المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411973
يتصفح الموقع حاليا : 269

البحث

البحث

عرض المادة

لماذا يجب أن يكون الفقه الإسلامي المصدر الأساسي للتشريع؟

وظيفة القانون في أي مجتمع أن يحرس عقائده وقيمه، وأن يحمي أفراده، ويصون حقوقهم المادية والأدبية وفق ما استقر بينهم من مباديء ومُثل!..

 

وبديهي أن تختلف القوانين باختلاف المجتمعات التي تسودها! ففي العالم مجتمعات وثنية وملحدة ومجتمعات تنتمي إلى اليهودية أو إلى النصرانية.. ووظيفة القانون في بلد يرى الدين خرافة غير وظيفته في بلد يحترم الدين على نحو ما..!

 

وفي الأقطار التي بقيت للأديان فيها قيمة إسمية قد يمنح الدين قدراً من الحركة بقدر استكانته إلى الأنظمة الغالية وهروبه من مواجهتها، فإذا ظهرت عليه أعراض المقاومة، لاحقه النظر الشزرليسكن أو ... ليذهب حقه في الحياة..!

 

وخلال القرنين الأخيرين سقطت مساحات هائلة من العالم الإسلامي في أيدي أعداء الإسلام، فاستولى الاستعمار الشيوعي على أقطار رحبة في آسيا وأوربا وإفريقيا، كما استولى الاستعمار الغربي على أقطار أكبر وأخطر.

 

وشرع كلا الاستعمارين يفرض قوانينه على الأراضي التي احتلها، ويعمل بدأب وإصرار على سلخ الأمة من عقائدها وشرائعها وقسرها على قبول نظم أخرى لا تمت بصلة ما إلى كيانها الروحي والعقلي...

 

كان المسلمون كجسد انتزع قلبه ثم جيء له بقلب ثور أو ذنب ليحل محل القلب المتقطع!!

 

إن معنى ذلك الموت البطيء أو السريع! ليكن، فذلك هو المطلوب!

 

في اليمن أو في التركستان، يكلف المسلم أن يحيا وفق معتقد جديد يضع الوحي الأعلى في المتاحف ويجعل الولاء لسماسرة الفكر الأحمر، لا لله وأنبيائه!

 

وينهض القانون بدور التفيذ الصارم لمتطلبات الوضع الجديد.

 

وفي أغلب عواصم العالم العربي يكلف المسلم أن يصم أذنيه عن نداء الكتاب والسنة، يكفي أن يكون للإسلام وجود رمزي لا يتخطى حدوده، أما زمام الحياة الخاصة والعامة ففي يد أخرى تمحو وتثبت كيف تشاء..

 

وعلى القانون أن يلوي عنق المجتمع وتقاليده ومواريثه نحو هذا الهدف الجديد.. نعم، على القانون الذي وضعه الاستعمار أن يصرف البصائر والأبصار عن شرع الله وهداه حتى يعمل الزمن عمله في تمويت الإسلام كله بعدما مات تشريعه في كل ميدان!!

 

إن للقوانين الوضعية التي جلبها الاستعمار معه وظيفة مقررة، وظيفة أهم من اقتياد أمة مهزومة عسكرياً وسياسياً، وفرض إرادة الغالب عليها! إن القوانين الوضعية هنا تشويه متعمد لوجه الأمة الإسلامية، أو مسخ حقيقي لكيانها الروحي والعقلي، والهدف الأخير الإتيان على الإسلام من القواعد!

 

وعندما نقتبس المسافة بين الدين ومطالبه وبين القوانين المجلوبة وآثارها، تبدو الشقة بعيدة.. بعيدة! خذ مثلاً قضية الخمر – وهي نموذج للتقاليد الغربية الوافدة – أن المسلم يراها رجساً من عمل الشيطان، ويراها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويرى شاربها ساقط المروءة واجب العقوبة، ولكنه ينظر إلى أرجاء المجتمع فيرى مصانعها تقام وحوانيتها تفتح وأسعارها تقدر، وأحفالها تبرز، وإعلاناتها تكثر وشاربيها يكرمون ولا يهانون! فأي تحد لإيمانه أبلغ من هذا التحدي؟

 

إن ولاءه لله ولأحكامه يصدم، ومبدأ السمع والطاعة يهتز، والانزلاق عن سائر التعاليم الدينية الأخرى يمهد!!

 

ومن حق المسلمين في كل شبر من أرضهم أن يرفضوا القوانين الوضعية وأن يعلنوا عليها حرباً قائمة فهي الوجه الرسمي لغلبة الجاهلية على دولتهم، وهي الأساس الموضوع لضرب بقايا الإسلام الخلقية والاجتماعية، بل هي الجرثومة المتحركة لمحو الإيمان من القلب وجعل الولاء لله ورسوله صفراً...

 

ومن حق المسلم الذي ولد في عصرنا الهزيمة الإسلامية وانتصار الجاهلية الحديثة أن يشعر بالدهشة والتسأول: لماذا كتب على آيات المصحف أن تموت وأن يرفض انطلاقها إلى الحياة؟ ولماذا تركت آيات أخرى يستطيع من شاء أن ينفذها وأن يهملها، وهل هذه الاستطاعة باقية أم إلى حين؟ ثم تلحق بالآيات المعطلة أي الميتة؟!

 

إن تطلع أي مسلم إلى طاعة ربه في كل ما أمر به أو نهى عنه شيء عادي أو هو الشيء المرتقب الذي لا يرتقب غيره. ولذلك فمن السماحة التي لا قرار لها أن يستغرب أحد المطالبة بحكم الله، وأن يعرقل سير القوافل المؤمنة وهي تنتصر لشرائع السماء.

 

ولكنه الغزو العسكري تحول إلى غزو ثقافي خبيث، وسَّخ مخ الجيل الجديد وضلل سعيه، وخلق عصابات من الأدباء والمترجمين والإعلاميين والمؤلفين والفنانين نصرانية؟

 

الواقع أن الأناجيل ليست كتب تشريع، وأن عيسى عليه السلام بيَّن أنه منفذ لتعاليم التوراة في الجملة ومعنى هذا أن شرائع العهد القديم هي التي يجب تطبيقها، فهل طبق النصارى هذه الشرائع؟ كلا! لأن اليهود أنفسهم أهملوا أغلبها فكيف يجيء غيرهم ليرد إليها الحياة؟ بل إن "بولس" داعية النصرانية الأكبر وسع دائرة التعطيل، فألقى الختان وهو مقرر من عهد إبراهيم الخليل، وأباح أكل الخنزير، ونصوص التوراة تأبى ذلك..!

 

وأتباع النصرانية في العصور الأخيرة ينظرون إلى شرائع التوراة نظرة ريبة وتهمة.. فبعضها يستحيل علمياً قبوله لقسوته وشناعته كتهديم بيوت بعض المرضى ونقضها من أسسها، وبعضها حف به ما وقف تنفيذه كشريعة الرجم..!!

 

وعلى أية حال فإن اليهود والنصارى جميعاً أماتوا أغلب الأحكام السماوية وشرعوا لانفسهم قوانين أرضية تحكم شئون الأموال والدماء والأعراض..

 

وظاهر أن عدداً من القوانين والنظرات الرومانية ساد المجتمعات الأوربية وساقها إلى وجهته، والقوانين الرومانية وثنية الأصل أرضية النزعة لا علاقة لها بالسماء.. وإنما تستمد وجاهتها من تقاليد ينبغي – لأمر ما – أن يحتكم الناس إليها..!!

 

وعند التأمل نشعر بأن واضع القانون كان يتخيل نفسه مكان المنحرف ثم ينشئ العقوبة المناسبة فتجيء وكأنها اعتذار عن المجرم أو تقدير لوجهة نظره، أو إتاحة لفرص النجاة أمامه..

 

أعني أنه ينظر في حال القاتل، فإن كان لدافع إلى القتل شعوراً مفاجئاً تملكه، أبعد عنه القصاص ومهد أمامه طريق الحياة!

 

إن واضع القانون في الحقيقة كان ينقذ نفسه من القتل لأنه يتصور نفسه مكان المجرم، أما الآثار الاجتماعية لمنع القصاص فهو يتجاهلها.

 

وقد مضى هذا الشعور المعتل في طريقه حتى أبطل أو كاد عقوبة الإعدام لجماهير القتلة.. وأمسى من العدالة أن يغتصب رجل ذئب بضع عشرة فتاة، ثم يقتلهن جميعاً، ثم يقضي بقية حياته في سجن مهذب!!

 

وفي نظر القانون الوضعي أن الجسد ملك صاحبه، ليس لله حق فيه! فإذا زنى إنسان بملء إرادته فلا حرج ولا جريمة، وإذا كان هناك حق لزوج، كانت المؤاخذة محدودة، تذهب بتنازل الزوج!

 

والمال أخطر من العرض، فسن الرشد المالي إحدى وعشرون سنة، أما سن الرشد عندما يتصرف امرؤ في عِرضه، فثماني عشرة سنة. والقضاء في شئون المال ملزم بما كتب، فلا تسمع الدعوى في دين شفوي زاد على عشرين جنيها، ولا مكان لضمير القاضي هنا في محو أو إثبات.. أما في شئون الدم والعرض فللقاضي أن يتصرف بما يراه أدنى إلى الصواب، والصواب هنا وفق مقررات البيئة، وفي قضية الثرى المصري "علي فهمي" الذي قتلته زوجته الفرنسية، رأت المحكمة أن القائلة لا تستحق عقوبة ما تقديراً لظروفها النفسية!!

 

وانقطاع الصلة بين التوجيه الإلهي وعلاج الانحراف انتقل من القضايا الخاصة إلى القضايا الدولية فإذا قتل يهودي في روسيا قامت الدنيا وقعدت، وإذا قتل ألف مسلم في بلد آخر لم يتحرك أحد.!!

 

ومظالم الزنوج في جنوب إفريقيا قد تثير قليلاً من التعليق، ولكن هذا التعليق يختفي عندما تبلغ القضية مجلس الأمن ويقترح توقيع عقوبات على جنوب إفريقيا! أن الدول العظمة كلها تستغل حقها في الاعتراض لتبقى جنوب إفريقيا ملكاً خاصاً للرجل الأبيض – يقترف ما يشاء دون حرج – ويجتاح حقوق السود بلا وجل.

 

وكان هلاك الأمم السابقة؛ أنهم إذا سرق الضعيف قطعوه وإذا سرق الشريف تركوه: أي أن العدالة تتلون مع القوة والضعف، وذاك ما يحدث الآن مع التقدم الحضاري الكبير، إنه تقدم علمي حقاً، ولكنه مثقل بأوزار الهوى وأوحال الشهوات؛ لأنه لا يؤمن بالله ولا يخضع لحكمه، ولا يتبع هواه.

 

ولا نزعم أن القوانين الوضيغة شر كلها، فهي من صنع الإنسان الذي يصيب ويخطيء ويضل ويهتدي وربما تضمنت أموراً جديرة بالقبول خصوصاً عندما تعمل في الميدان الإدراي أو الدستوري.. لكن ذلك لا ينسينا أمرين: أولها: أنها جعلت إقصاء الإسلام وإزهاق روحه هدفها الكبير، والآخر أنها تنقل إلينا قيم وأعراف أقطار جرفتها فلسفات مادية لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر!

 

ومن ثم كان الخندث عميقاً بين هذه القوانين الغازية المفروضة كرهاً، وبين جماهير لم تنس ولاءها لله ورسوله، ولم تتنكر لماضيها الإسلامي الثابت.

 

والصراع القائم الآن هو بين سماسرة الغزو الجديد ومروجي عقائده وأنظمته.. وبين حراس الإسلام والأوفياء لتراثه وتاريخه وأمته..

ولما كان الإسلام ديناً متعدد الشعب، له في كل ميدان توجيهات ومعالم فإن رحى المعركة تتسع يوماً بعد يوم تتناول السياسة والاقتصاد كما تتناول الزواج والحضانة، وقد رفضت الجماهير أن تقسم ولاءها بين ما تريد وما يراد لها.

 

وكل يوم يمر يزداد صوتها علواً بضرورة تحكيم الإسلام في كل شيء، وإنزال العبادات والمعاملات جميعاً، على شرائعه المقررة في الكتاب والسنة...

 

وأعداء الإسلام أيقاظ لموقف أمته من شريعته المهدرة، وهم يضعون العوائق علناً وسراً أمام عودة الشريعة الإسلامية..

 

وأمل الفريقين لا يخفى، فأعداء الإسلام يريدون بقاء القوانين الوضعية تمهيداً لإزالة الإسلام كله، حتى من مجال الأخلاق، فالأخلاق المدنية لديهم أفضل من الأخلاق الدينية..

 

وأنصار الإسلام يبغون من عودة التشريع الإسلامي حماية الإيمان ذاته وحراسة آثاره في شئون الحياة كلها، ورد ما انتقص منها وإرغام المغيرين على الانسحاب بكل مقوماتهم المضادة لتعاليم الإسلام المناوئة لشعائره وشرائعه.

 

بيد أننا بعد ما كشفنا جبهة العدو لا نريد أن ندافع عن أنفسنا بالباطل، فقد ظلمنا رسالتنا عندما جمدنا فقهنا ألف عام، وأخذنا نطحن في الماء خلال تلك القرون، ما نزيد ولا ننقص. وكأنما أثبتنا الفلك وأغمضنا عين الزمان..

 

وعندما أًرغمنا على الحركو شرع لفيف منا يبدأ العمل من حيث وقف الآباء غير معترف بأن شيئاً ما قد حدث في طول العالم وعرضه.

 

إنه لا بأس أن نغالي بما عندنا، على شريطة ألا نبخس ما حققه الآخرون في فترة غيابنا عن قيادة العالم.

 

وشي آخر لابد أن نراجع أنفسنا فيه، أن الشمال الإفريقي لا يعرف إلا فقه الإمام مالك، وأغلب الأتراك والهنود وجمهور من العرب لا يعرف إلا فقه الإمام أبي حنيفة.. ولكل إمام كبير أتباع متحمسون..

 

وهؤلاء الأئمة الأعلام صنعهم الإسلام ولم يصنعوه، وما أتردد في اعتبارهم قمماً مرموقة. لكن مسلمي العصر الحاضر لا يجوز أن يلقوا حضارة العصر وفكره المواري بوجهة نظر واجدة لإمام لا يعرفون غيره.. الإسلام أكبر من ذلك.

 

الفقيه المسلم في هذا العصر يجب أن يستوعب ما قاله رجالات الإسلام في تفسير نصوصه، وأن يواجه بهذه الحصيلة الفنية ما طلع به العصر من نظرات ومباديء!

 

إن التعصب المذهبي منكزر بين العامة، وأرى أنه بين الفقهاء جريمة غليظة.. فإذا شرعنا نرد القوانين كلها إلى فقهنا الإسلامي، فسنجد أنفسنا أمام ينابيع دفاقة وثروات طائلة ورجال مهدوا الطريق واستحقوا التقدير.. وما علينا إلا أن نحسن التأسي ونسرع المسير.

 

  • الخميس AM 09:26
    2022-03-24
  • 932
Powered by: GateGold