المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413663
يتصفح الموقع حاليا : 250

البحث

البحث

عرض المادة

( الماسونية - حماس - الدانمارك )

بسم الله الرحمن الرحيم 

مقدمة 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد الخلق وخاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد النبي الأمين وعلي آله وصحبه أجمعين، وبعد ... فإن الأمم العظيمة والشعوب العريقة .. تولد بعقيدتها .. وتحيا بذاكرتها. والذاكرة .. هي الروح التي تسري في جسد الأمة فيطول بقاؤها .. 

وهي الدماء التي تتدفق في عروقها فتشتد عافيتها. وبالذاكرة .. تتذكر الشعوب أحداث ماضيها .. وتتفهمها وتتدبر معانيها .. 

وتستخلص العبر منها .. ودروس ما فيها. وبالذاكرة .. تتذكر الأمم عناصر قوتها وأسباب رفعتها في ما مضي من تاريخها 

فتبني حاضرها ومستقبلها علي نهجها. وعندما تذبل الذاكرة في أمة من الأمم .. تذبل، وعندما تموت .. تموت. وفي الصفحات التالية نتناول تباعًا بعض أحداث وقضايا الأمة الإسلامية العظيمة وهموم المسلمين. نعرضها ونحللها لتعيش في ذاكرة الأمة وتحيا بها. 

الماسونية .. من القوة الخفية إلي المحافظين الجدد 

نشر هذا الملف في العدد الثاني والعشرين عشر السنة الثانية من مجلة التبيان 

بتاريخ جمادي الأولي 1427 هـ - يونيه 2006 م 

مقدمة 

 

اليهود.. بنوإسرائيل.. قوم خلقهم الله سبحانه وتعالي ليجسد فيهم للبشرية جمعاء كل معاني الخسة والعصيان وخلف الوعود ونقض العهود والكفر بآيات الله وقتل الأنبياء.. بداية أكرمهم الله ففضلهم علي العالمين وأرسل لهم نبيه وكليمه موسي عليه السلام فكذبوه.. دعاهم إلي التوحيد والإيمان بالله فقالوا ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللَّهَ جَهْرَةً) (البقرة: من الآية55) وعدهم الله بالأرض المقدسة.. فلما دعاهم نبيهم إلي دخولها قالوا ( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (المائدة: من الآية24) .. نزّل الله عليهم المن والسلوي.. فقالوا لنبيهم ( فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ) (البقرة: من الآية61) . ذهب موسي للقاء ربه ثم عاد إليهم ومعه الألواح فيها التوراة.. فوجدهم قد صنعوا العجل وعبدوه ( ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَي سُلْطَاناً مُبِيناً) (النساء: من الآية153) ( كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) (البقرة: من الآية61) ولما أرسل الله إليهم الأنبياء بعد موسي ليعيدوهم إلي عقيدة التوحيد ( كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) (البقرة: من الآية61) لذلك.. وبعد أن طال بهم العهد في ارتكاب المعاصي ونقض العهود وخيانة المواثيق وقتل الأنبياء.. وبعد أن أملي الله لهم طويلاً وأمهلهم كثيراً.. كتب عليهم اللعنة ( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) (البقرة: من الآية61) ثم توعدهم بالهزيمة والشتات عقاباً لهم علي ما قدمت أيديهم.. 

 

وحدد لذلك موعداً( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً) (الاسراء: من الآية104) .. ثم حدد هؤلاء الذين سينتصرون عليهم ويكسرون شوكتهم (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) (الاسراء: من الآية5) ثم حدد كيفية النصر( لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً) (الاسراء: من الآية7) .. وهذا هو مصيرهم المحتوم وعذابهم المسوم.وفي هذا الملف إن شاء الله نتناول جانباً من حياة هؤلاء اليهود وهو ذلك العمل المنظم والتخطيط الدقيق وتدبير الدسائس والمؤامرات ضد بني البشر جميعًا لتحقيق أهدافهم الشيطانية مصداقًا لقول ربنا جل وعلا (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (المائدة: من الآية64) وسنحاول أن نجمل هذا الجانب في أربعة مراحل متباينة .. 

القوة الخفية 

 

في الثلث الأخير من القرن الأول الميلادي وبالتحديد في عام 43م في عصر الملك الروماني (هيرودوس الثاني) العدو الأكبر للمسيحية وفي إطار حملته للحرب علي المسيحية والقضاء علي المسيحيين أنشأ اليهود جمعية سرية أطلقوا عليها اسم (القوة الخفية) وذلك عن طريق المستشار الأول للملك والمعروف باسم (أحيرام أبيود) اليهودي.وتعتبر هذه هي بداية المرحلة الأولي في تاريخ العمل اليهودي المنظم لتحقيق الأهداف اليهودية.فقد علل (أحيرام) للملك نجاح دعوة المسيح وانتشارها بين الناس بأنه يمتلك قوة خفية تعينه علي ذلك، واقترح عليه إنشاء قوة خفية مماثلة للتصدي لها، ولا يعلم بها إلا مؤسسوها الذين يختارهم الملك.. ووجد الأخير فرصته للقضاء علي أتباع المسيح فسارع بإنشاء تلك الجمعية من تسعة أفراد هم الملك ومستشاراه (أحيرام أبيود) و(موآب لافي) وستة آخرون من حاخامات اليهود.ولم يدخر الملك وخلفاؤه جهدًا في استخدام تلك (القوة الخفية) للتنكيل برموز الدعوة المسيحية مثل قتل (القديس يعقوب) وسجن (القديس بطرس) وقطع رأس النبي يحيي (يوحنا المعمدان) بالإضافة إلي ذبح أطفال بيت لحم.. وقد عملت (القوة الخفية) منذ نشأتها علي خطين متوازيين:الأول: إنشاء الهياكل أو المحافل واجتذاب أعضاء جدد إليها تحت شعارات وعناوين براقة ومخالفة تمامًا لحقيقتها.الثاني: ممارسة نشاط سري تركّز في تعقب ومتابعةالمبشرين المسيحيين إما بالتشكيك والتكذيب أو بالقتل والتنكيل.وقد بقيت هذه الحركة تعرف باسم (القوة الخفية) حتي بداية القرن الثامن عشر الميلادي حيث ظهرت (الحركة الماسونية) التي تعتبر المرحلة الثانية في تاريخ العمل اليهودي المنظم لتحقيق هدف إقامة حكومة اليهود العالمية، وتعد تلك المرحلة التاريخية منذ نشأة الحركة وحتي مطلع القرن المذكور من أشد المراحل غموضًا في تاريخها. 

الماسونية 

 

فما هي الماسونية؟الماسونية منظمة يهودية سرية إرهابية ذات تنظيم عالمي بالغ الدقة قامت أساسًا لخدمة المبادئ اليهودية ولتحقيق الهدف الأكبر لليهود وهو إقامة حكومة اليهود العالمية في دولة إسرائيل الكبري من النيل إلي الفرات وإعادة بناء هيكل سليمان في بيت المقدس وذلك من خلال نشر الإلحاد والإباحية والانحلال والفساد في العالم وبالتستر خلف شعارات خادعة وبراقة مثل (الحرية والإخاء والمساواة) 

 

وكيف نشأت الماسونية؟تعتبر الماسونية من أقدم الجمعيات السرية التي عرفتها البشرية علي الإطلاق ومازالت كيفية نشأتها غامضة ومجهولة إلا أن أغلب الروايات تصفها علي النحو التالي:في الخامس والعشرين من سبتمر عام 1716م اجتمع في لندن خمسة من اليهود هم (إبراهيم أبيود) أحد أحفاد (أحيرام أبيود) المستشار الأول للملك هيرودوس و(جوزيف لافي) أحد أحفاد (موآب لافي) المستشار الثاني ومعه ابنه (إبراهيم) ومعهما عضوان آخران.. وقد اجتمع هؤلاء الخمسة واطلعوا علي النسخة الأصلية لتعاليم (القوة الخفية) ورموزها السرية ثم وضعوا لها بعض المبادئ البراقة مثل (الحرية والإخاء والمساواة) واستبدلوا بالرموز القديمة مصطلحات جديدة وقرروا تبديل اسم (هيكل) الذي كانوا يستخدمونه قديمًا إلي (محفل) وتبديل اسم القوة الخفية إلي (الماسونيون الأحرار) أي (البناؤون الأحرار) للتستر تحت ذلك المسمي في الاختلاط بفئات المجتمع المختلفة وكأنهم جمعية أو نقابة لفئة البنائين التي كانت مزدهرة في ذلك الوقت..وبعد حوالي عشرة أشهر وتحديدًا في يوم 24 يوليو 1717م عقد أول اجتماع للأعضاء الخمسة علي أساس المعطيات الجديدة في (لندن) واعتبر ذلك اليوم بمثابة العيد السنوي للماسونية العالمية وأطلقوا عليه عيد (مار يوحنا) وأعلن في ذلك اليوم عن تأسيس أول محفل ماسوني عالمي في لندن باسم (محفل انجلترا العظيم) .وهكذا ولأول مرة في التاريخ ظهرت هذه (القوة الخفية) لعالم الوجود في ذلك المسمي الجديد (الماسونية) وأخذت محافلها تنتشر في أنحاء العالموكيف استطاعت الماسونية أن تنتشر ذلك الانتشار الواسع في العالم؟استطاع الماسونيون بما كانوا يملكون من قوي التأثير المادي والإعلامي استقطاب أبرز الرموز الأوروبية في تلك الفترة.. 

 

فعلي مستوي الملوك والرؤساء انضم إليهم كل من ملكي بروسيا (فردريك الأول والثالث) وملوك شبه الجزيرة الإسكندنافية وملك النمسا (جوزيف الثاني) وإمبراطور فرنسا (نابليون) وأعضاء أسرته بالإضافة إلي أعضاء الأسرة الإنجليزية المالكة.ويقال أن أكثر من نصف أعضاء الجمعية العمومية في فرنسا عشية الثورة الفرنسية كانوا أعضاء في الماسونية. أما علي مستوي الطبقة الفكرية والعلمية والثقافية فقد انضم إليهم الفيلسوفان الفرنسيان (فولتير) و(مونتسكيو) والأديب الألماني (جوته) والموسيقار (موتسارت) . والأديب الأيرلندي (أوسكار وايلد) . كذلك فقد انضم إلي الماسونية كل من (ميرابو) أحد أشهر قادة الثورة الفرنسية والفيلسوف الفرنسي (جان جاك روسو) والصحافي المصري (جورجي زيدان) وكذلك (كارل ماركس) و(جوزيف إنجلز) مؤسسا المذهب الشيوعي. و(فرويد) الطبيب والعالم النفسي المشهور بتفسيراته الجنسية لتصرفات الإنسان و(داروين) صاحب نظرية التطور (النشوء والارتقاء) التي تدعي أن الإنسان أصله قرد. والعالم الإنجليزي (إسحق نيوتن) مكتشف الجاذبية الأرضية و (( أينشتين )) صاحب نظرية النسبية.وما علاقة الماسونية بالفتن والمؤامرات في العالم؟للحركة الماسونية تاريخ أسود في ذلك المجال.. ومن أهم الحركات والثورات التي كانت الماسونية وراءها الثورة الفرنسية عام 1789م . وليس من قبيل الصدفة أن يكون شعار تلك الثورة (حرية. إخاء. مساواة) هو نفس شعار الماسونية العالمية.. كذلك حركة الاتحاد والترقي التي قامت بانقلاب ضد السلطان العثماني (عبد الحميد الثاني) ووصلت إلي الحكم وورطت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولي مما أدي إلي تمزقها وسقوطها، ثم إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1923م.. كذلك فقد كانت الماسونية هي المحرك الخفي للثورة البلشفية في روسيا عام 1917م، والتي جاءت بالمذهب الشيوعي إلي العالم، وغيرها من الثورات والانقلابات. 

 

فما أسباب قوة الماسونية العالمية؟لم يعرف تاريخ البشرية كلها جمعية أقوي تنظيمًا من الماسونية وذلك لما يلي:1- وقوع الكثير من ملوك ورؤساء وزعماء العالم تحت سيطرتها حتي صاروا كالدمي في أيديها خوفًا علي مناصبهم وسلطانهم.2- انتشار محافلها في كل بقاع العالم تقريبًا واستقطابها الكثير من الشخصيات الهامة التي تخدم أهدافها.3- امتداد تأثيرها وسيطرتها علي معظم الجمعيات والمنظمات الدولية والعالمية.4- امتلاكها معظم البنوك والمصارف المالية والكثير من الموارد الاقتصادية ووسائل الإعلام وسيطرتها علي تجارة السلاح والمخدرات والرقيق الأبيض.5- امتلاكها عصابات مسلحة لتنفيذ أعمالها في قتل وتصفية كل من يقف أمام أهدافها ومخططاتها أو يحاول إفشاء أسرارها.وما ذلك السلطان الطاغي الذي تسيطر به الماسونية علي من يسقط في شباكها؟للماسونية أسلوب شيطاني في ذلك وهو علي النحو التالي:1- بداية فإنها تجذب الأشخاص الذين يهمها ضمهم إليها عن طريق الإغراء بالمنفعة الشخصية علي أساس أن كل أخ ماسوني مجند في خدمة وعون كل أخ ماسوني آخر في أي بقعة من بقاع الأرض يعينه في قضاء حاجاته وحل مشكلاته وتحقيق طموحاته.. وهذا أعظم إغراء تصطاد به النفعيين والوصوليين ذوي التطلعات العليا والطموحات البعيدة.2- بعد ذلك تعمل علي إغراء ذلك الشخص برشوته بالمال والجنس والمخدرات والعمل علي هدم المبادئ الأخلاقية والقيم الدينية عنده من خلال دفعه إلي الانحلال والإلحاد حتي يتجرد من أي ولاء لدين أو عرق أو وطن.3- تعمل علي إحاطة الشخص الذي يقع في حبائلها بالشباك من كل جانب مثل أن تدبر له مجالس الخمر والجنس والفجور ثم يتم تصويره في أوضاع مخلة وفاضحة يُهَدّد بنشرها إذا رفض الانصياع لأوامرها وطلباتها. 

 

4- إذا تململ الشخص أو عارض شيئا من أوامرها تدبر له فضيحة كبري كما فعلوا مع الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون) عندما دبروا له فضيحة جنسية مع المتدربة بالبيت الأبيض اليهودية (مونيكا) عندما رفض الانصياع لمخططاتهم فلما عاد وتاب وأناب أخرجوه منها بأيسر السبل.5- كل شخص استفادوا منه ولم يعد لهم به حاجة تخلصوا منه بالقتل أو بأي وسيلة أخري تضمن لهم صمته إلي الأبد وكل من يفشي أسرارهم مصيره القتل ذبحًا أو شنقًا.فما وسائلهم للسيطرة علي المجتمعات؟يتم ذلك علي النحو التالي: 1- هدم المبادئ وتدمير الأخلاق ونشر الفوضي وإشاعة الفساد والإلحاد.2- بث سموم الفرقة والنزاع داخل البلد الواحد وإحياء روح الصراعات الدينية والطائفية والعرقية كما يفعلون في السودان والعراق ولبنان وكما يحاولون أن يفعلوا في مصر.3- العمل علي السيطرة علي ملوك الدول ورؤسائها لضمان تنفيذ أهدافهم.4- السيطرة علي أجهزة الدعاية والصحافة والنشر والإعلام واستخدامها لنشر الإباحية والانحلال الجنسي وفساد الأخلاق.. ويعتبر المليونير اليهودي (ميردوخ) أكبر مالك للصحف والمجلات والمحطات التلفزيونية في العالم مثالآً صارخًا علي ذلك.5- امتلاك أكبر البنوك والمصارف المالية في العالم والسيطرة علي التعاملات المالية وإغراق الدول والأفراد في القروض والديون.6- دفع الشباب والشابات للانغماس في الرذيلة وتوفير أسبابها لهم وإباحة الاتصال الجنسي بالمحارم وتوهين العلاقات الزوجية من خلال حفلات تبادل الزوجات وتحطيم الروابط الأسرية.وهل كل الماسونيين علي درجة واحدة؟بالطبع لا.. فهناك ثلاث درجات رئيسية تعتمد علي المرحلة التي قطعها الماسوني في إخلاصه لمبادئها وكفره بدينه ووطنه وهي علي النحو التالي:1- العُمْي الصغار: والمقصود بهم المبتدئون من الماسون.

 

2- الماسونية الملوكية: وهذه لا ينالها إلا من تنكر كليا لدينه ووطنه وتجرد تماما لخدمة اليهودية ومنهم رئيس الوزراء الإنجليزي (تشرشل) ووزير الخارجية (بلفور) صاحب الوعدالمشئوم بإعطاء فلسطين لليهود.3- الماسونية الكونية: وهي قمة الطبقات وكل أفرادها من اليهود المعدودين وهم أقوي من الملوك والرؤساء.. وكل زعماء الصهيونية من الماسونية الكونية وهم الذين يخططون لمصالح اليهود في العالم وعلي رأسهم (تيودور هرتزل) .وهل للماسونية شعار خاص بها؟نعم.. فكل ماسوني في العالم يحمل معه فرجار (برجل) وزاوية لأنهما الأداتان الأساسيتان اللتان بني بهما سليمان عليه السلام الهيكل المقدس.وماذا عن القسم الذي يقسمه العضو الجديد عند الالتحاق بالماسونية؟بداية فإن عضوية الماسونية تكون باختيار المحفل للعضو وليس بناءً علي رغبته وبعد توفر شروط العضوية فيه.ويتم قبول العضو الجديد في جو مرعب ومخيف حيث يقاد إلي الرئيس معصوب العينين ويدخل إلي حجرة شبه مظلمة ثم يجثو علي ركبتيه ويضع يده علي كتاب العهد القديم (التوراة) ويحني رأسه للخلف وتوضع علي عنقه عدة خناجر وحوله جماجم بشرية وأدوات هندسية مصنوعة من الخشب كل ذلك لبث الخوف والرعب والمهابة في نفسه ثم يقسم القسم التالي: (أقسم علي نحو أعمي أن أطيع كل أوامر المحفل الماسوني دون السؤال عن السبب.. وأقسم ألا أنتمي إلي أي دين آخر غير الماسونية وأقسم ألا أستسلم لأي تأثير مخالف لها وأن أهدم أي معارضة أو مقاومة ضد أهدافها.. وإذا حنثت بهذا القسم في أي وقت فعندها كل الخناجر سوف تطعنني والتي هي موجهة إلي حلقي الآن) .وكيف دخلت الماسونية مصر؟دخلت الماسونية مصر مع الحملة الفرنسية عام (1798م) ووصلت إلي قمة السيطرة علي البلاد حين تولي الخديوي توفيق بنفسه رئاسة المحفل الماسوني المصري..وقد ظلت المحافل الماسونية تمارس نشاطها في مصر حتي تم إغلاقها عام 1965م بعد أن ثبت تجسسها لصالح إسرائيل.

 

ما حكم الشرع في الانتساب للماسونية؟أصدرت لجنة الفتوي بالأزهر الشريف بيانًا بشأن الماسونية والأندية التابعة لها مثل الروتاري والليونز والإنرويل وغيرها بتاريخ 52 شعبان 1405هـ جاء فيه: (( ويحرم علي المسلمين المشاركة في أندية هذا شأنها )) ..وكان المجمع الفقهي التاسع لرابطة العالم الإسلامي قد أصدر فتوي سابقة بتاريخ 10 شعبان 1398هـ جاء فيها (( اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة علي الإسلام والمسلمين وأن من ينتسب إليها وهو علي علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله )) أما الجمعية الشرعية بمصر فقد أصدرت بيانًا في ذلك الشأن بتاريخ غرة جمادي الآخرة 1408هـ جاء فيه: (( وعلي كل دعاة المسلمين والغيورين علي دينهم وأعراضهم وأوطانهم أن يحاربوا مثل هذه الأندية المشبوهة وكل أذيال المحافل الصهيونية الكافرة )) .ولم يكن للماسونية أن تنتشر وتتغلغل داخل المجتمعات لو أنها أسفرت عن وجهها الحقيقي بما تحمله من قبائح ورذائل ومؤامرات؛ لذلك فقد شرعت في إعادة اختراق الأوطان والمجتمعات من خلال شكل جديد من أشكال الفساد تمثل في مجموعة من الأندية والجمعيات التي استطاعت أن ترسخ اقدامها مرة أخري في دول العالم.. ومن هذه الجمعيات الروتاري والليونز.. وغيرها.. وهذه هي المرحلة الثالثة في تاريخ العمل اليهودي المنظم لتحقيق هدف إقامة حكومة اليهود العالمية وسوف نتناولها بإيجاز فيما يلي: 

الروتاري 

 

هي إحدي الجمعيات الماسونية العالمية أسسها المحامي الأمريكي (بول هاريس) في 3 فبراير عام 1905م بمدينة (شيكاغو) بولاية (إلينوي) الأمريكية ثم امتدت إلي (دبلن) بأيرلندا عام 1911م ثم إلي الدول الأوروبية وأخيرًا امتدت إلي جميع أنحاء العالم.وقد تم تشكيل هذه النوادي كواجهة تختفي وراءها الماسونية العالمية من أجل جذب واستقطاب الأشخاص ذوي السلطان والنفوذ الذين يمكن توجيههم لخدمة الأهداف اليهودية.والروتاري كلمة إنجليزية تعني الدوران أو التناوب وقد جاء هذا الاسم لأن الاجتماعات الروتارية كانت تعقد في منازل أو مكاتب الأعضاء بالتناوب كذلك فإن رئاسة النادي تدور بين الأعضاء بالتناوب.وللروتاري نوادٍ في معظم الدول العربية والإسلامية مثل مصر والأردن وتونس والجزائر وليبيا والمغرب ولبنان وفلسطين.. وجدير بالذكر أن نعلم أن مصر وفلسطين هما أول من أسس أندية الروتاري في العالم العربي والإسلامي حيث تأسس نادي روتاري القاهرة ونادي روتاري أورشليم عام 1929م كما أنهما من أكثر البلاد عددًا بهذه النوادي إلا أن بيروت تعتبر مركز الروتاري في الشرق الأوسط.وكيف دخل الروتاري مصر؟يرجع تاريخ نوادي الروتاري في مصر إلي عام 1929م حيث أنشئ أول نادٍ وعقد أول اجتماع له بفندق شبرد بالقاهرة وكان يضم 22 عضوًا أغلبهم من الأجانب الذين سرعان ما انتشروا في البلاد يضمون إلي صفوفهم علية القوم وأكابرهم.. وكان الدكتور (محمد شاهين) هو أول مصري منتخب لرئاسة النادي وذلك بعد إنشائه بحوالي خمس سنين.وكيف يتم الانضمام لتلك النوادي؟بداية فإننا يجب أن نعلم أن عضوية تلك النوادي كما هو الحال في المحافل الماسونية ليست مفتوحة ومتاحة لمن يرغب في ذلك.. إنما تتم عن طريق اختيار النادي للعضو المطلوب ضمه وذلك من خلال ترشيح وتزكية أعضاء النادي له.. 

 

ولا يتم ذلك إلا إذا توافرت في العضو الشروط التالية:1- أن يكون العضو من علية القوم أو من أصحاب المراكز أو الجاه والسلطان أو من نجوم المجتمع المرموقين.2- أن يكون ارتباطه بالدين ضعيفًا وأن يكون تمسكه بشعائره شكليا.3- أن يكون ممن يضعون أطماعهم وطموحاتهم ومصالحهم الشخصية فوق مصلحة الدين والوطن.وللعلم فإن هذه النوادي تشترط علي أعضائها ألا يتحدثوا ولا يشتغلوا بالدين ولا بالسياسة أي أن ينعزلوا تمامًا عن قضايا دينهم وأمتهم وطبعًا علي رأسها قضية فلسطين.. الشغل الشاغل لكل عربي ومسلم. كذلك فإنها تشترط عليهم عدم إقامة أي اعتبار للدين أو الوطن في التعامل فيما بينهم.. وأن ما يجمعهم هو أخوة الروتاري.. ومعني ذلك أن الأخ الروتاري المصري مطالب بأن يقدم الأخ الروتاري اليهودي أو الإسرائيلي علي أخيه المواطن المصري العادي في كل علاقاته وتعاملاته.وبذلك أيضًا فإن اليهود يسهل عليهم التغلغل في كافة الأنشطة الحياتية في المجتمعات الإسلامية بلا حرج.ولماذا يختار الروتاري لعضويته تلك النوعية وبهذه الشروط؟إن اختيار النادي للشخصيات المرموقة في الدولة يخدم أهداف النادي علي ثلاثة أوجه هي:الأول: أن هؤلاء هم المطَّلِعون علي أسرار الدولة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.. وعندما يجلسون في اجتماعاتهم بالنادي جلسات استرخاء.. فإن أسرار الأمة تتدفق من أفواههم في تلقائية وعفوية أو بشكل متعمد!!الثاني: أنهم يشكلون واجهة براقة تغري الآخرين من الطامحين والطامعين بالاشتراك معهم في تلك النوادي خاصة من الوصوليين والانتهازيين الذين يرغبون في ادعاء الشهرة بمجالسة المشاهير أو طلب المنافع وقضاء المصالح من المسئولين. 

 

الثالث: أنهم وبخاصة نجوم الإعلام والصحافة والقائمون علي الإذاعة والتليفزيون يشكلون أبواقًا وطلائع لنشر كل الأفكار الهدامة في مجتمعات المسلمين ما بين الأفكار الإباحية وثقافة الجنس والعري وحرية الردة عن الإسلام وحرية المرأة بتحطيم الثوابت الشرعية مثل مساواتها مع الرجل في كل شيء حتي الميراث.فكيف نَصِفُ من ينضم لهذه النوادي؟إن من ينضم لهذه النوادي واحد من ثلاثة:1- منافق كاره للإسلام والمسلمين ومنبهر باليهود وبتفوقهم المادي والعسكري في صراعهم ضدنا وراغب في دعم المشروع اليهودي والكيد لدينه ووطنه.2- وصولي وانتهازي راغب في مجالسة المشاهير لإدعاء الشهرة أو مصاحبةالمسئولين لقضاء مصالحه وتسهيل أعماله.3- غافل لايدرك حقيقة هذه النوادي فأخذه الإعجاب بأنشطتها الخيرية وآرائها التحررية وكثرة ترديدها لشعارات الحرية والإخاء والإنسانية.وما أهداف أندية الروتاري؟للروتاري أهداف معلنة وأهداف خفية.. وتتلخص الأهداف المعلنة في:1- تنشيط الأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين والمعاقين ورعاية الأيتام والفقراء.2- تعزيز التفاهم الدولي ونشر السلام والإخاء والصداقة بين الشعوب.أما الأهداف الحقيقية والخفية للروتاري فتتلخص في:1- اختراق اليهود للشعوب والمجتمعات الأخري وخاصة العربية والإسلامية باسم الإخاء الروتاري وعن طريق ذلك يصلون إلي جمع المعلومات والحصول علي الأسرار السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تعينهم في حربهم علينا.. كذلك يستغلون ذلك الاختراق والامتزاج بالشعوب في تدمير الأخلاق ونشر العادات الإباحية والتفسخ والانحلال.2- توظيف الشخصيات المهمة والمؤثرة في المجتمعات المسلمة لتهميش دور الدين ونشر الأفكار الانهزامية وبث روح الإحباط والاستسلام للمخططات اليهودية والقبول بالتفوق اليهودي تحت مسمي نشر ثقاقة السلام. 

 

وهل هناك فرق بين الروتاري والماسونية؟يختلف الروتاري عن الماسونية في أمرين:الأول: أن قيادات الماسونية ورؤساءها مجهولون للناس علي عكس الروتاري الذي يمكن معرفة قياداته وزعمائه.الثاني: أن الروتاري هو أحد أذرع الماسونية وأحد صورها العلنية وليس العكس.. لذلك فإن الروتاري يخضع للماسونية العالمية وهو أحد مخالبها.هل يمكن معرفة أعضاء الروتاري؟نعم يمكن معرفة أعضاء الروتاري لعامة الناس بسهولة.. فهم يضعون علي صدورهم شارتهم المميزة وهي عبارة عن عجلة مسننة علي شكل ترس باللونين الذهبي والأزرق.. وداخل محيط العجلة تتشكل النجمة السداسية تحتضنها كلمتا (روتاري) و(عالمية) باللغة الإنجليزية.. واللونان الأزرق والذهبي من ألوان اليهود المقدسة التي يزينون بها أسقف معابدهم ومحافلهم الماسونية. ومن الأمور ذات الدلالة التي لا تخفي أن هذين اللونين هما لون علم دول الاتحاد الأوربي.ما هو الشكل التنظيمي لأندية الروتاري في العالم؟للروتاري فروع رئيسية في لندن وزيوريخ وباريس وقد قسم العالم إلي مناطق.. وترتبط كل منطقة روتارية علي مستوي العالم ارتباطًا مباشرًا بالمركز العام في (إيفانستون) عن طريق ممثلها العالمي في الأفرع الرئيسية وقد غطت أندية الروتاري ما يزيد علي 157 دولة في العالم.والمنطقة 245 تضم مصر والسودان ولبنان والأردن والبحرين وقبرص كما أن لهذه المنظمة أربعين ناديًا في إسرائيل وأكثر من عشرين ناديا في مصر وتعد بيرو ت مركز نوادي الشرق الأوسط.وهل تقتصر عضوية نوادي الروتاري علي الرجال فقط؟بالطبع لا فهناك أندية لأبناء الروتاريين ونسائهم تعمل علي نفس الفكر والمبادئ والمخططات التي يقوم عليها الروتاري وسوف نتناولها في السطور التالية: 

الإنرويل 

 

هي نواد اجتماعية خدمية لزوجات الروتاريين ونسائهم أنشئت عام 1924م في (مانشستر) بانجلترا وهدفها العمل الخيري الفردي والانفتاح علي العالم وليس لها علاقة بالسياسة.. وتقوم هذه النوادي بتوفير الجانب النسائي والترفيهي في الجلسات الروتارية بهدف جذب الرجال للمشاركة فيها كما تقوم بتقديم الواجبات والخدمات التي تتطلبها حفلات الروتاريين، وقد تم انشاء أول نادي للإنرويل في مصر في المنصورة عام 1972مولنوادي الإنرويل أيضًا تقسيمات جغرافية عالمية يحمل كل منها اسمًا سريًا خاصًا ومصر والأردن تضمهما منطقة إنرويل واحدة تحمل رقم 95، وعادة ما تضم نوادي الإنرويل نجمات المجتمع وعارضات الأزياء ونجمات السينما والمسرح والتليفزيون وهن الدافع والحافز لأزواجهن وللآخرين للتبرع لأعمالها الخيرية.. كذلك فإن في امكانهن القيام بأشياء يعجز عنها الرجال. 

الإنترآكت 

هي نواد ثقافية اجتماعية مرتبطة بمنظمة الروتاري العالمية خصصت عضويتها لطلبة المدارس الإعدادية والثانوية وتسمي بأندية الطلائع...وقد تم انشاؤها بتوصية من مؤتمر الروتاري الدولي عام 61 / 1962 ، وتضم الأعضاء ما بين 14 - 18سنة وترفع هذه النوادي شعارات براقة مثل التربية الحديثة والرياضة وقضاء أوقات الفراغ بينما تخفي الهدف الحقيقي وهو تلقين أطفالنا الصغار مفاهيم روتارية يهودية وإعدادهم في المستقبل لتنفيذ مآرب الصهيونية الخبيثة لتكمل حلقة السيطرة علي الرجال والنساء.وعادة ماتنشأ هذه النوادي في المعاهد الخاصة التي تديرها الأقليات النصرانية واليهودية في البلاد العربية والإسلامية وفي حدود مناطق الروتاري لكي يسهل السيطرة عليها ضمن خطط الروتاري للرجال والإنرويل للسيدات. 

الروترآكت 

 

الروتارآكت أو شباب الروتاري هي أندية ثقافية اجتماعية ترويحية مرتبطة بمنظمة الروتاري خصصت عضويتها لطلبة الجامعات وخريجيها ما بين 18 - 28سنة من الذكور والإناث وهي تهدف كما يزعمون إلي تنمية الروح القيادية بين الشباب عن طريق خدمة المجتمع ونشر التفاهم الدولي والسلام وعن طريق تبادل الزيارات. وقد تأسست هذه النوادي بتوصية من مؤتمر الروتاري الدولي عام 67 / 1968م. وفي حدود مناطق أندية الروتاري للكبار.ومن خلال هذا المشروع سافر وفد يهودي من إسرائيل يوم 24 / 1 / 1981م يتكون من خمسين طالبًا إسرائيليًا لقضاء عطلة الصيف بين الأسر العربية المسلمة في مصر ... وفي المقابل فقد استضافت الأسر اليهودية في إسرائيل مجموعة مماثلة من الشباب العربي المسلم المصري لقضاء الأجازة الصيفية بها.ويتضح الهدف الخفي والحقيقي لهذه الأندية في إفساد الجيل المسلم دينيًا وأخلاقيًا وإبعاده عن قضايا أمته وعلي رأسها قضية الصراع العربي الإسرائيلي وذلك باستخدام الحفلات الموسيقية الراقصة والسهر إلي ما بعد منتصف الليل والاختلاط بين الجنسين بكل أشكاله وألوانه وشرب الخمر وتعاطي المخدرات والاتصالات الفاجرة بين الجنسين أثناء الرحلات وقضاء العطلات مع عائلات لا تتقيد بالأخلاق الإسلامية. ومن خلال ذلك المخطط الخبيث يتم إعداد جيل جديد من شباب الروتاريين يتم تصعيده وترقيته إلي درجة المسئولية في بلاده لتنفيذ مخططات الماسونية العالمية. 

الليونز 

 

أحد أندية الماسونية العالمية أنشأه الأمريكي (ميلفين جونز) لرجال الأعمال بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد تأسس أول ناد في مدينة (سانت أنطونيو) بولاية (تكساس) عام 1915م. وفي عام 1917م تأسست الجمعية العالمية لأندية الليونز بمدينة (شيكاغو) وذلك تحت نفس شعارات الماسونية العالمية وهي عمل الخير وخدمة الإنسانية.. ويرجع تاريخ دخول نوادي الليونز إلي مصر إلي عام 1955م حيث تأسس أول ناد لليونز بمصر ثم انتشرت بعد ذلك في عدد من المحافظات وفي عام 1975م وافقت الجمعية العالمية لأندية الليونز علي تشكيل المنطقة 352 ، تضم مجموعة الدول العربية وتم تعيين: (محمد زكي عبد القادر) الصحفي بأخبار اليوم أول حاكم لها ويقع مركز الليونز الرئيسي الحالي في مدينة (أوك بروك) بولاية (إلينوي) الأمريكية.. وكلمة (ليونز) تعني الأسود أو حراس الهيكل في إشارة إلي الهدف الماسوني الأكبر وهو بناء هيكل سليمان. 

المحافظون الجدد 

 

عندما دفعت الماسونية العالمية باليهوديين (كارل ماركس) و(جوزيف إنجلز) لابتداع الفكر الشيوعي الذي يقوم في ركيزته الأولي علي الإلحاد وإنكار الأديان كانت في ذلك تسير علي نهجها الرئيسي في نشر الإلحاد وتدمير الأخلاق بين الشعوب وبالفعل نشأت الشيوعية في روسيا بقيام الثورة البلشفية عام 1917م.. وظهر الاتحاد السوفيتي إلي الوجود وكان في بدايته من أشد أنصار اليهودية العالمية بدليل أنه كان الدولة الثانية في العالم التي اعترفت بقيام دولة إسرائيل عام 1948م بعد الولايات المتحدة الأمريكية.. ولكن أحيانًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فمنذ الخمسينات بدأ الاتحاد السوفيتي يتحول عن سياسته في القضية المحورية للماسونية العالمية وهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي حيث بدأ يتبني ويدعم وجهة النظر العربية ضد إسرائيل سياسيًا وعسكريًا واقتصاديا.. وفي نفس الوقت في الولايات المتحدة الأمريكية ظهر تيار يساري أخذ يقوي ويشتد ينادي بعدم الاصطدام بالاتحاد السوفيتي والتفاهم معه ويدعو إلي اتخاذ مواقف حيادية ومنصفة تجاه الدول والشعوب صاحبة القضايا العادلة ومنها الشعب الفلسطيني في صراعه مع اليهود.. وهنا شعرت الماسونية العالمية بالخطر وبأن الظروف الدولية تتحول ضد مصالحها.. فكان لابد من التصدي لذلك التيار اليساري الأمريكي الصاعد والسابح ضد المصالح اليهودية وفي نفس الوقت التصدي للاتحاد السوفيتي المناصر الأول للعرب والعمل علي إخضاعه لمخططاتها فكان أن اتجهت الماسونية في أمريكا إلي الخصم التقليدي لليسار الصاعد وهو اليمين المحافظ التقليدي.. ولكنها وجدته غير متحمس لخوض ذلك الصراع مع اليسار لصالحها.. لذلك كان عليها أن تخلق يمينًا محافظًا جديدًا يختلف عن ذلك التقليدي ويتبني سياسة عدائية صريحة ضد الاتحاد السوفيتي وضد الشعب الفلسطيني.. وكانت تلك هي نقطة البداية للظهور الفعلي للمحافظين الجدد علي ساحة الأحداث. 

 

وتعتبر هذه هي المرحلة الرابعة في تاريخ العمل اليهودي المنظم لتحقيق هدف إقامة حكومة اليهود العالمية.وهل كان لهؤلاء المحافظين الجدد أصول ووجود سابق في المجتمع الأمريكي؟ أم أن ظهورهم أمر جديد وحادث عليه؟إن أخطر ما يميز المحافظين الجدد أن لهم أصولا ومعتقدات دينية موروثة بين فئات المجتمع الأمريكي من قبل هجرة آبائهم وأجدادهم من أوروبا إلي أمريكا بعد اكتشافها علي يد الأسباني (كريستوفر كولومبس) .فعلي مدي ألف وخمسمائة عام وحتي القرن السادس عشر كان اليهود يعيشون في أوروبا تحت لعنات الناس لأعتقادهم بأنهم صلبوا المسيح.. لكن هذه النظرية بدأت في التغير مع ظهور حركة الإصلاح الديني في ألمانيا علي يد زعيمها القس (مارتن لوثر) الذي بشر في كتابه (المسيح ولد يهوديًا) بأن اليهود هم أبناء الله ونحن الضيوف الغرباء.. وعلينا أن نرضي بأن نكون كالكلاب التي تأكل من فتات مائدة أسيادها.. وكانت هذه هي بداية ظهور المذهب البروتستانتي في أوروبا الرافض للتعصب الكاثوليكي ضد اليهود وأصبحت المسيحية البروتستانتية ربيبة لليهودية وأصبح للتوراة أو العهد القديم في نظر البروتستانت أهمية تفوق الإنجيل أو العهد الجديد. وحتي بعد أن انقلب لوثر علي اليهود ودعا إلي طردهم من ألمانيا والدفع بهم إلي فلسطين بعد أن خاب ظنه في إمكان تحويلهم إلي البروتستانتية فإن أتباعه من البروتستانت لم تتزعزع عقيدتهم في منزلة التوراة واليهود في التأصيل للعقيدة المسيحية...وهذه هي المسيحية اليهودية التي سوف ترحل مع البروتستانت أينما اتجهوا بدءًا بانجلترا وانتهاءً بالولايات المتحدة.وبعد اكتشاف أمريكا تدفقت إليها الجموع من أتباع ذلك المذهب.. وكانت هذه هي الجذور الأولي لنشأة المسيحية اليهودية في أمريكا والتي ستُعرف فيما بعد باسم المسيحية الصهيونية، والتي بلغ عدد معتنقيها ما يقرب من أربعين مليون نسمة.. 

 

ومما يدل علي شدة تأثرهم بالتوراة أنهم كانوا يسمون أبناءهم بأسماء عبرانية مثل (إبراهام وسارة وبنيامين واليعازر) ويطلقون علي مستعمراتهم أسماء عبرانية مثل (حبرون وسالم وكنعان) وفرضوا تعليم اللغة العبرية في مدارسهم.. وقد أسسوا جامعة (هارفارد) عام 1836م وجعلوا العبرية لغتها الرسمية.ومن المثير للانتباه واللافت للنظر أن أول درجة دكتوراه منحتها جامعة هارفارد الأمريكية عام 1842م كانت بعنوان (العبرية اللغة الأم) وأن أول كتاب طبع وصدر في أمريكا كان (سفر المزامير) وأول مجلة كان اسمها (اليهودي) .فما هي الركائز الدينية التي تقوم عليها المسيحية الصهيونية؟تتلخص العقيدة المسيحية الصهيونية القائمة علي الفكر الماسوني التوراتي والتي هي المرجعية الدينية للمحافظين الجدد في ثلاثة ركائز هي:الأولي: أن اليهود هم شعب الله المختار وهم الأمة المفضلة علي كل الأمم.الثانية: أن هناك ميثاقًا إلهيًا يربط اليهود بالأرض المقدسة في فلسطين أعطاه الله لإبراهيم عليه السلام وهو ميثاق أبدي.الثالثة: أن عودة المسيح إلي الأرض في آخر الزمان لن تتم إلا بعد إعادة تجميع يهود العالم في فلسطين وقيام دولة إسرائيل وإعادة بناء الهيكل فوق قبة الصخرة في المسجد الأقصي ببيت المقدس والتي يسمونها (جبل الهيكل) ... وأن هذا لن يتم إلا بعد وقوع مقتلة عظيمة ومعركة فاصلة بين قوي الخير وقوي الشر في العالم تنتصر فيها قوي الخير.. وتسمي هذه بمعركة (هرمجدون) وهي قرية تقع في شمال القدس.وهذه الجماعات المسيحية اليهودية الأصولية أو المسيحية الصهيونية، تؤيد قيام دولة إسرائيل الكبري تأييدًا أعمي ومتعصبًا يفوق تأييد اليهود لها وتدعمها ماليا وسياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا من منطلق ديني وعقائدي باعتبار أن ذلك هو التمهيد اللازم لعودة المسيح عليه السلام لكي يملك الأرض مدة ألف عام مع المسيحيين المؤمنين.. وبعد ذلك تنتهي الدنيا وتقوم القيامة. 

 

ويبلغ عدد هذه الجمعيات المسيحية اليهودية الأمريكية ما يقرب من مائتين وخمسين جمعية.وقد شكل المسيحيون الكاثوليك قطبًا جديدًا داخل اليمين المسيحي أو المسيحية الصهيونية.. وقد شجعهم علي ذلك تغير موقف (الفاتيكان) من اليهود ومن القضية الفلسطينية.. فبعد أن كان الفاتيكان معروفًا بمواقفه القديمة من اليهود واليهودية تاريخًا وعقيدة بما في ذلك الإيمان بصلب اليهود للمسيح ورفض وعد بلفور بتقسيم فلسطين شرع الفاتيكان منذ عام 1960م في تغيير معظم مواقفه الرسمية من اليهود ابتداء بتبرئتهم من دم المسيح إلي تأكيد الهوية اليهودية للمسيح نفسه وانتهاء باعتراف الفاتيكان بإسرائيل عام 1993م بل إن الفاتيكان أخذ يعقد ويشارك في كثير من المؤتمرات لتعديل نصوص بعض الأناجيل!! وذلك بغرض إنصاف اليهود!! كما حدث في عام 1997م، ولقد كان لهذا التغيير أهم الأثر في تشجيع انضمام المسيحية الكاثوليكية إلي المسيحية الصهيونية بأمريكا حيث لم يعد هناك فارق اليوم بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستانتية في الولاء لليهود والماسونية العالمية. فما هي الركائز السياسية للمحافظين الجدد؟ترتكز حركة المسيحيين الجدد علي تبني سياسة أمريكية خارجية عدوانية وهجومية سواء في المجالات السياسية أو العسكرية تقوم علي فرض الهيمنة الأمريكية علي العالم أجمع بالقوة وتركيز كل الثقل الأمريكي وراء دولة إسرائيل داعمة إياها من أجل تحقيق أهدافها ومخططاتها ومعاداة الدول العربية والإسلامية من خلال وصف الإسلام بالهمجية ووصمه بالإرهاب ورفع راية الحرب الصليبية علي الإسلام والمسلمين. كل ذلك بهدف واضح ومحدد هو تدمير وتفتيت كل القوي الإسلامية التي تتصدي للمشروع اليهودي الماسوني بإنشاء دولة إسرائيل الكبري التي تحكم العالم.. سواء كانت هذه القوي من الدول أو الجماعات أو الأفراد. 

 

فمن هم هؤلاء المحافظون الجدد؟المحافظون الجدد هو مصطلح يطلق علي مجموعة من الشخصيات السياسية والفكرية التي تعمل علي فرض الهيمنة الأمريكية الطاغية علي العالم الجديد من أجل تحقيق المشروع اليهودي بإقامة حكومة اليهود العالمية التي تحكم العالم من القدس.. وذلك طبعًا باعتبار أن أمريكا هي حصان طروادة الجديد الذي تستطيع الماسونية العالمية المتخفية بداخله أن تخترق العالم كله وتهيمن عليه وصولاً لتحقيق ذلك الهدف، وهذه المجموعة صغيرة العدد وتتكون من بعض المثقفين والمسئولين والعسكريين السابقين والكتاب والصحفيين ومقدمي البرامج التليفزيونية بالإضافة إلي ناشطين سياسيين وأساتذة جامعات وباحثين علميين. ويجمع هذه المجموعة كلها تيار فكري سياسي وديني واحد.. وبالرغم من أنها قليلة العدد إلا أنها تتميز بنفوذ ضخم يفوق بمراحل مذهلة حجمها الحقيقي في حلبة السياسة الخارجية واتخاذ القرار في الدولة الأمريكية.ومتي بدأ الظهور الفعلي للمحافظين الجدد في المرحلة المعاصرة؟كانت الفرصة الأولي التي سنحت للمحافظين الجدد للظهور والبدء في التأثير الفعلي في السياسة الأمريكية في أوائل الثمانينيات في عهد الرئيس الأمريكي (رونالد ريجان) الذي كان ممثلا سينمائيًا دفعت به الماسونية العالمية إلي قمة الدولة الأمريكية!!ففي ذلك العهد بدأ المحافظون الجدد يتقلدون المناصب الرفيعة في الحكومة الأمريكية وعلي رأسهم (ريتشارد بيرل) الذي شغل منصب مساعد وزير الدفاع الأمريكي وكان يلقب باسم (أمير الظلام) لإمعانه في التطرف والتشدد نحو اليمين ومعه (بول وولفوتز) الذي شغل منصب وكيل وزارة الدفاع. وفي هذه الفترة تبني الرئيس ريجان سياسة عدائية متصاعدة ضد الاتحاد السوفيتي والكثير من دول العالم وخاض حروبًا وصراعات كثيرة في نيكاراجوا وبنما وهندوراس. 

 

ولكن حظ المحافظين الجدد لم يكن طيبا خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي (جورج بوش) الأب الذي كان محافظًا تقليديًا اتسم بقدر من الاعتدال في سياساته الخارجية وانتهت ولايته في عام 1993م.. كذلك كان الحال خلال الفترة التالية له والتي حكم فيها الرئيس (بيل كلينتون) أمريكا طوال ثمانية أعوام وحتي عام 2000م. حيث تجمد نشاطهم وتراجع نفوذهم خلال تلك الفترة.فلما جاء (جورج بوش) الابن عام 2000م دبت الحياة فيهم من جديد بقوة وعنفوان فوصل عدد منهم إلي أعلي المناصب في الحكومة الأمريكية خاصة في وزارة الدفاع التي سيطروا عليها بالكامل.. فكان (ديك شيني) نائبًا للرئيس و(رونالد رامسفيلد) وزيرًا للدفاع و(بول وولفوتز) نائبًا لوزير الدفاع و(دوجلاس فيث) وكيلا لوزارة الدفاع و(ريتشارد بيرل) مستشارًا لوزير الدفاع. وذلك طبعًا بالإضافة إلي (كوندوليزا رايس) التي كانت مستشارة للأمن القومي للرئيس الأمريكي (جورج بوش) ثم أصبحت وزيرة للخارجية خلفًا للوزير (كولن باول) .هل هناك وقائع أو أحداث تثبت عمق الانتماء اليهودي عند هؤلاء المحافظين الجدد؟في الحقيقة أن هناك مفارقات واضحة تكشف علاقة هذه المجموعة بالماسونية العالمية وعمق انتمائها لليهودية الصهيونية.. ومن هذه المفارقات أن (ريتشارد بيرل) مستشار وزير الدفاع الأمريكي كان مستشارًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أثناء حملته الانتخابية للوصول إلي حكم دولة إسرائيل.كذلك من هذه المفارقات الواضحة ذلك المؤتمر الذي نظمه رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتانياهو) عام 1996م في القدس ودعا إليه هؤلاء المحافظين لمناقشة أمر واحد فقط.. 

 

هو كيفية دفع الولايات المتحدة إلي شن حرب علي الإرهاب العالمي طبعًا علي اعتبار أن الإرهاب هو كل الدول والقوي العربية والإسلامية المناوئة لإسرائيل وفي ذلك المؤتمر قدمت مجموعة المحافظين الجدد برئاسة الأمريكي اليهودي (ريتشارد بيرل) أمير الظلام خطة جديدة تدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلي التخلي عن اتفاقيات (أوسلو) .. والتحول من مبدأ (الأرض مقابل السلام) إلي (السلام مقابل السلام) .. واعتماد استراتيجية جديدة مع الولايات المتحدة تعتمد علي فرض السلام بالقوة وإعادة تشكيل الوضع في المنطقة العربية بما يخدم المخططات اليهودية. وقد جاء في تلك الخطة وبالحرف (أن بوسع إسرائيل أن تعيد تشكيل المنطقة الاستراتيجية المحيطة بها من خلال التعاون مع الأردن وتركيا وإضعاف سوريا وإسقاط صدام حسين في العراق) .. وهذا هو ما حدث تمامًا بعد ذلك وصدقت عليه الأيام.هذا ما فعلته الماسونية العالمية في أمريكا فماذا عن الاتحاد السوفيتي؟في الوقت الذي كانت كل تلك الأحداث تدور فيه في القارة الأمريكية كانت الماسونية في الجانب الآخر من العالم تدفع بالأحداث دفعًا لهدم وتفكيك الاتحاد السوفيتي عقابا له علي تخليه عن اليهود ومناصرته للعرب. وذلك من خلال صنائعها التي دفعت بها إلي رأس النظام الحاكم في الاتحاد السوفيتي وهما الرئيس (ميخائيل جورباتشوف) وخلفه (بوريس يلستين) اللذان قادا ونفذا باقتدار يحسدهما عليه الشيطان أخطر حدث غيَّر مسار العالم في القرن العشرين وهو تفكيك وانهيار الاتحاد السوفيتي مخليًا الساحة العالمية بالكامل لبزوغ فجر النجم الأوحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية زعيمةً وحيدةً ومنفردةً للعالم. 

 

وماذا فعل المحافظون الجدد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي؟بعد انهيار الاتحاد السوفيتي المدوي تجسدت أهداف المحافظين الجدد في مشروعهم الشهير باسم (القرن الأمريكي الجديد) الذي يهدف إلي فرض الهيمنة الأمريكية علي العالم، وفي هذا المشروع وجه المحافظون الجدد رسالة إلي الرئيس الأمريكي (بيل كلينتون) تطالبه بما يلي:1- ضرورة زيادة ميزانية الدفاع لتطوير القوات المسلحة الأمريكية استعدادًا لفرض سيطرتها علي العالم.2- تحديد نظم الحكم المعادية لأمريكا تمهيدًا لإسقاطها ووضع نظم عميلة وحليفة لها بدلا منها.3- إطلاق حملة عالمية لفرض الإصلاح السياسي والديموقراطية الغربية علي العالم العربي والإسلامي.4- اتخاذ سياسة أكثر حسمًا في الشرق الأوسط تشمل استخدام القوة للإطاحة بالرئيس العراقي (صدام حسين) .. ولكن الرئيس بيل كلينتون رفض الاستجابة لتلك المخططات العدوانية الخطيرة.فماذا كان رد فعلهم تجاه رفض الرئيس (بيل كلينتون) لذلك المشروع؟أصدروا تقريرًا يتنبأون فيه بأن التغيير الذي يريدونه في السياسة الخارجية والعسكرية الأمريكية لن يتحقق بالسرعة التي يخططون لها إلا إذا وقع حادث مروع يشبه الهجوم الياباني علي ميناء (بيرل هاربور) عام 1941م والذي كانت أمريكا قد أقامت فيه أكبر قاعدة جوية وبحرية لها.. ذلك الهجوم الذي كان لحظة الفصل التي تحولت أمريكا بعدها مباشرة من سياسة الحياد في الحرب العالمية الثانية إلي الدخول القوي والمشاركة العنيفة فيها في صف الحلفاء الأوروبيين ضد ألمانيا واليابان والذي انتهي بالانتصار عليهما انتصارًا ساحقًا وبضرب اليابان بالقنابل الذرية لأول مرة في تاريخ البشرية.وسرعان ما دبروا مثل ذلك الحادث فجاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م.. والتي يعلم الله وحده من الذي خطط لها، ومن الذي نفذها.. 

 

وسارع (رونالد رامسفيلد) وزير الدفاع في اليوم التالي مباشرة ليعلن ويصر في اجتماع لمجلس الوزراء علي أن (القاعدة) و(صدام حسين) هما المجرم الفاعل وأن الأخير يجب أن يكون هو الهدف الأول في الحرب الأمريكية علي الإرهاب.وبذلك كانت أحداث سبتمبر الفرصة الذهبية للمحافظين الجدد لحشد الرأي العام الأمريكي لشن أكبر حملة عسكرية يهودية صليبية في التاريخ علي الإسلام تحت مسمي الحرب علي الإرهاب.هذا ما يتعلق بحاشية الرئيس الأمريكي .. فماذا عن الرئيس نفسه؟ وهل يعتبر من المحافظين الجدد؟لم يطل الوقت.. وسرعان ما جاء الدور علي الرئيس الأمريكي (جورج بوش) الابن لتنكشف حقيقة علاقته بالمحافظين الجدد بعد أن أصبح المنفذ الأعلي لسياساتهم الشيطانية.. فبعد أحداث سبتمبر مباشرة أعلن ذلك الرئيس أن الحرب التي يخوضها الغرب ضد الإرهاب الإسلامي هي (حرب صليبية) .. ثم عاد لتصنيف العالم إلي محور للخير ومحور للشر وهي نفس المفردات الدينية في التوراة وأعلن أنه في السياسة لا يوجد من هو بين الخير والشر وعلي كل الدول (إما أن تكون معنا أو ضدنا) ثم أعلن تبنيه لسياسة الحروب الاستباقية بمعني أن الولايات المتحدة لم تعد في حاجة إلي التعرض لهجوم يقع عليها لكي تشن الحرب علي أعدائها بل إنها تستطيع أن تشن الحرب علي أي دولة في العالم بمجرد الشعور بأنها تشكل خطرًا عليها كما حدث في أفغانستان والعراق..كذلك فقد ظهر سقوط الرئيس الأمريكي في مصيدة المحافظين الجدد بتبنيه سياسة النزوع إلي العدوانية والمواجهة في تعامله مع الهيئات والمنظمات الدولية بالإضافة إلي الدول الأخري.. ومن ذلك أنه عشية حربه علي العراق تجاهل بكل صفاقة واستخفاف جميع الدول والهيئات الدولية المعارضة لتلك الحرب ومضي فيما خطط له بكل غرور واستعلاء حتي سقط في مستنقع العراق الدامي.. 

 

وفي عهده أيضا ازداد المحافظون قوة وسطوة فاستطاعوا أن يزيحوا وزير الخارجية الأمريكي السابق (كولن باول) وجاءوا ببديل له من غلاة المحافظين هي (كوندوليزا رايس) التي كانت مستشارة للأمن القومي للرئيس الأمريكي. وهنا اكتملت الدائرة وتمت السيطرة الكاملة للمسيحية الصهيونية وليدة الماسونية العالمية علي مقدرات الدولة الأمريكية.. القطب الأوحد في العالم.هل تمتد حركة (المحافظين الجدد) خارج أمريكا؟إذا اتفقنا علي أن عضو المحافظين الجدد لا يشترط أن يعلن عن نفسه علي الملأ كما هو الشأن في الماسونية.. وإنما هو سلوك ومنهج عدواني استعلائي يسخر لخدمة أهداف الماسونية العالمية وعلي رأسها العداء للإسلام والمسلمين.. فإننا نستطيع أن نري في أوروبا أيضًا محافظين جددا منهم رئيس الوزراء الإيطالي السابق (بيرلسكوني) ورئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) ووزير خارجيته (جاك سترو) والرئيس الأسباني السابق (خوسيه أزنار) والرئيس الاسترالي (هاورد) وغيرهم ومن المتوقع أن يظهر محافظون جدد في فرنسا وألمانيا وروسيا وفي كل بقعة من بقاع الأرض تستطيع الماسونية العالمية أن تصل إليها. 

المحافظون الجدد والعراق 

 

ماذا تمثل العراق للمحافظين الجدد؟في الحقيقة فإن العراق تمثل للمحافظين الجدد (قبلة الموت) .. ففي الوقت الذي اعتبر فيه الجميع أن نجاح المحافظين الجدد في دفع الإدارة الأمريكية إلي حرب العراق هو قمة الانتصار.. وقبل أن يهنأوا بانتصارهم المدوي إذ بخطوات النصر تتوقف ثم تنقلب الأحداث رأسًا علي عقب ويبدأ ذلك النصر العظيم في التحول إلي هزيمة مروعة.. وقبل مرور عام واحد علي غزو التحالف اليهودي الصليبي للعراق واحتلاله لها كانت بوادر الكارثة قد بدأت تظهر.. وأخذ النصر السريع يتبخر والهزيمة المريعة تستحكم حتي وصلتا إلي ما نحن عليه الآن.. فقد اكتشف ذلك التحالف أنه سقط في مستنقع من الدماء وأنه يعيش كابوسًا مرعبًا يتخطفه فيه الموت من كل جانب، وإذ بالمجتمع الأمريكي ينقلب علي هؤلاء المحافظين الجدد..وما دلائل ذلك الانقلاب؟بداية فإن الرئيس الأمريكي قد اتُّهم بالكذب علي الشعب الأمريكي وباختلاق المبررات الزائفة لغزو العراق والتي ثبت كذبها وبهتانها وعلي رأسها كذبة أسلحة الدمار الشامل وكذبة العلاقة بين صدام حسين ومنظمة القاعدة.. وانهارت شعبية الرئيس الأمريكي جورج بوش إلي مستويات كارثية حيث وصلت نسبة التأييد له ولسياساته بين أفراد الشعب الأمريكي إلي 29% وهي أدني نسبة يحصل عليها رئيس أمريكي في في التاريخ الأمريكي كله.كذلك فقد استقال (ريتشارد بيرل) أمير الظلام تحت مطارق العديد من الفضائح وانزوي (دوجلاس فيت) بعيدًا عن الأضواء.. أما وزير الدفاع (رونالد رامسفيلد) فقد أصبح في أسوأ موقف.. 

 

فقد انبري الشعب الأمريكي وعلي رأسه رموز الحكم وأعضاء الكونجرس وكبار القادة العسكريين للهجوم عليه واتهامه وبقية جماعة المحافظين الجدد بالكذب في اختلاق مبررات الحرب علي العراق وبالجهل في الإعداد للمعركة وبالغباء في توقعهم استقبال العراقيين لهم بالورود والرياحين وعدم توقع ظهور تلك المقاومة الرهيبة ثم المطالبة باستقالته ومحاكمته علي تلك الخسائر الدامية التي يتكبدها الشعب الأمريكي في المال والرجال. وماذا كانت نتيجة تلك الهزيمة والانكسار الأمريكي في العراق علي المحافظين الجدد ومخططاتهم؟1- بداية.. كانت تلك الهزيمة هي إعلان انكسار موجة المحافظين الجدد وأفول سلطانها علي الإدارة الأمريكية والشعب الأمريكي.2- توقف ذلك الإعصار العاصف الذي كان يهدف إلي احتلال وتدمير كل الدول العربية والإسلامية المتصدية للمشروع اليهودي والذي بدأ بأفغانستان ثم العراق.. وكان الدور بعد ذلك علي سوريا ثم إيران ثم السودان ثم ليبيا (وذلك قبل أن تنقلب أحوالها) .. ثم السعودية وأخيرًا مصر.3- السقوط المروع لذلك المشروع الأمريكي بالهيمنة علي العالم.. فبدأت الدول تعلن التمرد عليها.. ورأينا ذلك النموذج الصارخ لتحدي الإرادة والكرامة الأمريكية في دولة إيران فيما يتعلق بملفها النووي.. فإيران تتحدي أمريكا علانية وتتعمد إهانتها برفض الخضوع لطلباتها وإثارتها بالأمر الوحيد الذي يسبب هياجها ويثير جنونها وهو توعد إسرائيل بالفناء وتكذيب المحرمات اليهودية مثل (محرقة الهولوكست) المزعومة.. ومع ذلك فإن أمريكا تقف عاجزة عن الرد عليها.. وفي حين رأينا أمريكا عشية الحرب علي العراق قد تجاهلت كل دول العالم ومؤسساته وانطلقت في حربها علي العراق واحتلالها له في إصرارٍ وتحدٍ للعالم أجمع.. فإننا اليوم نراها تقف عاجزة تستجدي مساندة الدول الأخري لها لمجرد استصدار قرار يرجو إيران أن تتوقف عن تخصيب اليورانيوم.. 

 

والعجيب أن إيران ترفض ذلك وتصر علي الرفض وتهدد أمريكا بأنها في حالة العدوان عليها سترد الصاع صاعين.. وأنها لو فعلت ذلك فالويل والثبور وعظائم الأمور لها ولإسرائيل!! 

الواجبات الشرعية 

إلي حكام المسلمين:لقد كرَّمكم الله سبحانه وتعالي فوضعكم في مكانة عالية ومنزلة راقية حيث استخدمكم لتقودوا هذه الأمة لما فيه خيرها وصلاحها.. فأمركم بحفظ دينها وصيانة شرفها والدفاع عن أرضها ومقدساتها.. وتذكروا قول نبيكم صلي الله عليه وسلم : "إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع" .وقد سلط الله عليكم وعلينا ذلك العدو الغاصب فسامنا جميعًا سوء العذاب.. دنس الشرف واغتصب الأعراض واستباح الحرمات واحتل الأراضي وأسر المقدسات.. وقد وعد الله سبحانه وتعالي ذلك العدو الغاصب بالهزيمة والشتات.. ولكن علي أيدي المؤمنين الموحدين الذين يخوضون حربهم ضده تحت راية التوحيد بوضوح وجلاء وصدق ونقاء.. فإن أردتم استعادة الشرف المغتصب وصيانة الأعراض المستباحة وتحرير الأرض المحتلة والمقدسات الأسيرة فعليكم بعقيدة التوحيد.. عليكم أن تعلنوها واضحة جلية صريحة مدوية.. محاربة اليهود تحت راية الإسلام.ووالله.. مالم ترفعوا راية الإسلام صريحة في حربكم ضد هذا العدو الغاصب فلن ينصركم الله ولو ملكتم كل أسباب القوة والمنعة في هذه الدنيا من مشرقها إلي مغربها.. وإن لم تفعلوا فسيصدق فيكم قول الحق جل وعلا:( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)(محمد: من الآية38)، ولن ينفعكم وقتها من واليتم وعاهدتم من أهل الشرك والإلحاد.. وسوف تندمون حيث لا ينفع الندم.إلي كل مسلم ومسلمة:هذه هي حقيقة تلك الأندية والجماعات بدءًا من الماسونية ومرورًا بالروتاري والليونز وانتهاءًا بالمحافظين الجدد.. فاحذروها واجتنبوها.. وإلي كل من انخدع بها وانتمي إليها تحت وهم شعاراتها الكاذبة وأهدافها الخادعة.. 

 

لماذا تفعلون الخير لغير الله؟. لماذا تبذلون جهودًا طيبة في قضاء حوائج الفقراء والضعفاء ثم تضيعونها هباء( وَقَدِمْنَا إِلَي مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً)(الفرقان:23)، لماذا تبحثون عن العزة عند غير الله: ( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (النساء:139) .. عودوا إلي ربكم يغفر الله لي ولكم. 

حماس.. الزلزال.. والحصار 

نشر هذا الملف في العدد الحادي والعشرون السنة الثانية من مجلة التبيان 

بتاريخ ربيع الآخر 1427 هـ / مايو 2006م 

 

سبحان الله . وكأننا ننظر بأعيننا.. ونرنو بأبصارنا إلي فجر الدعوة الإسلامية.. ومولد الرسالة المحمدية... وكأن التاريخ يعيد نفسه!! فكما جاءت دعوة النبي (صلي الله عليه وسلم) لإحياء عقيدة التوحيد في النفوس والقلوب غريبة علي قريش... جاءت دعوة حماس لإحياء فريضة الجهاد غريبة علي العرب والمسلمين.. وكما تعرضت الدعوة الإسلامية في أولي أيامها للطغيان وتعرض المسلمون الأوائل للبطش والتعذيب والشهادة فمضت أم عمار بن ياسر علي درب الشهادة وتحمل بلال من قريش التعذيب تعرضت حماس لنفس الابتلاء فمضي الشهيد الشيخ أحمد ياسين ورفاقة من الشهداء الأبرار علي نفس الدرب وتحمل إخوانهم من المجاهدين البطش والتعذيب والتنكيل من اليهود.. وكما مكن الله سبحانه وتعالي للمسلمين الأوائل بمولد دولة الإسلام في المدينة.. مكن الله لحماس بمولد حكومة الإسلام في فلسطين.. وكما قامت كل قوي الكفر والشرك والطغيان من الأحزاب وعلي قلب رجل واحد بمحاصرة النبي (صلي الله عليه وسلم) والمسلمين في المدينة يريدون خنق الإسلام ووأد الدولة الوليدة.. فإن نفس القوي تحاصر حماس اليوم ولنفس السبب.. وكما جاء الإسلام ضعيفًا من أسباب القوة في الدنيا لا يملك إلا العقيدة الصحيحة والتوحيد الخالص.. جاءت حماس ضعيفة من نفس الأسباب قوية بعقيدة صحيحة وتوحيد خالص. وكما وقف العالم أجمع بالأمس ينظر في عجب وحيرة ماذا ستفعل تلك الدولة الوليدة الضعيفة أمام أعتي قوي الشرك علي الأرض في ذلك الوقت في فارس وبلاد الروم فإن العالم يقف اليوم ينظر ماذا ستفعل حماس مع أعتي قوي الشر والطغيان علي الأرض..وكما انتصر الإسلام علي تلك القوي وقوض أركان ملكها بالأمس.. فإنه سينتصر عليها في صراعه الحالي معها إن شاء الله.. وكما تعرضت الدولة الإسلامية في السنوات الأولي من عمرها للمحن والشدائد والانتصارات والهزائم فإن علي حماس أن تتوقع أنها ستسير علي دربها.. وأن الطريق صعب.. 

 

والمسلك وعر.. والدرب عسير.. وستأتي عليها المحن والشدائد تتري وفي ذلك فإنها لا تملك إلا التعلق بحبل الله.. وإخلاص التوحيد وصحة العقيدة والأخذ بما يتاح لها من أسباب القوة في الحياة الدنيا.. ثم .. لله الأمر من قبل ومن بعد.. وليكن دعاؤهم قوله تعالي: ( رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَي الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (البقرة: من الآية250) وليتذكروا قول ربهم: (وَلَمَّا رَأي الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب:22) .ما هي حركة حماس؟حماس هو الاسم المختصر لـ "حركة المقاومة الإسلامية" .. وهي حركة مقاومة جهادية تأسست في فلسطين تتبني منطلقًا عقائديًا وشرعيًا كطريق وحيد لتحرير أرض فلسطين ولقهر العدو اليهودي الذي يخوض صراعه معنا من منطلق ديني.. والذي هو بمثابة الرأس لذلك المخطط اليهودي الصليبي للهيمنة والسيطرة علي بلاد المسلمين وقهر عقيدة التوحيد.. وبالرغم من أن البيان الأول لظهور حماس علي ساحة الجهاد علي أرض فلسطين كان في منتصف ديسمبر عام 1978م إلا أن جذور هذه الحركة تمتد إلي الأربعينيات من القرن الماضي في صورة جماعات جهادية في فلسطين مثل حركة (المرابطون علي أرض الإسراء) و(حركة الكفاح الإسلامي).. وغيرهما.. وفي نهاية عام 1991م أسست الحركة الجناح العسكري لها وهو (كتائب الشهيد عز الدين القسام) .وما هو الشكل التنظيمي للحركة؟تتكون حماس من أربعة أجنحة هي:الجناح الجماهيري: ويعمل علي تعبئة الجماهير وحشد الأنصار للانضمام إلي الحركة في مواجهاتها مع العدو اليهودي من خلال تفعيل الانتفاضة وإثارة الاضرابات الطلابية والعمالية والمقاومة السلمية. 

 

الجناح الأمني: ويختص بجمع المعلومات عن العملاء والجواسيس الفلسطينيين وعن قوات الجيش الإسرائيلي ومؤسساته العسكرية في فلسطين.الجناح العسكري: ويسمي (كتائب الشهيد عز الدين القسام) ويعمل هذا الجناح علي تنفيذ العمليات الجهادية ضد العدو اليهودي وعلي رأسها العمليات الاستشهادية.الجناح السياسي: ويختص بالأنشطة السياسية ويعبر عن مواقف الحركة الرسمية.ومن هم أبرز قيادات الحركة؟يعتبر الشهيد الشيخ أحمد ياسين أبرز قيادات الحركة ومؤسسها والأب الروحي لها.. تليه مجموعة من القيادات مثل الشهيد الدكتور/ عبد العزيز الرنتيسي وخالد مشعل وإسماعيل هنية ومحمود الزهار والشهداء المهندس إسماعيل أبو شنب وصلاح شحادة وإبراهيم المقادمة وغيرهم.وما هي أهم إنجازات حماس علي الساحة الفلسطينية والإسلامية؟لحماس إنجازات تاريخية فرضت نفسها علي ساحة الصراع علي أرض فلسطين ويأتي علي رأسها:1- إحياء فريضة الجهاد وإبقاء جذوتها مشتعلة في قلوب المسلمين علي أرض فلسطين.. وإحياء القضية الفلسطينية وإبرازها للأمة كقضية وقف إسلامي لا يملك المسلمون بيعه أو التفريط فيه.2- قدمت الحركة فريضة الجهاد كخيار وحيد لاستعادة وتحرير أرض فلسطين.. وذلك في مواجهة المفاوضات كخيار وحيد للسلطة الفلسطينية السابقة والذي كان يهدد بتضييع الحقوق الإسلامية في فلسطين.. وقد تبعتها في ذلك كثير من الفصائل الفلسطينية الأخري بما فيها منظمة فتح كبري الفصائل الفلسطينية التي أنشأت (كتائب شهداء الأقصي) وجماعة الجهاد وغيرها من الفصائل والجماعات.3- تقوم الحركة بدور فاعل وحيوي ومؤثر في مجال العمل الخيري والإغاثي في قلب المجتمع الفلسطيني حيث المساكين والفقراء.. واليتامي والأرامل وعائلات الأسري والشهداء.. وذلك برعايتهم من خلال الجمعيات الخيرية والمؤسسات الصحية والتعليمية.4-أما أعظم ما قدمته وتقدمه حماس علي الساحة الفلسطينية.. ساحة الحرب والجهاد.. 

 

فهي تلك الكوكبة المضيئة من الشهداء الذين قدموا ويقدمون أرواحهم في سبيل الله.. هؤلاء الأبرار الذين تتفجر أجسادهم أشلاء لتتحرر أمتهم وتسترد كرامتها ولتتحرر أرواحهم وتصعد إلي بارئها في موكب تصطف له ملائكة السموات والأرض تدعو له وتغبطه علي ما هو فيه من فوز بالشهادة مصداقًا لقول ربنا سبحانه وتعالي: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران:169) .5- وأخيرًا فقد قدمت حماس المعذرة إلي الله عن تخلف أمة الإسلام عن نصرة فلسطين، وأقامت الحجة علي كل مسلم يتثاقل عن الجهاد أو يتقاعس عن بذل أقصي الطاقات في سبيل نصرة الإسلام واستعادة وقف المسلمين علي أرض فلسطين.. وليُعِدَّ كل منا نفسه بما سيجيب به ربه يوم القيامة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَي الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (التوبة:38) ما هو المنظور الشرعي للقضية الفلسطينية عند حماس؟تعتقد حركة حماس أن الصراع مع اليهود في فلسطين صراع وجود وعقيدة بين الإسلام وتحالف اليهود والصليبيين.. وهذا الصراع لا يمكن أن ينتهي إلا بزوال سببه وهو اغتصاب اليهود لأرض فلسطين؛ وأن الواجب الشرعي علي كل مسلم هو إحياء فريضة الجهاد ضد الوجود اليهودي في فلسطين بكل السبل الممكنة وإبقاء جذوة الصراع مشتعلة حتي يأذن الله باستكمال أسباب النصر للمسلمين. وإلي أن يتحقق ذلك فإنه لا يجوز بحال من الأحوال التفريط في أي جزء من أرض فلسطين أو الاعتراف بشرعية اغتصاب اليهود لها وأنه يجب علي أهل فلسطين أولا ثم من ورائهم العرب والمسلمون إعداد أنفسهم لذلك اليوم الذي يقاتلون فيه اليهود ويخرجونهم من أرض فلسطين كاملة.. 

 

فأرض فلسطين أرض إسلامية مباركة اغتصبها اليهود عنوة ومن واجب المسلمين الجهاد من أجل استرجاعها وطرد اليهود منها.ما هي أسباب فوز حماس وخسارة فتح في الانتخابات التشريعية؟هناك مجموعة من الأسباب لذلك وهي علي النحو التالي:أولا: أسباب تُحْسَبُ لحماس 1- امتلكت حماس برنامجًا يهدف في نهايته إلي تحقيق حلم يسكن قلوب جميع أبناء الشعب الفلسطيني وهو إقامة دولة فلسطين علي كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وعلي رأسهم لاجئ النكبة عام 1948م.2- المقدرة التنظيمية العالية والخبرة المتمرسة في خوض غمار الانتخابات في الاتحادات الطلابية والنقابات المهنية والمجالس المحلية والبلدية.3- الحضور الفاعل علي الأرض بين الفلسطينيين البسطاء والفقراء ومشاركتهم همومهم وأعباءهم من خلال العمل الاجتماعي والمشروعات الخيرية.4- تضحيات الشهداء العظيمة التي قدمتها حماس علي درب الجهاد لتحرير أرض فلسطين والمسجد الأقصي وعلي رأسهم معظم القيادات التاريخية للحركة مثل الشهيد الشيخ أحمد ياسين والشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي والشهداء صلاح شحادة وموسي أبو مرزوق.. والمهندس إسماعيل أبو شنب ود. إبراهيم المقادمة وغيرهم.5- العمليات الجهادية الاستشهادية التي كانت تدمي قلب العدو وتشفي صدور قوم مؤمنين علي أرض فلسطين وترفع معنوياتهم وتثير فيهم كوامن العزة والكرامة وتخفف عنهم ذلك الشعور بالعجز والقهر الناتج عن الاحتلال الإسرائيلي لبلادهم.ثانيًا: أسباب تُحْسَبُ علي منظمة فتح:1- انفراد فتح بالتحكم بكل مقاليد السلطة الفلسطينية بدءًا من الأجهزة الأمنية والمخابرات وانتهاء بالمؤسسات والوزارات.2- استشراء الفساد والانحلال وخراب الذمم ونهب المال العام علي كافة مستويات السلطة الفلسطينية التي تحتكرها منظمة فتح. 

 

3- تشرذم قيادات فتح في خوض الانتخابات ما بين جيل الشباب والحرس القديم ودخول بعضهم الانتخابات كمستقلين وذلك لثقتهم الزائدة في الفوز.4- ذلك الإحباط العام الذي ساد الشعب الفلسطيني نتيجة تلك المفاوضات العبثية التي استمرت لما يزيد عن عشر سنوات دون أي نتيجة يلمسها المواطن الفلسطيني ثم ذلك الرفض العارم لمسار أوسلو الذي أوصل الفلسطينيين إلي ذلك الوضع المهين الذي قاده وتبناه وراهن عليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس.ثالثًا: الكتلة المحايدة:أما السبب الثالث فقد كان اضطهاد اليهود والأمريكان العنيف والتنكيل المستمر بحركة حماس واغتيال معظم قياداتها ورموزها في الفترة الأخيرة مما دفع بالكتلة المحايدة من الشعب الفلسطيني والتي تقترب من خُمس عدد الناخبين إلي التعاطف والتضامن مع حماس وإعطائها أصواتها.ماذا يمثل نجاح حماس في الوصول إلي السلطة الفلسطينية؟كان نجاح حماس في الانتخابات التشريعية زلزالا فاجأ الجميع وباستثناء حماس وكل الإسلاميين الغيورين علي دينهم الراغبين في أن يحكم الإسلام بلادهم فقد مثل وصول حماس إلي السلطة ورطة شديدة يريد الجميع التخلص منها وكابوسًا مزعجًا يريدون الاستيقاظ منه، وذلك علي النحو التالي:منظمة التحرير الفلسطينية:

 

كانت المنظمة قد بدأت في الفترة الأخيرة في التخلي تدريجيًا عن ثوابت القضية الفلسطينية والقبول بإمكانية التفريط في بعض الحقوق الشرعية والتاريخية للشعب الفلسطيني أملاً في الإسراع بمسيرة المفاوضات والانتهاء منها.. فقد سمعنا أخيرًا من مسئولين فلسطينيين ولأول مرة عن إمكانية مبادلة بعض الأراضي بين اليهود والفلسطينيين بما يعني الإقرار بحق إسرائيل في استمرار بقاء المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية وإضفاء الصفة الشرعية عليها.. ومبادلتها بمساحات قاحلة من صحراء النقب التي لا يعيش فيها إلا الزواحف والحشرات.. كذلك فقد سمعنا عن إمكانية تعويض اللاجئين الفلسطينيين في الشتات بمعني التنازل عن حق العودة.. أماعن وجوب عودة القدس الشريف للفلسطينيين فقد خفت لهجته كثيرًا في خطب وأحاديث المسئولين الفلسطينيين.. معني ذلك أن السلطة الفلسطينية السابقة كانت قد هيأت نفسها لقرب انتهاء القضية الفلسطينية بعقد معاهدة نهائية للسلام مع إسرائيل كما فعلت مصر والأردن حتي تستريح من طول الكفاح.. ثم فجأة تأتي حماس لتقلب الطاولة علي رؤوس الجميع وتعيد إحياء القضية الفلسطينية والمطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعلي رأسها استعادة كافة التراب الفلسطيني وفي قلبه القدس الشريف وحق العودة وإزالة المستوطنات.وماذا عن الدول العربية؟أما موقف الدول العربية من وصول حماس إلي السلطة فيحكمه عاملان:الأول: أن الدول العربية في مجملها لا تريد أن تري حكمًا إسلاميًا ناجحًا في أي منها وإلا انهارت كل حجج ملوكها ورؤسائها ومبرراتهم في التصدي لأي توجه لأسلمة الحكم في بلادهم وخوفًا من أن تسري العدوي إلي شعوبهم فتهتز عروشهم ويتهدد سلطانهم.الثاني: أن وصول حكم إسلامي لقيادة الفلسطينيين سوف يعيد إحياء القضية الفلسطينية في النفوس ويجدد اشتعال جذوتها في القلوب فتدب فيها الحياة من جديد بعد أن أوشكت علي الانتهاء والموات.. 

 

وبعد أن هيأت الدول العربية نفسها لدفنها والاستراحة منها. أما المسجد الأقصي الشريف والأرض المباركة التي خطا عليها الأنبياء فلا ضير أن نتخلي عنها لبني إسرائيل.. فما هي إلا بضعة مبانٍ من الأحجار... وبضعة مئات من الأمتار.. ثم أليس اليهود هم بني عمومتنا؟!!وماذا عن التحالف اليهودي الصليبي؟طبعًا المصاب كان أعظم. وأفدح.. فقد نجح اليهود والصليبيون في قهر وإخضاع السلطة الفلسطينية بشكل كامل وبدأوا في إجراءات الحل النهائي للقضية الفلسطينية من طرف واحد.. وطبعًا كان السبب في ذلك هو الخطأ الاستراتيجي القاتل الذي ارتكبه الرئيس الفلسطيني محمود عباس حينما وضع كل البيض في سلة واحدة.. هي سلة المفاوضات وأعلن معارضته الحاسمة والقاطعة والنهائية لأي مقاومة لليهود.. فكانت النتيجة الطبيعية لتفريطه في كل عناصر القوة التي بين يديه أن أزاحته إسرائيل عن طاولة المفاوضات وتجاهلته بشكل مهين ورفضت أي شكل من المباحثات معه بعد أن استجاب لكل ما طلبته. ونسي الرئيس الفلسطيني أن من أولي المبادئ الأساسية التي يتعلمها الساسة والقادة في باكورة حياتهم أن أي مباحثات علي طاولة المفاوضات لا تستند إلا علي عناصر القوة في الميدان وعلي أرض الواقع.. لذلك فإن مجئ حماس إلي السلطة ينسف كل ما حصلت عليه إسرائيل من تفريط وتنازلات السلطة الفلسطينية السابقة .هل يحسب فوز حماس مكسبًا أم خسارة للقضية الفلسطينية؟بجميع المقاييس فإن مجئ حماس إلي السلطة يعتبر مكسبًا استراتيجيا وتحولا خطيرًا في مسار القضية.. فالقضية الفلسطينية لها طرفان.. الأول الطرف اليهودي ومن ورائه أمريكا وكل دول الغرب فيما يعرف بالتحالف اليهودي الصليبي ومن ورائهم بعض النظم العربية الحليفة لهم.. والثاني الطرف الفلسطيني وحده ومعه الله سبحانه وتعالي بعد أن تخلت عنه الغالبية العظمي من الدول العربية والإسلامية.. 

 

وبموازين القوي فإن الطرف اليهودي يملك كل أسلحة القوة وأسباب الغلبة المادية ولكنه لا يملك سلاح الحقوق الشرعية.. وفي المقابل فإن الطرف الفلسطيني لا يملك أيًا من أسلحة القوة المادية.. ولكنه يملك سلاح العقيدة والحقوق المشروعة. وسلاح القوة المادية زائل مهما علا وطال به الأمد.. وسلاح الحق دائم وأبدي مهما واجهه من نهب واغتصاب.. والفيصل في نتيجة الصراع النهائية هي أن يستوعب أهل الحق تلك الحقيقة وأن يصبروا عليها وأن يدركوا أن مصدر قوتهم الوحيد والغالب هو أن يرفضوا الاعتراف بعدوهم أو باغتصاب حقوقهم وألا يقروا له بحق فيها.. وأن يصبروا ويصابروا ويرابطوا حتي تتغير موازين القوي المادية لصالحهم وحينئذ يكون لهم النصر الحاسم.. والعدو اليهودي يدرك ذلك جيدًا.. ويدرك أن تلك القوة المادية الساحقة التي يمتلكها اليوم لن تدوم إلي الأبد.. ولا محالة فإن تلك اللحظة آتية لا ريب فيها يوم يملك أصحاب الحق أسباب القوة والغلبة المادية.. حينئذ ينحسم الصراع بنصرهم نصرًا مبينًا وخسران عدوهم خسرانًا مهينًا.ومادام الشعب الفلسطيني لم يعترف بالعدو ولم يقر له بحق فيما اغتصب فإن القضية ستظل حية.. وفي المقابل فإن العدو اليهودي المغتصب لأرض فلسطين مهما ساد وعلا.. واستكبر وطغي.. وابتلع الأراضي والديار.. وأقام الجدران والأسوار.. فهو يقف علي سطح الأرض بلا جذور تمتد في باطنها تمامًا كالشجرة الخبيثة في قول ربنا عز وجل (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) (ابراهيم:26) وهو ينتظر في رعب وفزع.. وخوف وهلع لحظة زواله.. ووقت انكساره.وللأسف الشديد كانت الرياح في الفترة الماضية تسير بما تشتهي سفن اليهود فالسلطة الفلسطينية كانت قد بدأت في الخضوع والاستجابة للقهر اليهودي.. 

 

فضعفت عزيمتها ولانت إرادتها وأعدت نفسها وهيأتها للقبول بالتنازل عن الكثير والكثير من الحقوق الشرعية لشعب فلسطين.. وغاب عنها أنها لا تملكها ولا تملك حق التفريط فيها وأنها ستُسأل عنها يوم القيامة.. ولو استمر الحال علي ما كان عليه لكانت قضية اغتصاب فلسطين قد انتهت وخُتِمَ عليها بالموت إلي الأبد.أما حماس.. فإنها تدرك جيدًا أن العدو اليهودي ما لم يحصل علي اعتراف الفلسطينيين به وإقرارهم بوجوده فإنه مهزوم مقضي عليه بالخروج من أرض فلسطين ولو اعترف به العالم أجمع.. وفي المقابل فإن الفلسطينيين ما لم يعترفوا بذلك العدو ويسلموا له بأي حق في فلسطين.. فإنهم منتصرون ولو تخلي عنهم العالم أجمع.. لذلك فإن مجئ حماس إلي السلطة هو إعادة بعث لقضية استعادة وقف المسلمين في أرض فلسطين.. تلك القضية التي لم ولن تموت إن شاء الله.. وستظل حية بإرادة الله ثم بإرادة المجاهدين المسلمين من أبنائها مهما تعرضوا له من ظلم وبطش وجبروت حتي يأذن الله بنصر المؤمنين تصديقًا لوعد الله لهم في قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (الحج:38) (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَي نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج:39) .هل يعتبر فوز حماس مكسبًا للسلطة الفلسطينية التي كانت تحتكرها منظمة فتح أم خسارة؟ وكيف ذلك؟إن الإجابة علي هذا السؤال تأتي علي واحد من وجهين:الوجه الأول: إذا نظرنا إلي السؤال بمنظور المصلحة الوطنية العليا لشعب فلسطين والتجرد من هوي النفس والمصالح الشخصية فإن الإجابة تكون (مكسبًا) وذلك لسببين:1- إن مجئ حماس إلي السلطة يمثل دفقًا جديدًا وحيويًا لدماء شابة ونفوس مخلصة وأيد نظيفة ونزيهة ومتعففة.. مما يقوي السلطة علي العموم ويرسخ من أركانها. 

 

2- إن مجئ حماس إلي السلطة تحمل منهجًا جهاديًا متشددًا سوف يبين لليهود والأمريكان كم أخطأوا في حق السلطة السابقة بقيادة منظمة فتح والرئيس محمود عباس التي تجاوبت معهم إلي أقصي الحدود وسلمت لهم بكل ما يطلبون واختارت المفاوضات سبيلا وحيدًا للسلام مع إسرائيل. ومع كل ذلك فقد تجاهلوها ونبذوها.. وها هو البديل.. حماس الجهادية المتشددة.. فليدفعوا ثمن ما فرطوا فيه وليشربوا من نفس الكأس التي أذاقوها لسلطة فتح سابقًا.. كأس التشدد والتجاهل وعدم الاعتراف.الوجه الثاني: أما إذا نظرنا إلي السؤال بمنظور المصلحة الشخصية وهوي النفوس فإن الإجابة تكون (خسارةً) وذلك أيضًا لسببين:1- أن فوز حماس كان ثمنه حرمان فتح من السلطة والنفوذ والجاه والسلطان ونهب المال العام.2- أن فوز حماس وتشددها مع إسرائيل من الممكن أن يدفع اليهود إلي تقديم تنازلات أكبر لحماس رغبة في تليين مواقفها مما يرفع من قدرها عند الشعب الفلسطيني.. وبما يثبت أن النهج التفاوضي السلمي للسلطة السابقة مع اليهود كان نهجًا استسلاميًا فاشلاً كادت تضيع معه حقوق الشعب الفلسطيني.وعلي أرض الواقع أي الوجهين تكون عليه الإجابة؟للأسف الشديد فإن الإجابة من أرض الواقع تقول أن فوز حماس كان خسارة لفتح.. لأن المنظور كان شخصيًا يرتبط بمصالح وحسابات شخصية وهوي للنفس.. والدليل علي ذلك أن السلطة السابقة قد حرصت علي وضع العراقيل والعقبات أمام حكومة حماس.. وذلك علي النحو التالي:1- رفضت فتح المشاركة في حكومة وحدة وطنية رغبة منها في عدم إضفاء الشرعية التي اكتسبتها باعترافها بإسرائيل علي حركة حماس، واشترطت أن تعترف حماس بإسرائيل وبالاتفاقيات الموقعة معها أولاً لتقبل بمشاركتها في حكومة وحدة وطنية.

 

2- محاولات الرئيس الفلسطيي محمود عباس الحصول علي أكبر قدر من الصلاحيات الرئاسية علي حساب الحكومة مثل السيطرة علي ملف المعابر وتعيين مدير للأمن الداخلي يتبع وزارة الداخلية دون التشاور مع رئيس الحكومة إسماعيل هنية.3- استنكار رموز السلطة السابقة لرفض حماس الاعتراف بإسرائيل ووصف ذلك الموقف بأنه غير معقول وغير مقبول ويضر بمصالح الشعب الفلسطيني.هل كان اكتساح حماس للانتخابات التشريعية وصعودها إلي السلطة الفلسطينية مفاجأة للغرب وإسرائيل؟.. أم أنه كان أمرًا متوقعًا أو حتي مطلوبًا؟في الحقيقة أن كلا من الاحتمالين قائم ومعتبر.. فإن سماح إسرائيل وأمريكا بإجراء الانتخابات الفلسطينية في موعدها وفي كل المناطق التي طالب بها وحددها الفلسطينيون بما فيها مدينة القدس الشريف وقبولهم بمشاركة حماس فيها حتي دون أن تقبل بنزع سلاحها.. كل ذلك من الممكن أن يفسر علي واحد من وجهين:الأول: أن يكون ذلك ثقة مطلقة في فوز منظمة التحرير الفلسطينية بتلك الانتخابات وهي الشريك الفلسطيني المقبول لدي إسرائيل وأمريكا وفي أن حماس سوف تحصل علي عدد من الأصوات يؤهلها لقيادة معارضة قوية تضفي الشرعية علي كل القرارات الفلسطينية االتنازلية التي يتخذها الرئيس الفلسطيني في التفاوض مع اليهود.. وفي نفس الوقت لا توقف مسيرة تلك المفاوضات والتنازلات.الثاني: أن هذا الأمر لم يكن مفاجأة لأمريكا وإسرائيل.. وأن مجئ حماس للسلطة قد يشكل حدثًا مقبولا يُرْجَي من ورائه تحقيق عدة مكاسب علي النحو التالي:1- أن انخراط حماس في العملية السياسية سوف ينهي أو علي الأقل يقلص كثيرًا من عملياتها الجهادية التي كانت من أهم أسباب التفاف الشعب الفلسطيني حولها. ومن أهم أسباب إلقاء الرعب في قلوب الإسرائيليين.. وبالتالي فسوف يبدأ ذلك التأييد في الانفراط وتبدأ إسرائيل في التقاط أنفاسها..

 

ويعزز ذلك الرأي أن حماس قد أصبحت هي المسئولة عن أرواح الفلسطينيين وحمايتهم وبالتالي سوف تتجنب أي أعمال تستفز إسرائيل فترد عليها بما يعرض أرواحهم وممتلكاتهم للدمار.2- أن انتقال حماس إلي موقع السلطة يُحملها رسميًا مسئولية إعاشة شعب بأكمله وانشغالها بتوفير متطلبات الحياة له مما يتطلب منها جهودًا تفوق طاقتها.. وسوف يصبح ذلك المطلب علي رأس أولوياتها.. وإلا انصرف الشعب عنها.. فما أصعب أن تقود شعبًا جائعًا.3- اعتقاد الجميع.. وهو اعتقاد صائب لدرجة كبيرة.. أن الكيانات القوية فقط هي القادرة علي تحقيق السلام وتقديم التنازلات وتوقيع المعاهدات.. وأن حماس هي الكيان القوي صاحب المصداقية والثقة بين أفراد الشعب الفلسطيني.. وهي القادرة علي خوض مسيرة المفاوضات وإنجاز السلام مع إسرائيل.. وذلك كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية التي فقدت مصداقيتها لدي الفلسطينيين.- لذلك فإن الضغوط التي تمارسها دول التحالف اليهودي الصليبي علي حماس بقطع المعونات المالية ووقف كل أشكال الدعم الاقتصادي وحصارها سياسيًا وعدم الاعتراف بها والضغط علي الدول العربية لمشاركتها في ذلك الحصار سوف يشكل ضغطًا شديد علي حماس بغرض دفعها دفعًا للخضوع والقبول بطلبات التحالف بالاعتراف بإسرائيل والتفاوض معها والتخلي عن سلاحها.. وإلا فإن البديل هو أن يجوع الشعب الفلسطيني فينقلب علي حماس.. وتكون النتيجة فشل أول تجربة حقيقية لوصول حكومة إسلامية إلي سدة الحكم في الدول العربيةهل وضعت جماعة حماس في مأزق بوصولها إلي السلطة كما يقول البعض؟ أم أنها حصلت علي فرصة العمر لإثبات نجاح المسلمين في حكم بلادهم كما يقول البعض الآخر؟إن وصول حماس إلي السلطة لا يمثل مأزقًا ولا يمثل فرصة.. 

 

وذلك لأن وصول من يؤمنون بحكم الإسلام لبلاد المسلمين إلي السلطة أمر حتمي لابد من مجيئه طال الأجل أم قصر، وذلك لسببين:الأول: أن كل النظم والمناهج الوضعية قد ثبت فشلها لأنها تحمل بين عوامل ظهورها وعلوها عناصر سقوطها وانهيارها وعلي رأسها افتقاد العقيدة الصحيحة وانعدام المرجعية الشرعية وغياب المثل والمبادئ وضياع الأخلاق. فها هو النظام الشيوعي الشمولي قد سقط واندحر في أقل من سبعين عامًا منذ مولده عام 1917م بعد أن كان ملء السمع والبصر. وبعد أن ساد وحكم ما يقرب من نصف العالم.. وها هم أنصار النظام الرأسمالي الذي يسود العالم اليوم يعيشون نفس النشوة ونفس الانبهار الذي عاشه أنصار المذهب الشيوعي قبلهم.. وسوف يبقي ذلك حالهم حتي يصبحوا ذات يوم وقد تهاوت أركان نظامهم واندكت قوائمه.الثاني: أن النظام الوحيد في ذلك العالم الذي تسود فيه قيم الرحمة والمساواة والعدالة وتحترم فيه أدق خصوصيات الإنسان وآدميته.. وليس فيه مكان لظالم أو فاسد.. ولا لقاتل أو سارق.. ولا لمنحرف أو فاسق.. هو نظام الحكم الإسلامي.. فحكم الإسلام للمسلمين حتمي.. وتمكين الله سبحانه وتعالي لمن يؤمنون بذلك حتمي.. حتمي. 

الاعتراف والمفاوضات 

 

لماذا لا تعترف حماس بإسرائيل؟تعتقد حماس اعتقادًا شرعيًا أن أرض فلسطين بالكامل هي وقف إسلامي عربي لا يملك مخلوق أن يفرط فيه أو في جزء منه.. وأن كل مسلم علي وجه الأرض وخاصة أولي الأمر من المسلمين وانطلاقًا من فروض الكفايات مسئول يوم القيامة بين يدي الله عن ذلك الوقف.. وأن المسلم الذي يبذل أقصي طاقته لاستعادته من الضياع ثم لا يقدر علي ذلك فقد أعذر إلي الله تصديقًا لقول ربنا عز وجل لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة: من 0الآية286) ولكن في المقابل يبقي عليه واجب أهم وأخطر.. ذلك هو ألا يعترف أو يقر لمن اغتصب ذلك الوقف بأي حق فيه.. وليترك واجب استعادته للأجيال التي تأتي بعده.. جيلا بعد جيل.. حتي يقضي الله لجيل منهم بالعلو والغلبة فيستعيد أرض فلسطين كاملة. لذلك فإن حماس لا تعترف بإسرائيل أو بأي قوة أخري تحتل أرض فلسطين وتغتصب ذلك الوقف الإسلامي.وما هو موقف حماس من التسوية السلمية والمفاوضات القائمة حاليًا؟لقد أكدت حركة حماس أنها ليست ضد مبدأ السلام فهي مع السلام وتدعو له وتسعي لتحقيقه.. ولكنه السلام العادل الذي يعيد حقوق الشعب الفلسطيني لأصحابه.وتري الحركة أن الاتفاقيات التي تم التوصل إليها حتي الآن هي اتفاقيات ظالمة وغير عادلة تلحق الظلم والضرر بشعب فلسطين وتضيع حقوقه وتعترف بحق اليهود فيما اغتصبوه من أراضي وحقوق الفلسطينيين.. وأن أي سلام بمثل هذه المواصفات مرفوض.. وتعتبر حماس أن خطورة هذه الاتفاقيات تأتي نتيجة إقرار وموافقة طرف فلسطيني عليها حتي وإن كان لا يمثل الشعب الفلسطيني تمثيلا حقيقيًا.. لأن ذلك يعني أن يغلق ملف اغتصاب اليهود لأرض فلسطين نهائيًا ولا يحق للأجيال القادمة أن تطالب بحقوق باعها الآباء وفرط فيها الأجداد. 

 

فهل من الممكن أن تعترف حماس بإسرائيل مستقبلاً أو تتفاوض معها؟الاعتراف بإسرائيل يختلف عن التفاوض معها.. فالاعتراف يعني الإقرار بحق الغاصب فيما اغتصب والتسليم له بذلك.. أما المفاوضات فإنها تعتبر جزءاً من ذلك الصراع مع اليهود لاستعادة ذلك الوقف ولو علي مراحل.. فإن نتيجة أي صراع في العالم بين قوتين منذ فجر التاريخ هي محصلة عشرات ومئات المواقف والمواقع بينهما.. ما بين حروب عسكرية ومعاهدات سياسية.. وما بين كَرِّ وفَرِّ.. وما بين انتصارات وهزائم.. وتفاوض أحد طرفي الصراع مع الآخر لايعني الاعتراف به أو الإقرار له بحق فيما اغتصب.. لذلك فإن حركة حماس لا تعترف ولن تعترف صراحة بإسرائيل "ولكن حكومة حماس من الممكن أن تتفاوض معها" .ولكن ألن يكلف عدم الاعتراف بإسرائيل حماس ثمنًا باهظًا من الحصار والتضييق وإثارة المشاكل والعقبات بما يهددها بفقد السلطة؟نعم.. وهذا أمر مؤكد.. لذلك فإن حماس تستطيع أن تتخذ خطوة توفيقية في ذلك الطريق بأن تعرض علي إسرائيل اعترافًا مشروطًا.. وذلك بأن تشترط اعتراف إسرائيل أولاً بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في كامل الأرض المحتلة عام 1967م وعلي رأسها القدس الشريف وحق عودة اللاجئين وإزالة المستوطنات كشرط مسبق لاعتراف حماس بإسرائيل وهذه كلها حقوق مشروعة أقرها المجتمع الدولي وتضمنتها المبادرة العربية في قمة بيروت2002م.. وبالطبع فإن إسرائيل لن تقبل بذلك وسترفضه علي الإطلاق.. وبذلك تكسب حماس دعم الدول العربية بتبني مطلبها في ذلك الشأن.. وتضع المجتمع الدولي في حرج لأنه لا يستطيع أن ينكر عليها ذلك.وفي هذا الشأن فإن عدم اعتراف حماس المطلق بإسرائيل سوف يجر عليها متاعب جمة ومصاعب شديدة ومعارك عنيفة.. أما بالاعتراف علي ذلك الشرط المستحيل إذا قبلته إسرائيل فإن حماس تكون قد استعادت كامل الحقوق التي كفلتها لها القرارات الدولية كمرحلة مؤقتة من مراحل الصراع.. 

 

أما بقية الحقوق الشرعية في كامل التراب الفلسطيني فإن لها حديثًا آخر.ما هي حجة الذين يطالبون حماس بالاعتراف بإسرائيل وبوجوب الإقرار والاعتراف بكافة الاتفاقيات التي وقعها اليهود مع السلطة الفلسطينية السابقة؟إذا اعتبرنا أن هؤلاء الذين يطالبون حماس بذلك المطلب عقلاء ومنصفين.. وليسوا حمقي أو متآمرين.. فإن موقفهم في الحقيقة يكون غريبًا وغير مفهوم.. فكيف نطالب طرفًا واحدًا بالالتزام بما ينكره الطرف الآخر؟ وكيف يطلبون من طرف أن يضع علي رأسه ما يدوسه الطرف الآخر بحذائة ؟ وكيف يريدون من حماس أن تعترف بإسرائيل بينما إسرائيل لا تعترف بحماس ولا بالسلطة الفلسطينية أصلا؟ وكيف يريدون من حماس أن تقبل بالأمر الواقع وبالتصرفات أحادية الجانب التي اتخذتها إسرائيل بينما الأصل أن مكانها طاولة المفاوضات؟ وكيف يريدون من حماس أن تعترف بالاتفاقيات والعهود بينما اليهود لا وعود لهم ولا عهود؟ ونحن نذكر هؤلاء العقلاء المنصفين ببعض من تصرفات اليهود الناقضة للعهود لعلهم يراجعون أنفسهم:1- عندما بدأت مباحثات مدريد عام 1982م وبدأت إسرائيل في التفاوض مع الدول العربية التي كانت تحتل أراضيها في ذلك الوقت وهي سوريا والأردن ولبنان وفلسطين كل علي حدة.. وصلت المفاوضات بين إسرائيل وسوريا إلي مرحلة محددة هي موافقة إسرائيل علي الجلاء عن هضبة الجولان السورية مقابل موافقة سوريا علي توقيع معاهدة سلام شاملة مع إسرائيل علي غرار معاهدتها مع مصر وذلك في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، فلما اغتيل ذلك الرئيس توقفت المفاوضات لفترة من الزمن ثم عادت للاستكمال مرة أخري.. وهنا كانت المفاجأة.. فقد طالبت الحكومة الإسرائيلية التي جاءت بعد رابين سوريا بالبدء في المفاوضات من البداية.. 

 

ومن نقطة الصفر!! ولما أصرت سوريا علي استكمال المفاوضات من حيث انتهت مع اسحاق رابين وهو المطلب المنطقي والمنصف أصرت إسرائيل علي رفضها وعلي أن تبدأ المفاوضات من الصفر.. وكانت النتيجة أن توقفت المفاوضات نهائيًا بين الطرفين.. وكان هذا الموقف تصديقًا لقول ربنا عز وجل (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100) .2- قول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرئيل شارون في رده علي وجوب احترام الاتفاقيات والعهود التي وقعتها إسرائيل مع الدول العربية: "إن أي اتفاقية وقعتها إسرائيل مع زعيم عربي لا تساوي ثمن الورق الذي وقعت عليه" فأي إهانة وأي تحقير وأي إذلال أكثر من ذلك ينتظره أولئك الذين وقعوا اتفاقيات مع إسرائيل.. أو ينوون ذلك؟!!3- ذلك الحدث الذي كان فضيحة علي مرأي ومسمع من العالم كله والذي يبين كذب وخبث وخداع اليهود.. وهو تلك الهجمة الشرسة والغزوة الخسيسة بالدبابات والطائرات والجرافات وكتائب الجنود المدججين بالسلاح علي سجن أريحا.. ذلك المبني الصغير الأعزل الذي لا يحرسه إلا عدد محدود من رجال الأمن الفلسطيني العزل من السلاح.. ثم قيام إسرائيل باختطاف بعض القيادات الفلسطينية التي كانت محتجزة فيه وعلي رأسها أحمد سعدات رئيس (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) ، والذي كان محجوزًا فيه بحكم اتفاقية وقعتها إسرائيل مع السلطة الفلسطينية.. ثم قيامها بهدم وتدمير المكان وتسويته بالأرض ثم تجريد رجال الأمن الفلسطينيين من ملابسهم في مشهد يندي له جبين العالم وسيظل فضيحة مدوية يذكرها التاريخ ليلاً ونهارًا.. فضيحة لإسرائيل ناقضة العهود والمواثيق.. 

 

وفضيحة للدولتين العظميين أمريكا وبريطانيا اللتين كانتا شريكتين في الاتفاق وتعهدتا بحماية السجناء الفلسطينيين واللتين اصدرتا الأوامر لجنودهما بالانسحاب من حراسة السجن قبل الغزو الإسرائيلي له بدقائق معدودة في تآمر مفضوح وانتهاك صارخ لتلك الاتفاقية وبدون أي مبرر ولا سبب.. وفضيحة للسلطة الفلسطينية السابقة التي تصر إصرارًا غريبًا وغير مفهوم علي احترام كل ما وقعته وما لم توقعه من اتفاقيات مع إسرائيل.. وفضيحة لكل تلك الدول العربية التي وقفت عاجزة مشلولة كالعهد بها دائمًا تشعر بالقهر والمذلة والهوان.. أما الفضيحة الكبري والحقيقية فهي لكل مَنْ يطلب من حماس أو من أي دولة عربية وقعت اتفاقيات مع إسرائيل أن تحترم تلك الاتفاقيات أو تعترف بها بعد ذلك الموقف المهين والمشين.وكيف تخرج حماس من ذلك المأزق.. وكيف لها أن تجمع بين الثبات علي مبادئها من ناحية والاستجابة لمطالب المجتمع الدولي من ناحية أخري؟هناك مقدمة لابد منها لنجيب عن ذلك السؤال.. تلك هي.. أن المحرك للمجتمع الدولي هو أمريكا التي تقودها وتسوقها اسرائيل.. وهو ما نسميه بالتحالف اليهودي الصليبي.. وأمريكا ينظر لها البعض علي أنها ظل الله علي أرضه وأنها الآمر الناهي في ذلك الكون وأنه لا قبل لأحد بإغضابها ولا غني له عن إرضائها.. وإلا فالويل والثبور.. وعظائم الأمور.. وهؤلاء طبعًا هم ذوو النفوس الضعيفة والعزائم الخائرة والهمم الذليلة.. وهم في إيجاز من القول من باعوا دينهم بدنياهم ونسوا قول الله عز وجل ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون: من الآية8). وفي المقابل فإن هناك من يري عكس ذلك.. 

 

فالتحالف اليهودي الصليبي لا يملك ضرًا ولا نفعًا وإنما النفع بيد الله وحده والضر بيد الله وحده وذلك تصديقًا لقول الله سبحانه وتعالي: ( فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (الفتح: من الآية11) . وقد سمعنا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بعد أيام قليلة من انتخابه رئيسًا لبلاده يجيب عن سؤال عن علاقة بلاده بأمريكا وإمكانية فتح القنوات أو إعادة العلاقات معها فقال أنه لا حاجة لبلاده بتلك القنوات وأن ملف العلاقات مع تلك الدولة يأتي في مؤخرة اهتماماته.. وظن الجميع يومها أن ذلك الرجل قد استفز الامبراطورية الأمريكية وسيدفع ثمن ذلك التطاول سريعًا.. ولكن وياللعجب!! فوجئ العالم أجمع بتلك الدولة المهيمنة علي العالم تقف عاجزة أمامه.. وها هي فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني تتراجع وتتراجع إلي الحدود الدنيا في شروطها ومطالبها.. وها هي تستبدل بلغة الغطرسة والغرور والاستكبار لغة أقرب إلي التوسل والرجاء.. وها هي تقف في انكسار تستجدي التفاوض مع إيران لتعاونها علي الخروج من مستنقع العراق.. فيا سبحان الله مغير الأحوال.. وكل ذلك طبعًا يقابله ما فعلته بالرئيس العراقي الذي بدأ بأول خطوة للخضوع والتنازل فانقضت عليه ولم تتركه حتي أجهزت عليه وعلي بلاده.وبعد هذه التقدمة فإن حماس انطلاقًا من ذلك الإيمان بالله والثقة بأن النفع بيد الله وحده والضر بيد الله وحده.. وبعد الاستفادة من تلك التجارب الميدانية في كيفية التعامل مع ذلك التحالف الخبيث في إيران والعراق.. فإنه يمكنها أن تسير في التعامل مع اليهود علي النحو التالي:أن تتولي حكومة حماس إدارة الأراضي الفلسطينية المحررة في الداخل وإدارة العلاقات مع الدول الإسلامية والعربية والصديقة في الخارج.. 

 

وأن تترك الاتصال بدول التحالف اليهودي الصليبي والتفاوض مع الدولة اليهودية للرئيس الفسلطيني محمود عباس... وهذا هو أفضل السبل وأقربها إلي الواقع وأكثرها رفعًا للحرج عن الجميع وذلك لما يلي:1- أن المرجعية الأخيرة في الموافقة علي أي اتفاقيات بين الرئيس الفلسطيني والدولة العبرية ستكون هي السلطة التشريعية الفلسطينية التي تمسك حماس بنواصيها وتملك غالبية أصواتها.. وبذلك لا يستطيع أي مسئول فلسطيني أن يتخذ القرارات وأن يوقع الاتفاقيات وأن يعقد المعاهدات نيابة عن الشعب الفلسطيني بكل ما تحمله من احتمالات التنازل عن المبادئ وتضييع الحقوق والثوابت.2- إن التهديد برفض السلطة التشريعية الفلسطينية لأي اتفاقيات مع إسرائيل يكون فيها إجحاف بالحقوق المشروعة للشعب الفسلطيني سوف يكون سلاحًا يرفعه الرئيس الفسلطيني في وجه اليهود لاستخلاص أكبر قدر من الحقوق المشروعة للفلسطينيين منهم.. تمامًا كما استطاع الرئيس اليهودي مناحم بيجن أن ينتزع من الرئيس المصري أنور السادات كثيرًا من التنازلات في اتفاقية كامب ديفيد عام 1982م بنفس الحجة وهو خوفه من رفض السلطة التشريعية اليهودية (الكنيست) لتلك المعاهدة إذا لم تجد فيها ما يطمئنها ويحقق لها بعض مطالبها.. والمثال طبعًا مع الفارق.. فالرئيس الفلسطيني يستخدم ذلك السلاح لاستعادة الحقوق لأهلها.. أما الرئيس اليهودي فقد استخدم نفس السلاح لاغتصاب الحقوق من أصحابها.3- لن تكون حماس مضطرة للاعتراف بإسرائيل والتخلي عن ثوابتها ومبادئها لأنها ليست في حاجة للتفاوض معها أو الاتصال بها. 

 

وماذا عن احتمال تشكيل حكومة ائتلاف وطني من حماس وبقية الفصائل والمنظمات؟في الحقيقة أن هذا كان وما زال المطلب الأول لحماس بعد فوزها مباشرةً في الإنتخابات وأعلنته صريحاً، وعقدت لقاءات متعددة واجتماعات مطولة مع مختلف الفصائل والمنظمات وعلي رأسها منظمة فتح لتحقيق ذلك الهدف الذي يحقق المصلحة العليا للشعب الفلسطيني. ولكن للأسف الشديد وضعت تلك الفصائل والمنظمات إعتراف حماس بإسرائيل وإقرارها بكل الإتفاقيات الموقعة معها شرطاً مسبقاً لقبولها المشاركة في تلك الحكومة الوطنية.. فكانت النتيجة عدم تحقيق ذلك المطلب الوطني وقيام حماس بتشكيل الحكومة وحدها مع بعض المستقلين..والواجب الشرعي علي جميع المنظمات وعلي رأسها منظمة فتح ولتحقيق المصلحة العليا للشعب الفلسطيني أن تقبل المشاركة في حكومة ائتلاف وطني تكون لها صلاحية التفاوض مع اليهود والتعامل مع معطيات القضية الفلسطينية علي أرض الواقع، وفي نفس الوقت تحتفظ كل جماعة أو منظمة بمبادئها وقناعاتها في حدود دائرتها الخاصة.وإذا خلصت نيات الجميع فإن احتمال تشكيل حكومة ائتلاف وطني للشعب الفلسطيني هو الاحتمال الأقوي. كيف تستطيع حماس الجمع بين هدفها الاستراتيجي بإنشاء دولة فلسطين الإسلامية علي كامل التراب وعدم الاعتراف بإسرائيل وبين ما تفرضه عليها مسئوليتها في السلطة من الاتصال بها والتفاوض معها؟تري حركة حماس أن علاقاتها بأية اتصالات أو تسويات سياسة أو اتفاقيات مع إسرائيل هي مرحلة مؤقتة في تاريخ الصراع بينهما.. وأن هذا لا يتعارض ولا يتنافي مع الهدف النهائي لها وهو إقامة دولة إسلامية علي كامل التراب الوطني الفلسطيني يعيش فيها اليهود والمسيحيون جنبًا إلي جنب مع المسلمين في سلام ووئام.. وبذلك فإن حماس تجمع بين الثبات الاستراتيجي والحركة التكتيكية.. 

 

ما دامت في نفس الاتجاه وتصب في تحقيق الهدف النهائي لها واستشهادهم علي ذلك بقول الله عز وجل ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَي فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الأنفال:16) .. ولذلك فإن حماس علي استعداد للقبول مؤقتًا بأي تسويات تعيد للفلسطينيين جزءًا من أراضيهم التاريخية وبأن تعطي هدنة طويلة في الصراع المسلح بينها وبين إسرائيل.. وبأن تتعامل مع إسرائيل علي الوضع الحالي.. ولكن علي أنه مؤقت وغير شرعي وعلي أنه خطوة علي طريق تحقيق الهدف النهائي. ولحماس في ذلك الموقف في رسول الله (صلي الله عليه وسلم) أسوة حسنة في عام الحديبية حين قبل الصلح مع المشركين ورضي بالعودة دون أداء العمرة.. ولكن من منطلق أن هذا أمر مؤقت يؤخره عن تحقيق هدفه.. ولكنه لا يمنعه من تحقيقه في العام التالي وهو ما حدث بالفعل.ولكن كيف يمكن لحماس أن تتصدي للمشروع اليهودي وإقامة دولة إسرائيل وهي لا تملك علي الإطلاق شيئًا من العتاد العسكري؟ وكيف يمكن أن تنجح فيما فشلت فيه الجيوش العربية مجتمعة؟إن من أكبر الأخطاء الكارثية التي يمكن أن يقع فيها المحللون العسكريون وقادة الدول والجيوش هو أن يقيسوا ويقارنوا القوي المادية والعسكرية لأطراف الصراع في الحروب والمعارك بما هو ظاهر علي الأرض فقط من أعداد الجنود وقوة التسليح.. وأن يغفلوا عن قياس أخطر قوة من الممكن أن يتسلح بها أحد الطرفين فتقلب الموازين العسكرية والتسليحية رأسًا علي عقب.هذه القوة هي ما يسميه المحللون والمختصون (القوة المعنوية) وما يسميه المسلمون (الروح الجهادية) فبهذه الروح يتحول الفرد المقاتل إلي قوة ضاربة لا يمكن إيقافها أو التصدي لها..هذه القوة المعنوية والروح الجهادية لا يملكها إلا المسلمون المؤمنون الذين يشكل الجهاد صلب عقيدتهم.. 

 

والشهادة أسمي أهدافهم.. وبهذه العقيدة وبهذه القوة تتصدي حماس لليهود. 

هل هناك أمثلة يتضح فيها أثر هذه الروح الجهادية أو القوة المعنوية في إثارة الرعب والفزع في قلب العدو؟نعم: هناك عدة أمثلة جلية توضح ذلك علي النحو التالي:المثال الأول: في أثناء حرب الخليج التي خاضها التحالف اليهودي الصليبي لإخراج الجيش العراقي من الكويت عام 1992م أطلقت القوات العراقية عددًا محدودًا من صواريخ سكود الروسية الصنع علي إسرائيل.. وبالرغم من أن تأثير هذه الصواريخ كان محدودًا في إحداث الخسائر البشرية أو المادية إلا أنه لا أحد يستطيع أن يتصور مدي الرعب والفزع الذي كان يحدثه إطلاق تلك الصواريخ علي اليهود في إسرائيل.. فمع كل صافرة انذار تنطلق معلنة عن اقتراب صاروخ عراقي من الأجواء الإسرائيلية.. كان كل من يعيش داخل إسرائيل وبلا استثناء ينخلع قلبه رعباً وفزعاً ويسرع في هلع إلي المخابئ والملاجئ التي أعدت تحت الأرض ويرتدي الأقنعة الواقية من الغازات السامة.. ولم يكن ذلك الرعب يعود إلي احتمال موت بعض الأفراد أو تدمير بعض الممتلكات فهذه أمور تحدث يوميًا وأضعافها في حوادث المرور وغيرها.. ولكن الرعب الأكبر كان يتولد من ذلك الإحساس بإحياء عقدة (الجيتو) .. فعلي مدي قرون طويلة من الزمان عاش اليهود في شتات واضطهاد من المجتمعات البشرية التي نبذتهم لخستهم ونذالتهم وخيانتهم ونقضهم للعهود وإفسادهم في الأرض. لذلك فقد اعتزلوا الناس وعاشوا بإحساس دائم وأبدي بالخوف في تجمعات خاصة بهم تعرف بـ (الجيتو) يبحثون عن الأمن فلا يجدونه.. وعن الأمان فيفتقدونه.وبعد أن تغير حال اليهود وعلوا في الأرض وأقاموا لهم دولة باغتصاب أرض فلسطين، وبدأت أحلامهم في إقامة دولة إسرائيل الكبري التي تحكم العالم في التحقق. 

 

وبعد أن ظنوا أن أيام الخوف والهلع قد ولت نهائيًا وإلي غير رجعة؛ إذ بالصواريخ العراقية تفاجئهم فتحيي في قلوبهم ذلك الشعورالذي صاحبهم طوال تاريخهم وتدفعهم إلي اللجوء إلي المخابئ تحت الأرض مرة أخري ليجلسوا فيها متلاصقين يقتلهم الرعب والفزع من أن يكون الصاروخ القادم من نصيبهم.ومن المفارقات العجيبة والطريفة في آن واحد أن الذين ماتوا من السكتات القلبية نتيجة الرعب والصدمات النفسية.. والذين اختنقوا من الأقنعة الواقية بعد أن ارتدوها ولم يستطيعوا أن يستخدموها أضعاف أضعاف من ماتوا بتأثير صواريخ سكود العراقية.. وكان ذلك مصداقاً لقوله تعالي ( وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (الحشر: من الآية2) المثال الثاني: ذلك الرعب والفزع الذي ساد الإسرائيلين جميعًا طوال الفترة التي شهدت ظهور العمليات الاستشهادية وتصاعدها والتي كانت تملأ قلب كل يهودي بالخوف والهلع وهو يتلفت حوله لا يعرف من أين سيأتيه الموت.. ولم يهدأ ذلك الرعب إلا بعد أن قبلت حماس والجماعات الجهادية الأخري بهدنة مع الجانب الإسرائيلي أوقفت خلالها العمليات الاستشهادية لإعطاء الفرصة للرئيس الفلسطيني ليأخذ حظه في التفاوض مع اليهود.المثال الثالث: هو تلك الملحمة الجهادية التي لم تشهد البشرية لها مثيلاً في العصر الحديث للمجاهدين في سبيل الله علي أرض الفلوجة .. تلك المعركة التي ستبقي نجماً مضيئاً ومنيراً في ليل المسلمين الدامس.. وبالتحديد ذلك الموقف الذي شاهده العالم أجمع علي شاشات التلفاز عندما دخل الجنود الأمريكيون المدججون بالسلاح المدينة وأخذت مجموعة منهم تنزل علي سلالم أحد المنازل من السطح العلوي إلي الدور السفلي لتحتله.. وفجأة هتف أحد المجاهدين الجرحي في أسفل الدار (الله أكبر.. الله أكبر) .. 

 

فما كان من هؤلاء الجنود المدججين بالسلاح من مفرق رؤوسهم إلي أخمص أقدامهم إلا أن عادوا يهرولون صعودًا إلي السطح يصرخون في فزع وفي هلع يركب بعضهم بعضا وهم يتساقطون علي السلالم طلبًا للهروب والنجاة.. في منظر أثار ضحك الدنيا وسخرية واستهزاء العالم أجمع من أشباه الرجال هؤلاء.المثال الرابع: تلك الملحمة الجهادية المبهرة والخالدة للمجاهدين في سبيل الله علي أرض أفغانستان بأسلحتهم البسيطة وإيمانهم القوي وعقيدتهم الراسخة حين استطاعوا أن يكسروا شوكة العسكرية السوفيتية إحدي أكبر قوتين علي وجه الأرض في ذلك الوقت وأن يمرغوا أنفها في التراب.. فخرجت من أرض أفغانستان تجر أذيال الخيبة والهزيمة، وكان ذلك باعتراف المحللين المنصفين هو المسمار الأول في نعش الاتحاد السوفيتي وانهياره المدوي الذي تداعي بعد تلك الهزيمة الفادحة والذي أذهل العالم في ذلك الوقت. 

الإنجازات والسقطات 

 

ما هي أهم انجازات السلطة الفلسطينية السابقة؟ .. وما هي أخطر سقطاتها؟يُحْسَب للسطة الفسلطينية السابقة إنجازات كثيرة علي رأسها ثلاثة هي:1- التاريخ النضالي الطويل في محاربة العدو اليهودي ومشوار الكفاح المرير الذي قطعته منظمة التحرير الفلسطينية بقياداتها التاريخية وعلي رأسهم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) ورفاقه من الرعيل الأول ومنهم الرئيس محمود عباس (أبو مازن) وفاروق قدومي (أبو اللطف) والدكتور أحمد صدقي الدجاني (أبو الطيب) رحمه الله والشهداء خليل الوزير (أبو جهاد) وصبري البنا (أبو نضال) وصلاح خلف (أبو إياد) وهايل عبد الحميد (أبو الهول) ، وكمال عدوان، وكمال ناصر، ومحمد يوسف النجار2- عدم استدراجها وانجرافها لإشعال نيران حرب أهلية مع الفصائل الجهادية والتي كانت أطراف كثيرة تنفخ فيها وتدفعها لها دفعًا.3- أما أعظم ما يُحسب لتلك السلطة وعلي رأسها الرئيس محمود عباس فهو قيامها بعقد الانتخابات التشريعية الأخيرة في موعدها وبشكل نادر الحدوث من حيث النزاهة والشفافية وقبولها بمشاركة حماس فيها ثم قبولها بنتائجها التي أزاحتها من السلطة بشكل غير مسبوق في عالمنا العربي والإسلامي وبصورة جديرة بالاحترام والتقدير والإعجاب.أما السقطات فيأتي علي رأسها ثلاثة هي:1- استشراء الفساد وانتشار المحسوبيات والوساطات وشيوع نهب المال العام ونسيانها قول النبي (صلي الله عليه وسلم) للصحابي: "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة" .. فلو أطاب قادة اللغة مطعمهم ودعوا الله بالنصر لاستجاب لهم. 

 

2- استكانة القيادات للراحة وركونها للدعة وانشغالها بطلب النفوذ والسلطان عن إقامة فريضة الجهاد ونسيانها قول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَي الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (التوبة:38) .3- أما السقطة الأخطر للسلطة الفسلطينية وعلي رأسها الرئيس محمود عباس فهي أنها قد سلمت بالتخلي عن خيار المقاومة والجهاد بشكل كامل ونهائي وتبنت المفاوضات خيارًا وحيدًا للسلام ونسيت قول النبي (صلي الله عليه وسلم) : "ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا" .. فكانت النتيجة أن فقدت ورقة الضغط الوحيدة التي بقيت لها ضد العدو اليهودي في المفاوضات واستيقظت السلطة ذات يوم فوجدت أن المفاوض اليهودي قد نبذها واعتبر أنها لا وجود لها.. ولقد نسي الرئيس محمود عباس أن مسيرة المفاوضات التي بدأت في أوسلو عام 1992م والتي تبناها خيارًا وحيدًا للسلام لم تبدأ إلا نتيجة ذلك الزلزال الذي أحدثته انتفاضة أطفال الحجارة والذي أجبر إسرائيل علي قبول المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت في تلك الفترة في أضعف حالاتها.

حماس والجماعات الجهادية 

ما هو موقف حماس من الجماعات الجهادية الأخري؟إن عدم دخول الجماعات الجهادية الأخري المعترك السياسي ومشاركتها في حكومة حماس كان توفيقًا من الله.. ولعله أيضًا كان ترتيبًا بين الطرفين.. فإن أي أعمال جهادية لتلك الجماعات لن تُحْسَبَ علي الحكومة وبالتالي تستطيع حماس أن تستقوي بتلك الجماعات وترفعها سيفًا مصلتًا للرد علي البطش العسكري اليهودي دون أن تحسب عليها.. وبذلك يمكن الجمع بين الهدنة طويلة الأمد لحماس والأعمال الجهادية للجماعات. 

أهم العقبات 

 

ما هي أهم العقبات أمام حماس للنجاح في مهمتها؟إن أولي العقبات وأعنفها وأشدها إلحاحاً هي قضية التمويل والدعم المادي للحكومة الفلسطينية.. فهذا أمر لا يحتمل التأجيل ولا يقبل التأخير.. فالبطون الجائعة.. والأجساد المريضة والعارية.. لا تتحمل طويلاً الإيمان بالقيم والمبادئ.. وإن زاد الجوع واشتد المرض انصرف الكثيرون عنها.. إن لم ينقلبوا عليها.. وفي هذا المجال فإن حكومة حماس تحتاج إلي مايقرب من مائة وخمسين مليون دولار شهرياً لدفع رواتب الموظفين وسداد الحاجات الضرورية للدولة.. وكان لها حق شهري عند اليهود يبلغ خمسين مليونًا من الدولارات تقريباً تمثل الضرائب ورسوم الجمارك التي يحصلها اليهود لحساب السلطة الفلسطينية عن البضائع والسلع الفلسطينية المصدرة أو المستوردة عن طريق إسرائيل.. وكانت الحكومة الفلسطينية تتسلم ما يقرب من ثلاثمائة مليون دولار من الاتحاد الأوروبي سنوياً ومثلها من الولايات المتحدة الأمريكية.. وذلك طبعاً ثمن لاستمرارها في النهج السلمي التفاوضي مع حكومة إسرائيل.. واليوم ونتيجة لمجئ حماس.. توقفت كل هذه التدفقات المالية عن الشعب الفلسطيني.. واشترطت الدول المانحة لها لإعادتها أن تعترف حماس بإسرائيل.. وأن تقبل بنبذ ما تسميه الإرهاب (الجهاد) ضد إسرائيل.. وأن تقر وتعترف بكل الاتفاقيات الموقعة بين السلطة السابقة وإسرائيل. ومالم تستجب حماس لتلك المطالب فلن تعود تلك الإعانات.. والبديل الوحيد أمام حماس هو أن تتوجه إلي الله سبحانه وتعالي بطلب الغوث مستعينة بقوله تعالي: { $ّفٌي پسَّمّاءٌ رٌزًقٍكٍمً $ّمّا تٍوعّدٍونّ } وقوله تعالي: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق: من الآيتين2،3) .. ثم طلب العون من الدول العربية والإسلامية. 

 

وما هو موقف الدول العربية والإسلامية من تقديم الدعم المالي لحماس؟أولا : حكومات الدول العربية:بالنسبة لحكومات الدول العربية فإنها وللأسف الشديد بدأت مع حماس بداية غير مبشرة وذلك علي النحو التالي:1- اشترطت الدول العربية علي حماس لدعمها مالياً أن تقبل أولاً بمبادرة القمة العربية ببيروت للسلام مع إسرائيل والتي تقضي بالاعتراف بإسرائيل وباحترام كل الإتفاقيات والمعاهدات الموقعة معها.. وبقبول السلام خياراً استراتيجياً لها علي أساس الأرض مقابل السلام.2- بينما تحتاج الحكومة الفلسطينية مبلغ مائة وخمسين مليون دولار شهريًا فإن دول السعودية والكويت والإمارات مجتمعة تعهدت بدفع مبلغ ثمانين مليون دولار مرة واحدة. ثم أعلنت قطر أنها ستدفع خمسين مليوناً.. وهو أمر غريب وغامض من تلك الدول العربية والإسلامية التي حبا الله ملوكها وأمراءها ثروات هائلة وأموالا طائلة.. فلماذا لاتتحمل تلك الدول دعم الشعب الفلسطيني باحتياجاته كاملة وشهرًا بعد شهر.. فما تملكه تلك الدول من مال هو مال الله وفيه حق معلوم للفقراء والمساكين والمجاهدين في سبيل الله والغارمين وابن السبيل.. وكل هذه المصارف قد اجتمعت في الفلسطينيين.. وهل يكون الجوعي المسلمون علي أرض فلسطين أقل استحقاقًا لأموال المسلمين من متضرري إعصار كاترينا في أمريكا إذ تبرعت لهم الكويت وحدها بمبلغ خمسمائة مليون دولار!!!ونحن نُذكّر إخواننا من أمراء وملوك البترول في الخليج أنهم لامحالة سيموتون.. وسيلقون الله عز وجل ليسألهم ماذا فعلتم لإخوانكم المظلومين المستضعفين علي أرض فلسطين.. وحينئذ لن ينفعهم إلا ما قدمت أيديهم..ونذكرهم بأن خادم الحرمين الشريفين في السعودية قد مات.. وأمير الكويت قد مات.. والعهد بهما قريب.. وأنهما الآن بين يدي الله يحاسبان علي ما قدما في الحياة الدنيا وكيف تصرفا في مال الله الذي آتاهما.. ولن ينفعهما إلا ما قدمت أيديهما.. 

 

أما ما تركاه خلفهما من أموال طائلة وثروات هائلة فقد فاز به الورثة وليس لهما منه مثقال ذرة من خردل.. ندعو الله أن يرحمهما وأن يفسح لهما من ضيق القبر وأن يؤنسهما من وحشته وأن يُؤمّنَهما من روعته وأن يكون ما قدما وأنفقا أكثر مما تركا وأورثا.وندعو إخواننا من أمراء وملوك البترول أن يتعظوا بموتهما وأن يعتبروا بفقدهما كما يقول نبينا الكريم (صلي الله عليه وسلم) "من لم يتعظ بالموت فلا واعظ له" وأن يسارعوا بنجدة إخوانهم في فلسطين فيلبوا لهم كافة احتياجاتهم ويدفعوا عنهم تلك الهجمة اليهودية الصليبية الشرسة.. فيكون لهم ثواب المجاهدين ونذكرهم بقول النبي (صلي الله عليه وسلم) "من جهز غازياً فقد غزا" وبقوله (صلي الله عليه وسلم) "من مات ولم يغز أو يحدث نفسه بالغزو مات علي شعبة من النفاق" .ثانيًا : حكومات الدول الإسلامية: ويأتي علي رأسها دولة إيران.. وإيران اليوم علي المحك.. وهي في موقف صعب ودقيق وفاصل.. فإيران جعلت محور سياساتها مع العالم أجمع الدفاع عن الإسلام وحماية المسلمين وكان في القلب من هذا المحور قضية استعادة أرض فلسطين والمسجد الأقصي.. وكانت تنادي بوجوب مجئ حكم إسلامي يستعيد أرض فلسطين.. وها هو ذلك المطلب قد تحقق.. وجاءت حكومة حماس الإسلامية إلي سدة الحكم. فماذا تنتظر إيران لتدعمها وتقف خلفها بكل قوتها وإمكانياتها؟هناك احتمالان لا يستطيع أحد التكهن أيهما سوف يكون المسلك الإيراني:الأول:وهو المنتظر من الجميع أن تقوم إيران في حالة تقاعس العرب بسداد كافة الاحتياجات الفلسطينية.. 

 

وهذا أمر سهل علي إيران فالمبلغ الشهري المطلوب للفلسطينيين وهو مائة وخمسون مليون دولار يمثل ثمن ثلاثة ملايين برميل من البترول وهو أقل من إنتاج يوم واحد من البترول الإيراني وإذا حدث ذلك فإن إيران سوف تكسب قلوب الفلسطينيين وترسخ أقدامها وركائزها علي أرضهم وتضيف بعدًا جديدًا لحضورها الممتد إلي جنوب لبنان ثم إلي فلسطين. وتثبت بحق أنها المدافعة عن الإسلام والمنافحة عن المسلمين.الثاني: هو أن تتقاعس إيران عن القيام بهذا الواجب تحت أي مبرر من المبررات.. وهنا سوف تُنْسَفُ مصداقية جمهورية إيران الإسلامية نسفاً.. وتنكشف حقيقتها و ينهار ادعاؤها بالدفاع عن الإسلام تماماً.. وسوف يدرك الجميع أن تلك الدولة لم تكن صادقة مع الله ولا مع المسلمين ولا مع نفسها وأن كل ما كانت تعلنه وتدعيه من الدفاع عن العقيدة والذود عن الإسلام هو محض افتراء.. وكذب وخداع.. وأن الهدف الحقيقي لها هو إقامة الدولة الشيعية وإحياء النزعة العنصرية الفارسية والسيطرة علي مقدرات المسلمين في كافة البلاد الإسلامية. ثالثًا: الشعوب العربية والإسلامية:أما بالنسبة للشعوب العربية والإسلامية.. فهذه فرصتها لإبراء ساحتها وأداء رسالتها.. فها هي حكومة تعلن أنها إسلامية وصلت إلي سدة الحكم في دولة مسلمة.. وها هي تتعرض منذ لحظة مولدها لتآمر خبيث وحصار ظالم يهدف إلي إذلالها وتركيعها.. وتطويعها وإخضاعها.. ثم القضاء عليها وإسقاطها.فهبوا أيها المسلمون لنصرة دينكم.. هبوا لغوث إخوانكم.. واستجيبوا لقول ربكم 

(وَسَارِعُوا إِلَي مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133) وتذكروا قوله تعالي: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: من الآية10) . ولا تركنوا إلي ملوككم ورؤسائكم.. فإن لهم شأنهم ولكم شأنكم. 

 

والواجب الشرعي علي كل مسلم ومسلمة في شتي بقاع الأرض أن يسارع بالبذل والعطاء لدعم إخواننا الفلسطينيين في محنتهم.. وأن يعمل علي رفع الحصار عنهم بقضاء حاجاتهم.وعلي جميع الأفراد المسلمين خاصة الأثرياء منهم والقادرين. وعلي كل الجمعيات الخيرية.. والهيئات والمؤسسات التطوعية.. والجماعات الدعوية أن يهبوا مخلصين لله وعلي قلب رجل واحد ليحفزوا همم المسلمين للتبرع ببعض من زكاة أموالهم لدعم إخوانهم المجاهدين في سبيل الله علي أرض فلسطين.وأبشروا أيها المؤمنون بنصر الله فهو آت ( وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم: من الآية47).. وأبشروا بوعد الله لكم بالتمكين والاستخلاف في الأرض (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55) وأبشروا أيها المسلمون بعودة المسجد الأقصي الأسير وبنصر الله لكم علي اليهود (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً) (الاسراء: من الآية7) 

صدق الله العظيم. 

معركة .. الدنمارك..!!(نشر هذا الملف في العدد التاسع والعشرون السنة الثانية منمجلة التبيان بتاريخ صفر 1427 هـ / مارس 2006م) 

 

فداك أبي وأمي يا رسول الله.. فداك نفسي وروحي وولدي يا نبي الله.. فداك حياتي يا أكرم خلق الله علي الله.. وأحب خلق الله إلي الله.. وأفضل خلق الله عند الله.يا أمة الإسلام.. إن نبيكم وحبيبكم ومصطفاكم وشفيعكم يتعرض للسفالة والسخرية والاستهزاء.يا أمة الإيمان.. إن أهل الكفر قد كشروا عن أنيابهم وكشفوا عن حقدهم وغلهم وبغضهم لرسولكم الكريم.يا أمة التوحيد.. هذا يوم الفصل.. هذه معركة العقيدة والنصرة لرسول الله فهبوا لنصرة مصطفاكم ونبيكم.. هبوا لنصرة ربكم ودينكم.. (وَسَارِعُوا إِلَي مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133) فقد وقع أمر جلل وانفتحت أبواب معركة لا يمكن أن تنتهي إلا بنصرة المؤمنين الموحدين.. فأراذل القوم وأسافلهم من ملة الكفر يستهزئون بنبي المؤمنين والمبعوث رحمة للعالمين.. فهبوا يا جند الرحمن.. يا أتباع النبي العدنان هبوا لنصرة نبيكم واحذروا أن تخذلوه واذكروا قول ربكم: (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) (التوبة: من الآية40) ولْنُرِي الله منا مايرضي به عنا من القوة في العزيمة والصدق في اللقاء.ويا أراذل القوم وأسافلهم من ملة الكفر.. أتدرون من تسبون.. وممن تسخرون.. وبمن تستهزئون.. إنه محمد بن عبد الله.. خاتم المرسلين وسيد الأولين والآخرين، والمبعوث رحمة للعالمين.إنه أوفر الناس عقلاً وأسداهم رأيًا، وأصحهم فكرًا، وأجودهم نفسًا.. إنه أرحب الناس صدرًا وأوسعهم حلمًا.. إنه أعظم الناس تواضعًا وألينهم عريكة وأسهلهم طبعًا.. إنه أشجع الناس قلبًا وأقواهم إرادة.. إنه أعف الناس لسانًا وأوضحهم بيانًا.. إنه أعدلهم في الحكومة وأنصفهم في الخصومة.. إنه أسمي الخليقة روحًا وأعلاها وأزكاها نفسًا.. إنه أعرف الناس بالله وأقومهم بفروض العبادة ولوازم الطاعة.. إنه أرفق الناس بالضعفاء وأرحمهم بالمساكين والبؤساء. 

 

ويا أراذل القوم وأسافلهم.. لو لم يكن للنبي محمد (صلي الله عليه وسلم) من الفضل إلا أنه الواسطة في حمل هداية السماء إلي الأرض لكان ذلك فضلا لا يستقل العالم بشكره، ولا تقوم الإنسانية بكفائه، ولا يوفي الناس حامله بعض جزائه.ويا أراذل القوم وأسافلهم.. تعالوا نقيم الحجة عليكم ونعرفكم من هو محمد بن عبد الله سيد الأولين والآخرين والمبعوث رحمة للعالمين من خلال أقوال واعترافات المنصفين الفاهمين من أقوامكم ومن بني جلدتكم.يقول الكاتب العالمي (مايكل هارت) في كتابه (الخالدون مائة أعظمهم محمد) : لقد اخترت محمدًا (صلي الله عليه وسلم) في أول هذه القائمة.. لأنه هو الإنسان الوحيد الذي نجح نجاحًا مطلقًا علي المستويين الديني والدنيوي والذي أسس أعظم إمبراطورية في التاريخ اكتملت أسسها الدينية والدنيوية بالكامل في حياته وقبل مماته.. وبعد ما يقرب من أربعة عشر قرنًا من الزمان ما يزال أثره حيًا قويًا ومتجددًا.أما الكاتب الإنجليزي "برنارد شو" فيقول في كتاب له اسمه (محمد) أحرقته السلطات البريطانية: "إن العالم أحوج ما يكون إلي رجل في تفكير محمد.. فإنني قد اطلعت علي أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبة خارقة.. وأنه يجب أن يسمي منقذ البشرية.. وفي رأيي أنه لو تولي أمر العالم اليوم لُوفق في حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها" .أما الكاتب والأديب الروسي العالمي (تولستوي) فيقول: "يكفي محمدًا فخرًا أنه خلص أمة ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح أمامها طريق الرقي والتقدم، وأن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة" .ويقول الدكتور (زويمر) المستشرق الكندي: "إن محمدًا ولاشك كان أعظم القادة الدينيين.. 

 

ويصدق عليه القول أيضًا بأنه كان مصلحًا قديرًا وبليغًا فصيحًا، ومغوارًا جريئًا، ومفكرًا عظيمًا، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهد له بصحة هذا الادعاء ".ويقول (جوته) الأديب الألماني:" إننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلي ما وصل إليه محمد، وسوف لا يتقدم عليه بشر، ولقد بحثت في التاريخ عن مَثَلٍ أعلي للبشرية، فوجدته في النبي محمد ".ويقول (شاتليه) الفرنسي:" إن رسالة محمد هي أفضل الرسالات التي جاء بها الأنبياء ".ويقول المؤرخ الإنجليزي الكبير (ويليام) في كتابه (حياة محمد) :" لقد امتاز محمد عليه السلام بوضوح كلامه ويسر دينه.. وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول ولم يعهد التاريخ مصلحًا أيقظ النفوس وأحيا الأخلاق ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير مثل محمد نبي الإسلام ".وتقول الدكتورة الألمانية (زيجرد هونكة) :" إن محمدًا والإسلام شمس الله علي الغرب ".فيا أراذل القوم وأسافلهم.. هذا ما قاله اللاحقون المنصفون الفاهمون من بني جلدتكم في النبي الكريم سيد الأولين والآخرين والمبعوث رحمة للعالمين.. فماذا قال فيه السابقون:يقول (هرقل) امبراطور الروم بعد أن سأل أبا سفيان -قبل إسلامه - أسئلة عن النبي (صلي الله عليه وسلم) أجاب عنها بصدق:" إن كان ما تقول حقًا فسيملك هذا الرجل موضع قدمي هاتين.. ولقد كنت أعلم أنه خارج ولكني لم أكن أظن أنه منكم.. ولو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه.. ولو كنت عنده لغسلت قدميه ".أما النجاشي ملك الحبشة فبعد أن جاءه خبر النبي (صلي الله عليه وسلم) قال:" إن هذا والذي جاء به عيسي ليخرج من مشكاة واحدة".فيا أراذل القوم وأسافلهم.. هذه شهادات وإقرارات المنصفين من بني جلدتكم السابقين منهم واللاحقين.. يشهدون بفضل نبينا وعظمة أخلاقه وسمو مكانته وفضله علي العالمين.. فهل بعد ذلك شهادة..ألا بئس ما تقولون.. وساء ما تفعلون.. 

تسلسل الأحداث 

 

فما هذا الذي حدث؟ ما هو تسلسل الأحداث وتداعياتها؟في يوم الثلاثاء الموافق 30 سبتمبر 2005م نشرت إحدي الصحف الدانماركية واسعة الانتشار وهي صحيفة (جيلاندز بوسطن) اثني عشر رسمًا كاريكاتوريًا مسيئة لنبي المسلمين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، ومتضمنة تعليقًا لرئيس تحرير الصحيفة عبر فيه عن دهشته واستنكاره لكل تلك القداسة والإجلال والاحترام الذي يكنه المسلمون لنبيهم.. وكان ذلك من خلال مسابقة للرسوم الكاريكاتورية طرحتها تلك الصحيفة علي الشعب الدانماركي طالبة منه التقدم بمثل هذه الرسوم. وبالفعل وصل الجريدة ما يقرب من مائة رسم تم اختيار الرسوم المذكورة من بينها.وكان لنشر هذه الرسوم وقع الصاعقة علي المسلمين في كافة أنحاء العالم وخاصة هؤلاء الذين يعيشون في الدانمارك.. فبدأت ردود الأفعال تتداعي علي النحو التالي:- قام وفد من الجمعيات الإسلامية في الدانمارك بزيارة الصحيفة ومقابلة رئيس تحريرها طالبًا منه الاعتذار عن نشر تلك الرسوم المسيئة لنبيهم فرفض ذلك متعللاً بأن ذلك يدخل في حرية الرأي ولا عصمة لأحد فيها.- قام أحد عشر دبلوماسيًا ممثلين للدول الإسلامية في العاصمة الدانماركية (كوبنهاجن) وعلي رأسهم السفيرة المصرية بعقد اجتماع عاجل بحثوا فيه الأمر وقرروا إعادة مطالبة الصحيفة بالاعتذار للمسلمين عن إهانة نبيهم لكن رئيس التحرير رفض الاعتذار مجددًا متعللاً بنفس العلة..- طلب السفراء مقابلة رئيس الوزراء الدانماركي لإبلاغه احتجاجهم طالبين اعتذارًا عن تلك الفعلة المشينة فرفض مقابلتهم في احتقار واستعلاء متجاهلاً أبسط القواعد السياسية والأصول والآداب الدبلوماسية وأبلغهم مدير مكتبه أن الأمر يتعلق بحرية الصحافة وحرية الرأي ولا دخل للحكومة فيها وأن بوسعهم اللجوء إلي القضاء إن أرادوا ذلك. 

 

- تدخل الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور(أكمل الدين إحسان أوغلو) فوجه خطابات إلي رئيس وزراء الدانمارك والاتحاد الأوروبي دعاهم فيها إلي اتخاذ موقف حازم تجاه تلك الإهانة، وكانت خلاصة الردود التي تلقاها أن ذلك يدخل في إطار حرية الرأي والتعبير.. الأمر الذي اعتبر رفضًا صريحًا لاتخاذ موقف حازم من تلك الجريمة النكراء.- تحرك سفراء الدول الإسلامية في العاصمة السويسرية (جنيف) وتقدموا بشكوي إلي مفوضية حقوق الإنسان اتهموا فيها الصحيفة الدانماركية بالتحريض علي العنصرية والكراهية للإسلام والمسلمين فكان رد المفوضية أنها ستتحري الأمر.- أبدت الجامعة العربية استغرابها واستياءها لرد فعل الحكومة الدانماركية السلبي والذي لم يكن علي المستوي المتوقع منها رغم ما يربطها من علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية طيبة بالعالمين العربي والإسلامي.- أعلنت القمة الإسلامية التي عقدت في مكة في السابع من شهر ديسمبر الماضي في إحدي توصياتها عن القلق العميق تجاه تلك الحملات الإعلامية المسيئة للإسلام ولنبي المسلمين وطالبت بمسئولية جميع الحكومات عن ضمان احترام الديانات المختلفة وعدم جواز التذرع بحرية التعبير للإساءة للمقدسات والأديان.- وبعد ثلاثة أشهر من التجاهل والصمت جاء أول رد فعل أوروبي من قبل المفوض العدلي بالاتحاد الأوروبي قائلا: "إن نشر هذه الصور الكاريكاتورية لم يكن تصرفًا حكيمًا باعتبار أن من شأنه أن يشيع الكراهية ويشجع التطرف في أوروبا" .- وبينما الأحداث تتداعي انتقد اثنان وعشرون سفيرًا دانماركيًا عمل أغلبهم في الدول العربية والإسلامية موقف حكومة بلادهم السلبي من تلك الجريمة النكراء.

 

- وأخيرًا قام وفد من مسلمي الدانمارك يمثلون واحدًا وعشرين مركزًا ومنظمة إسلامية بزيارة إلي القاهرة التقوا خلالها بشيخ الأزهر والأمين العام لجامعة الدول العربية وشرحوا لهما كل الأحداث والتداعيات التي تلت تلك الفعلة الشنعاء.- ومع كل هذه التحركات وكل هذا الفوران في المشاعر واشتعال نيران الغضب في نفوس المسلمين في شتي أنحاء العالم ظلت الحكومة الدانماركية متبلدة تنظر للأمر بقدر غريب من اللامبالاة وعدم الإكتراث فكان لابد من ترجمة هذه التحركات الهادئة إلي مواقف أشد وطأة وأكثر فعالية.. وكان لابد من توجيه رسالة إلي حكومة الدانمارك تعبر عن ذلك الغضب العارم الذي يجتاح قلوب ما يقرب من المليار ونصف المليار من المسلمين في شتي أنحاء العالم.- تحرك اتحاد علماء المسلمين ووجه رئيسه الشيخ (يوسف القرضاوي) تهديدًا صريحًا للحكومة الدانماركية بأنها ما لم تتخذ اجراءًا حاسمًا يتضمن اعتذارًا صريحًا من الصحيفة الناشرة للرسوم ومن الحكومة فإن الاتحاد سيدعو المسلمين في شتي أنحاء العالم لمقاطعة البضائع الدانماركية.- وأخيرًا وبعد طول انتظار نطق رئيس الوزراء الدانماركي فتطرق إلي الموضوع في بيان رأس السنة الميلادية الذي بثه التليفزيون الدانماركي قال فيه إن حكومته تدين أي تعبير أو تصرف يسيء إلي مشاعر أية جماعة من الناس استنادًا، إلي خلفياتهم الدينية أو العرقية.. وبهذا التعبير الفارغ والركيك الذي لا يشير من قريب أو بعيد إلي الاعتذار الصريح للمسلمين عن تلك الجريمة المشينة تصور المسئولون في كوبنهاجن أن الأمر قد تم تسويته في الوقت الذي كان الجرح فيه أكبر وأعمق بكثير من أن يندمل بمثل هذه الكلمات الصفراء الفارغة من أي مضمون.

 

- وفي نفس الوقت قامت بعض المنظمات الإسلامية في الدانمارك برفع دعوي قضائية إلي المدعي العام ضد تلك الصحيفة التي تبنت الإساءة للنبي محمد (صلي الله عليه وسلم) وكانت المفاجأة أن المدعي العام رفض قبول تلك الدعوي معتبرًا أن نشر تلك الرسوم الكاريكاتورية يدخل في إطار حرية الرأي والتعبير التي يحميها القانون.- ونتيجة لهذه المواقف المهينة والمزرية للمسئولين الدانماركيين وعدم إظهارهم أي ذرة من الشعور بالاحترام للمسلمين والندم علي ذلك الحدث المخجل فقد وجه الشيخ "يوسف القرضاوي" نداءًا لعموم الأمة الإسلامية بالبدء في حملة لمقاطعة البضائع الدانماركية في جميع البلاد الإسلامية وغيرها من دول العالم حتي يفيق هؤلاء المجرمون من غيهم ويعودوا إلي رشدهم ويقدموا اعتذارًا صريحًا ومعلنًا للمسلمين.. وبالفعل بدأ المسلمون الغاضبون لدينهم والغيورون علي نبيهم حملة ضارية لمقاطعة تلك البضائع كانت بدايتها خسارة للشركات الدانماركية المصدرة لدول الخليج تقدر بمبلغ 1.8 مليون جنيه استرليني يوميًا.- وفي محاولات فجة ومفضوحة لدعم الصحيفة الدانماركية في موقفها المشين فقد قامت صحيفة مسيحية يمينية في النرويج وهي صحيفة (مجازينت) بإعادة نشر نفس الرسوم الكاريكاتورية علي صفحاتها، ثم إمعانًا في الغي قامت بعض الصحف في بعض الدول الأوروبية مثل أسبانيا وإيطاليا وألمانيا وهولندا وفرنسا وحتي المجر بتكرار نفس الفعلة الشنعاء.. ولا يزال الملف مفتوحًا!!!

خدعة حرية الرأي 

 

هل من الممكن أن تكون تلك الصحيفة قد نشرت تلك الرسوم المشينة فعلاً من باب حرية الرأي؟إن هذا الافتراض خاطئ تمامًا وليس له أي نصيب من الصحة والحقيقة أن هذه الصحيفة قد نشرت هذه الرسوم عامدة ومتعمدة إهانة الإسلام والكيد للمسلمين.. والدليل علي ذلك ما يلي:أ- إن جميع الدساتير والمواثيق في العالم تؤكد علي احترام الرسل والشرائع السماوية.. واحترام الآخرين وعدم الطعن فيهم بلا بينة..ب - إن هذه الصحيفة بالتحديد قد تلقت منذ ما يقرب من ثلاث سنوات بعض الرسوم الكاريكاتورية التي تسخر من المسيح عيسي عليه السلام فردت الرسوم إلي صاحبها ورفضت أن تنشرها واعتذرت له قائلة إنها وإن كانت تحترم حرية الرأي إلي أبعد الحدود إلا أنها تري أن نشر هذه الرسوم سوف يسيء إلي مشاعر الكثيرين من المسيحيين المتدينين.. والسؤال الذي نطرحه نحن.. لماذا توقفت حرية الرأي عند مشاعر المسيحيين ولم تتوقف عند مشاعر المسلمين؟جـ - أرسلت إحدي الجمعيات الإسلامية في الدانمارك إلي تلك الصحيفة بعض الرسوم الكاريكاتورية التي تسخر من محرقة اليهود المزعومة (الهولوكوست) نقلتها عن بعض الصحف الإيرانية التي نشرتها مؤخرًا لتختبر بها مدي مصداقية حرية التعبير المزعومة عند الصحيفة، وطالبت تلك الجمعية الصحيفة بنشر هذه الرسوم عملا بحرية الرأي ومساواة بما فعلته تجاه نبي المسلمين محمد (صلي الله عليه وسلم) .. فما كان من الصحيفة إلا أن امتنعت عن نشر الرسوم والتزمت الصمت ولم تعقب علي ذلك. والسؤال الذي نطرحه نحن.. أين حرية الرأي؟.. وأين الجرأة والشجاعة في الدفاع عنها؟.. بل وأين الصفاقة والوقاحة التي تصدت بها للمسلمين تلقنهم دروسًا في حرية الرأي؟. 

 

بل زاد علي ذلك أن الجماعات اليهودية في الدانمارك كشرت عن أنيابها وسارعت برفع الدعاوي القضائية ضد تلك الجمعية الإسلامية متهمة إياها بالترويج لمعاداة السامية والتشكيك في قدس الأقداس عند اليهود وهي المحرقة أو الهولوكوست.. والغريب والمدهش في الأمر أن المدعي العام الذي رفض رفضًا باتًا قبول الدعاوي التي رفعها المسلمون ضد الصحيفة المشينة بادعائه أن هذه حرية للرأي لا يستطيع التدخل فيها قد سارع بقبول دعاوي اليهود وسارع بتحريكها لاتخاذ الإجراءات القانونية تمهيدًا لتوقيع أقصي العقوبات الرادعة علي الجمعية الإسلامية.. ولا عزاء لحرية الرأي. 

أين الشعب الدنماركي 

 

إذا كان المجرم الذي يجب أن يعاقب علي هذه الجريمة هو المسئولون عن الصحيفة الذين ارتكبوا هذه الفعلة الشنعاء فما ذنب الشعب الدانماركي؟ها هي الدانمارك.. الدولة التي كان الكثيرون منا يتوهمون صداقتها لنا وحيادها في الصراع العربي الإسرائيلي تكشر عن أنيابها وتنفث سمومها في وجه الإسلام والمسلمين..فلم يكن الجرم خاصًا بالصحيفة اليمينية المتطرفة، إنما امتد ليشمل الحكومة الدانماركية التي رفض رئيس وزرائها مجرد مقابلة السفراء العرب ثم المدعي العام الذي رفض طلب الجالية الإسلامة برفع دعوي قضائية ضد الصحيفة، ثم تكشفت حالة العداء بين الشعب الدانماركي الذي أظهر استطلاع للرأي بين أفراده أن 67% منهم يعارض أن يعتذر رئيس الوزراء للمسلمين.ثم تتجسد قمة العداء للإسلام والمسلمين في الدانمارك مثلها مثل كل الدول الصليبية في ذلك التصريح الذي صرحت به ملكة الدانمارك (مارجريت الثانية) والذي قالت فيه: (إن الإسلام يمثل تهديدًا علي المستويين العالمي والمحلي) .. وحثت حكومتها علي عدم إظهار التسامح تجاه الأقلية المسلمة وأظهرت الملكة دهشتها واستغرابها من هؤلاء المسلمين الذين يشكل الدين لهم كل حياتهم من بداية الصباح إلي نهاية المساء.. ومن المهد إلي اللحد.. وللعلم فإن هذه الملكة هي رئيسة الكنيسة الإنجيلية اللوثرية التي يتبعها 85% من الشعب الدنماركي البالغ عدده 5.4 مليون نسمة.. 

خطورة المعركة 

 

ما هي أهمية وخطورة هذه المعركة؟تحمل هذه المعركة معاني ودلالات في منتهي الخطورة للإسلام والمسلمين في ذلك الصراع الحتمي بين الحق والباطل "بين التحالف اليهودي الصليبي والإسلام. وهي علي النحو التالي:1- إن سبب هذه المعركة والحافز الدافع إلي خوضها ليس هو اعتداء الباطل علي أراضي المسلمين ولا علي أموالهم ولا أهليهم.. وإنما علي رأس دينهم ورمز عقيدتهم.. والتقاعس أو التقصير في الدفاع في الحالة الأولي يطعن في قوة الإيمان.. أما التقاعس والتقصير في الدفاع في الحالة الثانية فإنه يطعن في حقيقة الإيمان.2- إن هذه المعركة مقدمة وتجربة ميدانية لأمر خطير مزلزل للقلوب يدبر له اليهود ليلا ونهارا.. ذلك هو هدم وتدمير المسجد الأقصي المبارك.. وأعداؤنا اليوم في هذه المعركة يرصدون رد فعلنا وقوة عزيمتنا وصلابة إرادتنا ومدي استنفارنا لقوتنا في الدفاع عن الرمز الأعلي لعقيدتنا فإن رأوا فينا ما اعتادوه من المسلمين من فورات تهب ثم تنفض وثورات تشتعل ثم تنطفيء كغثاء السيل تجرأوا علينا.. وبدأوا ترتيبهم لتخريب وتدمير المسجد الأقصي المبارك ليبنوا مكانه هيكلهم المزعوم.. أما إن رأوا فينا غضبة لله تقوض بنيانهم وتدمر اقتصادهم وتزلزل الأرض تحت أقدامهم وتلقي الرعب في قلوبهم ارتدعوا وخنسوا وعلموا أن مقدسات المسلمين خط أحمر لايجرؤ مخلوق علي الاقتراب منه مهما كان حال المسلمين من ضعف وهوان كما هو عليه حالهم الآن.3- إن هذه المعركة معركتنا وكل عوامل النصر فيها بين أيدينا.. تمامًا كما هو الحال في معركة الجهاد في العراق.. فهي معركة الشعوب المسلمة وليست معركة النظم والحكومات والملوك والأمراء.. ونحن نحارب علي أرضنا وفي ديارنا.. والسلاح. وهوالمقاطعة الاقتصادية سهل وميسور لنا.. وتأثيره مدمر علي أعدائنا.. ولا ينقصنا إلا صدق عقيدتنا وقوة إرادتنا وصلابة عزائمنا.. فلتكن هذه معركة الاقتصاد التي تسير موازية لمعركة الجهاد في العراق.. 

 

ولْنُري الله منا ثم العالم أجمع في اقتصاد أعدائنا مثل ما فعل المجاهدون في العراق في جيوشهم من قتل ودمار وخزي واندحار.4- إن هذه المعركة قد كشفت بشكل فاضح ومفاجئ حقيقة تلك الخدعة التي أوقعنا فيها أعداؤنا بعد أن غرروا بنا وأوهمونا أنهم يعملون لما فيه خيرنا.. تلك الخدعة هي ما يسمي باتفاقيات (أوسلو) عاصمة النرويج التي وضعها أعداؤنا بين اليهود والفلسطينيين وأوهمونا أنها في مصلحتنا وتحمل الخير لنا.. والحقيقة أنها لا تحمل لنا إلا كل خزي وهوان.. فقد ضيعت هذه الاتفاقيات الحقوق التاريخية للمسلمين في فلسطين ورسخت أقدام اليهود المحتلين وانتزعت من القيادات الفلسطينية التنازلات تلو التنازلات بشكل مهين.. ثم ها نحن بعد ما يقرب من عشر سنوات لم نجن من ورائها إلا الخسران المبين.. وهكذا انزاح الستر وفضح السر في ذلك الغبن والظلم الذي حاق بنا وبحقوقنا.. ذلك هو أن القوم الذين وضعوها وحاكوا خيوطها ونسجوا دسائسها وكنا نظنهم بعيدين عن تعصب الصليبيين وأنهم ربما يكونون علي الحياد بيننا وبين الإسرائيليين قد كشَّروا عن أنيابهم ونفثوا سمومهم وأعلنوا حقيقتهم وكشفوا ذلك الغل والحقد والبغضاء الذي يكنونه للإسلام والمسلمين. 

ردود الأفعال 

 

ما هي ردود أفعال حكومات وشعوب الدول الإسلامية؟أظهرت الشعوب الإسلامية ردود أفعال سريعة وقوية انتشرت كالنار في الهشيم وتمثلت في المقام الأول في مقاطعة البضائع الدانماركية.. ثم تلاها -ولشدة الغيرة علي مقام النبي (صلي الله عليه وسلم) والغضب من موقف الدانمارك الرافض لأي اعتذار عن الجريمة النكراء- بعض أعمال العنف مثل إحراق العلم الدانماركي ومهاجمة بعض السفارات الدانماركية وإحراقها.. أما الحكومات فقد تراوحت ردود أفعالها ما بين رد فاعل وسريع يرتقي إلي مستوي الحدث وبين رد ضعيف هزيل أو صمت تام ويمكن تلخيص مواقف أهم الدول العربية والإسلامية علي النحو التالي:المملكة العربية السعودية: استدعت المملكة سفيرهاللتشاور وهي صورة مؤقتة لسحب السفير.. كما يأتي بعد يوم واحد من مطالبة مفتي السعودية الحكومة الدانماركية بمعاقبة الصحيفة المذكورة.. ويأتي ذلك أيضًا بعد افتتاح بعض الإعلاميين السعوديين مواقع الكترونية وقنوات فضائية إسلامية تبنت حملة للدفاع عن النبي (صلي الله عليه وسلم) ضد تلك الإساءة المجرمة.أما علي الجانب الشعبي: فقد انتشرت سريعًا حملة للمواطنين السعوديين لمقاطعة البضائع الدانماركية تجاوبت معها مراكز التسوق والمتاجر الكبري التي رفعت من علي أرففها تلك البضائع وكتبت عوضا عنها لافتات (نحن لا نبيع البضائع الدانماركية) .ولكن بجانب هذا الموقف المشرف للحكومة والشعب السعوديين نتوقف أمام موقف غريب ومريب من ذلك الأمير الذي يمثل المملكة العربية السعودية في أمريكا وهو الأمير تركي الفيصل الذي وقف يحث العالمين العربي والإسلامي علي التخلي عن وسائل التعنت أو استخدام العنف في مواجهة أزمة الرسوم المسيئة.. وأن يكون التعامل معها بالعقل بدلا من العاطفة.. 

 

وقال الأمير تركي في تصريح لصحيفة الرياض السعودية أنه لا يجب ترك المجال لمن يريد زيادة الهوة بين العالم الإسلامي وباقي البشر وأنه ينبغي الاقتداء بالرسول الكريم الذي كان يميل إلي الغفران لمن كانوا يؤذونه.. وللأسف الشديد نسمع هذه المحاضرة التي ألقاها علي المسلمين يعلمهم فيها أصول التعامل مع الصليبيين في الوقت الذي لم يكلف فيه خاطره ولو من طرف خفي بانتقاد الجريمة البشعة التي أثارت غيرة وغضب هؤلاء المسلمين. وللأسف الشديد أيضًا كان لذلك الأمير موقف آخر مماثل.. فمنذ أسابيع قليلة عندما أدلي الرئيس الإيراني بتصريحات يشكك فيها في حقيقة وقوع مذابح هتلر لليهود (الهولوكوست) وفي عدد من ماتوا فيها انتفض ذلك الأمير مهاجمًا تصريح الرئيس الإيراني مكذبًا إياه ومؤكدًا علي وقوع تلك المذابح بحذافيرها وتفاصيلها وكأنه عاشها ورآها رأْي العين.. والحقيقة أننا لا نعلم. هل يتحدث هذا الأمير بلسان المسلمين.. أم بلسان غيرهم!!!!!!ليبيا: أعلنت الحكومة الليبية سحب سفيرها وإغلاق سفارتها في الدانمارك وهددت وزارة الخارجية الليبية باتخاذ إجراءات اقتصادية ضد كوبنهاجن. أما عن الجانب الشعبي فقد بدأ الليبيون حملة واسعة لمقاطعة البضائع الدانماركية، ثم اشتعلت نيران الغضب بينهم بعد أن قام أحد الوزراء الإيطاليين بارتداء قميص مطبوع عليه الصور المسيئة، وقاموا بمهاجمة القنصلية الإيطالية في بنغازي واصطدموا بقوات الأمن التي أطلقت عليهم النيران فاستشهد أحد عشر مسلمًا ليبيًّا.. مما أدي إلي إقالة وزير الداخلية الليبي واستقالة الوزير الإيطالي لاحتواء الأزمة. 

 

فلسطين: خرجت المظاهرات الغاضبة في كل من الضفة الغربية وغزة حيث قام المتظاهرون بإحراق الأعلام الدانماركية وهاجموا مقر بعثة الاتحاد الأوروبي في غزة ورشقوه بالحجارة ودعوا السلطة الفلسطينية لقطع علاقاتها بالدانمارك وطالب المتظاهرون جميع الدول العربية والإسلامية بسحب سفرائها لدي الدانمارك وطالبوا الشعب الفلسطيني أن يرد علي تلك الإهانة الشنيعة بمقاطعة البضائع الدانماركية.الأردن: استدعت وزارة الخارجية الأردنية سفير الدانمارك إلي مقر الوزارة وسلمته مذكرة تتضمن استنكار الأردن واحتجاجه علي جريمة الصحيفة الدانماركية الشنعاءوجدير بالذكر أنه يحسب للملك عبد الله بن الحسين موقف منصف ومشرف وقفه خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية.. ففي المؤتمر الصحفي الذي عقده هو والرئيس الأمريكي بمناسبة انتهاء زيارته لأمريكا تطرق الرئيس جورج بوش إلي الموضوع فاستنكر كل مظاهر العنف والغضب التي تجتاح المسلمين في شتي بقاع الأرض ولم يتعرض للسبب في ذلك.. فانبري الملك عبد الله قائلا أنه يجب علينا أن نحدد السبب في ذلك الغضب وأن نستنكر تلك الإساءة التي اشعلت ناره قبل أن نستنكر غضب من غضبوا لنبيهم ودينهم.أفغانستان: أما في أفغانستان فقد كان موقف الرئيس الأفغاني حامد قرضاي موقفًا مهينًا يمثل قمة التزلف والاستخذاء أمام الأعداء ويبين نوعية الحكام التي يريد الغرب أن ينصبها بالقوة والبطش علي بلاد المسلمين.. ففي ختام مقابلة له مع الرئيس الدانماركي الذي كان في زيارة لأفغانستان قال الرئيس الأفغاني أن ما قامت به الصحيفة الدانماركية خطأ، لكنه أعرب عن دعمه لموقف الحكومة الدانماركية في القضية!!! وأضاف قائلا أن الإيضاحات التي قدمها له الرئيس الدانماركي مرضية للغاية له كمسلم ثم استطرد قائلا إن الصحافة في الدانمارك حرة كما هو الحال في أفغانستان!!! ولا يمكن للنظام التدخل للسيطرة عليها. 

 

إيران: أما الموقف الإيراني من هذه المحنة فإنه يعتبر الأقوي والأشد علي الإطلاق بين الدول الإسلامية سواء علي المستوي الحكومي أو الشعبي.. فعلي مستوي الحكومة استدعت طهران السفير الإيراني من الدانمارك وقامت الحكومة بإلغاء جميع الصفقات والاتفاقيات مع الحكومة الدانماركية وطالبت الرئيس الدانماركي باعتذار صريح ومعلن لكل المسلمين في العالم عن تلك الإساءة المهينة لنبي الإسلام..أما علي المستوي الشعبي فقد قام الشعب الإيراني بحملة مقاطعة ضارية ضد كل المنتجات الدانماركية.. كذلك فقد أعلنت صحيفة (همشري) الرسمية الإيرانية عن مسابقة عالمية لرسم كاريكاتير يسخر من محرقة النازي لليهود (الهولوكوست) وذلك كما تقول الصحيفة لمعرفة ردود فعل الدول الغربية التي تعللت بحرية التعبير في تبريرها لنشر الرسوم الساخرة من النبي محمد (صلي الله عليه وسلم) .ثم أضافت الصحيفة متسائلة.. سنري إن كانت حرية التعبير تسمح بالحديث عن حادث المحرقة المزعومة للنازي ضد اليهود أم أن حرية التعبير تلك صالحة فقط لإهانة القيم والمقدسات لدي المسلمين !!وكانت الجموع الغاضبة من الشعب الإيراني قد هاجمت سفارة الدانمارك ورشقتها بالحجارة والقذائف المشتعلة واخترقت أسوارها وأشعلت النار بها غضبة لدينها وغيرة علي نبيها.سوريا ولبنان: أما أشد الردود عنفًا فكانت في سوريا ولبنان فبالإضافة إلي حملة المقاطعة وطلب الحكومة السورية اعتذارًا صريحًا ومعلنًا من الحكومة الدانماركية فقد قام المتظاهرون في البلدين بمهاجمة سفارتي الدانمارك في دمشق وبيروت ودمروا محتوياتهما ثم أشعلوا النيران بهما. 

قدرة الحكومات علي المقاطعة 

 

إذا كانت تلك هي ردود أفعال الحكومات الإسلامية إلي الآن فما هو المدي الذي تستطيع تلك الحكومات أن تقطعه في هذه المعركة؟إن الحكومات الإسلامية خاصة تلك المسئولة عن المقدسات والتي تشكل رموزًا للإسلام والمسلمين تستطيع أن تفعل الكثير والكثير وأن تقطع الشوط إلي نهايته.. ونضرب هنا مثلاً حيًا عاشه معنا العالم أجمع منذ ما يقرب من عقدين ونصف عقد من الزمان تجسدت فيه المقدرة الكبيرة لإحدي الحكومات الإسلامية علي قطع الشوط إلي نهايته.. إذا رغبت في ذلك!!!.ففي يوم 9 أبريل عام 1980م عرضت محطة تليفزيون بريطانية فيلمًا بعنوان (موت أميرة) يصور قصة حب بين أميرة سعودية وشاب لبناني كانا يدرسان معًا في الجامعة الأمريكية في بيروت.. وبعد أن اكتشفت الأسرة الحاكمة قصة الحب هذه نفذت حكم الإعدام في الأميرة.. وقامت بعض دور السينما في أوروبا بعرض الفيلم فترة قصيرة للغاية.. وجاء رد الفعل السعودي سريعًا.. غاضبًا.. عاصفًا.. فقد اعتبر القادة السعوديون ذلك الفيلم حربًا علي الإسلام وحملوا جميع المسلمين مسئولية الدفاع عن دينهم.وفي مقابلة لوزير الداخلية السعودي في ذلك الوقت مع جريدة عكاظ السعودية في أحد أعدادها قال: (إن هذا العمل العدواني ضد الإسلام والمسلمين يجب أن يقابل بعمل مماثل يدحره.. والمسئولية هنا علي الجميع.. فالأمر لا يخص المملكة السعودية وحدها ولا يخص حكومتها فقط بل يخص جميع المسلمين..) كذلك فقد جرت لقاءات مكثفة مع سفراء السعودية في الدول الأوروبية نددوا فيها بتلك الجريمة النكراء وأدلوا بتصريحات مماثلة لوزير الداخلية.. ثم عقد مجلس الوزراء جلسة خاصة ناقش فيها العلاقات السعودية البريطانية بعد عرض ذلك الفيلم وسارع مجلس القضاء الأعلي السعودي بإصدار بيان يصف فيه الفيلم بـ "الفيلم الكافر" وشنت الحكومة السعودية حملة إعلامية عنيفة ضد كل الدول الغربية التي عرضت الفيلم.. 

 

كذلك فقد طالبت الصحافة السعودية الحكام السعوديين بالرد بعنف علي تلك الدول عن طريق استخدام كافة الأسلحة التي تمتلكها الدولة السعودية وعلي رأسها مقاطعة البضائع الأوروبية واستخدام سلاح الحظر البترولي ضدها، وسحب الأرصدة والأموال والودائع السعودية من بنوكها "ثم دفعت الحكومة السعودية السفراء العرب في لندن لتوحيد موقفهم ضد بريطانيا بالضغط عليها حتي ترضخ وتوقف عرض ذلك الفيلم المشين.. كما طالبت بمقاضاة التليفزيون البريطاني.. وبالفعل قاطعت الحكومة السعودية قبل الشعب السعودي البضائع البريطانية.. ووصلت العلاقات بين البلدين إلي حد القطيعة كما توترت العلاقات السعودية بكل الدول الأوروبية التي سمحت بعرض الفيلم توترًا شديدًا لفترة طويلة.. وفي النهاية أثمرت تلك الغضبة العنيفة ثمارها" فقد توقف عرض الفيلم في أوروبا نهائيًا.فإذا كانت الحكومة السعودية بقياداتها الغيورة علي قدسية دينها وعصمة نبيها قد استطاعت أن تفعل كل ذلك في مواجهة حدث مس شرف الأسرة المالكة... فبالله عليك أيها المسلم الكريم ماذا تظن أنها فاعلة في مواجهة جريمة نكراء وفعلة شنعاء حاولت تلطيخ شرف نبي المؤمنين رمز العقيدة والدين.. والمبعوث رحمة للعالمين؟!!وهل تظن أيها المسلم الكريم أن غيرة قادة السعودية الحكماء وغضبتهم لشرف نبيهم.. أقل عندهم من غيرتهم وغضبتهم لشرف أميرتهم. 

جدوي المقاطعة 

 

ولكن أليس من الممكن أن تعود مقاطعة بضائع الأعداء علينا بالخسارة مع المكاسب التي سنحققها؟بداية يجب أن نعلم أن الأمور لا تقاس بمثل هذا المقياس.. وإنما تقاس بمقياس آخر هو مدي سمو وقدسية الهدف الذي نقاطع من أجله.. فإذا كان الهدف هو الدفاع عن عصمة نبينا ورمز ديننا فإن القضية تخرج عن هذا القياس تمامًا حيث أننا يجب أن نعلم أن إيمان المسلم لا يتم إلا باستعداده الصادق للتضحية بنفسه وماله وولده فداءً ودفاعًا عن النبي (صلي الله عليه وسلم) . كذلك فإن الله سبحانه وتعالي قد وعد المؤمنين الذين يقاطعون الكافرين دفاعًا عن دينهم وطاعة لربهم ويخافون أن يعود ذلك عليهم بالفقر والخسارة أنه سبحانه وتعالي سوف يغنيهم من فضله.. قال تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:28) .ومع ذلك فإننا بحساب المكسب والخسارة بمقاييس الدنيا سنكون الرابحين إن شاء الله.. فمن الخسائر المحتملة: انخفاض حجم حركة السياحة الوافدة إلي بلادنا من تلك الدول وإنخفاض استثماراتها عندنا.. وقطع المنح والهبات التي تعطيها لنا.. ولكننا في المقابل سوف نفوز بمكاسب عظيمة لا تقدر بمال .. منها:تحرر القرار العربي والإسلامي من هيمنة التحالف اليهودي الصليبي اقتصاديا وسياسيا بما يحقق مصالح المسلمين.إحياء روح التعاون والتكامل بين الدول العربية والإسلامية.عودة المسلمين إلي الاقتصاد في حياتهم ونبذ الإسراف والتخلي عن السلع الاستهلاكية والترفيهية والعودة إلي الحياة البسيطة. 

 

وهناك مثلان مضيئان يدلان علي قوة سلاح المقاطعة نجحا نجاحًا باهرًا في تحقيق هدفيهما:الأول: هو مقاطعة المهاتما غاندي في الهند للبضائع الإنجليزية في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا العظمي تحتل بلاده وضرب غاندي المثل الأعلي لأمته وقومه حين اقتني عنزة عاش في غذائه علي لبنها وفي لباسه علي غزل شعرها وكان يصطحبها معه في حله وترحاله.. وقد نجحت حملة غاندي لمقاطعة الإنجليز نجاحًا باهرًا انتهي بجلاء الإنجليز نهائيا عن شبه القارة الهندية بأكملها.الثاني: هو ذلك النموذج الفذ الذي ضربه الملك فيصل عاهل المملكة العربية السعودية إبان حرب رمضان - أكتوبر 1973م حيث أشهر سلاح الحظر البترولي في وجه كل الدول الغربية التي تؤيد إسرائيل، وهدد بتخفيض انتاج بلاده من البترول بنسبة خمسة بالمائة كل شهر وبشكل متصاعد حتي يتم انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية.. وبالفعل بدأ تنفيذ ذلك التهديد فاهتزت أركان الدول الغربية وسارعت وتدافعت للاستجابة لمطلبه بالتدخل لحل القضية.. وعندما هدده وزير الخارجية اليهودي الأمريكي الأسبق (هنري كيسنجر) بقوله: "سوف نعاقب هؤلاء العرب بأن نجعلهم يشربون بترولهم" في إشارة إلي أن الغرب سوف يقابل ذلك الحظر البترولي بالامتناع الكامل عن شراء بترول العرب ليرتد السهم إلي صدورهم.. أجابه الملك فيصل ساخرًا: "إننا علي إستعداد للعودة إلي الصحراء وأنا معي خيمتي وناقتي" في إشارة إلي استعداده لنبذ كل مظاهر البذخ والترف التي كان يعيشها ملوك وأمراء البترول في ذلك الوقت. 

عوامل النصر 

 

ما هي عوامل النصر للمسلمين في هذه المعركة؟هناك عدة عوامل هامة وخطيرة تضمن كلها النصر بفضل الله للإسلام والمسلمين في هذه المعركة.. ومن هذه العوامل:1- أن العامل المفجر للمعركة والحافز الدافع لخوضها بكل ما يملك المسلم من عنفوان القوة وصدق العزيمة وصلابة الإرادة ووضوح الرؤية هو ذلك العدوان المفضوح علي رمز عقيدة المسلمين وأحب الناس إلي قلوبهم ومقياس إيمانهم بدينهم وربهم.2- أن الصراع في هذه المعركة يقع بين ملة الكفر من اليهود والصليبيين من ناحية والشعوب المسلمة وليس النظم والحكام من ناحية أخري.. وقد أثبت لنا كتاب الله سبحانه وتعالي وصدَّق التاريخ علي ذلك أن الصراع عندما يكون بين قوي الكفر وجماعة المؤمنين أي الشعوب المسلمة يكون النصر فيه للمؤمنين.. أما إن كان الصراع بين قوي الكفر والحكام الضعفاء والملوك المخذولين فإن الهزيمة تكون نصيبهم.. والمثل الحي الذي نعيشه جميعًا في تلك الفترة العصيبة من تاريخ أمتنا هو ما حدث في دولة العراق المسلمة.. فعندما اصطدم التحالف اليهودي الصليبي بالحاكم والنظام العراقي ضاعت العراق ورأينا كيف ذلت كرامتها حين أبيحت لأهل الكفر غرف نوم رأس دولتها وأحكم الحصار عليها حتي مات الأطفال وجاع الكبار وجف الزرع والضرع ومات الأخضر واليابس.. ونهبت أموالها وثرواتها حتي أصبح العراق العظيم دولة الخلافة العباسية الزاهرة حطام دولة.. وانتهي كل ذلك الهوان بدخول التحالف اليهودي الصليبي أرض العراق واحتلاله لها والقبض علي رأس نظامها.. فلما حدث ذلك.. تغير الحال.. فأصبح الطرف المقابل للتحالف في الصراع هو شعب العراق المسلم وجماعة المؤمنين.. وبسرعة وقوة وثبات انقلبت الموازين وصارت إلي ما هي عليه الآن.. علو ونصر وفوز وغلبة يومًا بعد يوم لجماعة المؤمنين وخزي وعار وهزيمة وفزع واندحار للكافرين.. 

 

وها نحن نسمع في كل يوم عن إحدي دول التحالف أنها قد بدأت بالفعل في سحب جنودها أو علي الأقل أعلنت موعدًا لانسحابها.. حتي إن رأس الكفر قائدة التحالف وحليفتها وتابعتها في حربها الصليبية علي المسلمين قد بدأتا بالفعل في سحب جنودهما طلبًا للنجاة.3- أن سلاح المعركة سهل وميسور لجماعة المؤمنين.. مقاطعة بضائع الأعداء والتخلي عن بعض ضئيل من متاع الحياة الدنيا.. وهو شيء لا يذكر بين نعم الله الوفيرة التي أنعم بها علينا.. ولا يستطيع مسلم علي وجه الأرض أن يدعي أنه لا يستطيع الاستغناء عن بعض المطعومات أو الملبوسات إلا إذا كان من الساخرين المستهزئين.. أو المرجفين المنافقين.4- أن الأمة الإسلامية قد اجتمعت وبشكل نادر الحدوث من أقصاها إلي أدناها علي قلب رجل واحد وبشكل أذهل الدنيا كلها غاضبة غضبة واحدة لله.. اجتمعت كلها علي اختلاف أجناسها وألوانها ولغاتها تمامًا كما اجتمعت منذ أسابيع قليلة علي صعيد عرفات يجمعها جميعًا الغضبة لربها والغيرة علي نبيها والدفاع عن رمز دينها. 

الاتحاد الأوروبي يهدد 

 

أعلن الاتحاد الأوروبي تضامنه مع الدانمارك ودعمه الكامل لها كما هدد باعتبار المقاطعة الإسلامية للبضائع الدانماركية مخالفة لقوانين منظمة التجارة العالمية وبأنه سيتقدم بشكوي لتلك المنظمة بهذا الشأن.. فماصحة هذا التهديد؟مع النجاح المتنامي الذي حققته وتحققه المقاطعة الإسلامية للبضائع الدانماركية بدأت الدول الأوروبية جميعها تشعر بالقلق من نجاح هذا السلاح وإمكانية استخدامه لاحقًا ضد أي منها.. ومن هنا جاء موقفها الداعم للدانمارك والرافض لهذه المقاطعة؛ فقد اعتبر الاتحاد الأوروبي أن تلك المقاطعة عمل عدائي موجه ضد جميع الدول الأوروبية، وبدلا من أن يندد الاتحاد الأوروبي بتلك الإساءة للنبي محمد (صلي الله عليه وسلم) الذي يتبعه أكثر من مليار ونصف مليار من المسلمين في العالم وقف يعضد تلك الدولة في موقفها العدائي المستفز للإسلام والمسلمين؛ وهذا الموقف الأوروبي يعتمد علي قانون القوة والغاب وليس علي قوانين منظمة التجارة.. فالمقاطعة التي تجري حاليًا هي مقاطعة شعبية وليست حكومية.. والحكومات العربية والإسلامية لم تشارك فيها بشكل رسمي.. وهي لا تُسأل عن المواقف التي تنتهجها شعوبها دفاعًا عن عقيدتها ومصالحها كما هو الشأن في جميع أنحاء العالم.. والغرب دائمًا يلوي عنق القوانين لتخدم مصالحه.. فإن لم يستطع فإنه يدوس علي هذه القوانين بأقدامه.. وقد حدث ذلك مثلاً عندما فرضت الحكومة الأمريكية قوانين تحظر التعامل مع الشركات الإيرانية والليبية والسودانية رغم أن ذلك يخالف قواعد التجارة الحرة..وعلي الحكومات والدول العربية والإسلامية أن تتجاهل هذا التهديد وترفض هذا الابتزاز المهين وتترك الشعوب مستمرة في حملتها حتي يرضخ أعداؤنا ويعودوا إلي الحق صاغرين. 

استراتيجية المعركة 

 

ماهي الاستراتيجية الواجب اتباعها للفوز بهذه المعركة؟بداية يجب علينا أن نعلم أن الحكومات الإسلامية وإن كان بمقدورها أن تفعل الكثير والكثير إلا أنه يجب علينا ألا نبني عليها آمالنا وطموحاتنا للفوز بهذه المعركة وذلك للأسباب التالية:1- أن رؤي وطموحات ومصالح الكثير من حكام المسلمين تختلف وتتعارض مع رؤي وطموحات ومصالح الشعوب الإسلامية تعارضًا جذريًا.. لذلك فالمتوقع أن يعمل الكثير من الحكام علي تهدئة الأمور وإنهاء مظاهر الغضب في العالم الإسلامي حتي لو لم نحصل علي اعتذار صريح ومعلن من تلك الصحيفة ورئيس الوزراء الدانماركي.2- أن الكثير من الحكومات قد سقطت في فخ التحالف والتبعية للتحالف اليهودي الصليبي بشكل أو بآخر وذلك من خلال اتفاقيات ومعاهدات تكبل أيديها عن اتخاذ أي قرار فيه مصلحة للإسلام وخير للمسلمين.. بل إن معظم هذه الاتفاقيات أو المعاهدات قد أحكمت خيوطها لتصب بالكامل في مصلحة أعدائنا.. ومثال علي ذلك..( اتفاقية التجارة الحرة) التي وقعت عليها الكثير من الدول العربية والإسلامية والتي تحظر عليها حظرًا تامًا مقاطعة أي دولة أخري موقعة علي نفس الاتفاقية .. ولما كانت إسرائيل هي إحدي الدول الموقعة علي هذه الاتفاقية فقد أجبرت كل الدول العربية والإسلامية الموقعة عليها علي إلغاء كل مظاهر المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل حاليًا ومستقبلاً.. مثال آخر هو اتفاقية (الكويز) والتي يظهر فيها بشكل سافر ومفضوح كيف أن السياسة الأمريكية تضحي بمصالح الشعب الأمريكي وتضيع أمواله من أجل مصلحة اليهود في إسرائيل فبموجب هذه الاتفاقية تفتح الولايات المتحدة الأمريكية كل أسواقها وبدون أي رسوم جمركية لأي سلعة تم انتاجها في أي دولة في العالم تشارك إسرائيل في صناعتها بخبراتها وبجزء من الخامات تشتريه تلك الدولة من إسرائيل.. وللأسف الشديد كانت مصر من تلك الدول التي وقعت علي هذه الاتفاقية.. 

 

وبالتالي وللأسف الأشد أقبل الكثير من رجال الصناعة المسلمين في مصر وخاصة في مجال المنسوجات علي فتح الباب في مصانعهم لتشاركهم إسرائيل طمعًا في دراهم معدودة ومكاسب فانية يحصلون عليها نتيجة اعفاء منتجاتهم من دفع الرسوم الجمركية عند دخولها الأسواق الأمريكية.3- أن الكثير من حكام المسلمين قد اعتلوا سدة الحكم في بلادهم دون سند شرعي ورغمًا عن إرادة شعوبهم.. لذلك فإنهم يعتمدون في بقائهم في كراسيهم وسلطانهم علي حماية ورضي وقبول التحالف اليهودي الصليبي العالمي لهم.. وبالطبع فإن حاكمًا هذا وضعه لن يجرؤ علي الإطلاق علي اتخاذ أي موقف جاد ومخلص معارض لمصالح ومخططات ذلك التحالف البغيض مهما كان فيه من خير للإسلام ونفع للمسلمين.لذلك فإن العبء الأساسي في خوض تلك المعركة يقع علي عاتق الشعوب المسلمة، والواجب علينا أن نخوض تلك المعركة بإرادات قوية وعزائم صلبة.. ولكن بذكاء وحكمة .. ورؤيتنا في ذلك هي تقسيم الأفعال وتوزيع الأدوار علي النحو التالي:أولا: الجاليات والمنظمات الإسلامية في الدول الأوروبية وأمريكا يجب عليها أن تخوض الجانب العقلاني الهادئ من المعركة وهو استخدام سلاح الفكر والدعوة السلمية ومقارعة الحجة بالحجة ومقابلة الرأي بالرأي وتنظيم المظاهرات السلمية المنضبطة والمنظمة للتنديد بتلك الإساءة المجرمة. كذلك يجب عليها رفع الدعاوي القضائية، علي تلك الصحيفة المسيئة والعمل علي استخدام مختلف وسائل الإعلام المتاحة لها لشرح أصول دين الإسلام وبيان عصمة النبي (صلي الله عليه وسلم) وقدسية مكانته عند المسلمين.. ثم الضغط القوي من خلال تجمعاتها الكبيرة علي مختلف الأحزاب السياسية الراغبة في استقطاب أصواتها في معاركها الانتخابية لانتزاع أقصي ما يمكن من التشريعات والقوانين التي تجرم الإساءة للإسلام وتحمي مقدسات المسلمين.. ورب ضارة نافعة.. 

 

فربما تكون هذه العاصفة التي تفجرت في أوروبا واهتمام الدنيا كلها بمجرياتها فرصة فريدة لعرض وبيان دعوة الإسلام السمحة ودينه الحنيف للناس كافة.ثانيًا: الشعوب المسلمة في عموم بلاد المسلمين وفي شتي أرجاء الأرض: عليها إظهار غضبها لدينها وغيرتها علي نبيها بجميع السبل المشروعة وبلا حدود.. ويبدأ ذلك بالمقاطعة الاقتصادية الصارمة والشاملة للمنتجات الدانماركية تحديدًا.. ثم التصدي الدعوي والإعلامي لبيان فظاعة ذلك الجرم والتأكيد علي عصمة النبي (صلي الله عليه وسلم) والواجب الشرعي علي كل مسلم في الدفاع عنها.. ثم تسيير المظاهرات السلمية المنضبطة بالنظم والقوانين وبشكل يذهل قلوب الأعداء بضخامة أعدادها وشدة حماسها.. ثم الضغط الشعبي علي حكوماتها لاتخاذ مواقف أكثر غيرة علي مقدسات المسلمين وأكثر قوة وفاعلية تجاه حكومة الدانمارك لموقفها المخزي والمتواطئ مع الصحيفة المجرمة.. ثم قيام الاتحادات والنقابات المختلفة بعقد المؤتمرات والاجتماعات الحاشدة للتنديد بتلك الجريمة الشنعاء.. 

تحذير هام 

وفي هذا المقام فإننا نحذر إخواننا من أبناء كل الشعوب المسلمة تحذيرًا شديدًا من أن تخرج هذه المظاهرات والتجمعات عن شكلها السلمي وعن الحدود المرسومة لها.. فإن التخريب والتدمير وإحراق السفارات والممتلكات الدانماركية أو غيرها من الدول الأجنبية في بلادنا أمر مرفوض رفضًا مطلقًا وذلك لسببين: أولهما أن هذا يخالف شرع الإسلام وأعراف وأخلاق المسلمين التي تأمرنا بحماية الغرباء وممتلكاتهم، والحفاظ علي أمنهم وعدم ترويعهم" وثانيهما أن هذه التصرفات الغاضبة والمنفلتة سوف تنقلب علينا في الدول الغربية فتسيء إلي الإسلام والمسلمين ويوظفها زعماء الصليبيين في تأكيد ادعاءاتهم واتهاماتهم بوحشية الإسلام وإرهاب المسلمين.. كما أنها سوف تفقدنا تعاطف الكثير من أبناء هذه البلاد الذين لم تتلوث قلوبهم بعد أو تمتلئ بالعداء للإسلام والمسلمين. 

 

المقاطعة الشاملة 

هل المقصود هو المقاطعة الاقتصادية فقط؟ وهل تكفي وحدها للفوز في هذه المعركة؟الإجابة بالطبع.. لا.. فإننا يجب علينا جميعًا أن نتذكر أمرين هامين:الأول: أن المقاطعة الاقتصادية وإن كانت في حد ذاتها سلاحًا خطيرًا في أيدينا ندمي به قلب عدونا إلا أنها ليست كافية بمفردها لنفوز في هذه المعركة بل لابد أن تكون هذه المقاطعة شاملة للجوانب الاقتصادية والثقافية والسلوكية والاجتماعية وغيرها حتي نستطيع أن نتصدي بقوة وفاعلية لمشروع تغريب الأمة الإسلامية.. ذلك المشروع المخالف لعقيدتنا والذي يريد عدونا أن يصدره إلينا بكل صوره وأشكاله الشيطانية ليدمر علينا قيمنا ويهدم فينا أخلاقنا ويمزق كل ما بيننا وبين ربنا والذي يريد به أن يستعبدنا لنظل له مقهورين ومأمورين ولديننا ودنيانا خاسرين.الثاني: أن المقصود من هذه المقاطعة ليس مجرد الامتناع عن شراء المنتجات الدانماركية لنشتري بدائلها من دول أجنبية أخري.. وإنما المقصود هو البحث عن بديل لها بين منتجات أوطاننا وبالطبع فإن هذا يستدعي منا وبأقصي سرعة وجدية تفاعلا وتكاملا علي أعلي قدر من المسئولية بين عناصر الاقتصاد في هذه الأمة ما بين المستهلكين والصناع والتجار ورجال الصناعة والاستثمار.. فالمستهلك يجب عليه ألا يشتري إلا منتجات الوطن.. والصانع يجب عليه أن يتقن صنعته حتي تكون بديلا وطنيا مقبولا للمستهلك.. والتاجر يجب عليه ألا يعرض في متجره إلا المنتجات الوطنية ولا يعرض في متجره منتجًا أجنبيًا إلا للضرورة القصوي بمعني أن يكون هذا المنتج ضروريًا لحياة الناس وليس له بديل أو مثيل بين المنتجات الوطنية وفي هذه الحالة فإنه يجب عليه ألا يعرض تحديدًا المنتجات الدانماركية أما رجال الصناعة والاستثمار فيجب عليهم أن يقيموا الصناعات الضرورية غير الموجودة في الوطن حتي لا يحتكرها أعداؤنا فيعطوننا أو يمنعوننا. 

 

كذلك يجب عليهم أن يعملوا بكل جد واجتهاد من أجل تجويد منتجاتهم وتخفيض أسعارها حتي تقدر علي منافسة السلعة الأجنبية.. كذلك فإنه يجب علينا في حالة الضرورة لاستيراد سلعة ما أن نستوردها من الدول المسلمة فإن لم تتوافر فيها نستوردها من الدول الصديقة للمسلمين.. فإن لم تتوافر نستوردها من الدول التي لا تعادي الإسلام ولا تبغض المسلمين.. وممنوع ومحظور علينا أن نستوردها من بلاد أعدائنا.. وعلي رأسهم دولة الدانمارك ولتكن استراتيجية عامة للدول الإسلامية أن تتحول في اقتصادها من الغرب إلي الشرق ولتكن الدول الأسيوية الواعدة ذات القوي الاقتصادية العملاقة والباهرة مثل ماليزيا وإندونيسيا وباكستان وتركيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية هي شريكنا المستقبلي في صناعتنا وتجارتنا وزراعتنا. 

إشاعة مريبة 

 

أشيع أن بعض علماء المسلمين استندوا في دفاعهم عن النبي الكريم (صلي الله عليه وسلم) علي أنه قد مات.. وأنه يجب علي الناس الطيبين ألا يسبوا الأموات.. فما صحة تلك الشائعة؟ وما الحكم الشرعي في ذلك الدليل؟إننا نستبعد استبعادًا تاما مثل هذه الشائعة ونعتبرها من سفه القول ولغو الكلام فإنه لا يعقل أن يتصدي عالم من علماء المسلمين الأجلاء.. حراس العقيدة وورثة الأنبياء.. للدفاع عن سيد الأولين والآخرين بمثل هذا الكلام المبتذل السفيه.. وذلك لأمرين:الأول: أنه يدل علي جهل فاضح بمعرفة المبادئ الأولية للعلوم الشرعية، ومنها أن الدفاع الجاد والمخلص عن عصمة النبي (صلي الله عليه وسلم) واجب شرعي علي المسلم القيام به ولوضحي في سبيله بماله وولده ونفسه.الثاني: أن الاستناد إلي هذه العلة في الدفاع عن النبي الكريم (صلي الله عليه وسلم) هو أمر خطير يدل علي الخور والوهن في قلب من استند إليه ويدل علي التدني والضعة والاستخذاء في التعامل مع من يسب النبي من الكافرين فالسب المتعمد للنبي (صلي الله عليه وسلم) كفر بواح وجرأة وصفاقة من الكافرين.. فهل يعقل أن يقبل من عامة المسلمين ناهيك عن علماء الأمة الأجلاء في الدفاع عن نبيهم ذلك الأسلوب المخزي والمهين؟ 

متطلبات الفوز 

 

ما هي الواجبات والمتطلبات الواجب الالتزام بها للفوز في هذه المعركة ؟هناك واجبان أساسيان علي الشعوب الإسلامية الإلتزام بهما التزامًا صارمًا حتي نكسب تلك المعركة.. هذان الواجبان هما:الواجب الأول: تحديد الهدف من تلك المعركة تحديدًا واضحًا ودقيقًا وجليًا تجمع عليه جميع الشعوب المسلمة إجماعًا شاملاً ولا تتوقف المعركة إلا بعد تحقيقه تحقيقًا كاملا.. وذلك الهدف في معركتنا مع الدانمارك هو:اعتذار صريح ومعلن من الصحيفة التي نشرت تلك الرسوم المسيئة يصاحبه اعتذار رسمي صريح ومعلن من رئيس وزراء الدولة الدانماركية للمسلمين عن تلك الجريمة الشنعاء في حقهم وحق نبيهم عليه الصلاة والسلام .ثم البدء الفوري في اتخاذ الإجراءات اللازمة لسن القوانين والتشريعات التي تجرم الإساءة للإسلام والمسلمين والاعتراف بالإسلام في أوربا كلها كغيره من الأديان.الواجب الثاني: أن تحتفظ الشعوب المسلمة بكل تلك القوة والعنفوان في غضبتها لنبيها (صلي الله عليه وسلم) وأن تتصاعد المقاطعة والمظاهرات وكل الأفعال السلمية الممكنة سواء من حيث القوة والفاعلية والضخامة.. أو من حيث الاستمرارية وعدم التوقف.. فيظل معدل الأداء في تصاعد مستمر كمًا وكيفًا.. لا يتوقف ولا يهدأ حتي يتحقق الهدف المحدد تحقيقًا كاملا. 

حكم من سب النبي (صلي الله عليه وسلم) 

 

س- ما الحكم الشرعي فيمن سب النبي (صلي الله عليه وسلم) ؟ ج- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه "الصارم المسلول في الدفاع عن الرسول" : (إن سب الرسول (صلي الله عليه وسلم) كفر في الظاهر والباطن سواء اعتقد فاعله أنه حرام أم كان مستحلاً له وأن شاتم الرسول حكمه كما يلي:عند الحنابلة: يقتل علي كل حال سواء كان مسلمًا أم كافرًا ولا يستتاب ولا تقبل له توبة.وعند المالكية: المشهور أن يقتل ولا يستتاب وحكمه حكم الزنديق.وعند الشافعية: الجمهور علي أن الساب كالمرتد، إذا تاب سقط عنه القتل، وفي رأي لا يسقط عنه القتل.وعند الأحناف: أن الساب كالمرتد في سائر الأحكام.

الواجب الشرعي في الدفاع عن النبي (صلي الله عليه وسلم) 

 

إن الدفاع عن النبي (صلي الله عليه وسلم) واجب شرعي وفرض عين علي كل مسلم ومسلمة والمسلم يجب عليه أن يبذل أقصي الجهد في ذلك ولو وصل الأمر إلي التضحية بحياته والدليل علي ذلك.. من القرآن: قول الله تعالي(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:24) من السنة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قول النبي (صلي الله عليه وسلم) "والله لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" صحيح مسلم.ويمثل حب المسلمين لنبيهم (صلي الله عليه وسلم) المقياس الأول لرفعة الأمة الإسلامية أو هوانها.. ففي العصور التي أحب فيها المسلمون نبيهم حبًا ملك عليهم حياتهم وأفئدتهم واستبسلوا في الدفاع عن عصمته والذود عن شرفه وكرامته ارتقت الأمة الإسلامية وعلت وسادت مشارق الدنيا ومغاربها.. أما في العصور التي غفل فيها المسلمون عن حب نبيهم وفترت هممهم ووهنت عزائمهم في الدفاع عنه.. فقد ذلت الأمة وهانت علي نفسها قبل أن تهون علي غيرها فتداعت عليها الأمم كما تتداعي الأكلة إلي قصعتها. 

 

وهذه بعض نماذج لذلك الحب الفريد الذي كان يكنه المسلمون لنبيهم في عصور كانت العزة فيها للمؤمنين:سعد بن الربيع في غزوة أحد:ففي يوم أحد قال النبي (صلي الله عليه وسلم) "" من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ "فقال رجل من الأنصار: أنا، فخرج يطوف في القتلي حتي وجد سعدًا جريحًا مثبتًا لا يتحرك بآخر رمق، فقال: يا سعد إن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: فإني في الأموات، فأبلغ رسول الله (صلي الله عليه وسلم) مني السلام وقل له: إن سعدًا يقول لك: جزاك الله عني خير ما جزي نبيًا عن أمته.. ثم أبلغ قومك مني السلام، وقل لهم إن سعدًا يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلي نبيكم وفيكم عين تطرف.فهذا نموذج متفرد في الحب لرسول الله (صلي الله عليه وسلم) .. رجل مؤمن في آخر رمق من حياته ولا يشغله شئ إلا حال النبي (صلي الله عليه وسلم) وخوفه أن يمسه أحد بسوء.أم عمارة (نسيبة بنت كعب) يوم أحد:تقول: خَرَجْتُ أول النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلي رسول الله (صلي الله عليه وسلم) وهو في أصحابه والفوز للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت إلي رسول الله فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي بالقوس حتي خلصت الجراح إلي ولما ولي الناس عن رسول الله أقبل ابن قميئة (أحد المشركين) يقول: دلوني علي محمد فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبتوا مع رسول الله فضربني ضربة وضربته ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان.. وقد رق رسول الله (صلي الله عليه وسلم) لما أصابها فكان يقول لها: من يطيق ما تطيقين ياأم عمارة؟ فتقول: بل أطيق، وأطيق، وأطيق يا رسول الله، فقال لها: سليني يا أم عمارة، فقالت: مرافقتك في الجنة يا رسول الله، فقال (صلي الله عليه وسلم) : أنت وأهل بيتك يا أم عمارة.فهذه امرأة.. 

 

وقفت تدافع عن النبي الكريم (صلي الله عليه وسلم) ممسكة بسيفها مضحية بحياتها في سبيل نصرته والذود عنه.. فأين الرجال؟!!!معاذ ومعوذ ابنا عفراء (يوم بدر) .يقول عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - رأيتني يوم بدر أقف في الصف بين غلامين حدثين فقلتُ كيف أقف بين حدثين؟ فنظرت فإذا الذي عن يميني يدنو مني ويقول: يا عماه أين أبو جهل؟ فقلت له وما شأنك بأبي جهل يا بني؟ قال: يا عماه علمت أنه سبَّ رسول الله (صلي الله عليه وسلم) – فو الله لإن لقيته لأقتلنه أو لأموتن دونه فاشتد فرحي بذلك فنظرتُ فإذا الذي عن يساري يدنو مني ويقول: يا عماه أين أبو جهل؟ قلت وماذا تريد من أبي جهل؟ قال: يا عماه علمتُ أنه سبَّ رسول الله فوالله لإن لقيته لأقتلنه أو لأموتن دونه فاشتد سروري أنني بينهما فبدأ القتال ورأيتُ أبا جهل يصول ويجول بين الصفوف فقلت لصاحبي هاهو صاحبكما فانقضا عليه كالسهمين حتي صرعاه ثم انطلقا إلي رسول الله كلاهما يقول: أنا قتلت أبا جهل.هذان غلامان حدثان غضبا علي من سب رسول الله (صلي الله عليه وسلم) غضبًا شديدًا ملك عليهما نفسيهما فخاضا غمار حرب شعواء لا هدف لهما فيها إلا قتله.. حتي قتلاه. 

وفي الختام 

وفي الختام نقول: ياأمة الإسلام إن هذه المعركة ليست بداية الصراع بين الكفر والإيمان ولا نهايته وإنما هي صولة من صولاته، وجولة من جولاته، فالصراع بين الحق والباطل بدأ منذ أن خلق الله آدم عليه السلام ولن ينتهي إلا بقيام الساعة.. وحاكم الفوز في كل جولة أو صولة هو صدق عقيدة المؤمنين وإخلاص الموحدين، ثم الأخذ بالأسباب علي قدر الاستطاعة. فيا علماء المسلمين وحكامهم.. وصفوتهم وعامتهم.. ورجالهم ونساءهم.. وشبابهم وفتيانهم.. أروا الله منكم صدقًا في اللقاء، وصبرًا علي البلاء، وغضبة لدينكم، وغيرة علي نبيكم.. وإن شاء الله الفوز والفلاح في الدين والدنيا لكم. 

  • السبت PM 02:07
    2021-06-12
  • 1560
Powered by: GateGold