المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413716
يتصفح الموقع حاليا : 297

البحث

البحث

عرض المادة

كيف يلغي الإلحاد العقل والعلم؟ 1

سنرى كيف أنّ هذا يؤدِّي به إلى سلسلةٍ من الإنكارات:
إنكار المسَلَّمات العقليَّة، والأخلاق، وسؤال الغاية، والإرادة الحُرَّة.
إنكار وجود هذه المكوِّنات بشكلٍ فِطريٍّ، أو إنكار أن يكون لها قيمةٌ.
لماذا؟! أمَا كان يمكنه أن يُنكر الخالق، ويحافظ على هذه المسَلَّمات -الَّتي يجدها المُلحد من نفسه رَغمًا عنه- بدل الدُّخول في سلسلة المكابرة والضَّياع هذه؟
لا، لا يستطيع!
لماذا؟
سنرى، وسنبدأ بالضَّرورات العقليَّة.
هذه الحلقة ستكون غزيرة الفائدة؛ سنناقش فيها: دلالة الضَّرورات العقليَّة على وُجود الله تعالى، كيف يُسقِط الإلحادُ المنهجَ التَّجريبيّ، هل الإلحاد يحترم العقل أم يُسقِطه؟ تناقض المُلحدين، مقولة: "الحقيقة نسبيَّةٌ، وليست هناك حقيقةٌ مُطْلقةٌ"، ما أصْلُها وما نتائجها؟ هل الأشياء دليلٌ على الله؟ أم أنَّ الله هو الدَّليل على كلِّ شيءٍ؟
بدايةً -إخواني- الإيمان يؤسِّس كلَّ شيءٍ على وجود الله تعالى؛ ففي المنظور الإيمانيّ:
خَلَقَ اللهُ السَّماوات والأرض بالحقِّ، ووضع لها بحكمته سُننًا ثابتةً. وفَطَرَ الإنسان على فِطرةٍ
تُنتِج له مُسَلَّماتٍ عقليَّةً ضروريَّةً، يَنطلِق منها عقل الإنسان لاكتشاف حقائق الأشياء.
المُلحد لديه مشكلةٌ مع كلِّ عِبارةٍ من هذه العِبارات التسع:
(خَلَقَ)، (الله)، (بالحق)، (بحكمته)، (سُننًا ثابتة)، (فِطرة)، (مسَلَّماتٍ عقليةً ضروريةً)، (عقْلُ الإنسان)، (حقائق الأشياء).
وسنبيِّن ذلك بالتَّفصيل.

في المنظور الإيمانيّ يقول الله تعالى:
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)؛ أيْ أنَّه أوْجَد في الإنسان الانجذابَ الفِطريّ، والقابليَّةَ لمعرفةِ الحقِّ في المُدْرَكات والأخلاق، والبحثِ عن الغاية الحقِّ من الحياة، يُودِع هذه المعاني في نفس كلِّ إنسانٍ يَخرج للحياة ليبتدئ بها تَعلُّمَه؛ (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ) ، وهذا مِن أشكال الهداية، وقُلنا أنَّ هذه الفِطْرة للإنسان تُشبِه نظام التَّشغيل للحاسوب.
في المنظور الإلحاديّ، الإنسانُ جاء وَليدَ الصُّدْفة والعشوائيِّة، لا لِحِكْمَةٍ؛ وليس هناك شيءٌ اسمه فِطْرةٌ.
لكن، كيف تفسِّرون -أيُّها المُلحِدون- وجودَ ما يُشْبِه نظام التَّشغيل للإنسان؟ بدايةً، كيف تفسِّرون وجود البَدَهيَّات العقليَّة؟ أي المُسَلَّمات العقليَّة والضَّرورات العقليَّة، مثل: مبدأ أنَّ البَعْضَ أصغر من الكلِّ، وأنَّ (1+1=2)، وأنَّ النَّقيضَين لا يجتمعان، وأنَّ لكلِّ حدثٍ سببًا، هذه قواعدُ عقليَّةٌ يَبني عليها الإنسانُ معارِفه ولا تنبني على شيءٍ قبلها؛ فلا بدَّ أنَّ هناك مَن أوْدع في نَفْس الإنسان فِطرةً تتعرَّف عليها.


المُلحدون أدركوا وجود هذه المشكلة، لكنَّهم أصرُّوا على التَّهرُّب من فكرة أنَّ هناك (برمجةً) يمكن وصْفُها بأنَّها (حقٌّ)، تُحلِّل المُدْخلات الحِسِّيَّةَ مِن جهةٍ، وتُعْمِل العقل مِن جهةٍ، لتَصل إلى نتائج حَقَّةٍ، إذْ هذه البرمجة تحتاج إلى مَن يُوْدِعها في نفْس الإنسان فأصرُّوا على أنَّ البرمجة وَلِيْدَة الحواسّ.

فيقولون: لا، فنحن لا نرى قاعدة السَّببيَّة حقيقةً مطلقةً عامةً نلتزِم آثارها في كلِّ شيءٍ.
أَدْرك هؤلاء مدى تناقضهم وهم يلتزمون بالسَّببيَّة في حياتهم اليوميَّة، والاستكشاف وبناء النَّظريَّات العلميَّة، وفي كلِّ شيءٍ، بينما عندما تأتي المسألة إلى الحقيقة الكبرى، وهي سبب هذه الأسباب كلَّها ومصدر الكون، يُنكرون السَّببيَّة، فماذا فعلوا للخروج من هذا التَّناقض؟
أنكروا الضَّرورات العقليَّة بالكليَّة من الأصل، ومنها حقيقة أنَّ لكلِّ حادثٍ سببًا، وقالوا: الأشياء التي نظنُّ أنَّها أسبابٌ، إنَّما حدثتْ باقترانٍ مع ما نظنُّه نتائج، بينما قُصارى الأمر أنَّهما حَدَثانِ تعاقَبا، ولا علاقة لأحدهما بالآخر، وعليه اعتبروا أنَّهم خرجوا من مأزق سبب وجود الكون، فقالوا أنَّ الكون يمكن أن يوجَد بلا سببٍ أصلاً! أو أن يُوجِد نفسَه بنفسه!

وحقيقةً أيُّها الإخوة، هذا الكلام -وإن كان نوعًا من الجنون- إلَّا أنَّك تجد مَن يُفاخِر به ويتغنَّى بأسماء (العلماء) الذين يُنظِّرون له، وهو ضريبةٌ من ضرائب الإلحاد، ونتيجةٌ طبيعيَّةٌ له.
[كيف يهدمُ الإلحادُ العلمَ التجريبيَّ؟]
هؤلاء وإن كانوا ينطلقون من تقديس العلم التَّجريبيِّ، ويقولون: لا نؤمن بما وراء الطبيعة؛ لأنَّه لا يمكن تجربتُه، إلَّا أنَّ كلامَهم ينتهي بهدم العِلْم التَّجريبيِّ من أساسه؛ فالاستكشاف كلُّه قائمٌ
على رصْد العلاقات السَّببيَّة، واشتقاق الاستنتاجات العلميَّة المُطْلَقة.
أمَّا حسب مبدأ هؤلاء: فإنْ كان مليون مُجرِّبٍ لتفاعل الحمض مع القاعدة نتج معه ملحٌ وماءٌ، فإنَّهم يَمْنَعون أنفسهم من أن يشتقُّوا من ذلك تعميمًا وحقيقةً علميَّةً مطْلَقةً، بل لا مانع -وفق مبدئهم- من أن يَنْتج في المرة المليون وواحد شيءٌ غير الملح والماء؛ لأنَّهم إن اشتقُّوا قاعدةً علميَّةً، وأصبحت هذه القاعدة حقيقةً مطلقةً، فإنَّهم يكونون قد بَنَوا هذه القاعدةَ على ضروراتٍ عقليَّةٍ؛ كاعتبار أنَّ للكون سُننًا ثابتةً، وأنَّ تَفاعل هاتين المادتين سببٌ لتكوِّن الملح والماء، هذه السُّنن، مَن وضَعَها؟ وهذا التَّسبِيْب، مَنْ جعله حقيقةً راسخةً ثابتةً؟
العشوائيَّة والصُّدْفة لا يضعان سُننًا ولا يُوجِدان حقائق مطْلَقةً؛ لذلك، أنكروا المسَلَّمات العقليَّة وعلى هذا فالعِلْم التَّجريبيُّ يصبح عبثًا، بل وتطبيق نتائجه يصبح عبثًا؛ ففَايروس الإيدْز ليس سببًا في الإيدْز، إنَّما هما أمران اقْتَرَنا. والأمراض ليس لها أسبابٌ، والعلاج ليس سببًا للشِّفاء. ولو أنَّ مرضًا جديدًا ظَهَر، فمِن العبث ومضْيَعة الوقت أن تُنفَق المليارات على معرفة سببه، فقد نكتشف في النِّهاية أنَّ هذا المرض هو كالكَوْن بلا سببٍ!

  • الاحد PM 11:11
    2021-09-19
  • 968
Powered by: GateGold