المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413284
يتصفح الموقع حاليا : 318

البحث

البحث

عرض المادة

تاريخ أهل البيت ينفي عقيدة الإمامة النصية

إن المتأمل في التراث التاريخي الشيعي ليجد أن عقيدة الإمامة التي يوالي ويعادي الشيعة اليوم لم تكن مكتملة ولا واضحة المعالم عند الشيعة أنفسهم حتى وفاة الإمام الحسن العسكري وافتراق الشيعة بعد موته إلى فرق كثيرة؛ منها الإمامية الإثنا عشرية والإسماعيلية.

 

فقد كانت فكرة الثورة على الأمويين والعباسيين وأحقية العلويين بالخلافة هي الفكرة المسيطرة على الكل والمنطلق الذي كانت تنطلق كل الفصائل الشيعية آنذاك من خلاله دون تحديد قائمة بأسماء أئمة اثني عشر.

 

ولذلك لم يكن عامة الشيعة يميزون كثيراً بين أئمة أهل البيت، بل كانوا ينخرطون في أي حركة يقون بها إمام أو ثائر، كما في حركة الإمام زيد بن علي وحركة ذي النفس الزكية وغيرهما.

 

وإذا ما دققنا النظر في الفترة التي أعقبت مقتل الحسين رضي الله عنه على وجه الخصوص، فإننا نلاحظ أن علي بن الحسين (زين العابدين) رضي الله عنه – وهو الإمام الرابع عند الإثني عشرية – قد انعزل عن الحياة السياسية الشيعية تاركاً القيادة لمعاصريه من أئمة أهل البيت في قيادة الشيعة والتعاطي مع مشاكلهم وثوراتهم.

 

وانشغل بالعبادة وعُرف عنه الزهد وكثرة الصلاة... حتى يذكر المفيد والأربلي أنه (كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة) وجملة ما يُذكر عن هذا الإمام التقي إنما هي مواعظ وأدعية وبعض الأحكام الشرعية التي يفتي بها العلماء عادة.

 

 

هذا الفراغ الواضح في قضية تصديه للإمامة جعل علماء الشيعة الإثني عشرية يحرصون على سد هذا النقص من خلال ذكرهم لعدة قصص في معجزات هذا الإمام والثناء عليه سعياً وراء إثبات هذه الإمامة، مع أن واقع الشيعة آنذاك كان يشير إلى إجلالهم له واعترافهم بعلمه وفضله، لا بكونه قائداً سياسياً أو إماماً.

 

لهذا فوجئ زيد بن علي رضي الله عنه عند قدومه للكوفة بنظرية (مؤمن الطاق) ومن معه القائلة بإمامة أبيه علي بن الحسين (زين العابدين) فقال لمؤمن الطاق في حوار دار بينهما: (يا أبا جعفر، كنت أجلس مع أبي – علي بن الحسين – على الخوان، فيلقمني البضعة السمينة، ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد شفقة علي، ولم يشفق علي من حر النار؛ إذا أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟!) فأجابه مؤمن الطاق قائلاً: (جعلت فداك! من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك، خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار، وأخبرني أنا.. فإن قبلت نجوت، وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار كما كتم يعقوب الرؤيا عن بنيه)!!

 

تصور الفكرة..! ابن الإمام لا يعرف بإمامة أبيه ولم يسمع منه ولا في عصره عن فكرة تصدي أبيه للإمامة، ثم يأتي (مؤمن الطاق) وأمثاله من أهل الكوفة بمثل هذه الدعوى بعد موت أبيه (زين العابدين).

 

هذا جانب من التاريخ الشيعي لا ينبغي إغفاله، وهناك جوانب أخرى كثيرة كفيلة بنقص نظرية الإمامة النصية.

 

هناك عدة أحاديث شيعية تصرح بإمكانية جهل الشيعة بالإمام، وترسم لهم الموقف في ذلك الظرف، وهو ما لا يمكن تصوره في عقيدة الإمامة النصية التي يفترض فيها أن يؤمن الشيعي بإثني عشر إماماً يعرف أسماءهم وأبناء من هم.

 

روى الكليني في الكافي أن رجلاً سأل أبا عبدالله عليه السلام قائلاً: إذا أصبحت وأمسيت لا أرى إماماً أئتم به ما أصنع؟.. قال: (فأجب من تحب وأبغض من تبغض حتى يظهره الله عز وجل).

 

وروى الصدوق عن الإمام الصادق قوله: (كيف أنتم إذا بقيتم دهراً من عمركم لا تعرفون إمامكم؟.. قيل: فإذا كان ذلك فكيف نصنع؟ قال: تمسكوا بالأول حتى يستبين لكم).

 

وروى الكليني والصدوق والمفيد عن عيسى بن عبدالله العلوي العمري عن أبي عبدالله جعفر بن محمد (ع) قال: قلت له: جعلت فداك! إن كان كون – ولا أراني الله يومك – فبمن أأتم؟ قال: قال: فأومأ إلى موسى، فقلت: فإن مضى موسى فبمن أأتم؟ قال: بولده، قلت: فإن مضى ولده وترك أخاً كبيراً وابنا صغيراً فبمن أأتم؟ قال: بولده، ثم هكذا أبداً، قلت: فإن أنا لم أعرفه ولم أعرف موضعه فما أصنع؟.. قال: تقول (اللهم إني أتولى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي..! فإنَّ ذلك يجزئك)!!

 

وهناك روايات أخرى عن زرارة بن أعين ويعقوب بن شعيب وعبدالأعلى أنهم سألوا الإمام الصادق: إذا حدث للإمام حدث كيف يصنع الناس؟ قال: يكونوا كما قال الله: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍۢ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِى ٱلدِّينِ} [التوبة: 122] إلى قوله  تعالى: {يَحْذَرُونَ}، قلت: فما حالهم؟ قال: هم في عذر، قلت: جعلت فداك! فما حال المنتظرين حتى يرجع المتفقهون؟ قال: رحمك الله، أما علمت أنه كان بين محمد وعيسى خمسون ومائتا سنة، فمات قوم على دين عيسى انتظاراً لدين محمد، فآتاهم الله أجرهم مرتين؟! قلت: نفرنا، فمات بعضنا في الطريق؟ قال: (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله)، قلت: فقدمنا المدينة فوجدنا صاحب هذا الأمر مغلقاً عليه بابه مرخيّاً عليه ستره؟ قال: إن هذا الأمر لا يكون إلا بأمر بيِّن، هو الذي إذا دخلت المدينة، قلت: إلى من أوصى فلان؟ قالوا: إلى فلان.

 

بل إن روايات كثيرة تشير إلى عدم معرفة الأئمة أنفسهم بإمامتهم أو إمامة الإمام اللاحق من بعدهم إلا قرب وفاتهم فضلاً عن الشيعة الإمامية أنفسهم الذين كانوا يقعون في حيرة واختلاف بعد وفاة كل إمام، وكانوا يتوسلون لكل إمام أن يعين اللاحق بعده ويسميه بوضوح لكيلا يموتوا وهم لا يعرفون الإمام الجديد وأنهم كثيراً ما كانوا يقعون في الحيرة.

 

ففي كتاب بصائر الدرجات لأبي جعفر محمد الصفار – وهو من أصحاب الإمام الحسن العسكري – باب بعنوان: (باب في الأئمة أنهم يعلمون إلى من يوصون قبل موتهم مما يٌعلمهم الله).

 

أورد فيه عدة روايات منها ما رواه عبد الرحمت الخزاز عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان لإسماعيل بن إبراهيم صغير يحبه وكان إسماعيل فيه فأبى الله ذلك، فقال: يا إسماعيل هو فلان، فلما قضى الله الموت على إسماعيل، وجاء وصية فقال: يا بني إذا حضر الموت فافعل كما فعلت، فمن أجل ذلك ليس يموت إمام إلا أخبره الله إلى ما يوصي!

 

وفي بصائر الدرجات أيضاً باب بعنوان (باب في الإمام (ع) أنه يعرف من يكون بعده قبل موته)!

 

وكنتيجة طبيعية لهذا الغموض الذس يكتنف عقيدة الإمامة النصية – حتى أن الإمام نفسه لا يعلم من الإمام بعده إلى قبيل وفاته تاه عامة الشيعة بين هذا الإمام وذاك، فضلاً عن كبار رواة وأصحاب الأئمة!

 

فقد توفي زرارة بن أعين – أحد كبار أصحاب الإمامين: الباقر والصادق – دون أن يعرف الإمام من بعد الإمام الصادق!

 

وكان زرارة قد أرسل ابنه عبيد الله من الكوفة إلى المدينة لكي يستطلع له الإمام الجديد، ولكن الموت أدركه، فوضع القرآن على صدره وقال: (اللهم أشهد أني أأتم بمن أثبت إمامته هذا المصحف).

 

ولو كان معلوما عنده وعند غيره من أصحاب الأئمة أن الإمام من بعد جعفر الصادق رضي الله عنه هو موسى الكاظم رضي الله عنه لامن بإمامته دون الحاجة للسؤال ودون أن يعتريه الشك.

 

ويذكر الصفار والكليني والمفيد والكشي ذهاب أبرز أصحاب الأئمة كهشام بن سالم الجواليقي ومحمد بن النعمان الأحوال – بادئ الأمر – إلى إمامة عبدالله الأفطح من بعد أبيه جعفر الصادق وذلك لرواية عن أبي عبدالله أنه قال: (إن الأمر في الكبير ما لم تكن به عاهة)، وإصرار عمار الساباطي (وهو من أصحاب الإمامين الباقر والصادق) على القول بإمامة عبدالله الأفطح حتى النهاية!

 

ويقول هشام بن سالم الجواليقي أنه دخل على عبدالله الأفطح مع مجموعة من الشيعة وأنهم سألوه بعض المسائل الفقهية، فلم يجبهم بصورة صحيحة، مما دفعهم إلى التشكيك بإمامته والخروج من عنده (حيارى ضلالاً... فقعدنا في بعض أزقة الكوفة باكين حيارى لا ندري إلى أين نتوجه ولا من نقصد، ونقول: إلى المرجئة؟!.. إلى الزيدية؟!.. إلى المعتزلة؟!.. إلى الخوارج؟!.. فنحن كذلك إذا رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه يومئ إليَّ بيده.. فقال لي: ادخل رحمك الله! فدخلت، فإذا أبو الحسن موسى، فقال لي ابتداءً منه: لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الزيدية ولا إلى الخوارج!.. إليَّ إليَّ...! قلت: جعلت فداك! مضى أبوك؟ قال: نعم.. قلت: فمن لنا من بعده؟ قال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قلت: جعلت فداك! فأنت هو؟ قال: لا، ما أقول ذلك، فقلت في نفسي: لم أصب طريق المسألة، ثم قلت: جعلت فداك! عليك إمام؟ قال: لا.. فدخلني شيء لا يعلمه إلا الله إعظاماً له وهيبة).

 

وفي هذه الرواية يقول هشام بأن الناس اجتمعوا – في البداية على الأقل – على إمامة عبدالله الأفطح، وأن أقطاب الإمامية لم يكونوا يعرفون بأي نص حول الإمام الكاظم الذي لم يكن على استعداد للإعلان عنها أمام الملأ، وسواء صح تراجع هشام بن سالم وأصحابه عن القول بإمامة عبدالله بن الأفطح في حياته أم لا، فإن الأفطح قد توفي بعد مضي سبعين يوماً يوماً فقط من وفاة أبيه دون أن يخلف ولداً تستمر الإمامة في ذريته، وهذا ما خلق أزمة جديدة في صفوف الإمامية آنذاك، ففرقة تراجعت عن القول بإمامته، وشطب اسمه من لائحة الأئمة، وآمنت بالإمام الجديد (موسى ابن جعفر) وهم الموسوية، وذهب قسم آخر كعبدالله بن بكير وعمار بن موسى الساباطي إلى القول بإمامة أخيه موسى من بعده وعرف هؤلاء بالفطحية، وكانوا من كبار أصحاب الإمام الصادق وبقية الأئمة اللاحقين.

 

ولا تتصور أيها القارئ أن المسألة استقرت بعد تلك الحيرة وذاك التذبذب، بل لم تكد نظرية الإمامة تلتقط أنفاسها بعد أزمة الوصية إلى إسماعيل والبدء فيه، وأزمة عبدالله الأفطح ووفاته دون عقب، ثم أزمة إثبات إمامة الكاظم، حتى وقعت أزمة جديدة هي وفاة الإمام الكاظم في سجن هارون الرشيد في بغداد سنة (183هـ) بصورة غامضة، وقول عامة الشيعة (الموسوية) آنذاك بهروب الإمام من السجن وغيبته!

 

وقد كانت وفاة الكاظم غامضة بالفعل بحيث التبس الأمر على معظم أبنائه وتلامذته وأصحابه، ومنهم بعض أصحاب الإجماع والرواة الثقاب كعلي بن أبي حمزة وعلي بن الخطاب وغالب بن عثمان ومحمد بن إسحاق بن عمار التغلبي الصيرفي وإسحاق بن جرير وموسى بن بكر ووهيب بن حفص الجريري ويحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين ويحيى بن القاسم الحذاء (أبو بصير) وعبدالرحمن بن الحجاج ورفاعة بن موسى ويونس بن يعقول وجميل بن دراج وحماد بن عيسى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وآل مهران وغيرهم من أصحابه الثقاب.

 

وكان السبب الرئيس في (وقف) الشيعة الموسوية على الإمام الكاظم ورفض الاعتراف بإمامة ابنة علي الرضا رضي الله عنه هو وجود روايات كثيرة بمهدوية الكاظم وحتمية قيامة قبل موته، وقد أشار الطوسي في كتابه (الغيبة) إلى بعض منها وناقشها.

 

وتوالت الشكوك والتساؤلات عن كيفية معرفة علي الرضا رضي الله عنه بوفاة أبيه... ومتى عرف.. ومتى علم أنه أصبح إماماً خليفة لأبيه.. وهل كانت هناك فاصلة بين وفاة الكاظم ومعرفة ابنه الرضا وبالتالي توليه للإمامة من بعده؟

 

وقد زاد (الشعة آنذاك) شكا في الإمام الرضا الحديث الذي كان شائعاً عندهم: (إن الإمام لا يغسله إلا إمام) فقالوا: كيف إذن غسل علي الرضا أباه الذي توفي في بغداد وكان هو المدينة؟!!.

 

فالنص على الإمام علي بن موسى الرضا لم يكن غامضاً على عامة الشيعة فحسب، بل على أولاد الإمام الكاظم وزوجته الأثيرة (أم أحمد) كما يذكر التاريخ.

وتقول إحدى الروايات: إن الشيعة في المدينة لما سمعوا بخبر وفاة الإمام الكاظم اجتمعوا على باب (أم أحمد) وبايعوا أحمد بن الإمام الكاظم بالإمامة فأخذ البيعة منهم.

 

وبينما كان (الإمامية) يحاولون إثبات إمامة الرضا بالنصوص والمعاجز، توفي الإمام الرضا في خراسان سنة (203هـ) وكان ابنه (محمد الجواد) يبلغ من العمر سبع سنين، مما سبب في حدوث أزمة جديدة في صفوف الإمامية، وشكل تحدياً كبيراً للنظرية الوليدة؛ حيث لم يكن يُعقل أن ينصب الله تعالى لقيادة المسلمين طفلاً صغيراً محجوراً عليه لا يحق له التصرف بأمواله الخاصة، غير مكلف شرعاً، ولم تتح له الفرصة للتعلم من أبيه الذي تركه في المدينة وله من العمر أربع سنوات.

 

وهو ما أدى إلى انقسام الشيعة الإمامية إلى عدة فرق:

أ- فرقة عادت إلى الوقف على الكاظم، وتراجعت عن إيمانها بإمامة الرضا، ورفضت الاعتراف بإمامة الجواد

 

ب- وفرقة ذهبت إلى أخي الإمام الرضا (أحمد بن موسى) الذي كان يرى رأي الزيدية، وخرج مع أبي السرايا في الكوفة، والذي كان موضع تقدير وحب أخيه الرضا، وكان على درجة من العلم والتقوى والورع كما يصفه المفيد في (الإرشاد).. وزعم هؤلاء أن الرضا أوصى إليه ونص بالإمامة عليه.

 

ج- وذهب قسم آخر من الشيعة للالتفات حول الإمام محمد ابن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي كان يعيش في الكوفة، وكان معروفاً بالعبادة والزهد والورع والعلم والفقه، وفجر ثورة ضد الخليفة المعتصم في الطالقان سنة (218هـ).

 

 

د- وفرقة قالت بإمامة الجواد لكن واجهت مشكلة أخرى؛ إذ تكررت مشكلة صغر عمر الإمام الجواد مرة أخرى مع ابنه علي الهادي، حيث توفي الجواد في مقتبل عمره ولما يكمل الخامسة والعشرين، وكان ولداه الوحيدان علي وموسى صغيرين لم يتجاوز أكبرهما السابعة، ولأن الهادي كان صغيراً عند وفاة الجواد، فقد أوصى أبوه بالأموال والضياع والنفقات والرقيق إلى (عبدالله بن المسوار) وأمره بتحويلها إلى الهادي عند البلوغ!! وشهد على ذلك أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر.

 

وهذا ما دفع الشيعة آنذاك إلى التساؤل: إذا كان الهادي بنظر أبيه غير قادر على إدارة الأموال والضياع والنفقات لصغره، فمن هو الإمام في تلك الفترة؟!.. وكيف يقوم بالإمامة طفل صغير؟! وهو سؤال طرحه البعض عند الإمام الرضا من قبل، وذلك عندما كان الجواد طفلاً صغيراً، وقد زاد الغموض والحيرة بالأخوين: علي وموسى.. أيهما الإمام؟!

 

يقص الشيعة في أمر الإمام بعد الجواد، وعدم معرفة كبار الشيعة بهوية الإمام الجديد، واجتماعهم عند محمد بن الفرج للتفاوض في أمرها، ثم مجيء شخص وإخباره لهم بوصية الإمام الجواد له سراً بإمامة ابنه علي الهادي.

 

وقد أدت هذه الحيرة وذلك الغموض في أمر الإمامة إلى انقسام الشيعة (الإمامية) أتباع الجواد إلى قسمين:

- قسم يقول بإمامة الهادي.

- وآخر يقول بإمامة أخيه موسى المبرقع.

 

لكن الإمام الهادي فاجأ الجميع بترشيح ابنه محمد كخلف له، ثم توفي هذا الابن في حياة الإمام الهادي، فأوصى إلى ابنه الآخر (الحسن العسكري) وقال له: (يا بني أحدث لله شكراً، فقد أحدث فيك أمراً)!!

 

 

ولقد روى الكليني والمفيد والطوسي عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: كنت عند أبي الحسن العسكري وقت وفاة ابنه أبي جعفر، وقد كان أشار إليه ودل عليه، وإني لأفكر في نفسي وأقول: هذه قصة أبي إبراهيم وقصة إسماعيل، فأقبل إليَّ أبو الحسن وقال: نعم يا أبا هاشم! بدا لله في أبي جعفر، وصير مكانه أبا محمد، كما بدا له في إسماعيل بعدما دل عليه أبو عبدالله ونصبه، وهو كما حدثتك نفسك وأنكره المبطلون... أبو محمد ابني الخلف من بعدي عنده ما تحتاجون إليه، ومعه آلة الإمامة والحمد لله.

 

ومثلما حدث مع (الإسماعيلية) الذين أنكروا وفاة إسماعيل بن جعفر لنص جعفر الصادق رضي الله عنه عليه، رفض قسم من شيعة الإمام الهادي الاعتراف بوفاة ابنه محمد، وأصروا على القول باستمرار حياته وغيبته، وأدعوا بأن إعلان الهادي لوفاة ابنه كان نوعاً من التقية والتغطية على الحقيقة!!

 

لكن وفاة الحسن العسكري رضي الله عنه في سامراء سنة (260هـ) دون خلف له، فجر أزمة عنيفة في صفوف الشيعة الإمامية التي كانت تعتقد بضرورة استمرار الإمامة الإلهية من بعده، فتفرقوا إلى اربع عشرة فرقة كما يقول القمي في (المقالات والفرق)، والنوبختي في (فرق الشيعة)، وابن أبي زينب النعماني في (الغيبة)، والصدوق في (إكمال الدين)، والمفيد في (الإرشاد)، والطوسي في (الغيبة)، وغيرهم من علماء الشيعة.

 

  • السبت PM 12:16
    2022-03-12
  • 1080
Powered by: GateGold