ابن قتيبه و رده على المعتزلة وموقفه من اهل الحديث - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 441855
يتصفح الموقع حاليا : 321

البحث

البحث

عرض المادة

ابن قتيبه و رده على المعتزلة وموقفه من اهل الحديث

المبحث الأول 

رده على أصحاب الكلام و الرأي 

بدأ حديثه عنهم بقوله (و قد تدبرت رحمة الله و مقالة أهل الكلام فوجدتهم يقولون على الله ما لا يعلمون و يفتنون الناس بما لا يأتون و يبعدون القذى في عيون الناس و عيونهم تطرف على الأجذاع و يتهمونه غيرهم في النقل ولا يتهمون آراءهم في التأويل الخ (1) 

ثم ذكر أنهم أكثر الناس اختلافا و أنهم لا يجتمع إثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين فأبوا الهديل العلاف يخالف النظام و النجار يخالفهما و فلان و فلان. 

و لو كان اختلافا في الفروع و السنن لا تسع لهم القدر عندنا و إن كان لا عذر لهم، و مع ما يدعونه لأنفسهم كما اتسع لأهل الفقه ووقعت لهم الأسوة بهم. 

و لكن اختلافهم في التوحيد و في صفات الله تعالى و في قدرته و في نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار و في غير ذلك من الأمور التي لا يعلمها نبي إلا بوحي من الله تعالى (2) 

ثم يقول أبو محمد (لو أردنا – رحمه الله – أن تنتقل عن أصحاب الحديث و نرغب عنهم إلى أصحاب الكلام و نرغب فيهم، لخرجنا من اجتماع إلى تشتت و عن نظام إلى تفرق و عن اتفاق إلى اختلاف لأن أصحاب الحديث لكن مجموعة على ان ما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن. 

و انهم لا يختلفون في الأصول و من فارقهم في شيء منها نابذوه و باغضوه و بدعوه (3) وهجروه. 

ذكر النظام و ما ذهب إليه مما يؤخذ عليه 

 

 

 

 

وأول حديثه عنه يقول (فإنه عنه أتينا أصحاب الكلام وجدنا النظام شاطرا من الشطار يغيرو على عسكره و يروح على سكر يبيت على جرائرها و يدخل في الوناس و يرتكب الفواحش و الشائعات وهو القاتل. 

مازلت أخذ روح الزق في لطف واستبيح دما من غير مجروح 

حتى أنثنيت ولى روحان في جسدي و الزق خطر في جسم بلا روح (1) 

مما يؤخذ عليه 

أنه قال قد يجوز أن يجمع المسلمون جميعا على الخطأ و من ذلك أجماعهم على أن النبي صلي الله عليه و سلم بعث إلى الناس كافة و لجميع الأنبياء و ليس كذلك و كل نبي بعثه الله تعالى فإلى جميع الخلق بعثه. 

(تخالف الرواية عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال "بعث إلى الناس كافة وبعثت إلى الأحمر و الأسود و كان النبي يبعث إلى قومه) و أول الحديث (2) 

كان يقول في الكنايات عن الطلاق كاكلية و البرية و حبلك على غاربك و البته و أشباه ذلك أنه لا يقع بها طلاق نوى الطلاق أو لم ينوه. 

مخالف إجماع المسلمين و خالف الرواية لما استحسن (3) 

اعتراض على عمر لأبي بكر 

ذكر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لو كان هذا الدين بالقياس لكان باطن الخطأ و لى بالسمح من ظاهره. 

فقال كان الواجب على عمر، العمل بمثل ما قال في الأحكام كلها و ليس ذلك بأعجب من قوله"  أجرئكم على الحد أجرئكم على النار ثم مضى في الجسد بماثة قضية مختلفة (يعني عمر) (4) ... .

 

 

 

 

وقد رد ابن قتيبة في طعنه على سيدنا عمر بن الخطاب فقال رضي الله عنه أبو محمد (و لا شيء أعجب عندي من ادعائه على عمر رضي الله عنه أنه قضى في الحد بماثة قضية مختلفة وهو من أهل النظر و أهل القياس. 

فمثلا غير هذا أو نظر فيه ليعلم أنه يستحيل أن يقضي عمر في أمر واحد بماثة قضية مختلفة. 

فأين هذه القضايا؟ و أين عشرها و نصف عشرها؟؟ 

إما كان في حملة الحديث من يحفظ منها خمسا أو ستا. 

ولقد اجتهد مجتهد أن يأتي من القضاء في الحد بجميع ما يمكنه فيه من قول و من حيلة ما كان يفسر له أن يأتي فيه بعشرين قضية. 

وكيف ثم يجعل هذا الحديث إذ كان مستحيلا مما ينكر من الحديث و يدفع مما قد أتى به الثقات و ما ذلك إلا لضخمة يحتمله على عمر رضي الله عنه و عداوة (1) 

أبو بكر 

ومما يؤخذ على النظام أيضا أنه ذكر قول أبي بكر رضي الله عنه حين سأل عن رأيه من كتاب الله تعالى فقال (أبى سماء تكلني و أي أرض تقلني أم أين أذهب أم كيف أصنع إذا أنا قلت في آية من كتاب الله بغير ما أراد الله. 

ثم سئل عن الكلالة فقال (أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله و عن كان خطأ فمني – هي ما دون الولد و الوالدة) . 

قال النظام. وهذا خلاف القول الأول – و من استعظم القول بالرأي ذلك الاستعظام، لم يقدم على القول الأول بالرأي. هذا الالتزام حتى ينفذ عليه الأحكام (2) 

فأجاب ابن قتيبه إذ يقول " إن أبا بكر لصديق يرضى الله عنه سئل عن شيء من متشابه القرآن العظيم الذي لا يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم فأحجم عن القول فيه مخافة أن يفسره بغير مراد الله تعالى. 

 

 

 

 

وأفنى في الكلالة برأيه لأنه أمر ناب المسلمين و احتاجوا إليه فيه و قد أيد له اجتهاد الرأي فيما لم يؤثر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فيه شيء و لم يأت له في الكتب شيء كاشف وهو أمام المسلمين و عنهم فيما يقويهم فلم يجد بدا من ان يقول (1) 

ثم ذكر المؤلف بعد ذلك اعتراض النظام على "علي" و ابن مسعود و على حذيفة اليمان وأبي هريرة رضي الله عنه 

و أجاب عن طعنه إياهم و بين الترخيص في الكذب للمصالح المهمة و جواز التورية في اليمين و لطائف من المعارض (2) 

أبو الهذيل 

و صار إلى قول أبي هذيل العلاف فوجده كذابا أفاكا و قال أنه حكى من خطئه في الاستطاعة أنه كا يقول إن الفاعل في وقت الفعل غير مستطيع الفعل أضر و ذلك أنهم ألزموه الاستطاعة مع الفعل بالاجماع فقالوا: قد أجمع الناس على أنه كل فاعل مستطيع من حال فعله فالاستطاعة مع الفعل ثابتة و اختلفوا في أنها قبله فنصحه على ما اجمعوا عليه و على لم ادعى أنها قبل الفعل الدليل فلجأ إلى هذا القول (3) 

ثم ذكر بكر صاحب البكرية و سخافات مذهبه و متهجماته و منها قوله من سرق حبة من خردل ثم مات غير تائب من ذلك فهو خالد في النار فخلد ابدا مع اليهود و النصارى. 

* رد 

و قد وسع الله تعالى للمسلم أنه يأكل من مال صديقه وهو لا يعلم (4) 

ثم ذكر هشام ابن الحكم فقال نجده غاليا يقول في الله تعالى والحدود والاشبار و أشياء يتحرج من حكايتها. 

وذكرها الاخطاء على أهل الكلام بها ويقول بالاجبار (5) 

ثم ذكر ثمامة و محمد بن البرمكي وقلة دينها و غرائبها الثاني (6) 

وعرض بالذكر لحديث (اضربوها على العثار و لا تضربوها على النفار) . 

 

 

 

 

وقال لأن الدابة تنفر من البئر أو من الشيء تراه و لا يراه الراكب فتقتحم و في تقحمها الهلكة فنهى عن ضربها على النفار و أمر بضربها على التغار لتجد فلا تعثر لأن العثرة لا تكاد تكون إلا عن تواعد (1) 

ثم ذكر تنقضي باسمان بن راهوية – شيخ المؤلف – أهل الرأي و تبنيهم على قبائح أقوالهم وذمة لهم بمنابذة كتاب الله و سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم و ملازمتهم القياس و تعديده من ذلك جملة أشياء منها: 

قولهم (ابن الرجل إذا نام جالسا و استثقل في نوم لم يجب (2) عليه الوضوء. وقد قال الرسول صلي الله عليه و سلم، العين وعاء وكاء فإذا نامت العين اتضح الوكاء و قالوا من تفهقه بعد التشهد أجزاته صلاته و عليه الوضوء لصلاة أخرى (3) 

ثم تحدث عن أبي حنيفة فقال اسحاق بن راهويه و سئل يعني السما ضيفه عن الشرب في الإناء المفضض، فقال لا بأس به إنما هو منزلة الخاتم في اصبعك فتدخل يدك الماء فتشربه بها. 

الجاحظ 

ذكر الجاحظ و تذبذبه في العقائد والدين و استهزائه بحديث رسول الله صلي الله عليه و سلم و كذبه و حذفه الحديث و نصره الباطل. 

وأنه كان يستهزئ بالحديث استهزاء لا يخفى على أهل العلم كذكره كبد الحون وقرن الشيطان وذكر الحجر الأسود و أنه كان أبيض فسوده المشركون و قد كان يجب أن يبيض المسلمون حين اسلموا. 

ويذكر الصحيفة التي كان فيها المنزل في الرضاع تحت السرير عائشة فأكلتها الشاة (4) 

وذكر المؤلف أنه في عنفوان شبابه كان معتز بهم طامع أن يصدر عنهم بفائدة أو كلمة تنزل على خير. 

 

 

 

 

فرأى من جرأتهم على كتاب الله تبارك و تعالى وقلة توقيهم وحملهم أنفسهم على الخطأ ثم لطرد القياس أو لئلا يقع انقطاع ما أرجع معه خاسرا نادما (1) ... . 

قال وغلطوا في ثبوت الخبر فقال بعضهم يثبت بالواحد لصادق و قال آخر يثبت باثنين وقال آخر يثبت بثلاثة وقال آخر يثبت باربعة لقوله تعالى "ولولا جاءوا عليه بأربعة شهداء" (2) 

و منهم من قال بعشرين و من قال بسبعين. 

قال أبو أحمد وفسروا القرآن بأعجب تفسير يريدون أن يودوه إلى مذهبهم و يعملوا التأويل على نحلهم. 

فقال فريق منهم في قوله تعالى "وسع كرسيه السماوات و الأرض" أي (علم) ، وجاءوا على ذلك بشاهد لا يعرف وهو قول الشاعر: 

(و لا يكرس علم الله مخلوق) 

كأنه عندهم و لا يعلم علم الله مخلوق يستوحشون أن يجعلوا لله كرسيا أو سريرا ويجعلون العرش شيئا آخر و العرب لا تعرف العرش إلا السرير بقوله تعالى "و رفع أبويه على العرش" أي السرير (3) 

وقال فريق منهم في قوله تعالى "ولقد همت به و هم بها" . 

أنها همت بالفاحشة وهو هم بالفرار أو القرب لها فلما رأى البرهان أقام عندها. و ليس يجوز في اللغة أن تقول (هممت بفلان و هم بي) و انت تريد اختلاف الهمين كأن تهم بإهانته و يهم هو باكرامك و إنما يجوز إذا اتفق الهمان (4) 

ثم ذكر الروافض و تفسيرهم لبعض آيات الكتاب على هواهم بدعوى علمهم باطن القرآن بالحفر الذي وقع لهم وهو "جلد جفر" دعوا أنه كتب فيه لهم الامام كل ما يحتاجون إلى علمه و كل ما يكون إلى يوم القيامة. 

فمن قولهم في قول الله تعالى "و ورث سليمان داود" 

 

 
 

أنه الإمام ورث النبي صلي الله عليه وسلم علمه. 

وقولهم في قول الله تعالى "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" أنها عائشة رضي الله عنها 

وقال منهم قوم يقال لهم البيانية ينسبون إلى رجل يقال له (بيان) قال لهم إلى إشار الله تعالى إذ قال "هذا بيان للناس و موعظة للمتقين" وهم الأول من قال بخلق القرآن. 

ثم قال منهم المنصورية و الغرابية و لا نعلم أحد أدعى لبشر الربوبية غيرهم و لا نعلم أحد أدعى النبوة لنفسه غيرهم. 

 

المبحث الثاني 

ذكر أصحاب الحديث 

بعدما ذكر بن قتيبه أصحاب الكلام و طعنهم على المسلمين و جوابه عليهم و ذكر معايبهم و مزاعمهم و أخطائهم. 

ذكر أصحاب الحديث قائلا: 

"" فأما أصحاب الحديث فإنهم التمسوا الحق من وجهته و تتبعوه من مظانه و تقربوا من الله تعالى باتباعهم سنن رسول الله صلي الله عليه و سلم و طلبهم لآثاره و أخباره برا و بحرا وشرقا و غربا ثم لم يزالوا في التنقير عن الأخبار و البحث لها حتى نهجوا صحيحها و سقيمها و ناسخها و منسوخها و عرفوا عن خالفها من الفقهاء إلى الرأي فنبهوا على ذلك حتى نجم الحق "" (1) ... . 

وقال أنه قد يعيبهم الطاعنون بجملهم الضعيف و طلبهم الغرائب و في الغريب الداء 

ورد عليهم بأنهم لم يحملوا الضعيف و الغريب لأنهم رأوها حقا بل جمعوا الصحيح والسقيم ليميزوا بينهما ويذلوا عليها و قد فعلوا ذلك فقالوا في الحديث المرفوع شرب الماء على الريق يعقد الشحم. 

هو موضوع وضعه عاصم الكوزي و غير هذا الحديث (2) 

وقالوا في أحاديث موجودة على ألسنة الناس ليس لها أصل منها (من سعادة المرء خفة عارضيه) و منها (لو صدق السائل ما أفلح من رده) . 

* و منه إلى أنه هناك أحاديث صحاح مثل (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن) و قال إن لهذه الأحاديث مخارج سنخبر بها في مواضعها و ربما نسي الرجل الحديث قد حدث به و حفظ عنه و يذاكر به فلا يعرفه و يخبر بأنه قد حدث به فيرويه عن سمعه منه ضمنا بالحديث الجيد و رغبة في السنة كرواية ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن ابيه عن أ [ي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه و سلم قضى باليمين مع الشاهد. 

قال ربيعة ذاكرت سهيلا بهذا الحديث فلم يحفظه و كان بعد ذلك يرويه عني عن نفسه (3) 

 

 

 

 

و قد نبه أصحاب الحديث على الطرق الضعاف كحديث عمر بن سعيد عن أبيه عن جده لأنها مأخوذة عندهم من كتاب و أما طعنهم عليهم بقلة المعرفة لما يحملون و كثرة اللحن و التصحيف فإن الناس لا يتساوون جميعا في المعرفة و الفضل و ليس صنف من الناس إلا وله حشو و شرب (1) 

فأين هذا الغائب لهم عن الزهري أعلم الناس بكل فن على أن المنفرد بفن من الفنون لا يعاب بالزلل في غيره و إنما يجب على كل ذي علم أن يتقن فنه إذا احتاج الناس إليه فيه وقد يجتمع للواحد علوم كثيرة و هذا فضل من الله (2) 

ثم ذكر أنه لا يخلى أكثرهم من اللوم في كتبه في تركهم الإشتغال بعلم ما قد كتبوا وتهافتهم على طلب الحديث من عشرة أوجه و عشرين وجها و قد كان في الوجه الواحد الصحيح مقنع. 

وقد لقبوهم بالحشوية و الناتبة و المجبرة أو الجبرية وسموهم الغثاء و العثر. 

وهذه كلها ألقاب لم يأت بها من خبر عن الرسول كما أتى عنه في القدرية و الرافضة والمرجئة و الخوارج. 

فهذه أسماء من رسول الله صلي الله عليه و سلم و تلك أسماء مصنوعة و الأسماء لا تقع غير مواقعها و لا تلزم إلا أهلها. 

يقول أبو محمد و أما قولهم إنهم يكتبون الحديث عن رجال من مخالفيهم (كقتادة) و (ابن ابي ذئب) و يمتنعون عن الكتاب عم مثلهم مثل عمرو بن عبيد و عمرو بن فائد فإن هؤلاء الذين كتبوا عنهم أهل علم و أهل صدق في الرواية. 

ثم ذكر اعتراضهم بأنهم يقولون أن كل فريق يرى أن الحق فيما اعتقده و إن مخالفه على ضلال فمن أين علم أهل الحديث أنهم على حق؟. 

 

 

 

 

فأجاب عليهم جوابا لطيفا وهو: 

إن أهل المقالات و إن اختلفوا و رأى كل صنف منهم أن الحق فيما دعا إليه فإنهم مجمعون لا يختلفون على أن من اعتصم بكتاب الله وسنة رسوله فقد استضاء بالنور و طلب الحق من مظانه. 

وليس يدفع أصحاب الحديث عن ذلك إلا ظالم لأنهم لا يردون شيئا من أمر الدين إلى استحسان أو فلا سنة أو أصحاب كلام. 

 

أولا - تفسير الحديث بالقرآن: 

زعم بعض أهل الكلام أن فى قوله صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لأقصى بينكما بكتاب الله خلاقا لكتاب الله عز وجل، لأنه عليه الصلاة والسلام قضى بالرجم والتؤيب، وليس للرجم والتؤيب ذكر فى التنزيل 

وقد ابن قتيبة هذا الزعم مستمر شدا فى ذكر بالقرآن فقال: ونحن نقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد بقوله: لأقضين بينكما بكتاب الله. ها معنى القرآن (وانما اراد لأقضين بينكما، بحكم الله تعالى) والكتاب يتعرف على وجوه: 

منها: الحكم، والفرض، كقوله عز وجل (كتاب الله عليكم وأجل لكم ما وراء ذلكم) أى فرض عليكم وقال: كتب عليكم القصاص. اى فرض عليكم. 

وقال: وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال. أى: فرضت. 

وقال تعالى: (وكتبنا عليكم فيها أن النفس بالنفس) أى: حكمنا، وفرضنا. (1) 

ومن صورا أخذه بالقرآن أيضافا تحديد المعنى الصحيح للحديث: ما رد به على قوله بعض المتكلمين اد قالو: ان رجلا قال لبنه (اذا انامت فأرقولى، ثم اذ رونى فى اليم، لعلى أجل الله) ففعلوا ذلكم، فجمعه الله، ثم قال له: ما عملكم على ما فعلت؟ قال مخافتكم يارب، فغفوا الله له. ثم قالوا: وهذا كافرا، والله لا يفؤ لكافر. ولذلك جاء القرآن (2) 

رد ابن قتيبة على هذا التوجيه لمعنى الحديث بقوله: ونحن نقول فى (أجل الله) انه بمعنى (أفوت الله) . 

تقول: ضلت كذا وكذا وأضلته - ومنه قول الله تعالى فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى (3) . أى لا يفوت ربى. وهذا رجل مؤمن بالله مقربه، خائق له، إلا أنه جعل صفة من صفاته، فظن أنه إذا أحرق ذرى الربح أنه يفوت الله تعالى، فغفر الله تعالى له بمعرفته تأنيبه وبمخافته من عذابه، جعله بهذه الصفة من صفاته. 

وقد يغلط فى صفات الله تعالى، قوم من المسلمين ولا يحكم عليهم بالنار بل ترجا أمورهم إلى من هو أعلم بهم وبنياتهم (4) 

 

 

 

 

ونحو هذا ما رد به ابن قتيبه على من رد قول النبى صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن. إذ قالوا: ينبغى أن تكون الريح عندك غير مخلوقة. لأنه لا يكون من الرحمن، جل وعز شئ مخلوق. 

وقد تولى ابن قتيبة الرد عليهم بقوله: ونحن نقول أنه لم يرد بالنفس ما ذهبوا إليه، وإنما أراد أن الريح من فرج الرحمن عز وجل وروحه. 

يقال: اللهم نفس عنى الأذى، وقد فرج الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم بالريح يوم الأحزاب. وقال تعالى: فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها (1) . فالريح من فرج الله تعالى وروحه (2) . فهذه جملة من المواضع التى استرشد إليها ابن قتيبة بالنص القرآنى، لضبط المعنى الصحيح والدلالة المرادة من الحديث، وفى هذا بيان لفساد ما ذهب إليه بعض أهل الكلام فى تفسيرهم لبعض الأحاديث مجردة عن سيقها وأغفال لحقيقة ألفاظ. 

والظاهر أن أوقع هؤلاء المتكلمين فى هذا التأويل الفاسد للحديث اكتفاؤهم بالنظر إلى النص الحديثى فى إطار ضيق، بينما الوقوف على الغاية المرادة من النص يقتضى دراسته النص فى إطار من التوسع والشمولية- أعين تناوله فى إطار المعارف الشرعية بصفة عامة. 

 

 

 

 

ثانيا: تفسير الحديث بالحديث: 

لقد كان سلوك ابن قتيبة مسلك تفسير الحديث بالحديث طابقا بارزا فى كتابه "تأويل مختلف الحديث" يدلك على ذلك كثرة المواضع التى كان يسوق فيها الحديث قصر الإبانة عن التوجيه لحقيقى للحديث، وبالتالى يوضع للطاغين مواطن الزلل التى وقعوا فيها لعلهم يرجعون. 

فمن ذلك ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أن الشمس والقمر ثوران مكوران فى النار يوم القيامة. فقال الحسن وما ذنبهما؟ قال أنى أحدثك عن رسول الله. فكست. 

قال طاعنون: قد صدق الحسن { ما ذنبهما } 

وقد انبرى ابن قتيبة للرد على ذلك فقال"  ونحن نقول: إن الشمس والقمر لم يعذبا بالنار حين أدخلاها، فيقال ماذنبهما ولكنهما خلقا منها ثم ردا إليها.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشمس حين غربت- فى نار الله الخامتة- لولا ما يزعها من أمر الله تعالى لأهلكت ما على الأرض. 

وقال: ما ترتفع فى السماء قصمة إلا فتح لها باب من أبواب النار، فإذا قامت الظهرة فتحت الأبواب كلها. 

وهذا يدلك على أن شدة وهامه قوم جهنم، ولذلك قال: أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فوح جهنم. فما كان من النار ثم رد إليها لم يقل إنه يعذب. 

وما كان من المسخر المقصود على فعل واحد، كالنار الفلك المسخر الدوار والبحر المسجور وأصحاب ذلك لا يقع به تعذيب ولا يكون له ثواب (1) 

وأدعى طائفة من المتكلمين أن بين قول النبى عليه الصلاة والسلام مثل أشى، مثل المطر لا يدرى أوله خير أم أخره. وبين قوله صلى الله عليه وسلم إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا "قوله أيضا" خير أمتى القرن الذى بعثت فيه" تناقضا واختلافا. 

وقد تولى ابن قتيبة ومضى هذا الأدعاء والكشف عن غلط المتكلمين فى فهم هذه الأحاديث، فقال: ونحن نقول: إنه ليس فى ذلك تناقض ولا اختلاف، لأنه أراد بقوله: إن الإسلام 

 

 

 

 

بدأ غريبا وسيعود غريبا "إن أهل الإسلام حين بدأ كانوا قليلين، وهم فى آخر الزمان قليل إلا أنهم خيار. 

ومما يشق لهذا ما وراه معاوية بن عمرو عن أبى إسحاق عن الأوزاعى عن يحيى أوعرو بن رويم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"  خيار أمتى أولها وأخرها وبين ذلك شبيج أعوج، ليس منك ولست منه "والشبيج الوسط

وقد جاء فى هذا أثار كثيرة.

منها: إنه ذكر أخر الزمان، فقال: المتمسك منهم يومئذ بريه كالقابض على الجمر. ومنها حيث آخر ذكر فيه أن الشهيد منهم يومئذ كشهيد بدر.

وفى حديث آخر أنه سئل عن الغرباء، فقال الذين يحيون ما أمات الناس من سنتى (1) .

وأما قول خير أمتى القرن الذى بعثت فيه" فلسنا نشك فى أن صحابته خير ممن يكون فى آخر الزمان. وأنه لا يكون لأحد من الناس، مثل الفضل الذى أتوه.

وإنما قال مثل: أشياء، مثل المطر لا يدرى أوله خير ام آخره "على التقريب لهم من صحابته كما يقال ما أدرى أوجه هذا الثوب أحسن أم مؤخره. 

ووجه أفضل ألا أنك أردت التقريب منه. 

وكما تقول: ما أدرى أوجه هذه المرأة أحسن أم قفاها. 

ووجهها أحسن إلا أنك أردت تقريب ما بينهما فى الحسن. 

ومثل هذا قوله فى تهامة: انها كبديع العسل لا يدرى أول خير أو آخره (2) 

وأنكر ثلة من أهل الكلام قوله صلى الله عليه وسلم لا تصلوا فى اعطان الأبل، لأنها خلقت من الشياطين- فقالوا: لم وصلتم نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فى أعطان الأبل، لأنها خلقت من الشياطين. 

قال ابن قتبية خاتما فى هذا الأغراض الذى أورده "ونحن نقول أن النبى صلى الله عليه وسلم وغير النبى" يعلم أن البعير تلده الناقة، وأنه لا يجوز أن تكون شيطانة تلد جملا ولا أ ناقة تد شيطانا. وإنما علمنا أنها فى أصل الخلقة- خلقت من جنس، خلت من الشياطين. 

 

 

 

 

ويدلك على ذلك، قوله فى حديث آخر: أنها خلقت من أعنان الشياطين "يريد من جوانبها ونواحيها" كما يقال بلغ فلان أعنان السماء، أى نواحيها وجوانبها. 

ولو كانت من نسلها لقال خلفت من نسلها أو بطونها أو أحلابها وما شبه هذا (1) 

ومما أدى بعض المتفقهة فيه التعارض أيضا قولهم رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم إلى الجنة، وصلاتكم قربانكم، ولا تقدموا بين أيدكم إلا خياركم" 

ثم رويتم: صلوا خلف كل بر وفاجر، ولا بد من أمام بر وفاجر 

قالوا وهذا تناقض وأختلاف. 

والحق أن هذا التعارض المدعى بين النصين، لا يستقيم مجال، إذ لكم حديث موضع، فإذا وضع كل واحد منها فى موضعه، زال وأندفع هذا الاختلاف المزعوم. 

وبيان ذلك- كما قال ابن قتيبة: إن قوله صلى الله عليه وسلم ليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم إلى الجنة ولا تقوموا بين أديكم الإ خياركم. أراد ائمة المساجد فى القبائل والمحال، وأن لا تقدموا منهم إلا الخير النقى القارئ ولا تقدموا الفاجر الأمى. 

وأما قوله: صلوا خلف كل بر وفاجر ولابد من أمام برا وفاجر فإنه يريد السلطان الذ يجمع الناس ويؤمهم إلى الجمع والأعياد يريد لا تخرجوا عليه، ولا تشقوا العصا، ولا تفارقوا جماعة المسلمين، وإن كان سلطانكم فاجرا، فإنه لابد من أمام برا أو فاجر ولا يصلح الناس إلا على ذلك ولا ينتظم أمرهم. 

وهل مثل قول الحسن: لابد للناس من وزعة، يعنى سلطان يزعمهم عن النظام والباطل، وسفك الدماء وأخذ الأموال بغير حق (2) 

ومن صور اعتراضات هؤلاء المتكلمين المتهافته أيضا ما قالوا عن قوله صلى الله عليه وسلم لو جعل القرآن فى إرهاب ثم ألقى فى النار ما احترق" فقد قالوا هذا خبلا نشك فى بطلانه لأن قد نرى المصاحف تحترق وينالها ما ينال غيرها من العروض والكتب. 

وهذا العمرى اعتراض متهافت ماله من الوجاهة من نصيب فإنه لهذا النص تأويلا، ذهب عليهم ولم يعرفوه ولم توجها، ففى عليهم لوم يتبينوه، وقد تولى بيان ذلك أمام أهل السنة فال وأنا مبينه إن شاء الله. 

 

 

 

 

حدثنى يزيد بن عمرو قال: سألت الأصمى عن هذا الحديث فقال: يعنى لو جعل القرآن فى إنسان ثم ألفى فى النار ما أحترق. 

وأراد الأصمعى أن من عمله الله تعالى القرآن من المسلمين وحفظه أياه، لم تحرقه النار يوم القيامة إن ألقى فيا بالذنوب كما قال أبو أمامة: احفظوا القرآن أو أقرو القرأن ولا تغرنكم هذه المصاحف فإن الله تعالى لا يعذب بالنار قلبا وعى القرآن. وجعل الجسم ظرفا للقرآن كالأهاب. وفيه قول آخر، وهو أن يرد المعنى فى قوله ما أحترق إليه القرآن لا إلى الإهاب (1) 

وأعترضوا أيضا على حديث "المعزى" وهو قول النبى صلى الله عليه وسلم استوصوا بالمغرى خيرا فإنه مال رقيق وهو من الجنة، فقالوا كيف يكون من الجنة وهو عندنا يولد؟ 

وإن كان فى الجنة معزى، فينبغى أن يكون فيها بقر، وإبل وحمير وخيل. 

قال ابن قتيبة منهن قول هؤلاء الطاعنين الغافلين: إنما أراد أن فىلجنة معزى وقد خلق الله هذه فى الدنيا لا مثلا. وكذلك أيضا الفأ والأبل والخيل .. ليس منها شئ إلا ولها فى الجنة مثال ... وإذا جاز أن يكون فى الجنة لحم جاز أن يكون فى معزة وضأن. 

قال بن قتيبة: ومما يدلك على ما قلت قال فى حديث آخر "أمسحوا الرغام من أفوفها فإنها من دواب الجنة. يريد أنها من الدواب التى خلقت فى الجنة (2) 

وسجل هؤلاء المعارضون اعترافا آخر على حديث"  الحياء "وهو قول النبى صلى الله عليه وسلم الحياء شعبية من الإيمان. اذ قالوا: الإيمان اكتساب، والحياء غريزة مركبة فى المرء، فكيف تكون الغريزة اكتساب؟

قال ابن قتيبة مجيبا عن الاعتراض: إن المستحى ينقطع بالحياء عن العاصى كما ينقطع بالإيمان عنها فكأنه شعبه منها، والعرب تقيم الشئ، أذا كان مثله، أو كان شبيعا به، سببا له.

الا تراهم سموا الركوع والسجود صلاة؟ وأهل الصلاة الدعاء.

حدثنى أبو الخطاب، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت الليث بن أبى سليم يحدث

عن واحل بن حيان، عن أبى وائل، عن ابن مسعود قال: كان آخر ما حفظ من كلام النبوة:" اذالم تستحى فاصنع ماشئت"

 

 

 

 

يريد: انه من لم يستحى، وكان فاسقا، ركب كل فاحشة، وقارف كل قبيح، لأنه لا يحجز. عن ذكر دين والاحياء. (1) 

أفما ترى الحياء قد صار 

والإيمان، يهلان عملا واحدا، فكأنها شئ واحد. (2) 

فهذا جعله من الاحاديث الى تولى ابن قتيبة تفسيرها وتوجيه معانيها مستمر شدا أن ذكر بنصوص حديثية أسعفت فى بلوغ غايته والوصول الى حاجته، والتى هى تنبيه الطاعنين فى هذه الأحاديث على أغلاطهم وايقاظهم من غفلتهم وتوجههم الوجهة الصحيحة فى دلالات ومقاصد هذا الأحاديث. 

 

 

 

 

ثالثا- تفسير الحديث بالشعر: 

لامراء فى أن الشعر اداة من الادوات الفنية التى تعتمد فى تفسير النص الشرعى قرآنا كانا أو حديثا نبويا، ومما على ذكر ويشهد له ما حفلت به كتب التفسير وشروحات كتب التفسير من نصوص شعرية استند اليها اهل العلم فى الابانة عن معنى هذا النص أوذاك. 

ولقد كان الشعر اداة من الادات التى أخذ بها ابن قتيبة فى درء التعارض ودفع التناقض الذى ادعى طائعة من أهل الكلام وقوعه بين بعض الاحاديث النبوية، جعله من المواضع التى استرشد فيها بالشعر للرد على اؤلئك الطاعنين فى الحديث والمحدثين: 

ادعى بعض أهل الكلام: أن بين قول النبى صلى الله عليه وسلم صلة الرحم تزيد فى العمر. 

وقول الله تعالى: فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. تناقضا بينا، فقالوا: كيف تزيد حالة الرحم فى أجل لا يتأخر عنه ولا يتقدم؟ 

وقد انبرى ابن قتيبة للرد على هذا الادعاء، فقال: ونحن نقول: إن الزيادة فى العمر، تكون بمعنين: أحدهما: السعة والزيادة فى الرزق، وعافية البدن، وقد قيل: الفقر، هو الموت الأكبر. (1) 

وللتدليل على هذا المعنى. اعنى التدليل على جواز استعمال الفقر لإفادة معنى الموت. ساق ابن قتيبة تصاحد يثيا ثم اتبعه بنص شعرى فقال: 

وجاء فى بعض الحديث "إن الله تعالى أعلم موسى عليه السلام انه يميت عدوه، ثم رآه بعد سيف الخوص. 

فقال: يارب، وعدتنى أن تميته. قال: قد فعلت، وقد أفقرته. 

وقال الشاعر: 
... 
ليس من مات فاستراح بميت 
... 
إنما الميت ميت الحياء
 

يعنى: الفقير 

فلما جاز أن يسمى الفقير موتا، ويجعل نقصا من الحياة، جاز أن يسمى الفنرا حياة، ويجعل زيادة فى العمر. (2) 

 

 

 

 

واستنكر قوم من المتكلمين قول النبي صلى الله عيه وسلم عن الله عز وجل ان كلتا يديه يمين إذا قالوا: هذا سيتحيل إن كنتم أردتم باليدين العضوين، وكيف تعقل يدان كلتا هما يمين؟ 

وهذا لعمرى خطأ من القول، وضعف فى الفهم وقصور فى الادراك، اذا كيف يخفى من لوم مثل هذا الحديث الصحيح على من كان على علم يليبان العرب -وأحسب المتكلمين من المتمرسين فى هذا الباب - فأن الناظر فى كلام الوب وجدها تحب التيامن، وشكره الثياسر، لما فى اليمين من التمام، ولما فى اليسار من النقص ولذلك قالوا: اليمين شؤم. (1) 

فاليمين من اليد: اليمين، والشئوم من اليد: الشؤمى، وهى اليد اليسرى، وهذا وجه بين. 

ولهذا الحديث توجيه آخر أورده ابن قتيبة فقال: ويجوز أن يريد باليدين العطاء جميعا، لأن اليمنى هى المعطية. فإذا كانت اليدان يمينين، كان العطاء بهما. 

وقد روى فى حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يمين الله سخاء لا يغيصها شئ الليل والنهار. 

أى تصب العطاء ولا ينقصها ذلك، والى هذا ذهب المرار. حين قال: 

وإن على الاوانة من عقيل 
... 
فتى كلتا اليدين له يمين. (2) 

وهذا الذى قاله ابن قتيبة فى مقر الحديث، تفسير مقبول حسى وتوجيه مستحسن متقبل. 

وادعى أناس من أهل الكلام أن حديث إعوار موسى لمك الموت. يكذبه النظر ويقبله العقل. 

قال ابن قتيبة موضحا لهؤلاء القوم وجه الصواب فى هذه المسألة: ونحن نقول: إن هذا الحديث حسن الطريق عند أصحاب الحديث، 
... 
وله تأويل صحيح لايدفعه النظر.
 

ثم قال: والذى نذهب إليه فيه أن ملائكة الله تعالى رومانيون، والرومانى منسوب إلى الروح نسبة الخلقة، فكأنهم أرواح لا حبشت لهم، فتلحقها الأبصار، ولا عيون لها كعيونتنا، ولا أبشار كأبشارتنا. (3) 

ولسنا نعلم كيف هيأهم الله تعالى. لأنا لا نعلم من الاشياء الا ما شاهدنا وألا ما رأينا له مثالا. 

وكذلك الجن، والشياطين، والغيلان هى أرواح، ولا نعلم كيفيتها. 

وكانت العرب تدعوا الملائكة جنا لأنهم اجسوا عن الأبصار، كما اجتنت الجن. 

 

 

 

 

قال الأعشى يذكر سليمان بن داود عليهما السلام 

وسخر من حب الملائكة تسعة 
... 
قياما لديه يعلمون بلا أجر.
 

وقد جعل الله سبحانه وتعالى للملائكة من الاستطاعة، أن تتمثل فى صور مختلفة .. وكذلك جعل للجن أن تتمثل فى صور مختلفة، كما جعل للملائكة. 

وليس ما تتنقل إليه من هذه الامثلة، على الحقائق، انما هى تمثيل وتخييل، لتلحقها بالأبصار. (1) 

ولما تمثل ملك الموت لموسى عليه السلام، وهذا ملك الله، وذاكر بنى الله، وجاذبه، لطمه موسى لطمة أذهبت العين التى هى تخيل وتمثيل، وليست حقيقة، وعاد ملك الموت عليه السلام إلى حقيقة خلقته الروحانيه، كما كان. لم يتنقص منه شئ. (2) 

فأندرأ -ولله الحمد ولمسه - بهذا البسط والتحليل الأشكال الذى آثاره المتكلمون حول الحديث

ومما أثر عن بعض أهل الكلام مما ادعوا فيه التناقص أيضا قولهم: إن حديث أنس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب الرجل قائما. قلت فالأكل؟ قال: الأكل أشد منه. 

تناقض مع حديث ابن عمران، رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب وهو قائم. 

قال ابن قتيبة: ونحن نقول: انه ليس، ها معناه تناقض. 

لأن الحديث الأول فيه فهى عن أن يشرب الرجل أو يأكل ماشيا: (3) وهى يريد لذلك أن يكون شربه وأكله على طمأنينه، وأن لا يشرب، اذا كان مستعجلا فى سفر أو حاجة وهو يمشى، فينا له من ذلك شرق، أو تعقد من الماء فى صدره. 

والعرب تقول: قم فى حاجتنا "لا يريدون أن يقوم فحسب" وانما يريدون "امش فى حاجتنا اسع فى حاجتنا" . 

ومن ذلك قول الأعشى: 
... 
يقوم على الوغم قومه 
... 
فيعفوا إذا شاء أو ينتقم.
 

يريد بقوله "يقوم على الوغم" أن يطالب بالذل، ويسعرا فى ذلك حتى يدركه. ولم يرد أنه يقوم من غير أن يمشى. 

وفى الحديث الثانى "كان يشرب وهو قائم" يراد: غير ماش ولا ساع. ولا بأس بذلك، لأنه يكون على طمأنيته، فهو بمنزلة القاعد. (4) 

 

 

 

 

ومما وقع فيه التدافع أيضا -حسب زعمهم - قول النبي صلى الله علىه وسلم: الرؤيا على رجل طائر، مالم تعبر، فإذا عبرت وقعت. (1) 

إذا قالوا: كيف تكون الرؤيا على رجل طائر؟ وكيف تتأخر عما تبشر به أو تنذر منه، بتأخر العبارة لها، وتقع إذا عبرت؟ وهذا يدل على انها إن لم تعبر، لم تقع. 

قال ابن قتيبة: ونحن نقول: ان هذا الكلام خرج مخرج كلام العرب وهم يقولون للشئ، إذا ام يستقر "هو على رجل طائر وبين مخاليب طائر وعلى قرن ظبيى." 

يريدون: أنه لا يطمئن ولا يقف: 

قال رجل فى الحجاج بن يوسف: 

كأن فؤادى بين أظفار طائر 
... 
من الخوف فى جو السماء متحلق
 
حذار امرى قد كنت أعلم أنه 
... 
متى ما يعد من نفسه الشر يصدق
 

وقال المرار، يذكر فلاة تنزو من مخافتها قلوب الأدلاء: 

كأن قلوب أولائها 
... 
معلقة بقرون الظباء. (2) 

يريد انه ينزو تجب فكأنها معلقة بقرون الظباء، لأن الظباء لا تستقر، وما كان على قرونها، فهو كذلك: 

وقال امرؤ القيس: 
... 
ولا مثل يوم فى قدار ظللته 
... 
كأنى وأصحابى على قرن أعفرا
 

يريد أن لا نستقروا ولا نطمئن. فكأنا على قرنى ظبى، وكذلك الرؤيا على رجل طائر مالم تعبر -يريد أنها تجول فى الهواء حتى تعبر فإذا عبرت وقعت. 

ولم يرد أن كل من عبرها من الناس وقعت كما عبر، وإنما اراد بذلك بما، المصيب الموفق. 

وكيف يكون الجاهل المخطئ فى عباراتها، لها عابرا، وهو لم يقارب؟ وأنما يكون عابرا لها إذا أصاب. (3) 

يقول الله عز وجل "إن كنتم للرؤيا تعبرون" يريد أن كنتم تعلمون عبارتها. ولا أراد أن كل رؤيا تعبر وتتأول لأن أكثرها أضغاث أحلام. 

 

 

 

 

فمنها ما يكون عن غلبة الطبيعة. ومنها ما يكون عن حديث النفس، ومنها ما يكون من الشيطان. 

وإنما تكون الصحيحة، التى يأتى بها الملك ملك الرؤيا عن نتيجة أم الكتاب ومنها ما يكون من الشيطان. 

وهذه الصحيحة هى التى تجول حتى يعبرها العالم بالقياس الحافظ للأصول، المرفق للصواب، فإذا عبرها وقعت كما عبر (1) 

قال أبو محمد: حدثنى يزيد بن عمرو بن البراء، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفى، قال ناقرة ابن خالد، قال: سمعت محمد بن سيرين يحدث عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الرؤيا ثلاثة، فرؤيا بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا يحث بها الإنسان نفسه فيراها فى النوم. 

وأعترض ثلة من المتكلمين على صحة قول النبى صلى الله عليه وسلم أكفلوا من العمل ما تطيقون فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا. فقالوا لم جعلتم الله تعالى يمل إذا مل العباد- والله تعالى لا يمل على كل مال ولا يكل. 

وهذا لعمرى غلط عظيم، وذلك كبير قال ابن قتيبة: ونحن نقول إن التأويل لو كان على ماذهبوا إليه، كان عظيما من الخطأ فاحشا. 

ولكنه أراد، فإن الله سبحانه لا يمل إذا مللتم ومثال هذا، قوله فى الكلام (2) 

هذا الفرس لا يفتر حتى تفتر الخيل. 

لا تريد بذكر أنه يفتر إذا فترت، ولو كان هذا هو المراد، ما كان له فضل عليها، لأنه يفتر معها، فأية فضيلة له؟ وإنما تريد، أنه لا يفتر إذا افترت (3) 

وكذل تقول فى الرجل البليغ فى كلامه، والمكثار الغزير فلان لا ينقطع حتى تنقطع خصومه. تريد أنه لا ينقطع إذا أنقطعوا ولو أردت أنه ينقطع إذا أنقطعوا لم يكن فى هذا القول فضل على غيره ولا وجبت له به مدقة. وقد جاء مثل هذا بعينه، فى الشعر المنسوب إلى بان أخت "تأبط شرا" وقال أنه لخلف الأحمر: 

مليت من هذيل بخرق 
... 
لا يمل الشر حتى يملوا
 

لم يرد أن يمل الشر إذا ملوه، ولو أراد ذلك، ما كان فيه مدح له لأنه بمنزلتهم- وإنما أراد أنهم يملون الشر وهو لا يمله (4) 

 

 

 

 

رابعا: تفسير الحديث بما ورد فى الكتب السماوية المقدسة: 

كان ابن قتيبة على إطلاع واسع على الكتب السماوية المقدسة- وخاصة منها التوراه والأنجيل يؤكد على ذلك ما حوته مؤلفاته من نصوص اقتبسها من هذين الكتابين السماويين المقدسين وكان يسوق تلك النصوص قاصدا بها إلى الإيضاح والتفسير. 

ولقد جرى على هذا المنهج فى معرض رده على الطاعنين فى الحديث وأهله، فكان يورد نصوصا من التوراه قصد الاستزادة من البيان والتوضيح، وهذه مواضع أذكرها لتقرير ما ذكرته عن أخذ ابن قتيبة بنصوص تورايته فى تفسر الحديث

أنكر طائفة من أهل الكلام قول النبى صلى الله عليه وسم: خمس فواسق يقتلى فى الحل والحرم والغرب والحدأة والكلب، والحية، والفأرة إذ قالوا: لو قال: أقتلوا هذه الخمسة وخمسة معها، لجاز ذلك فى التعبد. فأما أن تقتل لأنها فواسق، فهذا لا يجوز لأن الفسق والهدى لا يجوز على شئ من هذه الأشياء. 

وللرد على هذا المطعن المتهافت قال ابن قتيبة: قرأت أيضا فى التوراة أن الله عز وجل قال لآدم - حين خلقه- كل ما شئت من شجر الفردوس ولا تأكل من شجرة علم الخير والشر، فإنك يوم تأكل منها تموت، يريد أنك تتحول إلى حال من يموت (1) 

وكانت الحية أعزم دواب البر، فقالت للمرأة: إنكما لا تموتان إن أكلتما منها، ولكن أعينكما تتفتح وتكونان كالألهة تعلمان الخير والشر (2) 

فأخذت المرأة من ئمرتها فأكلت وأطعمت بعلها، ففتحت أبصارها وعلما أنهما عريانان، فوصلا من ورق التين واصطصفاه ازارا ثم سمعا صوت الله تعالى فى الجنة، حين تورك النهار فاختبأ أدم وأمرأته فى شجر الجنة فدعاهما. 

فقال آدم: سمعت صوتك فى الفردوس ورأيتنى عريانا فاختبأت منك. 

فقال: ومن أراك أنك عريان، لقد أكلت من الشجرة التى نهيتك عنها. 

فقال: أن المرأة أطعمتنى. 

 

 

 

 

وقالت المرأة: إن الحية أطغتنى. 

فقال الله جل وعز للحية: من أجل فعلك هذا، فأنت ملعونة وعلى بطنك تمشين وتأكلين التراب، وسأغرى بينك وبين المرأة وولدها فيكون يطأ رأسك وتكونين أنت تلدغين بعقبه. 

وقال للمرأة: وأما أنت فأكثر أوجاعك وأحبائك وتلدين الأولاد بالألم وتردين إلى بعلك حتى يكون سلطا عليك. 

وقال لأدم صلى الله عليه وسلم، ملعونة الأرض من أجلك وتنبت الحاج والشوك وتأكل منها بالشقاء ورشح جبيك حتى تعود إلى التراب من أجل أنك تراب. 

قال أبو محمد: إنما ترى أن الحية أطغت وأخترعت فعلنها الله تعالى وغير خلتها وجعل التراب رزقها (1) 

قال أبو محمد: إنما يجوز أن تسمى هذه فاسقة وعاصية وكذلك الغراب بمعصيته نوحا صلى الله عليه وسلم (2) وهذا الذى ساقه ابن قتيبه وجيه ومتقبل لملاءمته المقام فلا وجه إذا لعدن قبوله. 

قال بعض أهل الكلام: رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر عمرو بن العاص أن يقضى بين قوم، وأن عمرا قال له: أقضى، يا رسول الله، وأنت حاضر؟. 

فقال له: اقضى بينهم، فإن أحسبت. فلك عشر حسنات، وإن اخطأت، فلك حسنة واحدة. 

وقد اعترضوا على هذا الحديث فقالوا: وهذا الحكم لا يجوز على الله تبارك وتعالى. (3) وذلك أن الجتهاد الذى يوافق الصواب من عمرو: هو الا جتهاد الذى يوافق الخطأ، وليس عليه أن يصيب انما عليه أن يجتهد، وليس يناله فى موافقة الصواب من العمل، والقصة، والعناية، والاحتمال المشقة، الا ما يناله، فى موافقته الخطأ. 

فبأى معنى يعطى فى أحد الاجتهادي من حسنة، وفى الآخر عشرا؟ 

 

 

 

 

وقد تصدى ابن قتيبة لدفع هذا الاشكال المثار حول الحديث فقال: ونحن نقول إن الاجتهاد مع موافقة الصواب، ليس كالاجتهاد مع موافقة الخطأ ... ولكنا نقول: إن من وراء اجتهاد كل امرئ توفيق الله تعالى، وفى هذا كلام يطول، وليس هذا موضعه. 

وقد يستوى الناس فى الأعمال، ويفضل الله عز وجل من يشاء، فإنه لا دين لأحد عليه، ولاحق له قبله. (1) 

ثم قال: اى ابن قتيبة - موردا نصامى الا نحيل يشهد لصحة ما ذكره: وقرأت فى الأنجيل: أن المسيح عليه السلام، قال للحواريين "مثل ملكوت السماء، مثل رجل، فرج غلسا، يستأجر عمالا لكرمه، فشرت لكل من عامل دينارا فى اليوم، ثم أرسلهم إلى كريمه. 

ثم خرج فى ثلاث ساعات، فرأى قوما بطالين فى السوق، فقال: اذهبوا أنتم أيضا إلى الكرم فغنى سوف اعطيكم الذى ينبغى لكم فانطلقوا. 

ثم خرج فى ست ساعات، وفى تسع ساعات وفى احدى عشر ساعة ففعل مثل ذلك. 

لما امسى قال لامينة: اعط العمال اجورهم ثم ابدا باخرهمن حتى بلغ اولهمز 

فاعطاهم فسوى بينهم فى العطية فما اخذوا حقوقهم سخطوا على رب الكرم وقالوا غنما عمل هؤلاء ساعة واحدة فجعلتهم اسوتنا فى الأجرة. 

فقال ك ابى لم اظلمكم أعطيتكم الشرط وجدت لهؤلاء والمال مالى أصنع به ما أشاء. كذلك يكون الأخرين، الآخرون الأولين (2) 

ومما أدعى فيه بعض الكلام أيضا التعارض قول النبى صلى الله عليه وسلم ترون ربكم يوم القيامة ما ترون القمر ليلة البدر، لا تظلون فى رؤيته. فقد زعموا أنه متناقض مع قوله تعالى: { تدركه الأبصار وهو يدرك الإبصار } وقالوا: ليس يجوز فى حجة العقل، أن يكون الخالق يشبه المخلوق فى شئ من الصفات، وقد قال موسى عليه السلام { رب أرنى أنظر إليك قال لا ترانى } . 

وأدعوا أن هذا الحديث على فرض صحته- يتعين أن يكون المراد بالرؤية فيه العلم كما قال الله تعالى. ألم ترالى ربك كيف من الظل. وقال أمل تعلم أن الله على كل شئ قدير (3) 

 

 

 

 

وقد أوضح ابن قتيبة فى موض رده على هذا الإدعاء: إن المراد بالرؤية فى الحديث فى الأخرة وأما الأية فالمراد فيها الرؤية فى الدنيا، فعلى هذا ليس هناك أى تناقض بين النصين. 

ثم إنه زكى هذا المعنى الذى هذه إليه بقوله: وقرأت فى الإنجيل أن المسيح عليه السلام حين فتح فاه بالوحى قال: طوبى للذين يرحون، فعليهم تكون الرحمة، طوبى للمخلصة قلوبهم، فإنم الذين يرون الله تبارك وتعالى، والله تبارك وتعالى يقول: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة. (1) ويقول فى قوم سخط عليهم " كلا أنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم صالوا الجحيم3 (2) 

أفما فى هذا القول، دليل على أن الوجوه الناضرة، التى هى إلى ربها ناظرة هى التى لا تحجب إذا حجبت هذه الوجوه؟ 

فإن قالوا لنا: كيف ذلك النظر والمنظور إليه؟ 

قلنا: نحن لا نتهتى فى صفاته - جل جلاله إلا إلى حيث انتهى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ندفع ما صح عنه لأنه لا يقوم فى أوهامنا، ولا يستقيم على نظرنا، بأن نؤمن بذلك من غير أن نقول فيه بكيفية أوحد، أو أن نقيس على ما جاء، مالم يأت وترجو أن يكون فى ذلك من القول والعقل سبيل النجاة، والتخلص من الأهواء كلها غدا إن شاء الله تعالى (3) 

فهذه جملة من المواضع التى أستأمن فيها ابن قتيبة بنصوص التوراه والأنجيل لتعضيه ما ذهب إليه فى معنى الحديث، والظاهرات تلك النصوص توافق فى روحها وجوهرها ما جاءت به الايات والسنن والأثار فلا غضاضة إذن من اعتمادها فى تأكد المعنى وتشبيه، ولا يعتبر ذلك بحال تحكيما للنص التوارنى أو الإنجيلى فى النص الشرعى- ومن حسب الأمر كذلك فقد أخطأ الفهم وزاغ عن المراد. 

إن أعتماد ابن قتيبة على نصوص من التواره والأنجيل لم يكن لغرض تأسيس معنى جديد وإنما كان لتقرير أمرا أو حكم بنية القرآن أو السنة فالأمر إذا لا يتجاوز حدود الاستئناس بالنص التوارى أو الأنجيلى وقد أطبق جمهور اهل الفقه والتفسير على جواز ذلك وقبوله. 

 

 

 

 

 

الخاتمة

 

كانت تلك جولات قمت بها فى موضوع سيرة ابن قتيبة وتكوينه العلمى ومنهجه فى كتابه تأويل مختلف الحديث. وقد أفضت هذه الدراسة الى جملة من النتائج يمكن اختزالها فيما يلى: 

1 ـ يمثل كتاب "تأويل مختلف الحديث" صورة مصغرة للصراع الحاد الذى كان قائما بين المتكلمين وأهل السنة. 

2 ـ أن الذى أوقع بعض أهل الكلام فى آثارة بعض الاشكال حول بعض الاحاديث، وادعاء وقوع التناقض والتعارض بين أحاديث آخرى لا يخرج عن أحد أمرين: 

أولهما: نظرتهم إلى النص مجردا عن سياقه، وليس نجاف ما للسياق من دور فى تحديد المعنى الحقيقى المراد من النص، فإن إغفال دور السياق فى هذه العملية يفض بالدراس إلى التقسيم فى تفسير النص ولا يسلم باحال من الغلط فى ايضاح معناه والكشف عن المراد منه. 

ثانيهما: عدم اعتدادهم بالسند، فكم من حديث صح أسناده فلم يكثروا به، وكان حريا بهم أن يقدروا الاسناد حق قدره، وأن يراعوا حق مراعاته ... وقد أفض بهم ذلك إلى انكار أحاديث اتفق أهل العلم على صحة نسبتها إلى رسول الله، وذلك تعصبا لآرائهم المذهبية. 

3 ـ لقد تعسف بروكلمان اذ زعم أن تفسيرات ابن قتيبة متصنعة ويائسة، فقد أبانت هذه الدراسة عن أن تفسيرات ابن قتيبة مبرأة من التصنع واليأس وليس فيها شئ من التكلف، وانما حمل بروكلمات على ما قال: رغبته فى الانتصار لمزاعم اولئك المتكلمين الطاعنين فى الحديث وأهله ورد الاعتبار لآرائهم المتهافتة التى لاحظ لها من الوجاهة ولا تمت إلى الصحة بصلة. 

4 - لقد كان ابن قتيبة فى ردوده ومناقشته لاعتراضات المتكلمين على بعض الاحاديث، صاحب منهج علمى قويم، اذ كان يستمد ادواته فى التفسير من القرآن والسنة ومن الشعر والتوراه والانجيل وذلك امعانا فى رغبته فى الإنابة عن تاهفت ادعاءت هولاء والكشف عن منساد من منه فيها زعموه. 

5 ـ انحصر ما أثاره المتكلمون من اشكالات واعتراضات على بعض الاحاديث فى قضايا العقيدة -وذلك أننا نرى ان اكثر الأحاديث إلى أنكروها تقلق بالتوضيح وصفات الله تعالى، واسمائه وقدرته ونعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار وعذاب الرزاح واللوح المحفوظ وغير ذلك من الاصور إلى منت أصول الدين وألى لا يعلمها بنى إلا بوحى من الله تعالى. 

 

6 ـكان ابن قتيبة كثير التردد على مجالس أهل الكلام، يدلك على ذلك أن منهجه الدفاعى عن أهل السنة منهج عقلى يشبه إلى حد كبير منهج "مدرسة المعتزلة" الذى على آليه المجاز والتوسع فى التأويل

7 ـ يبدو وأن ابن قتيبة قصد من تأليف هذا الكتاب إلى الرد على المعتزلة -بالدرجة الأولى -ويشهد لهذا الذى قلناه: أن كثيرا منت القضايا الكلاسية التى تعرض لابطالهان الكتاب تعد من مبادئ المدرسة الأعتزالية: كقضية خلق القرآن وقضية إنكاره رؤية الله يوم القيامة وقضية القول بالقدر. 

هذه جملة من النتائج التى أمكن استخلالها من أطوار هذه الدراسة والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الظاهرين وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 

 

فهرس المصادر والمراجع 

فهرس الموضوعات 

 

 

فهرس المصادر والمراجع

 

- القرآن الكريم 

[1] أدب الكتاب 

- ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدنيورى المتوفى 270 هـ. 

تحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد. 

[2] الأعلام: 

- خير الدين الزركلى. 

دار الملايين- بيروت- لبنان. 

[3] الأنساب: 

- أبو المنطفر السمعانى. 

[4] الاقتضاب فى شرح أدب الكتاب. 

- ابن السيد البطليوسى 

ط: 1973 - دار الجيل - بيروت - لبنان. 

[5] انباه الرواة على انباه النحاة. 

- الوزير جمال الدين القفطى المتوفى 646 هـ. 

تحقيق الدكتور: محمد أبو الفضل إبراهيم. 

القاهرة- مطبعة دار الكتب المصرية 1950 - 1955. 

[6] البداية والنهاية: 

- أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشى الدمشقى. 

الطبعة الثانية - مكتبة المعارف، بدون تاريخ - بيروت- لبنان. 

 

[7] بغية الوعاة فى طبقات اللغويين والنحاة. 

- السيوطى: جلال الدين أبو بكر بن عبد الرحمن المتوفى سنة 911 هـ. 

نشر: دار المعرفة - بيروت - لبنان. 

[8] تاريخ الأدب العربى: 

- كارل بركلمان- الطبعة الرابعة - نقل إلى العربية: عبد الحليم النجار. 

الناشر: دار المعارف. 

[9] تاريخ بغداد: 

- الخطيب البغدادى: أحمد بن على المتوفى 463 هـ. 

طبعة: دار الكتب المصرية، بدون تاريخ. 

[10] تأويل مختلف الحديث

- ابن قتيبة الدنيورى المروزى المتوفى 270 هـ. 

ط: دار الكتب العربى - بيروت - لبنان. 

وطبعة أخرى: بتصحيح وضبط: محمد زهرى النجار. 

[11] تأويل مشكل القرآن: 

- ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم المتوفى 270 هـ. 

تحقيق: السيد أحمد صقر. 

نشر دار التراث - القاهرة 1393 هـ 1973 م. 

[12] دائرة المعارف الإسلامية: وقد اعتمدت على النسخة الأصلية المكتوبة بالإنجليزية. 

The Encyclopaedia of Islam- New Edition 

Prepared by a number of leading Orientalists 

Edited by: B. Lewis, V.L. Menage, CH. Pellat and J.Schacht Leiden: E.J. Brill 1971. 

 

[13] الخيرة فى محاسن أهل الجزيرة: 

- أبو الحسن على بن بسام الشنرينى المتوفى 542 هـ. 

تحقيق: إحسان عباس - الطبعة الثانية 1399 - 1979. 

دار الثقافة - بيروت - لبنان. 

[14] شذارات الذهب فى اخبار من ذهب. 

- ابن العماد الذهبى: أبو الفلاح عبد الحق المتوفى 1089 م. 

منشورات: دار الأفاق الجديدة - بيروت - لبنان. 

[15] الشعر والشعراء: 

- ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينورى المتوفى 276 هـ. 

حقيقة وضبط نصه: مفيد قصيصة، وراجعة: يفم زرزورة. 

الطبعة الثانية 1405 هـ / 1985 م. 

دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. 

[16] العبر فى خبر من غبر: 

- الذهبى: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحد بن عثمان المتوفى 748 هـ. 

تحقيق: أبو المهاجر محمد السعيد بن بسيونى زغلول. 

ط: دار التب العلمية - بيروت - لبنان. 

[17] عيون الأخبار 

- ابن قتيبة الدينورى: 

تحقيق الدكتور يوسف على الطويل- دار الكتب العلمية - بيروت. 

الطبعة الأولى 1406 هـ / 1986 م. 

[18] غريب الحديث

- الخطابى: أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم المتوفى 388 هـ. 

تحقيق: عبد الكريم إبراهيم الغرباوى - ط 1402 هـ/ 1982 م. 

 

[19] الفهرست: 

- ابن النديم - المطبعة الرحمانية بمصر 1348 هـ. 

[20] ابن قتيبة: 

- تأليف الدكتور محمد زغلول سلام. 

مجموعة نوابغ الفكر العربى العدد (19) . 

ط: دار المعارف - مصر. 

[21] القرطين: 

- ابن مطرف الكنانى 

الطبعة الأولى 1355 هـ- على نفقة مكتبة الخانجى. 

شارع عبد العزيز - مصر. 

[22] ابن قتيبة وجهوده فى الدرس اللغوى: 

- عصمت عبد العزيز مرزوق غنام. 

بحث مقدم لنيل درجة الماجستير فى الآداب 1984 - قيم العربية تحت إشراف- الأستاذ الدكتور طاهر سليمان حموده- والأستاذ محمد بدرى عبد الجليل- كلية الآداب- جامعة الإسكندرية. 

[23] كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون: 

- حابى خليفة: مصطفى بن عبد الله. 

مشورات مكتبة المثنى ببغداد - بدون تاريخ. 

[24] كيف أفهم النقد: 

- جبرائيل سليمان جبور 

الطبعة الأولى 1983 م. 

مشورات دار الآفاق الجديد- بيروت - لبنان. 

[25] لسان العرب: 

 

- ابن منظور 

دار صادر للطباعة والنشر 1375 هـ/ 1956 م. 

بيروت - لبنان. 

[26] لسان الميزان 

- ابن حجر: الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن على بن حجر العسقلانى- نشر مؤسسة الأعلمى للمطبوعات- بيروت - لبنان. 

الطبعة الثانية 1309 هـ / 1971. 

[27] مراتب النحويين: 

- أبو الطيب اللغوى. 

[28] المعارف: 

- ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة 

الطبعة الأولى 1987 م- دار الكتب العلمية. 

بيروت- لبنان. 

[29] ميزان الاعتدال 

- الذهبى: أبو عبد الله شمس الدين أحمد بن محمد بن عثمان المتوفى 748 هـ. 

تحقيق: على محمد البيحاوى - نشر: دار الفكر العربى. 

[30] النجوم الزاهرة فى أخبار ملوك مصر والقاهرة: 

- ابن تغرى بردى الأتابكى. 

مطابع: كوستانسوماس وشركاؤه. 

[31] وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: 

- القاضى: أحمد بن خلكان المتوفى: 681 هـ. 

 

  • الاحد PM 03:04
    2021-07-25
  • 2821
Powered by: GateGold