ملحق :-
بسم الله الرحمن الرحيم
تعضيداً للمبحَث السابق الذي تكلّم عن ( عقيدة الزيدية من غير طريق السادة الرسيّة ) ، اضع هُنا ترجمَة لعَلَمٍ فاطميٍّ حُسيني كوفي ، عاصرَ القرن الثالث ، ذا اتجاهٍ زيديٍّ بارز ، ولا غرابَة في زيديته (ع) ، لأنّ سلفَهُ على هذا المنهج قد سبقوه ( كما تقدّم ) ، نعم ! هُنا أضع ترجمةً مُختصرَةً جدّاً عن حمّاني أهل البيت (ع) ، مُبرزاً فيها زيديّته ( لأنّها المهمّة في هذا المَقام ) قدر المُستطاع .
===========
بسم الله الرحمن الرحيم
لآل البيت (ع) أعلامٌ شاءت المقادير الحياتيّة ( وإن شئتَ قُل شاءت السّياسَات المَذهبيّة ) أن لا نَعلَم عنهُم شيئاً ، فكَم من عالمٍ منهم لا ندري عَن مَبلغِ علمِه شيئاً ، وكَم مِن مؤلّفٍ لهُم لا ندَري عنهُ شيئاً ، والحقّ يُقال أتفاجأ بأبناء العترة الرضيّة المرضيّة لا يَعلمونَ عن تاريخِ آباءهِم ، عن تيّاراتهم عَن مذاهبهِم ، عن تراثهم الفكري ( إن كانَ لهُم تراثٌ كتابيٌ خالد ) ، لا يعلمونَ عَن ذها كلّه شيئاً ( والعُذر يَعذُرُ مَن كانَ يَجهلُهَا ، ولكن لا يَعذُر مَن علِمَها وأيقَنَها ، ثمَّ تجاهلَها ، بل إنّه سيحتقرُهُ بطرقه الخاصّة ) ، نعم ! لا يهّمني هُنا الإطالَة حول هذا الموضوع المؤلم نِقاشُه ، ولكن يهمّني أن أُبرِزَ شخصيّة من أعظَم شخصيات أبناء الحسين (ع) في زمانه :
نَسبهُ الشريف :
هُوَ زاهدُ الآل وعَلَمُهُم : علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) .
لقبه :
كان (ع) يُلقّب الأفوه ، و الكوفي، والحمّاني ، وبالأخير اشتُهِر .
مكانتهُ الاجتماعيّة في ذلك الزّمان :
* قال عنه المسعودي ، والضميرُ يعود على علويي الكوفة : (( نقيبهُم .. وشاعرُهُم ، ومدرسّهم ، ولِسانُهُم ، ولَم يَكُن أحدٌِ بالكوفَة من آل علي بن أبي طالب يتقدَّمهُ في ذلك الوقت )) .
موهبة الحمّاني الشعرية ، وذِكرُ ديوانه :
* قال علي بن محمد الحمّاني (ع) مُتحدّثاً عن نفسِه : (( أنا شاعرٌ ، وأبي شاعرٌ ، زجدي شاعرٌ ، وأبو جدّي شاعر ، إلى أبي طالب )) ، والحقّ أن ليسَ في قولهِ مُبالَغة أو ادّعاء فلآبائه أشعارٌ مأثورَة معروفة عند أهل الشأن .
* قال عنهُ الإمام علي الهادي بن محمد الجواد (ع) : (( إنّهُ أشعرُ العرب )) .
* قال ابن عنّبة في عمدة الطالب : (( لهُ ديوانٌ مَشهور ، وشِعرٌ مذكور )) .
- قُلتُ : وديوانهُ اليومَ مَطبوعٌ اجتهدَ في إخراجه محقّقه ( الدّكتور محمّد حسين الأعرجي ) اجتهاداً ملحوظاً ، فله منّا الدّعاء بوافر البركات في الدّنيا والآخرَة ، وأصدرتهُ ( دار صادر للطباعة والنشر ، ببيروت ) .
علي بن محمدّ الحمّاني (ع) زيديّ المَذهَب :
قال الدكتور محمد حسين الأعرجي "محقّق الدّيوان" : (( وشِعرُ الحمّاني الذي وَصلَ إلينَا مُوزّعٌ على أغراضٍ عديدةٍ منها : الشكوى ، والفَخر ، ... ، والسياسَة ، والعقيدَة ، ولكن الاتجاهين الأخيرين أغلبُ على شِعرِه ، حتّى إنّكَ لَتَجِدُ العقيدة الشيعيّة الزيدية غالبةٌ حتى على بعض إخوانيّاته )) اهـ .
قُلتُ : ولَقَد تتّبعُت تاريخَ الحمّاني (ع) ومواقفَه ، فمَا وَجدتُهُ إلاّ ذا عَقيدَةٍ زيديّة ، قوّاها عندي أمور ، منها:
الأمر الأوّل :
قُربهُ الميداني والرّوحِي بثورَة إمام الزيدية يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن الحسين السبط (ع) في الكوفَة ، والتي نجَا منها مُثبّت دعائم الزيدية في بلاد طبرستان الدّاعي الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط (ع) ، ( لمزيد اطلاع موثّق بالمصادر ) نعم ! ويدلّ على علاقته المعاصرِة لآلام أهل البيت (ع) بالكوفة وثورة يحيى بن عمر (ع) ، مراثي الحمّاني الحاكيَة عَن أليمِ المرارة التذي تذوّقها صاحبها ( وسنقفُ على بعضٍ منها قريباً ) .
الأمرُ الثّاني :
أشعارهُ المتضمنُ عليها ديوانه ، فهُوَ شيعيٌّ زيديٌّ بشهادَة مُحققه الدكتور الأعرجي ، شيعيٌّ زيديٌ بشهادةِ أقوالهِ التي تُظهرُ تقديمهُ وتفضيلَه لأمير المؤمنين ( علي بن أبي طالب (ع) ) على أبي بكر وعُمر وعثمان غفر الله لهم أجمعين .
تفضيل الحمّاني (ع) لعلي بن أبي طالب (ع) على المشائخ :
1- قال (ع) ، وكأنّهُ يتحدّث عن نفسهِ ويفاخر ، أنّه ابنُ مَن ردّ الله لهُ الشّمس حينَ المغيب ( وهذا ثابتٌ عند الزيدية ) ، وأنّهُ ابنُ من لهُ شأنٌ عظيم يوم القيامَة ( وهُو ثابتٌ عند الزيدية ) ، ثمّ يُبيّن أن الإمام علي (ع) هُو مولى المؤمنين وأحقّهم بمقام رسول الله (ص) بنصّ خبر الغدير : (( مَن كُنتُ مولاه فعليٌّ مولاه )) ، ( وهذا أيضاً ثابتٌ عند الزيدية ) ، وإنشاءهُ (ع) :
ابنُ الذي رُدّت عَليـ = ـهِ الشّمسُ في يومِ الحجَاب
وابنُ القَسيم النّار في = يومِ المواقفِ والحِساب
مولاهُم يومَ الغَديـ = ـر ، بُرُغمِ مُرتابٍ وآبي
2- وهُنا يُثبت الوصايَة ، وعدد من الخصائص التي تؤمنُ بها الزيدية في علي (ع) ، فقال (ع) :
بينَ الوصيِّ وبينَ المُصطفَى نَسبٌ = تَختالُ فيه المَعالي والمَحاميدُ
كانَا كَشمسِ نَهارٍ في البروج كَمَا = أدارَها ثَمَّ إحكامٌ وتجويدُ
كسيرِها انتَقلا من طاهرٍ عَلمٍ = إلى مُطهّرَةٍ آباؤهَا صيدُ
تفرَّقا عندَ عبدالله ، واقترنَا = بعدَ النبوَّة ن توفيقٌ وتسديدُ
وذَرَّ ذو العرش ذرَّا طابَ بينَهُما = فانبثَّ نورٌ له في الأرض تخليد
نورٌ تفرّق عند ذي البَعث ، وانشَعَبَت = منهُ شعوبٌ لهَا في الدّين تمهيدُ
هُم فِتيَةٌ كسيوف الهند طالَ بهِم = عَلى المُطاوِلِ آباءٌ مناجيدُ
إلى آخر شعره (ع) .
3- وهُنا ، يُثبت الحمّاني مُؤاخاة الرّسول لعلي بن أبي طالب ، وإمامته بخبر المنزلة : (( علي منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنه لا نبيّ بعدي )) ، فانشأ (ع) قائلاً :
فآخَى عليّاً دونَكُم ، وأصارَهُ = لكُم عَلماً بينَ الهِدايَة والكُفر
وأنزلَهُ منهُ على رغمَة العِدى = كَهارونَ من موسى على قِدَم الدّهر
فَمن كانَ في أصحاب موسَى وقومِه = كهارون ؟ لا زِلتُم على زلل الكُفر
وأنزلَهُ منهُ النّبي كَنفسِه = روايةُ أبرارٍ تأدّت إلى البِرّ
فَمَن نفسُهُ منكُم كنفسِ مُحمّدٍ = ألا بأبي نفسُ المُطهَّرِ والطُّهرِ
الأمرُ الثالث :
اعتقادُ أنّ الخِلافَة ( الإمامَة ) ، لا تَصلُح إلاّ في بني فاطمة (ع) ، وهُوَ قول الزيدية ، فقال (ع) منشئاً :
يا آلَ أحمدَ أنتم خيرُ مشتَملٍ = بالمَكرُماتِ ، وأنتم خيرُ مُعترَفِ
خِلافَةُ الله فيكم غيرُ خافيَةٍ = يُفضي بِها سَلَفٌ منكُم إلى خَلَفِ
طِبتُم ، فطابَ مواليكُم لطيبتِكُم = وباءَ أعداؤكُم بالخُبثِ في النُّطَف
. .. إلخ
من روائع شِعر الحمّاني (ع) :
* قال يرثي الإمام يحيى بن عمر الزيدي (ع) :
لَعمري لئن سُرَّت قريشٌ بهُلكِه = لَما كانَ وقافاً غداة التوقّفِ
فإنْ ماتَ تلقاءَ الرِّماحِ ، فإنّهُ = لَمِن مَعشَرٍ يشنونَ موتَ التَّتَرُّفِ
فلا تَشمَتوا فالقومُ مَن يَبقَ منهُمُ = على سَنَنٍ منهُم مقامَ المُخلِّفِ
لهُم مَعَكُم إما جدعتُم أنوفَكم = مقاماتُ ما بينَ الصَّفَا والمُعرَّفِ
تُراثٌ لهُم مِن آدمٍ ومحمّدٍ = إلى الثقلين من وصايا ومُصحف
فَجَازُوا أباهُم عنهُم كيفَ شئتمُ = تُلاقوا لديهِ النَّصفَ من خيرِ مُنصفِ
* وقال (ع) في قصيدة عظيمة :
عَصيتُ الهَوى وهَجرتُ النساء = وكنتُ دواءً فأصبحتُ داءً
وما أنسَ لا أنسَ حتى الممات = نَزيبَ الظِّباء تُجيبُ الظّباءَ
دَعيني وصَبري على النّائبات = فبالصّبرِ نِلتُ الثّرا والثّواءَ
وإن يَكُ دَهري لَوَى رأسَهُ = فقَد لقيَ الدّهرُ منّي التواء
ليالِي ألروّي صُدورَ القنا = وأروي بهنَّ الصّدور الظّماء
ونحنُ إذا كان شُربُ المُدام = شَرِبنا على الصّافنات الدّماء
بَلَغنا السّماء بأحسابنا = ولولا السّماءُ لَجُزنا السّماء
فَحسبُكَ مِن سؤدَدٍ أنَّنا = بُحسنِ البلاء كَشَفنا البلاء
إلى أن قال
هَجاني أناسٌ ولَم أهجُهُم = أبى الله لي أن أقولَ الهجاء
* وقال (ع) يصفُ القَمَر ، وقَد طَرحَ جِرمَه على نهر دجلة :
لَم أنسَ دِجلَة والدّجى مُتصرّمٌ = والبدرُ في اُفُقِ السّماءِ مُغرّبُ
فكأنّها فيه رداءٌ أزرقُ = وكأنّه فيها طرازٌ مُذهَبُ
* وقال (ع) يرثي الإمام يحيى بن عمر الزيدي (ع) :
يا بَقايا السّلف الصّا = لح ، والتَّجرِ الرَّبيحِ
نحنُ للأيامِ ما بيـ = ــنَ قتيلٍ وذبيحِ
خابَ وَجهُ الأرضِ كَم غيَّـ = ــبَ من وجهٍ صَبيح
آخِ مِن يَومِكَ ما أوْ = داهُ للقلبِ القريحِ
بهذه الإشارَة العابرَة عن هذه الشخصيّة البارزة ( والتي لَم نوفهَا حقّا من الترجمة ) ، أتوقّف على أمل أن نُعيدَ صياغتها ببعض ما يليقُ بصاحبها ، مُصطحبينَ مَعنا الإنصاف حال الكِتابَة قدرَ المُستطاع ، فما تحلّى قومٌ بالإنصاف إلاّ رجَحت كفّتُهم ، وكبّلوا أقلام مُنتقديهِم ، راجياً منَ الله أن تكون هذه الترجمَة مع سابقاتها من التراجم لأعلام أهل البيت (ع) ، بداية رحلةٍ ورحلات! بحثية عن مَذاهب الآباء والأجداد ( أنا لا أقولُ قلّدوا آباءَ ومشائخ ، ولكن أقولُ قلّدوا ثقلَ الله الأصغر على الأرض ، أهل البيت (ع) ) ، هذا وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، ورضوانه على الصّحابة الراشدين والتّابعينَ لهم بخير وإحسان إلى يوم الدّين .