المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413690
يتصفح الموقع حاليا : 257

البحث

البحث

عرض المادة

أن العقوبات الشرعية تهمل شخصية المجرم وتأثير البيئة فيه

( أن العقوبات الشرعية تهمل شخصية المجرم وتأثير البيئة فيه : فهي لا تتفق مع النظرية الحديثة في تحليل نفسية المجرم ، وأنه مريض النفس ، منحرف المزاج ، متأثر بما حوله ، بل هو ضحية من ضحايا المجتمع ، والذي يعدّ مشتركاً معه لسبب أو لآخر فيما أقدم عليه ، فكان من العدالة أن يتقاسم
معه المسؤولية ، وأن يعمل على علاجه لا عقابه)[11] .
- دحض هذه الشبهة :
(وهذه أيضاً شبهة داحضة من ثلاثة وجوه :
الوجه الأول : أن الظروف المحيطة بالفرد ذات أثر بعيد في تكوينه ، والعقد النفسية والأمراض العصبية تدفع أحياناً إلى الجريمة . ولكن الإنسان مع ذلك ليس كائناً سلبياً بحتاً بإزاء هذه الظروف .
إن عيب المحللين النفسيين ؛ أنهم - بطبيعة علمهم - ينظرون إلى الطاقة المحركة في الإنسان ، وإلى الغرائز الكامنة في ذاته ، والتي تدفعه إلى إشباعها والاستجابة لها ، ولكنهم لا ينظرون إلى الطاقة الضابطة له ، وإلى قدراته العقلية التي كان من المفترض أن تعقله عن الإقدام على ارتكاب الجريمة ، والاستجابة
المطلقة لهذه الغرائز الدافعة .
إنهم كما قال محمد قطب ينظرون إلى الطاقة المحركة ، إلى ( الدينامو ) ، ولا ينظرون إلى الطاقة الضابطة، إلى ( الفرامل ) ، مع أنها جزء أصيل من كيان النفس البشرية غير مفروض عليها من الخارج .
إن الطاقة التي تجعل الطفل يضبط إفرازاته فلا يتبول في فراشه بعد سنٍّ معينة حتى لو لم يدر به أحد ؛ لهي ذاتها ، أو شبيهة بها ، الطاقة التي تضبط انفعالاته وتصرفاته ، فلا ينساق دائماً وراء الشهوة الجامحة ، أو وراء النزوة الطارئة.
ولأجل هذا أسقط الإسلام الحدود والقصاص عن الصبيان والمجانين ، فلا تقام إلا على من كان بالغاً عاقلاً.
فما دام المجرم بالغاً عاقلاً مختاراً ؛ فإن أحواله النفسية وبيئته وثقافته لا تصلح مسوِّغاً لارتكاب الجرائم ، والاعتداء على الآخرين .
كما أن هذه الأمور عائمة لا تقوم على أساس متين ولا يضبطها ضابط معين ، ولا حدود تنتهي إليها ؛ مما يؤدي إلى إفلات المجرمين من العقاب الرادع ، ومن ثم كثرة الجرائم ، وانتشار الفوضى ، وزعزعة الأمن والاستقرار.
الوجه الثاني : أن الشريعة الإسلامية إذْ ترسم أحكامها لمعاقبة الجانحين والمجرمين ؛ لا تنطلق في ذلك من حصر المسؤولية فيهم ، وتحميلهم وحدهم عاقبة ما أقدموا عليه ، بل هي تجعل المجتمع مسؤولاً في بعض الحالات عن هذه الجرائم التي ارتكبوها ، وقاعدة درء الحدود بالشبهات أبلغ تجسيد لهذه الحقيقة ، وأوضح برهان عليها.
الوجه الثالث : أن رغبة المعترضين في جعل العقاب كالعلاج للمريض ؛متحققة في العقوبات الشرعية التي هي مبنية على أساس الرحمة بالمجرم والمجتمع .
ولكن هؤلاء فاتهم أن العلاج لا يُشترط فيه أن يكون لذيذاً تشتهيه النفس ، فقد يكون كريهاً مرّاً ، وقد يتضمن إسالة الدماء وقطع الأعضاء ، وهو في جميع هذه الصور يبقى علاجاً موصوفاً بالرحمة في حق المريض ، خالياً من الانتقام منه .
كما فات هؤلاء أن العقوبات شُرعت لوقاية المجتمع وتطهيره من جراثيم الأمراض ، والأعضاء الفاسدة التي سرت فيها الأمراض المزمنة والمعدية ، وغفلوا أو نسوا أن التغاضي عن هذه الأعضاء الفاسدة ، والتسامح معها ، رغبة في صلاحها وصحتها ، سينتج عنه تفاقم المرض واستفحاله ، وانتشاره في سائر الجسم ، فلم يستصح العضو ولم يسلم الجسم .
وهذا هو الشأن في العقوبات ، فقد شُرعت لتكون علاجاً لمن لا يجدي معهم علاج الوعظ والتذكير والإنذار)[12].

  • السبت AM 06:08
    2015-07-04
  • 2749
Powered by: GateGold