المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414732
يتصفح الموقع حاليا : 231

البحث

البحث

عرض المادة

العقيدة اليهودية ودورها في ظهور الرأسمالية

Judaism and Capitalism
ليس بإمكان الدارس المدقق إنكار أن النسق الديني اليهودي، في صياغته الأولى التوراتية، ثم في صياغاته التلمودية ثم القبَّالية، يحوي داخله استعداداً كامناً أو قابلية لظهور الرأسمالية، وهذا جانب وفَّاه فيبر حقه من الدراسة. ولكن من الواضح أن فيبر لم يكن ملماً بالتحولات العميقة التي دخلت اليهودية بعد هيمنة الفكر القبَّالي عليها وانتشار التصوف بين أعضاء الجماعات أو لعله لم يدرك أهميتها. والقبَّالاه اللوريانية فكر حلولي (روحي) متطرف يضع اليهودي في مركز الكون باعتباره امتداداً للخالق ويعمق من إحساس اليهودي بأنه من الشعب المختار، كما يُصعِّد حدة التوقعات المشيحانية. فالحلولية تعني حلول الإله في الأشياء حتى يتوحَّد بها ولا يُوجَد مستقلاً عنها فتصبح المخلوقات في قداسة الخالق مساوية له فتُرَدُّ كل الأشياء إلى مبدأ واحد، كامن في المادة ولا يعلو عليها، وكل هذا يساعد على تزايُد معدلات العلمنة. أما النزعة المشيحانية والإحساس بالاختيار فهي عناصر تعزل اليهودي عن واقعه المباشر وعن الجماعات الإنسانية المحيطة به فيصبح عنصراً موضوعياً وشخصاً غريباً، وهذه صفات أساسية تخلق استعداداً كامناً لدى صاحبها لتبنِّي أخلاقيات الرأسمالية المجردة والسوق الحر الذي يرى كل الظواهر باعتبارها خاضعة تماماً لآليات العرض والطلب. وتَجدُر الإشارة إلى أن العلاقة بين التصوف (الحلولي) والتجارة أمر مثير للغاية ويحتاج إلى مزيد من الدراسة، وبخاصة في ضوء علاقة الجماعة الوظيفية بالرؤية الحلولية للكون (المكان والزمان والإنسان) ومركب الشعب المختار (انظر: «الجماعات الوظيفية والحلولية الكمونية الواحدية»).

دور الجماعات اليهودية في ظهور الرأسمالية
The Role of the Jewish Communities in the Emergence of Capitalism
إذا كانت ثمة عناصر داخل النسق الديني تخلق عند أعضاء الجماعات اليهودية استعداداً كامناً لتقبُّل أخلاق الرأسمالية، ومن ثم المساهمة في تطويرها، فإن تجربتهم التاريخية داخل التشكيل الحضاري الغربي هي التي بلورت وضعهم وحوَّلت الاستعداد الكامن والقابلية إلى حقيقة تاريخية واقعة. وأهم سمات هذه التجربة أن أعضاء الجماعات اليهودية قد نُظر إليهم، منذ البداية (داخل التشكيل الحضاري الغربي)، باعتبارهم الشعب الشاهد، أي أنهم ليسوا جزءاً من جماعة الأغلبية المسيحية، كما أصبحوا أقناناً للبلاط ومن بعد ذلك يهود أرندا ثم يهود بلاط، أي أن اليهود ظلوا خارج نطاق العلاقات الاقتصادية والدينية والأخلاقية للمجتمع الإقطاعي. فاليهودي كان غريباً بمعنى الكلمة، ونحن نرى أن انتشار القبَّالاه ساهم ولا شك في تعميق هذه العزلة والغربة إذ أضفت على دور اليهود، كوسطاء وغرباء، قدراً عالياً من القداسة، بحيث أصبح اليهودي هو الوسيط الكوني بين الإله والعالم، مجرد أداة لتوصيل الإرادة الإلهية لبقية البشر. وترتبط رؤية الخلاص بمدى قيامه بتنفيذ الأوامر والنواهي، أي أن القداسة حوسلت اليهودي تماماً. ولكن هذه الوساطة الكونية كانت صدى (وربما تبريراً وتسويغاً أيضاً) لعملية وساطة أخرى؛ إذ اضطلع أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب، منذ بدايات العصور الوسطى حتى بدايات الثورة التجارية، بدور الجماعة الوظيفية الوسيطة، فكانوا يقومون بنقل الفائض الزراعي والسلع الترفية، ويؤدون وظائف مالية وتجارية مختلفة في غاية الحيوية للمجتمع الإقطاعي، مع أنها لم تكن من صميم العلاقات الإنتاجية لهذا المجتمع، كما لم يكن بوسع بقية أعضاء المجتمع القيام بها. وكان المجتمع يُظهر التسامح تجاه اليهود مادام في حاجة إليهم، ولكنهم لم يُعطوا قط حقوقاً قانونية محدَّدة (مثل حقوق وواجبات أهل الذمة في الإسلام). وكانت تَصدُر مواثيق خاصة تؤمِّن حقوقهم وتحدِّد واجباتهم ومقدار الضرائب المفروضة عليهم وأماكن إقامتهم وتُزوِّدهم بالحماية وتمنحهم المزايا. وكانت هذه المواثيق تُلغَى في أي وقت تنتفي فيه الحاجة إلى اليهود وإلى دورهم الاقتصادي، وبالتالي كان يتم طردهم، أي أن حوسلة أعضاء الجماعات اليهودية تمت تماماً. وكان يُشار إلىهم باعتبارهم أقنان بلاط، أي أنهم كانوا خاضعين للملك أو الإمبراطور مباشرة بل يُعَدُّون ملكية خاصة له وأداة من أدواته، يدينون له وحده بالولاء، الأمر الذي حقق لهم قسطاً كبيراً من حرية الحركة، لكن ذلك زاد في الوقت نفسه من عزلتهم عن بقية قطاعات المجتمع.

ونتج عن ذلك أن وجود أعضاء الجماعات اليهودية في إطارالحضارة الغربية كان يتسم بعدم التجذر أو الانتماء الكامل لأي تشكيل ثقافي أو طبقي محدَّد، فتحولوا إلى عنصر بشري حركي يحتفظ برأسماله على هيئة نقود سائلة يمكن نقلها بسهولة من مكان إلى آخر. ودعم هذا الاتجاه عدم السماح لليهود، في معظم الأحوال، بشراء العقارات الثابتة.

لقد تحوَّل اليهود، نظراً لغربتهم وعدم تَجذُّرهم وبسبب الطبيعة السائلة لثروتهم، إلى عنصر بشري متحرك وموضوعي ومجرد: موضوعي لأنه يُنظَر إليه دائماً من الخارج، ومجرد لأنه لا يوجد داخل سياق مُحدَّد. وأصبح أعضاء الجماعة يجسدون ضرباً من الاقتصاد الحركي المجرد داخل الاقتصاد الزراعي الثابت الطبيعي. ووصل هذا التجريد إلى قمته في التنظيم الكامل لعلاقة اليهود بالمجتمع، وفي إحلال العلاقات القانونية التعاقدية محل العلاقات التقليدية الشخصية المبنية على كلمة الشرف والثقة التي كانت سائدة في المجتمع الإقطاعي. فكانت المواثيق التي تُمنَح لليهود تحاول أن تنظم كل جوانب العلاقات الممكنة بين المجتمع المسيحي وأعضاء الجماعة اليهودية، وهي علاقات كان الهدف منها، بالنسبة إلى الطرفين، الربح الاقتصادي المحض. وفكرة القانون اللاشخصي والعلاقات البشرية (علاقات إنسانية بين أشياء وعلاقات إنتاج بين بشر) هما الجوهر النفعي للاقتصاد والمجتمع الرأسماليين. ويمكننا القول بأن اليهود أصبحوا نواة الجيسيلشافت Gesellschaft (المجتمع التعاقدي الذري المفتت) في داخل الجماينشافت Gemeinschaft (الجماعة العضوية التراحمية المترابطة التقليدية).

وأدَّى عدم انتماء اليهود وتجريدهم - إلى جانب وجود التبادل الاختياري بين اليهودية والرأسمالية - إلى تحوُّل أعضاء الجماعة إلى الخميرة التي ساعدت على نشوء الرأسمالية، دون أن يكونوا بالضرورة السبب الوحيد أو حتى الأساسي في العملية التاريخية المركَّبة التي أدَّت إلى ظهور الرأسمالية.

ويظهر دور أعضاء الجماعات اليهودية، كخميرة للنظام الرأسمالي في الغرب، في كثير من النشاطات التي لعبوها وفي إبداعاتهم. فهم من أوائل منْ طوَّروا فكرة الأسهم والسندات التي تحقق تراكماً رأسمالياً يمكن توجيهه إلى أي مجال استثماري قد يظهر،أي أنهم أسرعوا بعملية تجريد النقود بفصلها عن الأفراد وعن الرغبات البشرية والعواطف والأخلاق،وزادوا كفاءتها كرأسمال، وجعلوا مقياس الكفاءة الذي يُطبَّق عليها هو معدل الربحية وحسب.

وبالطبع، كان اليهودي الذي تم استبعاده من النظام الإقطاعي يقع خارج نطاق القيم الدينية والأخلاقية للمجتمع (وهو في هذا لا يختلف عن عضو الجماعة الوظيفية الذي ينظر له المجتمع المضيف باعتباره شيئاً لا قداسة له، ومجرد آلة يستفاد منها ثم تُنبَذ). كما أن قيمه التجارية الموضوعية المجردة كانت مختلفة عن القيم المسيحية التي كانت تنظر بعين الشك إلى النشاط التجاري ككل، وإلى الربا على وجه الخصوص، وتهدف إلى أن تجعل من السوق مكاناً يلتزم بالحد الأدنى من الأخلاق وبأفكار مثل فكرة الثمن العادل والأجر الكافي، مع ضرورة إتاحة الفرصة لكل التجار لتحقيق ربح معقول مع وضع حدٍّ أقصى للأرباح. وأدَّت هذه الأخلاقيات، المتخلفة من منظور رأسمالي دنيوي،والتي تخلط بين الاقتصاد والأخلاق،إلى الحد من حركية التجارة.أما العنصر اليهودي، فلم يكن يدين بالولاء لمثل هذه الأخلاقيات. بل ظهر بين أعضاء الجماعات اليهودية مقياسان أخلاقيان: أحدهما يُطبَّق على الجماعة اليهودية (باعتبارها جماعة مقدَّسة لها حرمتها) والآخر يُطبَّق على المجتمع ككل (باعتباره لا حُرمة له ولا قداسة). ولذا، لعب العنصر اليهودي دوراً أساسياً في تحطيم الأخلاقيات المسيحية الاقتصادية الإقطاعية وفي تقويض هذا الضرب من الاقتصاد المحافظ الذي تتداخل فيه العناصر الاقتصادية مع العناصر الأخلاقية والدينية. فساهم أعضاء الجماعة في عملية العلمنة والترشيد، أي فصل العنصر الاقتصادي عن العناصر الأخرى، بحيث يصبح النشاط الاقتصادي مرجعية ذاته ولا يتم ضبطه من خلال مرجعيات (أخلاقية أو دينية أو إنسانية) متجاوزة له. وأدَّى هذا إلى ظهور اقتصاد تجاري مبني على التنافس وعلى محاولة تعظيم الربح (اقتصاد يطرح فكرة الإنتاج بلا حدود وإشباع حاجات المستهلك التي لا تنتهي).

كما أن أعضاء الجماعة، بسبب عدم انتمائهم، كانوا من أكثر العناصر حركية والتزاماً بالقوانين الاقتصادية للسوق كقيمة مطلقة. فنجد أنهم حاولوا دائماً أن يوسِّعوا نطاق السوق وانتشاره، وهي العملية التي انتهت إلى تحويل المجتمع بأسره إلى النمط الرأسمالي والتي أطلق عليها ماركس تعبير «تهويد المجتمع». وكانوا يبحثون عن أسواق جديدة وعن زبائن جدد وعن سلع جديدة. كما أنهم كانوا على استعداد لأن ينتجوا سلعاً أقل جودة وأقل تكلفة عما كان ينتجه (في العصر الوسيط) الحرفي أو التاجر الذي يعتز بحرفته وتجارته، والذي تعوَّد على إنتاج سلعة بعينها يرقى بها إلى مستوى معيَّن من الجودة ولا يمكنه أن يتنازل عنه أو يتهاون فيه، فالواقع أن حرفته كانت جزءاً من ميراثه الشخصي. وكان اليهودي، في محاولة توسيع نطاق السوق، من أوائل العناصر التي شجعت على استخدام الإعلانات على حين كان كثير من المفكرين الغربيين، حتى منتصف القرن الثامن عشر، يهاجمون الإعلانات باعتبارها عملاً غير أخلاقي، بل صدر في باريس عام 1761 قانون يمنع الإعلانات أو الجري وراء الزبائن لحثهم على الشراء. ويمكننا أن نرى هنا، مرة أخرى، أن الأخلاق المسيحية والتقليدية تحد من حركية السوق، على عكس الأخلاقيات الحركية (العلمانية) للجماعة الوظيفية التي لا تأبه بالحرمات ولا تعبأ بالمطلقات ولا تهتم بأية قيم، سوى قيم الربح والخسارة والبقاء.

وربما كان من العناصر الأساسية التي جعلت من أعضاء الجماعة اليهودية خميرة للنظام الرأسمالي أنهم، نظراً لانتشارهم (شتاتهم) على هيئة جماعات منفصـلة مترابـطة، كانوا عنصراً بشــرياً متعدد الجنسيات، عابراً للقارات، إن صح التعبير. فقد كان ليهود بولندا علاقات تجارية ومالية وثيقة مع يهود ألمانيا ومع يهود العالم الإسلامي، وهلم جراً. وساهم هذا في تسهيل عملية التجارة الدولية وتوسيع نطاق السوق، كما سهل عملية جمع المعلومات التجارية، الأمر الذي جعلهم قادرين على المنافسة.

وقد لعب يهود شرق أوربا دوراً خاصاً، فالباعة اليهود، وكذلك اليهود الذين كانوا يقومون بأعمال الفنادق الصغيرة وتقطير الخمور وبيعها وإنتاج الماشية في المناطق الريفية وجمع الضرائب لحساب كبار الملاك، ساعدوا على إدخال عناصر التبادل واقتصاد المال. وكان نشاط صغار التجار اليهود في المناطق الريفية يشجع إنتاج فائض زراعي لزيادة استهلاك البضائع غير الزراعية، كما كان يساهم في إبعاد جزء من قوة العمل الزراعي عن الأراضي، وتوجيهها إلى صناعة الأكواخ المنزلية وخدمات النقل. وهذا النشاط هو الذي ساعد على خلق قوة عمل غير زراعي في المناطق الريفية تعتمد على الأجور أكثر من اعتمادها على العائد من الأرض.

وبظهور النظرية المركنتالية، زاد الدور الذي يلعبه أعضاء الجماعات اليهودية داخل النظام الرأسمالي. فهذه النظرية تجعل مصلحة الدولة المبدأ الأعلى المقبول لدى الجميع، والإطار المرجعي بحيث يتم الحكم على الإنسان لا بحسب انتمائه الديني وإنما بمدى نفعه للدولة. وقد ظهرت في هذه الفترة فكرة مدى نفع اليهود وفُتح المجال أمامهم للإسهام في جميع النشاطات الاقتصادية. وابتداءً من منتصف القرن السابع عشر، استعان الملوك والأمراء في وسط أوربا (في ألمانيا وغيرها من الدول) باليهود في كثير من النشاطات الاقتصادية، مثل:التجارة الدولية،وتمويل الجيوش،وعقد القروض والصفقات. وهـؤلاء هـم الذين يُطلَق علـيهم مصطلـح «يهود البلاط».

لكل ما تقدَّم، نجد أن تاريخ الجماعات اليهودية في الغرب مرتبط بتاريخ الرأسمالية في كثير من الوجوه. ومن الملاحظ أن كثيراً من الدول التي كانت لها مشاريع تجارية أو استعمارية، كانت ترى أن العنصر اليهودي عنصر أساسي في هذه العملية ويمكن الاستفادة من خبراته ورأسماله كما يمكن توظيفه في أماكن نائية وجديدة، فهو عنصر حركي وحسب. وقد تم توطين اليهود في بولندا في القرن الثالث عشر مع التجار الألمان، لتشجيع الاقتصاد التجاري. ثم تم توطينهم في أوكرانيا بعد ضمها إلى بولندا للسبب نفسه. كما تم توطين اليهود في كثير من المستعمرات الاستيطانية والمراكز التجارية التابعة لإنجلترا وهولندا في العالم الجديد.

وقد رحب كرومويل بتوطين اليهود في إنجلترا لكي ينعشوا الاقتصـاد الإنجليزي ولكي يكونوا جواسـيس يأتون له بالمعلومات التجارية. وسمحت فرنسا ليهود المارانو المطرودين من إسبانيا بالاستيطان في بعض المراكز التجارية المهمة فيها، مثل بايون وبوردو. وكان توطين أعـضاء الجمـاعات اليهـودية يأخذ، في العادة، النمط التالي: يبدأ توطين اليهود السفارد، بمالهم من خبرات تجارية مالية ورؤوس أموال واتصالات دولية، في الدول الغربية والدولة العثمانية ثم يتبعهم في معظم الأحوال جماعات من اليهود الإشكناز الذين بدأوا في الهجرة بعد ثورة شميلنكي.

ولكن، ورغم أهمية الدور الذي لعبه أعضاء الجماعات اليهودية كخميرة ساعدت في نشوء الرأسمالية الحديثة الرشيدة، فإنهم كجماعة وظيفية وسيطة ظلوا مرتبطين بالطبقة الحاكمة في المجتمعات الإقطاعية تابعين لها يخدمونها ويخدمون مصالحها. فالتجارة والربا اليهوديان، أي ما يسميه فيبر «رأسمالية المنبوذين»، لم يشكلا نقيضاً للمجتمع الإقطاعي وإنما خلية داخله. ولذا، كانت هذه التجارة اليهودية تقع ضحية عملية ظهور الرأسمالية الرشيدة المحلية رغم أنها ساهمت هي نفسها في الإعداد لها وتخميرها وإن كانت ساهمت أيضاً في قمعها وتأخير ولادتها كما حدث في بولندا. وربما يكون من المفيد في هذا المضمار أن نفرق بين الدور الذي لعبه أعضاء الجماعة اليهودية في بولندا في قمع الرأسمالية المحلية وبين الدور الذي لعبه أعضاء الجماعة اليهودية في هولندا وإنجلترا وفرنسا في تطويرها. ولكن أعضاء الجماعات اليهودية، سواء أكانوا أداة قمع في بولندا أم كانوا أداة للتطوير في هولندا، ظلوا دائماً أداةً وحسب لخدمة هدف ما. وهم، في هذا، يشبهون الجماعات الوظيفية الوسيطة في كل مكان. ولقد كانت جيوب اليونانيين والإيطاليين في مصر تمثل عنصراً تجارياً نشيطاً حيث بنوا المصانع، مثل مضارب الأرز ومطاحن الدقيق، ولكنهم لم يغامروا قط في الصناعة الثقيلة أو تلك التي تتطلب استثمارات ضخمة بعيدة المدى. فقد ساهموا في حركة التصنيع التي ساعدت على نشوء طبقة رأسمالية محلية، ولكنهم كانوا في الوقت نفسه يحاولون وقف نموها من خلال الهيمنة الاستعمارية. ثم تزايدت قوة الطبقة الجديدة بالتدريج، فطردت الجماعات الوظيفية الوسيطة الغربية لتتولى هي كل النشاطات التجارية والاستثمارية ثم الصناعية.

  • الجمعة PM 10:16
    2021-04-02
  • 1231
Powered by: GateGold