المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409037
يتصفح الموقع حاليا : 331

البحث

البحث

عرض المادة

اتهامه - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان متحاملا على المرأة في تشريعاته

                     اتهامه - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان متحاملا على المرأة في تشريعاته (*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - اقتبس تعاليمه، وتشريعاته، وأوصافه الخاصة بالنساء من تشريعات باباوات الكنيسة؛ بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - وصفهن بأنهن أكبر الشرور والفتن، التي أصيب بها الرجال، كما أنه أخبر أن مصير الكثرة الغالبة منهن إلى النار. ويرمون من وراء ذلك إلى وصم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعداء للمرأة والتحامل عليها، وإلى الذهاب إلى أن تشريعاته ليست إلهية المصدر.

وجها إبطال الشبهة:

1)     لو سلمنا - جدلا - بأن تشريعات النبي - صلى الله عليه وسلم - الخاصة بالنساء تشابهت مع تشريعات باباوات الكنيسة، فلنا أن نتساءل: هل مكانة المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام تدعم القول بوقوع هذا التشابه؟!

2)     لم يقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه التقليل من شأن المرأة أو الحط من مكانتها؛ بل إن المتأمل في تلك الأحاديث يجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أعطى المرأة كل حقوقها، بل مدحها وأثنى عليها في أحيان كثيرة.

التفصيل:

أولا. لقد تباينت مكانة المرأة في الديانات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، ففي حين كرمها الإسلام وحفظ مكانتها، أهانتها بقية الأديان وامتهنتها واحتقرتها:

ليس هناك تشريع أعطى للمرأة حقها كالإسلام العظيم، فهو الذي أعطاها حق الحياة بعدما كانت توأد، وأعطاها حق الملكية بعدما كانت تملك، وأعطاها حق الحرية بعدما كانت في مكانة أدنى من مكانة الرقيق، ومن هنا فإن ثمة بونا شاسعا بين وضعيتها في الإسلام ووضعيتها في الشرائع السابقة.

لقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وجعلها مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، مقارنة بوضعها عند اليهود والنصارى؛ لأنها عندهم سبب الخطيئة الأولى، وهذا ما أنكره الإسلام على اليهودية، إذ هي المسئولة - حسب زعمهم - عن الخطيئة البشرية الأولى، في قصة خلق آدم وزوجه، وحياتهما الأولى في الجنة، والتي انتهت بطردهما منها بسبب معصية الأمر الإلهي بعدم الأكل من الشجرة المحرمة، فالقصة في كتبهم تقول: إن الحية أغرت المرأة بالأكل من الشجرة، فأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها - أيضا - معها فأكل، فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان.

من هنا كانت المرأة هي التي بدأت بالمعصية، ومن ثم كانت هي المسئولة عن تلك الخطيئة الأولى، ولقد حاول آدم أن يبرئ نفسه من مسئولية مخالفة أمر الله، وألقى باللائمة على امرأته، فقال لربه: "المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت". (التكوين 3: 12). وقال الرب الإله للمرأة: "تكثيرا أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادا، وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك". (التكوين 3: 16).

ويقول علماء الكتاب المقدس في تعليقهم على بعض ما جاء في هذه القصة: "المرأة لا تكون شريكة للرجل ولا تساويه، بل تمسي فتنة الرجل، وهو يستعبدها لتلد له الأولاد". المرأة إذن - حسب هذه الرواية - هي سبب بلاء الجنس البشري، وعقوبتها أن يستعبدها الرجل.

ولقد مرت آلاف السنين بعد خلق آدم وزوجه، وطردهما من الجنة، وتكاثر البشر على الأرض، وكونوا مجتمعات ودولا، ثم جاء موسى في القرن الثالث عشر قبل الميلاد - حسب نصوص توراتهم - بالتوراة وفيها تشريعات تبيح لبني إسرائيل أن يبيع الرجل ابنته على أنها أمة: "وإذا باع رجل ابنته أمة، لا تخرج كما يخرج العبيد". (الخروج 21: 7).

كما أن نصوص التوراة تقرر أن نجاسة ولادة الأنثى ضعف نجاسة ولادة الذكر: "إذا حبلت امرأة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة أيام. كما في أيام طمث علتها تكون نجسة. وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته.[1] ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوما في دم تطهيرها. كل شيء مقدس لا تمس، وإلى المقدس لا تجئ حتى تكمل أيام تطهيرها. وإن ولدت أنثى تكون نجسة أسبوعين كما في طمثها. ثم تقيم ستة وستين يوما في دم تطهيرها". (اللاويين 12: 2 - 5).

وجاء في التوراة أن الإناث لا يرثن إلا عند فقد الذكور: "أيما رجل مات وليس له ابن، تنقلون ملكه إلى ابنته. وإن لم تكن له ابنة، تعطوا ملكه لإخوته. وإن لم يكن له إخوة، تعطوا ملكه لإخوة أبيه. وإن لم يكن لأبيه إخوة، تعطوا ملكه لنسيبه الأقرب إليه من عشيرته فيرثه". (العدد 27: 8 - 11).

والزوج يرثها إن ماتت، ولم يكن لها أولاد. (مجموعة الأحكام العبرية، مادة 426). وفي مجموعة الأحكام العبرية أيضا أنه: "ليس للمرأة أن تطلب الطلاق مهما كانت عيوب زوجها، حتى لو ثبت عليه الزنا". (المادة: 433). وأما الزوج فمتى نوى طلاق زوجته حرمت عليه معاشرتها ووجب عليه طلاقها، وكأنها لعبة في يده. (المادة:434).

وأما المرأة في المسيحية - التي يدعون أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ تشريعاته الخاصة بالنساء عن باباوات كنائسها - فهي أيضا المسئولة عن الخطيئة؛ حيث جاء في قول بولس: "لست آذن للمرأة أن تعلم ولا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكوت؛ لأن آدم جبل أولا، ثم حواء. وآدم لم يغو، ولكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي". (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تيموثاوس2: 12ـ 14).

فالحكم المختار للمرأة في كتابهم المقدس، هو السكوت، فلا حق لها حتى في الكلام.

وإنه كان حريا بها أن تخرج في زي حقير، وتسير مثل حواء، ترثي لحالها، نادمة على ما كان، حتى يكون زيها الذي يتسم بالحزن مكفرا عما ورثته حواء، أي: العار، يقصد بذلك الخطيئة الأولى، ثم الخزي من الهلاك الأبدي للإنسانية.. وكأنه يقال لهن: ألستن تعلمن أن كل واحدة منكن هي حواء؟!

إن قضاء الله على جنسكن بالعقوبة موجود في هذا العصر - الولادة بألم - وعليه فإن الشعور بالإثم يجب أن يكون موجودا أيضا.

وهناك أسئلة تثار في النصرانية حول قضية المرأة، ولماذا خلق الله النساء؟

تقول كارين أرمسترونج: إن أوغسطين تبدو عليه الحيرة، عندما يتساءل عما إذا كان هناك سبب - على الإطلاق - من أجله خلق الله النساء؟!

فليس في إمكان المرأة أن تكون صديقا ورفيقا معينا للرجل، ومع ذلك، إذا كان ما احتاجه آدم هو العشرة الطيبة، فلقد كان من الأفضل كثيرا أن يتم تدبير ذلك برجلين يعيشان معا صديقين، بدلا من رجل وامرأة.

فلقد كانت العلة الوحيدة التي من أجلها خلق الله النساء - في نظره - هي إنجاب الأولاد.

ثم يأتي من بعد هذا السؤال العجيب سؤال أعجب وهو: هل المرأة إنسان؟!

ولقد كان توما الإكويني متحيرا تماما - مثله مثلما كان أوغسطين من قبل - فيما إذا كان هناك داع - على الإطلاق - لأن يخلقها الله، فكتب يقول: فيما يختص بطبيعة الفرد، فإن المرأة مخلوق معيب، وجدير بالازدراء، ذلك أن القوة الفعالة في مني الذكر تنزح إلى إنتاج مماثلة كاملة في الجنس الذكري، بينما تتولد المرأة عن عيب في تلك القوة الفاعلة، أو حدوث توعك جسدي، أو حتى نتيجة لمؤثر خارجي.

إن القول بأن طبيعة الفرد في النساء معيبة، إنما هي فكرة التقطت من آراء أرسطو في علم الأحياء، فالذكر هو الأنموذج أو المعيار، وكل امرأة إنما هي رجل معيب.

وفي مجمع "ماسون" في القرن السادس كان على الأساقفة أن يصوتوا على مسألة ما إذا كان للنساء أرواح أم لا؟! ولقد فاز اقتراح الموافقة بأغلبية صوت واحد!!

وفي النصرانية يعتبر الزواج عقوبة للمرأة: إن لوثر الذي يجعل النساء منبوذات قسرا في وحشة، ومنفيات من عالم الرجال، يرى في الزواج عقابا للمرأة وهي تتحمله مكرهة تماما، كما تتحمل تلك الآلام والمتاعب التي وضعت على جسدها، إن السلطة تبقى في يد الرجل، تجبر المرأة على طاعته حسب وصية الله، فالرجل هو الذي يحكم البيت والدولة، ويشن الحرب، ويفلح الأرض، ويبني ويزرع، أما المرأة فعلى العكس من ذلك، فهي مثل مسمار يدق في حائط، يجب أن تبقى في المنزل، وترعى الحاجات المنزلية، مثل إنسان حرم القدرة على إدارة تلك الشئون التي تختص بالدولة... بهذه الطريقة تعاقب حواء.

فالمرأة في النصرانية بائسة لا عون لها، تساق ويدق على رأسها، لا يسعى وراءها من أجل إقامة مودة زوجية، فيها دفء وراحة عائلية.

وخلاص المرأة المسيحية بجعلها رجلا، فقد كتب جيروم يقول: بما أن المرأة خلقت للولادة والأطفال، فهي مختلفة عن الرجل، كما يختلف الجسد عن الروح، ولكن عندما ترغب المرأة في خدمة المسيح أكثر من العالم، فعندئذ سوف تكف عن أن تكون امرأة، وستسمى رجلا.

وهذا برهان واضح تماما على أنه لكي تحصل المرأة على الخلاص بالنجاة من الخطيئة الأصلية، فيجب أن تصبح ذكرا.

لقد كتب امبروز يقول: تلك التي لا تؤمن إنما هي امرأة، ويجب أن تصنف باسم جنسها "الأنثوي"، بينما تلك التي تؤمن إنما تتقدم نحو الرجولة الكاملة، وآنذاك تتخلى عن اسم جنسها وغوايات الشباب، وثرثرة العجائز.

نظرة الإسلام للمرأة:

أما إذا نظرنا إلى المرأة في الإسلام، فسنجد أن آدم هو المسئول عن الخطيئة البشرية الأولى، وقد قرر القرآن ذلك في غير موضع بصريح العبارة، منها قوله عز وجل: )ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما (115) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى (116) فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى (117) إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى (118) وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى (119) فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى (120) فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى (121) ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى (122)( (طه).

ليس في الإسلام خطيئة أصلية تتحمل إثمها المرأة، وليس فيه قول بخطيئة يتناقلها الأبناء عن الآباء، فما جاءت تلك المزاعم إلا في مسيحية بولس، والمسيح منها براء.

إن المسئولية في الإسلام فردية، وهو ما يتفق وعدل الله: )كل نفس بما كسبت رهينة (38)( (المدثر)، )ألا تزر وازرة وزر أخرى (38) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى (39)( (النجم). كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النساء شقائق الرجال»[2]، وليس أدل على مساواة المرأة في المسئولية بالرجل سواء بسواء، من أن للنساء حق البيعة كالرجال، وهذا يعني أهليتهن الكاملة للوفاء بمقتضيات العهود والمواثيق، التي تعد من أخطر الأمور في الإسلام. )يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم (12)( (الممتحنة) [3].

على أن المرأة قد امتهنت كرامتها وأهين كيانها في أوربا وغيرها، فلم تنل حريتها المزعومة حتى العصر الحاضر، أما الإسلام فقد جعلها قسيمة الرجل سواء بسواء على مر العصور.

كانت المرأة في أوربا وفي العالم كله هملا لا يحسب له حساب، كان العلماء والفلاسفة يتجادلون في أمرها، هل لها روح أو ليس لها روح؟ وإذا كان لها روح فهل هي روح إنسانية، أو حيوانية!! وعلى فرض أنها ذات روح إنسانية، فهل وضعها الاجتماعي والإنساني بالنسبة للرجل هو وضع الرقيق، أو هو شيء أرفع قليلا من الرقيق؟

وحتى في الأزمنة القليلة التي استمتعت فيها المرأة بمركز اجتماعي مرموق سواء في اليونان أو في الإمبراطورية الرومانية، لم يكن ذلك مزية للمرأة باعتبارها جنسا، وإنما كان لنساء معدودات، بصفتهن الشخصية، أو لنساء العاصمة بوصفهن زينة للمجالس، وأداة من أدوات الترف التي يحرص الأغنياء والمترفون على إبرازها، زهوا وعجبا، ولكنها لم تكن قط موضع الاحترام الحقيقي بوصفها مخلوقا إنسانيا جديرا بذاته أن يكون له كرامة، بصرف النظر عن الشهوات التي تحببه لنفس الرجل.

وظل الوضع كذلك في عهود الرق والإقطاع في أوربا، والمرأة في جهالتها، تدلل حينا تدليل الترف والشهوة، وتهمل حينا كالحيوانات التي تأكل وتشرب وتحمل وتلد، وتعمل ليل نهار.

حتى جاءت الثورة الصناعية فكانت الكارثة التي لم تصب المرأة بشر منها في تاريخها الطويل، لقد كانت الطبيعة الأوربية في جميع عهودها كزة جاحدة، لا تسخو ولا ترتفع إلى مستوى التطوع النبيل الذي يكلف جهدا ولا يفيد مالا أو نفعا قريبا أو غير قريب.

ولكن الأوضاع الاقتصادية في عهدي الرق والإقطاع، والتكتل الذي كانا يستلزمانه في البيئة الزراعية، جعلا تكليف الرجل إعالة المرأة هو الأمر الطبيعي الذي تقتضيه الظروف، فضلا عن أن المرأة كانت تعمل في المنزل في الصناعات اليسيرة التي تتيحها البيئة الزراعية، فكانت تدفع ثمن إعالتها بهذا العمل!!

ولكن الثورة الصناعية قلبت الأوضاع كلها في الريف والمدينة على السواء، فقد حطت كيان الأسرة وحلت روابطها بتشغيل النساء والأطفال في المصانع، فضلا عن استدراج العمال من بيئتهم الريفية القائمة على التكافل والتعاون، إلى المدينة التي لا يعرف فيها أحد أحدا ولا يعول أحد أحدا، وإنما يستقل كل إنسان بعمله ومتعته؛ حيث يسهل الحصول على المتعة الجنسية من طريقها المحرم، فتهبط الرغبة في الزواج، وكفالة الأسرة، أو تتأخر سنوات طويلة على الأقل.

وليس همنا هنا استعراض تاريخ أوربا، ولكنا نستعرض العوامل التي أثرت في حياة المرأة فحسب.

قلنا: إن الثورة الصناعية شغلت النساء والأطفال، فحطمت روابط الأسرة، وحلت كيانها، ولكن المرأة هي التي دفعت أفدح الثمن من جهدها وكرامتها، وحاجاتها النفسية والمادية.

فقد نكل الرجل عن إعالتها من ناحية، وفرض عليها أن تعمل لتعول نفسها حتى لو كانت زوجة وأما!! واستغلتها المصانع أسوأ استغلال من ناحية أخرى، فشغلتها ساعات طويلة من العمل، وأعطتها أجرا أقل من الرجل الذي يقوم معها بنفس العمل في نفس المصنع.

فلم يكن لها نصير، فنصرة المرأة أمر يحتاج إلى قدر من ارتفاع المشاعر لا تطيقه أوربا! لذلك ظلت في محنتها تنهك نفسها في العمل - مضطرة لإعالة نفسها - وتنال أجرا أقل من أجر الرجل مع تكافؤ حجم الإنتاج، والجهد المبذول.

وجاءت الحرب العظمى الأولى، وقتل عشرة ملايين من الشباب الأوربيين والأمريكان، وواجهت المرأة قسوة المحنة، بكل بشاعتها، فقد وجدت ملايين من النساء بلا عائل، إما لأن عائلهن قد قتل في الحرب، أو شوه، أو فسدت أعصابه من الخوف، والذعر، والغازات السامة الخانقة، وإما لأنه خارج من حبس السنوات الأربع يريد أن يستمتع ويرفه عن أعصابه، ولا يريد أن يتزوج ويعول أسرة تكلفه جهدا من المال والأعصاب.

ومن ناحية أخرى لم تكن هناك أيد عاملة من الرجال تكفي لإعادة تشغيل المصانع لتعمير ما خربته الحرب، فكان حتما على المرأة أن تعمل وإلا تعرضت للجوع هي ومن تعول من العجائز والأطفال، وكان حتما عليها كذلك أن تتنازل عن أخلاقها، فقد كانت أخلاقها قيدا حقيقيا يمنع عنها الطعام! إن صاحب المصنع وموظفيه لا يريدون مجرد الأيدي العاملة، فهم يجدون فرصة سانحة، والطير يسقط من نفسه - جائعا - ليلتقط الحب، فما الذي يمنع من الصيد؟ ألعله الضمير!؟ وما دامت قد وجدت امرأة - بدافع الضرورة - تبذل نفسها لتعمل، فلن يتاح العمل إلا للتي تبذل نفسها للراغبين، ولم تكن المسألة مسألة الجوع إلى الطعام فحسب، وإنما كان وراءها حاجات أخر.

ولا نسأل لماذا حدث ذلك، فهكذا هي أوربا، جاحدة كزة[4] كنود[5]، لا تعترف بالكرامة للإنسان من حيث هو إنسان، ولا تتطوع بالخير حيث تستطيع أن تعمل الشر وهي آمنة.

تلك طبيعتها على مدار التاريخ في الماضي، والحاضر، والمستقبل إلا أن يشاء الله لها الهداية والارتفاع، وإذا كان النساء والأطفال ضعافا، فما الذي يمنع من استغلالهما والقسوة عليهما إلى أقصى حد؟ إن الذي يمنع شيء واحد فقط هو الضمير، ومتى كان لأوربا ضمير؟!

ومع ذلك فقد وجدت قلوب إنسانية حية لا تطيق الظلم، فهبت تدافع عن المستضعفين من الأطفال فقط! فراح المصلحون الاجتماعيون ينددون بتشغيلهم في سن مبكرة، وتحميلهم من الأعمال ما لا تطيقه بنيتهم الغضة التي لم تستكمل نصيبها من النمو، وضآلة أجورهم بالنسبة للجهد العنيف الذي يبذلونه، ونجحت الحملات، فرفعت رويدا رويدا، سن التشغيل، ورفعت الأجور، وخفضت ساعات العمل.

ونعود إلى وضع المرأة في الإسلام؛ لنعرف إن كانت ظروفنا التاريخية، والجغرافية، والاقتصادية، والعقدية، والتشريعية، تجعل للمرأة قضية تكافح من أجلها، كما كان للمرأة الغربية قضية، أم أنها شهوة التقليد الخاصة، والعبودية الخفية للغرب - التي تجعلنا لا نبصر الأشياء بعيوننا، ولا نراها في حقيقتها - هي التي تملأ الجو بهذا الضجيج الزائف في مؤتمرات النساء؟!

ومن البديهيات الإسلامية التي لا تحتاج إلى ذكر ولا إعادة، أن المرأة في عرف الإسلام كائن إنساني له روح إنسانية من نفس النوع الذي منه روح الرجل: )يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء( (النساء:1).

فهي إذن الوحدة الكاملة في الأصل والمنشأ والضمير والمصير، والمساواة الكاملة في الكيان البشري التي تترتب عليها كل الحقوق المتصلة مباشرة بهذا الكيان، فحرمة الدم والعرض والمال، والكرامة التي لا يجوز أن تلمز[6] مواجهة أو تغتاب، ولا يجوز أن يتجسس عليها، أو تقتحم عليها الدور. كلها حقوق مشتركة لا تمييز فيها بين جنس وجنس، والأوامر والتشريعات فيها عامة للجميع: )يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون (11)( (الحجرات).

«كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وماله، وعرضه».[7] والجزاء في الآخرة واحد للجنسين: )فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض( (آل عمران: 195).

ولا بد هنا من وقفة عند أمرين بشأن حق الملكية والتصرف، والانتفاع، فقد كانت شرائع أوربا المتحضرة تحرم المرأة من كل هذه الحقوق إلى عهد قريب، وتجعل سبيلها الوحيد إليها عن طريق الرجل زوجا كان أو أبا أو ولي أمر، أي أن المرأة الأوربية ظلت أكثر من اثني عشر قرنا بعد الإسلام لا تملك من الحقوق ما أعطاها الإسلام، ثم هي حين ملكتها لم تأخذها سهلة، ولا احتفظت بأخلاقها، وعرضها، وكرامتها، وإنما احتاجت لأن تبذل كل ذلك، وتتحمل العرق والدماء والدموع؛ لتحصل على شيء مما منحه الإسلام - كعادته - تطوعا وإنشاء، لا خضوعا لضرورة اقتصادية، ولا إذعانا للصراع الدائر بين البشر، ولكن تقريرا منه للحق والعدل الأزليين، وتطبيقا لهما في واقع الأمر لا في عالم المثل والأحلام.

والأمر الثاني أن أصحاب الشيوعية خاصة، والغرب عامة، يعدون الكيان البشري هو الكيان الاقتصادي، ويقولون صراحة: إن المرأة لم يكن لها كيان؛ لأنها لم تكن تمتلك، أولم يكن لها حق التصرف فيما تملك، وإنها صارت مخلوقا آدميا - فقط - حين استقلت اقتصاديا، أي: حين صار لها ملك خاص مستقل عن الرجل، تستطيع أن تعيش منه، وتتصرف فيه.

وبغض النظر عن إنكارنا لتحديد الكيان البشري بهذه الحدود الضيقة، والهبوط به حتى يصبح عرضا اقتصاديا لا غير، فإننا نوافقهم من حيث المبدأ على أن الاستقلال الاقتصادي له أثره في تكوين المشاعر وتنمية الشعور بالذات.

وهنا يحق للإسلام أن يفخر بما أعطى المرأة من كيان اقتصادي مستقل، فصارت تملك وتتصرف وتنتفع بشخصها مباشرة بلا وكالة، وتعامل المجتمع بلا وسيط.

ولم يكتف الإسلام بتحقيق كيان المرأة في مسألة الملكية، بل حققه في أخطر المسائل المتعلقة بحياتها، وهي مسألة الزواج، فلا يجوز أن تتزوج بغير إذنها، ولا يتم العقد حتى تعطي الإذن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح الأيم[8] حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت».[9] ويصبح العقد باطلا إذا أعلنت أنها لم توافق عليه.

وقد كانت المرأة - في غير الإسلام - تحتاج إلى أن تسلك طرقا ملتوية؛ لتهرب من زواج لا تريده؛ لأنها لا تملك شرعا ولا عرفا أن ترفض.

ولكن الإسلام أعطاها هذا الحق الصريح، تستخدمه متى أرادت، بل أعطاها أن تخطب لنفسها، وهو آخر ما وصلت إليه أوربا في القرن العشرين، وحسبته انتصارا هائلا على التقاليد البالية العتيقة!!

ويبلغ من تقدير الإسلام لمقومات الكيان البشري - في عصور كان يغشاها الجهل والظلام - أن اعتبر العلم والتعلم ضرورة بشرية، وضرورة لازمة لكل فرد، لا لطائفة محدودة من الناس، فقرر للملايين حق التعلم، بل جعله فريضة وركنا من أركان الإيمان بالله على طريقة الإسلام، وهنا كذلك يحق له أن يفخر بأنه أول نظام في التاريخ نظر إلى المرأة على أنها كائن بشري، لا يستكمل مقومات بشريته حتى يتعلم، شأنها شأن الرجل سواء بسواء، فجعل العلم فريضة عليها كما هو فريضة على الرجل، ودعاها أن ترتفع بعقلها كما ترتفع بجسدها وروحها عن مستوى الحيوان، بينما ظلت أوربا تنكر هذا الحق إلى عهد قريب، ولم تستجب إليه إلا خضوعا للضرورات.

إلى هذا الحد وصل تكريم الإسلام للمرأة، ولا يستطيع أحد - مهما أوتي من القدرة على التبجح - أن يقول: إن فكرة الإسلام في كل هذه الأمور قائمة على أن المرأة مخلوق ثانوي، أو تابع في وجوده لمخلوق آخر، أو أن دورها في الحياة دور ضئيل لا يؤبه له. فلو كان الأمر كذلك ما عني بتعليمها، والتعليم نفسه مسألة لها دلالة خاصة لتقرير الوضع الحقيقي للمرأة في الإسلام، وهو وضع كريم، عند الله وعند الناس[10].

وبناء على ما سبق يمكن القول: إن هذه المكانة التي احتلتها المرأة في الإسلام من أعظم الأدلة على عدم مشابهة تشريعات النبي - صلى الله عليه وسلم - الخاصة بالنساء لتشريعات باباوات الكنيسة.

ثانيا. لم يقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه التقليل من مكانة المرأة، بل إن المتأمل في تلك الأحاديث يجد أنه - صلى الله عليه وسلم - قد مدح المرأة وأثنى عليها:

ومن هذه الأحاديث التي أسيء فهمها ما رواه أبو سعيد الخدري على النحو الآتي: «خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى - أو فطر - إلى المصلى، فمر على النساء فقال: "يا معشر النساء، تصدقن؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار"، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: "تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن"، قلن: وما نقص ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل"؟ قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها» [11].

ورواه عبد الله بن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يا معشر النساء، تصدقن وأكثرن الاستغفار؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة[12]: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: "تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن"، قالت: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين» [13].

وقد حرصنا على ذكر الروايتين كاملتين لنتعرف في وضوح على سياق الكلام وظروفه ومضمونه؛ لأننا نرى أن كثيرا من الناس - على مر العصور - قد توسعوا في دلالاته وما ينبني عليه، متأثرين في ذلك بنظرتهم الخاصة - ونظرة عصورهم وأزمانهم - إلى المرأة، مسقطين عليه بعض مشاعرهم تجاهها.

ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في يوم أحد العيدين: الفطر أو الأضحى، وقد خرج رجال المسلمين ونساؤهم أيضا، حيث كان - صلى الله عليه وسلم - يأمر بأن تخرج العواتق[14]، وذوات الخدور، وتعتزل الحائضات المصلى.

وكان منهجه في صباح هذا اليوم أن يبدأ بالصلاة، ثم يخطب، ثم ينزل فيمر على النساء فيذكرهن وهو يتوكأ أحيانا على يد بلال، وبلال باسط ثوبه يلقي فيه النساء الصدقة اللاتي يتطوعن بها.

وكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينتهز فرصة تجمعهن في المصلى وحوله، وهذا هو الجو العام الذي شهد الحوار بينه وبين النساء.

وبدأ الحوار بحث النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء على الصدقة، ويبدو أنه أراد ملاطفتهن، وزيادة حثهن على التطوع بالصدقات، فأمرهن مع الصدقة بكثرة الاستغفار، وعلل ذلك بأنه حين اطلع على النار، رأى أكثر أهلها من النساء، وكان قد اطلع على الجنة فوجد أكثر أهلها الفقراء، واطلع على النار فوجد أكثر أهلها النساء. ولا يلزم أن تكون نساء النار التي اطلع عليها من صحابياته أو حتى من المسلمات؛ لما هو معلوم من أن أمة المسلمين بكاملها قليلة العدد بالنسبة إلى مجموع الخلق.

فقامت امرأة جزلة من الحاضرات وسألت: ماذا في النساء أدى بهن إلى أن أصبحن أكثر أهل النار؟ فعلل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن المرأة - على وجه العموم - من طباعها كثرة اللعن وكفران العشير، وكما يقول النووي في شرحه، فإن لعن المؤمن كقتله؛ لأنه هو الدعاء عليه بالطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى، وقد تدعو المرأة - التي تعود لسانها على اللعن - به على من لا تعلم مآله يقينا، "فلهذا قالوا: لا يجوز لعن أحد بعينه مسلما كان أم كافرا إلا من علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر أو يموت عليه"، أما كفر العشير فهو الكفر الأصغر، والكفر بالله تعالى هو الكفر الأكبر، والأول معصية كبيرة، والثاني خروج عن حد الإيمان.

ثم أضاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متعجبا في عبارة لطيفة فيها ممازحة بحق: "وما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن"! يتعجب - صلى الله عليه وسلم - من أن المرأة - مع نقصان عقلها ودينها عن الرجل كما سيفسره - تذهب عقل الرجل الحكيم وحزمه، فيتابعها في بعض أمرها، وفي كثير منه! يشير - صلى الله عليه وسلم - إلى أن الذي يتفق مع طبائع الأمور أن يتابع الناقص الكامل، لكن الذي يحدث ويتعجب منه هو العكس، وفي هذا مدح واضح جدا لتأثير المرأة على أعقل الرجال وأكثرهم حزما وحكمة، وليس فيه ذم لها أو انتقاص منها.

بقي التعبير بنقصان العقل ونقصان الدين: أما الأول فقد فسره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن: "شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل" وهو إشارة إلى ما ورد في قوله تعالى: )واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى( (البقرة: 282).

وقد أمر الله تعالى فيها بالإشهاد مع الكتابة لزيادة التوثيق، وهي في الأموال خاصة، كما يدل عليه نصها: )يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان( (البقرة: 282)، ومن الواضح أن القرآن الكريم طلب في الأموال خاصة شاهدين من الرجال أو رجلا وامرأتين من النساء؛ لأن المعاملات المالية إذا كانت مداينة - وخاصة في السفرـ لا تطلع عليها النساء عادة؛ لأنها تتم غالبا بين رجال تجار، وقد كانت المرأة التاجرة في صدر الإسلام - وما يزال هذا باقيا إلى حد كبير حتى الآن - تنيب عنها في المداينات التجارية رجالا، وفي هذا الجو يكون الرجل أعرف من المرأة بقيمة المداينة، ووقت أدائها، ومن ثم اشترط القرآن فيها شهادة رجلين وليس رجلا واحدا؛ ليتآزرا على الحق ويجتمعا عليه إن شرد واحد منهما عنه صوبه الآخر وذكره، فإن حدث ولم يوجد من الشهود إلا رجل واحد مع نساء وجب أن تشهد امرأتان منهما ضمانا؛ لأنه إذا شردت إحداهما عن الحق ذكرتها الأخرى به[15].

وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك؛ لأنه من أصل الخلقة، لكن المقصود التنبيه على ذلك تحذيرا من الافتتان بهن، ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص، وليس نقص الدين منحصرا فيما يحصل به الإثم، بل في أعم من ذلك - قاله النووي - لأنه أمر نسبي، فالكامل مثلا ناقص عن الأكمل، ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض، لكنها ناقصة عن المصلي، وفي الحديث أيضا مراجعة المتعلم لمعلمه والتابع لمتبوعه فيما لا يظهر له معناه، وفيه ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - من الخلق العظيم والصفح الجميل والرفق والرأفة، زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيما[16].

وأخيرا، فهل يعقل عاقل، وهل يجوز في أي منطق أن يعهد الإسلام وتعهد الفطرة الإلهية بأهم الصناعات الإنسانية والاجتماعية - صناعة الإنسان، ورعاية الأسرة، وصياغة مستقبل الأمة - إلى ناقصات العقل والدين، بهذا المعنى السلبي الذي ظلم به غلاة الإسلاميين وغلاة العلمانيين الإسلام ورسوله الكريم، الذي حرر المرأة تحريره للرجل، عندما بعثه الله بالحياة والإحياء لمطلق الإنسان، قال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم( (الأنفال: 24)، فوضع بهذا الإحياء عن الناس - كل الناس - ما كانوا قد حملوا من الآصار والأغلال، قال تعالى: )الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم( (الأعراف: 157).

إنها تفسيرات مغلوطة وساقطة، حاول بها أسرى العادات والتقاليد إضفاء الشرعية الدينية على هذه العادات والتقاليد التي لا علاقة لها بالإسلام... والتي يبرأ منها هذا الحديث النبوي الشريف[17]، وعليه يظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - أكبر من أن يحاكي الباباوات في وصف المرأة بصفات شائنة تحط من قدرها، وهو الذي رفع قدرها ورد إليها حقوقها.

الخلاصة:

  • لقد كانت المرأة في العالم كله هملا لا يؤبه لها، حتى في الفترات التي تمتعت فيها بحقها، إذ إن هذا الحق كان مقصورا على بعض النساء في بعض الأماكن المتحضرة، اللاتي اتخذن زينة للمجالس، أو أدوات للترف التي يحرص الأغنياء على إبرازه.
  • المرأة في الإسلام قسيمة الرجل وشريكته في الحياة؛ ولذلك حافظ الإسلام عليها كل الحفاظ، وأكرمها كل الإكرام، فجعل لها حقوقا وواجبات، مثلها في ذلك مثل الرجل سواء بسواء، ومن ثم فلم تكن ثمة أدنى مشابهة بين تشريعات النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشريعات باباوات الكنيسة.
  • لم يكن قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه التقليل من شأن المرأة أو الحط من مكانتها، ولكنه قال تلك الأحاديث في مواقف معينة، وفي أوقات معينة، الغرض منها نصح المرأة وتنبيه الرجال، ولم يقصد من ذلك محاكاة باباوات الكنيسة في الحط من شأن المرأة ذلك الحط المعيب الذي رموها به.
  • ما كان الإسلام ليعهد بأهم الوظائف الإنسانية والاجتماعية - صناعة الإنسان، ورعاية الأسرة - إلى المرأة، ثم ينتقص من قدرها، أو يغض من قيمتها وكرامتها، بل لقد حرص دائما على حمايتها وإجلالها، وعلى أن تبقى دائما درة مصونة، وجوهرة مكنونة.

 

 

(*) قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/1988م.

[1]. الغرلة: الجلدة التي تغطي ذكر الصبي.

[2]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، السيدة عائشة رضي الله عنها (26238)، وأبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب في الرجل يجد البلة في منامه (236)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2333).

[3]. الإسلام والأديان الأخرى: نقاط الاتفاق والاختلاف، أحمد عبد الوهاب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1419هـ/ 1998م، ص168: 189 بتصرف.

[4]. الكزة: قليل خيرها.

[5]. الكنود: الجاحدة.

[6]. تلمز: تعاب.

[7]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره (6706).

[8]. الأيم: هي التي سبق لها الزواج كالأرملة والمطلقة.

[9]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها (4843)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت (3538).

[10]. شبهات حول الإسلام، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط23، 1422هـ/ 2001م، ص106: 115 بتصرف.

[11]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم (298)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات (250)، واللفظ للبخاري.

[12]. الجزلة: العاقلة أصيلة الرأي أو عظيمة الجسم.

[13]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم (298)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات (250)، واللفظ له.

[14]. العواتق: جمع عاتق، وهي الأنثى أول ما تبلغ ولم تتزوج بعد.

[15]. مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، د. محمد بلتاجي، مكتبة الشباب، القاهرة، 1996م، ص380: 383 بتصرف.

[16]. مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، د. محمد بلتاجي، مكتبة الشباب، القاهرة، 1996ما ص388، 389 بتصرف.

[17]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1427 / 2006م، ص583 بتصرف.

 

  • السبت PM 09:48
    2020-09-19
  • 1408
Powered by: GateGold