المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413286
يتصفح الموقع حاليا : 311

البحث

البحث

عرض المادة

الماسونية ثعبان تحت الفراش

على هامش إحدى زياراتى العملية إلى القاهرة، دعانى أحد الأصدقاء إلى كوب من الشاى. عندما وصلت إلى منزله كانت حرارة الطقس قد تمكنت منى، فطلبت منه شراباً بارداً. 

توجه إلى الثلاجة وعاد منها بعلبة كوكاكولا بدأ يفتحها، لكنه توقف قليلاً ورفع رأسه إلىّ سائلاً: (( هل علمت أن مفتى الجمهورية أصدر أخيراً فتوى بأن شرب الكوكاكولا حلال؟ )) كنت أظنه يمزح فخطفت منه العلبة وشرعت فى إرواء عطشى، لولا أنه لم يكن يمزح، ولولا أن المسألة برمتها أخطر من أن تكون موضوعاً للمزاح. 

صب صديقى ما تبقى من شراب داخل العلبة فى كوب زجاجى، وأمسك بالعلبة وقال لى: (( احمل كوبك وتعال معى )) . وقف بى أمام مرآة معلقة وراء مدخل المنزل ورفع العلبة فى يده وأخذت أصابعه تدور بها فى مهارة أمام المرآة. سألنى ماذا أرى. قلت: (( علبة كوكاكولا حمراء اللون سيخرج منها أرنب بعد لحظة .. ومساء الفل يا باشا )) . 

لم يضحك صديقى، بل نهرنى بلطف: (( لا لا لا، ركّز قليلاً فى كلمة كوكاكولا المنعكسة فى المرآة )) . دفعتنى جديته غير المعهودة إلى الاقتراب من المرآة، فى محاولة لفهم ما يريد أن يقوله لى، وعندما طال تركيزى أعطانى إشارة لعلها تقترب بى من الحل: (( مشكلتك أنك تقرأها كما هى باللغة الإنجليزية. حاول أن تقرأ انعكاسها فى المرآة وكأنها مكتوبة باللغة العربية )) . عندئذ أدركت مباشرة ما يعنيه صديقى فلم أصدق عينى. تملكتنى مشاعر متداخلة، بعضها غرور إنسانى طبيعى يحاول التقليل من أهمية تلك الملاحظة، وبعضها الآخر قلق وتخوف من ألا تكون تلك مصادفة عابرة. أمعنت النظر مرةً أخرى حتى تأكدت تماماً: (( لا مكة - لا محمد )) .. أستغفر الله العظيم. 

 

فى الطريق من منزل صديقى إلى الفندق كانت هذه الفكرة قد تملكت خيالى تماماً وأنا موزع بين الغرور من ناحية والقلق من ناحية أخرى. فجأةً ما لبث الغرور أن زال، وما لبث القلق أن تضاعف عندما أخذتنى ذكرياتى إلى أيام الدراسة الأولى فى الجامعة حين كنت أدرس أسس الإعلام وفنونه. إذا كان فن التصوير الضوئى، الفوتوغرافيا، هو فن تجميد لحظة بعينها من حركة الحياة وتحويلها إلى وثيقة، فإن فن السينما هو فن (( الفوتوغرافيا المكثفة )) التى تلتقط للمنظر الواحد عدداً معيناً من اللقطات داخل الثانية الواحدة (تسمى كل لقطة بالإنجليزية Frame) . 

بعد تجارب مختلفة توصل المجربون إلى أنه إذا كان هذا العدد 24 لقطة فى الثانية الواحدة يتم عرضها بالحساب الزمنى نفسه فإن ذلك يكفى كى تنخدع العين بأنه مشهد متحرك، رغم أنه لا توجد حركة على الإطلاق، وإنما هو شريط من اللقطات المتتابعة. 

جاء التليفزيون بعد ذلك وتبنى المبدأ نفسه مع اختلافين: أحدهما جوهرى، هو أن الشريط السينمائى شريط مغناطيسى، بينما الشريط التليفزيونى شريط إليكترونى بما يستتبعه ذلك من اختلاف فى فلسفة العمل. وثانيهما اختلاف هامشى، هو أن عدد اللقطات داخل الثانية الواحدة فى العمل التليفزيونى يفوق مثيله فى العمل السينمائى بلقطة واحدة، فيصبح 25 لقطة فى الثانية الواحدة. 

واستناداً إلى نظرية الخداع البصرى هذه، حاول أحد العلماء الأمريكيين اختبار ما تطور بعد ذلك كى يُعرف بنظرية اللاوعى Subliminary Theory فقام ذات يوم بتصميم تجربة طريفة. أحضر فيلماً عادياً من أفلام رعاة البقر وعرضه على جمهور عشوائى بعدما أدخل على الفيلم تعديلاً طفيفاً. 

 

حشر داخل كل ثانية لقطة دخيلة كانت عبارة عن صورة لزجاجة بيبسى، وهو يعلم أنه لا يمكن للعين البشرية أن تدرك وجود لقطة واحدة تتحرك بالسرعة الزمنية النسبية التى تسمح لـ 24 لقطة بالعرض داخل ثانية واحدة. لكن الطريف أن الجمهور، الذى لم يكن يعلم عن الأمر شيئاً، تهافت أثناء الاستراحة على شراء زجاجات البيبسى. 

وبعد أسبوعين، فى طريقى من مطار هيثرو إلى منزلى فى لندن، افترض سائق التاكسى الباكستانى من تلقاء نفسه أننى ربما أكون مسلماً فالتفت فوق كتفه وبادرنى: (( أسالامو ألايكم براذر )) ، وعندما استأذنته فى تدخين سيجارة بعد رحلة طيران طويلة، استغل الفرصة فاستأذننى هو فى أن أسمع معه أغنية للمطربة الأمريكية الشهيرة التى تعيش الآن فى لندن، مادونا. لم ينطبق ذوق هذا الشاب الباكستانى المسلم الملتحى ذى الملامح المستريحة مع ما كنت قد كونته عنه من انطباع مبدئى. 

لكن وقتاً طويلاً لم يمر قبل أن ألاحظ أنه لم يكن تماماً مستمتعاً بالأغنية التى اختارها هو بنفسه، بل بدا لى مهموماً مفكراً، ثم نظر إلىّ فى المرآة التى تعلوه وسألنى: (( هل لاحظت شيئاً فى هذه الأغنية؟ )) . قلت فى نفسى: (( يا إلهى! مرآة مرة أخرى وأسئلة من هذا النوع مرة أخرى! من أين إذاً سيخرج الأرنب هذه المرة؟ )) . 

وكأنه أدرك ما يدور بذهنى، فأفاقنى من تفكيرى قائلاً: (( إذا كنت لا تود التركيز الآن يمكنك أن تأخذ هذا الشريط وتستمع إلى هذا المقطع بعدما تستريح من السفر، ولكن عليك أن تستمع إليه مقلوباً، أى من الخلف إلى الأمام، ولا تنزعج فإن لدىّ نسخة أخرى على أي حال )) . 

فى اليوم التالى كنت فى غرفة المونتاج فى مكتب قناة الجزيرة فى لندن أستمع إلى مادونا على استحياء فيما كان صوتها يأتى إلىّ كل لحظة وأخرى بزائر من زملاء العمل معلقاً على مرحلة المراهقة المتأخرة التى أمر بها الآن. أغلقت الغرفة على نفسى كى أركز فى ذلك المقطع الذى يقول: 

 
(It’s like a little frame, I’m down on my knees 
... 
)
(( إن الأمر يبدو كلوحة صغيرة وأنا راكعةٌ على ركبتىّ 
... 
))

وفيما يبدو أن أمرنا هذا لا يتعدى كونه إيقاعاً راقصاً وحفنة من الكلمات اللعوب، بدأت أستمع إلى المقطع نفسه من الخلف إلى الأمام. استمعت مرة ومرتين وثلاثاً حتى استطاعت أذناى أن تلتقط هذا التعبير: Hero, O Satan! (( أيها الشيطان البطل )) ! 

ورغم أن الشاعر العربى الراحل، أمل دنقل، قال ذات يوم: (( المجد للشيطان، معبود الرياح، من قال: (لا) ، فى وجه من قالوا: (نعم) ، من علّم الإنسان تمزيق العدم، من قال: (لا) ، فلم يمت، وظل روحاً أبدية الألم )) - رغم ذلك فإن ما يشفع له أنه أولاً قالها صراحةً، لأنه ثانياً لم يقصد بها المعنى الظاهرى الذى يمكن أن يفهم البعض منه تمجيداً للشيطان الذى نعرفه، وإنما كان يقصد من وراء ذلك بث روح الإباء فى شعب عربى مستضعف. أما هذا الذى على شريط مادونا فهو بعينه دس السم فى العسل عن طريق اللاوعى. 

يبدو هنا أننا بإزاء مساحة يلفها من الغموض أكثر مما يلفها من وضوح الرؤية، مساحة يتغلب فيها اللاوعى على الوعى. وحين يبدأ هذا فى الحدوث يبدأ القلق فى السيطرة على الإنسان. ومما لا شك فيه أن قلقاً شديداً كان قد بدأ يتسرب إلىّ وقد عدت الآن إلى منزلى مهموماً بهذا السؤال: (( من أين أبدأ؟ )) 

عندما اتصلت بالسائق الباكستانى كى أشكره وأسأله كيف استطاع التقاط هذا السم من بين العسل، قال لى إنه وعدداً من أصدقائه قد شكلوا جماعة إسلامية لمكافحة الماسونية: (( يا أخى إنها تسيطر على العالم وتتلوى كالثعبان وتتلون كالحرباء، فإن لم تستطع الوصول إليك صراحةً فإنها تصل إليك عن طريق ألاعيب اللاوعى )) . لم يكن الأمر فى حاجة إلى كثير من البحث المبدئى، فقد كان الغموض واضحاً بما يكفى. 

 

بدأت عيناى تنفتح، فبعدما تراكمت علىّ الأمثلة فى فترة زمنية وجيزة بعد مثال (( الكوكاكولا )) ومثال (( مادونا )) تساءلت: (( هل يمكن أن يكون هذا صحيحاً؟ وهل يمكن حقاً أن أكون أنا المغفَّل الوحيد فى العالم؟ )) ، وهو تساؤل لم تكن تكفينى إجابة عنه سوى نجاحى فى إقناع قناة الجزيرة باستقصاء الأمر ضمن برنامجى (( سرى للغاية )) ، خاصةً أننى كنت قد ألقيت بنفسى عملياً فى بحر من القراءة والتحقيق بوازع الشغف الشخصى. 

تختلف طبيعة المخاطرة ومستوياتها فى مثل هذا النوع من التحقيقات فتتفاقم كثيراً على مقياسى مقارنةً بأنواع أخرى من المخاطرة بما فيها التسكع حافياً عارياً فى منطقة حرب. فعلى الأقل يستطيع المرء فى منطقة حرب بقليل من البحث أن يعرف أين تبدأ خطوط المواجهة وأين تنتهى ومن يقف على جانبيها ومن يقف فى المنتصف، ومن ثم يستطيع البدء فى حماية نفسه. يختلف الحال كثيراً فى موضوع كموضوع الماسونية. 

غير أن آخر ما أرجوه من وراء هذه السلسلة من الحلقات أن أساهم دون قصد منى فى تكريس ما يوصف بنظريات المؤامرة، إذ إن هذه عادةً تقدم تفسيراً مريحاً لمن لا يريد أن يتعب نفسه فى طريق الوصول إلى الحقيقة. 

فيما يلى من حلقات سنتعرض من منظور محايد لمعنى الماسونية وكيفية تطوره عبر العصور المختلفة والدور البارز لطلائعها فى الحملات الصليبية على ديننا وبلادنا. كما سنتعرض لأشهر أعضائها وكيفية الانتساب إليها وديناميات العلائق داخلها من ناحية وبينها والعالم الخارجى من ناحية أخرى. مصادرنا فى هذا متعددة، من بينها لقاءات خاصة مع عدد من أعضاء هذه المنظمة العالمية الغامضة. 

يسرى فودة يكتب: الماسونية (2) حتى الممات 

4/ 11/ 2008 

popimage.aspx?ImageID=90277يسرىفودة&popimage.aspx?ImageID=90277 

يسرى فودة 

 

يقول الماسونيون إن منظمتهم الغامضة ليست غامضة وإنما نحن المصابون بالبارانويا. ويعللون لذلك بأن الماسونية تضم فى عضويتها – على حد قولهم – كثيراً من مشاهير السياسة والفكر والأدب والعلم والاقتصاد والتجارة والفن والرياضة. 

من بينهم واحد من أهم أعلام الموسيقى الكلاسيكية، هو وولفجانج أماديوس موتزارت، الذى ألّف للماسونية دون غيرها أوبرا (( النايات الساحرة )) التى استوحاها من أسطورة إيزيس وأوزوريس الفرعونية الوثنية، ومنها يشتقون واحداً من أهم رموزهم: العين الأحادية. يزعم البعض أن هذه العين ترمز فى معتقداتهم إلى عين المسيخ الدجال. 

إحساس على الأقل بعدم الارتياح، ليس فى العالمين العربى والإسلامى وحسب، بل أيضاً بين الغربيين غير الماسونيين، وتساؤل يجمعهم معاً: هل الماسونية حقاً مؤامرة صهيونية تنال من المسلمين والمسيحيين، وترفع كلمة اليهود وتتسيد العالم من وراء الكواليس؟ 

إليك أولاً هذه الآراء الخاطفة لعدد من المهتمين بأمر الماسونية الذين التقينا بهم من الشرق ومن الغرب: 

(( حسناً، أعتقد أن الماسونية بشكل عام، وفى البلاد العربية بشكل خاص، كانت ولا تزال إحدى أذرع الإمبريالية الغربية. لقد كانت أشبه بالقرد على ظهر الجيش البريطانى وقوات الاستعمار الفرنسية )) . 

مارتن شورت، مؤلف كتاب (( الماسونية: داخل الأخوّة )) . 

(( عندما بدأت حركات التحرر والاستقلال فى القرن الماضى تمت مواجهة الماسونية، ولم تبق فى العالم العربى سوى ذيولها، لكن هذا الانتعاش الجديد أتاها مع بدايات مشروع السلم المزعوم مع العدو الإسرائيلى )) . 

د. أسعد السحمرانى، أستاذ الفلسفة بجامعة بيروت

(( لقد خاب أملى من البداية، إذ بدا لى أن أعضاء المحفل الماسونى كانوا يسعون لمصلحتهم الخاصة، وبمجرد التحاقى بهم بدأوا يطلبون منى خدمات خاصة على أساس أننا إخوة فى الماسونية )) . 

جون سايمونز، ضابط شرطة ماسونى سابقاً 

 

(( الماسونية لا تتعاطى السياسة ولا الدين. يستطيع الفرد الماسونى أن يصل إلى منصب نائب برلمانى أو وزير أو قائد عسكرى أو حتى رئيس جمهورية، ولكن ذلك لا يعنى أنه متأثر بالفكر الماسونى )) . 

زياد، اسم حركى لماسونى عربى يخشى الإفصاح عن شخصيته 

(( ولكن فى واقع الأمر، حين تحللها، تجد أنها دين يعبد إلهاً، وهذا الإله ليس إله إبراهيم أو إسحاق أو يعقوب أو قبائل بنى إسرائيل، وإنما هو (يَهْوَه) الذى هو – أعوذ بالله – إبليس الشيطان )) . 

ديفيد بيدكوك (داوود موسى) ، زعيم الحزب الإسلامى فى بريطانيا 

(( إنهم لا يعترفون بالعقيدة، ونحن نؤمن بالعقائد الكنسية وعلى رأسها عقيدة الثالوث الأقدس: إيماننا بالله الواحد، الأب والابن والروح القدس. يعنى ما يفعلونه أنهم ينسفون الإيمان المسيحى من جذوره )) . 

الأب/ جون بول أبو غزالة، أبرشية بيروت المارونية 

(( لا لا لا، نحن لسنا ديناً، بل نشجع من يلتحق بالماسونية على تقوية دينه الذى يؤمن به. لا نتدخل فى أمور الدين أو السياسة، بل نشجع الإنسان على حرية التفكير ولا نفرض عليه الانتماء إلى هذا الدين أو ذلك الحزب )) . 

غارى هينينجسون، السكرتير الأعظم لمحفل نيويورك. 

(( أنا لا يمكن أن يجمعنى بك أو بأى إنسان سوى لا إله إلا الله، محمد رسول الله) ، فكيف تريد لنا أن نجتمع على أن الأديان كلها فى سلة واحدة وأنها جميعاً على حق ؟ كيف ذلك ؟ إن الدين عند الله الإسلام )) . 

تمام البرازى، مؤلف كتاب (( الماسونية: الوهم الكبير )) 

(( الإنسان المسلم المتدين يلجأ إلى قرآنه وسنته، مثلما يلجأ المسيحى المتدين إلى إنجيله وتعاليمه. فما هى إذن المبررات الدينية أو الأخلاقية أو الاجتماعية للانتساب إلى محفل أو إلى فرقة أو إلى جمعية سرية؟ )) 

د. حسان حلاق، أستاذ التاريخ بالجامعة اللبنانية

 

(( كان للماسونية دور كبير فى التاريخ الإيطالى، إذ وقف جانب كبير منها إلى جانب الفاشية، بل إنهم رشحوا موسولينى لمنصب الرئيس الأعظم الفخرى، ومن ثم ساهمت الماسونية فى صعود الديكتاتورية فى إيطاليا )) . 

سيرجيو فلامينيى، اللجنة البرلمانية الإيطالية للتحقيق فى أمر الماسونية 

(( أقول لك: حتى هذه اللحظة لاأزال أشعر بمشكلة. لا أدرى لماذا. ثمة شىء غير منطقى، لكن عليك إدراك معنى القسَم الذى تقطعه على نفسك. إنه قسَم صارم يفصّل ما يمكن أن يحدث لك إذا أنت خنت الثقة )) . 

البروفيسور/ كين بالميرتون، منشق عن الماسونية 

(( سأقول لك كم هو صارم، فلن تجد ماسونياً يخبرك بشأنه. إن هناك مئات الآلاف من الماسونيين فى بريطانيا وحوالى ثلاثة ملايين فى أمريكا. فلتحاولْ أنت أن تقنعهم بأن يخبروك بألسنتهم عما يحدث فى طقوسهم. لن يخبروك. حتى لدرجة أن بعضهم يقول إنه ماسونى سابق، لكننى لا أعتقد أن ثمة شيئاً بهذا المعنى، فحين تقطع على نفسك ذلك القسَم تلتزم به حتى الممات )) . 

مارتن شورت، مؤلف كتاب (( الماسونية: داخل الأخوّة )) 

كثير من النظريات، وأكثر من الآراء، ولكن ما هى الماسونية ؟.. سؤال بسيط. ما أصلها ؟ ما فصلها ؟ وأهم من ذلك ما وراءها ؟.. لن تجد شخصاً واحداً فى العالم يتفق مع شخص آخر على ذلك أو على غيره من أمور الماسونية، وهو الأمر الذى يتلذذ به الماسونيون. لكن قادة هؤلاء أدركوا قبل سنوات قليلة أنه ربما لا يكون فى صالحهم تماماً الإمعان فى كل هذه السرية وكل هذا الغموض الذى يلف رموزها وطقوسها وتعاملاتها. دعوا الصحافة وكاميرات التليفزيون إلى الاطلاع على بعض الأمور المتحفية وتصوير جانب من الجلسات. 

 

غير أن شيئاً بعينه لم يسمحوا به قط، حتى الآن على الأقل، ألا وهو تصوير جلسات اعتماد الأعضاء الجدد بما تشمله من أسرار ومن طقوس ومن قسَم غريب الشأن. المشهد التمثيلى القادم، الذى قمنا بإخراجه ضمن برنامج (( سرى للغاية )) كشف، لأول مرة على شاشة عربية، ما يحدث خلف الأبواب المغلقة. التفاصيل التى يشملها هذا المشهد بنيناها من واقع معلومات صلبة جمعناها من مصادر موثوق بها داخل الماسونية ومما رأيناه بأعيننا: 

داخل غرفة مزدانة بالنمارق والموشحات الرامزة وثلاثة أعمدة فرعونية يعلو كلاً منها تطريز على هيئة زهرة اللوتس لا يكاد يبين السيد الأعظم الغاطس فى مقعد عملاق فخم. 

فى أعلى الجدار الواقع خلفه بؤرة ضوئية يتوسطها الحرف اللاتينى G وعن يمينه وعن يساره يجلس على مقعدين أقل فخامة مساعدان، يسمى كل منهما السكرتير الأعظم. كل من الثلاثة يرتدى وشاحاً يلف الصدر من على الكتفين ومرْيلة تتدلى من الخاصرة حتى أعلى الركبتين عليها جميعاً نقوش ورموز توضح درجة صاحبها والمحفل الذى ينتمى إليه. 

أمام السيد الأعظم طاولة مستطيلة الشكل عليها إنجيل مفتوح، فوقه فرجار وزاوية قائمة متعانقان بحيث يشكل التقاؤهما مربعاً، وإلى جانبه خنجر وحبل طوله حوالى المتر، وحولها جميعاً ثلاث شمعات مضيئات. تُسمع ثلاث نقرات متمهلة على الباب، ثم يدخل الحاجب ممسكاً بخنجر فى يمينه واضعاً إياه بصورة هندسية بحذاء رقبته بحيث يكون كوعه الأيمن فى مستوى ارتفاع كتفه كى يعلن اسم الطالب المتقدم للالتحاق بالماسونية: 

الحاجب: السيد/ بسام، مرشح فقير لايزال يعيش فى الظلمات ويريد أن يرى النور، وهو مرشح عن طريق السيد/ يوسف سالم (الأسماء هنا وهمية لمجرد التجسيد) . 

الرئيس : هل تشهد، أيها الحاجب، بأنه تم إعداده جيداً؟ 

الحاجب: أشهد أيها الرئيس الأعظم. 

الرئيس : فلتدْعُه إذن إلى الدخول. 

 

يتوجه الحاجب ناحية الباب ويعود وقد قبضت يسراه على أعلى الذراع اليمنى للطالب فيما يمسك بالذراع الأخرى حاجب آخر. أما الطالب نفسه فهو معصوب العينين يرتدى قميصاً مفتوحاً لدى الصدر بحيث يبين ثديه الأيسر ويلتف حول رقبته حبل يتدلى على ظهره لا صدره. يضع الحاجب سن الخنجر على الثدى العارى للطالب. 

الحاجب: هل تشعر بشىء؟ 

الطالب : نعم، أشعر. 

يدور الحاجبان بالطالب معصوب العينين ثلاث دورات حول نفسه ويستقران به فى مواجهة الرئيس الأعظم. 

الرئيس : أيها الطالب، أسألك أن تركع على ركبتيك فيما تتنزل بركات السماء على جلستنا. 

يسرى فودة يكتب: الماسونية (3) فرسان الهيكل 

5/ 11/ 2008 

popimage.aspx?ImageID=90322يسرىفودة&popimage.aspx?ImageID=90322 

يسرى فودة 

يساعد الحاجبان طالب الانضمام إلى الماسونية على الركوع أمام الرئيس الأعظم فيما يتعانق فوق رأسه رمحان يمسك بهما الحاجبان يشكلان زاوية قائمة. 

الرئيس: أيها الإله القادر على كل شىء، القاهر فوق عباده، أنعم علينا بعنايتك، وتجلّ على هذه الحضرة، ووفّق عبدك هذا الطالب الدخول فى عشيرة البنّائين الأحرار إلى صرف حياته إلى طاعتك، ليكون لنا أخاً مخلصاً حقيقياً.. آمين.. أيها الطالب، بسام، إذا وقعت فى مصيبة أو بُليت بخطر فإلى من تلجأ؟ 

الطالب (بعد أن همس الحاجب فى أذنه) : إلى الله. 

الرئيس: انهض، أيها الطالب، فإنه لا يخشى المهالك من يعتمد على الله. 

ينهض الطالب فيستطرد الرئيس الأعظم. 

الرئيس: أتقر إقراراً صادراً عن شرف نفس بأنك لست مغروراً ولا طامعاً فى أمر، وبأنه ليس ثمة باعث من هذه الأغراض على طلبك الانضمام إلى عشيرة البنّائين الأحرار؟ 

الطالب: نعم، أقر. 

الرئيس: وهل تتعهد تعهداً ناشئاً عن شرف نفس بأن تستمر بعد انضمامك إلى هذه العشيرة فى القيام بالعادات الماسونية القديمة والحضور إلى الاجتماعات ومشاركة الإخوان؟ 

الطالب: نعم، أتعهد. 

 

الرئيس: أيها الطالب، يجب علىّ أن أنبهك إلى أن الماسونى الحر يربأ بنفسه عن الدخول فى مناقشة موضوعات الدين أو تيارات السياسة، فهل أنت إذاً راغب باختيارك ومحض إرادتك فى التعهد تعهداً وثيقاً مبنياً على المبادئ المتقدم ذكرها بأن تحفظ أسرار هذه العشيرة وتصونها؟ 

الطالب: نعم، أتعهد. 

الرئيس: إذاً فلتركع على ركبتك اليسرى.. قدمك اليمنى تشكل مربعاً.. (يقوم الطالب بالتنفيذ) .. أعطنى يدك اليمنى (يتناولها الرئيس ويضعها على الكتاب المقدس) فيما تمسك يدك اليسرى بهذا الفرجار وتوجه سنانه نحو ثديك الأيسر العارى.. ردد ورائى.. يارب كن معينى.. وامنحنى الثبات على هذا القسَم العظيم.. الذى صدر منى فى درجة المبتدى.. بحضرة البنّائين الأحرار.. آمين. (بعدما يردد الطالب ما تقدم يستطرد الرئيس) .. فلتقم الآن بتقبيل الكتاب المقدس. 

يقوم الطالب بتقبيل الكتاب المقدس ثم يساعده الحاجبان على النهوض ويخلعان عن وجهه عُصابة العينين. 

الرئيس: أيها المستنير، أنت الآن على وشك الاطلاع على أسرار الدرجة الأولى للبنائين الأحرار، فليساعدك الرب. 

إذا حاولت الهرب فإن عقابك سيكون إما بالطعن أو بالشنق. الآن، وأنت تنضم إلى هذا المحفل الماسونى، يصطك هذا الخنجر (يوجه الخنجر نحو صدر الطالب) بثديك الأيسر العارى، فإذا حاولت القفز إلى الأمام تكون أنت قاتل نفسك بالطعن، وإذا حاولت التراجع فى يوم من الأيام ينشد هذا الحبل حول رقبتك من وراء فتكون أنت قاتل نفسك بالشنق. 

فإذا لم يكن هذا أو ذاك فإن العقوبة البدنية التى تقع عليك، كما هو معروف من تاريخ الماسونية، هى قطع رقبتك من جذورها إذا أفشيت سراً من أسرار البنائين الأحرار. فإذا كنت لا تزال غير متأكد من قدرتك على حفظ أسرار الماسونية فهذه فرصتك للتراجع، وإلا فليساعدك الرب. 

 

هكذا تبدأ حياة الطالب بسام داخل الماسونية، لكن أحداً لا يدرى على وجه الدقة متى بدأت الماسونية. يقول الماسونيون أنفسهم إن أسرار المهنة وصلت إلى إنجلترا عام 926، ويفتخرون بمن يسمون (( فرسان الهيكل )) . وفرسان الهيكل هؤلاء كانوا يمثلون قوام تشكيل عسكرى مبنى على أساس دينى شارك مع الصليبيين فى محاربة العرب المسلمين. 

غير أن الفارق أن الصليبى كان يشارك فى (( الجهاد )) ضد العرب لعام أو لنصف العام ثم يغادر عائداً إلى بلاده، فيما كان يشارك فرسان الهيكل بنية البقاء فى بلادنا حتى الممات مسؤولين فقط أمام رئيسهم الأعظم. هدفهم الأسمى هو المسجد الأقصى حيث يعتقدون أنه بُنى تماماً فوق هيكل سليمان عليه السلام، إن كان لهذا وجود. 

وبالنظر إلى أن هيكل سليمان هو الصرح الوحيد الذى وصف تفصيلاً فى التوراة فإن الماسونية، التى كانت تنظم نفسها فى أواخر القرن السادس عشر وبدايات القرن السابع عشر، اتخذت من التوراة مصدراً للمحاكاة والترميز كى يتغلبوا على عائق الأمية بالرجوع إلى مصدر يلجأ إليه الناس كل يوم فى صلواتهم. يزعم المتحدث باسم المحفل الأعظم فى لندن، جون هاميل، أن (( ذلك صب فى مبدأ الماسونية، وهو أن تصنع من الإنسان الطيب إنساناً أطيب وأن تكون لديك قيم أخلاقية )) ، لكنه لا يشرح لنا كيف استطاعت الماسونية أن تصل إلى قيم أخلاقية لا توجد فى التوراة. 

يشكك المؤرخون فى هدف الماسونية من وراء التمسح بالدين. من هؤلاء أستاذ التاريخ بجامعة جولدسميث البريطانية، جون شو: (( هذه نظريات تاريخية تزعم أن الماسونية تعود إلى فجر الأديان السماوية وترتبط بأشياء منها تشييد هيكل سليمان وبناء الأهرامات، وقد وضع ذلك كله بواسطة الماسونيين فى سياق دينى فى إطار فضفاض من الرموز والطقوس المرتبطة بتفاصيل المهنة )) . 

 

أصبح فرسان الهيكل أوسع الملاك ثراء فى الأراضى المقدسة، وصارت لهم سفنهم وأسلحتهم وأجهزة استخباراتهم، وطوروا أساليب سرية للاتصال والتعارف. وفى عام 1292 أخرج المسلمون الصليبيين ففقد فرسان الهيكل أساس وجودهم. 

ثم دعا البابا كليمونت الخامس رئيسهم الأعظم آنذاك، جاك ديمولييه، إلى باريس، وبالتعاون مع فيليب الخامس تم فى أكتوبر من عام 1307 اعتقال فرسان الهيكل فى فرنسا حيث صودرت أملاكهم واقتُلعت جذورهم. دخل من بقى منهم تحت الأرض، لكن زملاءهم على الشاطئ الآخر، فى انجلترا، تعلموا من الدرس فاختبأوا وتحولوا بعد ذلك إلى ما يسمى البناّئين الأحرار، (( الماسونيين )) . بنى هؤلاء أول محفل ماسونى فى العالم، وكان ذلك فى إنجلترا عام 1717. 

(( و لعل ما يعزز هذا الكلام هو أن الوثائق الماسونية تبدأ من هذا التاريخ )) ، يؤكد أستاذ الفلسفة بجامعة بيروت، د. أسعد السحمرانى، (( و العامل الحاسم فى نشأة الماسونية هو نشر الأدبيات العبرية فى أوروبا، وقد قامت الكنيسة البروتستانتية متأثرة بهذه الأدبيات، وفى رحم البروتستانتية نشأ عدد من الشيع كانت الماسونية على رأسها، ولهذا نجد أن الماسونية والبروتستانتية تشتركان فى مواجهة الكثلكة والكنيسة الكاثوليكية )) . 

 

(( لدرجة أن زعماء الماسونية حرّموا على من يلتحق بها، فى عهد البابا إكليموندس الثانى عشر، أى فى عام 1738، حرّموا عليهم أن يتقدموا إلى الكنيسة لممارسة طقوس الاعتراف من أجل التوبة التى هى جزء لا يتجزأ من العقيدة الكاثوليكية )) ، ينفعل الأب جون بول أبوغزالة، فى حديثه إلينا من داخل أبرشية بيروت المارونية، وهو يتذكر التاريخ البعيد للماسونية، لكنّ لدى أستاذ التاريخ فى الجامعة اللبنانية، د. حسان حلاق، مزيداً من الضوء على تاريخ الماسونية الحديث: (( إذا حاولنا دراسة الذين أسسوا جمعية الاتحاد والترقى، وهى جمعية علمانية لا تزال مبادئها حتى اليوم متجذرة فى تركيا، نجد أن الوثائق الدبلوماسية البريطانية، متمثلة فى مراسلات السفير البريطانى فى اسطنبول إلى وزارة الخارجية البريطانية، تؤكد الارتباط الكلى الوثيق بين الماسونية والحركة الصهيونية واليهود والدونما (اليهود المتظاهرين بالإسلام) وجمعية الاتحاد والترقى. 

ومن خلال استعراض أسماء الذين شاركوا فى ثورة عام 1908 نجد أن الذى حمل فتوى الخلع إلى السلطان عبد الحميد الثانى فى قصر يالضز هو المحامى اليهودى الماسونى عمانوئيل قراصوه الذى أسس واحداً من أهم المحافل الماسونية فى الدولة العثمانية )) . 

ينصحنى البروفيسور كين بالميرتون، الذى ورث الماسونية عن أبيه ثم تبرأ منها، بعدم الاستمرار فى النبش فى أمور الماسونية، لكنه لا يشفى غليلى. كل ما يقوله لى أنهم لو قبلوا أن يتحدثوا إليّ سيقولون إن الأمر يتعلق ببناء هيكل سليمان، (( لكنك حين تنتهى من بحثك ستجد أن الأمر يتعلق فى الواقع ببناء هيكل نمرود، وهو شخصية مختلفة تماماً )) . 

 

يؤيده فى ذلك الباحث الإنجليزى ديفيد بيدكوك الذى أعلن إسلامه وغيّر اسمه إلى داوود موسى وأسس ما يعرف بالحزب الإسلامى البريطاني: (( من الواضح أن ما يقال لهم شىء وما يشجَّعون على عمله شىء آخر؛ فمثلاً عندما دخل القائد العسكرى الإنجليزى، ألنبى، إلى القدس خلع نعليه تظاهراً باحترام الإسلام، لكنه كان فى الواقع ماسونياً وكان دافعه الاستحواذ على القدس ليس لمصلحة سكانها وأصحابها بل لمصلحة هؤلاء الذين اخترعوا شيئاً ضد التوراة وضد القرآن، وبالطبع لا نتوقع شيئاً طيباً أبداً من شىء شيطانى فى أساسه )) . 

يرمز الحرف اللاتينى G ، الذى تراه منتشراً على جدران المحافل الماسونية وفى أدبياتها، إلى الكلمة الإنجليزية التى تعنى بالعربية هندسة Geometry، وبعضهم يقول إنها ترمز أيضاً إلى لفظ الجلالة God. لكن إلههم ليس بالضرورة إله موسى وعيسى ومحمد، بل هو (( مهندس الكون الأعظم )) ، ولك أنت حرية تحديد من يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف. 

قد يكون سليمان عليه السلام، وقد يكون (( حيرام أبى )) الذى استعان به سليمان على بناء الهيكل وقد يكون إبليس وقد يكون الله، بغض النظر عما يعنيه لفظ الجلالة فى خاطرك، وقد يكون أنت نفسك. أما أهم رموز الماسونية على الإطلاق فهو المربع الناتج من التقاء الزاوية القائمة بالفرجار المفتوح، لكن الماسونيين أنفسهم يعترفون بأن هذا الرمز تطور أصلاً عن نجمة داوود. 

يسرى فودة يكتب: الماسونية (4) الأب الروحى 

8/ 11/ 2008 

popimage.aspx?ImageID=90487يسرىفودة&popimage.aspx?ImageID=90487 

يسرى فودة 

كانت تبدو فى أول الأمر عملية انتحار، لولا أن كان من بين محققى الشرطة من يعلم قوانين الماسونية وألاعيبها. حين قفز إلى ذهنه احتمال أنها ربما تكون جريمة قتل، 

 

كانت بصمات الماسونية على الجثة تفصح عن نفسها بصمة بعد بصمة، حتى تأكد له فى النهاية أنها لم تكن جريمة، أراد مرتكبها طمس معالمها، بل كانت جريمة مغلّفة فى مظروف على شكل رسالة أراد أن يبعث بها إلى كل أنحاء العالم، وقد كان له ما أراد. 

وجدتُ نفسى، وقد اقتربتُ من مرحلة الاستمتاع بحل هذا اللغز، على متن طائرة فى طريقى إلى إيطاليا، أشهر بلد فى العالم التقت فيه دائرة السياسة بدائرة الدين بدائرة الفساد بدائرة المافيا بدائرة الماسونية. 

إلى روما وصلت الأخبار: (( مات روبرتو كالفى )) . اسمه لا يعنى الكثير، ولا حتى منصبه. انتماءاته وظروف موته هى التى يمكن أن تلقى ضوءًا ثميناً على ما تسمى أُخوّة البنائين الأحرار، الماسونية، فيما هو واقع وفيما يمكن أن تخلقه هى من واقع، فى إيطاليا وفى أنحاء أخرى من العالم. 

كان روبرتو كالفى قبل وفاته رئيساً لأكبر مصرف أهلى فى إيطاليا، مصرف أمبروزيانو قبل تحوله إلى مصرف أمبروزيانو الجديد. وكان هذا المصرف مديناً بأكثر من مليار جنيه إسترلينى، وكان رئيسه على وشك السجن لأربع سنوات بتهمة تهريب الليرة الإيطالية. على عكس اليابانيين، فكرة الانتحار ليست متأصلة فى الشخصية الإيطالية. 

فكرة القتل أكثر تأصلاً. لكن عملية قتل الماسونى، روبرتو كالفى، لم تحدث فى هدوء، ولا أريدَ لها أن تحدث فى هدوء. 

عشية الثامن عشر من يونيو/عام 1982 عُثر فجأة على جثة كالفى مشنوقاً تحت جسر (( بلاكفرايرز )) Blackfriars الذى يقطع نهر التيمس فى لندن. بدا الأمر لأول وهلة أمام شرطة مدينة لندن كأنه انتحار، لولا أنه لم يكن. لقد كان فى الواقع قتلاً احترافياً فى غاية المهارة، حمل كثيراً من بصمات الغضب الماسونى. 

شنقوه أولاً، والشنق فى الماسونية عقوبة من يتراجع، ثم علقوا جثته أسفل الجسر فى سقّالة نصبوها إلى جوار سلم، وهو ما يرمز فى الماسونية إلى فكرة الموت. 

 

وأثناء ذلك وضعوا فى جيوبه ما يزن اثنى عشر رطلاً من الحجارة غير المشذبة، وهو ما يرمز فى الماسونية إلى الإنسان غير المتعلم الذى مايزال يعيش فى الظلمات، ثم جعلوا جثته تتدلى من الحبل المربوط أسفل الجسر إلى مستوى من سطح النهر تصطك به المياه مرتين كل أربع وعشرين ساعة، مصداقاً لطقوس الماسونية. 

أما موقع الحادث نفسه، ويعنى حرفياً (( جسر الرهبان السود )) فيمثل دافعاً قوياً للماسونيين الإيطاليين بوجه خاص، إذ إن الرجل الذى يعتبر واقعياً راهبهم وأباهم الروحى، جيودانو برونو، كان قد قتل حرقاً فى القرن السابع عشر. 

)) الطريقة التى قُتل بها كالفى حافلة بالدلالات حقاً (( ، يؤكد المحقق الصحفى فى جريدة لونيتا الإيطالية، فلاديميرو سيتميلّى قائلاً (( فالأحجار التى وجدت فى جيوبه يمكن أن تكون لغة رمزية مافياوية. كما وُجدت فى حلته شحوم تدل على أنه نقل على ظهر مركب، وهو ما يدل على أن أحدهم عمد إلى حمله إلى الجسر ليعلق جثته أسفله. 

ورغم أن التحقيقات الرسمية قالت فى البداية إنه هو الذى توجه من الفندق إلى الجسر ليعلق جثته بنفسه، فإن أحداً لا يمكن أن يجد فى ذلك أى منطق. إن الشواهد جميعها تشير إلى أن موته تم بفعل فاعل (( . 

نعلم اليوم أن روبرتو كالفى كان ماسونياً، وكان عضواً فى المحفل المسمى (( بى دووِه P2 )) ، وكانت له صلات قوية بالمافيا من خلال محافل صقلية، ومن ثم تبدأ الخيوط فى الترابط. ففى أعقاب مقتل كالفى أعلن مصرف أمبروزيانو إفلاسه، ووقع فى دائرة الشك عدد كبير من النافذين، كان من أهمهم: 

- برونو تساندينى، مدير صحيفة كورييرا دى لا سيرا،

- فلافيو كاربونى، مقاول إنشاءات وصديق كالفى،

- فرانشيسكو باتزيينزا، عميل جهاز الاستخبارات الإيطالى،

- أنا بونومى فولكينى، أقوى سيدة أعمال فى ميلانو.

 

لكن من أثار الجدل كله رجل فى الخامسة والستين، ضخم الوجه، ذو ملامح أبوية تبث فيك الثقة لأول وهلة لكنك بعد قليل لا تستطيع مقاومة إحساس بأنها شخصية خارجة من فيلم (( الأب الروحى )) . ذلك هو لوتشيو جيلّى ذو الوجهين. 

فى محفل صغير فى باليرمو عثرت الشرطة الإيطالية على مجموعة من الوثائق تثبت انتماء عدد من القضاة والمدّعين إلى الماسونية، إلى جانب عدد من كبار زعماء المافيا. لدى القبض عليه، اعترف عضو المافيا، ليوناردو ميسينا، بأن من بين من خلقوا حركة انفصال الشمال عن الجنوب، لمصلحة منظمة المافيا (( كوزا نوسترا )) 

كان جوليو أندريوتى ولوتشيو جيلّى. أما علاقة جيلّى بكالفى فتتلخص ببساطة فى كون كالفى عضواً فى المحفل الماسونى المسمى (( بى دووِه )) الذى كان جيلّى مؤلفه ورئيسه الأعظم. بأسلوب أفلام هوليوود، وضعت الشرطة جيلّى تحت الرقابة، وحين وقع وجدوا بحوزته قائمة طويلة من الأعضاء شملت ساسة وقضاة وعسكريين واقتصاديين وصحفيين وضباط استخبارات، كلهم من أصحاب النفوذ. 

يعترف لنا محامى جيلّى، مايكل جينتاينو-سيلفارى، بأن موكله وكالفى كانا صديقين، وبأن جيلّى هو الذى اختاره لعضوية المحفل الماسونى مثلما اختار بنفسه بقية الأعضاء، (( لكن نشاطه مع مصرف أمبروزيانو كان معروفاً، ونحن نعلم أن الأموال اختفت، وظن كثيرون أنها وصلت إلى بولندا. لكننى شخصياً لا أعتقد أن لذلك علاقة بالماسونية بقدر ما له علاقة بالسياسة الدولية (( . 

عندما تفجرت قضية (( بى دووِه )) فهم الرأى العام الإيطالى أن تلك المنظمة تشكل خطراً على الديمقراطية فى البلاد، إذ إن منظمة تضم فى ثناياها جميع رؤساء المخابرات وعشرات العشرات من الجنرالات وحفنة من أعضاء مجلسى النواب والشيوخ 

 

وثلاثة وسبعين شخصية رئيسية فى الوزارات وستاً وخمسين هيئة صناعية من القطاع الخاص، تتظاهر فى العلن بأنها لا تعمل ضد أحد لكنها، كما يقول المحقق الصحفى فلاديميرو سيتميلّى، (( كانت منظمة ضد الديمقراطية بلا شك، إذ كانت تشكل فى الواقع دولة داخل الدولة )) . 

أمام ذلك شكل البرلمان الإيطالى لجنة للتحقيق فى علاقة الماسونية بهذه الموجة الجديدة من الفساد. فى أعماق الريف الإيطالى كان لى موعد مع أحد أهم أعضاء هذه اللجنة، سيرجيو فلامينيى، 

الذى يحمل على كتفيه تاريخاً حافلاً من عضوية لجان التحقيق، إذ كان عضواً فى اللجنة البرلمانية الإيطالية لمكافحة المافيا بين عامى ثمانية وستين واثنين وسبعين، ثم عضواً فى لجنة التحقيق فى قضية آلدو مورو بين عامى تسعة وسبعين وثلاثة وثمانين قبل أن يكون عضواً فى لجنة التحقيق فى أمر الماسونية. 

سار بى حوالى ثلاثمائة متر فى مزرعته الجميلة، قبل أن نصل معاً إلى قبو قبيح يحتفظ فيه بمئات التقارير الصادرة عن لجنته. (( لقد تعرض النظام لمخالفات قامت بها منظمة بى دووِه من خلال سلسلة من الترتيبات تمكنها من الرقابة والتأثير عبر عمليات غير قانونية، 

إذ إنها اشترت لفترة طويلة ولاءات وزراء التجارة الخارجية ووزراء المالية ووزراء الداخلية وعدد كبير من المسؤولين الذين يستطيعون التحكم فى التحويلات الخارجية لرؤوس الأموال. وكان من بين هؤلاء روبرتو كالفى الذى كان يستطيع، بحكم موقعه، القيام بمثل تلك العمليات عن طريق الاستثمار فى أمريكا الجنوبية. 

 

وقد أسس كالفى لذلك مصرف أندينو وشبكة معقدة من المصارف شكلت قوة اقتصادية استغلتها المنظمة الماسونية. وأثناء ذلك نشبت الحرب بين بريطانيا والأرجنتين على جزر الفوكلاند، واكتشف البريطانيون حصول الجيش الأرجنتينى على صواريخ إكسورسيت. وعندما قامت لندن باستقصاء الأمر اكتشفت أن منظمة بى دووِه لعبت دوراً بارزاً فى تلك العملية عن طريق استغلال نفوذها داخل أجهزة استخبارات أجنبية وشبكات تهريب دولية )) . 

على قمة تل فى إحدى ضواحى روما يقع المحفل الأعظم الإيطالى. كغيره من المحافل منيع، ويزيد عنها قليلاً فى ترتيبات الأمن. ينتمى هؤلاء الماسونيون الإيطاليون إلى نوع من الماسونية، يختلف شيئاً ما عن ذلك النوع الأنجلوساكسونى. الفارق الرئيس أن لمحفل الشرق الأعظم المنتشر فى فرنسا وإيطاليا دوراً أكبر وأكثر علانية فى أمور السياسة. 

على بعد خطوات من المحفل يبرز تمثالاً لقائد مهيب يمتطى جواده النافر. يدعى الماسونيون أن هذا الرجل، جوزيبّى غاريبالدى، الذى وحّد إيطاليا فى واحدة من أصعب الفترات فى تاريخها، كان ماسونياً، وأن تاريخ إيطاليا الحديث صنعته الماسونية. 

(( كان للماسونية دور فى مراحل مختلفة من التاريخ الإيطالى )) ، يشير المحقق البرلمانى، سيرجيو فلامينيى، (( إلى أنه عندما ظهر الخطر الفاشى انقسمت الماسونية على نفسها ووقف جانب كبير منها إلى جوار الفاشية، إلى حد أنهم رشحوا موسولينى لمنصب الرئيس الأعظم للماسونية، ومن ثم ساهموا فى صعود الديكتاتورية فى إيطاليا )) . لكن موسولينى كان له رأى آخر فى هذا الترشيح. 

يسرى فودة يكتب: الماسونية (5) القائمة 

9/ 11/ 2008 

popimage.aspx?ImageID=90492يسرىفودة&popimage.aspx?ImageID=90492 

يسرى فودة 

 

تحول ميدان (( جيزّو )) فى روما، الذى كان يطل موسولينى من شرفة أحد منازله على الجماهير المحتشدة، إلى ميدان (( فينيسيا )) فى محاولة لنسيان الماضى. فى إحدى تلك الخطب النارية تربص الزعيم الفاشى، بينيتو موسولينى، بالماسونيين ومنع أنشطتهم وأدخلهم تحت الأرض، تماماً مثلما فعل الزعيم النازى، أدولف هتلر، فى ألمانيا. 

بناءً على ذلك يطرح السؤال نفسه: هل معنى أن هناك اليوم علامة (خطأ) على هتلر وموسولينى أن هناك بالضرورة علامة (صواب) على الماسونية؟ .. (( لا ، إطلاقاً )) .. يرد المحقق الصحفى البريطانى، مارتن شورت، (( فما يدفع الديكتاتوريين إلى التخلص من الماسونية هو حقيقة أن لديهم هم أنفسهم ماسونيتهم الخاصة. 

لقد حظر هتلر وموسولينى وستالين الماسونية لأنها كانت نظاماً منافساً، وكانت جمعية سرية يمكن أن يلتقى فيها الناس للتآمر على حكامهم. كثيرون يمكن أن يروا تشابهاً بين الحزب الشيوعى الروسى والماسونية، لكننى لا أعتقد أن مجرد قيام هتلر وموسولينى بحظر الماسونية يمنح هذه صك الاعتراف بأنها شىء طيب. هذا هراء )) . 

فى محاولة للهروب من هذا الصداع أعلن المحفل الأعظم فى بريطانيا قبل أعوام قليلة تبرأه من المحفل الإيطالى. يؤكد ذلك المتحدث باسم الماسونيين البريطانيين، جون هاميل، (( نحن فى الوقت الحاضر لا نعترف بمحفل الشرق فى إيطاليا لأنهم قبل سنوات قليلة كانوا متورطين فى السياسة. 

أما محفل الشرق فى فرنسا فلا نعترف به لأكثر من مائة وعشرين عاماً، لأنهم قبل نهاية القرن التاسع عشر سحبوا اعترافهم بالرب من طقوسهم، ولذا سحبنا نحن اعترافنا بهم ولا نتزاور معهم على الإطلاق )) . 

 

و سواء كان الماسونيون يسعون جاهدين إلى تجنيد مشاهير العالم وأقطاب المجتمع المحلى وأصحاب النفوذ أو لا يسعون، فإن الحقيقة أنهم لا يتسترون على هذا الجانب بعينه، بل إنهم يعمدون إلى تضخيمه. فى أعرق محافل العالم الماسونى وأكثرها سلطة، الذى أنشئ فى لندن عام 1717، اختاروا قبل سنوات قليلة دوق كنت، وهو ابن عم الملكة، لمنصب الرئيس الأعظم. 

على أحد جدران المحفل الأنيق الخلاب علقوا لوحة لشجرة العائلة المالكة فى بريطانيا تعطيك لأول وهلة إحساساً بأن هذه العائلة ولدت وعاشت ماسونية الأصل والانتماء. 

يعمدون كذلك إلى نشر قوائم مشاهير العالم الذين يقولون إنهم كانوا أعضاء فى الماسونية. من بين مئات القوائم اخترنا هذه الأسماء بالترتيب الأبجدى الإنجليزى: 

لووِى آرمسترونج، عازف الجاز، فريدريك بارثولدى، مصمم تمثال الحرية، فايكاونت بينيت، رئيس وزراء كندا سابقاً، سيمون بوليفار، محرر أمريكا الجنوبية، روبرت بوردون، رئيس وزراء كندا سابقاً، جيمس بوكانان، الرئيس الأمريكى سابقاً، روبرت بيرنز، شاعر اسكتلندا الوطنى، كازانوفا، المغامر الإيطالى، ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا سابقاً، أندريه سيتروين، رائد سيارات سيتروين، مارك توين، الكاتب الأمريكى الساخر، بوب دول، مرشح الرئاسة الأمريكى سابقاً، 

 

آرثر دويل، مخترع شخصية شارلوك هولمز، إدوين دريك، رائد صناعة النفط، أُنري-جون دونانت، مؤسس الصليب الأحمر، إدوارد السابع، ملك بريطانيا سابقاً، إدوارد الثامن، ملك بريطانيا سابقاً، أليكساندر فليمينج، مخترع البينيسيلين، جيرالد فورد، الرئيس الأمريكى سابقاً، بنجامين فرانكلين، أحد الموقعين على الدستور الأمريكى، كلارك غيبل، الممثل الأمريكى الشهير، جيمس غارفيلد، الرئيس الأمريكى سابقاً، جورج السادس، ملك بريطانيا سابقاً، كنج جيليت، رائد أمواس جيليت، إغناس-جوزيف غيوتين، مخترع المقصلة الفرنسية، وورين هاردينج، الرئيس الأمريكى سابقاً، تشارلز هيلتون، رائد فنادق هيلتون، إدغار هوفر، علَم مكتب التحقيقات الفيدرالى، بوب هوب، الممثل الكوميدى الأمريكى، أندرو جاكسون، الرئيس الأمريكى سابقاً، أندرو جونسون، الرئيس الأمريكى سابقاً، ملفين جونز، مؤسس أندية لايونز. 

فرانسيس اسكوت-كى، مؤلف النشيد الوطنى الأمريكى، توماس ليبتون، رائد صناعة شاى ليبتون، جون ماكدونالد، رئيس وزراء كندا سابقاً، ويليام ماكينلى، الرئيس الأمريكى سابقاً، جيمس مونرو، الرئيس الأمريكى سابقاً، وولفجانج أماديوس موتزارت، علم الموسيقى الكلاسيكية، جيمس نيزميت، مخترع كرة السلة، جيمس بولك، الرئيس الأمريكى سابقاً، أليكساندر بوشكين، الشاعر الروسى الشهير، فرانكلين روزيفيلت، الرئيس الأمريكى سابقاً. 

ثيودور روزيفيلت، الرئيس الأمريكى سابقاً، ديفيد صارنوف، أبو التليفزيون، بيتر سيلرز، نجم هوليوود الشهير، جون سميث، ملحن النشيد الوطنى الأمريكى، ويليام هاوارد-تافت، الرئيس الأمريكى سابقاً، لوويل توماس، مكتشف لورانس العرب، هارى ترومان، الرئيس الأمريكى سابقاً، فولتير، الفيلسوف الفرنسى الشهير، جورج واشنطن، الرئيس الأمريكى الأول، أوسكار وايلد، الشاعر الآيرلندى الشهير. 

 

يحذر أستاذ التاريخ فى الجامعة اللبنانية، د. حسان حلاق، ويؤيده فى التحذير أستاذ الفلسفة فى جامعة بيروت، د. أسعد السحمرانى، من أن تلك مسألة درجت عليها الماسونية خاصة فى لبنان والعالم العربى، (( فكلما التفت انتباههم إلى شخصية بارزة فى المجتمع يتهامسون أولاً بأن (فلان ماسونى) وحبذا أن يكون قد مات حتى لا يستطيع الدفاع عن نفسه. وغرضهم من وراء ذلك أن يغرروا بالأجيال الموجودة بتقديم نماذج مشهورة أو ناجحة إيحاءً بارتباط هذه الشهرة أو ذلك النجاح بالانتماء إلى الماسونية )) . 

لماذا إذاً توجد محافل ماسونية فى بعض الدول العربية؟ يتساءل زعيم الحزب الإسلامى فى بريطانيا، داوود موسى، (( إنها كحصان طروادة يعمل ضد مصالح المسلمين، ولابد أن هناك موافقة مبطنة من حكام تلك الدول )) . من داخل أبراشية بيروت المارونية يقدم لنا الأب جون بول أبو غزالة مثالاً على وسائل الماسونية فى استقطاب الأعضاء. 

(( كل إنسان يمر أحياناً بلحظة ضعف، فتراهم يتسللون إليه ويصيدونه بعرض خدماتهم التى قد تكون منصباً أو مالاً أو غيره من الإغراءات الدنيوية. لا، بل إنهم يستخدمون أساليب قذرة فى بعض الأحيان مع ضعاف النفوس فيغرونهم بالسقوط الجنسى ثم يبتزونهم بعد ذلك )) . 

قص لى رجل قابلته على هامش هذا التحقيق أن أحد زملائه فى العمل أوحى إليه مرة بحضور اجتماعات الماسونية والالتقاء بالأصدقاء (( و ربما عندئذ تود الانضمام إلى الماسونية )) ، فقال له إنه لا يملك الكثير من المال ولا يعتقد أنه يستطيع تحمل تكاليف الانضمام. وهنا نظر إليه زميله وقال: (( ليس الأمر أنك لا تستطيع تحمل تكاليف الانضمام، بل هو أنك لا تستطيع تحمل تكاليف عدم الانضمام )) . 

 

يفسر ضابط الشرطة الماسونى السابق، جون سايمونز، هذا الموقف بأنه تهديد مباشر بتحطيم مستقبله المهنى، ثم يتكئ على مقعده الخشن ويطلق آهة مكتومة بائسة: (( أنا نفسى هددنى الماسونيون بالقتل، لأننى فضحت حقيقة أن محافلهم تضم ضباطاً فاسدين ومجرمين. فعلت ذلك عام 1970 فى تقرير رفعته إلى مساعد مفوض شؤون الجرائم، ومن ثم تحول التيار ضدى وهددونى بالقتل وأجبرونى على مغادرة البلاد تاركاً أولادى ورائى. لقد كان التحاقى بالماسونية أسوأ شىء فعلته فى حياتى )) . 

و للنظام الداخلى الماسونى ثلاث طبقات تحتوى على ثلاث وثلاثين درجة. يقول دارسوها ومن تيسر لنا من أعضائها إنها الطبقة الثالثة التى واقعياً تعنى الكثير، فلا يسمحون بالوصول إليها إلا لأرباب الثقة العمياء منهم، وعندها يُكشف لهم من الأسرار ما لم يكشف من قبل، ويكون قسَم التدشين أشد قسوة وصرامة ووعيداً. 

يقف طالب الانضمام إلى المستوى الأعلى داخل الماسونية أمام الرئيس الأعظم وحوله علية الماسونيين. هذه المرة لا يكشف عن ثديه ولكن يرفع بنطاله إلى مستوى ركبتيه، وتبدأ الطقوس. هذا المشهد مبنى على معلومات صلبة جمعناها من مصادر موثوق بها. 

الرئيس الأعظم : اللهم يا مهندس الكون الأعظم، نسألك أن تهب جزيل رحمتك لعبدك هذا الذى يطلب الآن الاشتراك معنا فى أسرار الأساتذة البنائين الأحرار، وأعنْه على الجواب وقت السؤال، وثبّتْه عند الامتحان .. آمين .. هذه، أيها الأخ، هى المقاصد الخصوصية لدرجة الأساتذة فى الماسونية، وإنها لترشدك إلى أن الرجل المتصف بالفضائل لا يفزعه الموت كما يفزعه العار والكذب وإفشاء الأسرار. 

ومن هذه الحقيقة تجد فى أخبار الماسونية نموذجاً شريفاً، ألا وهو موت الأستاذ الأعظم (( حيرام أبى )) وهو لم يتزحزح عن فضيلة الصدق والأمانة فإنه نجا ومرت الضربة من جانب رأسه الأيمن. 

 

(فى أثناء ذلك يطرح الحاجبان الطالب إلى الوراء ويمر أحدهما بالخنجر على جانب رأسه الأيمن فيما يستطرد الرئيس). 

الرئيس الأعظم : لكن إخلاص الأستاذ الأعظم جعله يموت فداءً للحفاظ على أسرار الماسونية. فعندما ضربه الأشرار ضربة قاسية على جبهته خر صريعاً قبل إكمال هيكل سليمان الذى كان مهندسه والمسؤول عن بنائه. 

(يمثل الرئيس الأعظم وقع الضربة على جبهة الطالب فيما يخر هذا على الأرض بمساعدة الحاجبين) . 

يسرى فودة يكتب: الماسونية (6) فليكن ذلك على شرف اسمك الكريم ومجدك 

11/ 11/ 2008 

popimage.aspx?ImageID=90587يسرىفودة&popimage.aspx?ImageID=90587 

يسرى فودة 

إذا صافحك شخص ما وأحسست من أصابعه أسلوباً غريباً فى المصافحة، فأغلب الظن أنه إما شاذ جنسياً أو ماسونى (أو كلاهما) يريد أن يتلمس طريقه إليك عسى أن تكون مثله. إنه سلام من (( أخ )) يقسم الماسونى على مساعدته فى أى مكان، فى أى زمان، فى أى ظرف، حتى بعد موته. 

أدعوك إلى التأمل فيما قاله قبل أكثر من نصف قرن الرئيس الأمريكى الأسبق، هارى ترومان، فى خطاب رسمى: (( أيادٍ لا حصر لها تتعانق كل يوم، وآباءٌ لا حصر لهم يودعون أبناءهم ويقولون: يا ولدى حين يحل بك الظلام والوحدة ابحث عن ماسونى، وقل له إنك ابن لماسونى وستجد فيه صديقاً لا يخذلك )) . 

ومما لا شك فيه أن الأمريكيين علّموا العالم فنون السياسة الحديثة. علّمونا (( الديمقراطية )) ، بغض النظر عما تعنيه هذه الكلمة، وفرضوا قواعدها، وعلّموا حكام العالم كيف يمكن أن (( يفرضوا )) أنفسهم على شعوبهم فى إطار (( الديمقراطية )) . أمام هذا، علينا أن نتناول ما قاله رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بمنتهى الجد، فحين يقرر رجل فى مثل منصبه أن يتعرض فى خطاب رسمى إلى (( فئة )) من الناس بهذه الشاعرية والمعانى المحببة لا بد أنه يدرك مدى ثقلهم ونفوذهم. 

 

وجدت نفسى فى نيويورك بدعوة من (( الشيطان )) ، فأهلاً بكم إلى حكام العالم، أهلاً بكم إلى حكام حكام العالم، أهلاً بكم إلى دولة تتخذ من أحد أهم رموز الماسونية، العين الأحادية فى قمة الهرم، شعاراً يلف العالم كل يوم ملايين المرات على أشهر عملة فى العالم وأكثرها انتشاراً: الدولار الأمريكى. 

على الوجه الآخر من العملة الورقية فئة الدولار الواحد صورة أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، جورج واشنطن، الذى لم يكن فى الوقت نفسه ماسونياً وحسب، بل كان الرئيس الأعظم للماسونيين، وجاء فى أعقابه آخرون من حكام حكام العالم. رغم تاريخها الطويل، وقصر تاريخ هذا البلد، هل الماسونية صنيعة أعظم دولة فى العالم؟ أم أن العكس، كما يعتقد البعض، هو الصحيح ؟ 

يحتشد فى هذا البلد أكبر عدد من ماسون العالم، أكثر من ثلاثة ملايين موزعين على الولايات المختلفة. ليس الأمر كماً وحسب، بل أهم منه الكيف، إذ إن ثمانية على الأقل ممن وقّعوا على إعلان استقلال أمريكا عن بريطانيا كانوا ماسونيين، وثلاثة عشر ممن وقّعوا على الدستور الأمريكى كانوا ماسونيين، وستة عشر ممن وصلوا إلى منصب رئيس أعظم دولة فى العالم كانوا أيضاً ماسونيين. 

خرجتُ من محطة مترو الأنفاق فى نيويورك، كى تصافح عينى مباشرة زينة وتواشيح ورموز أدركت معناها على الفور وهى تتدلى من ذلك المبنى الضخم، مبنى (( محفل نيويورك الأعظم )) . 

أمام بابه كانت الحافلات السياحية المتراصة تفرغ حمولتها من مئات الرجال الذين ارتدوا حُلَلاً سوداء اللون مهيبة، كأنهم فى طريقهم إلى إحدى حفلات الكوكتيل فى منتصف النهار، تعلو وجوههم ابتسامات واثقة وهم يدخلون فى نظام غريب إلى المحفل مطلقين النكات يميناً ويساراً. 

 

هذا المؤتمر الذى يدعو إليه سنوياً محفل نيويورك يمثل ملتقى ليس للماسونيين الأمريكيين وحسب، بل أيضاً لـ (( إخوانهم )) من كل أصقاع الأرض. من بين هؤلاء وفود من دول عربية طلبوا منا عدم الإفصاح عن شخصياتهم، ووعدناهم. 

فى قاعة عملاقة تشبه مسرحاً للأوبرا كان مقعدى فى موقع استراتيجى فى منتصف الشرفة المطلة رأساً على خشبة المسرح التى كان يعتليها السيد الأعظم وأعوانه، فيما احتشدت القاعة -أسفل وأعلى- بوفود المحافل الماسونية من كل صوب وحدب. خلفى مباشرةً بدأ أحدهم يعزف على البيانو، وسرعان ما عبقت القاعة بنغمات ملائكية، وحين بلغ نغمة بعينها وجدت كل من كان فى القاعة واقفاً فوقفت معهم. 

الآن أستطيع أن أرى بوضوح الوفود العربية فى الشرفات اليسارية، واقفةً فى خشوع بين يدى الماسونية. وفى تلك اللحظات أذِن السكرتير الأعظم ببدء صلاة لا هى يهودية ولا هى مسيحية ولا هى إسلامية. هى خليط من ذلك كله بين الترنم والتمايل والركوع والغناء والترتيل، وآخر دعواهم: (( فليكن ذلك على شرف اسمك الكريم ومجدك .. آمين )) . 

حين تقارن الماسونية الأمريكية بأختها الأوروبية تجدها أكثر انبساطاً وأكثر تغلغلاً فى المجتمع. كان أمامى طريقتان من اثنتان، فإما أن أخاطر بإرسال كاميرا سرية مع أحدهم، أو أن أقبل دعوة رسمية فى إطار سياستهم الجديدة. قررت أن أتحدى نفسى فاخترت الطريق الثانية وأنا أعلم أنها ستقف بى دون بعض الأبواب، لكننى تركت لهم حرية اقتياد الكاميرا وتركت لنفسى حرية الملاحظة. 

انفضت الجلسة الأولى، وبعد استراحة قصيرة دخلوا إلى جلسة مغلقة منعونى من تصويرها، وبعد انتهاء الجلسة الثانية دعونى لمشاهدة وفد دولة عربية أثناء تنصيب عدد من أعضائه رؤساء عظاماً لمحافلهم العربية، وهم يقطعون على أنفسهم القسَم نفسه الذى يمكن أن يقطعه على نفسه يهودى، فيحق له أن يفضّلوه على مسلم أو مسيحى يتصادف أنه غير ماسونى. 

 

ثلاث شمعات عملاقة تحيط بطاولة مستطيلة فى وسط القاعة عليها غطاء بنفسجى اللون فوقه وسادة صغيرة قرمزية اللون فوقها الإنجيل نفسه الذى وضع جورج واشنطن كفه عليه وهو يحلف يمين الرئاسة، وفوق الإنجيل يتعانق الفرجار والزاوية القائمة. 

أمام طرف من الطاولة ركع ماسونيان عربيان على ركبتيهما، ووضعا كفيهما على الإنجيل فيما وقف السيد الأعظم شامخاً أمام الطرف المقابل يقرئهما قسَم الولاء والواجب جملةً جملة، وفى النهاية يحدق فى أعينهما ملياً ويبتسم ويقول: (( انهضا، فقد تم تنصيبكما )) ، فينهض من أصبحا فى تلك اللحظة سيدين أعظمين وتضج القاعة بالضحك والتصفيق. 

خرجت من المحفل وأنا أعلم أننى رأيت جانباً من طقوس الماسونية يبدو احتفالياً فى أساسه، ولم أر الجانب الآخر الذى ربما يكون أكثر أهمية. لست أدرى إن كان للماسونيين دستور مكتوب يوقعون عليه، بالقلم أو بالقسَم أو بكليهما، قبل تنصيبهم، أم أنه دستور غير مكتوب يفهمونه ويطبقونه من تلقاء ذواتهم، إذا أراد أحد منهم أن يصيب مراماً فى باله. 

ولست أدرى مدى صحة أنك لا تصل بينهم إلى الدرجة الثالثة والثلاثين إلا بعد أن تمزق القرآن والإنجيل وتبول عليهما وتتفنن أمامهم فى إثبات أنك حقاً فاسق. لكننى الآن أعلم على الأقل أن الشاعر اللبنانى الماسونى، إبراهيم اليازجى، بعث أواخر القرن الماضى بقصيدة إلى (( أخيه )) الماسونى، شاهين مكاريوس، يهاجم فيها الإسلام والمسيحية فى آنٍ معاً: 

الخيرُ كلُّ الخيرِ فى هدمِ الجوامعِ والكنائسْ والشرُّ كلُّ الشرِّ ما بين العمائمِ والقلانسْ 

ما هم رجالُ اللهِ فيكم، بل همُ القومُ الأبالسْ يمشونَ بين ظهورِكم تحت القلانسِ والطيالسْ 

 

كما أعلم أن الماسونى اللبنانى، يوسف الحاج، الذى تسلّق حتى بلغ الدرجة الثالثة والثلاثين، يعترف بلسانه بأن الماسونية يهودية، وبأنهم، كالصهاينة، يؤمنون بوطن قومى لليهود فى فلسطين. وأعلم أيضاً أنه عُثر أثناء الحرب الأهلية فى لبنان على وثيقة فى أحد المحافل، تكشف شفرة الاتصال بين الأعضاء وكلمات السر المرتبطة بكل درجة على حدة، وهى جميعها كلمات عبرية. 

قبل ثورة يوليو 1952 فى مصر كانت للماسونية حرية أوسع فى كبرى الدول العربية. وقع بين أيدينا (( بيان هام )) صادر عام 1947 عن (( المحفل الأكبر الوطنى المصرى )) يثبت علاقة ماسون مصر بماسون سوريا ولبنان. غير أن الزعيم القومى، جمال عبد الناصر، وضع فى عام 1964 حداً لأنشطتهم مثلما فعل السوريون بعد ذلك بعام. 

لكن الأمر استغرق خمس عشرة سنة قبل أن تصدر جامعة الدول العربية قرارها رقم 2309 لعام 1979 الذى جاء فيه: (( أولاً: اعتبار الحركة الماسونية حركة صهيونية، لأنها تعمل بإيحاء منها لتدعيم أباطيل الصهيونية وأهدافها، كما أنها تساعد على تدفق الأموال على إسرائيل من أعضائها، الأمر الذى يدعم اقتصادها ومجهودها الحربى ضد الدول العربية. ثانياً: حظر إقامة مراكز أو محافل لنشاطات الماسونية فى الدول العربية وإغلاق أى مكان لها فى تلك الدول )) . 

 

رغم ذلك، لا يزال هناك، حتى اليوم، جدل يلف دولاً عربية بشأن الماسونية، خاصةً تلك منها القريبة من إسرائيل. ووسط ذلك ألقى فقهاء الإسلام والمسيحية بثقلهم فى مواجهة الماسونية، إذ أصدر الأزهر الشريف فى الثامن والعشرين من نوفمبر عام 1984 فتوى، جاء فيها أن هذه المحافل الماسونية ليست سوى جهاز يهودى بأشخاص مسلمين يعملون للتمكين لإسرائيل وإزاحة العوامل لوجودها فى قلب الأوطان الإسلامية. وتستخلص فتوى الأزهر الشريف: (( ... ولذلك، فإننا نؤكد أن المسلم لا يمكن أن يكون ماسونياً، لأن ارتباطه بالماسونية انسلاخ تدريجى عن شعائر دينه ينتهى بصاحبه إلى الارتداد التام عن دين الله ... )) 

و كان المجمع الفقهى لرابطة العالم الإسلامى فى مكة المكرمة قد أصدر فى الخامس عشر من يوليو عام 1978 فتواه التى استخلص فيها ما يلي: (( ... لذلك، ولكثير من المعلومات الأخرى التفصيلية عن نشاط الماسونية وخطورتها وتلبيساتها الخبيثة وأهدافها الماكرة، يقرر المجمع الفقهى اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين، وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله ... )) 

و فى السادس والعشرين من نوفمبر عام 1983 أعلن مجمع عقيدة الإيمان، ممثلاً فى شخص الكاردينال جوزيف راتزينغر، بياناً بموافقة الحبر الرومانى بابا الفاتيكان، يوحنا بولس الثانى، أكد فيه أن الكنيسة والماسونية على طرفى نقيض. 

 

و رغم هذا الموقف العربى الإسلامى المسيحى الذى يبدو صارماً، فإن أخطر ما فى الماسونية هو قدرتها على التلون مع الظروف والتكيف مع التيار. إنها ميزة اكتسبوها من خلال تاريخهم الحافل بالاقتفاء والتخفى وتغيير الجلد قبل الظهور مرة أخرى، كالحرباء أو كالثعبان أو كالسرطان. وما يثير القلق فى الوقت الحاضر أن المناخ الجديد فى منطقة الشرق الأوسط فى ظل ما يوصف بالسلام مع الإسرائيليين يوفر تربة طازجة، تشبه إلى حد بعيد تشكيلات التربة التى انتعشت الماسونية فى أحضانها من قبل. 

يقول أحد نقادهم إن هؤلاء الذين يزعمون أنهم يؤمنون بكل الأديان ويعتنقون كل الفلسفات ويدعمون كل الفصائل، يحتاجون فى الواقع إما إلى ساذج يصدقهم، ولا يرقى بينهم على أية حال، أو إلى فاسق يصدقهم ويصدق نفسه ويرقى بينهم ويستغل الساذجين 

يسرى فودة يكتب:الماسونية (( الحلقة الأخيرة )) ..الطريق إلى جهنم 

12/ 11/ 2008 

popimage.aspx?ImageID=90633يسرىفودة&popimage.aspx?ImageID=90633 

يسرى فودة 

يزعم الماسونى العربى الذى منحناه الاسم الحركى (زياد) أن (( نجمة داوود (التى تحتفى بها الماسونية) معناها الرمزى هو الحياة، فالماسونية تتعاطى بالرموز. كلها رموز، ولكل رمز أكثر من معنى، وكل أخ يفهم الرمز بما يتوافق مع حياته. ليس للصهيونية علاقة بالموضوع، لكنك لا تستطيع أن تلوم الناس إذا فكروا فى هذه العلاقة )) . 

من ناحيته يستبعد المؤرخ البريطانى، جون شو، وجود مؤامرة عالمية تقودها الماسونية، وهو ما يذهب إليه تمام البرازى، مؤلف كتاب (( الماسونية: الوهم الكبير )) ، الذى يدعونا إلى النظر أولاً داخل بيوتنا، (( فالماسونية ليست لديها قدرة الآن فى العالم العربى. 

نحن نتآمر على أنفسنا ونتخذ من الماسونية والصهيونية كبش فداء لتغطية عجزنا وقمعنا لشعوبنا )) . ورغم أن فى بعض هذا الكلام بعضاً من المنطق فإنه لا ينفى حقيقة أن الماسونية مصدر قلق. كانت ولا تزال. 

 

ينهض السكرتير الأعظم لمحفل نيويورك، غارى هينينغسون، من مقعده ويعود برداء الخصر ويفرده حول وسطه: (( انظر! يعتقد الناس أن لهذه النجمة علاقة باليهودية، وليس هذا صحيحاً، فما هى إلا مثلثان كما ترى، متعانقان تصادف أنهما يشبهان نجمة سداسية الأضلاع، لكن فى واقع الأمر لا علاقة لذلك باليهودية، ولا علاقة لنا بالصهيونية. صحيح أنه يمكن لليهودى أن يكون ماسونياً ولكن طالما أنه لا يدعو إلى الصهيونية. هنا أختلف مع ذلك تماماً )) . 

فى أوائل صيف عام 1968 بعث الماسونى الأمريكى، فريدى تيرى، برسالة إلى أمين الأوقاف الإسلامية فى القدس، الشيخ روحى الخطيب، يعبر فيها عن رغبته فى شراء أوقاف المسلمين وأرض المسجد الأقصى ليقيموا عليها الهيكل المزعوم، بينما يؤكد الماسونى اللبنانى، حنا إبراشى، ذلك فى الجزء الأول من كتابه (( دائرة معارف ماسونية )) بقوله: (( أما أن الماسونية يهودية فهذا مما لا شك فيه )) . 

التحدى الذى يواجه الماسونيين هو حقيقة أنه إذا كان من السهل إثبات (( من أنت )) فإنه من الصعب إثبات (( من ليس أنت )) . والتحدى الذى يواجه غير الماسونيين هو حقيقة أنهم لا يعرفون (( من هم )) الماسونيون ولا يعرفون (( من ليسوا )) الماسونيين. والماسونيون، بين هذا وذاك، لا يساعدون غير الماسونيين على فهمهم. 

بل إنهم فى بعض الأحيان يتلذذون بذلك، برموزهم وطقوسهم وأسرارهم. يقول واحد من أشهر أدباء العالم، وهو كذلك من أشهر أعلام الماسونية، الشاعر الأيرلندى اللوطى أوسكار وايلد: (( إن بى قدرةً على كل شىء، إلا على مقاومة الإغراء! )) على مدى السنوات القليلة الماضية، حاولت الحكومة البريطانية ولم تنجح فى تحديد العلاقة بين فساد الشرطة ودوائر القضاء من ناحية وازدياد نفوذ الماسونية من ناحية أخرى. وضعنا نحن أيدينا على رجل كانت له قدم هنا وقدم هناك. كان جون سايمونز شرطياً لكنه كان أيضاً ماسونياً، وهو الآن يعترف: 

 

(( اشتركت فى عرقلة مسار العدالة وقبلت رشوة وقمت بتعذيب المتهمين كى يرى ضباط قسم التحقيقات الجنائية أننى كفء لمزاملتهم، وهو ما حققته بعد وقت قصير. لكننى ارتكبت بعد ذلك أسوأ جريمة على الإطلاق، وهى أننى فضحت كل شىء أمام أعلى ضابط فى قسم التحقيقات الجنائية، وكنت أظنه سيفعل شيئاً، لكنه حوّلنى إلى ضابط صغير كان ماسونياً نافذاً، ومن وقتها صارت حياتى بؤساً )) . 

لو كان جون سايمونز توجه مباشرةً إلى المحكمة لربما كانت تلك نهايتهم جميعاً، لكنه اضطر إلى مغادرة البلاد. قاموا هم بتحمل نفقاته وساعدوه على شراء سيارة، وإن لم يكن وافق على ذلك لكانوا قتلوه. وضع الرجل أمامى دليلاً دامغاً لا أستطيع الكشف عنه. 

لم يقتصر الأمر على شرطة التحقيقات الجنائية، بل أيضاً أثناء مداولات قضية ما عُرف بشرطة الآداب كانت هناك إشارات كثيرة إلى الماسونية، ليس من أفواه الضباط أنفسهم لكنّ الأدلة المادية أثبتت أنهم جميعاً كانوا ماسونيين، وأنهم كانوا يلتقون بتجار الدعارة فى محافلهم الآمنة من الرقابة، بل إن ضابطاً ماسونياً رشح أحد تجار الدعارة للانضمام إلى محفله، وقد كان. 

امتدت هذه الظاهرة كذلك إلى شرطة المخدرات وشرطة السطو والشرطة الطائرة وغيرها من فروع الشرطة البريطانية. أما الذى يجعل من الانضمام إلى الماسونية، ولو ظاهرياً، مسألة جذابة فهو حقيقة أنك تضمن من طقوسهم أن بعضهم يساعد البعض الآخر، حتى على الباطل، وإذا لم يستطع، أو لم يُرد أن يساعده، فإن القسَم الصارم يمنعه من إفشاء الأسرار. 

التفت انتباه المحقق الصحفى، مارتن شورت، إلى حالة واحد من أخطر المجرمين البريطانيين، لينى غيبسون، الذى قاد عصابة سرقت ما قيمته ثلاثة ملايين جنيه إسترلينى من الفضة. 

 

كنت فى زيارة له فى منزله فى شمال لندن عندما تناول من خزانته عدداً من الملفات وضعها أمامى على الطاولة. تحتوى هذه الملفات على الأدلة التى تثبت ما هو أكثر من انتماء غيبسون للماسونية، (( لقد كان فى العام نفسه الذى قام فيه بهذه السرقة الكبرى الرئيس الأعظم لمحفله، وكان هذا المحفل يضم ثمانية ضباط شرطة كان أحدهم محققاً فى الشرطة الطائرة. 

وأثناء ذلك العام اعتمد المحفل أوراق ضابط واحد على الأقل، ورغم ذلك لا يشعر أى من هؤلاء الرجال بأى مشكلة فى التعامل مع حقيقة أن السيد غيبسون كان مجرماً ولا يزال يمارس الإجرام )) . 

فى شارع سان جيمس بالقرب من مجلس العموم البريطانى فى لندن أنشأ ضباط الشرطة البريطانيون الماسونيون عام 1986 محفلاً خاصاً بهم، يلتقون فيه، كما يقولون، لممارسة طقوسهم والتعارف بعيداً عن أجواء العمل. من بينهم عدد من كبار قادة اسكوتلانديارد. 

ينمو فى الوقت نفسه شعور عام بالشك والقلق بين الدوائر الشعبية والصحفية والحكومية. يمتد هذا الشك كى يمس المجالس المحلية ودوائر القضاء. يروى لى ضابط الشرطة الماسونى التائب مثالاً نمطياً على فساد الشرطة والقضاء: 

(( يمكنك أن تقطع الطريق كلها، تأخذ بريئاً وتتهمه بحفنة من الأكاذيب وتقدم كل الأدلة المزيفة ومن ثم تبدأ المحاكمة. ومن خلال علاقاتك مع موظف المحكمة تتأكد من وضعه بين يدى قاضٍ بعينه، قد يكون ماسونياً وقد يكون معروفاً بتشدده إزاء نوع التهمة الموجهة لذلك الإنسان البرىء. ثم تمضى القضية ويصدر الحكم بالإدانة طبعاً. 

وقد يكتشف محامى الدفاع أن القاضى أخطأ فنياً فى تلخيص جوانب القضية مما قد يمنح المتهم فرصة للاستئناف، فماذا تفعل؟ .. 

 

تتصل بصديقك الماسونى فى مكتب الطباعة داخل المحكمة كى يقوم بتغيير نص جلسة المحاكمة المدون فى الدفاتر!!! ... أنت تستغرب؟! .. أستطيع أن أريك نص محاكمة به ما يزيد على 2000 تعديل قام بها سراً ضباط اسكوتلانديارد. لقد كانت هذه محاكمتى أنا )) . 

فى عام 1996 دعت الحكومة البريطانية أعضاء الشرطة والقضاء والمجالس المحلية إلى التطوع بالإعلان عما إذا كانت لهم علاقة بالماسونية. حتى الآن لم يعترف سوى حوالى 5 % فى إطار دعوة غير ملزمة. فى خطابه الخاص إلى برنامج (( سرى للغاية )) . 

يقول وزير الداخلية البريطانى آنذاك، جاك استرو، إن هذه السياسة قد تتحول إلى قانون يلزم هؤلاء بالكشف عن انتمائهم للماسونية. وإذا كان وزير الداخلية البريطانى يعنى حقاً ما يقوله لنا، فلماذا يضع نفسه تحت رحمة الآخرين ويلقى بالكرة فى ملعب الماسونيين وهو يعلم أنهم أكثر المتلاعبين حنكة فى العالم؟ 

إن أعتى محفل ماسونى فى العالم على بعد خطوات من مكتبه، وإن قوائم الأعضاء على بعد اتصال هاتفى بجهاز الاستخبارات الداخلى (( MI5 )) . 

يقول الكاتب الرومانى ناتالاس إن (( الأشياء الحسنة تحب الانتشار والانفتاح، أما الآثام فإنها تتستر وراء حجاب السر والكتمان )) ، وهى نظرية لا يستطيع الماسونيون أن يلومونا إذا اعتنقناها طالما أنهم يختبئون وراء أسرارهم. لهم أن يقولوا لنا ألا دخل لهم بالسياسة أو بالدين، ولنا نحن أن نصدقهم أو لا نصدقهم. 

إذا كان القانون لا يحمى المغفلين فإن الطريق إلى جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة. 

تحت أحد جسور نهر التيمس فى لندن عُثر عام 1982 على رجل إيطالى ماسونى نافذ مقتولاً على الطريقة الماسونية فى رسالة لا يخطئ فهمها أبله. لقد أهمل فى طرفة عين معنى القسَم الشيطانى الذى كان قطعه على نفسه فى يوم من الأيام. 

  • السبت PM 02:41
    2021-06-12
  • 1828
Powered by: GateGold