المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413672
يتصفح الموقع حاليا : 229

البحث

البحث

عرض المادة

هل مسئولية المسلم تجاه المجتمع الإسلامي وحده أم تجاه المجتمع البشري كله.. كيف؟

معرفتي بالإسلام تجعل ولائي للناس كلهم جزءاً من ولائي للدين الذي أحببته! فأنا لا أشعر بانشطار في هذا الولاء الواحد.

 

وقد سمعت أحد الشيوخ في أثناء الدروس يقول: نحن المسلمين أمة الإجابة، وغيرنا من أهل الأرض أمة الدعوة! قلت: ما معنى هذا؟ قال: إن محمداً صلى الله عليه وسلم دعا العالمين إلى الله، فنحن استمعنا إلى النداء وأسلمنا وجوهنا لله، وحق فينا قوله تعالى: {رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلْإِيمَٰنِ أَنْ ءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَـَٔامَنَّا ۚ رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلْأَبْرَارِ} [آل عمران: 193]. فنحن أمة الإجابة!!

 

أما غيرنا مدعو مثلنا، ولما يجب بعد! لعل النداء لم يصل إليه، أو لعله وصل إليه مشوهاً لا يحرك دواعي القبول، وأياً ما كان الأمر فهو مدعو!

 

وعلى أن أبلغه ما يجهل، وأن أثير فيه دواعي التصديق، لقد عرفت الحق قبله، فآمنت، ولست أولى منه بذلك الخير، وقد يكون خيراً مني لو عرف ما أعرف، والواجب يفرض على أن أكون صورة مرغبة لا صورة منفرة، وإلا كنت مسئولاً عن إضلاله، أو حاملاً أوزاره؟!

 

ومن المحزن أن عدداً من علماء المسلمين شغله الترف العقلي فخان أمانة الدعوة والبلاغ، وأن عدداً من حكام المسلمين شغله المجد السياسي، فما أحسن خدمة الحق ولا جذب الانتباه إليه! ونشأ عن ذلك أن العلاقة بين أمة الإجابة وأمة الدعوة كانت مليئة بالخصام، بل كانت مخضبة بالدم؟

 

 

قد تقول: أهذا كل ولائك للإنسانية؟ وأجيب للفور: لا .. لا تنس أني حسن الظن بالفطرة الإنسانية نفسها، لأني مسلم أعلم أن الصفة الأولى لديني أنه دين الفطرة! إن الناس يولدون عليه ويتجاوبون مع تعاليمه إذا أدركوها.. ويوم تخف قبضة الموروثات الرديئة فإن الجماهير ستكون قريبة مني أو أكون أنا قريباً منها.

 

ولو خلى المرء وفكره لاتجه إلى إله واحد، ولشعر بدوافع ذاتية إلى هذا الرب الوحيد، ولو خلى المرء وفكره لآثر الزواج على العهر، والصحو على السكر، والإخاء على الأثرة، والنصيحة على الغش!

 

إنني حسن الظن بالفطرة البشرية، واعتقادي أنها كالثمر الذي ينبت جميل الرواء شهي الطعم، بيد أن النبات قد تعدو عليه أمراض تشوه لونه ومذاقه، إن هذه الأمراض علل طارئة، وقد تعارف الزراع على مقاومتها كي يحموا محاصيلهم، لكن الأجيال الناشئة بيننا لا تجد الحماية الكافية، ومن ثم قد تلتهمها الأوبئة الخلقية والاجتماعية والسياسية، فيشب الصغار مائلين زائفين!

 

وماذا يفعل أولئك الصغار إذا سمعوا منذ نعومة أظفارهم أنه لا إله، والحياة مادة؟ أو سمعوا أن الآلهة شركة مقرها جبل أولمب أو صحراء الجزيرة أو فوق السحاب؟ إنهم يكبرون زائغين.

 

أتراني أدافع عن ذلك الانحراف؟ كلا، وإنما أذكر الواقع المجرد! والذي أعلمه أن الله زود الفطرة بخصائص تملك بها حق الاعتراض على الباطل الذي يعرض أو يفرض عليها، وأن هذه الخصائص من القوة حيث يعد إهمالها تقصيراً سيئاً وأساساً لمساءلة عادلة يوم الحساب، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِىٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ  قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَآ ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَٰفِلِينَ أَوْ تَقُولُوٓا إِنَّمَآ أَشْرَكَ ءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّنۢ بَعْدِهِمْ ۖ  أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْآيَٰتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: 172-174].

 

هذا الحوار ناضح بأن الخصائص الذاتية للفطرة الإنسانية قادرة على المقاومة والرفض، يجب أن يرفض العقل الخرافة، ويتشبث بالحقيقة، يجب أن يرفض الضمير البشري الإثم ويتشبث بالبر والطيبة.

 

وإذا حدث أن خفت صوت الفطرة، جاءت نجدات من الخارج لمعانته كي يؤدي وظيفته، ويبقى الإنسان إنساناً، يعرف ربه ويؤثر دربه!!

 

وإذا كان الوحي الإلهي غير كاف في إيقاظ الفطرة وإعادة التائه إلى رشده، أحاطت بالأفراد والجماعات آلام تكسر الغرور وتوفق الحجب وتحمل البشرية على الخضوع لمولاها ومناشدته الرحمة {وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍۢ مِّن نَّبِىٍّ إِلَّآ أَخَذْنَآ أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} [الأعراف: 94].

 

ومع ذلك فالفطرة وحدها لا تخطيء في كل شيء! إنها تخطيء وتصيب، وتجور وتستقيم! ودورنا نحن المسلمين أن ندعم الصواب، وأن نوهن الخطأ، وأن نذكرها بما تنوسي من حق.

 

وفي ظلمات الجاهلية الأولى شعر نفر من ذوي القلوب النبيلة أن المستضعفين يجار عليهم في الحرم، وتغصب حقوقهم، فتجمعوا وقرروا أن يغيثوا الملهوفن ويبقوا إلى جانبه حتى يرضى، ذلك هو حلف الفضول الذي تم في دار عبدالله بن جدعان.

 

وبعد ظهور الإسلام ونزول الوحي، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحلف بإعزاز وولاء وقال: لو دعيت به في الإسلام لأجبت! نعم إن الإسلام الذي جاء به هو الإنسانية في صورتها الوسيمة، ونحن – انبعاثاً من هذا المعنى – نرى لزاماً علينا في الإنسانية في الميدان الدولي أن نحارب التفرقة العنصرية، وأن نخاصم الاستكبار بالقوة، وأن نقر عيننا بانتصار العدالة، وأن نفرح بشيوع الرخاء بين عباد الله.

 

إنني أغبط الرجال الذين يعملون باسم "لجنة العفو الدولية" على اليقظة الخلقية والغيرة الإنسانية التي تجعلهم يرقبون الأحداث في العالم، فإذا وجدوا ظلماً شهرواً به، ومزقوا الأستار عنه، وألبوا الدنيا عليه.

أشعر كأن هؤلاء الناس ينفذون التعاليم التي تلقيتها من رسولي المنصف الرحيم القائل: "إذا علمت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها, ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها"!!

 

إن الدين تحسين للحسن وتقبيح للقبيح حيث كان، ومن أي الناس كان. وأنكر أنني لم أعلم بمصارع العلماء الصوماليين العشرة الذين رفضوا قوانين الأسرة الجديدة في الصومال، إلا من استنكار لجنة العفو الدولية لما وقع.. إن أغلب الإذاعات الإسلامية والعربية آثرت الصمت..!!

 

قلت: هؤلاء الساكتون أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان، أما الأجانب الغاضبون للظلم فهم أقرب إلى الإيمان منهم إلى الكفر! إن هلاك الأجيال على ظهر الأرض يجيء من شيوع الخبث وسكات العارفين، قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍۢ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ  وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا مَآ أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍۢ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً  ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 116-117].

 

والانتماءات المزورة لا تخدع ذا لب، كم من منتمين إلى الإسلام لو تفرست في أعمالهم ما وجدت أثراً لفطرة سليمة، أو تقوى حقيقية، وكم تجد مسالك هي الإسلام بعينه ولكن العنوان مفقود..!

 

أعجبتني نظم الشورى في الغرب، ورأيتها تطويراً جيداً لما حدث في سقيفة بني ساعده قديماً.. فإذا أذناب لولاة الجور الذين أهانوا الإسلام وأمته يقولون في صفاقة نادرة: هذا اقتباس أجنبي، والشورى عندنا لا تقيد حاكماً..!!

 

وتأملت في أحوال القائلين فرأين ناساً يخزى بهم الحق، وتستخفى المروءة، يسترون عوراتهم العقلية بركعات ميتة، وتدين شائه، فقلت في نفسي: الأوربيون في نظم الشورى تلدوا النبوة والخلافة الراشدة، وهؤلاء العرب قلدوا الحجاج والمعتصم وبقية السلاطين..!

 

ما أكثر ما ظلمت أمتنا بالمتقولين الجهلة..

على أن الإنسانية في غيبة الوحي تشعبت بها الطرق وتفرقت مذاهب شتى كما زاحمت الفطرة غرائز وأهواء جامحة، والحضارة التي تسود العالم اليوم تشوبها نقائص ونقائص كثيرة... وربما اختلف الناس في مفهوم العدل، بل في مفهوم الفضيلة والرذيلة، وبين الجبهتين اللتين تحكمان العالم تفاوت واسع في وجهات النظر.

 

وذلك كله يؤكد ضرورة الرجوع إلى وحي الله والاستهداء به متاهات الظنون، ومتشعبات الهوى، إنه لابد من دين لدنيا الناس.

 

ونحن المسلمين نملك الوحي الخاتم، ومن حقنا وحدنا أن نتكلم باسم موسى وعيسى ومحمد جميعاً، فإن كتابنا جمع لباب الدين، وتضمن جملة الحقائق التي يفتقر إليها البشر، ليوفوا بحق الله أولاً، ثم ليتعايشوا متعاونين متراحمين في هذه الحياة.

 

بيد أن الناس لن يسمعوا حرفاً منا ما بقينا على تخلفنا الشائن، وما بقينا جهلة بقيمة التراث الذي لدينا، وما بقينا – على غنانا – نتسول من الشرق أو الغرب برامج إصلاح وضرورات حياة.

 

فلنستعد ثقتنا بأنفسنا ولنوثق إيماننا، ولنتمسك بالخصائص التي زكت وارتقت بها أمتنا، وهي ما قررته الآية الكريمة: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ} [آل عمران: 110].

 

إننا لسنا جبهة ثالثة في العالم، إننا الجبهة الأولى فيه، فلما أزرينا بأنفسنا أزرى بنا الآخرون، وطريق العودة ممهد لا مسدود!

 

  • الخميس AM 08:56
    2022-03-24
  • 773
Powered by: GateGold