المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412596
يتصفح الموقع حاليا : 291

البحث

البحث

عرض المادة

الطعن في حديث دنو الشمس من الخلق يوم القيامة

الطعن في حديث دنو الشمس من الخلق يوم القيامة(*)

مضمون الشبهة:

 يطعن بعض المغرضين في الحديث الذي رواه الإمام مسلم حول دنو الشمس من الخلق يوم القيامة، والذي جاء فيه: حدثني سليم بن عامر، حدثني المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل... قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى حقويه[1] ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، قال: وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى فيه».

زاعمين أن كلا من سنده ومتنه ضعيف، ويستدلون على هذا بأن راوي الحديث (سليم بن عامر) لم يدرك المقداد بن الأسود، فكيف سمع منه؟! كما أن متنه يعارض القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى: )يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات( (إبراهيم: ٤٨)، وقوله تعالى: )إذا الشمس كورت (1)( (التكوير)، وقوله عز وجل: )وأشرقت الأرض بنور ربها( (الزمر: ٦٩).

ويتساءلون: كيف يصرح الحديث بدنو الشمس من الخلق يوم القيامة، مع أن هذه الآيات تثبت عدم وجودها - أصلا - يوم القيامة؟!

رامين من وراء ذلك إلى الطعن في السنة النبوية من خلال التشكيك في ثوابت الدين وزعزعة العقيدة في قلوب المسلمين.

وجها إبطال الشبهة:

1) حديث دنو الشمس من الخلق يوم القيامة حديث صحيح متفق على صحته، وليس هناك انقطاع في سنده عند الإمام مسلم، فقد أثبت علماء الجرح والتعديل إدراك سليم بن عامر للمقداد بن الأسود - رضي الله عنه - وروايته عنه، فالسند متصل لا انقطاع فيه ولا ضعف.

2) إن القرآن الكريم لم يشر من قريب ولا من بعيد إلى عدم وجود الشمس يوم القيامة، وإنما كل ما أشار إليه وذكره - كما قال جل المفسرين - أن الشمس ستكور؛ أي: تلف ويرمى بها في النار تبكيتا لعبادها، فيذهب ضوؤها، وهذا بالطبع لن يكون إلا بعد دنوها من الخلق، وإلا فما سبب بعض الأهوال التي سيعاينها الناس حينها، كما دل على ذلك حديث الشفاعة العامة؟!!

التفصيل:

أولا. حديث دنو الشمس متفق على صحته؛ لوروده في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة بأسانيد قوية صحيحة، ولا انقطاع في سنده عند الإمام مسلم:

لقد "سلك الإمام مسلم - رحمه الله - في صحيحه طرقا بالغة في الاحتياط والإتقان والورع والمعرفة، وذلك مصرح بكمال ورعه، وتمام معرفته، وغزارة علومه، وشدة تحقيقه بحفظه، وتشدده في هذا الشأن، وتمكنه من أنواع معارفه، وتبريزه في صناعته، وعلو محله في التمييز بين دقائق علومه لا يهتدي إليها إلا أفراد في الأعصار"[2].

ومما جاء في فضل صحيح مسلم ما روي عن مكي بن عبدان أحد حفاظ نيسابور، أنه قال: "سمعت مسلم بن الحجاج يقول: لو أن أهل الحديث يكتبون مائتي سنة الحديث، فمدارهم على هذا المسند - يعني صحيحه - قال: وسمعت مسلما يقول: عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي، فكل ما أشار أن له علة تركته، وكل ما قال: إنه صحيح، وليس له علة خرجته"[3].

ومن ثم، فقد تلقته الأمة بالقبول، واتفق العلماء على أنه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى وصحيح البخاري[4].

وعليه، فلا يحق لأحد أن يطعن في صحة حديث دنو الشمس من الخلق يوم القيامة الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه بقوله: حدثنا الحكم بن موسى - أبو صالح - حدثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرحمن بن جابر، حدثني سليم بن عامر، حدثني المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل. قال سليم بن عامر: فوالله! ما أدري ما يعني بالميل، أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكتحل به العين؟ قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما. قال: وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى فيه»[5].

كما أن هذا الحديث قد رواه الإمام الترمذي في سننه بهذا الإسناد من طريق ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سليم بن عامر، عن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قيد ميل أو اثنتين، قال سليم بن عامر: لاأدري أي الميلين عنى؟ أمسافة الأرض أم الميل الذي يكحل به العين؟ قال: فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالم: فمنهم من يأخذه إلى عقبه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاما، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشير بيده إلى فيه؛ أي: يلجمه إلجاما»[6].

وعلق الإمام الترمذي على هذا الحديث، بقوله: "وفي الباب عن أبي سعيد وابن عمر، وهذا حديث حسن صحيح"[7].

هذا ما يؤكد أن الحديث صحيح لا علة فيه ولا طعن في ثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أما الدعوى التي دبجها أعداء السنة النبوية لإبطال هذا الحديث، والتشكيك في ثوابت السنة ورواتها، فهي دعوى باطلة لا دليل عليها، ولا حجة تقوم بها. فلو كان هناك انقطاع في سند هذا الحديث لما غفل عنه جهابذة المحدثين ومحققوهم، ولما كان له مكان في صحيح الإمام مسلم، أو تصحيح عند الإمام الترمذي وغيرهم من علماء الحديث قديما وحديثا.

أما دعواهم فملخصها أن هناك انقطاعا في سند هذا الحديث بين سليم بن عامر والمقداد بن الأسود، زاعمين أن سليم بن عامر لم يدرك المقداد بن الأسود ولم يسمع منه، فهذا في عصر والآخر في عصر آخر، فكيف يسمع منه؟!

وبهذا فالحديث ضعيف مردود منقطع الإسناد لا يمكن قبوله، بل يطعن به في الأئمة الثقات في علم الحديث، على مرادهم من هذا القول.

وهذه دعوى - كما قلنا - باطلة متهافتة، لا دليل عليها، فبمجرد الرجوع إلى كتب الرجال وعلم الجرح والتعديل تتهاوى هذه الشبهة، ويظهر زيفها، فليس هناك انقطاع ألبتة في سند الحديث، بل هو متصل تمام الاتصال، فإن سليم بن عامر قد روى عن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - وسمع منه كثير من الأحاديث وأثبت العلماء صدق روايته عنه وإدراكه له.

فقد ذكره الحافظ المزي، فقال: سليم بن عامر الكلاعي الخبائري، أبو يحيى الحمصي، والخبائر هو بن سواد بن عمرو بن الكلاع بن شرحبيل بن حمير، روى عن أوسط البجلي، وتميم الداري، وجبير بن نفير، وشرحبيل بن السمط، وأبي كرب بن عبد كلال، والمقداد بن الأسود، والمقداد بن معدي كرب، وأبي الدرداء، وأبي هريرة... قال معاوية بن صالح، عن يحيى بن معين: سليم بن عامر كلاعي، وهو يقول: استقبلت الإسلام من أوله، وزعم انه قريء عليه كتاب عمر.

وقال أحمد بن عبد الله العجلي: شامي تابعي ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال يعقوب بن سفيان: ثقة مشهور. وقال النسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في كتاب الثقات. وقال شعبة، عن يزيد بن خمير: سمعت سليم بن عامر وكان قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية: وكان قد أدرك أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصحيح"[8].

وذكره الإمام الذهبي، فقال: "سليم بن عامر الكلاعي الخبائري الحمصي، حدث عن أبي الدرداء، وتميم الداري، والمقداد بن الأسود، وعوف بن مالك، وأبي هريرة، وعمرو بن عبسة، وطائفة... وثقه أحمد بن عبد الله العجلي، وقال أبو حاتم: لا بأس به، روى شعبة، عن يزيد بن خمير، قال: سمعت سليم بن عامر، وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم... وقال أبو القاسم بن عساكر: شهد فتح القادسية"[9].

وقد ذكره الحافظ ابن حجر في "التهذيب"، فقال: "سليم بن عامر الكلاعي الخبائري أبويحيى الحمصي، والخبائر من حمير. روى عن أبي أمامة، وعبد الله بن الزبير، وعوف بن مالك، والمقداد بن الأسود، والمقدام بن معد يكرب، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وعمرو بن عبسة... قال ابن معين: كان يقول: استقبلت الاسلام من أوله، وزعم أنه قرئ عليه كتاب عمر، وقال العجلي: شامي تابعي ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال يعقوب بن سفيان: ثقة مشهور"[10].

وعلى هذا فقد أثبت علماء الجرح والتعديل رواية سليم بن عامر عن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - وقد ثبت أن سليم بن عامر قد روى عن جمع كبير من الصحابة، وأنه كان متقدما في الإسلام، فهو كما قال: استقبلت الإسلام من أوله، فهو وإن لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه أدرك الصحابة - رضي الله عنهم - وروى عن جمع منهم، وأدرك المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - وسمع منه كما قطع بذلك أهل العلم برجال الحديث ومروياتهم.

وعلى هذا فالحديث متصل الإسناد لا انقطاع فيه ولا ضعف، وقد قطع بصحته أهل العلم بالحديث ورجاله وأسانيده، بل كفى بوروده في صحيح الإمام مسلم دليلا على ثبوته وصحته.

تبقى هذه الدعوى - كما قلنا - خائرة العزم، عيية البنيان، متهافتة الرأي، لا تقف على حجة مقنعة، أو دليل قاطع، وإنما هي وهم في عقول أصحابها، ورجم بالغيب دون تثبت، فالحديث صحيح ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا طعن فيه، فرواته كلهم ثقات، واتصالهم ثابت دون ريب، ولا انقطاع في إسناده.

وقد أخرج هذا الحديث كذلك الإمام البخاري من طريق آخر في صحيحه، فقال: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر قال: سمعت عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم، ثم بموسى، ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم»[11].

وللحديث شواهد متعددة: منها ما أخرجه ابن حبان في صحيحه، قال: أخبرنا ابن سلم، قال: حدثنا حرملة، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا عشانة حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول:... وذكر الحديث بلفظ قريب منه"[12].

ومنها ما أخرجه أحمد في مسنده: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا الحسن بن سوار، حدثنا ليث بن سعد عن معاوية بن صالح أن أبا عبد الرحمن حدثه عن أبي أمامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:...وذكر الحديث بنحوه[13].

ونخلص مما سبق إلى أن حديث دنو الشمس من الخلق يوم القيامة حديث صحيح؛ لوروده في صحيح مسلم وغيره من كتب السنة بأسانيد قوية صحيحة.

ثانيا. لا تعارض ألبتة بين حديث دنو الشمس من الخلق يوم القيامة، وبين القرآن الكريم:

إن حديث دنو الشمس بما يتضمنه من وصف لبعض الأمور الغيبية من أهوال يوم القيامة، حق لا ريب فيه، قال تعالى: )وما ينطق عن الهوى (3)( (النجم).

فالنبي صلى الله عليه وسلم - في الحديث - يصف اقتراب الشمس من الناس يوم القيامة حتى قرابة ميل.

فالشمس - إذا - ستكون موجودة، ولكنا لا نعلم عن طبيعتها شيء، ومن الإيمان باليوم الآخر أن نؤمن بدنو الشمس من الخلائق بمقدار ميل، الأمر الذي لو قسناه بعقولنا لدفعنا لإنكاره؛ حيث لو دنت الشمس من الأرض بمقدار شبر واحد عن موضعها الآن لنتج عنه احتراق البشر، فما بالك بمسافة ميل بينها وبينهم؟!

ولهذا يجب أن نضع نصب أعيننا: أن وظيفة المؤمن - وهذه قاعدة يجب أن تبنى عليها عقيدتنا - التسليم بما ورد من أخبار الغيب، وألا يسأل عن كيفية حدوثه؛ فهو أمر يفوق ما تتصوره عقولنا؛ فأحوال الآخرة تختلف عن أحوال الدنيا، فلا تقاس عليها؛ لأنه لو صح القياس عليها لكان الموت أسرع من عرق الناس إلى آذانهم وأفواههم، ومن بلوغ العرق في الأرض سبعين باعا.

ومن ثم، فلا يحق لمدع أن يطعن أو يشكك في هذا الحديث بدعوى تعارضه مع القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى: )يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات( (إبراهيم: ٤٨)، وقوله تعالى: )وأشرقت الأرض بنور ربها( (الزمر: ٦٩)، وقوله تعالى: )وجمع الشمس والقمر (9)( (القيامة)، وقوله تعالى: )إذا الشمس كورت (1)( (التكوير)، وقوله تعالى: )فإذا النجوم طمست (8)( (المرسلات).

وإليك أقوال المفسرين في تفسير هذه الآيات:

يقول الإمام الرازي في تفسير الآية الأولى: وتبديل السموات بانتثار كواكبها وانفطارها، وتكوير شمسها، وخسوف قمرها وكونها أبوابا، وأنها تارة تكون كالمهل وتارة تكون كالدهان"[14].

وسيتضح هذا التفسير أكثر عندما نأتي للحديث عن تكوير الشمس.

وأما عن الآية الثانية، فيقول الشوكاني: "المعنى: أن الأرض أضاءت وأنارت بما أقامه الله من العدل بين أهلها، وما قضى به من الحق فيهم، فالعدل نور والظلم ظلمات، وقيل: إن الله يخلق نورا يوم القيامة يلبسه وجه الأرض، فتشرق به غير نور الشمس والقمر، ولا مانع من الحمل على المعنى الحقيقي؛ فإن الله سبحانه هو نور السموات والأرض"[15].

وجاء في تفسير المنار: "أن الله تبارك وتعالى إذا جاء يوم القيامة للفصل بين عباده وأشرقت بنوره الأرض، وليس إشراقها لشمس ولا قمر، فإن الشمس تكور والقمر يخسف، ويذهب نورها، وحجابه تبارك وتعالى النور"[16].

وأما عن الآية الثالثة، فيقول السمرقندي: "جمع الشمس والقمر، يعني: سوي بينهما في ذهاب نورهما"[17].

وقال القرطبي: "أي جمع بينهما في ذهاب ضوئهما، فلا ضوء للشمس، كما لا ضوء للقمر بعد خسوفه"[18].

وأما عن الآية الرابعة، فيقول الإمام الطبري: قوله: )إذا الشمس كورت (1)(، إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوؤها؛ فإن التكوير في كلام العرب: جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكارة، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض، ولفها[19].

وقد ذكر هذا التفسير جل المفسرين من أمثال القرطبي[20] وابن كثير[21] والألوسي[22] وغيرهم.

وأما عن الآية الخامسة، فيقول ابن جرير الطبري: "قوله: )فإذا النجوم طمست (8)(، يقول: فإذا النجوم ذهب ضياؤها، فلم يكن لها نور ولا ضوء"[23].

وقد أكد ذلك علماء الفلك فقالوا: إن الشمس في نهايتها ستتحول إلى عملاق أحمر، ولم يكتفوا بهذا، بل زادوا على ذلك بأن قالوا: ستعود الشمس وتنكمش على نفسها بشكل نجم صغير جدا، وبعد ذلك تموت نهائيا بانطفاء كامل... وهذا هو المعنى الدقيق للتكوير في قوله تعالى: )إذا الشمس كورت (1)( (التكوير)، لأن تكوير الشمس يعني انكماشها على نفسها وانطفاء لهيبها[24].

ومن خلال ما سبق يتبين لكل مدع أن القرآن الكريم لم يشر من قريب ولا من بعيد إلى عدم وجود الشمس يوم القيامة، وإنما كل ما ذكره أن الشمس ستكور أي تلف ويرمى بها في النار فيذهب ضوؤها، وهذا بالطبع لن يكون إلا في يوم القيامة، كما جاء في أصح الكتب بعد كتاب الله - عز وجل - ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«الشمس والقمر مكوران يوم القيامة»[25].

وقد أخرج الطحاوي في مشكل الآثار من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة»[26].

يقول الخطابي فيما حكاه عنه ابن حجر في (الفتح): "ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك، ولكنه تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلا"[27].

ومن ثم، فإن هذين الحديثين يصرحان بوجود الشمس يوم القيامة، مع بيان ما سيحدث لها - هي والقمر - من إطفاء نورهما تماما، ثم إلقائهما في النار تبكيتا لعبادهما، وهذا بالطبع لن يكون إلا بعد أن تدنو الشمس من رءوس الخلائق حينها، إذ إن الوقوف سيطول، ويتمنى الناس أن يصار بهم ولو إلى النار؛ لما يرونه من أهوال عظيمة، وحينما يستغيثون بالله تعالى ليبدأ الحساب، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما[28] فلا يؤذن لهم، فيدلون على نوح ثم إبراهيم إلى أن يأتوا النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقول: أنا لها، فيذهب تحت العرش ويسجد طالبا من الله تعالى الشفاعة في أن يبدأ الحساب، فيستجاب له.

يقول ابن عثيمين: ورد في يوم القيامة أشياء متغايرة، ومعلوم أن مقدار هذا اليوم خمسون ألف سنة، كما جاء في القرآن الكريم، وهذه المدة كافية لأن تتغير فيها الأمور؛ فتدنو الشمس من الخلائق، وتكور بعد ذلك وتلقى في النار إهانة لعابديها... فكل ما أتاك من اختلافات في اليوم الآخر فإنما ذلك لطول مدته وتغير الأحوال فيه[29].

وخلاصة القول: أنه لا تعارض ألبتة بين حديث دنو الشمس من الخلق يوم القيامة وبين القرآن الكريم.

الخلاصة:

  • إنحديثدنوالشمسمنالخلقيومالقيامةحديثصحيح،بلهوفيأعلىدرجاتالصحة؛فقدرواهالبخاريومسلمفيصحيحيهما،ورواهأيضاغيرهمامنطرقعديدة،وبأسانيدقويةصحيحة.
  • ليسهناكانقطاعفيسندحديثدنوالشمسعندمسلم،فقدأثبتعلماءالجرحوالتعديلإدراك سليم بن عامر للمقداد بن الأسود - رضي الله عنه - وروايته عنه، وعلى هذا فالحديث صحيح متصل الإسناد لا انقطاع فيه ولا ضعف.
  • منالمسلمبهفيعقيدةالإسلامهوالتسليمبماوردفيأمورالغيبمنأخبارصحيحة،مععدمالسؤالعنكيفيتها؛لأنهاأمورتفوقمايتصوره العقل.
  • القرآنالكريملميشرمنقريبولامنبعيدإلىعدموجودالشمسيومالقيامة،وإنماكلماأشارإليهذكره - كماقالجلالمفسرين - أنالشمسستكور؛أي: تلفويرمىبهافيالنار،فيذهبضوؤها،وذلكبعددنوهامنالخلقفيأرضالمحشر،كماصرحبذلكحديثاالبخاري والطحاوي.

وكيف لا تكون الشمس موجودة يوم القيامة، والله - عز وجل - سيلقي بها - هي والقمر - في نار جهنم؛ تبكيتا لعبادهما؟!!

  • إنماوردفييومالقيامةمنأحاديثصحيحةتحكيماسيحدثللناسحينهامنالكربوالمعاناةالشديدةوطولالانتظار،وغيرذلكمنالأهوال - ليدل دلالة قاطعة على وجود الشمس، بل ودنوها من الخلق.

 

 

(*) الحق أبلج والباطل لجلج، جواد عفانة، دار جواد للنشر، الأردن، ط1، 1427هـ/ 2006م. الإسلام وصياح الديك، جواد عفانة، دار جواد، الأردن، ط1، 1427هـ/ 2006م.

[1] . الحقو: الخصر.

[2]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/ 126).

[3]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/ 117، 118).

[4]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/ 116) بتصرف.

[5]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صفة الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: في صفة يوم القيامة، (9/ 3969)، رقم (7073).

[6] . صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: صفة القيامة، باب: رقم (2)، (7/ 89)، رقم (2536). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2421).

[7] . تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (7/ 90).

[8] . تهذيب الكمال في أسماء الرجال، الحافظ المزي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (11/ 344: 346).

[9] . سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هــ،، (5/ 185).

[10] . تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (4/ 146، 147).

[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الزكاة، باب: من سأل الناس تكثرا، (3/ 396)، رقم (1475).

[12]. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: إخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مناقب الصحابة، باب: إخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن البعث وأحوال الناس في ذلك، (16/ 324)، رقم (7329). وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان.

[13]. إسناده قوي: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم، (5/ 254)، رقم (22240). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: إسناده قوي.

[14]. مفاتيح الغيب، الرازي، (9/ 271) عند تفسيره لهذه الآية.

[15]. فتح القدير، الشوكاني، دار الفكر، بيروت، د. ت، (4/ 476).

[16]. تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1342هـ، (9/ 149).

[17]. بحر العلوم، نصر بن محمد السمرقندي، تحقيق: محمود مطرجي، دار الفكر العربي، بيروت، 1997م، (3/ 520).

[18]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (19/ 96).

[19]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (24/ 238) بتصرف.

[20]. انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (19/ 227).

[21]. انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400 هـ/ 1980م، (4/ 475).

[22]. انظر: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الألوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت، (22/ 208).

[23]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (24/ 129).

[24]. انظر: الإعجاز القرآني في ضوء الاكتشاف العلمي الحديث، مروان وحيد شعبان، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص240: 242.

[25]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: بدء الخلق، باب: صفة الشمس والقمر...، (6/ 343)، رقم (3200).

[26]. صحيح: أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار، باب: بيان مشكل ما روي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قوله: "الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة"، (1/ 170)، رقم (183). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على شرح مشكل الآثار: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

[27]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (6/ 346).

[28] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التوحيد، باب: كلام الرب ـ عز وجل ـ يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، (13/ 481)، رقم (7510). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتـاب: الإيمـان، بــاب: أدنـى أهـل الجنـة منزلـة فيهــا، (2/ 676)، رقم (471).

[29]. دروس وفتاوى الحرم المدني، ابن عثيمين، ص176 بتصرف.

  • الجمعة AM 12:47
    2020-10-16
  • 1126
Powered by: GateGold