المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412278
يتصفح الموقع حاليا : 367

البحث

البحث

عرض المادة

هل يؤخذ القرآن بنصه؟ أم على أساس الظروف التي نزلت فيها آياته؟

يندر أن يكون المرء شريراً من جميع نواحيه، أندر من ذلك أن يكون – مع غلبة الشر عليه – شريراً في جميع الأوقات.

 

السمة الغالبة أن يخلط الإنسان عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وأن تمر به فترات صحو تبدد غيومه بين الحين والحين.

 

والخوف من الإنسان الذي يصحو ويغيم، ويكبوا ويقوم، أن يفلسف انحرافه الذي يعروه ليجعله مسلكاً عادياً أو أمراً لا يحوز التنديد به والتوبيخ عليه، وإن جاز لضرورة فلتكن الكلمات خفيفة الوقع، وتوطئة للعتبى!

 

استمعت إلى اللص البدوي الذي يسوغ سرقته قائلاً

    ولا أسأل الجبس اللئيم بعيره                وبعران ربي في البلاد كثير!

 

وقلت: هذا رجل يكره أن يقبل البعير صدقة، ويكره أن يأخذه عارية، لأنه يكره أعطيه اللئام، لماذا تكون يده السفلى! فليذهب إلى الصحراء أو إلى البيوت وليسرق أي بعير! ولا جميل لأحد!!

 

إن السرقة في منطقه استجابة لرغبة نفسية طبيعية!

 

قلت: لو حمل هذا الرجل إجازة علمية في القانون، فلن يعاقب سارقاً، ولو حدث عن حد السرقة لأرعد وأزبد وهاج وماج وقال.. لا عودة إلى الوراء، لا نريد وحشية!

 

 

ولو أن إنساناً عاش في بيئة اعتادت السطو على الأعراض، أو تسلل إليها الشذوذ، فأصاب وأصيب منه، واعتدة واعتُدِى عليه، فإنه سينظر إلى الحياة من خلال جوانبها الأخرى التي لم يتدنس فيها، ويحاول تضخيمها والتعويل عليها وحدها، والنظر إلى المباذل التي تلوثه على أنها هَنَّات ينبغي التجاوز عنها وعدم الوقوف عندها.

 

وهذا ومثله لو ملكوا سلطة التشريع لجعلوا العلاقات الجنسية كلا مباحاً، في حدود التراضي طبعاً، كما هو الشأن في القوانين الأوربية!

 

إنني أفهم أن يقع الخطأ، لكني لا أفهم أن يتحول إلى قانون!

وقد يستكبر إنسان! لكن ما معنى أن يعتذر عن إبليس؟ ويفلسف تطاوله على الله تبارك وتعالى!

 

وقد ينزلق امرؤ في الوحل! المفروض أن ينهض ويصلح شأنه ويغسل درنه! أما أن يتغزل في الطين، ويرمي به وجوه السائرين، فهذه دناءة غليظة!

 

يؤسفني أن ناساً كثيرين بدل أن يصلحوا أنفسهم يريدون إفساد القانون، وذلك هو السر وراء المحاولات المجنونة لتعطيل الشرائع السماوية، وهي محاولات نجحت بين أهل الكتاب الذين سبقونا، فأمسى الوحي حبراً على ورق.

 

ويراد في كبوة الإسلام المعاصر أن يفعل المسلمون مثلما يفعل غيرهم، فتوضع شرائع الإسلام على الرف، أو يحكم على بعضها بالإعدام تمهيداً لإنقاذ الحكم فيها كلها.

 

والأمر لا يحتاج إلى الحيلة، فلنقل: إننا نتجاوز النص إلى روح النص، أو لنقل إن الظروف التي نزل فيها النص قد طرأ عليها تغيير، فليتغير النص تبعاً لذلك!!

 

ما أسهل تطويق الإسلام بهذه الطريقة! وجعله اسماً لا حقيقة له، أو جعله شكلاً لا موضوع له!

 

وقد بدأ سماسرة الاستعمار تنفيذ الخطة، فسمعنا من يقول: إن الضرائب تغني عن الزكاة! ومن يقول: إن الصلاة والصيام يعطلان الإنتاج، فلا حرج من التنازل عنهما! ومن يقول: إنما حرم لحم الخنزيز لقذارة مراعيه قديماً وقد زالت الآن هذه العلة! من يقول: إن العربدة في الطريق هي سر تحريم الخمر، فمن يتناول منها قليلاً في بيته فلا حرج... إلخ.

 

وهكذا، تنهد أركان الدين وتضيع معالم الحلال والحرام باسم "روح النص" "وتغير الظروف" ويمنع انتفاع الناس بالإسلام، بل يمنع دخولها فيه! وينفسخ المجال بعد ذلك للإلحاد، أو للأديان الخرافية!! ومعروف أن تعطيل شرائع الحدود والقصاص، كان تمهيداً للقضاء على العبادات والعقائد والتاريخ والتراث واللغة، وسائر مقومات الأمة...!

 

ونحن إذ نوصد الباب في وجه الاستعمار الثقافي نفتح الباب على مصراعيه أمام أولي الألباب، ليحسنوا فقه الإسلام وعرضه، وتذكر بدءاً أننا لسنا من المتعصبين للفقه الظاهري، بل على العكس نحن مع الجمهور على أن القياس من أدلة الشريعة، ومع أغلب الفقهاء في رعاية المصلحة المرسلة، واحترام جملة القواعد التي تحكم الفكر التشريعي عندنا.

 

والحق أن علم أصول الفقه علم جليل القدر، وهو كما قال الشيخ مصطفى عبدالرازق أدل على خصائصنا من الفلسفة الإسلامية.

 

لكن علم الأصول مجمد في كتبه، والمسيرة في القرون المتأخرة تكاد تكون متخلية عنه! والعالم الإسلامي تحكمه بعض الآراء الاجتهادية التي لقيت حظوة عند فريق من الناس، ثم قامت عليها تقاليد راسخة، ثم اعتبرت هذه التقاليد هي الإسلام بعينه، واعتبر تركها خروجاً على الدين، وربما وصف تاركوها بالارتداد!!

 

إذا كان ذلك ما دعا إلى الكلام عن النص وروح النص، والظروف وتغاير الظروف، فللموضوع وجه آخر، وإن لم يحسن أصحابه الكلام فيه، أو تصوير شكاتهم كما يجب!

 

أعرف مجتمعات حبست فيها ألوف الفتيات لأن الكفء لم يتقدم! من الكفء المرتقب؟ أستاذ في العلوم؟ محام قدير؟ أديب رائع؟ تاجر ناجح؟ شاب تزينه التقوى وخدمة المثل؟ لا، لا كفاءة وراء هذه الخلال كلها! المهم النسب الفارع، والمكانة المدعومة بالمال الكثير!

 

وقضية الكفاءة يسندها فقه معين! لكن هناك فقهاً إسلامياً آخر يقول إن الزنجي المسلم كفء لبنت الخليفة الهاشمي، لا، هذا فقه مهمل! لماذا لا يكون الإهمال نصيب الاجتهاد الأول؟ هذا ما حدث!

 

فهل الدين من حيث هو عقيدة وشريعة – يزدري بسبب هذا الذي حدث؟

 

إنه لا شكاة من نص معين، لا شكاة من أمر أو نهي عن محرم، الشكاة من فهم ضيق لأحد النصوص أو من واجب لم يرد به أمر، أو من تحريم لا يسنده نهي!!

 

وعلاج هذا الخلل ميسور، بل هو عمل المجددين والمصلحين والدعاة الفاقهين.

 

قال لي أحد الناس: إن إعطاء الأنثى نصف نصيب الذكر موضع ضيق من المثقفين في الغرب! وهم يرون المساواة بين الجنسين، وإهمال هذا النص!

 

قلت: إن هذا النص جزء من خطة اجتماعية كبرى تجعل نفقة الفتاة مسئولية الأسرة لا مسئوليتها الشخصية، وقد ساوى الغرب بين الذكر والأنثى في طلب الرزق، وخرجت الفتاة للكدح من سن السادسة عشرة، فماذا حدث؟

 

إن الغربيين يجب أن يخجلوا من الأدران الجنسية التي تلف بلادهم وتلطخها بالعار لتكليف المرأة بالتكسب منذ صباها الباكر، والزعم بأن الجنسين سواء في الغنم والغرم.

 

وأنا لا أزال حائراً في تعليل هذا الرضا العام، بانتهاك الأعراض، وإشباع الرغبات، وتقديم الأجساد في المراقص والحدائق!

 

وعلى أية حال، الرجل ملزم بالإنفاق على زوجته إن كان زوجاً، وعلى ابنته إن كان اباً، ولا تكلف الفتاة بالتعرض للارتزاق كي تعيش، فإنها ستفقد نفسها في مآزق كثيرة!

 

ولها يقينا أن تعمل وتكسب في أوضاع متخيرة مضبوطة، لها وليس عليها! ومع ذلك فما ناله الرجل من زيادة في ميراثه سيرجع لها بصورة أو بأخرى.

 

وسوف يحني الغرب نتائج فسوقه! ولولا أتباع الرسالة الخاتمة فقدوا القدرة على التصدي لقيادة الإنسانية، لما بقي الغرب في مكانته تلك، مع بغيه وبغائه!! إنه باق لعدم وجود البديل وحسب!

 

القرآن الكريم قد أحكم الله آياته، ويسر فهمها وذاكرها، وما تشابه من آيات القرآن فلا علاقة له بالأحكام العملية، والمسالك الفردية والاجتماعية..!

 

وليست هناك آية قط يمكن الحكم عليها بوقف التنفيذ، أو تعطيل عملها تصريحاً أو تلميحاً.

 

وإذا كنا نعيب على بعض الماجنين تبرمهم بأحكام الحدود والقصاص، فهناك عيب أشد على نفر من المنتمين إلى الدين، أنهم أطاعوا ما استسهلوا، وتركوا ما استوعروا.

 

إنهم صلوا لأن الصلاة عمل لا يجر وراءه المتاعب.. أما قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُوا...} [المائدة: 8] فأمر فوق طاقة الجبناء الحريصين على منافعهم ومناصبهم، هنا يمكن اللجوء إلى تأويل النصوص وتغاير الظروف، وجعل العجز عقلاً، والجبن حكمه...!

 

والبعد عن الصراط المستقيم يستوي أن يكون الانحراف فيه ذات اليمين أو ذات اليسار.

 

  • الخميس AM 09:08
    2022-03-24
  • 924
Powered by: GateGold