المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413186
يتصفح الموقع حاليا : 310

البحث

البحث

عرض المادة

ما حقيقة الملائكة والجن؟ وما علاقتهما بالإنسان؟

هذا ميدان شائك! لأنه يتصل بعالم الغيب، ودرايتنا به قليلة، وسأنقل خطواتي بحذر، مستهديا بما أملك من طاقة عقليه، وبما تيسر من تعاليم سماوية!..

 

أؤكد أولاً أن الوجود أكبر من الإنسان! وأن تصور الإنسان نفسه على أنه الكائن المحتكر للحياة ينطوي على غرور وجهالة، فالكون أكبر منا، وساكنوه أكثر عدداً، وأشد قوة!.

 

وقد فهمت من القرآن الكريم أن الجن عالم برز إلى الحياة قبل الإنسان، وربما كلف قبله قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ مِن صَلْصَٰلٍۢ مِّنْ حَمَإٍۢ مَّسْنُونٍۢ وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَٰهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ} [الحجر: 26-27].

 

ويبدو أن إبليس أبا الجن ضايقه هذا الكائن الجديد، وظنه منافساً على مكانة استقرت له، فكره آدم وبنيه، وساءل الخالق معترضاً: لم خلقت هذا الإنسان ذا الطبيعة الهشة؟ ولم أمرت بالسجود له؟ إنني أقدر منه وأصلب! ولو أطلقنا في سباق لألحقنَّ به وبأولاده شر هزيمة {قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 62].

 

وإبليس بهذا التصرف أحمق! فليس له – وهو أحد العبيد المخلوقين لرب الأرض والسماء – أن يقف هذا الموقف، فلله أن يخلق ما يشاء، ولله أن يفضل ضعيفاً متواضعاً على متكبر! وما أدري إبليس أن من أبناء منافسه من يبهر بحسن الطاعة وصدق العبودية، ويحطم ما يتعرضه من عقبات، حتى يرضى ربه بجدارة؟..

 

على أن عالم الجن لم يمض كله في طريق إبليس، فقد بقى منه نفر كثير يعلن ولاءه لله، ويثابر على طاعته، ويؤدي التكاليف المطلوبة منه..

 

نعم في الجن ناس طيبون، يسبحون بحمد ربهم وينكرون أن يكون له ولد، ويهتدون إلى الرشد وينفذون وصايا المرسلين، وهناك أيضاً من واصلوا الحملات ضد آدم وبنيه، واحتالوا طويلاً لإشقائهم وإقنائهم {وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّٰلِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ  كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَدًا وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُۥ هَرَبًا وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰٓ ءَامَنَّا بِهِۦ ۖ  فَمَن يُؤْمِنۢ بِرَبِّهِۦ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَٰسِطُونَ ۖ  فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰٓئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا وَأَمَّا ٱلْقَٰسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 11-15].

 

والاحتكاك دائم بين ذرية إبليس وذرية آدم، فما طبيعة هذا الاحتكاك؟..

 

الظاهر أن الشياطين – أعني الجن العصاة – ليس لهم أكثر من الوسوسة والاسغفال! ومع ضخامة قواهم المادية فهم مكفوفون عن استخدامها ضد بني آدم! إنهم يجيئون لمتردد فيغرونه بالجبن، ولمتوقح فيغرونه بالكبر، ولمتهافت على الشهوات فيغرونه بالفسق، وهكذا...

 

وعندما يوقف الكل للحساب، يقول الشيطان لمن أغراهم: {إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ  فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓا أَنفُسَكُم} [إبراهيم: 22].

 

والقانون – كما قيل – لا يحمي المغفل، فإذا زاغ بشر فهو المسئول عن نفسه وما يملك أحد إرغامه على عوج، ولو استخدم مواهبه ما قدر أحد على الضحك منه.

 

قد تكون قصتنا على ظهر الأرض هي قصة أبينا آدم أيام الجنة! إنه لو ظل ذاكراً فلم ينس، قادراً فلم يضعف لارتد سهم إبليس إلى نحره! ولكنه لم يكن عند حسن الظن {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُۥ عَزْمًا} [طه: 115].

 

والذين ينزلقون في دنيانا وقع لهم ما وقع لخلل داخلي فيهم جعلهم يتجاوبون مع كيد الشيطان، وينخدعون بكذبه {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُۥ فَٱتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكٍّۢ ۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ حَفِيظٌ} [سبأ: 20-21].

وعندما تقع رذيلة فلذة الشيطان منها الأز عليها وتزيينها، ذلك كل ما يشتهي! أما الإنسان المجرم فلذته أكل حرام أو سرقة عرض أو ظلم ضعيف، وما يحس مؤقتاً بحلاوته لا يحس الشيطان شيئاً منه ولا يرى لذة فيه!..

 

فرحة الشيطان أن يرى الإنسان ساقطاً ذليلاً مغاضباً لربه، ولذلك يقول الله لبني آدم موبخاً: {أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّۢ ۚ بِئْسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلًا} [الكهف:50].

 

ويظهر أن للشياطين تخصصات شتى! كما يظهر أن بعضهم يلازم أنواعاً من البشر، ويقف نفسه على إغوائهم {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُۥ شَيْطَٰنًا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٌ} [الزخرف: 36].

 

وإذا كان للعصاة قرناؤهم ومضللوهم، فإن الأقوياء ييأس الشيطان منهم {قَالَ هَٰذَا صِرَٰطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 42].

 

ونترك عالم الجن وعلاقته بالإنسان إلى عالم آخر أنقى وأطيب..

 

إن الإنسان والجن جنسان مكلفان ممتحنان قادران على الخير والشر، والذكر والنسيان، من أجل ذلك يحصي الله عليهما نعمه ثم يقول: {فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 16].

 

لكن هناك عالماً آخر إرادته من إرادة الله، وحياته وقف على إنقاذ مشيئته، هو عالم الملائكة الذين يرنون دائاً إلى أنوار الألوهية ويستغرقون في أمجادها قال تعالى: {وَمَنْ عِندَهُۥ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19-20].

 

ووظائف الملائكة كثيرة، وهم مع أبناء آدم من بدء تخلقه حتى يواري في التراب.

 

ففي الحديث عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ".

 

وإذا صح أن نسمي هؤلاء الموكلين بالأرحام ملائكة الحياة، فهناك آخرون للوفاة {قُلْ يَتَوَفَّٰكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11].

 

والمحيي المميت هو الله جل شأنه، وهو الذي يلهم ملائكته ويقدرهم على فعل ما يريد.

 

وقدرات الملائكة أعظم كثيراً من قدرات الجن، وإذا كان العفريت يستطيع أن يلمس السماء، أو ينقل شيئاً من اليمن إلى فلسطين في ساعة، فإن الملائكة أوسع طاقة، وفيهم من يستطيع تطويق أعتى المردة، والهوى به إلى أسفل سافلين..

 

والملائكة يتابعون حياة البشر، ويسجلونها سواء كانت نية في القلوب، أو كسباً للجوارح، ويعني هذا بلا ريب رؤية عجيبة وصحوا تاماً {إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17-18].

 

وما يحتاج ربنا جل جلاله إلى من يعلمه أو يذكره! ولكن النظام الذي وضعه لكونه، أحصى فيه كل شيء من المخلوقات والأعمال {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍۢ  فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْبَرَ إِلَّا فِى كِتَٰبٍۢ مُّبِينٍ} [يونس: 61].

 

والملائكة الكرام الكاتبون لا ينتهي لهم تسجيل، ولا يقف لهم إحصاء {يَسْـَٔلُهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍۢ فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 29-30].

 

 

والملائكة صديقة للمرء المؤمن تفرح بعبادته وتهش له، وإذا دخل المسجد للصلاة حفت به، وإذا جلس في طاعة الله شرعت تدعو له: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، وثبت أن لها نوبات في صلاتي الفجر والعصر، ثم تصعد إلى ربها تذكر له ما ترى، وهو أعلم به، ولكنه النظام الذي وضعه سبحانه.

 

في المحافل الجادة، وفي مجالس الخير تكون الملائكة بلطفها ودعائها مع المؤمنين فربما قال أحدهم الكلمة يعينه عليها ملك كريم، وربما صاغ القصيدة في الدفاع عن الله ورسوله، يؤيده فيها الروح القدس – كبير الملائكة..

 

وفي الوقعات التي يصطرع فيها الحق والباطل، ويبيع جند الله أنفسهم لنصرة دينه، تتنزل الملائكة لتشجيع وتلهم {إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا ۚ سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُوا فَوْقَ ٱلْأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍۢ} [الأنفال: 12] في هذا الحين تكون ملائكة أخرى لنزع أرواح الكفرة، تتناولها باللطمات ظهر البطن {وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُوا ۙ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَٰرَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ} [الأنفال: 50].

 

وهذا الكلام يحتاج إلى تفسير شامل، فإن الملائكة لم تعمد إلى سكير في حان لتدعو له وتلتمس له المغفرة، بل دعت لإمرئ يريد أن يتزكى، سعى إلى المسجد ليؤدي حق الله، وغالب أشغال العيش وأوقات اللهو، ورجح عليها ذكر ربه فهو أهل لأن يصلي عليه الكرام الكاتبون..

 

كذلك لم تعمد الملائكة إلى جبان فار من الميدان لتسأل له التثبيت والرضا، وإنما دعت لرجل مؤمن هزم حب الحياة وآثر نصرة الله، فهو جدير بالإيناس والبشرى!..

 

والأصل في هذا التفسير قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَٰمُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]..

 

 

إن تنزل الملائكة كما يفيد ظاهر الآية في أحوال الحياة كلها، لا في الرمق الأخير وحده كما يرى البعض..

 

ويتضح ذلك عندما تعلم أن هذه الآية في مقابلة ما نزل في الغافلين المعوجين قبل ذلك مباشرة وهو قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِىٓ أُمَمٍۢ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَٰسِرِينَ} [فصلت: 25].

 

  • الخميس AM 10:27
    2022-03-24
  • 1159
Powered by: GateGold