المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413604
يتصفح الموقع حاليا : 234

البحث

البحث

عرض المادة

كيف تفسر ما ذكره القرآن من أن السموات سبع والأرضين سبع مع حقائق العلم التي ترى أن الأرض واحدة والسماء فضاء؟

ذكرت في أكثر من كتاب أنه يستحيل أن يقع تناقض بين الدين والعلم، فإن العلم الصحيح وصف دقيق لجزء من ملكوت الله، والدين الحق توجيه آت من عند الله خالق هذا الملكوت، فكيف يحدث بينهما تكاذب؟

 

ما أثار التساؤل يرجع إلى أن الناس سمت شيئاً ما ديناً وليس بدين، أو سمت شيئاً ما علماً وليس بعلم! وقد يكون مثار التساؤل خطأ شخصياً من أحد المتكلمين في الدين أو أحد المتكلمِّين في في العلم، وما أكثر أخطاء الفريقين!

 

قال لي أحد الناس: ثبت أنه لا حياة إلا في أرضنا، وأن الكواكب الأخرى ميتة لا حياة فيها! قلت: هذا التعميم خطأ، يمكن أن يقال: لا حياة بشرية، أو لا حياة نباتية، أو لا حياة لكائنات تعتمد على النفس وتعجز عن الوجود في درجات حرارة معينة!!

 

ومن قال: إن المخلوقات كلها على غرارنا؟ {مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: 51]. إنها جراءة أن يتحدث بعض الناس باسم العلم فينطق بالجهل، ويبدو أن الأمر كما يقول العقاد: هناك مقلدون في كراهية التقليد!

 

قال: تعني أن هناك حياة في الكواكب والنجوم؟ قلت: لا أمنع أن هناك حيوات أخرى، وأستبعد أن تكون الأفلاك حجارة صماء موحشة تسبح في الفضاء، ليس على أديمها إلا الخراب!!

 

إن علماء الفلك متفقون – تقريباً – على أن أرضنا تشبه حبة رمل في صحراء مترامية الأطراف! فهل هذه الحبة وحدها التي سعدت بالعقل – أو شقيت – وأما بقية الحبات فلا حراك ولا فكر ولا قيمة... هذا بعيد!!

الذي أشعر به من كتابي أن هذه الأفلاك مشحونة بكائنات راشدة، تسبح بحمد الله، وترثى لسكان الأرض، وتأسى لمأسيهم ومعاصيهم، وتسأل الله لهم المغفرة، قال تعالى: {تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ۚ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلْأَرْضِ} [الشورى:5] قال تعني أن السموات السبع هذا الأفلاك؟ قلت لا أجزم يشيء في هذا، ولا العلم يجزم هو الآخر بشيء عن حقيقة الفضاء، وطبقاته الذاهبة مع الغيوب، إن موضوع العلم هو المادة، وما تولد منها، فإذا اتصل الأمر بشيء وراء المادة توقف بحثه، وبالتالي لا يذكر العلم شيئاً يوصف بأنه تناقض الدين..

 

الذي أراه، أو أحس به أننا نتحرك في إطار معين، إذا تجاوزناه إلى أعلى أو إلى أدنى لم نصل إلى نهاية، في عالم العدد نحن نتحرك داخل مجموعة من الأرقام، فهل هناك نهاية للعد التصاعدي، وهل هناك نهاية للعد التنازلي؟؟ لا حدود هنا أو هنا، لا نهاية لمضاعفات الأرقام من فوق، ولا لأجزائها من تحت!! وقد عشنا داخل ما أتيح لنا، وتركنا الفكر فيما وراء ذلك!

 

إن اللانهاية يعرفها من لا أول له ولا آخر، يعرفها الله وحده، ونحن نلقي إليه السلم فيما نعجز عنه ونستريح!!

 

لا ريب أن العلم المادي تقدم في عصرنا تقدماً عظيماً، ووصل إلى كشوف باهرة، وأريد أن أقرر أنني استفدت من هذا العلم في دعم إيماني، وأنه زادني إجلالاً لربي!

 

إن ظلال الأشياء تمتد وتنكمش في أثناء النهار تبعاً لدوران الأرض حول نفسها أمام الشمس، هكذا قرر العلماء، معنى هذا أن ظلي أنا، وظل داري، وظل عمود الهاتف أمامها، هذه الظلال تتبع حركة طولها في الفضاء مائة وخمسون مليون كيلو متر هي مسافة ما بين الأرض والشمس!

 

 

قلت: ما أعظم الترابط على بعد الشقة – بين الأرض وأمها، وما أدل طول الظلال وقصرها على عظمة مثبتعا وما حيها! وتلوت الآية الكريمة {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَىْءٍۢ يَتَفَيَّؤُا ظِلَٰلُهُۥ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِّلَّهِ وَهُمْ دَٰخِرُونَ} ثم تلوت ما بعدها {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ مِن دَآبَّةٍۢ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 48-50].

 

إن الأسرة الشمسية التي تضم أرضنا تحتوي على نوع من الحياة فيه صلاحية معرفة الله، والاستقامة على هداه، ونحن البشر نقدر على ملاحظة آثار القدرة العليا فوق أرضنا المحدودة، إن ظلال الأشجار المهتزة مع الريح، تقصر حيناً وتطول حيناً، هي أثر إشعاع قادم من مسافة 150مليون كيلو متر ضبطته بالشبر والإصبع حكمة دقيقة، بديهي أن تكون هذه الأشياء كلها ساجدة لمن أقامها وأدامها.. فهي طوعاً أو كرهاً تسير وفق مشيئته...

 

هل يمكن أن تتلاقى هذه الكائنات وأن يعرف بعضها بعضا؟ من يدري؟ قد يقع ذلك {وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍۢ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ} [الشورى:29].

 

هناك أمر مستيقن أن بني آدم مجموعون ليوم لا ريب فيه! وأن هناك جناً سوف يحاسبون مثلنا لأنهم داخل دائرة التكليف، أما ما وراء ذلك فلا ندريه ولعله لا يعنينا.. المهم أن هناك سموات معمورة بخلائق أخرى.. وفي الحديث "أطت السماء وحق لها أن تئط – أي ضجت من ازدحامها-".

 

إن السموات حق، ولا نعرف كنهها، والملائكة حق، ولا نعرف كنهها.. ولم نكلف بذلك، وليس في العلم ما ينافي ذلك!! بل إن الملائكة – كما أفاد الدين – موجود بين الناس، وهي تؤدي وظائف منوطة بها في الإحياء والإمامة والمراقبة والتسجيل والإلهام والتخذيل!!

 

العلم المادي لا يدري ذلك، وليس في حقائقه ما يناقضه، وآفة بعض المنتمين إلى هذا العلم أنهم يريدون بالمنطق المادي أن يفهموا ما وراء المادة، وإلا أنكروه وتلك الحماقة لا يقرها العقلاء!

 

أما الكلام عن الأرض والأرضين فالسؤال يشير إلى قوله تعالى: {ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍۢ وَمِنَ ٱلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوٓا أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا} [الطلاق: 12]. وقد تساءل المفسرون: هل المراد مثلهن في العدد؟ أم مثلهن في الإيجاد؟

 

والعلماء الكونيون يرون أن الأرض ولداتها من المجموعة الشمسية كانت سديماً ثم انفصلت أجزاؤه على النحز المعروف الآن أي إن أصل الخلق واحد.

 

وأرجح هذا، فإن الارض لم تجيء في القرآن الكريم إلا منفردة، أما السماء فقد جمعت كثيراً جداً..

 

وقد يكون المقصود من تعدد الأرضين كثرة طبقات الأرض، أو ما طرأ على وجه الأرض من تغيرات؟ والمعنى الأخير ساورني وأنا أقرأ في علم "الجيولوجيا" هذه العبارات "لعل أحدث فروع هذا العلم وأخطرها أثراً "جيولوجية" الألواح المتحركة! وهي التي أسفرت عنها دراسة انتقال موجات لزلازل! فقد بينت إلى حد بعيد أن القشرة الأرضية التي يترواح سمكها بين 40و60 ميلاً، والتي كنا نظنها ثابتة، تتكون من مجموعة من الألواح أو الدروع تغطي مسطح الأرض، بما فيه قاع المحيط، وهي في حركة دائمة بطيئة لا تتعدى نصف بوصة في العام الواحد!

 

وهي إما متباعدة أو مثقاربة أو متحاكة جنباً إلى جنب، مما نتج عنه خلال الأحقاب الماضية، إن ما يعرف بالقطب كان صحراء، وما كان جنوباً صار شمالاً، وأن الوضع الحالي للقارات والمحيطات غير مستمر! بل إن الصخور السطحية تغرق في باطن الأرض على خط التقاء الألواح المتقاربة، لتصهر مرة أخرى- مع شدة الضغط وارتفاع الحرارة – ثم يعود إلى سطح الأرض مع مقذوفات البراكين.."

 

وما دمنا نتحدث عن العلاقة بين الدين والعلم فلنفرق بين نوعين من المعرفة الدينية، هناك أحكام مقطوع بها في الدين كالإيمان بالله الواحد، والصلاة له، وانتظار لقائه للحساب! فهذه أحكام يستحيل – كما قلنا آنفاً – أن يوجد في العلم ما يكذبها.

 

أما وجهات نظر الفقهاء في قضية ما وتفاوت تفسيرهم لنص من النصوص، فتلك أحكام ظنية يكتنفها الخطأ والصواب، ولا يعتبر أحدها الرأي الرسمي للإسلام، إنه رأي صاحبه، وافق العلم المادي أم خالفه...

 

ومن هذا القبيل مرويات الآحاد التي لم تبلغ حد التواتر، فهي ظنية الثبوت، يعمل بها في الفروع ولا تنبني عليها عقائد..

 

والأمر في ميدان العلم كذلك، فهناك مقررات علمية مستيقنة لم يوجد في الإسلام قط ما يخالفها.. وهناك نظريات تشبه الاجتهاد الفقهي عندنا، لا يمكن التعويل عليها أو التسليم المطلق بها، وعسى أن ينقص البحث فيها اليوم ما أبرم بالأمس، وأن يهدم الغد ما بناه اليوم.

 

هذه النظريات العائمة لا نترك من أجلها رأياً لفقيه، ولا حديث آحاد! ولمَ؟ وافتراض الصواب والخطأ واحد في الطرفين؟

 

إننا سنستبقى ما لدينا على حاله حتى يقطع الشك باليقين!

 

ويؤسفنا أن الكهان في ميدان العلم أكثر من الكهان في ميدان الدين، وأنهم يحاولون بجراءة ترويج نظريات مهتزة، وإكسابها أمام القاصرين طابع اليقين...

 

  • الخميس AM 09:02
    2022-03-24
  • 773
Powered by: GateGold