المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412334
يتصفح الموقع حاليا : 285

البحث

البحث

عرض المادة

الموقف الصحيح (الحق) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

إن الموقف الصحيح فيما حدث بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو موقف الاعتدال والوسط، بعيداً عن الإفراط والتفريط، والغلو والجفاء، كما قال تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) [البقرة:143].

فواجب علينا أن نتولى جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وكذلك الذين اتبعوهم بإحسان، ونعرف فضلهم ومناقبهم ودرجاتهم كما ذكر الله عز وجل في كتابه، وما جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نمسك عما شجر بينهم في تلك الأزمنة.

وأن نعلم أن ما وقع بينهم بعد مقتل خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه من فتنة فمرجعه إلى تأويل واجتهاد، إذ كان كل واحد منهم يظن أنه على الحق دون غيره، مثلما كان يقول الإمام علي عليه السلام لأهل حربه: (إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنّا على الحق ورأوا أنهم على الحق)([1]).

وعلينا أن نقتدي ونهتدي بهدي الأئمة الأطهار عليهم السلام فلا نلعن ولا نسب أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لنكون ممن قال الله تعالى فيهم: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10].

قال الشيخ محمد باقر الناصري:

((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ)) يعني من بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة ((يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا)) أي يدعون ويستغفرون لأنفسهم ولمن سبقهم بالإيمان ((وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ)) أي حقداً وغشاً وعداوة للمؤمنين، ولا إشكال أن من أبغض مؤمنا، وأراد به السوء لأجل إيمانه فهو كافر، وإذا كان لغير ذلك فهو فاسق([2]).

وقال الشيخ محمد السبزواري النجفي:

((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ)) يعني من بعد هؤلاء وهؤلاء، وهم سائر التابعين لهم إلى يوم القيامة ((يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ)) أي أنهم يدعون لأنفسهم ولمن سبقهم من المؤمنين بالمغفرة والتجاوز عن الذنوب ((وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا)) أي لا تجعل فيها حقدا ولا كرها ولا غشا، واجعل قلوبنا معصومة عند ذلك لا تحب لهم إلا الخير ((رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) أي متجاوز عن خطاياهم متعطف عليهم بالرزق والمغفرة([3]).

ولله در الإمام العابد الزاهد زين العابدين عليه السلام حين سنّ لنا منهجاً مباركاً يسير عليه أحبابه وشيعته، وذلك لما قدم إليه نفر من أهل العراق، فخاضوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم، قال لهم: (ألا تخبروني، أنتم من الذين قال الله فيهم ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)) [الحشر:8]؟ قالوا: لا.

قال: فأنتم من الذين قال الله فيهم: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) [الحشر:9]؟ قالوا: لا.

قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10]، اخرُجُوا عني، فعل الله بكم)([4]).

ولنتذكر قول المولى سبحانه: ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [البقرة:134].

قال محمد جواد مغنية:

هذه الآية تشير إلى مبدأ عام، وهو أن نتائج الأعمال وآثارها تعود غداً على العامل وحده، لا ينتفع بها من ينتسب إليه إن تكن خيراً، كما لا يتضرر بها غيره إن تكن شراً، وقرر الإسلام هذا المبدأ بأساليب شتى، منها الآية (164) من سورة الأنعام: ((وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى))، ومنها الآية (39) من سورة النجم: ((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى))... ومنها قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم لوحيدته فاطمة ([5]): (يا فاطمة، اعملي ولا تقولي: إني ابنة محمد؛ فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً) وأمثال ذلك , والتبسط في هذا الموضوع إن دل على شيء فإنما يدل على أننا حتى اليوم نجهل أوضح الواضحات, وأظهر البديهيات([6]).

وإذا أردت أن ترى المنهج الواقعي في حياة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في إظهار محبة الصحابة والترابط الذي كان بينهم فاقرأ ما يأتي.

 

 

([1]) قرب الإسناد: (ص:45)، بحار الأنوار: (32/324).

([2]) تفسير مختصر مجمع البيان، وانظر: تفسير الكاشف، المنير (سورة الحشر:10).

([3]) تفسير الجديد (سورة الحشر:10).

([4]) كشف الغمة: (2/78).

([5]) الصحيح أنها ليست وحيدته بل من بناته أم كلثوم، ورقية، وزينب وإن كانت الزهراء ‘ أفضلهن. انظر: (ص:22) من هذا الكتاب.

([6]) تفسير الكاشف: (سورة البقرة آية:134).

  • الاثنين PM 11:06
    2022-04-11
  • 751
Powered by: GateGold