على هامش إحدى زياراتى العملية إلى القاهرة، دعانى أحد الأصدقاء إلى كوب من الشاى. عندما وصلت إلى منزله كانت حرارة الطقس قد تمكنت منى، فطلبت منه شراباً بارداً.
توجه إلى الثلاجة وعاد منها بعلبة كوكاكولا بدأ يفتحها، لكنه توقف قليلاً ورفع رأسه إلىّ سائلاً: (( هل علمت أن مفتى الجمهورية أصدر أخيراً فتوى بأن شرب الكوكاكولا حلال؟ )) كنت أظنه يمزح فخطفت منه العلبة وشرعت فى إرواء عطشى، لولا أنه لم يكن يمزح، ولولا أن المسألة برمتها أخطر من أن تكون موضوعاً للمزاح.
صب صديقى ما تبقى من شراب داخل العلبة فى كوب زجاجى، وأمسك بالعلبة وقال لى: (( احمل كوبك وتعال معى )) . وقف بى أمام مرآة معلقة وراء مدخل المنزل ورفع العلبة فى يده وأخذت أصابعه تدور بها فى مهارة أمام المرآة. سألنى ماذا أرى. قلت: (( علبة كوكاكولا حمراء اللون سيخرج منها أرنب بعد لحظة .. ومساء الفل يا باشا )) .
لم يضحك صديقى، بل نهرنى بلطف: (( لا لا لا، ركّز قليلاً فى كلمة كوكاكولا المنعكسة فى المرآة )) . دفعتنى جديته غير المعهودة إلى الاقتراب من المرآة، فى محاولة لفهم ما يريد أن يقوله لى، وعندما طال تركيزى أعطانى إشارة لعلها تقترب بى من الحل: (( مشكلتك أنك تقرأها كما هى باللغة الإنجليزية. حاول أن تقرأ انعكاسها فى المرآة وكأنها مكتوبة باللغة العربية )) . عندئذ أدركت مباشرة ما يعنيه صديقى فلم أصدق عينى. تملكتنى مشاعر متداخلة، بعضها غرور إنسانى طبيعى يحاول التقليل من أهمية تلك الملاحظة، وبعضها الآخر قلق وتخوف من ألا تكون تلك مصادفة عابرة. أمعنت النظر مرةً أخرى حتى تأكدت تماماً: (( لا مكة - لا محمد )) .. أستغفر الله العظيم.