ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
إنكار حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"
إنكار حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"(*)
مضمون الشبهة:
ينكر بعض المغرضين حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»؛ لأنه معلول سندا - في نظرهم - شاذ متنا، إذ في سنده أبو بكرة الذي حد في حد قذف؛ ومن ثم لا تقبل روايته، أما من ناحية المتن فهو متعارض مع القرآن الكريم الذي ساوى بين الرجل والمرأة، بل إنه قد مدح بلقيس ملكة سبأ - مع أنها أنثى - وذم فرعون - مع أنه رجل - كذلك فهو مناقض للواقع، فقد تولت كل من "أنديرا غاندي" و "مارجريت تاتشر" في الهند وإنجلترا وحققتا نجاحا كبيرا وتقدمتا ببلديهما تقدما عظيما، كذلك من حق المرأة أن تلي القضاء، فقد ولى عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبد الله القضاء، وكل هذه الحقائق تؤكد خطأ نسبة هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم. رامين من وراء ذلك إلى الطعن في السنة النبوية وادعاء تناقضها مع القرآن الكريم.
وجوه إبطال الشبهة:
1) الحديث صحيح سندا ومتنا، فقد رواه إمام المحدثين البخاري في صحيحه، وأبو بكرة -رضي الله عنه- صحابي جليل، ولا يقدح في عدالته حده في قذف، وقد أجمع أهل العلم على قبول روايته.
أما متن الحديث فلا يتعارض مع القرآن، فبالرغم من أن الله قد ساوى بين الرجل والمرأة، إلا أنه اختص كلا منهما بما يناسب تكوينه الجسدي والنفسي من أعمال، ولا تعني حكاية الله قصة بلقيس أنه تعالى أقر بولاية المرأة، كذلك لم يذم الله تعالى فرعون لمحض ذكورته، وإنما لكفره وظلمه شعبه وعناده، وعليه فقد انتفى القول بتعارض الحديث مع القرآن، ومن ثم انتفى القول بشذوذ متن الحديث.
2) إن الإمامة العظمى للبلاد تحتاج إلى كمال الرأي وتمام العقل والفطنة، إضافة إلى دوام المتابعة، والدخول في المحافل، وقيادة الجيوش، وكل ذلك جعلها أمرا عسيرا ومهمة شاقة، فأعفى الإسلام المرأة من توليها، لعدم اتفاق تكوينها النفسي والجسدي مع تلك المهام، ولا يعني نجاح آحاد النساء في قيادة أقوامهن أن ذلك قاعدة عامة وحكم مضطرد، وهذا ما عليه جمهور علماء المسلمين.
3) لم يصح أن عمر -رضي الله عنه- ولى امرأة القضاء، ومسألة تولية المرأة القضاء مسألة خلافية تباينت فيها آراء الفقهاء قديما وحديثا، ما بين المنع المطلق والجواز المطلق، والجواز فيما لا حد فيه ولا قود، وهذا هو الرأي الراجح.
التفصيل:
أولا. لا يوجد في سند الحديث أو متنه ما يقدح في صحته أو يخول القول بتعارضه مع القرآن:
إن حديث «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» صحيح سندا ومتنا، فقد رواه إمام المحدثين البخاري في صحيحه؛ الذي أجمعت الأمة سلفا وخلفا على صحة كل ما رواه فيه دون خلاف يعتد به في ذلك، وإليك الرواية كما جاءت في صحيح البخاري: «حدثنا عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن الحسن عن أبي بكرة قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيام الجمل بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم. قال: لما بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»([1]).
أما قولهم بأن الحديث معلول بأبي بكرة فقول شاذ مردود، فلم يرد الإعلال بالصحابي عن أي من علماء الحديث، فمن المعلوم أن الصحابة قد طوي بساطهم وارتفعت صحيفتهم، فقد زكاهم الله تعالى تزكية يقينية الثبوت والدلالة فقال: )رضي الله عنهم ورضوا عنه( (البينة: ٨)، ولاشك أن من عدله الله، لا يجرحه أحد كائنا من كان.
كذلك عدل النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته وأثبت لهم الأفضلية حيث قال:«خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»([2])([3])، ولا شك أن أبا بكرة -رضي الله عنه- داخل في هذا التعديل.
ولم يرو عن أحد مما يعتد به من علماء الجرح والتعديل تجريح لأبي بكرة أو لغيره من الصحابة، وقد حدث عن أبي بكرة بنوه الأربعة: عبيد الله، وعبد الرحمن، وعبد العزيز، ومسلم، وكذلك حدث عنه أبو عثمان النهدي، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعقبة بن صهبان، وربعي بن حراش، والأحنف بن قيس وغيرهم([4]).
وقد حكى الإجماع على قبول رواية أبي بكرة -رضي الله عنه- الحافظ ابن كثير بعد روايته لقصة أبي بكرة والمغيرة - رضي الله عنهما: فقال: "فأما قبول رواية أبي بكرة فمجمع عليه"([5]).
كما حكى الحافظ ابن القيم الإجماع على قبول روايته([6])، وقال ابن حزم: ما سمعنا أن مسلما فسق أبا بكرة ولا امتنع من قبول شهادته على النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحكام الدين"([7]).
ولا يقدح في عدالة أبي بكرة كونه حد في قذف أو ارتكب ذنبا غيره؛ لأنه بطبيعة الحال غير معصوم من الخطأ، ثم إن الحدود تطهير لمرتكبيها؛ ليعودوا إلى ما كانوا عليه من صلاح وتقوى قبل الذنب، وقد غفر الله تعالى للصحابة وكفر عنهم أسوأ ما عملوا، قال عز وجل: )والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون (33) لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين (34) ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون (35)( (الزمر)، فكيف تقبل روايته قبل الحد، ولا تقبل بعده مع تساوي حاله في الأمرين؟!
ومما يدعم قولنا بقبول روايته أن العلماء قد عرفوا الصحابي بأنه من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنا به ومات على ذلك، وإن تخللته ردة على الصحيح([8])، والقذف أقل - بلا شك - من الكفر؛ فوجب أن يكون أبو بكرة صحابيا، وإن كان صحابيا فقد تحققت عدالته، ولا انفصام بين الأمرين، فمن زعم أن رجلا صح وصفه بالصحبة، ثم حكم بانتقاض عدالته أو أقر من حكم بذلك؛ فقد خالف إجماع المسلمين، ولا يعتد بقوله، ومن ثم لا يستقيم للمنكرين إعلالهم الحديث بأبي بكرة رضي الله عنه.
أما قولهم بشذوذ متن الحديث فغير صحيح، يتضح هذا من معرفة معنى الحديث الشاذ وتطبيق هذا المعنى على الحديث الذي معنا.
الحديث الشاذ كما عرفه المحدثون: "ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه؛ لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات كفقه الراوي وعلو سنده"([9])، وإذا نظرنا في التعريف وجدناه لا ينطبق على الحديث الذي معنا بأي حال، فأبو بكرة عدل لم يرو مخالفا لمن هو أوثق منه، ولم يرو غيره ما يعارض ما رواه، ومن هنا بطل القول بشذوذ متن الحديث.
أما زعمهم معارضة الحديث للقرآن في تقريره مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة - فنقول: إن هذا الكلام لا يستقيم لهم؛ لأن الله تعالى وإن ساوى بين الرجل والمرأة في التكاليف والعبادات والحقوق، فإنه اختص كلا منهما بما يناسبه من أعمال تتوافق وتكوينه الجسدي والنفسي، فكما أن الله تعالى قال: )من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97)( (النحل) قال أيضا: )وليس الذكر كالأنثى( (آل عمران: ٣٦)، وقال: )الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض( (النساء: ٣٤)، فلكل من الذكر والأنثى خصائص جسمية وملكات عقلية تتحدد بها نوعية ما يشغله من أعمال، فالمساواة تتشكل في أن يعمل كل منهما فيما اختصه الله به من أعمال تناسبه، أما إذا عمل الرجل عمل المرأة، أو قامت المرأة مقام الرجل انتفى وعطل مبدأ المساواة، وانتكست الفطر، واضمحلت الأخلاق.
مدح بلقيس وذم فرعون:
أما استدلالهم بمدح القرآن لبلقيس مع أنها امرأة وذمه فرعون مصر مع كونه رجلا على إنكار الحديث؛ فهو استدلال مغلوط لا يقوم لهم به دليل.
ذلك لأن القرآن لم يمدح بلقيس، وإنما هو مجرد حكاية من الله تعالى لشيء من قصص السابقين ولا يدل على الإقرار.
وأيضا إن الله تعالى قد حكى أن الشياطين كانوا مسخرين لسليمان يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل، ومن المعلوم أن هذا ليس إقرارا لعمل التماثيل إلا في شرع سليمان -عليه السلام- فلا يلزم من حكايته -عز وجل- لقصة بلقيس إقراره تعالى بولاية المرأة. وحكى القرآن قصة بلقيس ليأخذ المسلمون منها العبرة والعظة، وإن فهم مدح من السياق، فلا يكون بسبب الأنوثة، ولكن لأنها كانت تشاور قومها، وتحكم بينهم بالعدل، قال تعالى على لسانها: )قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون (32)( (النمل)، كذلك لم يذم القرآن فرعون لكونه رجلا، وإنما لكفره وظلمه لشعبه؛ فوصل به الكفر إلى أن قال كما حكى القرآن ذلك: )فقال أنا ربكم الأعلى (24)( (النازعات) ووصل ظلمه لقومه إلى أن قال: )ما أريكم إلا ما أرى( (غافر: ٢٩)، فليست الأنوثة مجردة ذريعة للمدح ولا الذكورة ذريعة لذلك، ومن ثم بطل استدلالهم هذا وانتفى قولهم بتناقض الحديث مع ما قرره القرآن في مسألة ذكر بلقيس وفرعون.
أما قولهم بتكذيب الواقع للحديث؛ لأن من النساء من تولين الرئاسة ونجحن، مثل (أنديرا غاندي) في الهند و(مارجريت تاتشر) في بريطانيا - فقول مردود؛ لأن غاندي وتاتشر - على التسليم بنجاحهما - حالتان فرديتان لا يستقيم بهما حكم عام، هذا فضلا عن أن رئاسة كلا منهما ليست مركزية، بل إن رئيس الوزراء لا يستطيع أن يبرم أمرا حسب نظم هذه البلاد إلا بعد الرجوع لرؤساء الحزب والمستشارين، وليس له حكم مطلق.
وخلاصة القول في هذه المسألة أن هناك من آحاد النساء من قد تكون أقوى عقلا وأحد فهما من كثير من الرجال، ولا يعني هذا بحال أن تلك قاعدة عامة، أو أنه ينقض حديثا نبويا فضل الرجال على النساء في مسألة مثل الولاية العظمى للبلاد.
ثانيا. الإمامة العظمى للمسلمين مهمة شاقة عسيرة؛ ولذلك أعفى الإسلام المرأة من توليها؛ لعدم اتفاق تكوينها الجسدي والنفسي مع مهام الإمام:
إن رئيس الدولة في الإسلام ليس صورة رمزية للزينة والتوقيع، وإنما هو قائد المجتمع ورأسه المفكر، ووجهه البارز، ولسانه الناطق، وله صلاحيات واسعة خطيرة الآثار والنتائج، فهو الذي يعلن الحرب على الأعداء، ويقود الأمة في ميادين الكفاح، ويقرر السلم والمهادنة، إن كانت المصلحة فيهما، أو الحرب والاستمرار فيها إن كانت المصلحة تقتضيها. ورئيس الدولة في الإسلام يتولى خطابة الجمعة في المسجد الجامع، وإمامة الناس في الصلوات، والقضاء بينهم في الخصومات، ولا شك أن هذه الوظائف الخطيرة لا تتفق مع تكوين المرأة النفسي والعاطفي، وبخاصة ما يتعلق بالحروب وقيادة الجيوش، فإن ذلك يقتضي من قوة الأعصاب، وتغليب العقل على العاطفة، والشجاعة في خوض المعامع، ورؤية الدماء، ما نحمد الله على أن الإسلام أبعد المرأة عنه، وسلب المرأة ما يتطلبه ذلك من خشونة وجلد، وإلا لفقدت الحياة أجمل ما فيها من رحمة ووداعة وحنان.
ومن كل ذلك يتضح عظيم الحكمة من قوله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».
وكل ما يقال خلاف هذا لا يخلو من مكابرة بالأمر المحسوس، وإذا وجدت في التاريخ نساء قدن الجيوش، وخضن المعارك، فإنهن من الندرة والقلة بجانب الرجال، مما لا يتضح أن يتناسى معه طبيعة الجمهرة الغالبة من النساء في جميع الشعوب وعلى مر العصور.
وليس ذلك مما يضير المرأة في شيء، فالحياة لا تقوم كلها على نمط واحد من العبوس والقوة والغلظة، ولو كانت كذلك لكانت جحيما لا تطاق، فمن رحمة الله أن مزج قوة الرجل بحنان المرأة، وقسوته برحمتها، وشدته بلينها، وفي حنانها ورحمتها وأنوثتها سر بقائها، وسر سعادتها وسعادتنا([10]).
وتشمل الإمامة العظمى خلافة المسلمين، ورئاسة أي دولة إسلامية بعد ما قسمت الخلافة إلى دول، فرئيس كل دولة هو إمام للمسلمين بها، ولابد أن يكون رجلا، وهذا ما عليه جمهور علماء الأمة، ومن ثم لا يصح رأي من قال: إن الحديث الشريف: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»منصرف إلى الخلافة بالمعنى العام الجامع لكل المسلمين على وجه الأرض؛ لأن الإمامة الكبرى أو الولاية العامة لا تعني بالضرورة انضواء المسلمين جميعا في كل مكان في الأرض تحتها، بل كل من تولى شأن جماعة من المسلمين وكان ممكنا كان هو إمامهم الأعلى، وكل إمام ليس هناك إمام ورئيس فوقه، فهو إمام عام سواء كان ذلك في شرق الأرض أو غربها، وقد كان علي بن أبي طالب إماما عاما في وقته، ومعاوية إماما على من يطيعونه ويأتمرون بأمره، ثم كانت خلافة بني أمية في الأندلس وخلافة بني العباس في العراق والشام وعدد من الأمصار، ثم كان للمسلمين أكثر من ولي أمر عام، ثم آل الحال إلى ما نحن فيه.
وقد استدل بهذا الحديث جميع علماء الأمة ممن يرون أنه لا تولى المرأة الولاية العامة، وسواء كان ذلك على المسلمين جميعا في كل الأرض أو على فريق منهم، وهذا إجماع بين العلماء المسلمين في جميع عصورهم، ولم يشذ عن ذلك إلا من لا يؤبه بخلافه كبعض فرق الخوارج([11]).
ولا يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» امتهان المرأة أو انتقاص في أهليتها؛ لأن الإسلام نظر إلى طبيعتها وما تصلح له من أعمال الحياة، فأبعدها عن كل ما يناقض تلك الطبيعة، أو يحول دون أداء رسالتها كاملة في المجتمع، ولهذا خصها ببعض الأحكام عن الرجل زيادة ونقصانا، كما أسقط عنها - لذات الفرض - بعض الواجبات الدينية والاجتماعية، كصلاة الجمعة ووجوب الإحرام في الحج، والجهاد في غير أوقات النفير العام، وليس في هذا ما يتنافى مع مساواتها بالرجل في الإنسانية والأهلية والكرامة([12]).
ثالثا. تولية المرأة القضاء من المسائل الخلافية التي تباينت فيها آراء الفقهاء قديما وحديثا بين المنع والجواز:
لقد اشترط بعض الفقهاء الذكورة في القاضي، وخالفهم البعض وقالوا بجواز تولية المرأة القضاء، واستند كل منهم إلى أدلة ارتضاها، وسنعرض لآراء الفقهاء القدامى بشيء من الإيجاز، ثم نبين وجهة النظر الحديثة في المسألة.
آراء فقهاء المذاهب في المسألة:
- عند الحنفية:
جاء في "مجمع الأنهر": ويجوز قضاء المرأة في جميع الحقوق لكونها أهل الشهادة، لكن يأثم المولي للحديث: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" في غير حد وقود؛ إذ لا تجوز فيها شهادتها([13]).
- عند المالكية:
من صفات القاضي عندهم في نفسه:
- أنيكونذكرابالغا.
- أنيكونواحدامفردا.
- أنيكونبصيرا.
- أنيكونمسلما.
- أنيكونحرا.
- أنيكونعالما.
- أنيكونعدلا([14]).
- عند الشافعية:
قال العلامة أبو شجاع: ولا يجوز أن يلي القضاء إلا من استكملت فيه خمس عشرة خصلة: الإسلام، البلوغ، العقل، الحرية، الذكورة، العدالة، ومعرفة أحكام الكتاب والسنة ومعرفة الإجماع، ومعرفة الاختلاف، ومعرفة طرق الاجتهاد، ومعرفة طرف من لسان العرب، وأن يكون سميعا، وأن يكون بصيرا، وأن يكون كاتبا، وأن يكون مستيقظا([15]).
- عند الحنابلة:
قال ابن قدامة: "وجملته أنه يشترط في القاضي ثلاثة شروط؛ أحدها الكمال، وهو نوعان: كمال الأحكام، وكمال الخلقة، أما كمال الأحكام فيعتبر في أربعة أشياء: أن يكون بالغا، عاقلا، حرا، ذكرا"([16]).
- عند ابن حزم:
قال ابن حزم: "ولا يحل أن يلي القضاء والحكم في شيء من أمور المسلمين وأهل الذمة إلا مسلم بالغ عاقل، عالم بأحكام القرآن والسنة الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وناسخ كل ذلك ومنسوخه، وما كان من النصوص مخصوصا بنص آخر صحيح؛ لأن الحكم لا يجوز إلا بما ذكرنا... فإذا لم يكن عالما بما لا يجوز الحكم إلا به، لم يحل له أن يحكم بجهله بالحكم، ولا يحل له إذا كان جاهلا بما ذكرنا أن يشاور من يرى أن عنده علما، ثم يحكم بقوله؛ لأنه لا يدري أفتاه بحق أم بباطل..."([17])، ويؤخذ من هذا النص أن ابن حزم لم يشترط الذكورة في القاضي.
موقف العلماء من تولية المرأة القضاء:
تبين لنا من ذكر شروط القاضي عند الفقهاء أن الذكورية شرط عند الجمهور، وهم المالكية والشافعية والحنابلة... وأن المرأة لا تتولى القضاء عندهم مطلقا فيما يصح شهادتها فيه، وما لا تصح شهادتها فيه، فهو أولى.
بينما ذهب ابن حزم إلى جواز توليها القضاء مطلقا، وذهب بعض الحنفية إلى أنه تجوز ولايتها فيما تجوز شهادتها فيه، ولا تجوز فيما لا تشهد فيه، لكن بشرط أن يكون قضاؤها موافقا للكتاب والسنة.
والسؤال هنا؛ هل قاضي اليوم هو ذلك القاضي الذي يجتهد في استنباط الأحكام واستخلاص القوانين؟
الحقيقة: أن القضاء قد تحول من قضاء القاضي الفرد إلى قضاء مؤسس يشترك في الحكم فيه عدد من القضاة، فإذا شاركت المرأة في هيئة المحكمة فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة للقضاء، بالمعنى الذي كان واردا في فقه القدماء؛ لأن الولاية هنا لمؤسسة وجماعة، وليست لفرد من الأفراد، وأصبح القاضي هو المنفذ للقانون الذي صاغته وقننته مؤسسة، تمثل الاجتهاد الجماعي والمؤسسي - لا الفردي - في صياغة القانون.
ثم إن هذه القضية من مسائل المعاملات، وليست من شعائر العبادات، وإن كانت العبادات توقيفية تلتمس من النص، وتقف عند الوارد فيه؛ فإن المعاملات تحكمها المقاصد الشرعية، وتحقيق المصالح الشرعية المعتبرة والموازنة بين المصالح والمفاسد فيها، ويكفي في المعاملات ألا تخالف ما ورد في النص، لا أن يكون ورد فيها نص.
لقد اختلفت اجتهادات الفقهاء حول تولي المرأة منصب القضاء وتعددت مذاهبهم، ومن ثم فليس هناك "إجماع فقهي" في المسألة حتى يكون هناك إلزام للخلق بإجماع السلف، وذلك فضلا عن أن إلزام الخلف بإجماع السلف، هو أمر ليس محل إجماع، كما أن هذه المسألة ليست من المعلوم من الدين بالضرورة، ومن ثم فباب الاجتهاد مفتوح، ولن يغلق فيها.
علة اختلاف الفقهاء حول جواز تولي المرأة القضاء:
إن علة اختلاف هؤلاء الفقهاء في هذه المسألة، كانت اختلافهم في الحكم الذي قاسوا عليه توليها للقضاء، فالذين قاسوا القضاء على الإمامة العظمى - التي هي الخلافة العامة على أمة الإسلام - مثل فقهاء المذهب الشافعي - قد منعوا توليها للقضاء؛ لاتفاق جمهور الفقهاء - باستثناء بعض الخوارج - على جعل الذكورة شرطا من شروط الخليفة والإمام، فاشترطوا هذا الشرط - الذكورة - في القاضي، قياسا على الخلافة والإمامة العظمى.
ويظل هذا القياس قياسا على حكم فقهي ليس عليه إجماع - وليس قياسا على نص قطعي الدلالة والثبوت.
والذين أجازوا توليها القضاء، فيما عدا قضاء القصاص والحدود - مثل أبي حنيفة وفقهاء مذهبه - قالوا بذلك لقياسهم القضاء على الشهادة، فأجازوا قضاءها فيما أجازوا شهادتها فيه أي فيما عدا القصاص والحدود.
فالقياس هنا أيضا على حكم فقهي، وليس على نص قطعي الدلالة والثبوت وهذا الحكم الفقهي المقيس عليه - وهو شهادة المرأة في غير القصاص والحدود ليس موضع إجماع فقد أجاز بعض الفقهاء شهادتها في الدماء وخاصة إذا كانت شهادتها فيها هي مصدر البينة الحافظة لحدود الله وحقوق الأولياء.
أما الفقهاء الذين أجازوا قضاء المرأة في كل القضايا - مثل الإمام محمد بن جرير الطبري - قد حكموا بذلك لقياسهم القضاء على الفتيا... فالمسلمون قد أجمعوا على تولي المرأة منصب الإفتاء الديني - أي: التبليغ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو من أخطر المناصب الدينية، وفي توليها للإفتاء سنة عملية مارستها نساء كثيرات على عهد النبوة - من أمهات المؤمنين وغيرهن - فقاس هؤلاء الفقهاء قضاء المرأة على فتياها، وحكموا بجواز توليها كل أنواع القضاء؛ لممارستها الإفتاء في مختلف الأحكام، وعللوا ذلك بتقريرهم أن الجوهري والثابت في شروط القضاء إنما يحكمه ويحدده الهدف والقصد من القضاء، وهو ضمان وقوع الحكم بالعدل بين المتقاضين([18]).
وبعبارة أبي الوليد ابن رشد - الحفيد: فإن من رأى حكم المرأة نافذا في كل شيء قال: إن الأصل هو أن من يأتي منه الفصل بين الناس فحكمه جائز، إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى.
لم تكن الذكورة الشرط الوحيد الذي اختلف حوله الفقهاء من بين شروط من يتولى القضاء... فهم - مثلا - اختلفوا في شرط الاجتهاد، فأوجب الشافعي وبعض المالكية أن يكون القاضي مجتهدا... على حين أسقط أبو حنيفة هذا الشرط، بل وأجاز قضاء العامي؛ أي: الأمي في القراءة والكتابة - وهو غير الجاهل - ووافقه بعض فقهاء المالكية، قياسا على أمية النبي صلى الله عليه وسلم...([19])، كذلك اختلفوا في شروط أخرى، فشرط الذكورة في القاضي مختلف عليه وليس فيه إجماع، كما أنه ليس فيه نصوص دينية تمنع أو تقيد اجتهادات المجتهدين.
وولاية القضاء قد أصابها ما أصاب الولايات السياسية والتشريعية والتنفيذية من تطور انتقل بها من الولاية الفردية إلى ولاية المؤسسة، فلم تعد ولاية رجل أو ولاية امرأة، وإنما أصبح الرجل جزءا من المؤسسة والمجموع.. ومن ثم أصبحت القضية في كيف جديد يحتاج إلى تكييف جديد، يقدمه الاجتهاد الجديد لهذا الطور المؤسسي الجديد الذي انتقلت إليه ولاية المرأة القضاء([20]).
وخلاصة القول: أن ولاية المرأة للقضاء منعها الفقهاء القدامى وأجازها الحنفية فيما تجوز فيه شهادتها، وذلك بالنظر إلى القاضي قديما حين كان مجتهدا مستنبطا للأحكام بشكل فردي، أما بعد انتقال وظيفة القاضي من الاجتهاد والاستنباط الفردي إلى مجرد التنفيذ لأحكام وقوانين رسخت وقننت من قبل هيئة أو مؤسسة بها جمع من العلماء - أجاز مجتهدو العصر الحديث تولية المرأة القضاء، ولا يعني هذا خطأ الفقهاء القدامى، وإنما أصاب الجميع كل في ضوء متطلبات عصر في حدود ما لا يمس بنص شرعي قطعي الدلالة والثبوت.
ومما سبق يتضح أن مسألة تولية المرأة القضاء مسألة خلافية، انقسم العلماء فيها إلى قائلين بالجواز وآخرين بعدمه، ولكل أدلته، ونجم هذا الاختلاف عن اختلافهم في فهم قوله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» ولا عيب ولا خطأ في ذلك؛ فاختلاف الفقهاء في مثل هذه المسائل وارد، إنما العيب والخطأ على من استدل بذلك الاختلاف على ضعف هذا الحديث أو إنكاره، فهذا ما لم يقل به أحد من أهل العلم مطلقا.
أما قولهم: إن تولية عمر -رضي الله عنه- الشفاء بنت عبد الله القضاء دليل على ضعف الحديث - فقول مردود، لأن هذا لم يثبت عن عمر ولم يقل بصحته أحد.
قال القرطبي: "وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق، ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه، فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث"([21]).
الخلاصة:
- إنحديث«لنيفلحقومولواأمرهمامرأة»صحيحسنداومتنا،فقدرواهإمامالمحدثينالبخاريفي صحيحه، الذي اتفقت الأمة على صحة كل ما جاء فيه دون خلاف يعتد به في ذلك.
- أبوبكرةصحابيجليلوالصحابةكلهمعدولبدلالةالقرآنوالسنة،ولايقدحفيعدالتهكونهحدفيقذف،ولأنهليسمعصومامنالخطأ،وقدأجمعجمهورالعلماءعلىقبولروايته.
- اتفقجمهورالعلماء على اشتراط الذكورة فيمن تولى ولاية المسلمين العظمى، ولم يشذ عن ذلك إلا بعض الخوارج.
- لايعدإهانةللمرأةمنعهامنتوليالإمامةالعظمى،بلهوتكريملها؛إذحفظهااللهممايناقضطبيعتهامنأعمال.
- لقدساوىاللهبينالرجلوالمرأة،لكنهاختصكلا منهما بما يلائمه من أعمال؛ ليؤدي رسالته كاملة في الحياة.
- لاتناقضبينالحديثوالقرآن،ولايعنينجاحآحادالنساءفيقيادةأممهنأنتلكقاعدةعامةأوحكممضطرد.
- لقدانقسمالفقهاءفيحكمتوليالمرأةالقضاء،مابينالمانعينوالمجوزين،ولكنيترجحالأمر في العصر الحديث للمجوزين، نظرا لاختلاف طبيعة عمل القاضي قديما وحديثا.
- لميثبتأنعمر -رضياللهعنه- ولىامرأةالقضاء،ويكونالاستدلالبهعلىردالحديثباطل.
(*) دور السنة في إعادة بناء الأمة، جواد موسى محمد عفانة، جمعية عمال المطابع التعاونية، الأردن، ط1، 1419هـ/ 1999م. الإسلام وصياح الديك، جواد موسى عفانة، دار عفانة للنشر، الأردن، ط1، 1427هـ/ 2006م. الحقوق الإسلامية والإنسانية للمرأة، الإمام الصادق المهدي، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 1427هـ/ 2006م.
[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المغازي، باب: كتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى وقيصر، (7/ 732)، رقم (4425).
[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الشهادات، باب: لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، (5/ 306)، رقم (2652). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة ثم الذين يلونهم...، (9/ 3659)، رقم (6354).
[3]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (3/ 5، 6).
[4]. مسند الفاروق، ابن كثير، تحقيق: د. عبد المعطي قلعجي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1411هـ، (2/ 559).
[5]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن قيم الجوزية، تحقيق: د. طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، د. ت، (1/ 126).
[6]. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن قيم الجوزية، تحقيق: د. طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، د. ت، (1/ 126).
[7]. المحلى، ابن حزم، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة، د. ت، (9/ 433).
[8]. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد الله الرجيلي، مطبعة سفير، الرياض، ط1، 1422هـ، ص140.
[9]. نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: عبد الله الرجيلي، مطبعة سفير، الرياض، ط1، 1422هـ، ص213.
[10]. المرأة بين الفقه والقانون، د. مصطفى السباعي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط6، 1404هـ/ 1984م، ص39: 41 بتصرف.
[11]. مقال بعنوان: ردود مناقشات حول تولي المرأة للولايات العامة، الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، موقع الشيخ على الإنترنت www. Salfi. net.
[12]. المرأة بين الفقه والقانون، د. مصطفي السباعي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط6، 1404هـ/ 1984م، ص42.
[13]. مجمع الأنهر، عبد الله بن محمد دامادا أفندي الحنفي، (6/ 181).
[14]. المنتقى، الباجي، نقلا عن: المرأة في ميزان الإسلام، د. رمضان حافظ عبد الرحمن، طبعة خاصة، ص157.
[15]. متن أبي شجاع، كتاب: الأقضية والشهادات، (1/ 365).
[16]. المغني، ابن قدامة، تحقيق: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة، 1413هـ/ 1992م، (14/ 12).
[17] . المحلى، ابن حزم، تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة، د. ت، (9/ 363).
[18]. التحرير الإسلامي للمرأة "الرد على شبهات الغلاة"، د. محمد عمارة، دار الشروق، ط2، 1423هـ/ 2002م، ص104: 106 بتصرف.
[19]. بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد، المكتب الثقافي السعودي، المغرب، 1419هـ، (2/ 463).
[20]. التحرير الإسلامي للمرأة، د. محمد عمارة، دار الشروق، ط2، 1423هـ/ 2002م، ص109، 110 بتصرف.
[21]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (13/ 183).
-
الاثنين AM 01:25
2020-10-19 - 2975