المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413648
يتصفح الموقع حاليا : 249

البحث

البحث

عرض المادة

لماذا كان الإسلام خاتم الأديان؟

الإسلام هو العلاقة الوحيدة بين الناس وربهم منذ بدأت الخليقة، وتكونت للبشر مجتمعات، ونستطيع القول إن القرآن حوى جملة التعاليم التي بلغها الأنبياء الكبار – أعنى أولى العزم وحملة الرسالات المهمة – فلو كان موسى أو عيسى موجودين لاكنفيا بما قال القرآن في ترسيخ العقائد وتأديب الأمم.

 

أما الشرائع الجزئية فإن التفاوت فيها ليست له قيمة كبيرة.

 

والإسلام الذي بلغه محمد وأخذ الناس به هو الصورة الأخيرة للوحي الأعلى، وهو كذلك الصورة العامية التي تستغرق الأجناس كلها وتتناول الأجيال التي تسكن الأرض حتى قيام الساعة.. النبوات السابقة كانت كلها محلية مؤقتة أي محدودة الزمان والمكان، أما النبوة العامة الخالدة – فهي نبوة محمد وحده لا يشركه في ذلك نبي من السابقين.

 

وعلة ذلك أن الإسلام بعد ما زود الإنسان بالوصايا الأخيرة للوحي الإلهي وكل إلى عقله أن يتحرك ويشق طريقه، ويستعل قدرته على الفهم والحكم وتعرف الصواب والمصلحة.. فانتهاء عصر الوحي هو ابتداء عصر العقل، وقد شرحنا ذلك بتفصيل في كتابنا "فقه السيرة".

 

إن نبي القرآن عليه الصلاة والسلام أرسى دعائم العقيدة والعبادة والخلق، وساق نصوصاً حاسمة تضبط سيرة المرء وتقاليد الجماعة، وهذه أسس وتوجيهات لا تختلف باختلاف العصور، ولا يمكن اختراق أسوارها.

 

أما ما وراء ذلك من شئون – وما أكثره – فموكول إلى العقل الإنساني يمحو فيه ويثبت.. في ميدان العلوم والأنشطة الأرضية وشئون الحياة المدنية والأطوار الحضارية يقدر العقل على الحركة دون قيد يضعه الدين. وفي كل المجالان التي تتحدد فيها المبادئ وتتحرر الوسائل، يستطيع العقل أن يتصرف دون عائق.

 

فالشورى مثلاً مبدأ ديني لمنع الاستبداد السياسي، ومنع عبادة الفرد، وتمكين الأمة من فرض رقابتها على ما يعنيها.

 

والعقل له أن يضع من الدساتير ما يحقق هذه الغاية.

 

والعدل مبدأ ديني لمنع الافتيات والتظالم، وللعقل أن يشرع من القوانين وينشيء من المحاكم ما يحقق هذه الغاية إدارياً واجتماعياً واقتصادياً.

 

والجهاد مبدأ ديني لحماية الإيمان وكبح الفتنة، ووسائل الجهاد في البر والبحر والجو لا حصر لها، والإبداع العقلي في هذه الميادين لا حدود له.. بل أن شرائع العقوبات المروية تركت أغلب الجرائم للاجتهاد العقلي، مثل الغش والغصب والتزوير والربا والخيانة والاختلاس وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف... إلخ

 

وقد تنشأ أحوال يتعين على العقل أن يعالجها ويرقب آثارها، لأنها لم تعهد من قبل في عهود الأنبياء، لا أقول مثل غزو الفضاء وحرب الأقمار الصناعية، بل في النشاط الإنساني العادي على ظهر الأرض، فقد جدت قضايا خطيرة جعلت الحكومات تفرض سلطانها على نحو لم يعرف في تاريخ الحياة البشرية من قبل، وما يتم هذا العلاج إلا بالغقل اليقظ، مع استصحاب هذا العقل لوحي الإيمان وتقوى الله.

 

إن الله لا يعجره أن يرسل نبياً آخر، لكن هذا الإرسال سيكون عبثاً إذا كان عمل النبي المرتقب قطرة من البحر الذي سبقه أو ترسما لخطاه أو تكراراً لما قاله..  ومن ثم اكتفت الأقدار بكتاب محمد وحكمته في قيادة الإنسانية إلى آخر الدهر.

 

ولو أن ورثة الإسلام من أمراء وعلماء أدوا واجبهم بأمانة ما كان هناك داع لهذا السؤال:

 

لماذا كان الإسلام خاتم الأديان؟

فإن هذا التساؤل تولد من الفراغ والقصور الملحوظين على الحياة الإسلامية العامة، وبخاصة في العصور الأخيرة.

من المقطوع به أن الأمة الإسلامية فقدت القدرة على قيادة نفسها بسبب فسادها الثقافي والسياسي فكيف تقود العالم؟ أو كيف تقدم نموذجاً لصلاحية الإسلام الأبدية لقيادة العالم؟

 

إن أصحاب العقول يرفضون أن يشد العالم إلى وراء وأن توضع قيود على حراكه الفكري والحضاري ولو كان الإسلام مسلكاً رجعياً، أو توفقاً حضارياً لرفضناه ديناً يرقى بأتباعه بل دين يرقى بالعالمين.

 

لكن فقهاء الإسلام الحقيقيين قالوا: حيث تكون العدالة والرحمة فتم شرع الله! حيث تكون الفضيلة والحرية والمصلحة فثم شرع الله!

 

وماذا ينشد الناس إلى آخر الدهر غير هاتيك الغايات؟

إن اختلاف الليل والنهار لن يقلب حقائق الأشياء.. فإذا كانت الوحدانية صفة الله فإن هذه الصفة لن تتغير ولن تزول مهما اطردت مواكب الزمان.

 

وإذا كانت تبعية الإنسان لربه حقاً لا معدى عنه، فإن تقدم الحضارة لن يعني أبداً أن الإنسان استغنى عن الله والصلاة له والضراعة إليه.

 

وقل مثل ذلك في ميدان الأخلاق، والعلاقات الإنسانية كلها.

ويوم ظن أهل الكتاب أن الدين عنوان ومراسم وأوهام مقدسة قيل لهم: كلا، الدين ارتباط بالله، وإحسان للعمل، ولن يضام أحد أخلص لله قلبه، وأصلح له عمله، واستقام على الطريق.. ! وقالوا: {وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَٰرَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُۥٓ أَجْرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 111-112].

 

لماذا لا تكون هذه الحقائق ختام الدين كله؟ رب العالمين يقول للناس في القارات المعمورة من أرضه، اتجهوا إليَّ مخلصين، وأحسنوا كل عمل تكلفون به، تظفروا بالأمن وتنجوا من الحزن وتكسبوا الدنيا والآخرة.

 

ماذا بعد هذا الكلام؟ وماذا يقوله نبي آخر بعد محمد عليه الصلاة والسلام؟

 

على أن هناك شرائع تفصيلية ترتبط بهذا الأصل ارتباط الشجرة بجذعها، ولا يقبل الإهمال لهذه الشرائع الفرعية!

 

غير أننا نلفت النظر إلى أمرين مهمين: الأول أن تفكير المسلمين لأن أمام بدع وخرافات أدخلت على دين الله وهو منها بريء، وبرزت هذه الأهواء الدخيلة في أعمال المسلمين أكثر مما برزت معالم الدين الحق، ومن مصلحة الإسلام لكي يبقى أن ينقى من هذا الغش..!

 

الثاني أن الترتيب المفروض بين شعب الإيمان سرت فيه الفوضى، فتحولت أركان إلى نوافل، ونوافل إلى أركان.

 

وامتدت خيمة الغيبيات لتشمل أموراً عقلية لها منطقها الحر، وتبعت أحكام الحلال والحرام تقاليد بعض الأجناس التي اعتنقت الإسلام.

 

والمعروف أن الحكم الشرعي هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين، فلا حكم حيث لا خطاب.

 

إن الإسلام كان ولا يزال الدي الذي ارتضاه الله لعباده إلى اللقاء الأخير، ومصلحة الإنسانية في استمساكها بهذه العروة الوثقى.

 

  • الاربعاء PM 05:47
    2022-03-23
  • 929
Powered by: GateGold