المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 474432
يتصفح الموقع حاليا : 357

البحث

البحث

عرض المادة

جهود علماء الأزهر الشريف في الرد على سب الشيعة الإمامية الاثني عشرية للصحابة 

علماء الأزهر يستنكرون تأصيل قضية سبّ الصحابة :

بادئ ذي بدء يؤكد علماء الأزهر :[1] على أن إساءة الشيعة الاثني عشرية للصحابة y، بل وتكفيرهم ولعنهم، ليس موقفًا عابرًا، أو رأيًا عند أحاد علمائهم ينكره عليهم إجماع علمائهم الآخرين، كلا... وإنما هذا الموقف العدائي للصحابة إنما هو أصل من أصول دينهم ومن قواعد مذهبهم بل هو من أهم أصولهم وقواعدهم.

يستنكر فضيلة الشيخ إسماعيل صادق العدوى : هذا السبّ العلني للصحابة الأجلاء بلاحياء، حيث كل مسلم سب مسلمًا فهو عاص، وحرم الله سبّ الكافر، حتى لا يسب الإسلام ﴿ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﴾ (سبابُ المسلم فسوق، وقتاله كفر)[2].

فسبّ المسلم من المعاصي، أما سب مسلم ذي شأن عند الله : فهذا تكذيب لما جاء به القرآن، وتكذيب لله إذ الله يمتدح واحدًا وأنت تسبّه، فمن نصدق، هل نصدق الله عز وجل أم نصدق الشيعي؟

والله تعالى يقول : ﴿ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [النساء : 122]، من نصدق؟

إنهم يسبون علنا بلا حياء!!، يسبون الصحابة الأجلاء!! فيسبون سيدنا أبا بكر سبّا فاضحًا، ويسبون سيدنا عمر t، ويسبّون السيدة عائشة سبّا مُجرحًا.[3]

بل ويكشف فضيلة الدكتور عبد المنعم النمر : من خلال تعليقه على كتاب (كشف الأسرار لإمامهم آية الله الخميني، أنهم لم يكتفوا على الصحابة بالسب والشتم فحسب، بل إنهم يدعون عليهم باللعنة، وبالأخص الشيخين (أبي بكر، عمر)، ومن ساندهما بدعاء يسمونه (دعاء صنمي قريش).

وأعتقد أن رأى خميني الآن فينا نحن : الذين نجّل الخلفاء الراشدين والصحابة جميعًا - رأيه ظاهر واضح فينا... كفار نستحق اللعنة!!

ولذلك لم يكن عجبًا أن يعلن في مستهل عهده شعار :(تصدير الثورة للبلاد العربية)، طبعًا ثورته لا في الحكم فحسب، ولكن على أساس مذهبه، ليحوّلنا من الكفر إلى إسلامه هو، ومذهبه هو!! ونشترك جميعًا في دعاء لعن صنمي قريش (أبي بكر، عمر) رضوان الله عليهما ليحصل لنا الثواب من الله[4].

ويشارك الدكتور مصطفي الشكعة : في الحملة ضد الخميني ذي العداء الطافح، والقلب الأسود، واللسان السليط على صحابة رسول اللهﷺوبالأخص الذين نصّبوا لخلافة المسلمين بخلاف عليّ t.

إن آية الله الخميني- كبير مراجع الشيعة وعلمائها-ليس بعيداً عن هذا الاتجاه المؤسف، ففي مجال حديثه عن الإمامة يقول : «والنبي لم يقل شيئاً بشأن مسألة ذات صلة ببقاء أسس الدعوة والنبوة، وثبات دعائم التوحيد والعدالة، وترك الدين والمبادئ الإلهية لعبة في أيدي حفنة من القراصنة الوقحين، فإنه سيكون هدفاً لاعتراض علماء العالم وانتقادهم، وسوف لا يعترف بنبوته وعدله »[5].

إن آية الله الخميني يصف صحابة رسول الله بأنهم قراصنة وقحون، بل إنه بهذه الصيغة من التعبير يتجاوز صحابة رسول الله إلى نفسه بالإساءة والتخلي عن أدب الخطاب.

ويمضي آية الله الخميني في إطار أسلوب يتسم بالعنف الشديد فيقول : «إننا لا نعبد إلهاً يقيم بناءً شامخاً للعبادة والعدالة والتدين، ثم يقوم بهدمه بنفسه، ويجلس معاوية وعثمان وسواهم من العتاة في مواقع الإمارة على الناس، ولا يقوم بتقرير مصير الأمة بعد وفاة نبيه»[6].

إن هذا العنف في مخاطبة رب العزة، وفي وصف معاوية وذي النورين عثمان صهر الرسول بكونهما من العتاة غني عن التعليق.

وفي زحام حملة آية الله الخميني على الراشدَين الأوَّلَين أبي بكر وعمر يقـول : «إننا هنا لا شأن لنا بالشيخين وما قاما به من مخالفات للقرآن، ومن تلاعب بأحكام الإله، وما حللاه وحرماه من عندهما، وما مارساه من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي ﷺ وضد أولاده، ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين »[7].

مع أن احترام الصحابة وتعظيمهم كان دأب المسلمين الأوائل.

يقول ابن حجر : « وقد كان تعظيم الصحابة ولو كان اجتماعهم به ﷺ قليلاًـ مقررًا عند الخلفاء الراشدين وغيرهم، فمن ذلك ما قرأت في كتاب أخبار الخوارج لابن قدامه المروزي بإسناده إلى نبيح العنزي، قال : كنت عند أبي سعيد الخدري وهو متكئ فذكرنا عليًا ومعاوية، فتناول رجل معاوية، فاستوى أبو سعيد الخدري جالسًا، ثم قال : كنا ننزل رفاقا مع رسول الله ﷺ، فكنا في رفقة فيها أبو بكر فنزلنا على أهل أبيات، وفيهم امرأة حبلى، ومعنا رجل من أهل البادية، فقال للمرأة الحبلى : أيسرك أن تلدي غلامًا؟ قالت : نعم، فقال إن أعطيتني شاة ولدت غلامًا، فأعطته، فسجع[8]لها أسجاعًا، ثم عمد إلى الشاة فذبحها، وطبخها، وجلسنا نأكل منها ومعنا أبو بكر، فلما علم بالقصة قام فتقيء كل شيء أكل، قال : ثم رأيت ذلك البدوي قد أتى عمر بن الخطاب، وقد هجا الأنصار، فقال لهم عمر :لولا أن له صحبة رسول الله ﷺ ما أدري ما نال فيها لكفيتموه، ولكن له صحبة من رسول الله ﷺ ».

قال ابن حجر : ورجال هذا الحديث ثقات، وقد توقف عمر t عن معاتبته فضلاً عن معاقبته، لكونه علم أنه لقي النبي ﷺ، وفي ذلك أبين شاهد على أنهم كانوا يعتقدون أن شأن الصحبة لا يعدله شيء، كما ثبت عن أبي سعيد الخدري من قوله ﷺ : « والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه »[9].

ثانياً : ردود علماء الأزهر على عقيدة الشيعة في تكفير الصحابة :

الشيعة الاثنا عشرية عز عليهم ما للصحابة من فضل وخيرة وطهر ورفعة شأن، حيث أنهم قوم اختصهم الله تبارك وتعالى لصحبة أفضل رسله محمد ﷺ فصدقوه، وآزروه، واتبعوا النور الذي جاء به، فتلقوه من مشكاة النبوة، وأخلصوا دينهم لله، وبذلوا في سبيله المهج والأرواح، الغالي والنفيس، الأموال والأولاد، فشادوا بنيانه، وأكملوا صرحه، فكانوا بذلك أهلاً لرضوان الله ومحبته ورحمته، وكانوا خير أمة أخرجت للناس.إلا أن الشيعة أبوا إلا أن يلحقوا بهم أخس الأوصاف، فزعموا أن هؤلاء الكرام البررة yقد ارتدوا جميعًا على أدبارهم القهقري إلا نفرًا يسيرًا فيهم.

علماء الأزهر يكشفون ويردّون على الأسباب التي دفعت الشيعة إلى هذا الإفتراء :

السبب الأول

يكشف فضيلة الشيخ محمد عرفة[10] عن السبب الذي دعاهم إلى تكفير الصحابة، وهو : « أنهم يجعلون الإيمان بإمامة عليّ ومن بعده من أبنائه جزءًا من الإيمان، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فمن لم يؤمن بالأئمة من أهل البيت لم يكن مؤمنًا، ولذلك كفّروا الصحابة الذين قالوا بإمامة أبي بكر وعمر وعثمان، وكفروا هؤلاء الخلفاء؛ لأنهم أخذوا ما ليس لهم من الإمامة، ولذلك أيضًا كفروا المسلمين الحاضرين والماضين الذين لا يقولون بالإمامة التي جعلوها جزءًا من الإيمــان، وجعلــوا حكامهم أهل جَوْر؛ لأنهـــم لــم يستــمــدوا حكــمهم مــن الأئمـــة المعصومين ذوي الحق، وجعلوا الرعية كــفــارًا؛ لأنــهــم اتبعوا أئـمـة الجـور ولم يؤمـنوا بإمامـة الأئمـة مــن أهل البيت[11].

وفي نفس الإطار يدور فضيلة الدكتور عبد المنعم النمر حيث قال :

«... نجد في كتبهم التي ألفها كبار حكمائهم بالطبع إصرارهم على لعن الخليفتين أبي بكر وعمر، وصفهما بأحط الأوصاف التي يأنف من الاتصاف بها مسلم عادي، أو أي إنسان عادي بدعوى أنهم انتزعوا الحكيم من علي... حتى الكبار والقادة منهم يتحدثون - حتى الآن - ويكتبون أن أبا بكر وعمر وعثمان كفار، وأنهم خالفوا القرآن والسنة عمدًا، وذلك بتوليهم الحكم وإبعاد على عنه، وهو الأولى به والمتعين له؟ »[12].

وأيضاً يقول الدكتور محمد عمارة :

« فالعداء للصحابة وفي المقدمة منهم الخلفاء الراشدون ـ، وما طفحت به مصادر الشيعة من أحكام غريبة على الصحابة بالكفر والردة والنفاق، إنما كان انعكاساً لنشوء نظرية الإمامة الإلهية، لتبرير رفض الشورى والاختيار، وتثبيت القول بالنص والوصية والتعيين والخروج من مأزق بيعة عليّ لأبي بكر وعمر وعثمان، وموالاته لهم ونصرته للخلافة في عهدهم.

فنظرية الإمامة الإلهيةـ التي طرأت بعد قرنين من تاريخ الإسلام هي التي استدعت هذا الموقف الغريب الشاذ والغريب من الصحابة والخلافة الراشدة، في القرن الثالث أو الرابع، بعد غياب أو فقدان أئمة آل البيت، ووصول النظرية السياسية الإمامية إلى طريق مسدود.

لقد كانت نظرية الإمامة الإلهية هي السبب الذي أفرز هذا الموقف الشنيع من الصحابة »[13].

وهذه عقيدة لا تقبل المساومة أو بعض التنازلات من الاثني عشرية، فهي كما يقول الدكتور عمر الفرماوي : « لا ينفك عنها شيعي واحد من الاثني عشرية، وإن تظاهر أحدهم بإنكار ذلك فليُعلم أنه يقولها (تقية) لأنها عقيدة لا تقبل المساومة عندهم، إذ لو صحح الشيعي إمامة الشيخين لوجب عليه أن يعترف ببطلان الولاية والإمامة لأمير المؤمنين سيدنا عليّt وبنيه، وهذا كفر بإجماع الاثني عشرية لأن الولاية من أركان الإسلام »[14].

فإذا كان سبب تكفير الشيعة للصحابة y هو إنكارهم للإمامة فقد تقدم الحديث عنها وتبين أن لا نص ولا ولاية، فبطل ما ترتب عليه.

السبب الثاني

أن أهل السُّنَّة رووا في صحاحهم، عن ابن عباس أنه قال : قال رسول الله ﷺ : «... ألا إنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم بذات الشمال، فأقول أصحابي، فيقال : إنك ما تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح : ﴿ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [المائدة : 117]، فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم »[15].

يقول محمد التيجاني السماوي(المتشيع التونسي) معلقًا على الحديث السابق : المتمعن في هذا الحديث السابق الذي أخرجه علماء أهل السُّنَّة في صحاحهم ومسانيدهم لا يتطرق إليه الشك في أن أكثر الصحابة قد بدّلوا وغيروا، بل ارتدوا على أدبارهم بعده ﷺإلا القليل، ولا يمكن بأي حال من الأحوال حمل هذا الحديث وغيره على أنهم المنافقون.

لأن النص يقول : أصحابي، ولأن المنافقين لم يبدلوا بعد النبي ﷺ، وإلا لأصبح المنافق بعد وفاة النبي ﷺ مؤمنًا[16].

هنا يستند الشيعة على كفر الصحابة لحديث رواه أهل السُّنَّة أنفسهم من باب وشهد شاهد من أهلها.

وهنا يفكك الدكتور محمد عمارة هذا الالتباس من رأس التيجاني وغيره من الشيعة الذين تمتلأ صدورهم حقداً على صحابة رسول الله ﷺ، أو بمعنى أصح يعطيهم درساً في المصطلحات الأصولية وما يقصد منها؛ لضلالهم في هذا الباب بأن « الذين صحبوا رسول الله ﷺ من المنافقين، فإن صحبتهم هذه صحبة بالمعنى اللغوي، وليست بالمعنى الاصطلاحي، لقد صحبوا رسول الله ﷺ، لكنهم لم يكونوا معه، أي لم يكونوامع الذين تحدث عنهم القرآن فقال : ﴿ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ﴾ [الفتح : 28]، أي لا يستوي أهل الصحبة المادية، الذين كانوا على الرسول بأهل الصحبة الشاملة، الذين كانوا معهﷺوعندما ألف علماء أهل السُّنَّة والجماعة في تراجم الصحابة، لم يوردوا أسماء المنافقين الذين صحبوا رسول اللهﷺ بالمعنى اللغوي للصحبة[17].

والدكتور الفرماوي : وهو عالم من علماء الأزهر متخصص في الحديث وعلومه، ينحى نفس هذا المنحى، ويبطل حجة الشيعة من الحديث، حيث يقول : إنا لا نسلم أن المراد بالأصحاب ما هو المعلوم في عرفنا، بل المراد بهم مطلق المؤمنين به ﷺالمتبعين له، وهذا كما يقال لمقلدي أبي حنيفة :(أصحاب أبي حنيفة)، ولمقلدي الشافعي :(أصحاب الشافعي) وهكذا، وإن لم يكن هناك دراية واجتماع، وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له في المذهب : (أصحابنا) مع أن بينه وبينهم عدة من السنين.

ومـعـرفتـه ﷺ لهـم مع عـدم رؤيـتـهم فـي الـدنيـا : بسـبـب أمـارات تـلـوح عليـهم يعـرفـها النبي ﷺ [18].

ولو سلمنا أن المراد بهم ما هو المعلوم في العرف، فهم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق t، وقوله ﷺ : « أصحابي أصحابي»، يظن أنهم لم يرتدوا كما يؤذن به ما قيل في جوابه من « إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ».

ثم : ألم يقل النبي ﷺعندما همّ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول بقتل أبيه « لا »، حتى لا يقال أن محمدًا يقتل أصحابه، فقد عبّر النبي ﷺبهذا اللفظ : « أصحابه»، مما يؤكد ما ذهبنا إليه[19].

السبب الثالث

يقول القمي عند تفسيره لقول الله تعالى : ﴿ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [التوبة : 12] نزلت في أصحاب الجمل، يقصد طلحة والزبير وعائشة، وقال أمير المؤمنين يوم الجمل، والله ما قاتلت هذه الطائفة إلا بآية من كتاب الله : ﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﴾[20].

يرى القمي في تفسيره : الذي في جملته على هذا النمط، كره لا تحده حدود من غير ضابط ولا معيار، فهو ينظر إلى كتاب الله تعالى على أنه نازل أساسًا للطعن واللعن على خاصة أصحاب رسول الله وحوارييه الذين هم خير قرون الأمة على الإطلاق، يرى القمي كفرهم لقتالهم عليًا tفي يوم الجمل.

وفيما دار بين الصحابة من شجار وما وقع بينهم من الاختلاف.

يوضح الدكتور محمد عمارة صراحةً : « أن هذا التنازع لا يخرج من الملة لأن « خلافهم وقتالهم وبغيهم إنما حدث في الفروع والسياسات وليـس في عقائد الدين وأركانه ومن ثم فإن هذا الاختلاف والبغي والاقتتال لا يخرج أياً من فرقائه من حظيرة الإيمان بالإسلام »[21].

بينما يُوجب العلامة ابن حجر الهيتمي : « الإمساك عن هذا الكلام»، ويُوجب أيضًا « على كل من يسمع شيئًا من ذلك أن يتثبت فيه، ولا ينسبه إلى أحد منهم بمجرد رؤيته في كتاب أو سماعه من شخص، بل لا بد أن يبحث عنه حتى يصح عنده نسبته إلى أحدهم، فحينئذ الواجب أن يلتمس لهم أحسن التأويلات، وأصوب المخارج إذ هم أهل لذلك، كما هو مشهور في مناقبهم، ومعدود من مآثرهم، فيما يطول إيراده...، وما وقع من المنازعات والمحاربات، فله محامل وتأويلات، وأما سبّهم والطعن عليهم، فإن خالف دليلاً قطعيًا، كقذف عائشة (رضي الله عنها) أو إنكار صحبة أبيها كان كفرًا، وإن كان بخلاف ذلك كان بدعة وفسقًا »[22].

ويزيد الدكتور الفرماوي : « فيما دار بين الصحابة عمومًا سواء يوم الجمل أو صفين بأن أهل السُّنَّة يقولون : الإمام الحق ليس معصومًا، ولا يجب على الإنسان أن يقاتل معه كل من خرج عن طاعته، ولا أن يطيعه الإنسان فيما يعلم أنه معصية، وأن يتركه أولى.

وعلى هذا ترك جماعة من الصحابة القتال مع على tلأهل الشام، والذين قاتلوه لا يخلو إما أن يكونوا عصاه، أو مجتهدين مخطئين أو مصيبين، وعلى كل تقدير، فهذا لا يقدح في إيمانهم، ولا يمنعهم الجنة.

فإن الله تعالى قال : ﴿ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [الحجرات :9، 10]، فسمّاهم إخوة، وصفهم بأنهم مؤمنون، مع وجود الاقتتال بينهم، والبغي من بعضهم على بعض.

فمن قاتل عليًا، إن كان باغيًا فليس ذلك بمخرجه من الإيمان، فإن البغي إذا كان بتأويل كان صاحبه مجتهدًا، ولهذا اتفق أهل السُّنَّة على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين، وإن قالوا في إحداهما أنهم كانوا بغاة، لأنهم كانوا متأولين مجتهدين، والمجتهد المخطئ لا يكفر، ولا يفسق.

وإن تعمد البغي فهو ذنب من الذنوب، والذنوب يرفع عقابها بأسباب متعددة كالتوبة والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وشفاعة النبي ﷺودعاء المؤمنين، وغير ذلك »[23].

يقول العلامة ابن حجر الهيتمي أيضاً : «... أن ما جرى بين معاوية وعلي (رضي الله عنهما) من الحروب، فلم يكن لمنازعة معاوية لعليّ في الخلافة، للإجماع على حقيقتها لعلي... فلم تهج الفتنة بسببها، وإنما هاجت بسبب أن معاوية ومن معه طلبوا من علي تسليم قتلة عثمان إليهم لكون معاوية ابن عمه، فامتنع علىّ ظنًا منه أن تسليمهم إليهم على الفور مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بعسكر علي يؤدي إلى اضطراب وتزلزل في أمر الخلافة التي بها انتظام كلمة الإسلام...، فرأى علي tأن تأخير تسليمهم أصوب إلى أن يرسخ قدمه في الخلافة... ويتم له انتظام شملها، واتفاق كلمة المسلمين، ثم بعد ذلك يلتقطهم واحدًا فواحدًا ويسلمهم إليهم[24].

وهو نفس ما يقوله ابن تيمية من أن القتال بين علي ومعاوية كان بتأويل سائغ وأن معاوية وطلحة والزبير لم يقاتلوه، على أن واحداً منهم أحق بالإمامة أو للنزاع عليها.

يقول ابن تيمية : « وعليّtلم يقاتل أحدا على إمامة من قاتله ولا قاتله أحد على إمامته نفسـه ولا ادعى أحد قط في زمن خـلافته أنه أحق بالإمامة منه لا عائشة ولا طلحة ولا الزبير ولا معاوية وأصحابه... ومعاوية لم يبايعه أحد لما مات عثمان على الإمامة، ولا حين كان يقاتل عليًّا بايعه أحد على الإمامة، ولا تسمى بأمير المؤمنين ولا سماه أحد بذلك ولا ادعى معاوية ولاية قبل حكم المحكمين.

والمقصود أن عليا لم يقاتله أحد على إمامة غيره ولا دعاه إلى أن يكون تحت ولاية غيره، إلى أن اتفق الحكمان على عزل عليّ ومعاوية وأن يكون الأمر شورى بين المسلمين... ولم يكن اتفاقهما على عزل معاوية عن كونه أمير المؤمنين فإنه لم يكن قبل هذا أمير المؤمنين بل عزله عن ولايته على الشام فإنه كان يقول أنا ولاني الخليفتان عمر وعثمان فأنا باق على ولايتي حتى يجتمع الناس على الإمام فاتفق الحكمان على أن يعزل علي عن إمرة المؤمنين ومعاوية عن إمرة الشام»[25].

ثانيا ً : ردود علماء الأزهر الشريف على إنكار الشيعة لعدالة الصحابة y :

مسألة عدم عدالة الصحابة تعد من المجمع عليه عند الاثني عشرية، وهي مقولة لا يمكن السكوت عنها، وهي ليست مسألة قيلت قديمًا وعدّلت حديثًا؛ كلا، وإنما الإصرار على هذا الأمر بان وظهر قديمًا وتثبت عليه الشيعة حديثًا، فقال أحد المعاصرين منهم وهو محمد جواد مغنية « إن الصحابة كغيرهم منهم الطيب والخبيث والعادل والفاسق[26]، فهم مجمعون على إنكار هذه العدالة.

وهذا تكذيب صريح للقرآن الكريم كما صرّح بذلك الدكتور الخشوعي : فالناظر في القرآن الكريم يجد أن الله تعالى عدل الصحابة وأثنى عليهم ومدحهم وشهد لهم بصدق الإيمان وقوة اليقين، وعدهم جميعًا الجنة، وهو العليم بحقيقة أمرهم، وما انطوت عليه صدورهم، وما سيكون منهم في مستقبل أمرهم إلى يوم لقائه تعالى[27].

ويسرد العلامة ابن حجر الهتيمي : الكثير من آيات القران الكريم تثبت عدالة الصحابة ويعقّبها بالتعليق عليها :

منها : قوله تعالى : ﴿ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [التحريم : 8]، فآمنهم الله من خزيه ولا يأمن من خزيه في ذلك اليوم إلا الذين ماتوا والله سبحانه وتعالى ورسوله عنهم راض.

ومنها : قوله : ﴿ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [الفتح : 18]، فصرّح تعالى برضاه عن أولئك وهم ألف ونحو أربعمائة،... فعُلم أن كلا من هذه الآية وما قبلها صريحٌ في رد ما زعمه وافتراه أولئك الملحدون الجاحدون حتى للقرآن الكريم، إذ يلزم من الإيمان به الإيمان بما فيه، وقد علمت أن الذي فيه أنهم خير الأمم وأنهم عدول خيار، وأن الله لا يخزيهم، وأنه رضي عنهم، فمن لم يصدق بذلك فيهم، فهم مكذب لما في القرآن.

ومنها : قوله تعالى : ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [التوبة : 100].

ومنها : قوله تعالى : ﴿ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [الفتح : 29].

ويقول : « فانظر إلى عظيم ما اشتملت عليه هذه الآية، فإن قوله : ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﴾، جملة مبيّنة للمشهود به في قوله : ﴿ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾، ففيها ثناء عظيم على رسوله ثم ثنّى بالثناء على أصحابه بقوله : ﴿ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ﴾ فوصفهم الله تعالى بالشدة والغلظة على الكفار، وبالرحمة والبر والعطف على المؤمنين، والذلة والخضوع لهم، ثم أثنى عليهم بكثرة الأعمال مع الإخلاص وسعة الرجاء في فضل الله ورحمته بابتغائهم فضله ورضوانه وبأن آثار ذلك الإخلاص وغيره من أعمالهم الصالحة ظهرت في وجوههم حتى إن من نظر إليهم بهرة حسن سمتهم وهديهم. ومن ثم قال مالك : بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام قالوا : « والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا»، وقد صدقوا في ذلك، فإن هذه الأمة المحمدية خصوصًا الصحابة لم يزل ذكرهم معظمًا في الكتب.

كما قال الله تعالى في هذه الآية : ﴿ ﭭ ﭮ ﴾ أي وصفـهـم ﴿ ﭯ ﭰﭱ ﭲ - أي وصفهم - ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾ أي فراخه : ﴿ ﭸ ﴾ أي شده وقواه : ﴿ ﭹ ﴾ أي شبّ فطال : ﴿ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ أي يعجبهم قوته وغلظه وحسن منظره، فكذلك أصحاب محمد ﷺ آزروه وأيدوه ونصروه، فهم معه كالشطء مع الزرع »[28].

ويزيد الدكتور البرّي : الكثير من الآيات التي امتلأ بها القرآن الكريم أيضاً، تثبت عدالة الصحابة، كقول : ﴿ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [البقرة : 142].

والخطاب في الآية لكل الأمة :وأول الأمة وخيرها الصحابة الكرام، والأمة الوسط : أي الخيرة العادلة، والوسط صفة مدح، وهي فضيلة بين رذيلتين، بين تقصير وغلو، بين إفراط وتفريط في العقائد والعبادات جميعًا، وقال : ﴿ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [آل عمران : 110].

وهذا نص صريح : في كون هذه الأمة أفضل الأمم التي دانت بالحق وصدقت الرسل... وقد تحققت خصال الآية أمثل ما تحققت في الصحابة الكرام...

وقال تعالى : ﴿ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾ [آل عمران :172، 173]، وهي شهادة ناطقة من الله تعالى في مدح الصحابة الكرام بقوة الإيمان، والصبر على البلاء، والالتجاء إلى الله والثقة به، ولا خلاف في أن الذين استجابوا لله ورسوله هم المهاجرون والأنصار، وهي تزكية من الله تعالى وهو أصدق القائلين »[29].

الطعن في عدالتهم طعن في الدين :

ولقد فطن علماء الأزهر إلى خطورة الطعن في عدالة الصحابة، حيث أن هذا سيتعدى زمن الصحابة إلى ما بعد زمانهم وهنا مكمن الخطورة.

يقول الدكتور الخشوعي : « يلزم من طعن الشيعة في عدالة الصحابة... قصر الإسلام على عصره ﷺ، فلا يتعداه إلى العصور التي بعده، فلا يعمل بالقرآن الكريم ولا بالسنة المطهرة، لأن الناقلين لها إما مرتدون عن الإسلام أو على أقل تقدير فسقه يُتقرب إلى الله بلعنهم والحط عليهم ووصفهم بأقبح الصفات!! ومن كان هذا حاله لا يقبل قوله، فكيف تقبل منه القرآن الكريم والسنة المطهرة؟!»[30].

العلاقة المتبادلة بين أهل البيت والصحابة الكرام y :

وأعظم ما يُرد به على الشيعة من طعنهم في الصحابة وافتراءاتهم عليهم : هو أن نعلم أن أكابر أهل البيت الذين يتمسح فيهم الشيعة قد أثنوا على الصحابة ثناء عظيمًا، والعلاقة المتبادلة بينهم وبين الصحابة كانت تُبنى على التحاب والتآخي والإكرام.

يقول الدكتور عبد المنعم النمر : « دخل رجل على الإمام علي (كرم الله وجهه) في خلافته فقال : الله يا أمير المؤمنين، إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما أهل له، فنهض الإمام إلى المنبر، فقال : والذي خلق الحبة وبرأ النسمة، لا يحبهما إلا مؤمن فاضل، ولا يبغضهما ويخالفهما إلا شقي مارق، فحبهما قربة إلى الله، وبغضهما مروق.

وقال أيضًا : « ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله ﷺ ووزيريه وصاحبيه وسيدي قريش وأبوي المسلمين؟ فأنا بريء ممن يذكرهما بسوء وعليه معاقب ».

وكان الإمام علي بن أبي طالب يقول للناس : ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ أبو بكر وبعد أبي بكر عمر.

ولقد سُئِل علي أثناء خلافته : « يا أمير المؤمنين، من أول الناس دخولاً الجنة بعد رسول الله؟ قال : « أبو بكر وعمر»، فقال سائله : « أيدخلانها قبلك يا أمير المؤمنين؟ قال إي والله، والذي خلق الحبة وبرأ النسمة، إنهما ليأكلان من ثمارها ويتكئان على فراشها ».

وقد روى عنه ابنه محمد بن الحنفـيةـ وهو ابن له من غير فاطمة الزهراء، فأمه من بنـي حنيـفة قال : « يا أبت : من خير الناس بعد رسول الله؟، فقال : أبو بكر ثم عمر، ولقد وعى آل البيت قول رسول اللهﷺ : لي وزيران من أهل السماء، جبريل وميكائيل، ووزيران من أهل الأرض أبو بكر وعمر »[31].

ويبين الإمام محمد أبو زهرة : رأي الإمام جعفر الصادق في الصحابة، في كتابه (الإمام جعفر الصادق)، كيف أنه كان مطابقًا لآبائه الأكابر من آل البيت.

وكان الصادق كأبآئه، يعتبر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان yمخالفًا للسنة، وقد أُثر ذلك عن جده زين العابدين، كما أُثر عن أبيه الباقر، وقد أُثر عنه أيضًا، أو على الأقل لم يوجد دليل على المخالفة، والأصل الموافقة؛ لأنهما أُستاذاه.

فقد روي عن علي زين العابدين : أنه أتاه نفر من أهل العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان y، فلما فرغوا، قال لهم : ألا تخبرونني من أنتم؟ المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، قالوا : لا، قال : فأنتم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون؟ قالوا : لا، قال : وما أنتم تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، ثم قال : أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل فيهم : ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [الحشر : 10]، اخرجوا فعل الله بكم.

هذا رأي زين العابدين جد الصادق، وأول أساتذته وأكبرهم، ورئيس هذا البيت الحسين بعد أبي الشهداء الإمام الحسين t.

وقد روي جابر الجعفي : وهو من الشيعة الجعفرية، أن أبا جعفر محمدًا الباقر قال وهو يودعه إلى العراق : « أبلغ أهل الكوفة أني بريء ممن تبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما ».

ويروي أنه قال : « من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقد جهل السُّنَّة ».

ويروي جابر الجعفي عنه أيضًا، أنة قال له : « يا جابر : بلغني أن قومًا بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا، ويتناولون أبا بكر وعمر (رضي الله عنهما)، ويزعمون أني أمرتهم بذلك، فأبلغهم أني إلى الله منهم بريء، والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أستغفر لهما، وأترحم عليهما، إن أعداء الله لغافلون عنهم ».

بل إن الباقر الذي كان أعلم جيله بكتاب الله وسنة رسوله كما قال الصادق : كان يستشهد بأعمال أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، فقد سأله عروة بن عبد الله عن حلية السيوف، فقال : لا بأس به، قد حلي أبو بكر الصديق tسيفه، قال : قلت وتقول الصديق، قال : فوثب وثبة واستقبل القبلة، ثم قال : نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق؟ فلا صدّق الله له قولاً في الدنيا والآخرة.

هذا قول الباقر الأستاذ العظيم الأستاذ الأكبر للصادق، والذي كان يتأسى بقوله، ويقرر أنه أعلم أهل جيله بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ويستشهد بكلامه على أنه حجة قائمة، وأن الصادق يجب أن يكون أكثر تقديرًا للشيخين أبي بكر وعمر لأنه من سلالة الصديق، وقد ولده الصديق مرتين، فأبو أمه القاسم بن محمد بن أبي بكر، وجد أمه عبد الرحمن بن أبي بكر، فكيف لا يعرف قدره وقدر عمر العبقري.

إن أصحاب محمد جميعًا كانوا محل تقدير جعفر وأبيه الباقر (رضي الله عنهما).

وقد سئل الإمام الباقر عن قوله تعالى : ﴿ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [المائدة : 55]، فقال أصحاب محمد ﷺ، فقال السائل : يقولون هو عليّ، فقال الإمام المتبع : « عليّ منهم »[32].

هذا هو موقف آل البيت yناحية أصحاب محمد ﷺ، وقد كان موقف الصحابة y ناحيتهم لا يقل إكبارًا عنهم، فكانوا يقدرونهم حق قدرهم وينزلونهم منزلتهم اللائقة بهم.

ويذكرالإمام ابن حجر العسقلاني :جانباً من هذا التقدير من الصحابة yناحية آل البيت.

يقول ابن حجر : « وفي البخاري، عن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال : صلى بنا أبو بكر العصر، ثم خرج، فرأى الحسن بن علي يلعب، فأخذه فحمله على عنقه، وهو يقول : « بأبي شبيه بالنبي ليس شبيهًا بعليّ وعليّ يضحك»[33].

ويقول أيضًا : « قال يحيى في سعيد الأنصاري، عن عبيد بن حنين، حدثني الحسين بن علي قال : أتيت عمر وهو يخطب على المنبر، فصعدت إليه، فقلت : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك، فقال عمر : لم يكن لأبي منبر، وأخذني فأجلسني معه أقلب حصى بيدي، فلما نزل انطلق بي إلى منزله، فقال لي : من علمك، قلت : والله ما علمني أحد، قال بأبي لو جعلت تغشانا، قال : فأتيته يومًا وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب، فرجع ابن عمر فرجعت معه فلقيني بعد، فقال لي : لم أرك؟ قلت لك يا أمير المؤمنين إني جئت وأنت خال بمعاوية فرجعت مع ابن عمر، فقال : « أنت أحق من ابن عمر فإنما أَنبَتَ ما ترى من رؤسنا الله، ثم أنتم»[34].

هكذا كان الحب المتبادل، والقلوب المتآلفة، والأنفس المزكاة، فلماذا يريد الشيعة تعميق الكره، وتجنيب القلوب، وقد أمر الله بإصلاح ذات البين، فقال : ﴿ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [النساء :114].

وبيّن سبحانه وتعالى : أن الإفساد في الأرض من صفات المنافقين، فقال مخبرًا عنهم : ﴿ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [البقرة :11، 12]، خصوصًا إذا كان هذا الإفساد بين جيل الصحبة المبارك، ولكن الحمد لله الذي سخر لهذا الدين رجالاً نقّوه من انتحال المبطلين وكذب الوضاعين.

 

[1] من هؤلاء العلماء : الشيخ جاد الحق علي جاد الحق - انظر : فتاوي كبار علماء الأزهر الشريف في الشيعة(ص23)، والشيخ حسنين محمد مخلوف -انظر : السابق(ص42)، والشيخ / إسماعيل صادق العدوى - إمام وخطيب الجامع الأزهر : نظرة في فكر الشيعة(ص75)، و الدكتور محمد العسٍّال :الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ومنهجهم في تفسير القرآن الكريم(ص576)، و الدكتور عمر محمد عبد المنعم : أصول الرواية عند الشيعة الإمامية(ص301).

[2] صحيح البخاري : كتاب بدء الوحي، باب خوف المؤمن من أن يُحبط عمله وهو لا يشعر (ج1/ ص36، ح48).

 

[3] انظر : إسماعيل صادق العدوى : نظرة في فكر الشيعة(ص74-75).

[4] عبد المنعم النمر : الشيعة، المهدي، الدروز... تاريخ ووثائق (ص37 - 41)، وانظر : فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف في الشيعة : (ص 100، 101).

[5] آية الله الخميني : كشف الأسرار(ص123).

[6] السابق(ص123، 124).

[7] مصطفي الشكعة : إسلام بلا مذاهب(ص211).

[8] السجع : الكلام المقفى، قال الأزهري : إنه ﷺ كره السجع في الكلام والدعاء لمشاكلته كلام الكهنة وسجعهم فيما يتكهنونه ، انظر : لسان العرب (ج8/ ص150).

[9] ابن حجر : الإصابة(ج1/ ص20، 21) بتصرف يسير، والحديث سبق تخريجه.

[10] هو الشيخ محمد أحمد عرفة (ت 1393ه = 1973م) : علم من أعلام علماء الأزهر الشريف، وفارس من فرسان المعارك الفكرية، والنقد العلمي للآراء الخاطئة والأفكار المنحرفة، نال شهادة العالمية سنة 1921م، وعقب تخرجه عين مدرسًا بمعهد الإسكندرية، وعندما أنشئت الكليات الجامعية الأزهرية سنة 1931م اختير للتدريس بكلية الشريعة، ثم أصبح وكيلاً لها سنة 1933م، ثم انتقل للتدريس بكلية اللغة العربية (أستاذًا للفلسفة)، واستمر بها ثلاثة عشر عامًا، وأثناءها قام بتدريس الأدب والبلاغة لطلاب تخصص الأستاذية، وفي سنة 1943 نال عضوية جماعة كبار العلماء. وكان من صفوة علماء الأزهر الذين تعدى عطاؤهم العلمي نطاق الجامعة، فاشتهر بمشاركاته العلمية في المعارك الفكرية،، فلقد كتب سلسلة بحوث فقهية سنة 1920م في إصلاح قوانين الأسرة، ووجدت اجتهاداته طريقها إلى التقنين الذي صدر سنة 1929م، وكون جماعة من العلماء الذين أخرجوا كتابًا في أربعة أجزاء-عن آيات الأحكام القرآنية، مستندًا إلى المذاهب الفقهية المختلفة، وكانت له مبادرة في نقد الأخطاء الاستشراقية التي وردت في « دائرة المعارف الإسلامية « ومن المناصب التي شغلها، منصب مدير الوعظ سنة 1946م والمدير لمجلته، ومدير مجلة الأزهر، ورئيس تحريرها لبعض الوقت، ومن الجدير بالذكر أن الشيخ كان عضوًا في جماعة التقريب بين السُّنَّة والشيعة، ثم تركها بعد أن تيقن حقيقة المطامع الشيعية خلفها، ولقد ظل مشتغلاً بالعلم ومساهمًا في الحركة الفكرية بعد كقاعدة سنة 1959م حتى توفي سنة 1939ه = 1973م رحمه الله. انظر : الأزهر والشيعة، بقلم لفيف من العلماء، دراسة وتقديم : أ. محمد عمارة، هدية مجانية لمجلة الأزهر، لشهر المحرم 1434هـ(ص84، 85).

[11] انظر : فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف في الشيعة(ص58).

[12] عبد المنعم النمر : الشيعة، المهدي، الدروز... تاريخ ووثائق (ص 36، 37).

[13] محمد عمارة : أضواء على الموقف الشيعي من أصحاب الرسول ﷺ (ص29، مكتبة الإمام البخاري، القاهرة، ط1، سنة 2009م).

[14] عمر الفرماوي : أصول الرواية عند الإمامية(ص302).

[15] البخاري : كتاب التفسير، باب قوله تعالى : (وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم)، ومسلم : كتاب الجنة، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة.

[16] محمد التيجاني السماوي : ثم اهتديت(ص119، 120، مؤسسة الفجر بلندن، ط 2، 1410هـ = 1989م).

[17] محمد عمارة : أضواء على الموقف الشيعي من أصحاب الرسول ﷺ (ص 44، 45).

[18] من هذه العلامات ما رواه حذيفة قال : قال رسول الله ﷺ : « إن حوضي لأبعد من أيلة من عدن والذي نفسي بيده إنني لأذود عنه الرجال كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه « قالوا : يا رسول الله وتعرفنا؟ قال : « نعم تردون عليّ غرًا محجلين من آثار الوضوء، ليست لأحد غيركم « أخرجه مسلم، كتاب الطهارة باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء.

[19] عمرالفرماوي : أصول الرواية عند الشيعة الاثني عشرية (ص315).

[20] تفسير القمي(ص259).

[21] محمد عمارة : أضواء على الموقف الشيعي من أصحاب الرسول ﷺ (ص44).

[22] ابن حجر الهيتمي : الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة(ص324، 325).

[23] عمرالفرماوي : أصول الرواية عند الشيعة الإثني عشرية(ص319، 320)، نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية من كتاب منهاج السنة(ج2/ ص205، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ) بتصرف يسير.

[24] ابن حجر الهتيمي : الصواعق المحرقة(ص325).

[25] ابن تيمية : منهاج السُّنَّة النبوية(ج3/ ص217- 219)، وانظر : محمود خفاجي : دراسات في نشأة الفرق الإسلامية (ص59، 60).

[26] السابق(ص108).

[27] فتاوى كبار الأزهر الشريف في الشيعة(ص107-110).

[28] ابن حجر الهيتمي : الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة(ص315- 318).

[29] محمد عبد المنعم البرّي : الشيعة الاثنا عشرية في دائرة الضوء(ص124- 126).

[30] فتاوى كبار الأزهر الشريف في الشيعة(ص107-110).

[31] عبد المنعم النمر : الشيعة المهدي الدروز (ص24، 25).

[32] محمد أبو زهرة : الإمام الصادق حياته وعصره، آراؤه وفقهه (ص207-209، دار الفكر العربي).

[33] ابن حجر : الإصابة(ج/2 ص243)، وأصله في صحيح البخاري كتاب المناقب، باب صفة النبي ﷺ.

[34] السابق(ج2 ص249).

  • الاثنين AM 11:13
    2025-04-07
  • 228
Powered by: GateGold