المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412656
يتصفح الموقع حاليا : 362

البحث

البحث

عرض المادة

هل يستطيع الإنسان السوي الرشيد أن يعيش بلا إسلام؟

لو كان التدين غباوة لآترت العيش بلا دين، ولو كان حرجاً على النفس أو قبولاً للدنية، أو سطوة عنصرية لآثرت العيش بلا دين! لكن الدين ليس كذلك، بل هو مخاصمة لكل ذلك. إن الملاحدة خلطوا خلطاً قبيحاً بين الحق الذي نزل من عند الله، وبين الباطل الذي صنعه البعض من عند نفسه وزعم أنه دين.

 

ومن عوض باطلاً ما على أنه دين فهو كاذب، والكفر بما عرضه واجب.

 

والناس في عصرنا هذا فرقاء متباينون، منهم من ينكر الألوهية ويتصور العالم لا ربًّ له. ومنهم من يعترف اعترافاً غامضاً بالألوهية، ويحسب الأديان الكبرى متساوية المنهج والقيمة. ومنهم من يعتنق اليهودية أو النصرانية، ولا يرغب عنهما أبداً، ومنهم والوثني المغلق ومنهم المسلم الذي رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً.

 

وفي المسلمين غوغاء يحبون وفق ما ورثوا من سنن وبدع وعلم وجهل وهدة وهوى.

 

وفيهم دعاة إلى الحق الذي نفذه السلف الكبار، ثم استوحش قليلاً وكثيراً مع مسيرة التاريخ، ثم أمسى غريباً في هذه الأيام.

 

ومشكلة الدعاة المسلمين تجيء من الصورة التي يظهر بها الإسلام في العالم الإسلامي، وتجعل المرء السوي في بلاد أخرى ينفر منه.

 

فلو أن رجلاً يعيش في بلاد حرة، يناقش فيها الحكومة دونما رهبة، ويعترض رئيس الدولة ويعارضه دونما قلق، مثلما كان يفعل المسلمون قديماً مع أبي بكر وعمر، لو أن هذا الإنسان قيل له: اعتنق عقيدة التوحيد فهي حق، ولكن إذا قلت للحاكم: لا، رميت في السجن! أو ضرب عنقك!!

أتحسب هذا الإنسان يسلم؟ كلا وماذا يغريه بالدخول في دين يقدر الحاكم فيه على تدمير مدينة ودفن ثلاثين ألفاً تحت أنقاضها، وبقي بعد ذلك مهيباً مصوناً توجل وسائل الإعلام القريبة والبعيدة من تناوله.

 

إن هذا الإنسان يكفر ويكفر، ولا يرضى بالدخول في هذه الدائرة المزعجة...  ومن المسئول عن محنته؟ ساسة جبابرة لا دين لهم اشتغلوا فنانين عن الإسلام بأسلوبهم في الحكم.

 

وهناك مشتغلون بالعلم الديني يقدمون الإسلام على أنه حبس وتجهيل للمرأة، ويجتهدون في تقرير أحكام تظهر النساء وكأنهن جنس هدر الحقوق، ومحقور المنزلة مغموض العقل يستغرب وجوده في ميادين العلم والعبادة والجهاد، بل يستنكر عليه أن يقود سيارة.

 

لا جرم أن النساء في شرق العالم وغربه تأبى اعتناق هذا الدين وترى الحكمة في تجنبه..!! ويؤازرهن في ذلك ألوف الرجال الشرفاء.

 

إن فتنة الناس عن الإسلام بهذه الطريقة هي شيء محزن حقاً، وكثيراً ما أذكر قصة البدوي الذي قالوا: إنه عرض ناقته في السوق بدرهم واشترط أن يباع مقودها معها بعشرة آلاف.. فكان الناس يقولون ما أرخصها لولا هذا المقود الملعون.

 

أجل وما أسهل اعتناق الإسلام لولا المحمولون عليه اللاصقون به.

 

نسأل بعدئذ: هل الشخص الملحد الكاف بالله ولقائه ووحيه يمكن أن يكون سوياً رشيداً؟ ونجيب: إن مثل هذا المخلوق مصاب يقيناً في بصيرته وسيرته، وإنكاره لربه أفحش من عقوق الولد لأبيه البر الرحيم.

 

وقد تكون له موهبة علمية، لكن ذلك لا يرفع خسيسته، وقد حكمت الولايات المتحدة بالإعدام على عالم بالذرة أفشى أسرار عمله للروس، إنه عد من كبار المجرمين لأنه خان وطنه وقومه.

وما الوطن؟ قطعة من الأرض. وما القوم؟ قبيل من الناس. فكيف بمن خان رب الأرض والسماء ورب البشر كلهم؟ ألا يعد مجرماً؟

 

إن عظمة موهبة ما لا تنفي الإصابة بعلل مهلكة، فقد يكون المرء حاد البصر جداً، ولكنه مصاب بسرطان يوشك أن يخترم عمره ويورده المهالك، فما غناء بصره القوي مع علته الجسيمة؟

 

والشخص الذي يرفض معرفة الله والتقيد بدينه مهما نبغ في أمر ما، فهو معتل الضمير، زائغ التفكير، مخوف السلوك على الأقرين والأبعدين، بل هو إلى الحيوان أقرب منه إلى الإنسان.

 

وعبادته لهواء تجعله مشئوماً على نفسه ومن اقترب منه، وقد يعاقبه الله في العاجلة فيجعل ذكاءه ضده، فيبحث عن حتفه بظلفه ويحفر قبره بيده.

 

وقد وصف الله سبحانه عبيد أهوائهم الكارهين للاستضاءة به، والاستمداد منه فقال: {أَرَءَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ ۖ  بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 43-44].

 

ولقد رأيت في أرجاء البلاد العربية أناساً ينتمون إلى "العلمانية" ويستبعدون بعنف كل أثارة للإسلام في ميدان التربية أو القانون أو الثقافة أو التوجيه.

 

وتفرست في وجوه هؤلاء وأعمالهم، فما رأيت صحة نفسية ولا دقة عقلية. فيهم مسلمون – كما يقالب – يكرهون ما أنزل الله. وفيهم كتابيون ينضمون إلى كل جبهة تخاصم الإسلام لكي يكثروا السواد ويشبعوا الأحقاد، ويتظاهرون – مع ذلك – بالحياد!!

 

ويستحيل وصف أحد من هؤلاء بأنه إنسان رشيد، لأنه لو كان ذا نزعة قومية مجرده لعلم أن بني إسرائيل تسلحوا بعقيدة مهاجمة، وسياسة جعلت الدين يغتصب الأرض والعرض، فكيف يقبل الدين مهاجماً وترتضي سياسته وتحترم سطوته؟ ويرفض الدين مدافعاً ويعتبر إشراكه في التربية والتقوية سياسة رجعية مرفوضة.

ألأن الدين هنا هو الإسلام، ولأن الدين هناك هو اليهودية؟!

 

لا سياسة في الدين إذا كان إسلاماً يدافع، وتقام الدول من الهباء إذا كان الدين صهيونية وتوصف السياسة هنا بأنها حكمة وتقدم؟؟

 

على أنه ليس من الحصافة والرشد رفض نبوة محمد، وكراهية هذا الإنسان العظيم والتحامل عليه، إننا نضحك من إنسان يرى أن الأرض كوكب مثلث أو مربع ، أو أن موسى عليه السلام ولد في الولايات المتحدة. فكيف لا نضحك من شخص يرى بوذا إلهاً ومحمداً قاطع طريق؟

 

وكيف لا نضحك من شخص يرى الإسلام عبادة أصنام واستباحة أعراض ولا يعرفه دين توحيد وعفاف؟ إذا لم يكن هذا الشخص مغفلاً، فهو جاهل بلا ريب، والجاهل لا يوصف بأنه امرؤ سوي ورشيد، وقد يكون الجهل عذراً يسقط المسئولية الأخلاقية عند مخالفة القانون، ولكنه لن يكون منقبة تزين صاحبها.. إن هناك يهوداً يصدقوا أن الله صارع أباهم إسرائيل وكاد ينهزم أمامه، ونصارى يصدقون أن الطفل يولد وهو حامل للعنة الخطيئة التي اقترفها آدم، وإذا لم يعتقد أن عيسى صلب فداء له باء هو الآخر باللعنة الأبدية!

 

فليعتقد من شاء ما شاء، ولا يتطاول فوق مكانته، ولا يتعرض بالتكذيب للإنسان الذي جاء ينقى رسالات السماء مما أهانها، والذي جاء في كتابه هذا التقريع لكل شارد: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَىٰ وَإِبْرَٰهِيمَ ٱلَّذِى وَفَّىٰٓ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ  وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ  وَأَنَّ سَعْيَهُۥ سَوْفَ يُرَىٰ  ثُمَّ يُجْزَٰهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلْأَوْفَىٰ } [النجم: 36-41].

 

إن جرس هذه الآيات الموجزة ينبعث دقات رهيبة الرنين تثير الحذر، وتوقظ الانتباه! أو هي ومضات متقطعة تلفت السائر في الدرب المتشابه كيف يعرف هدفه ولا يثنيه عنه.

 

إن الجهل بالإسلام نقص شائن، وما يستطيع أحد الاكتمال بدونه، وكيف يتزكى امرؤ استغنى عن توفيق الله وهدايته، وبشارته ونذارته، لم تًرَطِّب قلبه لحظة خشوع، ولم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين...؟؟

 

  • الاربعاء PM 05:49
    2022-03-23
  • 1064
Powered by: GateGold