المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412169
يتصفح الموقع حاليا : 293

البحث

البحث

عرض المادة

ما مفهوم الإسلام عن الحياة والموت؟

نظرت عن كتب إلى الفندق الذي أنزل به – وكنت في أحد أسفاري – ثم دار في نفسي هذا السؤال:

 

ترى كم شخصاً سكن غرفتي قبل أن أسكن فيها؟ وكم شخصاً سيحل مكاني بعدما أغادرها؟ ما أوهى علاقتي بهذه الغرفة..! وأحسست أن هذه الغرفة، بل أحسست أن الفندق كله شبيه بهذه الدنيا نظهر بها بغتة ثم نختفي.

إن ناساً كثيرين قروا هنا ثم ولوا.

 

لقد رأى بعضهم بعضاً كما يرى النزلاء أنفسهم حينا في صالة الفندق وكل مشغول بشأنه يعيش في وجوه الخاص فما تربطه بغيره إلا نظرة عابرة وبسمة عارضة!

 

هكذا إلتقى أبناء كل جيل بأترابهم، ثم... ثم... انتهوا.

 

وتذكرت الآية التي وصف الله بها هذه الحياة: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوٓا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} [يونس: 45]. وشعرت بأن الدنيا تظفر من اهتمامنا بأكثر مما تستحق!!

 

هل هذه حقيقة الدنيا.. وترددت شيئاً ما في الإجابة ثم تأت: على اية حال لا خلود لنا هنا، إننا راحلون يوماً، ولكننا نؤثر أن نتناسى ذلك اليوم!

 

لست أسجل هذه الخاطرة تهوينا لشأن الدنيا إن شأنها يجب أن يهوى عندما تحاول احتواءنا، وعندما نفقد فيها عزيزاً فنكاد نهلك، أو عندما نكسب فيها نفيساً فنكاد نلقى مصير دودة القز التي تختنق داخل ما تنسج بريقها الناعم...

 

والمخدعون في الدنيا أعداد فوق الحصر، إن قتالهم رهيب للحصول على مغانمها وتصارعهم دامي الجوانب للعب منها دون وعي!

 

وتحت الأقدام في هذه الساحة الخسيسة أرحام مقطوعة، وحرمات منتهكة ومروءات ضائعة، وصداقات منسية، ومستضعفون ديسوا، وأشياء كثيرة محزنة.

 

ما أحقر الدنيا يوم تنال بهذا الثمن، وما أحراها بهذا الوصف الحكيم {وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ ٱلرِّيَٰحُ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ مُّقْتَدِرًا} [الكهف: 45].

 

لكن للحياة الدنيا جانباً آخر لابد من بحثه ودراسته، إننا نوجد فيها ونقضي فيها أمداً لا ندري مبدأه ولا منتهاه، والذي أوجدنا أخبرنا أننا لن نترك سدى، وأنه لم يخلقنا عبثاً!!

 

إننا أمام عمل جاد وامتحان خطير..! وإن علاقتنا بالأشياء والأشخاص محكومة بقوانين دقيقة، وإننا خلقنا للبقاء ولا للفناء، وإن اليوم بذر وغداً حصاد.

 

وإن المكان الممهد والزمان المحدد هما ساحة سباق هائل توشك نتائجه أن تعلن: {تَبَٰرَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا... } [الملك: 1-2]. وإذا كانت الدنيا قنطرة لما وراءها فمن الحماقة محاولة الخلود فيها، أو حصر الاهتمام في مآربها وحسب!

 

إن ما يستصحب منها للغد المرتقب هو الحق، والذي يعيش عبد بطنه دابة، وقيمته ما يخرج منه! والذي يسبيه جنون المال والجاه، ويقلقل كل شيء لإثبات ذاته رجل تائه!

 

كان أبو الطيب المتنبي يرى أن العظمة هي مجد السلطة ونيل الحكم.

وتركك في الدنيا دوياً كأنها                          تداول سمع المرء أنملة العسشر!!

 

كان يرى نفسه قمة يجب أن تتوج بالأبهة والسناء، ومالم يتح لأحد! أليس القائل:

وكل ما خلق الله وما لم يخلق                    محتقر في همتي كشعرة في مفرقي!!

 

وازن بين غرور هذا الإنسان الذاهل وبين قول ابن عطاء الله السكندري في حكمه.. "من مدحك فإنما مدح مواهب الله عندك، فالفضل لمن منحك لا لمن مدحك".

كذلك يستكين المؤمن لله، ويعرف نعمته، ويقر بعبوديته، ويمهد لنفسه عند عودته!

 

إن أغلب الناس بهم من نزق أبي الطيب، وشرودهم في الحياة يرجع إلى ذلك، وما أحوج الناس إلى فهم قوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍۢ فَمِنَ ٱللَّهِ ۖ  ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْـَٔرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَآ ءَاتَيْنَٰهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا ۖ  فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 53-55]. الحياة الصحيحة في الإسلام أن تعتبر الدنيا ولست لها، إن الله لم يخلق الإنسان ليجوع ويعرى ويذل ويخزى كلاً إن له حقوقه المصونة لا في الضرورات فقط ولكن في المتاع والزينة! لكن على شرط أن يعرف المنعم ويشكره.

 

بيد أن أكثر الناس يلهيه التهام ما يطلب عن رؤية مرسله كالحيوان الذي يتبع حامل البرسيم أو القول، فإذا نفذ ما بيده من طعام انصرف عنه! فقد انتهى الرباط الذي يشده إليه..!! لماذا يكون بعض الناس كهذه الأنعام؟ لماذا ننسى من يطعم ويكسو. ولا نذكره إلا إذا – احتجنا؟

 

إن الله أنبت لتبهجنا، وملكنا الأنعام تغدو وتروح إلى الحقول وقال لنا: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: 6] ورصع السماء بالدراري اللامعات، وقال: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى ٱلسَّمَآءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ} [الحجر: 16].

 

ورفض مسالك أهل القنوت الذين يحبون الحياة الخشنة فوق أرض تفور بالبركة والعطاء وقال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ ۚ } [الأعراف: 32].

 

المعقول – بعد هذا الرزق المبسوط – أن ننتفع بهذا الفضل الأعلى ونقدر صاحبه حق قدره.. ! والحياة الصحيحة في نظر الإسلام أن تعرف ربك من خلال آفاقها. إن المهندس الماهر يضع بصماته على الآلة المحكمة التي يبدعها، ورب العالمين – وله المثل الأعلى – أظهر صفاته العُلى في خلقه هذا العالم الرائع.

 

وحياتنا نحن البشر فوق ظهر الأرض فرصة لا تتكرر لمعرفة الله، وإنشاء علاقة صحيحة به تبارك اسمه، وأنا لا أتفلسف حين أصف إعجابي بعظمة الله، ولا أذهب بعيداً! إنني أملاً صدري بالهواء ثم أقول: سبحان من غلف كوكبنا بهذا الجو الذي تتنفس فيه ألوف مؤلفة من الناس والدواب والطيور إن هذا الهواء سواء هب ريحاً عاصفة أم نسيماً على لا شيء عجيب الخلق!

 

وهذا الماء الذي يلف أرضنا؟ إن العلماء قالوا: إنه يكون 80% من سطح هذه الكرة الطائرة حول أمها الشمس، ومع جريها الحثيث ما سقطت منه قطرة في الفضاء، وكان المفروض أن ينسكب في كل ناحية! من يمسكه في بحاره وأنهاره؟ ويجتذبه ليبقى في قراره؟ إنه الله.

 

إن الملكوت الرحب الذي نسكن جانباً ضئيلاً منه يشير إلى ربه ويسبح بحمده، وعلينا أبناء الحياة الدنيا أن نتجاوب مع هذه الحقائق حتى إذا غادرناها إلى ما بعدها كنا أهلاً لجوار كريم!

 

أما إذا عشنا نأكل ونلهو وحسب فالمصير كالح. وقد نبهنا إلى هذه الحقيقة الصارمة {إِنَّ هَٰذِهِۦ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا} [المزمل:19]  {ذَٰلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ  ۖ  فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَـٔآبًا} [النبأ: 39].

 

وحق على أهل الإيمان أن يتمكنوا في الدنيا. ويقدروا عليها بسعة العلم وقوة العمل لأن الله لم يخلق عباده كي يعيشوا على هامش الحياة، أو يضطرب في أيديهم زمامها وهو القائل: {وَلَقَدْ مَكَّنَّٰكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَٰيِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [الأعراف:10].

 

ولهذا التمكن ثمرتان: الأولى حسن ارتفاق الأرض، واستغلال خيراتها في رفاهة الإنسان ومتاعه إلى حين.

 

والثمرة الثانية: تطويع ما في الأرض من قوى لدى الحق، وأقامة نظام محكم لجعل الأمور تمشي وفق ما شرع الله، وهذا ما تنصح به الآية الكريمة: {وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلْغَيْبِ} [الحديد: 25].

 

إن الجهلة بالحياة ليسوا أناساً صالحين! وكيف يكون صالحاً من لم يقرأ عظمة الله في صحاف كونه؟ وكيف يكون صالحاً من ملكه الله الأرض وقال له ولأمثاله: {هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا.. } [البقرة: 29] فعاش ملكاً للأرض تافهاً فوق ثراها وملكته هي بدل أن يملكها؟ وكيف يكون صالحاً من سمح للإلحاد أن يسبقه في كل ميدان ويهزمه في كل نزاع؟

 

  • الاربعاء PM 05:56
    2022-03-23
  • 821
Powered by: GateGold