المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413804
يتصفح الموقع حاليا : 256

البحث

البحث

عرض المادة

الجهاد النسائي

ولا يحسبن أحد أن هذه النهضة النسائية ، التى شهدها صدر الإسلام ، والتى وضعت الإصر و الأغلال – إصر وأغلال الجاهلية – عن المرأة ، وأحيت ملكاتها ، وفجرت طاقتها الإبداعية ..لا يحسبن أحد أن هذه النهضة قد تحققت دون ((جهاد نسائى ))، ((وحركة نسائية)) ، بل و ((احتجاج نسائى )) و ((تنظيم نسائى )) لهذا الجهاد و الحركة و الأحتجاج – فى سبيل الحرية و التحرير ،ونيل الحقوق . فلقد كانت هناك العادات الموروثة و المتكلسة ، فى إهمال المرأة وتحقيرها , و التى يستحيل أن تختفى فى بضع سنوات .. وكانت هناك تكاليف الإسلام بتغير الواقع الجاهلى و المثل الجاهلية ، وهى التكاليف التى تحتاج إلى ((جهاد نسائى )) يغالب تلك الموروثات الجاهلية .

وهاهو عمر بن الخطاب ، يعبر- فى بعض المواقف – عما يشعر به من تناقض بين الموروثات  التى تربى عليها – فى النظر إلى وضع المرأة – وبين هذه الحرية وهذه المكانة التى أعطاها إياهما الإسلام .. بل ويعبر عن التغيير الذى أحس به بين الوضع المتدن ى الذى كان للمرأة فى مكة وبين الوضع الأفضل الذى كانت عليه نساء الانصار – فى المدينة – فيقول رضى الله عنه – فيما يرويه البخارى ومسلم - : ((ولله إن كنا فى الجاهلية ما تعد للنساء أمرا، حتى أنزل الله فيهن مأنزل وقسم لهن ماقسم . كنا فى الجاهلية لانعد النساء شيئا ، فلماجاء الإسلام ، وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقا )) ..  ويقول – فيما يرويه الطبرانى فى الأوسط : (( كنا بمكة لايكلم أحدا امرأته ، وإنما هى خادم للبيت .. فلما قدمنا المدينة على الأنصار ،إذا قوم تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار)) ... ورغم أن عمر كان يحدث بأحاديث رسول الله  e . التى تأمر الرجال ألا يمنعن نساءهم من الصلاة – جماعة – فى بيوت الله .. إلا أن الطباع الموروثة كانت تراوده – وتزكيها الغيرة – فتجعله يتمنى على زوجته – عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل – وهى ابنة عمه .. أن تصلى بالمنزل ، لا فى المسجد – رغم التصاق المنزل بالمسجد ! .. لكن عمر ، فى النهاية ، يخضع لحاكمية شرع الله وسنة رسول الله e ففى صحيح البخارى ، عن عبد الله بن عمر : ((كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح و العشاء فى الجماعة فى المسجد ،فقيل لها : لم تخرجين ،وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار ؟ .. قالت : وما يمنعه ينهانى؟

قال : يمنعه قول رسول الله e : ((ولاتمنعوا إماء الله مساجد الله )) .

وعندما رغب عمر إلى زوجته الانتهاء من الذهاب إلى المسجد ، قالت له :

 - و الله لا أنتهى حتى تنهانى .

فقال لها : والله لا أنهاكي .. فاستمرت تذهب إلي المسجد ، فتحضر الجماعة حتي في الفجر والعشاء!.. ولقد طعن عمر – في صلاة الفجر بالمسجد – وزوجته تصلي في صفوف النساء(1)

هكذا كانت – وظلت – تعاليم الإسلام ، في تحرير المرأة وإنصافها ، تغالب الموروث الجاهلي ، حتي عند الذين تجسدت في ممارساتهم عدالة الإسلام !

          ·            ولقد كان النساء يحضرون مجالس العلم في المسجد النبوي ، ويسألن رسول الله e ، عن شئون الدين والدنيا في كل الأوقات .. لكنهن جاهدن ليخصص لهن أياما محددة وأوقاتا معينة يخصهن فيها بالعلم والتعليم ..بل وأخذ جهادهن هذا شيئا من صور الاحتياج علي استئثار الرجال برسول الله ، الذي بعثه الله للجميع ، الرجال والنساء علي السواء .. وفيما يرويه البخاري ومسلم ، عن أبي سعيد الخدري : «قال النساء للنبي e :

-         غلبنا عليك الرجال ، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله.

-         فقال e : « اجتمعن في يوم كذا وكذا ، في مكان كذا وكذا ».

فاجتمعن ، فأتاهن رسول الله فعلمهن مما علمه الله».

          ·            بل لقد اتخذ هذا «الجهاد النسائي» - في بعض الأحيان – الشكل المنظم ، الذي نلمح فيه جنين «جمعية نسائية» علي عهد النبوة .. وفي السنة النبوية «باب وافدة النساء» أي مندوبة هذه «الجمعية النسائية» التي حملت «المطالب» التي اتفقت عليها النسوة المجتمعات إلي الرسول – عليه الصلاة والسلام – وهذه «المندوبة»- «وافدة النساء»- هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية (30هـ - 650 م) – وكانت واحدة من أبرز خطيبات النساء في عصر النبوة - .. لقد ذهبت إلي رسول الله e حاملة مطالب «جماعة النساء» ، وقالت للرسول e فيما يرويه الإمام أحمد :

-         «إني رسول الله من ورائي من جماعة نساء المسلمين ، يقلن. بقولي ، وعلي مثل رأيي .. إن الله بعثك إلي الرجال والنساء ، فأمنا بك واتبعناك .. ونحن – معاشر النساء – مقصورات مخدرات ، قواعد بيوت ، وموضع شهوات الرجال ، وحاملات أولادكم . وإن الرجال فضلوا بالجماعات وشهود الجنائز ، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم أفنشاركم في الأجر»؟

فتلقاها الرسول e لقاء حسنا ، وأخبرها أن عمل المرأة هذا «يعدل كل ما ذكرت» لقد جاهدت المرأة المسلمة ، حتي وضعت مبادئ الإسلام في الحرية والتحرير في الممارسة والتطبيق .. فخرجت من أسر الجاهلية الوثنية ، وشاركت الرجال في الكثير من ميادين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)               المصدر السابق جـ3- القسم الاول – ترجمة عمر بن الخطاب ص190-274 وترجمة عاتكة بنت زيد جـ8 ص193 - 195

العمل العام ، قبل أن تعرف الدنيا شيئا عن هذه الحرية وذلك التحرير.

 

@@@

وإذا كانت مدرسة النبوة قد مثلت المؤسسة التربوية الأولي للعمل الدعوي والاجتماعي العام ، و«الصناعة الثقيلة» التي حول بها الإسلام أهل البداوة والغلظة والجفاء إلي أعظم الصناع لأعظم الحضارات .. رهبان الليل وفرسان النهار .. فلقد شاركت المرأة في هذه المدرسة ، وتربتفيها وتخرجت فيها.. وشهد مجتمع النبوة صفحة فريدة في تاريخ الرسالات والدعوات ، عندما أفرز هذا المجتمع من بين تعداد الأمة – الذي بلغ يوم وفاة الرسول e:142.000 – أفرز هذا المجتمع أعلي نسبة من «الصفوة والنخبة»عرفها مجتمع من المجتمعات في أية نهضة من النهضات .. فبلغ تعداد هذه النخبة – في كتب أعلام الصحابة – قرابة الثمانية آلاف .. وكان من بين هؤلاء الأعلام والصفوة أكثر من ألف من النساء المبرزات المتميزات .. حدث كل ذلك في سنوات معدودات(1) عندما فتح الإسلام أوسع أبواب التحرير أمام المرأة ، التي كانت توءد .. وتورث .. وتعد من سقط المتاع !..

    وكان من بين هذه «الصفوة والنخبة» المقدمات في العلم الديني

-         الذي هو أشرف العلوم – والمقدمات في تبليغ الشريعة عن رسول الله e .. والمقدمات في الاجتهاد الفقهي .. بل واللاتي زاحمن الرجال في الخطابة والبلاغة .. وفي الكثير من ميادين العمل العام ، مع التحلي بأداب الإسلام ، والحفاظ علي الفطرة التي فطر الله عليها شقائق الرجال .

إن هذه الوقائع والحقائق إنما تمثل «شهادة واقعية متجسدة» علي أن المجتمع الإسلامي – ونموذجه مجتمع القدوة والأسوة النبوية – هو مجتمع الاشتراك بين النساء والرجال في العمل العام – من الصلاة في المسجد..إلي الجهاد في سبيل الله - وليس مجتمع الانفصال ،

الذي يعزل النساء عن المشاركة في العمل العام ، ولا الذي يفصل بين الرجال والنساء بسور ليس له باب !..

   إن المحرم ، والمنهي عنه في المجتمع الإسلامي هو «الخلوة».. خلوة المرأة بغير المحرم .. وليس الاختلاط والاشتراك في العمل العام ، الذي تضبط فيه المشاركات بآداب الإسلام ، المطلوبة من المرأة والرجل علي السواء ، ويقيم الحلال والحرام الإسلامية الواجبة علي الجميع ، نساء ورجالا .

       ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)               ابن الأثير ( أسد الغابة في معرفة الصحابة ) طبعة دار الشعب . القاهرة .

 فالخلوة بغير المحرم منهي عنها بالنص الإسلامي – الذي يرويه البخاري – عن عبد الله بن عباس ، والذي قال فيه رسول الله e :«لا يخلون رجل بمرأة إلا مع ذي محرم»..

    ولقد ظل المجتمع الإسلامي ، في غالبيته العظمي وعلي مر تاريخه علي هذه السنة التي سنها الإسلام – الاختلاط والمشاركة في العمل العام ، وفق ضوابط الإسلام وقيمه.. وتحريم الخلوة بين المرأة وغير المحرم – ظل ذلك قائما حتي يومنا هذا ، في ريف المجتمعات الإسلامية وبواديها والأحياء الشعبية من مدنها وحواضرها – أي فيما يزيد علي 85% من جمهور الشعوب الإسلامية .. ولم تفرض العزلة علي النساء إلا فيما سمي «بالأحياء الراقية» من المدن ، ولدي شرائح اجتماعية بعينها من الأسر والعائلات .. تلك التي أعادت نساءها إلي ما يشبه الجاهلية ، التي عبر عنها الشاعر بهذه الصورة المضادة لصورة المرأة في مجتمع النبوة ، عندما قال :

               ومن غاية المجد والمكرمات                  بقاء البنين وموت البنات!

              والشاعر الآخر ، الذي رأي المرأة عورة لا يسترها إلا القبر :

              ولم أر نعمة شملت كريما                      كنعمة عورة سترت بقبر!

 أما المجتمعات الإسلامية ، في غالبيتها العظمي ، فلقد ظلت – إلي حد كبير .. ورغم ما أصابها من تراجع حضاري – أكثر احتراما للمرأة وتكريما لها من نظائرها في الحضارات الأخري بما لا يقاس.

 

  • الجمعة AM 12:22
    2015-12-18
  • 3074
Powered by: GateGold