المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409179
يتصفح الموقع حاليا : 379

البحث

البحث

عرض المادة

الماسونية والثورات الشعبية بين الحقيقة والافتراء

المقدمة

 

إن الحمد لله وحده نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، سبحانه وتعالى له الحكم والأمر. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل 

شيء قدير 

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه خاتم الأنبياء والمرسلين، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وتركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك. 

صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من سار على هديه إلى يوم الدين. 

ثم أما بعد. 

فالثورات الشعبية ظهرت في القرون السابقة، حيث الثورة الفرنسية والروسية ثم زاد انتشارها في أواخر القرن العشرين وأوائل الواحد والعشرين، وكان أهم تلك الثورات الشعبية في القرن الحالي ثورة تونس ومصر ثم ليبيا واليمن وبعض الدول الأخري. 

وقد ربط البعض بين تلك الثورات والماسونية العالمية اليهودية وقد اختلط الأمر عليهم حيث إنه لا يمكن اعتبار تلك الثورات الأخيرة من صناعة الماسون (1) . 

فالثورة الفرنسية والثورة البلشفية الروسية كانت صناعة ماسونية من البداية 

(1) اقرأ كتابنا (( مؤامرات وحروب غيرت العالم صنعتها الماسونية، الناشر: دار الكتاب العربي

دمشق القاهرة. 

 

تمهيدا لقيام حروب عالمية حدثت وخطط لها لتدمير العالم. 

وفي هذا الكتاب نحاول إيضاح مفهوم الثورات وما هي الثورات التي أشعلتها وكانت من ورائها الماسونية، وكذلك علاقة الماسونية بالثورات العربية الأخيرة، وعلاقة كل ذلك بنهاية العالم ومحاولات الصهيونية العالمية وذراعها الماسونية من السيطرة على العالم. 

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا إلى إخراج هذا العمل على الوجه الذي يرضيه ويجعله في ميزان حسناتنا يوم القيامة إنه ولي ذلك والقادر عليه. 

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم?  

 

 مفهوم الثورات

 

* مفهوم الثورة السياسية

* ثورات بلا قادة الثورات الناعمة

* الثورة في الفكر الماركسي الشيوعي والفكر الأوروبي

 
مفهوم الثورة السياسية

الثورة في اللغة فعلها ثار وجمعها ثورات وهي الاندفاع العنيف نحو تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية في أي مجتمع تغييرا جذريا. 

والثورة في المصطلح السياسي في الخروج عن الوضع الراهن إلى وضع أفضل. 

وتقوم النخبة السياسية والمثقفين في المجتمع بالتحريض على الثورة في المجتمعات ذات الأفكار الراكدة، وأيضا في المجتمعات المتخلفة سياسيا واقتصادية خاصية التي يحكمها الطغاة كما هو الحال في بعض دول العالم الثالث مؤخرا. 

وعرف التاريخ القريب ثورات شعبية دموية كالثورة الفرنسية، والثورة البلشفية في روسيا. 

فالثورة الشعبية هي تغيير جماهيري سريع وقد يكون عنيفا أو سلميا يستهدف إسقاط النظام السائد الذي يراه الثوار فاسدا ويراه البعض مثل لينين أنها انتقال الحكم من طبقة إلى طبقة أي من الطبقة الحاكمة الأرستقراطية إلى الطبقة العاملة. 

ولهذا تختلف الثورة الشعبية سواء السلمية أو العنيفة عن الانقلابات العسكرية التي تعد ثورات مسلحة يقوم بها فصيل عسکري حكومي أو متمرد على الدولة. 

فالانقلاب العكسرى يقوم به أحد القادة العسكريين للاستيلاء على السلطة وقلب نظام الحكم لتحقيق مكاسب شخصية له ولفئة معينة تابعة له. 

وهناك تعريفات تتصف بالعمومية على أن الثورة انقطاع في التاريخ وخط يشطر الزمان نصفين ومعه الأفكار، الأخلاق القوانين اللغة نفسها، نصف ما بعد ونصف ما قبل، متضادين لا يمكن التوفيق بينهما. 

فالثورة تعني کشف العلاقات الظالمة، وبناء نظام جديد. 

 

ويعرف كل من هنتنجتون ونيومان أن الثورة إبدال القيم. 

كما قد تعني الثورة في معنى آخر التطور الإيجابي كما هو متعارف عليه في مجال التكنولوجيا والعلوم التطبيقية حيث يستخدم مصطلح (( ثورة )) في الإشارة إلى ثورة المعلومات والتكنولوجيا، كالتي حدثت في أوروبا بعد العصور المظلمة التي عرفت بالعصور الوسطى وعرفت هذه الثورة بالصناعية العلمية. 

والثورة السياسية هي حركة سياسية في البلد حيث يحاول الشعب أو الجيش أو مجموعات أخرى من الحكومة إخراج السلطة الحاكمة، ويستخدم هذه المجموعات الثورية العنف في محاولة إسقاط حكوماتها، ويؤسس الشب أو الجيش حكومة جديدة في البلد بعد إسقاط الحكومة السابقة. 

أما الانقلابات العسكرية والتي يسميها البعض ثورات عسكرية فيقوم بها الجيش ضد السلطة الحاكمة، وبعد ذلك يؤسس حكومة استبدادية عسكرية في البلد، وفي بعض المرات القليلة يسلم الجيش الحكم السلطة مدنية. 

وكثير من الثورات أصبحت حروبة ثورية ومات فيها كثيرون من الأبرياء كما حدث في ليبيا من صراع دموي عسكري بين الثوار ورئيس الدولة المستيد. 

فالثورة حدث يغير مسار التاريخ، فما قبل الثورة يختلف عما بعد الثورة، كان النظام الملكي هو نظام الحكم السائد إلى أن قامت الثورة الفرنسية، والتي جاءت بالنظام الجمهوري 

والثورة تحدث في مجتمع تسوده علاقات ظالمة، ويعم فيه فساد بكاد يكون شاملا بحيث تكون حرية السواد الأعظم من أفراده غير مصانة، ضائعة، أو أن تكون مجرد شعار برفعه من يقمع هذه الحرية وليس الظلم عندما يعم يكون عدلا وتقوم الثورة لرفع الظلم الواقع على الشعب، والظلم هنا هو تلك العلاقات الظالمة التي تسود المجتمع، فتجعل من الصفوة أسيادا يحكمون يسرفون وينهبون خيرات ومقدرات البلاد کي نظل الشعوب فقيرة لا تفكر في الثورة عليهم وإنما تسعى الكسب قوتها اليومي لا غير كما حدث في مصر مؤخرة. 

ومفهوم الثورة في اللغات الأوروبية مستعار من دورة الكواكب حول نفسها بما 

 

فيها كوكبنا الذي ينجز ثورة كل 4 ساعة، فإنه في العربية مستعار من ظواهر الطبيعة والسلوك الانفعالي اليومي للإنسان نفسه وجاء في السان العرب، في مادة ثار؛ ثار الشيء هاج، ثورة الغضب حدته، والثائر الغضبان. ويقال للغضبان أهيج ما يكون: وقد ثار ثائره وفار فائره إذا غضب وهاج غضبه، وثار إليه وثب. 

فالثورة هي الهيج، ثار الغبار وثارت نفسه، إذا فارت واهتاجت. واضح أن مفهوم الثورة في العربية هو وصف للتمرد الفردي أو الجمى الانفعالي اليائس غير الحامي لأي مشروع مجتمعي، ولا لأي أمل في مستقبل أفضل. 

الثورة بهذا المعنى في لسان العرب، قاصر حتى عن وصف الثورة العباسية التي نقلت الحكم من تحالف القبائل القيسية، واليمنية الذي شكل القاعدة القبلية للخلافة الأموية، إلى تحالف الأرستقراطيتين العربية والفارسية والذي في ظله ازدهرت الحضارة العربية الإسلامية. 

وهو وصف ينطبق أيضا إلى حد كبير على كل تمردات الفلاحين الأوروبيين في القرون الوسطى التي لم تسفر عن تغيير النظام القديم بنظام أكثر تقدما وعدة وإن كانت أحيانا جعلت ملوك الاستبداد، خاصة المستير، يخففون من الضرائب ومن وطأة استبدادهم السياسي. 

وقد حدث تغيير نوعي في المفهوم النظري للثورة فأصبح بعنى التجديد السياسي والاجتماعي والديني والفكري 

والثورة عند الفيلسوف كوندرسيه مرادفة للإصلاح، وهي ليست إلا قرارة شجاعا ينخده الملك المسنود من الرأي العام ومن هيئات تشريعية موثوق بها، ويبدو أن هذا المفهوم الإصطلاحى للثورة حيث يكون الملك القاعل الرئيسى للثورة، وليس ضحينها، ظل متداولا إلى عشية ثورة 1789 كما تشهد وثائق الثورة الفرنسية من وجود دفاتر للشكاوي 

كان الفرنسيون يناشدون بها الملك لويس 16 لرفع المظالم عنهم بالقيام بثورة يرغب فيها كل الرغبة شعبك. 

 

لكن المفهوم الثاني الذي ساد والذي كان فولتير رائده فهو يعرف الثورة بأنها إطاحة بالنظام القديم الذي فقد جميع إمكانياته الخلافة لوضع أسس أكثر رسوخا وعدة لنظام جديد بحل محله نظام واعد بالتقدم .. 

في هذا المفهوم الراديكالي للثورة، لم يعد الملك صانع الثورة، بل بات ضحيتها، فهو لا يمثل التقدم أو برمز إليه، بل الماضي الذي يعيق التقدم المنشود، ومن ثم وجب التخلص منه لبداية عهد جديد. 

وأنصار هذا المفهوم الثوري تأثروا ولا شك بالثورة الإنجليزية (( 1988 - 1989 التي تفاديا لتنصيب سلالة ملكية كاثوليكية، استجدت ب Guillaum d 

' Orange الذي أجلس على العرش الدهوفر، ونال الإنجليز في المقابل إعلان الحقوق السياسية التي نظمت علاقة الملك بالشعب تقريبا إلى الآن، وهكذا كانت هي آخر ثورة عرفتها إنجلترا حتى الآن 

المؤرخ الفرنسي lacques Sole ميز بين الثورات الفاشلة والمنتصرة التي قادها جميعا ثوريون حقيقيون والثورات الفاشلة تستحق، في نظره، بالكاد نعت الثورة لأنها انتهت إلى الفشل، لكنها تبقى مع ذلك غنية بالمعلومات عن الثوريين بلا ثورة الذين حاولوا قيادتها إلى النجاح والنوع الثاني من الثورات هي الثورات الظافرة وفي طليعتها الثورة الفرنسية 

النوعان ممأ هما موضوع کتاب صوليه Sole حيث يقول: (( فقط في فرنسا 1789 بمكننا تاريخ وتنزيل وظهور كلمة الثورة بمفهومها المعاصر، أي تغيير سياسي عنيف ومؤسس بخلد في الذاكرة الجمعية .. كلمة ثورة استخدمت قبل هذا التاريخ الوصف كل تغيير سياسي عنيف بالرغم من تأثير الثورة الأمريكية في أوروبا لم تشهد فيها أي معادل من هذا الطراز قبل 1789 م. 

فرنسا النظام القديم لم تدمج في ثقافتها السياسية أفقا ثوريا وظل هذا الأفق غائبة خلال السنوات 1780 عند (( الوطنيين الهولنديين )) ، والإصلاحيين البريطانيين والمحرضين الأيرلنديين والسويسريين. 

 

وبالمقابل بدءا من 1789 كان الهوس الثورى سواء بتمجيده أو بتحضيره خاصية حاسمة للحضارة الأوروبية. 

وتأكيد صوليه بأن مفهوم الثورة لم يندمج في ثقافة النظام الملكي القديم غير دقيق ففي ظل النظام الملكي القديم نواجهت ثقافتان، ثقافته وثقافة التنوير برافديها الإصلاحي والثوري. 

الرافد الأخير دمج مفهوم الثورة بما هي تغيير راديكالي. إذا كان ثوار فرنسا 1789 قد نقلوا رفات فولتير إلى مقبرة العظماء، فذلك عرفانا له بالجميل واعترافا بأبوته الفلسفية لثورتهم الثورة الفرنسية 

ويلاحظ صولبه أن المحرك الجوهري لغالبية الثورات الأوروبية على تنوع أشكالها لم يكن اجتماعيا بل كان سياسيا، إذ كان العنصر الأول حاضرة دائما، فإنه فلما كان حاسمة أو مميزة لهدف الثورة. 

والثورات التي تلت الثورة الفرنسية في فرنسا نفسها وأحيانا في أوروبا كانت تکرارة لملامح عدة في الثورة الفرنسية بما في ذلك الثورة الروسية، فقد كان قادتها بعرفون وقائع الثورة الفرنسية يومأ بيوم ويحاولون محاكانها وأخذ الدروس منها. 

الثورة الهولندية (( 1795 - 1809 و لم تقلد الثورة الفرنسية، بل بالعكس سارت في الاتجاه المعاكس، كانت الثورة الفرنسية صك ميلاد الأمة الفرنسية الموحدة وغير القابلة للانقسام، أما الثورة الهولندية فقد أسست للفيدرالية، بقدر ما كانت الثورة الفرنسية صدامية، كانت الثورة الهولندية مفتوحة على الحل الوسط، الخاصية الأولى لثورات القرن 19 هي أنها كانت ثورات وطنية رهانا لدستور ديمقراطي وواضح إذن أن ثورة القرن 9 اتندرج في الجدلية التاريخية لهذه الثورات الوطنية الهادفة إلى تأسيس دولة - أمة حديثة لكل مواطنيها. 

  
ثورات بلا قادة الثورات الناعمة

يلاحظ صوليه أيضا أن الثورات بلا ثوريين ظهرت في أوروبا القرن 200 فقد أسس ديجول بين 1944 - 1941 نظاما سياسيا جديدا مكن نصف الشعب الفرنسي - النساء - لأول مرة من حقهم الديمقراطي في الاقتراع العام، كما أسس الجمهورية الخامسة بين 8 و 14 التي وضعت حدة للاستعمار الفرنسي وفوضى الحياة الحزبية بتأسيس ديمقراطية الحزبين الرئيسيين المتداولين على الحكم اللذان يشكلان ضمانة الاستقرار السياسي. 

تندرج في جدلية هذه الثورات بلا ثوريين، الثورة الديمقراطية الإيطالية غداة هزيمة الفاشية وانتهاء الحرب الأهلية، بالتسوية التاريخية بين فوى اليسار والديمقراطية المسيحية، بالمثل قامت ثورة ديمقراطية هادئة في ألمانيا الفيدرالية على أنقاض النازية، كما وضع إخوان کارلوس، في أسبانيا حدأ للانقلاب العسكري الفرنكوى على الديمقراطية وهكذا كان قابلة أسبانيا الجديدة. 

وما أسماه صولبه الثورة بلا ثوريين، هو ما أسماه برتراند راسل (( موت الفاعل، التاريخي، أي أن جدلية البنيات تقود بدينامياتها ذاتها إلى تغييرات يفرضها منطق الحقبة أي حاجاتها ومتطلباتها. 

وقد سعى الثوار في الوطن العربي لقيام ثورات سلمية بلا قادة عسي أن تنتقل مثل هذه الثورة إلى كل البلدان التي هي أحوج ما تكون إليها، وعسى أيضا وخصوصا أن تكون هذه الثورة بلا ثوريين مفتاح الحل للأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية التي تتوعد البشرية بالدمار الاقتصادي، حيث مشاكل العمالة التقاعد وتدمير البيئة. 

وهي جميعأ تشكل المصادر الأساسية للقلق الاجتماعي - النفسي الكوني. 

 

عجزت النخب العالمية، عن إيجاد حلول لها مكتفية بإدارتها ودائما من سيء إلى أسوأ. 

وهكذا تجد البشرية اليوم نفسها أمام وضع متفجر لتمردات عنيفة بلا أفق اجتماعي يشنها المهمشون والعاطلون والجياع وضحايا الكوارث مثل ما يحدث الآن في عديد من البلدان، كما حدث في فرنسا عام 2005 م، 2009 وأيضأ عام 1995 ء ثم الثورات الشعبية في الدول مؤخرا. 

والثورات العربية لها سوابق شهدتها دول أوروبا الشرقية فيما عرف بالثورات الملونة وهو مصطلح يطلق على أعمال الحركات والعصيان المدني وأعمال الشغب أو الحركات المطلبية في بعض الدول وخاصة المناوئة منها للغرب كالدول الشيوعية السابقة في وسط وشرق أوروبا ووسط آسيا، ولبنان وإيران في بداية القرن الحادي والعشرين. 

والمشاركون في هذه الثورات استخدموا المقاومة السلمية والاحتجاجات والمظاهرات مع استخدام وشاح ذي لون محدد أو زهرة كرمز، ومنها ثورة الورد (( أو ثورة الزهور أو الثورة الوردية، في جورجيا والثورة البرتقالية أو ثورة البرتقال في أوكرانيا وثورة التوليب (( أو ثورة السوسن أو ثورة الزئبق أو ثورة الأقحوان أو الثورة الزهرية، في قيرغيزيا وثورة الأرز في لبنان وقد سمى البعض اعتراض مير حسين موسوي على نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي خسر فيها الثورة الخضراء في إيران 

وأطلق اسم ثورة الزعفران على تحرك المعارضة في بورما أو ميانمار عام 2007، وأطلق على أعمال الشغب في التبت عام 2008 اسم الثورة القرمزية. 

هكذا كانت تلك الثورات السلمية بلا قادة وتلك ليست ميزة لهذه الثورات بل تعتبر نقاط ضعفها وعدم اكتمالها. 

 

الثورة في الفكر الماركسي الشيوعي 

والفكر الأوروبي 

في إطار النظرية والماركسية اللينينية، والمادي للتاريخ، وحسب هذا التفسير فإن الثورات تحدث نتيجة وجود مقدمات وشروط محددة تبرز في إطار تطور المجتمع، تؤدي إلى وجود تناقضات أساسية تحدد في التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج، وشكل التملك الاحتكاري الخاص، ويؤدي ذلك إلى اتساع الشعور بالظلم والاستغلال الذي يمارس من قبل فئة قليلة مالكة ضد بقية فئات الشعب 

ويؤدي هذه التناقضات إلى (( أزمة سياسية، عميقة، نمل معها نشوء حالة ثورية، تتجسد بنشاط الجماهير السياسي الواسع من خلال التمرد على الواقع بأشكال ومظاهر متعددة مثل الاضطرابات والمظاهرات والاجتماعات والانقلابات. 

إن الحالة الثورية هي تعبير عن التناقضات الموجودة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بل هي ذروة تفاقمها، وفي معرض الحديث عن أسباب الثورة، ذکر ماركس في مقدمته (( مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي )) أنه في مرحلة معينة من تطور المجنمع تدخل القوى المنتجة في تناقض مع العلاقات الإنتاجية التي كانت حتى ذلك الحين تتطور في إطارها، وتتحول هذه العلاقات المختلفة من صيغة لتطور القوى المنتجة إلى عوامل موفة لتطورها، وعندئذ يحصل عصر الثورة .. وعليه فإن الصراع بين القوى المنتجة الجديدة وبين العلاقات الإنتاجية القديمة يشكل الأساس الموضوعي الاقتصادي للثورة. وإن تصفية العلاقات الإنتاجية القديمة واستبدالها بعلاقات جديدة، لا تحدث تلقائيا وإنما من خلال توحيد القوى التقدمية كافة التي تعمل على إنهاء النظام الاجتماعي القديم 

وتشير النظرية الماركسية اللينينية، إلى أهمية الحزب الثوري ودوره في توحيد القوى الثورية وتنظيمها، وأهمية العوامل الذاتية في توعية الجماهير 

 

وقيادتها، ونشكل وحدة الظروف الموضوعية والذاتية، عند لينين، القانون الأساسي للثورة 

والثورة تحل جملة من القضايا المتعلقة بالتغيير الاجتماعي، إنها تهدم القديم وتبنى الجديد، ومن القضايا المهمة البارزة التي تواجهها الثورة هي قضية انتقال السلطة إلى أيدي الطبقة الثورية. 

بري لينين أن سلطة الدولة هي المسألة الرئيسية في أية ثورة، ويرتبط ذلك بجوهر الدولة بوصفها أداة خاصة أقامتها الطبقة الحاكمة، كوسيلة للسيطرة والتحكم والحفاظ على النظام القائم ويرتبط بالمهام التي يترتب على الثورة تنفيذها، من خلال مقاومة القوى الاجتماعية المالكة السابقة. 

ونتيجة ذلك تركز الماركسية اللينينية، على أهمية الفهم الصحيح للعلاقة بين الثورة والسلطة، فالثورة مقدمة ووسيلة لاستلام السلطة، واستلام السلطة شرط ضروري للتغيرات الجذرية التي يجب تحقيقها في المجتمع من خلال السلطة الجديدة التي تجسد مصلحة الجماهير وتعمل لتحقيق أهدافهاء 

ورأى لينين فيما بعد أن السيطرة الاستعمارية وما يرافقها من نهب واستغلال للشعوب المستعمرة يمكن أن تشكل مقدمات لقيام ثورات وطنية ذات طابع تحرري ضد الدول الاستعمارية. وعرفت هذه الثورات به ثورات التحرر الوطنية 

ورأى أن المرحلة الإمبريالية لابد أن تؤدي إلى توسيع هذه الثورات وبالتالي إلى حتميتها أيضأ، وحتمية حروب الطبقة العاملة ضد (( الطبقة البرجوازية، وحتمية الجمع بين كلا هذين النوعين من الحروب الثورية. التفسير البنائي الوظيفي. 

ويرى مجموعة من الباحثين في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية ومن أبرز هؤلاء (( سينموند نيومان )) واکرين برينتون )) أن الأسباب المؤدية للثورة والعوامل الدافعة لها ليست واضحة ومحددة، ومن الصعب تمييزها، فالثورة تحدث دون مقدمات باعتبارها طفرة في مسار التطور التاريخي نتيجة ضغوط ومصاعب متزايدة يؤدي تفاعلها إلى تغيير أساسي في التنظيم السياسي والبنيان الاجتماعي والتحكم في الملكية الاقتصادية. 

والثورة حسب هذا التفسير تشكل انکسارة رئيسا في المسار العام لتطور 

 

المجتمع، وتأتي في إطار العنف التحرري العادي الذي يستهدف تحرير الإنسان من الظلم والقهر، بعد أن تكون الوسائل الأخرى قد فشلت في إنجاز ذلك. وهي الوسيلة الفاعلة لتحقيق الطفرات التاريخية القادرة على بناء مجتمعات متقدمة تفني مسيرة الناريخ الإنساني بالإنجازات المتطورة، وبذلك تعد الثورة إنجازا حضاريا كبيرا بحمل المنفعة للمجتمع البشري 

وهذا التفسير لا يفرق بين الثورة والثورة المضادة، ولهذا يصف ابرينتونه الانقلاب الفاشي في إيطاليا، والانقلاب النازي في المانيا بأنهما ثورتان، ويرى أن الثورة المضادة في الاستمرار المنطقي للثورة، وهذا تفسير عجيب لا بنفق ومسار التاريخ الثوري. 

وهناك من المفكرين الغربيين إبان الثورة الفرنسية قد تأثروا بالفكر الإقطاعي التقليديد اللاهوتي أو الملكي، وتمثل خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر في مفكرين أمثال (( نيتشه، و (( غوستاف لوبون )) ، وهؤلاء يرون أن الثورات هي انفجارات طارئة خارجة عن السيطرة، تحدث نتيجة انفعالات جماهيرية مدمرة متناقضة وغير واعية لما يحدث، ويشارك فيها اللاشعور الجمعي لشعب من الشعوب بكل ما يحتويه من مظاهر تقدمية ورجعية 

وينطلق هذا التفسير من أن كل ما في الثورة (( فوضى، لأنها تعبر عن سيكولوجية الحشد، ويقارنونها مع الارتدادات، التي تعبر عن عقلية بدائية بمكن ملاحظتها في حالات الانهيار العصبي العام. 

وهناك من يرى أن اصطلاح الثورة يعبر عن تغييرات فجائية وجذرية وعنيفة تحدث في المجتمع دون وجود أي أسباب أو عوامل دافعة ومؤدية إليها، وأن الثورة تحمل معنى وصفيا وشكليا، ولا تحمل أي مضمون أو قيمة اجتماعية محددة. وطبقا لهذا التفسير فإن كل تغيير جذري وفجائي وعنيف في نظام الحكم والمجتمع بشكل ثورة حقيقية، طالما أن الحركة السياسية أو الفئات الاجتماعية التي قامت بالثورة تمتعت بتأييد قطاع واسع من الشعب. 

وليس معنى الثورة الشعبية أن يخرج الشعب كله بأكمله كما ظن البعض وإنما 

 

تخرج فئات أو جزء منه يمثل طوائفه المختلفة، كما حدث في أمريكا عام 1774 مثلا عندما تمرد الشعب الأمريکي ضد بريطانيا وأسس الأمريكيون الولايات المتحدة. 

في إيران تمرد الشعب الإيراني ضد (( الشاه، في عام 1979 وأسس دولة دينية. وفي مصر وتونس تمرد الشعب ضد رئيس الدولة ونظامه فأسقط النظام. 

وإذا كان التغيير يشمل جزءا من المجتمع، أو حق من حقول المعرفة فيه، فالثورة ترتبط بهذا الجزء، وتسمى باسمه. مثل الثورة الصناعية، والثورة العلمية والثورة الثقافية إلى غير ذلك، وهذا النمط من الثورات لا يؤدي لأي تغييرات سياسية واجتماعية مباشرة، ولكنه يحقق إمكانية انتقال المجتمع من بنية اقتصادية سياسية اجتماعية إلى بنية أخرى. 

فالثورة الصناعية التي برزت في القرن الثامن عشر حملت معها العوامل والمرتكزات التي أدت إلى الثورات التي شهدتها القارة الأوروبية في القرن التاسع 

عشر. 

إذا كان التغيير جذريا ويشمل البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة فالثورة اجتماعية وتشكل تغييرا جذريا شاملا في المجتمع يؤدي إلى إحلال تشكيلة اجتماعية اقتصادية بأخرى أرفع مستوى وأكثر تقدما أي تغيير جذري للنظام القديم، وإقامة نظام جديد ومؤسسات جديدة إنها في الإطار العام ففزة للمجتمع من مرحلة إلى أخرى أكثر تقدما وتطورا، وهو شعار الثورات العربية والشعب يريد إسقاط النظام )) ، 

 

 

  • الثلاثاء PM 03:56
    2021-06-15
  • 1050
Powered by: GateGold