المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412652
يتصفح الموقع حاليا : 327

البحث

البحث

عرض المادة

كيف بُنِيَ الإسلام على خمس؟ وما هي؟ ولماذا خمس بالذات؟

شرحنا أن الإسلام هو العنوان المعروف للدين الذي جاء به خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الأنبياء الأوائل بلغوا صوراً محدودة لهذا الإسلام تناسب مدارك الأمم وقدراتها فالدين في الحقيقة واحد، يشبه إنساناً في فترات الصبا واليفاعة.. ثم اكتمل هذا الإنسان وبلغ أشده، اكتمل مبنيِّ ومعنيِّ، ذلم هو الفرق بين الرسالة الإسلامية كما بلغها النبي الأخير، وهذ الرسالة كما بلغها في فجر الخليقة مرسلون محليون محدودون...

 

وبناء الرسالة على خمس يحتاج إلى إيضاح فإن شعب الإيمان ومعالم الانقياد إلى الله تقارب السبعين عنصراً.

 

وهذه العناصر السبعون مبينة في كتاب الله وسنة رسوله، وهي تتناول الفرد والمجتمع والدولة، وتستوعب قضايا خلقية واجتماعية واقتصادية وسياسية كثيرة!!

 

من أجل ذلك لم يقل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإسلام مؤلف من خمس أو يتكون من خمس، وإنما قال: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ".

 

فهو يشبه الخيمة التي يقيمها الجوالة في رحلاتهم، والخيمة تقوم على عمود أساسي في وسطها، وأربعة أعمدة تمد جوانبها وتثبت قماشها!

 

وأنت تعلم أن جسم الإنسان يتكون من أعضاء وعضلات وأربطة وأعصاب وعظام وحواس.. إلخ ومع ذلك فهناك عدة أجهزة رئيسية هي دعائم هذا الكيان الدقيق أحصاها علم الأحياء في: (1) الجهاز العصبي (2) الجهاز الدوري (3) الجهاز الهضمي (4) الجهاز التنفسي (5) الجهاز التناسلي والتنويه بهذه الأجهزة ووظائفها لا يلغي بقية ما يتكون الجسد الإنساني منه...

 

والخمس التي بُني عليها الإسلام هي: "شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ...

 

هذه دعائم البناء ودعائم البيت غير جدرانه وسقفه وأبوابه ونوافذه ومرافقه.. إلخ.

 

وشهادة التوحيد ترجمة عن الإيمان القائم في القلب، والإيمان معرفة بلغت حد اليقين أو تصديق جازم لا يحتمل الريبة، وانقياد لله لا يقبل ذرة من تمرد.

 

عندما يشهد المرء أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فقد عالن الناس ورب الناس بأنه ارتضى هذا الدين، ولزم منهجه، وتبع قائده...

 

ولا تقبل هذه الشهادة من قائلها ما لم يكن لها رصيد قائم في القلب، مهيمن على باطن النفس، ويعني هذا أن يكون المسلم ذا ضمير يرفض الدنايا، ويأبى مواقعتها، ويحذر ربه ويتقي عقوبته؛ لأنه بفقه قوله سبحانه: {وَٱعْلَمُوٓا أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِىٓ أَنفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ} [البقرة: 235] { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُۥ ۗ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ} [آل عمران: 28] {إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ فَإِيَّٰىَ فَٱرْهَبُونِ} [النحل: 51] {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175].

 

كما يعني هذا أن يظاهر المرء دينه وأتباعه وإن اشتد ساعد الخصوم، وامتد أذاهم وعظم بأسهم، وتلك حقيقة التوكل المعتمد على الإيمان بالله الكبير، إنه ينفي العزيمة الحائرة والإرادة المنسحبة {وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة 23]  {إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِى يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعْدِهِۦ ۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران 160] .

 

والإيمان مصدر ولاء لإخوان العقيدة وسخط على خصوم الحق، فالمؤمنون يحبون لله ويبغضون لله، ولا يكونون أذناباً أبداً ولا أشياعا لأهل الفسوق والإلحاد: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلنَّبِىِّ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا ٱتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ} [المائدة: 81]. إن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله رمز لمعان نفسية بالغة الأثر في توجيه المجتمع كله..

ويجيء بعد الشهادة إقام الصلاة، إنه ليس أغدر من إنسان يسمع ويرى بقدرة الله، ويأكل ويشرب من خير الله ومع ذلك يضن على ربه بساعات قلائل يتذكره فيها.

 

إننا مننفق الكثير من أوقاتنا في اللهو واللعب، ونستكثر لحيظات نقف خلالها أمام الله متعبدين.. والمدنية الحديثة مسئولة عن السعار المادي الذي أذهل الناس عن كل شيء إلا نداء غرائزهم، إن المرء ينطلق وراء رزقه انطلاق الوحش في البرية لا يهدأ حتى يظفر بفريسته، ثم يعود فيلتهمها هو وأسرته، ثم ينطلق لمثلها في يوم جديد.

 

وهكذا دواليك حتى ينتهي عمره وهو يلهث وراء مآربه وحدها لا يعرف له ربَّاً ولا يؤدي له حقاً! ما أتفه هذه الحياة، وما أسوأ عقباها..

أما المسلم فهو بين الحين والحين يصغى إلى داعي الله يهتف بصوت جهير الله أكبر الله أكبر، فيلبي النداء، ويكرر التكبير ويسعى للوقوف بين يدي ربه قانتاً خاشعاً.

 

والصلاة في الحياة الإسلامية ليست عملاً فردياً يهتم به صاحبه وحسب، بل هي سمة اجتماعية تسيطر على جمهور المؤمنين وتدفعهم إلى التلاقي في محراب العبادة جماعات متكررة من الفجر إلى العشاء.

 

ومن هنا جاء التعبير بإقام الصلاة لا أداء الصلاة، إذ المقصود إتيانها في جماعة، والتجشيد لها، والخشوع فيها، وإعلاء شعائرها. إعظاماً له، وإبرازاً لحقه تبارك اسمه.

 

ونرجيء الكلام في الزكاة والصيام والحج إلى مكان آخر، ونتحدث الآن عن الأركان الخمسة جملة لماذا كانت خمسة.

 

ترى لو كانت أربعة أو ستة أكان السؤال ينتفي؟ لا. والسؤال الدائر يسقط من تلقاء نفسه، مثل لماذا كان اسم فلان زيداً ولم يكن عمراً، إنه سؤال يتسلسل إلى ما لا نهاية فلا معنى له.. ومع ذلك فهناك إجابة مقنعة في هذه القضية قدمها الشيخ الكبير الدكتور عبدالله دراز تدور على هذه العبادات خاصة هي شارات الإسلام ومعالمه التي تميزه عن غيره، وأن غيرها قد يقوم به يهود أو نصاري أو ماديون، كمكارم الأخلاق مثلا!! وقد تكون هناك عبادات إسلامية محضة لكنها دون هذه الأركان في الدلالة والقيمة.

وننقل ما قاله الرجل الذكي رحمه الله. فبعد أن تحدث عن الإيمان وأنه عصب الحياة في الدين ومصدر الطاقة الكامنة في أعماله كلها تساءل عن الصلاة والزكاة والصيام والحج لماذا ذكرت دون شعب الإسلام الأخرى! فقال: لأنها أعظم المظاهر وأوضح العناوين على الإيمان بهذا الدين من حيث هو دين سماوي – لما فيها من الاستسلام لأمر الله لمجرد أنه أمره دون قصد إلى مصلحة عاجلة من المصالح العامة أو الخاصة، أما ما عداها من الأعمال فليست لها هذه المنزلة في الدلالة على الإنتماء إلى الإسلام.

 

ذلك أن الفروع الدينية منها ما هو باطن لا اطلاع لنا عليه كالإخلاص والتوكل والرضا، ومحبة الخير للغير وسائر ما يبحث عنه علم الأخلاق، وهذا القسم لا يصلح شعاراً ولا علامة ظاهرة للمسلمين فضلاً عن أن يكون أساساً لشتى العبادات والمعاملات..

 

أما الأعمال الظاهرة في الشريعة فأنواع، منها ما يرجع إلى المصالح التي تقتضيها الفطرة، كوسائل الحفاظ على الشخص أو النوع من النظافة والستر وطلب الرزق وابتغاء النسل من طريق شريف، وكالجهاد دفاعاً عن النفس أو العرض أو الحق كيف كان.

 

ومنها ما يرجع إلى المصالح التي تدركها العقول وتهدي إليها التجارب كقوانين المعاملات وآداب الاجتماع من الصدق والوفاء بالعهد والإقساط في الحكم، وبذل العون للمحتاجين والدعوة إلى الخير والضرب على أيدي المفسدين..

 

وهذان النوعان لا يعد الاستمساك بهما دليلاً على إسلام صاحبهما، فقد يستمسك بهما من هو على دين باطل ومن لا دين له أصلاً، استجابة منه لدواعي الفطرة والعقل دون نظر إلى توجيه سماوي.

 

 

بقي قسم العبادات وأعني بها الأمور التعبيرية التي لها رسوم وأوضاع دينية خاصة لا تهدي إليها الغرائز ولا العقول، كالصلاة المحدودة بأوقاتها وأعدادها وهيئاتها، وكالزكاة المحدودة بأنواعها وأنصبتها ومقاديرها ومواقيتها، وكالصيام المحددد بزمانه وكيفيته وكالحج، والأضاحي، والكفارات ونظام التوارث، والعقوبات المقدرة المعروفة بالحدود، ونحو ذلك من الأمور التي لاحظَّ  للاجتهاد في وضعها ولا في تبديلها وتغييرها مهما تغيرت الأحوال والعصور.

 

فهذه الأمور جديرة بأن تسمى رموزاً دينية، وشعائر إسلامية؛ لأنها لا يتعاون فيها مع باعث الدين باعث آخر من غرائز النفس ولا هدايات العقول، ولذلك لا يشارك المسلمين فيها أهل دين آخر بصورتها المرسومة في الإسلام.

 

لكن منها ما ليس بواجب قطعي عيناً كالضحايا، ومنها ما لم يقصد وضعه ابتداء بل علق على وقوع شيء من المخالفة لتعاليم الدين كالحدود والكفارات..

 

على أن الحدود ونظام المواريث – وإن كانا تعبدين – إلا أنهما من الأمور الموضوعة لإقامة مصالح الدنيا بالقصد الأول، وقد يأخذ بهما من ليس على هذا الدين لما فيهما من المناسبة للعقول.. فلم يبق من فروع الدين ما يصلح أن يكون أساساً لشعائر الدين سوى الأركان الأربعة المذكورة في الحديث – مع الشهادتين – لأنها شعائر ظاهرة خاصة بهذا الدين وحده، واجبة وجوباً عينياً،  مقصودة للشارع قصداً أولياً، موضوعة لإقامة مصالح الدين أولاً وبالذات، ومصالح الدنيا ثانياً وبالعرض!

 

فلذلك كانت لها الصدارة على سائر الفروع، حتى نظمت مع الأصل الذي هو مبدأ الإسلام – يعني الشهادتين – في سلك واحد وصارت القواعد خمساً..

 

وهذا الكلام للعلامة الشيخ دراز من خير ما قيل في شرح بناء الإسلام على خمس.

 

  • الاربعاء PM 05:51
    2022-03-23
  • 1051
Powered by: GateGold