديدة ضد هذه الخيانات الفكرية والاجتماعية؟؟

 

  • الخميس AM 10:47
    2022-03-24
  • 891
Powered by: GateGold