ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
فتاوى حول مقاومة المحتل الصهيوني
بقلم: أ. عبد المجيد فاضل
1 – فلسطين بعد احتلالها من طرف الصهاينةِ تبقى دار إسلام:
صدرت فتوى للشيخ الدكتور العلّامة محمد سعيد رمضان البوطي، تحت رقم 32655، بتاريخ: 12/04/2012، جواباً عن السؤال: هل فلسطين السليبة تُعَدُّ دارُ حربٍ أمْ دارُ إسلامٍ؟
وجاء في الجواب عنها: "دار الحرب هي التي لم يتم فتحها فتحاً إسلامياً، ويكون بينها وبين المسلمين حالة حرب. أمّا فلسطينُ فدارُ إسلام؛ لأنها – ومعها سائر أجزاء الشام – فُتِحَتْ في عهد سيدنا عمر. ودارُ الإسلام لا ترجع دارَ كفر أو دارَ حرب بسبب اغتصاب أعداء المسلمين لها، كما هي الحال بالنسبة لفلسطين. بل تظل – حُكْماً – دارَ إسلام، ومِن ثَمَّ يجب على جميع المسلمين استعادتها إلى حظيرة الإسلام". رابط الفتوى:
https://www.naseemalsham.com/fatwas/view/32655
ولمزيد من التفاصيل، انظر بحثاً بعنوان (فلسطين – في ظل الاحتلال – دار إسلام أم دار حرب؟)، للباحث: أمجد عمران سلهب – طالب دكتوراه – بالجامعة الأردنية، والأستاذة الدكتورة: جميلة عبد القادر الرفاعي، بالجامعة الأردنية؛ نَشرته جامعة القدس المفتوحة – عمادة البحث العلمي والدراسات العليا، فلسطين (الضفة الغربية) – بمجلة جامعة القدس المفتوحة للبحوث الإنسانية والاجتماعية، المجلد 3، العدد 57 (30 يونيو/ حزيران 2021).
وتوصّل الباحثان إلى: "أنَّ دارَ الإسلام لا تتحوُّل إلى دارِ كفرٍ إذا احْتُلّت؛ إلّا إذا مُنِع المسلمُ من إجراء أحكام الإسلام، وأنَّ فلسطين دارٌ مُركَّبة، أي أنَّها دارٌ فيها حربٌ وتجري عليها أحكام دار الحرب، لكنها ليست دارَ حرب بمعنى أنها لم تعُد دار إسلام، بل هي دارُ إسلام مُغتصَبةٌ".
https://journals.qou.edu/index.php/jrresstudy/article/view/3377/pdf
2 – جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي – رقم: 125 (13/7) – المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت، بتاريخ: 27 ديسمبر، 2001، بشأن أحداث فلسطين وغيرها، ما يأتي:
أولًا: إن أرض فلسطين أرض المسجد الأقصى، أُولى القبلتين وثالثُ المساجد التي لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلاّ إليها، وهو معراج النبي ﷺ، وأرض الأنبياء هي حقٌّ للمسلمين. وهذا الحق يقابله واجبُ النُّصْرة، بكل صورها وَفْقَ الاستطاعة، مهما تخاذل المُرجفون واستسلم دون الحق المستسلمون؛ فالحجة تبقى مع الحق وأهله، وعلى الظلم وأهله.
ولقد انعقد إجماعُ فقهاء الأمة على حُرمة إقرار العدو الغاصب على أي جزء اغتصبه من أرض المسلمين؛ لِما فيه من إقرارِ الغاصب المعتدي على غصبه وظلمه وتمكينِ العدو من البقاء على عدوانه، وأوجب الإسلام على المعتدَى عليهم مقاومة ومحاربة الغاصب المحتل حتى يخرج مخذولًا.
ثانيًا: واجب الحكومات والشعوب الإسلامية العمل على أن يُعيدوا الأرض الإسلامية إلى أهلها، ويصونوا المسجد الأقصى من تدنيس اليهود المحتلين الذين نصَبوا العداء للإسلام وأهله منذ فجر دعوة الإسلام، وما يزالون يكيدون لهم كيدًا، ولهمُ اليومَ قُوةٌ وشوكة.
ثالثًا: واجب جميع المسلمين، كلٌّ حسَب استطاعته، أنْ يساندوا الشعب الفلسطيني بأنفسهم وأموالهم للدفاعِ عن أرضه وحرماته ومقاومةِ الجبروت الصهيوني الذي استباح سفك الدماء، وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء، وهدم المنازل مستخدمًا أسلحة الحرب الفتاكة من الصواريخ والدبابات، والمروحيات والطائرات المقاتلة، إلى جانب الحرب الاقتصادية من تخريب الأراضي الزراعية، وقلع ما فيها من أشجار، ومنع دخول المؤن إلى الأراضي الفلسطينية المحاصرة.
وهذه المساندة واجبُ الأمة الإسلاميةِ كلِّها شعوبِها وحكوماتِها، فالمسلمون يد واحدة، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا.
رابعًا: واجب الحكومات في البلدان الإسلامية بذلُ كل جهد من خلال المنظمات الدولية، والعلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها، لوقف الدعم الخارجي الذي يتلقاه العدو سياسيًّا وعسكريًّا.
خامسًا: وإنّ مِن حق الشعب الفلسطيني إقامةَ دولتِه المستقلة على كامل أرضه وعاصمتها القدس، وأن يدافع عن نفسه ويقاوم العدو بكل الوسائل المشروعة، وشرفٌ للمسلم وغنيمةٌ له أن يموت شهيدًا في سبيل الله.
رابط المصدر: https://iifa-aifi.org/ar/2104.html
تذْكيرُ بمكانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي:
مجمع الفقه الإسلامي الدولي تأسس في ربيع الأول 1401هـ (يناير 1981م)، وهو جهاز علمي عالمي منبثق عن منظمة التعاون الإسلامي (وكانت تُعرف سابقًا باسم منظمة المؤتمر الإسلامي) تنفيذاً للقرار الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث «دورة فلسطين والقدس» المنعقد في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية في الفترة من 19 – 22 ربيع الأول 1401هـ (25 – 28 يناير 1981م).
ومنظمة التعاون الإسلامي، هي منظمة إسلامية دولية تجمع سبعًا وخمسين دولةً إسلامية، وتصِفُ نفسها بأنها «الصوت الجماعي للعالم الإسلامي» وأنها تهدف لـ «حماية المصالح الحيوية للمسلمين». وللمنظمة عضوية دائمة في الأمم المتحدة.
وهذه المنظمة تأسست في الرباط في 25 سبتمبر 1969، إذْ عُقِد أوّلُ اجتماع بين زعماء دول العالم الإسلامي، بعد حريق الأقصى في 21 أغسطس 1969. حيث طُرِح وقتَها مبادئُ الدفاعِ عن شرف وكرامة المسلمين المتمثلة في القدس وقبة الصخرة، واختِيرتْ جُدّةُ مقرًا مؤقتًا للمنظمة، بانتظار تحرير القدس، حيث سيكون المقر الدائم.
فتوى شاذة للشيخ الألباني: فاجأ الشيخُ الألباني العالم الإسلامي بفتوى قرّر فيها أنّ على المسلمين الموجودين في الأرض المحتلة وبقايا الفلسطينيين فيها، أنْ يَخرُجوا جميعاً منها، وأنْ يتركوها لليهود؛ لأنها أصبحت – بعد احتلالها – دارَ كُفر!
وحسب هذه الفتوى الشاذة والغريبة، لقد كان على جميع المجاهدين السوريين والجزائريين والمصريين والليبيين، الذين كانوا يجاهدون من أجل تحرير أوطانهم من الاحتلال الغربي أن يخرجوا هم وجميعُ المسلمين الذين كانوا يعيشون في هذه البلدان المحتلة من أوطانهم، وأن يتركوها للمحتلين الغربيين! هكذا ردّ عليه الدكتور البوطي. [انظر: الجهاد في الإسـلام كيف نفهمه وكيف نمارسه، محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر المعاصر، بيروت-لبنان / دار الفكر، دمشق-سوريا، الإعادة الخامسة 1427 – 2006م، ص238-239].
3 – مسائل تتعلّق بالجهاد:
أ – متى يكون الجهاد دفاعيًا؟
يكون الجهاد دفاعيًا في حالات منها:
1 – إذا دخل المشركون شيئًا من بلاد المسلمين واستباحوا حُرْمتها.
2 – إذا احتل الأعداء جزءًا من أرض الإِسلام.
3 – قيام الأعداء بنشر مبادئهم ومعتقداتهم في البلاد الإِسلامية والدعوة إليها أو التشكيك في الإِسلام عقيدةً أو شريعةً". [الفِقهُ الميَسَّر، أ. د. عَبد الله بن محمد الطيّار، أ. د. عبد الله بن محمّد المطلق، د. محمَّد بن إبراهيم الموسَى، مَدَارُ الوَطن للنَّشر، الرياض – المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1432هـ / 2011 م، ج 7 ص 237-238].
ب – مَتَى يَصِيرُ الْجِهَادُ واجباً على الدول المجاورة لِبلَد دخله العدو؟
قال الأستاذ الدكتور وَهْبَةُ الزُّحَيْلِيّ – أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بكلّيَّة الشَّريعة بجامعة دمشق –: "وكان الجهادُ على عهد رسول الله ﷺ فرضَ كفايةٍ، وأما بعدَ النَّبيِّ ﷺ فلِلْكفار حالان:
أحدهما- يكونون ببلادهم ففرض كفاية إذا فعله مَن فيهم كفاية، سقط الحرج عن الباقين.
الثاني- يدخلون بلدةً لنا، فيلزَم أهلُها الدفع بالممكن، فإن عجزوا وجب القتال على مَن بِقُرْبهم دون مسافةِ القصر من البلدة كأهلها، ثم يلزَم من بعد ذلك بقدر الكفاية دفعاً عنهم وإنقاذاً لهم. والتقييد بقدر الكفاية دال على أنه لا يجب على الجميع الخروج للقتال، بل إذا صار إليه قوم فيهم كفاية، سقط الحرج عن الباقين (وهذا الحكم المذكور في فرضية الجهاد باتفاق الفقهاء).
فإن كان النفير عامًّا: كأن هجم العدو على بلد إسلامي: فالجهاد فرض عين على كل قادر من المسلمين، فإذا عم النفير خرجت المرأة بغير إذن زوجها، وجاز لِلْولَد أن يخرج بدون إذن والديه". [الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، أ. د. وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ، دار الفكر – دمشق، الطبعة الرَّابعة، ج8 ص 5848 وما بعدها].
ج – هل يجوز الْجِهَادُ بغير إذن الإمام؟
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: "صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ الْغَزْوُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الإِمَامِ أَوِ الأَمِيرِ الْمُوَلَّى مِنْ قِبَلِهِ؛ لأَنَّ الْغَزْوَ عَلَى حَسَبِ حَال الْحَاجَةِ، وَالإِمَامُ أَوِ الأَمِيرُ أَعْرَفُ بِذَلِكَ، وَلاَ يَحْرُمُ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنَ التَّغْرِيرِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّغْرِيرُ بِالنَّفْسِ يَجُوزُ فِي الْجِهَادِ.
وَلأَنَّ أَمْرَ الْحَرْبِ مَوْكُولٌ إِلَى الأَمِيرِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِمْ، وَمَكَامِنِ الْعَدُوِّ وَكَيْدِهِمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ إِلَى رَأْيِهِ؛ لأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْمُسْلِمِينَ؛ وَلأَنَّهُ إِذَا لَمْ تَجُزِ الْمُبَارَزَةُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَالْغَزْوُ أَوْلَى، إِلاَّ أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ يَخَافُونَ تَمَكُّنَهُ، فَلاَ يُمْكِنُهُمُ الاِسْتِئْذَانُ، فَيَسْقُطُ الإِذْنُ بِاقْتِضَاءِ قِتَالِهِمْ، وَالْخُرُوجُ إِلَيْهِمْ لِحُصُول الْفَسَادِ بِتَرْكِهِمُ انْتِظَاراً لِلإِذْنِ". [الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الطبعة الثانية، دار السلاسل – الكويت، ج16 ص136].
د – شروط نصر الله للمؤمنين:
1) نصرُ دين اللهِ: قال تعالى: ﴿ٱلَّذِینَ أُخۡرِجُوا۟ مِن دِیَـٰرِهِم بِغَیۡرِ حَقٍّ إِلَّاۤ أَن یَقُولُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضࣲ لَّهُدِّمَتۡ صَوَ ٰمِعُ وَبِیَعࣱ وَصَلَوَ ٰتࣱ وَمَسَـٰجِدُ یُذۡكَرُ فِیهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِیرࣰاۗ وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ﴾ [الحج: 40]
قال الشيخُ العلاّمةُ محمد الأمين الشنقيطي (1394 هـ) في تفسيره «أضواء البيان»: "بَيَّنَ اللَّهُ – جَلَّ وعَلا – في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّهُ أقْسَمَ لَيَنْصُرَنَّ مَن يَنْصُرُهُ، ومَعْلُومٌ أنَّ نَصْرَ اللَّهِ إنَّما هو بِاتِّباعِ ما شَرَّعَهُ بِامْتِثالِ أوامِرِهِ، واجْتِنابِ نَواهِيهِ ونُصْرَةِ رُسُلِهِ وأتْباعِهِمْ، ونُصْرَةِ دِينِهِ، وجِهادِ أعْدائِهِ وقَهْرِهِمْ حَتّى تَكُونَ كَلِمَتُهُ – جَلَّ وعَلا – هي العُلْيا، وكَلِمَةُ أعْدائِهِ هي السُّفْلى؛ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ – جَلَّ وعَلا – بَيَّنَ صِفاتِ الَّذِينَ وعَدَهم بِنَصْرِهِ لِتَمْيِيزِهِمْ عَنْ غَيْرِهِمْ فَقالَ مُبَيِّنًا مَن أقْسَمَ أنَّهُ يَنْصُرُهُ؛ لِأنَّهُ يَنْصُرُ اللَّهَ – جَلَّ وعَلا -: ﴿الَّذِينَ إنْ مَكَّنّاهم في الأرْضِ أقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ وأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ﴾ الآيَةَ [الحج: 41]".
2) الإعداد: قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ﴾ [الأنفال: 60].
قال الدكتور أسعد حومد (ت 2011م) في تفسيره «أيسر التفاسير»: "يَأْمُرُ اللهُ المُسْلِمينَ باِلاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ، وَبِإِعْدَادِ آلاتِهَا لِمُقَاتَلَةِ الكُفَّارِ، وَدَفْعِ العُدْوَانِ، وَحِفْظِ الأَنْفُسِ، وَالحَقِّ وَالفَضِيلَةِ، حَسَبَ الطَّاقَةِ وَالاسْتِطَاعَةِ: مِنْ خَيْلٍ وَسِلاحٍ وَعُدَدٍ وَمُؤَنٍ وَتَدْرِيبٍ وَعِلْمٍ وَكُلِّ مَا يَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ القُوَّةِ التِي تُمَكِّنُ الأُمَّةَ مِنْ مُقَاوَمَةِ خُصُومِها، بِحَسَبِ مَفْهُومِ العَصْرِ".
ويدخل في الإعداد التخطيطُ المُحْكمُ، وأخذُ الحذر.
3) عدم تفرّق الكلمة: قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا لَقِیتُمۡ فِئَةࣰ فَٱثۡبُتُوا۟ وَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ. وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَـٰزَعُوا۟ فَتَفۡشَلُوا۟ وَتَذۡهَبَ رِیحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ [الأنفال: 45-46].
قال الدكتور أسعد حومد (ت 2011م) في تفسيره «أيسر التفاسير»: "وَأمَرَ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ بِطَاعَتِهِ تَعَالَى فِي الثَّبَاتِ عِنْدَ لِقَاءِ الأعْدَاءِ المُشْرِكِينَ، وَبِالإِخْلاَصِ لَهُ، وَبِبَذْلِ الجُهْدِ فِي القِتَالِ، وَبِذِكْرِ اللهِ كَثِيراً لِتَطْمَئِنَّ النُّفُوسُ وَتَهْدَأ، وَيُزَايلَهَا الخَوْفُ وَالتَّرَدُّدُ وَالقَلَقُ، كَمَا أمَرَهُمْ بِطَاعَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَالتِزَامِ أَوَامِرِهِ، إنْجَاحاً لِلْخُطَّةِ العَامَّةِ لِلْجَيْشِ فِي المَعْرَكَةِ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِألاَّ يَتَنَازَعُوا، وَلاَ يَخْتَلِفُوا، لأنَّ فِي التَّنَازُعِ وَالاخْتِلاَفِ الفشلَ وَالخِذْلاَنَ وَضَيَاعَ مَا حَقَّقَهُ المُسْلِمُونَ فِي المَعْرَكَةِ {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}".
4) عدمُ الاغترار بالقوة: قال تعالى: ﴿لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِی مَوَاطِنَ كَثِیرَةࣲ وَیَوۡمَ حُنَیۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَیۡـࣰٔا وَضَاقَتۡ عَلَیۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّیۡتُم مُّدۡبِرِینَ﴾ [التوبة: 25].
قال الدكتور أسعد حومد في تفسيره: "يُذَكِّرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِفَضْلِهِ عَلَيهِمْ، وَإحْسَانِهِ إلَيْهِمْ، فِي نَصْرهِ إيَّاهُمْ فِي مَوَاقِعَ كَثِيرَةٍ (مَوَاطِنَ) مِنْ غَزَوَاتِهِمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَإنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَبِتَأيِيدِهِ وَتَقْدِيرِهِ، لاَ بِعَدَدِ المُسْلِمِينَ، وَلا بِعُدَدِهِمْ، وَلاَ بِعَصَبِيَّتِهِمْ، وَلا بِقُوَّتِهِمْ، وَلاَ بِكَثْرَةِ أمْوَالِهِمْ، وَنَبَّهَهُمْ تَعَالَى إلى أنَّ النَّصْرَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، قَلَّ الجَمْعُ أوْ كَثُرَ.
وَفِي يَوْمِ حُنَينٍ أعْجَبَتِ المُسْلِمِينَ كَثْرَتُهُمْ فَلَمْ تُفِدْهُمْ شَيْئاً، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ حَتَّى ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأرْضُ عَلَى سَعَتِها، مِنْ شِدَّةِ فَزَعِهِمْ، فَلَمْ يَهْتَدُوا إلى النَّجَاةِ سَبِيلاً، وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْهُمْ إلاَّ عَدَدٌ قَلِيلٌ مَعَ الرَّسُولِ ﷺ، وَكَانَ ذَلِكَ ابْتِلاءً مِنَ اللهِ لَهُمْ عَلَى عُجْبِهِم بِكَثْرِتِهِمْ. (ثُمَّ أنْزَلَ اللهُ نَصْرَهُ وَتَأيِيدَهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَعَلَى المُؤْمِنِينَ، لِيُعَلِّمَهُمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَحْدَهُ، وَإنْ قَلَّ الجَمْعُ)".
5) الثِّقَة بنصر الله: قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَاۤءُوهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَٱنتَقَمۡنَا مِنَ ٱلَّذِینَ أَجۡرَمُوا۟ وَكَانَ حَقًّا عَلَیۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [الروم: 47].
قال الإمامُ الشوكاني (1250 هـ) في تفسيره «فتح القدير»: "﴿وكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ﴾ هَذا إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ – سُبْحانَهُ – بِأنَّ نَصْرَهُ لِعِبادِهِ المُؤْمِنِينَ حَقٌّ عَلَيْهِ، وهو صادِقُ الوَعْدِ لا يُخْلِفُ المِيعادَ، وفِيهِ تَشْرِيفٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ومَزِيدُ تَكْرِمَةٍ لِعِبادِهِ الصّالِحِينَ".
وقال النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ". [رواه أحمد، وقال محققو المسند: حديث صحيح].
6) الصبر على الابتلاء والشدائد، وعدم الاستعجال: قال تعالى: ﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُوا۟ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا یَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَاۤءُ وَٱلضَّرَّاۤءُ وَزُلۡزِلُوا۟ حَتَّىٰ یَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَاۤ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِیبࣱ﴾ [البقرة 214]
قال الدكتور أسعد حومد في تفسيره «أيسر التفاسير»: "يُخَاطِبَ اللهُ تَعَالَى الذِينَ هَدَاهُمْ إِلى السِّلْمِ، وَإِلَى الخُرُوجِ مِنْ ظُلْمَةِ الاخْتِلاَفِ، إِلَى نُورِ الوِفَاقِ، بِاتِّبَاعِهِمْ هُدَى الكِتَابِ زَمَنَ التَّنْزيلِ، الذِينَ يَظُنُّونَ مِنْهُمْ أَنَّ انْتِسَابَهُمْ إِلى الإِسْلاَمِ فِيهِ الكِفَايَةُ لِدُخُولِ الجَنَّةِ دُونَ أَنْ يَتَحَمَّلُوا الشَّدَائِدَ وَالأَذَى فِي سَبيلِ الحَقِّ، وَهِدَايَةِ الخَلْقِ، جَهْلاً مِنْهُمْ بِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي أَهْلِ الهُدَى مُنْذُ أَنْ خَلَقَهُمْ. فَيَقُولُ لَهُمْ: هَلْ تَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ تُبْتَلَوا وَتُخْتَبَرُوا كَما فُعِلَ بِالذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الأُمَمِ الذِينَ ابْتُلُوا بِالفَقْرِ ﴿البَأَسَاءُ﴾، وَبِالأَسْقَامِ وَالأَمْرَاضِ ﴿الضَّرَّاءُ﴾، وَخُوِّفُوا وَهُدِّدُوا مِنَ الأَعْدَاءِ ﴿زُلْزِلُوا﴾، وَامتُحِنُوا امْتِحَاناً عَظِيماً، وَاشْتَدَّتِ الأُمُورُ بِهِمْ حَتَّى تَسَاءَلَ الرَّسُولُ وَالمُؤْمِنُونَ قَائِلِينَ: مَتَى يَأْتِي نَصْرُ اللهِ؟
وَحِينَما تَثْبُتُ القُلُوبُ عَلَى مِثْلِ هذِهِ المِحَنِ المُزَلْزِلَةِ، حِينَئِذٍ تَتِمُّ كَلِمَةُ اللهِ، وَيَجِيءُ نَصْرُهُ الذِي يَدَّخِرُهُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ عِبَادِهِ الذِينَ يَسْتَيْقِنُونَ أَنْ لاَ نَصْرَ إِلاَّ نَصْرُ اللهِ".
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ. إِن یَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحࣱ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحࣱ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَیَّامُ نُدَاوِلُهَا بَیۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَیَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَاۤءَۗ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِینَ. وَلِیُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَیَمۡحَقَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ﴾ [آل عمران: 139-141].
قال الدكتور أسعد حومد في تفسيره: "إنْ كُنْتُمْ قَدْ أَصَابَتْكُمْ جِرَاحٌ، وَقُتِلَ مِنْكُمْ رِجَالٌ يَوْمَ أحُدٍ، فَقَدْ أَصَابَ أَعْدَاءَكُمْ قَرِيبٌ مِمَّا أَصَابَكُمْ، فَلاَ يَنْبَغِي لَكُمْ أنْ تَقْعُدُوا وَتَتَقَاعَسُوا عَنِ الجِهَادِ بِسَبَبِ مَا أَصَابَكُمْ، فَالمُشْرِكُونَ قَدْ سَبَقَ أنْ أَصَابَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ أَنْتُمْ فِي أحُدٍ، فَلَمْ يَتَقَاعَسُوا، وَلَمْ يَقْعُدُوا عَنِ الإِعْدَادِ لِلْحَرْبِ وَمُبَاشَرَتِهَا، وَهُمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ، فَكَيْفَ تَتَرَدَّدُونَ وَأَنْتُمْ عَلَى حَقٍّ، وَاللهُ وَعَدَكُمْ نَصْرَهُ، وَجَعَلَ العَاقِبَةَ لَكُمْ؟ وَمِنْ سُنَنِ اللهِ تَعَالَى مُدَاوَلَةُ الأَيَّامِ بَيْنَ النَّاسِ، فَمَرَّةً تَكُونُ الغَلبَةُ لِلْبَاطِلِ عَلَى الحَقِّ، إذَا أَعَدَّ لَهُ أَهْلُهُ وَاحْتَاطُوا، وَتَرَاخَى أَهْلُ الحَقِّ، وَمَرَّةً تَكُونُ الغَلَبَةُ لِلْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ. وَلَكِنَّ العَاقِبَةَ تَكُونُ دَائِماً لِلْحَقِّ وَأهْلِهِ. وَاللهُ تَعَالَى يَبْتَلِي المُؤْمِنينَ لِيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ الصَّادِقِينَ مِنْهُمْ، وَلِيَتّخِذَ مِنَ المُؤمِنينَ رِجَالاً يُكْرِمُهُمْ بِالشَّهَادَةِ".
حِكْمةٌ بليغةٌ: قال الإمامُ فخرُ الدين الرازي (606 هـ) في تفسيره «مفاتيح الغيب»: "أنَّهُ تَعالى لَوْ شَدَّدَ المِحْنَةَ عَلى الكُفّارِ في جَمِيعِ الأوْقاتِ وأزالَها عَنِ المُؤْمِنِينَ في جَمِيعِ الأوْقاتِ لَحَصَلَ العِلْمُ الِاضْطِرارِيُّ بِأنَّ الإيمانَ حَقٌّ وما سِواهُ باطِلٌ، ولَوْ كانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ التَّكْلِيفُ والثَّوابُ والعِقابُ، فَلِهَذا المَعْنى تارَةً يُسَلِّطُ اللَّهُ المِحْنَةَ عَلى أهْلِ الإيمانِ، وأُخْرى عَلى أهْلِ الكُفْرِ؛ لِتَكُونَ الشُّبَهاتُ باقِيَةً والمُكَلَّفُ يَدْفَعُها بِواسِطَةِ النَّظَرِ في الدَّلائِلِ الدّالَّةِ عَلى صِحَّةِ الإسْلامِ فَيَعْظُمُ ثَوابُهُ عِنْدَ اللَّهِ".
4 – مسائل فقهية حول المقاومة:
أ) هل المقاومةُ من الخوارج؟
اتّهم بعضُ الشيوخِ المُقَاوَمَةَ بأنهم من الخوارج؛ لأنها لا تُطيع الرئيس عباس، قال الدكتور رشيد بن كيران – من علماء المغرب –: "من الشُّبه التي ينشرها بعض هؤلاء الشيوخ أن المُقَاوَمَةَ لا تطيع وُلاةَ أمرها، والمقصود بوالي الأمر الرئيس عباس، وهي شُبْهَةٌ لا يمكن أن ترُوجَ إلّا على ضعفاء العقل وعديم التمييز، ذلك:
– أن الرئيس عباس لا سلطة حقيقية له؛ لأنه يقيم في أرضٍ محتلة، الذي يحكمها هو المُحْتَلُّ، فهو المسيطر على كل شيء، وهو عاجز كل العجز عن أن يدفع ظلم العدو المُحْتَلِّ عن أي مُواطن، بل حتى عن نفسه، إلى درجة أنه لا يستطيع أن يخرج من بلده الى أخرى إلا بتأشيرة أو تصريح من المُحْتَلِّ، فأي سلطة هاته!!؟ وأي ولاية شرعية ستبنى عليها!!؟
– أن المقاومة تعيش في منطقة غير محتلة لكنها محاصرة من العدو منذ 17 سنة، أيْ منطقةِ قِطَاعِ غَزةَ، وهي تتنزل فيها منزلة الحاكم المتغلب، فطاعتُها هي الواجبة على أهل تلك المنطقة، وليس العكس.
– أن الرئيس عباس لو أمرَ المُقَاوَمَةَ بترك جهاد العدو الذي يحاصر أرض غَزةَ وأهلها ويقتطع من مساحتها لكان آمرا بمعصية شرعية؛ لأن مقاومة ذلك العدو هي في مرتبة جِهَادِ الدّفْعِ المعلوم من الدين بالضرورة وجوبه، وهو واجب على كل مستطيع، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". [مقال بعنوان (إلى “علي جمعة” و ”سليمان الرحيلي”.. هل هؤلاء خوارج؟)، نُشِر بجريدة «هوية بريس» بتاريخ : 28 نوفمبر 2023].
ب) حكم العمليات الاستشهاديّة:
قال الأستاذ الدكتور عجيل جاسم النشمي: "والشاب الذي يقتل نفسه بحزام ناسف أو سيارة أو أية وسيلة لا يعتبر منتحرا، إلَّا إذا قصد أن يقتل نفسه دون غاية من وراء ذلك، فإن كان قصدُه مِن التسبب بقتل نفسه بهذه الوسائل إحداثَ القتلِ والنكايةِ بالعدو، وإعلاءَ كلمة الله فلا يُعَد منتحراً، بل يعد شهيدا إن شاء الله، ولا شك أن التسببَ بقتل النفس بفعلٍ مباشرٍ من الشخص أشدُّ على النفس من قتل الغير له، فهذه شهادةٌ مع عزيمة، وهذا الحكم ليس مُطْلقا، وإنما هو مقيّدٌ بقيودٍ إن توافرت كان شهادة إن شاء الله.
أولها: ما ذكرناه من أن يكون قصدُ الفاعل إعلاءَ كلمة الله والموتَ في سبيله وإعزازَ الدين، والعدو إذا احتل أرضاً مسلمة أو جزءاً منها وجب قتاله، وقتاله جهاد. إلا إذا صالحوه، ولا يجوز صلحه صلحاً دائماً على أن يأخذ جزءاً من أرض المسلمين- وليس هنا محل التفصيل.
ثانيها: أن يكون قتلُ النفس الطريقَ الوحيد لإحداث القتل في العدو أو الطريقةَ الأكثرَ تأثيراً بالعدو، فإذا غلب على الظن أن هذا الأسلوبَ في القتل لن يؤثر في العدو، ولن يحقق قتل أحد منهم، أو كانت هناك وسائلُ ممكنةٌ أنجح في تحقيق الغاية، فلا يُقْدِم على هذا العمل.
ثالثها: أن يكون تقديرُ أثر قتل النفس بتلك الوسائل إلى جماعة لا إلى فرد، بحيث تُقَدِّر الجماعةُ المفاسدَ والمصالح، فقد يُحْدِث هذا الفعلُ النكاية بالعدو، ويُحْدِث القتل فيه وبأعداد كبيرة، لكنه سيعود على غيره من أهلٍ أو عشيرة أو جماعة بالأذى الأشد، وسيقتل العدوُّ منهم أضعاف ما قتل منه، أو قد يُعرِّض مزيدا من الأعراض والدماء والأراضي للأذى والسلب، فذلك كله موكول إلى تقدير الجماعة لمن كانت له جماعة، ولا يجوز الإقدام عليه فردياً، أو دون دراسة متأنية تُرجَّحُ فيها المصالحُ على المفاسد، فإن غلبت وتوافرت تلك الشروط كان الإقدام على العمل جائزاً إن لم يكن واجبا، ويُقْدِم المسلمُ على قتل نفسه بتفجيرها، أو الهجومِ وحدَه على العدو، مع يقينه أنه سيقتل. وقد نص الفقهاء على جواز هذا الفعل اهتداءً وفهماً لنصوص الآيات والأحاديث والآثار التي سترد في كلام الفقهاء....
وإذا قلنا إن إقدامَ المسلم على مثل هذا العمل طريقُه قرارُ جماعته أو أميره، أو قائدِ جيشه، ومن في حكمهم حذرا من أن يكون إقدامه على هذا العمل لا يحقق غايته، ويعود على عموم المسلمين بأشد من نكايته في العدو فإن الحكم يختلف لو كان الهجوم عليه من العدو واحدا أو اكثر فيبادرهم حينئذ بكل ما يستطيع ولو بتفجير نفسه على ظن أنهم قاتلوه لا محالة، ويقتل منهم أكبر عدد يستطيع، ولا يتقيد تصرفه حينئذ بما ذكرنا من رأي جماعته ومراعاة المصالح، فحالُه حينئذ حالُ من صال عليه العدو، فيجب عليه – على رأى جمهور الفقهاء – أن يقتل من هجم عليه وصال، لقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} (البقرة: 195) فإذا أسلمَ أمرَه لهم ليقتلوه، أو يستدلوا به على غيره، فقد ألقى بنفسه إلى التَّهْلُكَة وربما تسبب في هلكة غيره، فإن قُتل فهو شهيد، لقوله ﷺ: ”من قتل دون دمه فهو شهيد“ (الترمذي 4/30 وقال : حديث حسن صحيح).
بل لو لم يستطع أن يرد من يعزم الهجوم عليه، أو حوصر موقعه، وليس لديه ما يدفع به عن نفسه، وعنده من الأسرار التي لو أُجبِر على إظهارها عند الأسْر يُعرِّض غيره للهلاك ويتسبب في إفشال خطط المسلمين، ويكشف عورتهم جاز أن يقتل نفسه، أو يستسلم لهم، ويرجع تقدير ذلك له، فإنْ علم من نفسه صلابة لا تلين تحت التعذيب فلا يفشي سرا، استسلم وسلَّم نفسه، وإن غلب على ظنه أو تيقن أنه لا يتحمل ذلك، قتل نفسه، ولا أرى قواعد الشرع تأبى عليه ذلك، وقد نصَّ الفقهاء على أن من تَعَيَّنَ موتُه بسببين واستويا في السوء فله أنْ يتخير بينهما، كمن احترقت سفينته ولا يحسن السباحة أو كانت الأسماك المفترسة تحته تنتظر إلقاء نفسه إليها فلو اختار موتَه غرقا أو احتراقا جاز، وإن غلب على ظنه أن أحدَ السببين أهونُ من الآخر، فيتّبعِ الأهونَ، وبه قال جمهور الفقهاء، قال ابن السبكي: ”لو وقع في نار محرقة ولم يَخْلُص إلا بماء يُغرِقه، ورآه أهونَ عليه من الصبر على نفحات النار فله الانتقال إليه في الأصح” (الأشباه والنظائر للسيوطي 865).
ويتخرج على كلام الفقهاء هذا لو أيقن أو غلب على ظنه أنه ميت وليس عنده ما يدافع به عن نفسه، فله أن يقتل نفسه فيحتسي سُمًّا، أو أي وسيلة أخرى يختارها عن قتلهم له؛ لأنه ميت بأحد السببين فيختار، فإن كان صاحب أسرار لا يقوى على كتمانها كان اختيار قتل نفسه أولى وأسلم – كما سبق القول – وهو في كل الأحوال شهيدٌ إن شاء الله؛ لأنه يقصد قتل نفسه اختيارا، فحُكْمُه في أقل أحواله حُكْم المكرَه إكراها مُلْجِئا لقتل نفسه، بل قياسُه على المُكرَهِ قياسٌ أولويٌّ لموضع الشهادة وإعزاز الدين وتحقيق مصلحة المسلمين". [نُشِرت هذه الفتوى بعنوان (هل يعتبر من يفجر نفسه دفاعا عن أرضه ودينه منتحرا أم شهيدا؟) بمجلة المجتمع الكويتية، العدد 1193، 7 ذو القعدة 1416هـ - 1996/3/26م، ص 52 بدون الفقرة الأخيرة / ونُشرت بعنوان (العمليات الاستشهادية) في موقع الدكتور النشمي، بتاريخ: 13 مايو، 2015، بزيادة الفقرة الأخيرة].
(*) الدكتور عجيل جاسم النشمي عضو هيئة الفتوى في وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في الكويت، ورئيس رابطة علماء الشريعة بدُوَل مجلس التعاون الخليجي.
وقال الدكتور حسن فوزي: "أمّا حكم العمليات الاستشهادية فقد فصّله فضيلة الشيخ القرضاوي في كتابه (فقه الجهاد)، وختم كلامه عنه بهذين التنبيهين المهمين:
التنبيه الأول: إننا أجزنا هذه العمليات للإخوة في فلسطين لظروفهم الخاصَّة في الدفاع عن أنفسهم وأهليهم وأولادهم وحُرماتهم، وهي التي اضْطرَّتهم إلى اللجوء إلى هذه العمليات، إذْ لم يجدوا بديلًا عنها...
والتنبيه الثاني: أنَّ الإخوة في فلسطين قد أغناهم الله عن هذه العمليات، بما مكَّنهم من الحصول على صواريخ تضرب في عُمق إسرائيل نفسها، وإن لم تبلغ مبلغ الصواريخ الإسرائيلية، ولكنها أصبحت تؤذيهم وتقلقهم وتزعجهم، فلم يعد إذن المعوّل على العمليات الاستشهادية، كما كان الأمر من قبل، فلكلِّ حالة حكمها، ولكلِّ مقام مقال. والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال". [مقال للكاتب بعنوان «العمليات الاستشهادية.. بين الإباحة والحظر»، نُشِر بموقع القرضاوي]
(*) الدكتور حسن فوزي كان عضواً من فريق العمل في مراجعات كتب الشيخ القرضاوي بمكتبِه بدولة قطر.
رابط المقال:
https://www.al-qaradawi.net/node/2194
وقال الشيخُ الدكتور سليمان بن ناصر العلوان: "ومعاذ الله أن يستوي رجلٌ قتل نفسه في سبيل الشيطان وآخرُ قدّم نفسه ودمه في طاعة الرحمن، فو الله ما استويا ولن يتساويا، فالمنتحر يقتل نفسه من أجل نفسه وهواه نتيجةً للجزع وعدم الصبر وقلة الإيمان بالقضاء والقدر ونحو ذلك، وذاك الفدائي يقتل نفسه أو يتسبب في قتلها بحثاً عن التمكين للدين وقمعاً للأعداء وإضعافاً لشوكتهم وزعزعة لسلطانهم وكسراً لباطلهم...
وقد أثبتت هذه العملياتُ فوائدها وآتت ثمارها وعمتّ مصلحتها وأصبحت ويلاً وثبوراً على اليهود المغتصبين وإخوانهم النصارى المفسدين، وهي أكثر نكاية بالكفار من البنادق والرشاشات، وقد زرعت الرعب في قلوب الذين كفروا حتى أصبح اليهود وأعداء الله يخافون من كل شيء، وينتظرون الموت من كل مكان، زيادة على هذا هي أقلّ الأساليب الشرعية خسائر وأكثر فعّالية.
وقد ذكرَتْ بعضُ الدراسات أن هذه العمليات كانت سبباً في رحيل بعض اليهود من أراضي المسلمين في فلسطين وأدت هذه العمليات إلى تقليل نسبة الهجرة إلى أرض فلسطين والإقامة فيها. وهذا دليل على تحقق المصالح الكثيرة في هذه العمليات الشريفة". [فتوى نُشِرتْ بموقع (جامع الكتب الإسلامية)/ انظر: فتاوى جامعة في جواز العمليات الاستشهادية.. الشعيبي، العلي، العلوان، أبو عمر السيف، ج1 ص2]. رابط الموقع: https://ketabonline.com/ar/books/28026/read?part=1&page=21&index=3955127
ج) هل أخطأت حماس التقدير؟
لقد زعمتْ بعضُ المنابر أن حماس أخطأت حساباتِها، وجرّت شعبها إلى الدمار والخراب.
أوّلاً – نقد المقاومة أثناء الحرب، ليس مِن أخلاق الإسلام.
قال الشيخ فيصل بن قزار الجاسم: "لا يُعرف عن عالِم معتبر قطّ – لا من المتقدمين ولا من المتأخرين – أنه أطلق لسانه في نقد المسلمين وقتَ حربِ العدو الكافر لهم وتسلطه عليهم، مهما كانت أسباب نشوب الحرب بينهم، وعلى أي حال كانوا باعتبار الاتِّباع والابْتداع؛ لأن المقام يقتضي النُّصرة والتثبيت ودحر العدو، وهو فريضة الوقت.
ولما شنّ حاكمُ سوريا حملته ضد جماعة الإخوان المسلمين مُتّهِما إياهم بمحاولة قلب الحكم، وجّه الشيخُ ابنُ باز رسالةً يدعو المسلمين إلى معونتهم ونصرتهم، ولمْ يوجهِ الشيخُ خطابه للإخوان يعْتِب عليهم استثارة حاكم سوريا أو تخطيطَهم للإطاحة به مع ضعفهم وقوته وتمكنه منهم. ولمْ يشتغل بنقد منهجهم الفكري؛ لأن المقامَ مقامُ نُصْرةٍ ضد المعتدي الكافر، فكيف إذا كان العدوُّ المعتدي الكافرُ غاصبا بلاد المسلمين مُستحِلًّا حُرماتهم، ناهباً خيراتهم، واجبَ المدافعة والمجاهدة، وقد ذكر الله غدره وخيانته في كتابه، فهل يشك عاقل في وجوب أن يكون الخطابُ وقتَ الحرب خطابَ نُصرةٍ للمسلمين ودعمٍ وتداعي على ذلك بالسيف والمال والمعونة؟
بل لا ينتقد المسلمين في هذه الحال إلا أحدُ ثلاثة: جاهل أو أحمق لا عقل له أو مرتزق يسعى في هوى أسياده!
والنقد العام المتعلق بأسباب الحرب وعدته وعتاده إن جاز فإنما يجوز حال الأمن لا الحرب. والكلام وقت الفتنة والحرب أشد من وقع السيف: تنشيطا أو تثبيطا، وتعليق الأحكام إنما يكون على المعلوم المتحقق لا المظنون الموهوم، خلافا لما يفعله بعض الدعاة – وللأسف – مِمّن يخوضون في التحليلات السياسية ويبنون عليها الأحكام الشرعية، معرضين عن الواقع المشاهد المعلوم، فيتركون فريضة الوقت والواقع المحقق، ويشتغلون بالتنظير لفريضة المستقبل المظنون الموهوم!
ونقد الجماعات ليس كنقد الحكومات، وحماس لها نصيب من الولاية في غزة فهي صاحبة الشوكة فيها الآمرة الناهية، فلها نصيب من حقوق الولاية، وعلى هذا فتسليط سهام النقد عليها قد يأخذ حكم نقد الحكومات الإسلامية في بلاد المسلمين، ولا يخفى أنّ أشَدَّه ضرراً وأعظمَه قُبْحاً ونكارةً ما يكون وقتَ الحرب مع الكفار.
بل من المُتعَيّن أن يوجَّه الخطابُ أيضاً إلى الحكومات الإسلامية ودعوتها الى القيام بواجبها من النصرة والمعونة حسب القدرة الحقيقية والاستطاعة، وأمّا توجيهُ النقدِ وسهامِه على المستضعَفِ المستباحِ، وتركُ نقد القوي القادر التارك لما أوجب الله عليه تجاه المستضعفين فهذا من الكيل بمكيالين وهو نوع من التناقض او المحاباة والمداهنة.
وقضية فلسطين ليست كغيرها من قضايا المسلمين، فإن فيها المسجدَ الأقصى مسرى النبي ﷺ. وتطهيرُ المسجد الأقصى من دنس اليهود من أعظم الواجبات وأوجب الجهاد، وما عُظّمَ صلاحُ الدين الأيوبي عند المسلمين حتى صار لهم قَدَمَ صدق في الأمة إلَّا لتطهيره بيت المقدس من أيدي غاصبيه النصارى، حتى عُد فعلُه هذا من أجَلِّ أعماله، وما فرح المسلمون بمثل فرحهم باسترداد بيت المقدس.
سُئِل الشيخُ ابن باز: ماذا يجب على المسلم نحو المجاهدين المسلمين في سوريا الآن؟ [في احداث حماة سنة 1982م].
فأجاب: ”الذي نعلم عن حالهم أنهم مظلومون، وأنهم يستحقون العون والمساعدة؛ لأن الدولة الآن تقتل فيهم تقتيلاً شديداً، وهم إنما طالبوا بحكم الإسلام ولم يطالبوا بغير حكم الإسلام، والدولةُ دولةٌ كافرةٌ نصيرية علوية رافضية باطنية؛ فيجب أن يُنصَروا وأن يُعانوا حتى يَستنقِذوا بلادهم من أيدي عدوهم الكافر الملحد الذي لا يألوا شرًّا بالمسلمين ولا يألوا خبالاً بالمسلمين“. دونك كلامَ العلماء، ودعْ عنك كلام الجهال والحمقى والمرتزقة". [مقال للشيخ فيصل بن قزار الجاسم، بعنوان (واجبنا نحو فلسطين في معركة طوفان الأقصى) نُشِر بتاريخ: 12 أكتوبر 2023م، بموقع «مركز بيت المقدس»].
(*) الشيخ فيصل بن قزار الجاسم، إمام بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية في مسجد كليب مضحي بمنطقة العارضية – دولة الكويت، وخطيب مسجد الشيخ صباح السالم فيها، وحاصل على شهادة الماجستير في العقيدة الإسلامية./ رابط المقال:
https://www.aqsaonline.org/BlogPosts/Details/b33d4b39-5363-4748-a53e-dd4249a60ed6
وقال السعيد حمدي: "ربما لا يتابِع هؤلاء الذين ينتقدون المقاومة الأحداث في فلسطين المحتلة منذ سنوات، وتدنيس المسجد الأقصى والاعتداءات المستمرة عليه – وهو أُولى القبلتين وثالثُ الحرمين الشريفين لدى ما يقارب ملياري مسلم – وأيضا الانتهاكات والاعتداءات الدائمة من المستوطنين الصهاينة على أصحاب الأرض في الضفة الغربية واعتقال الآلاف منهم في سجون الاحتلال بالإضافة إلى قتل كثيرين بشكل دائم، إضافة إلى حصار خانق منذ 17 عاما على قطاع غزة، وقتلٌ بطيءٌ لما يقارب 2 مليون إنسان، أغلبهم تم تهجيرهم وإجبارهم على النزوح من الضفة لغزة وترك منازلهم قصرا...
والقضية الفلسطينية ومقاومةُ المحتل الصهيوني المجرم شرعاً فرضُ كفاية يرتقي إلى الفرض العين على كل مسلم كلٌّ بما يقدر عليه، ولو بالكلمة التي هي نوع من الجهاد، وإنسانياً لا يمكن أن يُلامَ صاحبُ حقٍّ على مطالبته به أبداً، بأي حجة أو دافع؛ لأن ذلك يُعَدُّ نُصْرةٌ للظالم وإعانةٌ له ومشاركتُه في إجرامه، وما هو إلا تكرارٌ لروايته بطريقةٍ غير مباشرة"./ مقال للكاتب بعنوان (هل أخطأت المقاومة؟)، نُشِر بتاريخ: السبت 25 نوفمبر/2023 بموقع: القاهرة 24.
رابط المقال: https://www.cairo24.com/1908133
وقال عبد الغني سلامة: "بداية ينبغي الإشادة بعملية حماس البطولية والتي يتوجب فهمها على أنها انفجار فلسطيني في وجه الاحتلال، وهو انفجار مُتوقَّع ومشروع، حصل نتيجةَ الضغط الهائل والظلم الكبير الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ 75 عاماً، ونتيجةَ ممارساتٍ احتلالية إجرامية بلغت حدًّا لا يُحتمل، ونتيجةَ سياساتٍ إسرائيلية متغطرسة ومتعنتة لا ترى الفلسطينيين، وتتجاهل معاناتهم وآلامهم، وتتعامل معهم وكأنهم مجرد «حيوانات بشرية»، كما وصفهم وزير الدفاع الإسرائيلي، في تصريح عنصري بغيض يفضح وجه إسرائيل الحقيقي.
وهذا الانفجارُ نتيجةُ حصار خانق وجائر لقطاع غزة دخل عامَه السابع عشر، وقد تحمّل فيه أهل غزة فوق طاقة البشر، وبلغت معاناتهم أن غزة صارت توصف بأنها مكان غير صالح للحياة.. وبلا مستقبل.
إضافة إلى ما سبق، كان لدى «حماس» تقديراتٌ بأن إسرائيل تُعِدُّ لحربٍ جديدة، فإذا وقعت ستكون شبيهة بالحروب السابقة، وستتلقى حماس ضرباتٍ موجعةً، وستتعرض غزة لمزيد من الدمار، وبالتالي ليس لحماس ما تخسره أكثر، سيما بعد تعرضها لانتقادات شديدة أدت لتآكل شعبيتها، بسبب طبيعة حكمها، وبسبب تخليها عن المقاومة. لذلك اختارت هذه المرة أن تبادر بالهجوم، في محاولة منها لقلب النتائج والاستفادة من عنصر المفاجأة.. وهذا تكتيك ذكي وشجاع". [مقال بعنوان «"طوفان الأقصى".. تقدير موقف» للكاتب، نُشِر بجريدة ”الأيام الفلسطينية“ بتاريخ: 2023-10-11] / رابط المقال:
https://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=16498920y373917984Y16498920
ثانياً – ليس من شروط النّصر التكافؤ بين المقاومة والعدو الصهيوني.
قال الدكتور طه أحمد الزيدي – عضو الهيئة العليا ولجنة الفتوى في المجمع الفقهي العراقي –، جواباً عن «حكم قتال الصهاينة رغم عدم التّكافؤ بين الطرفين»: "من المعلوم لدى فقهاء السياسة الشرعية أن عدم التكافؤ بين المحتّل والمقاوِم ليس مانعاً من القتال شرْعاً وعُرْفاً، وقد حدث لُبْسٌ أو إلقاءُ شُبْهَةٍ، في معركة (طوفان الأقصى)، مفادُها أنّ عددَ مقاتلي المقاومة الإسلامية الذي هجموا على مستوطنات غلاف غزة أقَلُّ بكثير من عَدَد الجيش الصهيوني وعُدَّتِه، وهذا يتعارض مع التخفيف الذي نصَّ عليه القرآن الكريم، مما يؤدي الى التَّهْلُكَة بحق المقاتلين ومن ثم التدمير لأهل غزة.
وهذا التوصيف الفقهي قاصر، ولم يُراعِ التفصيلَ في الحكم بالوجوب والجواز، ولا التفريقَ بين جهاد الدفع وجهاد الطلب، وأوّلَ القتال وفي أثنائه، فأمرُ التكافؤ يُراعى في الطلب، وعند شدة المعركة وتستدعي انسحابا، لذا قرَّر الفقهاء أنه عندما يزيد عدد الكفار على ضِعف المسلمين، فيجوز الفرار حينئذ، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أهل المذاهب الأربعة،... فهنالك فرقٌ بين: جواز الفرار، ووجوبه أو حرمة القتال، فلو أن المسلمين ثبتوا مع أضعافهم جاز ذلك، وهذا ما كان عليه حال المسلمين في أكثر معارِكهم، ولا سيما المعاركِ الكبيرةِ بعد عصر التنزيل كاليرموك والقادسية وحروب الردة، أمّا لو هجم العدو على بلاد المسلمين واحتلها، وجب دفعه، ولو كان عدده أضعاف عدد المسلمين، ولا يجوز الفرار حينئذ إلا مُتحرِّفا لقتال أو مُتحيِّزا إلى فئة، وعليه فإن خِيف أن يهجم العدو على مدن المسلمين فيستبيح دماءهم وأعراضهم، فيجب صده ومقاومته... وفصّل ابنُ قُدامة هذا الأمر تفصيلا دقيقا ونصّ على حكم الجواز وليس الوجوب، قال رحمه الله: “وإذا كان العدو أكثر من ضعف المسلمين، فغلبَ على ظن المسلمين الظَّفرُ، فالأَوْلى لهمُ الثباتُ؛ لِمَا في ذلك من المصلحة، وإنِ انصرفوا جاز؛ لأنهم لا يأمنون العَطَبَ، والحكم عُلّق على مَظِنَّتِه، وهو كونُهم أقَلَّ من نصف عددهم، ولذلك لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف وإنْ غلب على ظنهم الهلاك فيه، ويحتمل أن يلزمهم الثبات إن غلب على ظنهم الظفر؛ لما فيه من المصلحة. وإن غلب على ظنهم الهلاكُ في الإقامة، والنجاةُ في الانصراف، فالأَوْلى لهمُ الانصرافُ، وإن ثبتوا جاز؛ لأنّ لهم غرضاً في الشهادة، ويجوز أن يغلبوا أيضا”. (المغني، 9/254).
فتَبيَّنَ جوازُ القتال مع القِلّة، بل ومع غلبة الظن بحصول الهلاك، ولاسيما للنكاية بالعدو المحتل الغاصب، ولاسيما عند دفعه". [فتوى نُشِرت بموقع ”هيئة علماء فلسطين“، بتاريخ: 21 نوفمبر، 2023].
وقال الدكتور الزيدي أيضاً في بيان «حكم قتال الصهاينة مع معرفة شدة ردهم على النساء والأطفال»: "مِن خلال الحروب السابقة مع العدو الصهيوني المحتل، عُلم أن ردّهم سيكون شديدا على المدنيين من أهل غزة، مع وجود الدعم الدولي المساند والضعف العربي، نقول ينبغي أن نحسن الظن بمدارك قادة المقاومة الإسلامية، وأن هذا الأمر كان حاضرا في أذهانهم ومندرجا في تقريراتهم لمآلات الأمور، ولا سِيّما مع وجودِ سوابقَ لمبادرة العدو الصهيوني باستهداف المدنيين أو كرَدِّ فعْل على هجمات المقاومة، فالعدو لم ينقطع عن الاستهداف بشتى صوره، وعن انتهاك حقوق المدنيين، وقد حث القرآن الكريم المسلمين على طلب العدو مع وجود الألم والقرْح فكيف بدفعه، قال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (النساء: 104)، وقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (آل عمران: 139-140)، وبعد انكسار المسلمين في غزوة أُحُد نَدَبَ النَّبِيُّ ﷺ أَصْحَابَهُ فِي طَلَبِهِمْ، حَتَّى بَلَغُوا قَرِيبًا مِنْ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَذَلِكَ حِينَ قَالَ اللَّهُ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران 173) [أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، والطبراني في الكبير]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لَمَّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ وَبَلَغُوا الرَّوْحَاءَ، قَالُوا: لَا مُحَمَّدًا قَتَلْتُمُوهُ، وَلَا الْكَوَاعِبَ أَرْدَفْتُمْ، وَبِئْسَ مَا صَنَعْتُمُ ارْجِعُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَنَدَبَ النَّاسَ فَانْتَدَبُوا حَتَّى بَلَغُوا حَمْرَاءَ الْأَسدِ وَبِئْرَ أَبِي عِنَبَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} (آل عمران: 172) [أخرجه النسائي في الكبرى].
ومعلوم أن القتال لا يزال منذ عصر النبوة سِجالا، بين انتصارٍ وانكسارٍ، ولم يمنعْ ذلك من معاودته، وإن استرداد الحقوق المشروعة والدفاع عن الدين والأرض والعِرض لا بُدَّ له من تضحيات، وهذه من سنن الله في التدافع.
وقد تكونُ لدى بعض فقهاء السياسة الشرعية المتابعين بعمق رؤيةٌ في مآلات معركة طوفان الأقصى، لا تنسجم الى حد ما مع الرؤية المعلنة لقادة المقاومة، فالنصيحةُ المنضبطةُ من غير تشهير ولا تسقيط معتبرةٌ، ولكنْ حُسنُ الظن بهم مُقَدَّمٌ، فالخير أرادوا وهذا مبلغهم من العلم وما وصل إليهم اجتهادهم، وهم يُدركون عظيم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، مع ظننا أنها لم تكن بعيدة عنهم، وقد أَعَدّوا لأشدّ المآلات خطراً خطةً، وقدَّروا لأسوء العواقب قدرها، والأمرُ لله من قبلُ ومن بعدُ". [فتوى نُشِرت بموقع ”هيئة علماء فلسطين“، بتاريخ: 21 نوفمبر، 2023].
تعقيب: يرى بعضُ الناس أن حماس ألْقت بِنفسها إلى الهلاك، واستدلوا بقوله تعالى: {وَأَنفِقُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُوا۟ بِأَیۡدِیكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ} [البقرة: 195].
وهذا الاستدلال ضعيف، فعَنْ الصحابي حُذَيْفَةَ رضي الله عنه «﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ». [رواه البخاري، الحديث رقم 4516].
وعَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ التُّجِيبِيِّ، قَالَ: كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ، فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنَ الرُّومِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنَ المُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ، وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَعَلَى الجَمَاعَةِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ، فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ. فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَتُؤَوِّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلَامَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا، فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلَاحَهَا، وَتَرْكَنَا الغَزْوَ «فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ، شَاخِصًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِأَرْضِ الرُّومِ». رواه الترمذي، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وقال الإمامُ البيضاوي (685 هـ) في تفسيره: "﴿وَلا تُلْقُوا بِأيْدِيكم إلى التَّهْلُكَةِ﴾ بِالإسْرافِ وتَضْيِيعِ وجْهِ المَعاشِ، أوْ بِالكَفِّ عَنِ الغَزْوِ والإنْفاقِ فِيهِ، فَإنَّ ذَلِكَ يُقَوِّي العَدُوَّ ويُسَلِّطُهم عَلى إهْلاكِكم. ويُؤَيِّدُهُ ما رُوِيَ عَنْ أبِي أيُّوبَ الأنْصارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: لَمّا أعَزَّ اللَّهُ الإسْلامَ وكَثُرَ أهْلُهُ رَجَعْنا إلى أهالِينا وأمْوالِنا نُقِيمُ فِيها ونُصْلِحُها فَنَزَلَتْ، أوْ بِالإمْساكِ وحُبِّ المالِ فَإنَّهُ يُؤَدِّي إلى الهَلاكِ المُؤَبَّدِ، ولِذَلِكَ سُمِّيَ البُخْلُ هَلاكًا".
وقال الشيخُ الدكتور إبراهيم القطان (ت 1404 هـ) في تفسيره «تيسير التفسير»: "فالجهاد بالمال أمر مهم، بل هو أساسٌ كبيرٌ في دعم الجهاد والمحافظة على كيان الأمة...
إنّ ترك الأعداء يقتلون بعضَنا من غير أنْ نقاتلَهم لهُوَ هلاكٌ لنا. وهذا ما هو جارٍ الآن بيننا وبين اليهود: يعتدون ويقاتلون ونحن واقفون ننظر ويلوم بعضُنا بعضًا".
د – حكم استهداف المستوطنين اليهود في فلسطين المحتلة:
قال الأستاذ الدكتور وَهْبَةُ الزُّحَيْلِيُّ – أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق/ كلّيَّة الشَّريعة: "يجوز قتلُ المُقاتِلَةِ الذين يشتركون في الحرب برأي أو تدبير أو قتال، ولا يجوز قتلُ غير المُقاتِلَةِ مِن امرأة أو صبي أو مجنون أو شيخ هرم، أو مريض مُقعَد، أو أشل، أو أعمى، أو مقطوعِ اليد والرجل من خلاف أو مقطوع اليد اليمنى، أو معتوه، أو راهبٍ في صومعته، أو قومٍ في دارٍ أو كنيسة ترهبوا، والعَجَزةِ عن القتال، والفلاحين في حرثهم، إلا إذا قاتلوا بقول أو فعل أو رأي أو إمداد بمال...
هذا في حال الحرب والقتال. أمّا بعْدَ انتهاء القتال وهو ما بعْدَ الأَسْرِ والأخْذ: فكل من لا يحِلّ قتلُه في حالِ القتال لا يحِلّ قتلُه بعد الفراغ من القتال، وكل من يحل قتله في حال القتال إذا قاتل يباح قتله بعد الأخذ والأسر، إلّا الصبي والمعتوه الذي لا يعقل، فإنه يباح قتلهما في حال القتال إذا قاتلا، ولا يُباح قتلهما بعد الفراغ من القتال إذا أُسِرا، حتى وإن قَتَلا جماعةً من المسلمين في القتال؛ لأن القتل بعد الأَسْرِ بطريق العقوبة، وهما ليسا من أهل العقوبة، فأما القتل في حال القتال فلدفع شر المقاتل، فإذا وجد الشر منهما فأبيح قتلهما لدفع الشر، كما قال الكاساني.
وينبغي للمسلمين ألا يغدروا (أي يخونوا بنقض العهد) ولا يَغُلُّوا (أي يسرقوا من الغنيمة) ولا يُمثِّلوا بالأعداء: بأن يشُقّوا أجوافهم ويَرضَخوا رؤوسهم ونحو ذلك. قال بعض الحنفية: وإنما تكره المُثْلة بعد الظفر بهم، أما قبْلَه فلا بأس بها.
هذا هو مذهب الجمهور (الحنفية والمالكية والحنابلة والشيعة الزيدية والشافعي في أحد قوليه). وقال الشيعة الإمامية والظاهرية وابن المنذر والشافعي في أظهر قولَيْه: يجوز قتل مَن عدا النساء والصبيان.
التدمير والتخريب: لا بأس عند الضرورة الحربية بإحراق حصون العدو بالنار، وإغراقها بالماء وتخريبها وهدمها عليهم، وقطع أشجارهم وإفساد زروعهم، ونصْب المجانيق ونحوها من مدافعِ اليومِ على حصونهم وهدمها، لقوله تعالى: {يُخرِبون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} [الحشر: 2].
ولأنه عليه الصلاة والسلام أحرق البُوَيْرَة: وهي موضعٌ بقرب المدينة؛ ولأن في إرسال الماء ونحوه كسر شوكتهم وتفريق جمعهم.
ولا بأس برميهم بالنبال ونحوها من وسائل القتال الحديثة، البرية والبحرية والجوية، وإنْ كان فيهم مسلمون من الأَسارَى والتُّجار؛ لأن رميهم ضرورة، ويَقصِد الكفارَ بالضرب لا المسلمين؛ لأنه لا ضرورة في القصد إلى قتل مسلم بغير حق.
وكذا يجوز ضرب الكفار إن تتَرَّسوا بأطفال المسلمين وأُسَراهم، للضرورة وسداً لذريعة الفساد التي قد تترتب على ترك قتلهم، لكن يُقصَد الكفارُ بالضرب كما ذكر. وإن أصيب مسلم فلا ديّةَ ولا كفارة. ولا ينبغي للمسلمين أن يستعينوا بالكفار على قتال الكفار، لقوله ﷺ – فيما رواه مسلم عن عائشة – لرجل تبعه يوم بدر: «ارجع فلن أستعين بمشرك»؛ ولأنه لا يؤمن غدرهم، إذْ العداوةُ الدينية تحملهم على الغدر، إلا عند الاضطرار، وقد أجاز الأكثرون من أَتْباع المذاهب الأربعة الاستعانة بالكافر على الكُفّار، إذا كان الكافرُ حسن الرأي بالمسلمين، أي وكانت القيادة للمسلمين. وقَيَّدَ الشافعيةُ ذلك أيضاً بالحاجة؛ لأن النبي ﷺ – فيما رواه مسلم – استعان بصفوانَ بنِ أُمَيّةَ يوم حنين، وتعاونت خزاعة مع النبي ﷺ عام فتح مكة، وخرج قُزمان الظفري وهو من المنافقين مع الصحابة يوم أحد، وهو مشرك". [الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، دار الفكر – سوريَّة – دمشق، الطبعة: الرَّابعة المنقَّحة، ج8 ص5855 وما بعدها].
وقال الدكتور طه أحمد الزيدي في بيان (حكم استهداف المستوطنين اليهود في فلسطين المحتلة): "من المعلوم أن كلّ جندي أو مستوطِن صهيوني يُعَدّ محاربا، فهو إمّا مقاتل أو مُعَدٌّ للقتال (احتياطا) أو مُعِينٌ للجيش الصهيوني، أو مُعْتدٍ على الفلسطينيين وممتلكاتهم، فيجوز استهدافُهم، بل صرّح جمهور الفقهاء بأنه يجوز تبييت الكفار وهو كبسهم ليلًا وقتلهم على غفلة، ولو قُتِل في هذا التبييت من لا يجوز قتله من امرأة وصبي وغيرهما كمجنون وشيخ فانٍ، إذا لم يُقصَدوا (الموسوعة الفقهية 16/ 161)، عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الذَّرَارِيِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؟ يُبَيَّتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، فَقَالَ: «هُمْ مِنْهُمْ» (أخرجه البخاري ومسلم) ، قال الإمام النووي رحمه الله (وهذا الحديث الذي ذكرناه من جواز بياتِهم، وقتلِ النساء والصبيان في البيات: هو مذهبُنا ومذهبُ مالك وأبي حنيفة والجمهور، ومعنى البيات يبيتون، أي: يُغارُ عليهم بالليل بحيث لا يُعْرَفُ الرجلُ من المرأة والصبي) (شرح صحيح مسلم، 12/50).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: “لا بأس بالبيات، وهل غزو الروم إلا البيات؟ قال: ولا نعلم أحدا كرِه تبييت العدو” (المغني لابن قدامة 9/287)، ولذا أجاز الحنابلة: تبييت الكفار، ورميهم بالمنجنيق، ولو قُتِلَ بلا قصد صبيٌّ ونحوُه. (الروض المربع للبهوتي، 1 /296).
مع التأكيد على عدم جواز أن تُقْصَدَ الأماكنُ التي وُضِعت للأطفال أو النساء ولا يكونُ فيها غيرهم، إلَّا إذا تتَرَّس بها العدو، وفي هذه المسألة تفصيل.
وحتى مَن يرى حُرْمة قتلِ المدنيين وقتل النساء والأطفال، فقد استثنى الفقهاء من هذا الحكم العام صُوَراً، منها: أن يشارك كل الأعداء في الحرب، فينتفي عنهم صفة المدني، أو أن يقوم المدنيون بأعمالٍ يساعدون بها الجيش طوعا، فيُعَدّ ذلك عملًا عسكريًا أو ملحقا به، ومعلوم أن الجيش في الحرب المعاصرة ينتمي إليه من غير المقاتلين، من تكون وظائفُهم مُكمِّلةً للأعمال القتالية، بل لا تقوم الحرب إلا بها، وهذا الوصف متحقق في المستوطنين، فهم يشتركون في العدوان والحرب بالقتال أو التجنيد أو الرأي والمشورة أو التحريض أو الإعانة ونحوها؛ وبذلك يزول عنهم حظر القتل لمن يستحقه، وما شُرِع لوصف يزول بزواله، والتابعُ تابعٌ، وعليه يجوز قتلهم في الحرب، يقول الإمام النووي رحمه الله: ”قوله (نهى رسول الله ﷺ عن قتل النساء والصبيان) أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يُقَاتِلُوا، فإنْ قَاتَلُوا قال جماهير العلماء: يُقْتَلُونَ، وأما شيوخُ الكفار فإن كان فيهم رأيٌ قُتِلوا، وإلّا ففيهم وفي الرهبان خلافٌ، قال مالكٌ وأبو حَنِيفةَ لا يُقْتَلُونَ، والأصح في مذهب الشافعي قتلهم“ (شرح صحيح مسلم12/48)، وقد استدلوا بأن النّبِيَّ ﷺ قال – عندما رأى امرأة مقتولة –: ”مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ“ (أخرجه أبو داودَ وأحمد)، فدلّ على أنها لو كانت تقاتل جاز قتلها، وفي الصحيحين أنّ دريدا بنَ الصمة قُتِل يوم حُنيْن، وكان شيخاً كبيراً، لكنه كان ذا رأي وخبرة بالحرب، قال الطحاوي رحمه الله: وحديثُ دريدٍ على الشيوخِ الذين لهم معونةٌ في الحرب كما كان لدريد، فلا بأس بقتلهم وإن لم يكونوا يقاتِلون؛ لأنّ تلك المعونةَ التي تكون منهم أشدُّ من كثير من القتال،.. وهو دليل على أنه لا بأس بقتل المرأة، إذا كانت أيضا ذاتَ تدبيرٍ في الحرب كالشيخ الكبير ذي الرأي في أمور الحرب. (شرح معاني الآثار، 3/ 224).
أو أن يقتل الأعداءُ المدنيين من المسلمين، فتكون المعاملة بالمثل، وهذه الصورة ليست محطَّ اتفاق بين الفقهاء، فمنهم من قيّدها بأن تكون النساء مقاتلات، أو المعاملة بالمثل في الحروب القتالية الميدانية؛ لعموم قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (البقرة: 194)، ولِما في ذلك من كسرٍ لقلوب الأعداء وإهانتهم. وفائدةُ هذا القيد حتى لا تكونَ ذريعةً للجماعات المتطرفة بقتل المدنيين في الدول العربية والغربية، ولذا نرجح عدم قصد قتل النساء والأطفال والشيوخ العُزّل غيرِ المشاركين بالجيش الصهيوني، وهذا ما فعلته المقاومة الإسلامية في معركة طوفان الأقصى، بل أمَّنَتْهم وتركتْ بعضهم يعود لمستوطناتٍ آمنة، مع أن جيش الاحتلال الصهيوني يرتكب أبشع الجرائم بحق المدنيين، يقتل النساء والأطفال العُزّل وفي أماكنَ مدَنيةٍ حَرَّمت القوانينُ الدولية استهدافها بالحروب كالمستشفيات والمدارس وأماكن العبادة وغيرها، فانْتهك الجيشُ الصهيوني كلّ ذلك عبر الأعمالِ القتالية والقصفِ والغارات، وانتقاما من عوائل الاستشهاديين، أو قتلِهم بالحصار وحرمانِهم من الحقوق الأساسية التي تؤدي الى هلاك عدد منهم.
ومن مبررات استهدافهم أن يكونَ المدنيون ارتضوا بغصب الأرض، فاليهود المستوطنون في فلسطين مهاجرون من بلاد شتى فلا حق لهم في الأرض، وسلبوا أرض المسلمين ومقدساتهم، فهم جميعاً غزاةٌ محتلون مقاتلون مغتصبون معتدون، فتنتفي عنهم صفة المدنية، والإسلام يوجب تحرير أرض الإسلام من المحتلين الغاصب ين. ولو حُرِّمَ على المجاهدين الإغارةُ أو رمْيُ أيِّ مكانٍ احتلّه العدو لاحتماليةِ فيه غيرُ المُقاتِلَة، لأفْضى ذلك إلى تعطيل جهادِ الدَّفع وترك تحرير الأراضي المحتلة". [فتوى نُشِرت بموقع ”هيئة علماء فلسطين“، بتاريخ: 21 نوفمبر، 2023].
5 – حُكْم التطبيع مع العدو الصهيوني:
أوَّلًا – فتوى كبار العلماء من المذاهب الأربعة في مصر:
لقد اجتمعت لجنة الفتوى بالجامع الأزهر في يوم الأحد 18 جمادى الأولى سنة 1375هـ الموافق (أول يناير سنة 1956م) برئاسة الشيخ/ حَسَنين محمد مخلوف عضو جماعة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية سابقًا.
وعضوية جماعة كبار العلماء:
الشيخ/ عيسى منون (الشافعي المذهب).
والشيخ/ محمد شلتوت (الحنفي المذهب).
والشيخ/ محمد الطنيخي (المالكي المذهب).
والشيخ محمد عبد اللطيف السبطين (الحنبلي المذهب). وبحضور الشيخ/ زكريا البري؛ أمين الفتوى.
وأصدرت فتوى بشأن الموقف الإسلامي من إنشاء ما يُسمى «دولة إسرائيل» ومن الصلح معها، ومما جاء فيها:
وتفيد اللجنة أن الصلح مع إسرائيل كما يريده الداعون إليه، لا يجوز شرعًا، لما فيه من إقرارِ الغاصب على الاستمرار في غصْبِه، والاعترافِ بِأَحَقِّيَّةِ يده على ما اغتصبه، وتمكينِ المعتدي من البقاء على دعواه.
وقد أجمعت الشرائعُ السماوية والوضعية على حرمةِ الغصْب ووجوبِ ردِّ المغصوب إلى أهله وحثَّتْ صاحبَ الحق على الدفاع والمطالبة بحقه...
فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم على أي وجه يمكّن اليهود من البقاء كدولة في أرض هذه البلاد الإسلامية المقدسة.
بل يجب عليهم أن يتعاونوا جميعًا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها، وصيانة المسجد الأقصى مهبطِ الوحي ومصلى الأنبياء الذي بارك الله حوله، وصيانة الآثار والمشاهد الإسلامية من أيدي هؤلاء الغاصبين.
وأن يعينوا المجاهدين بالسلاح وسائرَ القوى على الجهاد في هذا السبيل وأن يبْذُلوا فيه كل ما يستطيعون حتى تطهر البلاد من آثار هؤلاء الطغاة المعتدين...
ومن قصّر في ذلك، أو فرّط فيه، أو خذّل المسلمين عنه، أو دعا إلى ما مِن شأنه تفريقُ الكلمةِ وتشتيتُ الشملِ والتمكينُ لدول الاستعمار والصهيونية من تنفيذ خططهم ضد العرب والإسلام وضد هذا القطر العربي والإسلامي؛ فهو في حكم الإسلام: «مفارق للجماعة المسلمة ومُقْترِف أعزّ الآثام»...
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن موالاة الأعداء إنما تنشأ من مرضٍ في القلوب يدفع أصحابَها إلى هذه الذّلة التي تظهر بموالاة الأعداء فقال تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ. فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ (المائدة:52)...
وأما التعاون مع الدول التي تشد أزر هذه الفئة الباغية وتمدها بالمال والعتاد وتُمَكِّن لها من البقاء في الديار؛ فهو غير جائز شرعًا، لما فيه من الإعانة لها على هذا البغي والمناصرة لها في موقفها العدائي ضد الإسلام ودياره...
ولا ريب أن مظاهرةَ الأعداء ومُوادّتَهم يستوي فيها إمدادُهم بما يُقوِّي جانبهم ويثَبِّت أقدامهم بالرأي والفكرة وبالسلاح والقوة – سرًّا وعلانية – مباشرة وغير مباشرة، وكل ذلك مما يحْرُم على المسلم مهما تخيل من أعذار ومبررات...
وكذلك يحْرُم شرعًا على المسلمين أن يمكنوا إسرائيل ومَن وراءها من الدول الاستعمارية التي كفلت لها الحماية والبقاء، من تنفيذ تلك المشروعات التي يُراد بها ازدهار دولة اليهود وبقاؤها في رغدٍ مِن العيش وخصوبةٍ في الأرض حتى تعيش كدولة تُناوِئ العرب والإسلام في أعز دياره، وتُفسد في البلاد أشد الفساد، وتكيد للمسلمين في أقطارهم.
[نُشِرتِ الفتوى بموقع (ناصحون) تحت عنوان «تحريم الصلح مع الكيان الإسرائيلي ووجوب الجهاد .. لجنة الفتوى بالأزهر الشريف»/ ومصدر الفتوى: مجلة الأزهر: المجلد السابع والعشرون، سنة 1955، 1956، ص 682 ـ 686].
تعقيب: قال الأستاذ الدكتور أحمد الريسونى: "مُرادُهم الآن بالتطبيع، هو أن يتجاوز العربُ كلَّ ما وقع من اغتصابٍ واحتلالٍ لفلسطينَ، ومن تهجيرٍ وتشتيتٍ للشعب الفلسطيني، ومِن جرائمَ لا تُحصى في ثنايا ذلك. التطبيعُ معناه طيُّ ذلك كله، والترحيبُ ب ”إسرائيل” وإعطاؤها مكانةً “طبيعية” داخل الدول والشعوب العربية، بحيث تكون جارا وصديقا وشريكا، يحظى بالترحيب والمودة، وفتح الأبواب والمصالح أمامه"./ رابط المقال: https://raissouni.net/6685
ثانياً – شبهةٌ الاستدلال على جوازِ التَّطبيعِ، بتَعامُلِ الرَّسولِ ﷺ مع اليهودِ وعَقْدِه الصُّلحَ معهم.
إنّ هناك فرْقاً بين اليهود الذين تعامل معهم النبيُّ ﷺ وبين الصهاينة، وضّح الدكتورُ سعد بن مطر العتيبي هذا الفرق قائلاً: "فاليهودُ الذين تعاملَ معهم النبيُّ ﷺ لم يكونوا مُحارِبِين ولا مُحتَلِّينَ، بل كانوا مُسالِمينَ خاضعينَ للشروطِ الإسلاميَّة بالعهد، وقد قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، ثمَّ هم في حالةِ ضَعفٍ لا يَقدِرونَ على نَشرِ ما يُريدونَ من ثقافةٍ وفِكرٍ، بعَكسِ واقِعِ اليهودِ اليومَ؛ فهم محارِبونَ غيرُ مُسالِمينَ، كما نرى ويرى العالَم! وهم يَفرِضونَ رُؤاهم الفِكريَّةَ والثَّقافيَّةَ وقناعاتِهم الباطلةَ؛ لِيُسَلِّمَ لهم بها الآخَرونُ رَغمًا عنهم! وقد قال الله عزَّ وجَلَّ: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9]). [فتوى بعنوان ”ما حكم الاستدلال بتعامل الرسول ﷺ مع اليهود، على التطبيع؟“، منشورةٌ بموقع ”طريق الإسلام“ بتاريخ: 2017-07-11] / رابط الفتوى: https://ar.islamway.net/article/74255
ثالثاً – هل أجاز الشيخان ابنُ باز وابنُ عثيمين التطبيعَ مع العدو الصهيوني؟
قال الشيخ الأستاذ الدكتور عجيل جاسم النشمي في موقعه – بعد أن ذكر كلام الشيخين –: "فكلام الشيخين واضح أن العهد – أو لِنَقُلْ التطبيع – إذا تضمن إقرارنا بحقهم وملكيتهم للأرض، لم يصح سواء في الصلح المؤقت أو المطلق. ولا يظن عاقل مطلقا أن اليهود يَقبَلون أو يفهمون أن التطبيع معهم هو تمليكهم الأرض مؤقتا.
فالقضية عند الشيخين واضحة في أن العهد أو التطبيع في حدود العلاقات السياسية والدبلوماسية لا شيء فيه معهم أو مع غيرهم، لكن إن كان متضمنا تمليكهم جزءاً من أرض المسلمين – وخاصة الأرض المقدسة المباركة – فلا يجوز، والأمر واقعاً وبداهةً لا ينفك فيه التطبيع عن تمليك الأرض. وعليه فالتطبيع غير جائز مطلقا في قول الشيخين، أي: سواء أكان مؤقتا أم مطلقا".
وكتبه: أ. عبد المجيد فاضل/ بتاريخ: الجمعة 29 جمادى الآخرة 1445 هـ – 12 ديسمبر 2023 م
-
الاربعاء PM 04:48
2024-01-17 - 1116