المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412293
يتصفح الموقع حاليا : 326

البحث

البحث

عرض المادة

نقض الاشتراكية الماركسية

نقضالاشتراكية الماركسية الاشتراكية الماركسية كانت في أول النصف الثاني من القرن التاسع عشر أيام حياة ماركس الذي توفي سنة 1883 مجرد فكرة فلسفية عن الحياة، ولكنها اليوم في أول النصف الثاني من القرن العشرين تحتل وجوداً ضخماً في العالم، إذ تقوم على أساسها دولة كبرى هي روسيا وإلى جانبها عدة دول تعد مئات الملايين من البشر تحاول السير في تطبيق هذه الاشتراكية الماركسية، ثم لها دعاوة عالمية واسعة، واتباع منتشرون، حتى أنه لا تكاد تجد دولة تخلوا من اشتراكيين ماركسيين. وفي البلاد الإسلامية كلها ولا سيما سورية والعراق ومصر وإندونيسيا والهند استهوت الاشتراكية فكرياً، ولدى النزر القليل عقائدياً، الكثير من أبناء المسلمين، فكان لا بد من الوقوف معها ساعة من نقاش يكشف فيها عن وجه الحق، ويعرض فيها صواب الرأي، بعمق واستنارة حتى تنجلي الحقائق، ويبرز زيف الباطل، فلعل معتنقي هذه الفكرة البالغة الخطر على الإنسان يبصرون النور، فيثوبوا إلى الحق، ويسيروا في طريق الهدى، ويدركوا مدى ما كانوا فيه من ضلال ما بعده ضلال، ويروا أن واجبهم حرب هذا الكفر والإلحاد.إن الاشتراكية الماركسية منبثقة عن فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، فهي منبثقة عن عقيدة فيها قابلية الاعتقاد، لأنها فكرة أساسية، وفيها قابلية التطبيق، لأنها تنبثق عنها أحكام لمعالجة مشاكل الحياة، ويمكن أن تنبني عليها أفكار عن الحياة. ثم أنها فكرة وطريقة، أي عقيدة عقلية وأحكام لمعالجة مشاكل الحياة، مصحوبة بأحكام تبين كيفية تنفيذ العقيدة وتنفيذ معالجات الحياة، ويوجد للفظها مدلول يمكن أن توضع الإصبع عليه. ولذلك فإن فيها قابلية لأن يوجد لها رأي عام، ومن هنا كان خطرها أفظع. غير أن كونها يمكن أن يوجد لها رأي عام، وكونها يمكن تطبيقها لا يعني أنها صحيحة، بل يعني أنها اشتراكية حقيقية لا اشتراكية إسمية كما هي الحال فيما يسمى باشتراكية الدولة. وأنها مبدأ كفر كما أن الرأسمالية مبدأ كفر. فكما أن النصرانية دين كفر تماماً كاليهودية والوثنية فكذلك الاشتراكية مبدأ كفر تماماً كالرأسمالية. فهي مبدأ ولا ريب، ولكنه مبدأ باطل في فكرته وطريقته.ولأجل إدراك ذلك إدراكاً كامل الوضوح لا بد من إعطاء صورة واضحة عن واقع هذه الاشتراكية الماركسية أولاً كما وردت في الكتب الاشتراكية والشيوعية ثم نقضها من أساسها.
يتبعإذا رضيت لنفسك بالهوان وجعلت من نفسك نعلاً فلا تلومن من انتعلك ! روابط هامة :فهرس مواضيع الرد على الملحدين والعلمانين ... فهرس قسم الحوار حول الإسلام مجموعة من الكتب لاغنى عنها للرد على الملحدين والعلمانيين ... الدليل الجامع للرد علي الشبهات والاباطيلأيها الموحدون .... انتبهوا إلى ألاعيب الملحدين !رد مع اقتباسرد مع اقتباس 09-24-2005#2حازم حازم غير متواجد حالياًطالب علمتاريخ التسجيلSep 2004الدولةمصرالمشاركات1,888المذهب أو العقيدةمسلمافتراضي
2تقوم الفكرة الاشتراكية الماركسية على ما يسمى بالمادية الديالكتيكية، والمادية التاريخية. أما المادية الديالكتيكية فهي النظرية العامة للاشتراكية ومنها الشيوعية، وقد سميت بالمادية الديالكتيكية لأن أسلوبها في النظر إلى حوادث الطبيعة جدلي، أي أن طريقتها في البحث والمعرفة هي اكتشاف تناقضات الفكر والمصادمة بين الآراء بالنقاش أي هي جدلية. ولأن تعليلها حوادث الطبيعة وتصورها لهذه الحوادث مادي، أي نظرتها مادية. وأما المادية التاريخية فهي توسع نطاق أفكار المادية الديالكتيكية حتى تشمل دراسة الحياة في المجتمع، وتطبق هذه الأفكار على حوادث الحياة في المجتمع، أي تطبق أفكار المادية الديالكتيكية على درس المجتمع ودرس تاريخ المجتمع.والمادية الديالكتيكية تعني النظرية المادية، وهي أن الحياة والإنسان والكون مادة تتطور من نفسها تطوراً ذاتياً، فلا يوجد خالق ولا مخلوق وإنما تطور ذاتي في المادة. وتسير هذه المادية أي مادية ماركس من الفكرة القائلة بأن العالم بطبيعته مادي، وأن حوادث العالم المتعددة هي مظاهر مختلفة للمادة المتحركة، وأن العلاقات المتبادلة بين الحوادث وتكييف بعضها بعضاً بصورة متبادلة كما تقررها الطريقة الديالكتيكية هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة، وأن العالم يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة، وهو ليس بحاجة لأي عقل كلي. يقول انجلس: "أن الفهم المادي يعني بكل بساطة فهم الطبيعة كما هي دون أية إضافة غربية". ولقد كتب لينين بصدد المفهوم المادي عند فيلسوف العهد القديم هيراقليط الذي جاء فيه أن "العالم هو واحد، لم يخلقه أي إله أو إنسان، وقد كان ولا يزال وسيكون شعلة حية إلى الأبد، تشتعل وتنطفيء تبعاً لقوانين معينة" فقال: "يا له من شرح رائع لمبادئ المادية الديالكتيكية". فهذه هي النظرية المادية أي مادية ماركس. ولكنها أي النظرية تفصل هذا بشكل جدلي ولذلك سميت ديالكتيكية، وهي كلمة مأخوذة من الكلمة اليونانية "دياليغو" ومعناها المحادثة والمجادلة. وكان الديالكتيك يعني في عهد الأولين فن الوصول إلى الحقيقة باكتشاف المتناقضات التي يتضمنها استدلال الخصم، وبالتغلب عليها. وكان بعض الفلاسفة الأولين يعتبرون أن اكتشاف تناقضات الفكر والمصادمة بين الآراء هما خير وسيلة لاكتشاف الحقيقة. فهذا الأسلوب الديالكتيكي في التفكير الذي طبق فيما بعد على حوادث الطبيعة أصبح الطريقة الديالكتيكية لمعرفة الطبيعة. إن حوادث الطبيعة بموجب هذه الطريقة هي متحركة متغيرة دائماً وأبداً، وتطور الطبيعة هو نتيجة تطور تناقضات الطبيعة، نتيجة الفعل المتبادل بين القوى المتضادة في الطبيعة فالمادية الديالكتيكية تقول أن العالم يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة، وأنه ليس بحاجة لأي عقل كلي، وأنه واحد لم يخلقه إله. وهذا باطل قطعاً. فكون الأشياء المدركة المحسوسة موجودة أمر قطعي، لأنها مشاهدة بالحس، وكون هذه الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة إلى غيرها، أي لها وصف الاحتياج أمر قطعي أيضاً، لأنها بالمشاهدة لا تستطيع التصرف والانتقال من حال إلى حال إلا بغيرها. فالنار تحرق إذا كانت المادة الأخرى فيها قابلية الاحتراق، وإذا لم تكن فيها قابلية الاحتراق لا تحرقها. وبعض الأحماض تذيب بعض العناصر ولا تذيب غيرها. وبعض العناصر تتحد مع عناصر أخرى وتتفاعل معها ولا تتفاعل مع غيرها، وذرتان من الأيدروجين مع ذرة من الأكسجين تنتج ماءاً، ولكن حتى نحصل على الماء الثقيل لا بد من اتحاد ذرتين من الأيدروجين الثقيل مع ذرة من الأكسجين. فهذه الأشياء لم تستطع أن تتصرف في كل شيء ولا أن تنتقل من حالة إلى أية حالة أخرى إلا ضمن وضع قاصر على حالات معينة، ولا تستطيع سواها إلا بإحداث تغيير فيها أو في سواها، أو بعامل آخر، فهي إذن محتاجة، حتى لو فرض أنها محتاجة إلى هذه العوامل وهذه الحالات. فالنار لم تستطع أن تحرق إلا بوجود مادة قابلة للاحتراق، فهي حتى تحرق محتاجة إلى المادة القابلة للاحتراق. والأحماض لم تستطع أن تذيب إلا عناصر معينة فيها قابلية الذوبان فهي محتاجة إلى العناصر التي فيها قابلية الذوبان حتى تستطيع أن تحدث الإذابة. والعناصر لا تستطيع الاتحاد والتفاعل إلا بوجود عناصر فيها قابلية التفاعل والاتحاد، فهي محتاجة إلى العناصر التي فها قابلية التفاعل والاتحاد حتى تستطيع التفاعل والاتحاد. وحتى نحصل على الماء الثقيل لا بد من اتحاد ذرتين من الأيدروجين الثقيل المسمى بالدويثريوم مع ذرة من الأكسجين، أي هو محتاج إلى اتحاد الذرتين من الأيدروجين الثقيل مع ذرة من الأكسجين حتى نحصل على الماء الثقيل. ولا يقال احتاج إلى ما هو فيه، بل احتاج إلى زيادة كمية إلى ما هو فيه، واحتاج إلى من يوجد له هذه الكمية فهو محتاج. فهذا دليل قطعي على أن الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة إلى غيرها أي لها وصف الاحتياج.ولا يقال إن الأشياء المدركة المحسوسة احتاجت لبعضها، ولكنها في مجموعها مستغنية عن غيرها، لا يقال ذلك لأن الحاجة إنما تبين وتوضح للشيء الواحد، وتلمس لمساً ولا تفرض فرضاً نظرياً لشيء غير موجود فيفرض وجوده، فلا يقال إن النار احتاجت لجسم فيه قابلية الاحتراق، فلو اجتمعا معاً لاستغنيا ولم يحتاجا إلى غيرهما، لأن هذا فرض نظري. فالحاجة للنار وللجسم القابل للاحتراق هي حاجة لشيء موجود حساً، محسوس بإحدى الحواس، أو مدرك عقلاً، وهو بالطبع مما يقع الحس على مدلوله حتى يتأتى إدراكه عقلاً، فالحاجة لشيء موجود. والنار والجسم لا يوجد من اجتماعهما شيء يحصل فيه الاستغناء أو الحاجة. وكذلك الأشياء التي في الكون لا يحصل من اجتماعها شيء يحصل فيه الاستغناء أو الحاجة. فالحاجة والاستغناء متمثلة في الجسم الواحد، ولا يوجد شيء يتكون من مجموع ما في الكون حتى يوصف بأنه مستغن أو محتاج. فإذا قيل أن مجموع الأشياء التي في الكون مستغن أو محتاج، فإنه يكون وصفاً لشيء متخيل الوجود، لا لشيء موجود. والبرهان يقوم على حاجة شيء معين موجود في الكون، لا مجموعة أشياء يتخيل لها اجتماع يتكوَّن منه شيء ويعطى له وصف الحاجة أو الاستغناء. ولذلك لا يرد هذا السؤال لأنه سؤال فرضي تخيلي، وليس هو واقعياً، حتى ولا فرضاً نظرياً.ولا يقال أن الأشياء احتاجت لبعضها، فلا يكون دليلاً على أنها محتاجة لخالق، فإن البرهان على إثبات مجرد الاحتياج، لا الاحتياج إلى خالق. فمجرد وجود الاحتياج في كل شيء يثبت الاحتياج في كل شيء.ولا يقال أن كل جزء محتاج إلى جزء آخر، فالأجزاء جميعها محتاج بعضها لبعض، فالثابت هو أن كل شيء محتاج إلى شيء آخر وهذا لا يثبت أن الأشياء محتاجة مطلقاً. لا يقال ذلك لأن احتياج الشيء، ولو إلى شيء واحد في الدنيا، يثبت أنه لا يوجد في الكون شيء يستغني الاستغناء المطلق. يعني أنه محتاج ولو لشيء واحد في الوجود، أي يثبت له وصف الاحتياج. كمن يمشي خطوة واحدة، فقد ثبت له وصف المشي، وكمن يتكلم كلمة واحدة ثبت له وصف التكلم. فالاحتياج والمشي والتكلم، وغير ذلك مما يدل على الجنس، أي مما يدل على الماهية، فإن ثبوت المرة الواحدة فيه يثبت الوصف لماهيته. فمجرد ثبوت الاحتياج إلى شيء واحد، والاحتياج مما يدل على الجنس، أي على الماهية، يثبت وصف الاحتياج لكل شيء في الكون، ولذلك فإن احتياج كل جزء إلى جزء آخر يثبت له قطعاً وصف الاحتياج.وهذا كله ملموس محسوس بالنسبة إلى جميع الأشياء الموجودة على سطح الأرض، أما بالنسبة للكون والإنسان والحياة فإن الكون مجموعة أجرام، وكل جرم منها يسير بنظام مخصوص لا يملك أن يغيره. وهذا النظام إما أن يكون جزءاً منه، أو خاصة من خواصه، أو شيئاً آخر غيره، ولا يمكن أن يكون غير واحد من هذه الثلاثة مطلقاً. أما كونه جزءاً منه فباطل، لأن سير الكواكب يكون في مدار معين لا يتعداه، والمدار كالطريق هو غير السائر. والنظام الذي يسير به ليس مجرد سيره فقط، بل تقييده بالسير في هذا المدار. ولذلك لا يمكن أن يكون هذا النظام جزءاً منه. وأيضاً فإن السير نفسه ليس جزءاً من ماهية الكوكب، بل هو عمل له، ولذلك لا يمكن أن يكون جزءاً منه. وأما كونه خاصية من خواصه فباطل، لأن النظام ليس هو سير الكوكب فحسب، بل سيره في مدار معين. فالموضوع ليس السير وحده، بل السير في وضع معين. فهو ليس كالرؤية في العين من خواصها، بل هو كون الرؤية في العين لا تكون إلا بوضع مخصوص. ومثل كون تحول الماء من ماء إلى بخار لا يتأتى إلا بنسبة معينة. فالموضوع ليس سير الكوكب، أو رؤية العين، أو تحول الماء، بل الموضوع هو سير الكوكب في مدار مخصوص، ورؤية العين في أحوال مخصوصة، وتحول الماء بنسبة معينة. هذا الوضع المفروض على الكوكب، وعلى العين، وعلى الماء، هو النظام. وهو، وإن كان السير من خواصه، فإن كون السير لا يكون إلا بوضع معين ليس من خواصه، وإلا لكان من خواصه أن ينظم سير نفسه، وحينئذ يستطيع أن ينظم نظاماً آخر ما دام من خواصه التنظيم، والواقع أنه لا يستطيع ذلك، ولهذا لا يمكن أن يكون من خواصه. وما دام ليس جزءاً منه، وليس من خواصه، فهو غيره قطعاً. فيكون قد احتاج إلى غيره، أي احتاج الكون إلى النظام.ولا يقال أن كون الكوكب مسيراً في مدار معين هو خاصية ناتجة عن اجتماع الكواكب مع بعضها في جسم واحد وهو جزء لا يتجزأ من هذا الجسم، فنتج عن اجتماعها خاصية كون السير في مدار معين، كالأيدروجين وحده له خاصية، والأكسجين وحده له خاصية، فإذا اجتمعا معاً صارت لهما خاصية أخرى، وكذلك الكواكب. لا يقال ذلك لأن الأيدروجين والأكسجين حين اجتمعا كونا جسماً آخر فصارت له خاصية أخرى، فهي خاصية جسم لا خصية وجودهما في الكون، بخلاف الكواكب. فإن الكوكبين أو الكواكب لم تكن لكل منهما خاصية وهو منفرد، ثم صارت له خاصية بالاجتماع في جسم واحد، بل ظلت هذه الخاصة خاصية لكل كوكب بمفرده خاصية له وحده، ولم يجتمعا ويكونا جسماً واحداً قط. ولذلك تكون الخاصية للكوكب ولا تكون لاجتماع كوكبين أو لاجتماع الكواكب في جسم واحد، لان الاجتماع الذي يشكل جسماً آخر لم يحصل.وأما الحياة فإن احتياجها إلى الماء وإلى الهواء ملموس ومحسوس. وأما الإنسان فإن احتياجه إلى الحياة، ثم إلى الطعام وغير ذلك ملموس محسوس. وعليه فإن الكون والحياة والإنسان محتاجة قطعاً.ولا يقال إن ما في الكون من أشياء احتاجت لبعضها هي أشكال لشيء واحد فهي كلها مادة تشكلت بأشكال مختلفة، ولكنها في الحقيقة شيء واحد هو المادة. فالمادة احتاجت لنفسها ولم تحتج إلى غيرها فهي غير محتاجة. لا يقال ذلك لأن المادة حتى تتشكل بأشكال مختلفة لا تستطيع أن تتشكل إلا بنسبة معينة مفروضة عليها فرضاً من غيرها. فالماء حتى يتحول إلى بخار يحتاج إلى نسبة معينة حتى يتحول، والبيضة حتى تتحول إلى كتكوت تحتاج إلى نسبة معينة من الحرارة، وهكذا. فتشكل المادة لا يمكن إلا بنسبة معينة ووضع معين. وهذه النسبة أو هذا الوضع ليس من المادة وإلا لاستطاعت أن توجدها كما تشاء ولما فرضت عليها. فكونها مفروضة عليها فرضاً معناه أنها جاءت من غيرها فهي محتاجة إلى هذه النسبة أو هذا الوضع حتى يتم التشكل، ومحتاجة إلى من يوجد لها هذه النسبة حتى يتم التشكل. وعليه فهي محتاجة إلى غيرها، أي ثبت لها وصف الاحتياج لغيرها.ومدلول كلمة محتاج يعني أنه مخلوق، لأن مجرد حاجته تعني أنه عاجز عن إيجاد شيء ما من العدم، أي عاجز عن إيجاد ما احتاج إليه فهو ليس خالقاً، وما دام ليس خالقاً فهو مخلوق. لأن الوجود كله لا يخرج عن خالق ومخلوق، ولا ثالث لهما. وأيضاً فإن المحتاج لا يمكن أن يكون أزلياً، لأن مدلول كلمة أزلي تعني أن لا يستند إلى شيء، لأنه إذا كان في تصرفه وتحوله يحتاج إلى غيره يكون احتياجه لغيره في وجوده من باب أولى. ولأنه لو احتاج في وجوده إلى غيره لكان ذلك الغير موجوداً قبله فلا يكون أزلياً. فمدلول الأزلي أنه لا يستند إلى شيء، ولا يحتاج إلى شيء. وما دام المحتاج ليس أزلياً فهو مخلوق قطعاً. وعلى هذا فكون الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة أمر قطعي، وهذا يعني أن كونها مخلوقة لخالق أمر قطعي أيضاً. وعلى هذا فإن العالم محتاج، وهو مخلوق لخالق.وهذا الخالق لا بد أن يكون غير مخلوق، ولا بد أن يكون أزلياً. أما كونه غير مخلوق فلأنه لو كان مخلوقاً لما كان خالقاً، لأنه لا يوجد إلا خالق ومخلوق، وهما شيئان متباينان، فأحدهما غير الآخر قطعاً، ولذلك فإن من صفات الخالق كونه غير مخلوق، فما ليس بمخلوق هو الخالق. ولا يقال أنه خالق لشيء ومخلوق لشيء آخر، لأنه ليس البحث عن شيء معين كالإنسان أو الآلة، بل البحث عن المخلوق من حيث هو مخلوق لا عن مخلوق معين، وعن الخالق من حيث وصفه بالإيجاد من عدم، فلا يكون الشيء خالقاً ومخلوقاً في وقت واحد. فالخالق هو ما سوى المخلوقات. 
وأما كونه أزلياً أي لا أول له فلأنه إذا كان له أول كان مخلوقاً، إذ قد بديء وجوده من حد معين، فكونه خالقاً يقضي بأن يكون أزلياً. إذ الأزلي تستند إليه الأشياء ولا يستند إلى شيء. وهذا الأزلي الخالق هو مدلول كلمة الله، أي هو الله تعالى.وأيضاً فإن الأشياء التي يدركها العقل هي الإنسان والحياة والكون، وهذه الأشياء محدودة، فهي مخلوقة. فالإنسان محدود، لأنه ينمو في كل شيء إلى حد ما لا يتجاوزه فهو محدود، ولأن الإنسان جنس متمثل في كل فرد من أفراده. فكل فرد إنسان، ولا يوجد أي فرق بين فرد وفرد في الخواص الإنسانية، فما يصدق على فرد من الإنسان يصدق على الآخر، كأي جنس من الأجناس كالذهب في قطعه الصافية، وكالأسد في الحيوان، وكحبة التفاح في جنسها من الفواكه.. وهكذا. فالجنس أي جنس ينطبق عليه كله ما ينطبق على كل فرد من أفراده، وأبسط ما يشاهد أن الفرد يموت، وأن الإنسان يموت، فجنس الإنسان قطعاً يموت. وهذا يعني أن هذا الجنس محدود قطعاً. ومجرد التسليم بأن الإنسان يموت معناه التسليم بأن الإنسان محدود. ولا يقال إن الإنسان الفرد هو الذي يموت ولكن جنس الإنسان لا يموت بدليل أنه في كل عصر يموت الملايين ومع ذلك فإن في العصر الذي بعده بدل أن يفنى الإنسان مع الزمن نراه بالمشاهدة يكثر، فهو إذن لا يموت كجنس بل يموت كفرد. لا يقال ذلك لأن جنس الإنسان ليس مركباً من مجموع أفراد حتى يقال أن الفرد يموت والمجموع لا يموت، فيوصل من ذلك إلى أن الجنس لا يموت. بل الإنسان هو ماهية معينة تتمثل في أفراد تمثلاً كلياً دون فرق بين فرد وفرد، وذلك كالماء وكالبترول وكالقمح وككل جنس. ولذلك فإن الحكم عليه لا يجوز أن ينصب على مجموعة، لأن جنسه ليس مركباً من مجموعة، وإنما الحكم عليه ينصب على ماهيته، أي على جنسه، فما يصدق على الماهية في فرد يصدق على الجنس كله مهما تعددت أفراده. وبما أن الماهية متحققة كلها في الفرد الواحد وفي كل فرد، والفرد الواحد يموت، معناه جنس الإنسان يموت. أما المشاهدة فإنه لا يجوز أن تحكم لأنها مشاهدة لغير المطلوب البرهان عليه، فهي مشاهدة للمجموع وهو غير الجنس، فهي فوق كونها مشاهدة ناقصة لا تحكم لأنها ليست الجنس. ألا ترى أن المياه في البحار لا تنفذ مهما أخذت منها، وهذا يعني أنها ليست محدودة، وأن البترول لا ينفذ مهما أخذت منه، وهذا يعني أنه ليس محدوداً وألا ترى أن القمح يتزايد مع الاستهلاك الكثير منه. فإذا نظرنا إلى مجموعه معناه لا ينفذ، مع أن الواقع أن جنسه ينفذ، ومعناه أنه ينفذ. وجنس الإنسان المتمثل في الفرد الواحد يموت، معناه أن جنس الإنسان من حيث هو يموت، وعليه فإن الإنسان محدود.والحياة محدودة لأن مظهرها فردي فقط، والمشاهد بالحس أنها تنتهي في الفرد فهي محدودة. إذ الحياة في الإنسان هي عين الحياة في الحيوان، وهي ليست خارج هذا الفرد بل فيه، وهي شيء يحس وإن كان لا يلمس، ويفرق بالحس بين الحي والميت. فهذا الشيء المحسوس، والذي هو موجود في الكائن الحي، والذي من مظاهره النمو والحركة، هو ممثل كلياً وجزئياً في الفرد الواحد لا يرتبط بأي شيء غيره مطلقاً. وهو في كل فرد من أفراد الأحياء كالفرد الآخر سواء بسواء. فهو جنس متمثل بأفراد كالإنسان، وما دامت تنتهي هذه الحياة في الفرد الواحد فمعناه أن جنس الحياة ينتهي، فهي محدودة.والكون محدود، لأنه مجموع أجرام، وكل جرم منها محدود، ومجموع المحدودات محدود بداهة. وذلك لأن كل جرم منها له أول وله آخر، فمهما تعددت هذه الأجرام فإنها تظل تنتهي بمحدود. فالمحدودية ليست بعدد الأجرام، بل هي بكون لها أول ولها آخر، بل تثبت بمجرد وجود الأول. ومجرد أن قيل أكثر من واحد يحتم حينئذ المحدودية، لأن الذي يزيد شيء محدود فتظل الزيادة حاصلة بمحدود لمحدود، فيظل الجميع محدوداً. وعليه فالكون محدود. وعلى ذلك فالإنسان والحياة والكون محدودة قطعاً.وحين ننظر إلى المحدود نجده ليس أزلياً، وإلا لما كان محدوداً، لأن هذا المدرك المحسوس إما أن يكون له أول فيكون ليس أزلياً وإما أن يكون لا أول له فيكون أزلياً. وثبت أن المحدود له أول فلا يكون أزلياً، لأن مدلول الأزلي أن لا أول له. وما لا أول له لا آخر له قطعاً، لأن وجود آخر يقتضي وجود أول، لأن مجرد البدء لا يكون إلا من نقطة، وهذا يعني أن النهاية لا بد منها ما دام قد حصل البدء من نقطة، سواء أكان ذلك في الزمان أم المكان أم الأشياء أم غير ذلك. وهذا حتمي في الحسيات، وكذلك حتمي في المعقولات، لأن المعقولات هي حسيات في الأصل، وما لم تكن حسيات لا تكون معقولات. وعليه فكل ما له أول له آخر. فمدلول الأزلي أنه لا أول له ولا آخر له، فهو غير محدود. فالمحدود ليس أزلياً. فكون الكون والحياة والإنسان محدودة معناه ليست أزلية وإلا لما كانت محدودة. وما دامت ليست أزلية فهي مخلوقة لغيرها. فالكون والإنسان والحياة لا بد أن تكون مخلوقة لغيرها. وهذا الغير هو خالقها، أي هو خالق الكون والحياة والإنسان. وعليه فإن العالم مخلوق لخالق، مخلوق للأزلي، مخلوق لله تعالى. فالعالم لا يتطور من ذاته تبعاً لقوانين حركة المادة بل هو محتاج قطعاً، وهو محدود قطعاً، وهو ليس بأزلي قطعاً، فهو إذن مخلوق للأزلي. وهذا الأزلي هو مدلول كلمة الله، أي هو الله تعالى.(ولا بد أن يلفت النظر إلى ثلاثة أمورأحدها: أن القول بأن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق ليس فرضية وإنما هو حقيقة قطعية. لأن الكلام ليس متناولاً لهذا القول باعتباره فرضاً، وجرى ترتيب البرهان على هذا الفرض، وإنما تناول الكلام الأشياء المدركة المحسوسة، وأقام البرهان الحسي على أنها مخلوقة لخالق، فأدرك إدراكاً حسياً وجود مخلوقات لخالق، فتوصل بالبرهان الحسي إلى هذا القول فكان القول نتيجة البرهان وليس فرضاً. أي أننا لم نقل بما أن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق، وبما أنه ثبت أن المدرك المحسوس مخلوق فيكون غير المدرك المحسوس هو الخالق. أي لم نقم الفرضية أولاً ورتبنا عليها البرهان حتى يحتاج إلى إثبات الفرضية ليصح البرهان، وإنما وضعنا الأشياء المدركة المحسوسة موضع البحث، فلفتنا النظر إلى أنها موجودة قطعاً وهو أمر مشاهد ملموس، وأقمنا البرهان على أنها محتاجة قطعاً، وهذا يعني أنها محتاجة إلى من يوجدها فهي مخلوقة. فالبرهان قام على أن الأشياء المدركة المحسوسة مخلوقة. أي ترتب على حقيقة قطعية لا على فرضية. وبذلك ثبت بشكل قطعي وجود المخلوق، وهذا يثبت وجود الخالق. لأن هذا المخلوق إما أن يكون مخلوقاً لنفسه أو مخلوقاً لغيره ولا وثالث لهما قطعاً وهذا ليس فرضاً وإنما الواقع المحسوس للمخلوق يدل عليه. أما كونه مخلوقاً لنفسه فباطل، لأنه يكون مخلوقاً لنفسه وخالقاً لنفسه في آن واحد وهذا باطل، فلا بد أن يكون مخلوقاً لغيره، وهذا الغير هو الخالق. وبهذا ثبت وجود خالق، أي أن إثبات كون الأشياء المدركة المحسوسة مخلوقة لخالق وأن هذا الخالق هو غيرها يثبت وجود الخالق. وبناء على هذا الإثبات بالبرهان الحسي لوجود المخلوق ولوجود الخالق وأنه غير المخلوق أدركت الحقيقة القطعية وهي أن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق. ولذلك لم يكن هذا القول فرضاً وإنما هو حقيقة قطعية ثبتت بالبرهان الحسي القاطع.ثانيها: أن مفهوم الاحتياج في الأشياء المدركة المحسوسة هو غير مفهوم الشرطية الماركسية، لأن الشرطية الماركسية تعني أن كل شيء تكتنفه شروط من حوادث وأشياء تحيط به، ولا يمكن فصل الشيء عما يحيط به. فأي حادث من حوادث الطبيعة لا يمكن فهمه إذا نظر إليه منفرداً أي بمعزل عن الحوادث المحيطة به إذ أن أي حادث في أي ميدان من ميادين الطبيعة يمكن أن ينقلب إلى عبث فارغ لا معنى له إذا نظر إليه بمعزل عن الشروط التي تكتنفه، وإذا فصل عن هذه الشروط. فأي حادث من حوادث الطبيعة يجب أن ينظر إليه كما تحدده وتكيفه الحوادث المحيطة به. فالشرطية عندهم ارتباط الأشياء بعضها ببعض ارتباطاً لا ينفصم بحيث تكون جميعها وكل واحد منها شرطاً في وجود ما تكتنفه وفي إنتاجه وفي إدراك حقيقته. أي أن كل حوادث الطبيعة يكيف بعضها البعض الآخر بصورة متبادلة وهذا معنى كونها شروطاً، أي هذا هو معنى الشرطية. فهي شرح لارتباط الأشياء بعضها ببعض بحيث يتأثر أحدها بالآخر ويؤثر فيه وليس شرحاً لمعنى الاحتياج، وما يترتب عليه ليس هو ما يترتب على الاحتياج، فإن ما يترتب عليه هو أنه إذا كانت الأشياء في الطبيعة مرتبطاً بعضها ببعض بصورة متقابلة وأحدها شرط للآخر فإنه لا يحكم على النظام إلا ببناء هذا الحكم على أساس الظروف التي ولدت هذا النظام، ولا يمكن الحكم على شيء إلا على أساس ما يحيط بذلك الشيء، ولكن إذا كانت الأشياء في الطبيعة منفصل بعضها عن بعض فإنه يمكن فهم النظام دون أي نظر للظروف أي دون أي نظر للمكان والزمان. فمفهوم الاشتراط أو الشرطية الماركسية مفهوم يتعلق بارتباط الأشياء بعضها ببعض وليس باحتياج الأشياء. ولذلك كان مفهوم الاحتياج غير مفهوم الشرطية الماركسية لأن مفهوم الاحتياج متعلق بعدم الاستغناء، ومفهوم الاشتراط متعلق بعدم فصل الأشياء بعضها عن بعض.قد يقال إن معنى الشيء مرتبطاً بالآخر بصورة متقابلة وأحدهما شرط للآخر معناه أنه محتاج إليه، فهذه الأشياء التي تكتنف الحادث أو الشيء لا يستغني عنها الشيء فهو محتاج إليها، وهذا يعني أن الاحتياج هو نفس الاشتراط أي هو نفس مفهوم الشرطية الماركسية. والجواب على ذلك هو أن هذا ليس المراد من الشرطية وإن كان يترتب على القول بالشرطية القول بالاحتياج. أي أن الشيوعيين لم يقولوا بأن كل شيء محتاج للآخر بل قالوا أن كل شيء مرتبط بالآخر بصورة متقابلة فهو شرط له وأرادوا إثبات تأثير الأشياء ببعضها ولم يريدوا احتياج الأشياء لبعضها ولكن يترتب على قولهم هذا القول بالاحتياج وليس قولهم هذا هو الاحتياج. أي أن الاحتياج يترتب على هذا القول فهو ينتج عنه وليس هو نفس القول. وهذا يمكن أن يتخذ دليلاً على الشيوعيين بأن الحوادث والأشياء في الطبيعة ليست أزلية لأن ارتباطها ببعضها بصورة متقابلة بحيث يكون أحدها شرطاً للآخر يعني أن كل واحد منها محتاج فكل واحد منها ليس أزلياً لأنه محتاج، لأن الأزلي مستغن عن غيره إذ لا أول له، فإذا احتاج كان له أول أي يوجد غيره قبله فلا يكون أزلياً فتكون الشرطية الماركسية دليلاً على أن الحوادث والأشياء في الطبيعة ليست أزلية لأنها محتاجة باعترافهم والمحتاج لا يمكن أن يكون أزلياً. وبهذا يظهر أن مفهوم الشرطية الماركسية غير مفهوم الاحتياج، ولكن يترتب على القول بالاشتراط أي بالشرطية الماركسية أن كل شيء في العالم محتاج وهذا يعني أنه ليس أزلياً قطعاً.وما دامت الماركسية تسلّم بأن كل شيء في الطبيعة محتاج وذلك بقولها بالشرطية، فإنه لا يبقى لإثبات كون الأشياء مخلوقة لخالق سوى إثبات أن احتياجها إنما هو لغيرها وليس لنفسها فحسب. فالاعتراف بكونها محتاجة اعتراف بأنها ليست أزلية فهو اعتراف بأنها مخلوقة ولا يبقى إلا إثبات أنها محتاجة لغيرها فيثبت أنها مخلوقة لخالق غيرها. واثبات ذلك في منتهى البساطة، فإن الأشياء حين احتاجت لبعضها أو على حد تعبيرهم حين كان الشيء مرتبطاً بغيره بصورة متقابلة وكان أحدهما شرطاً للآخر إنما كان ذلك وفق قوانين معينة ونسب معينة بحيث لا يؤثر أحدهما في الآخر إلا وفق هذه القوانين أو هذه النسب، ولا يمكن أن يخرج أي منهما عن هذه القوانين أو النسب فهي مفروضة عليهما فرضاً. وهذه القوانين ليست منهما ولا من أحدهما، إذ لو كانت من أحدهما لاستطاع أن يخرج عنها وان يغيرها، ولو كانت منهما لكانا قادرين باجتماعهما أن يخرجا عنها ويغيراها. ولكن الواقع أنهما خاضعان لها ومجبوران على السير بحسبها ويستحيل عليهما الخروج عنها أو تغييرها، فدل على أن غيرهما قد فرض عليهما هذه النسبة وفرض عليهما أن يسيرا بحسبها، فهما إذن محتاجان إلى غيرهما، أي أن الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة إلى غيرها. فالماء حتى يتحول إلى بخار يحتاج إلى نسبة معينة من الحرارة، وهذه النسبة ليست من الماء ولا من الحرارة، وإلا استطاع كل مهما أن يوجدها كما يشاء أو استطاعا معاً أن يوجداها كما يشاءان، ولما فرضت عليهما فرضاً. لكن الواقع أنه يستحيل عليهما الخروج على هذه النسبة فهي مفروضة عليهما فرضاً. فكونها مفروضة عليهما فرضاً معناه أنها جاءت من غيرهما. فيكون الماء والحرارة احتاج كل منهما واحتاجا معاً إلى هذه النسبة حتى يوجد منهما بخار، واحتاجا لمن يوجد لهما هذه النسبة حتى يتأتى توليد البخار، وهكذا جميع الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة إلى غيرها، وهذا يعني أنها مخلوقة لخالق غيرها. وهذا برهان مسكت، فإن كون الأشياء في مجموعها وكل شيء بمفرده محتاجاً إلى نسبة معينة أو وضع معين حتى يتشكل أو يحدث أي شيء أو يحدث فيه أي تغيير، أمر قطعي بالحس والمشاهدة ويسلم فيه جميع الناس. وكون هذه النسبة المعينة أو الوضع المعين لم يأت من الأشياء نفسها وإنما أتى من غيرها كذلك أمر قطعي بالحس والمشاهدة. وهذا يعني أن الأشياء في مجموعها وكل شيء بمفرده قد ثبت لها وصف الاحتياج لغيرها ثبوتاً قطعياً بالبرهان الحسي، وبذلك يكون قد ثبت أن الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة لغيرها قطعاً. وما دام قد ثبت أنها محتاجة لغيرها فإنه بذلك يكون قد ثبت أنها مخلوقة لخالق. لأن كونها محتاجة معناه أنها ليست أزلية، لأن الأزلي يستحيل أن يكون محتاجاً، إذ مجرد الاحتياج ينفي عنه الأزلية، وما دامت ليست أزلية فهي مخلوقة لخالق، فيكون قد ترتب على قول الماركسية بالشرطية في الطبيعة القول بأن الطبيعة محتاجة إلى غيرها، وهذا يعني أنها مخلوقة لخالق، وهو يعني أن القول بالشرطية يترتب عليه حتماً الاعتراف بوجود الخالق. وأنه وإن كان القول بأن جميع ما في العالم من أشياء وحوادث مرتبط بعضها ببعض ارتباطاً لا ينفصم قول خاطيء لأن هناك أشياء في الطبيعة مرتبطة بأشياء وغير مرتبطة بغيرها وهنا حوادث مرتبطة بحوادث وأشياء وغير مرتبطة بحوادث وأشياء غيرها، ولكن كون كل شيء محتاجاً هو أمر قطعي، واثبات صفة الاحتياج إليه كاف لإثبات أنه ليس أزلياً فهو مخلوق لخالق.ثالثها: أن ما قيل عن محدودية الكون وأزليته، أي ما قيل عن كون الكون محدوداً وليس أزلياً، ليس مبنياً على التعاريف وليس بحثاً لغوياً ولا هو بيان لقاموسية الكلمة. وإنما هو شرح لواقع محسوس. فليست المحدودية والأزلية اصطلاحاً وضع له تعريف اصطلاحي، ولا مدلولاً لكلمة وضع لها من اللغة لفظ يدل عليها، وإنما واقع معين كالبحث في الفكر سواء بسواء. فنحن حين نقول إن الكون محدود إنما نشير إلى واقع معين وهو كونه له بداية وله نهاية، فالبحث في هذا الواقع وليس في كلمة محدود. وكونه له بداية وله نهاية قد قام البرهان الحسي عليها، فيكون البرهان على واقع معين لا على معنى الكلمة لغوياً. أي أنه حين يقال أن الكون مجموع أجرام مهما تعددت، فالكون يتكون من هذه الأجرام، وكل جرم منها مهما بلغ عددها محدود، ومجموع المحدودات محدود بداهة فالكون محدود، حين يقال ذلك لا يقام البرهان على كلمة محدود، وإنما يقام البرهان على أن الكون له أول وله آخر، فيبتديء من نقطة وينتهي إلى نقطة. هذا الواقع هو الذي قام البرهان عليه، هذا الواقع سواء قيل عنه كلمة محدود في العربية أو قيل غيرها في الإنجليزية أو الفرنسية أو الروسية أو الألمانية هو الذي قام البرهان عليه، ولذلك كان القول بالمحدودية للكون وإقامة البرهان عليه ليس مبنياً على تعاريف ولا بحثاً لغوياً، ولا بياناً لقاموسية الكلمة، وإنما هو بيان لواقع وإقامة البرهان على واقع. وكذلك القول بأن الكون ليس أزلياً، وأن الأشياء المدركة المحسوسة ليست أزلية، ليس مبنياً على تعاريف، وليس بحثاً لغوياً ولا هو بيان لقاموسية الكلمة بل هو بيان لواقع، وإقامة البرهان على واقع. وكذلك القول بأن هذا أزلي ليس بياناً لكلمة الأزلي بوصفها لفظة، بل هو بيان لواقع، وإقامة البرهان على واقع، فهو بيان لما لا أول له، أي لما ليس له نقطة ابتدأ منها. هذا الواقع هو الأزلي. فالبحث إنما هو في هذا الواقع والبرهان إنما هو على أساس هذا الواقع، سواء قيل عنه كلمة أزلي بالعربية، أو قيل عنه غيرها بالإنجليزية والفرنسية والروسية والألمانية، فالكلام ليس في مدلول الكلمة اللغوي وإنما هو في واقع معين لا يختلف باختلاف التعابير التي تطلق عليه في اللغات. فإذا قيل أن المحدود ليس أزلياً لأن له أولاً والأزلي لا أول له لأن مدلول الأزلي أن لا أول له، إذا قيل ذلك لا يقال لشرح المدلول اللغوي للكلمة حتى يكون تعريفاً أو بحثاً لغوياً أو بياناً لقاموسية الكلمة، وإنما يقال ذلك لبيان واقع معين وهو الشيء الذي لا أول له. فواقع المحدود هو أن له أولاً وأن له آخراً، وواقع الأزلي هو ما ليس له أول، فيكون واقع المحدود غير واقع الأزلي. وهذا هو معنى قولنا أن المحدود ليس أزلياً، فيكون الكلام عن واقع معين لا عن مدلول الكلمة لغوياً.هذه هي الأمور الثلاثة التي لا بد من لفت النظر إليها عند دراسة البرهان على وجود الخالق أي على وجود الله، وإنما يلفت النظر إلى هذه الأمور الثلاثة لأن كون الكون والإنسان والحياة محدودة وليست أزلية أمر قطعي، والبرهان عليه برهان مسكت لا يترك جواباً عند أحد، فقد يلجأ بعضهم إلى القول بأن هذا بحث لغوي لمدلول الكلمات فلا يصح أن يكون برهاناً على وجود الخالق. فلا بد من بيان أنه بحث لواقع يثبت أن الكون والإنسان والحياة لها هذا الواقع وهو أن لها أولاً وأن لها آخراً، وأنها ليست مما لا أول له، فهي إذن مخلوقة لخالق. ولأن كون الأشياء المدركة المحسوسة محتاجة كذلك أمر قطعي، والبرهان عليه برهان مسكت لا يترك جواباً عند أحد، فقد يلجأ بعضهم إلى القول أن احتياجها أمر صحيح والشيوعيون يسلمون به حين يقولون بالشرطية، ولكنها محتاجة لبعضها فلا يصح أن يكون احتياجها لبعضها برهاناً على وجود الخالق. فلا بد من بيان أن الشرطية التي يقول بها الشيوعيون غير الاحتياج بدليل قولهم أن العالم يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة وهو ليس بحاجة لأي عقل كلي فهم مع قولهم بالاشتراط ينفون عن العالم أنه محتاج، فالشرطية التي يقولون بها هي غير الاحتياج ولكن يترتب على القول بها القول بالاحتياج، ومجرد القول بالاحتياج معناه اعتراف بأنه مخلوق، لأن كونه محتاجاً معناه أنه ليس أزلياً فهو مخلوق، وفوق ذلك فإن قوله أن العالم يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة معناه أنه محتاج لهذه القوانين، وهذه القوانين لم تأت من المادة نفسها لأن المادة خاضعة لهذه القوانين ولا تستطيع الخروج عنها ويستحيل عليها تغييرها فهي مفروضة عليها فرضاً لا تملك الخروج عنه أو تغييره فهو مفروض من غيرها فتكون المادة قد احتاجت من يضع لها هذه القوانين فاحتاجت إلى غيرها، فهي محتاجة، ومحتاجة إلى غيرها فهي مخلوقة، وهذا معناه اعتراف بأن العالم مخلوق، أي أن القول بالشرطية يترتب عليه الاعتراف بأن العالم مخلوق لخالق. وأيضاً لما كان كون العالم محتاجاً وعاجزاً عن إيجاد ما احتاج إليه أمراً قطعياً وكان البرهان عليه مسكتاً لا يترك جواباً عند أحد فقد يلجأ بعضهم إلى القول أن كون العالم مخلوقاً لا يعني أن هناك خالقاً فإن كون الوجود كله لا يخرج عن خالق ومخلوق فرض نظري، فلا يصح أن يكون برهاناً على وجود الخالق. لذلك كان لا بد من بيان أن كون الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق ليس فرضية وإنما هي حقيقة قطعية، لأن البرهان قام على أن العالم مخلوق لخالق، فيكون قد قام على وجود خالق لهذه المخلوقات، وبذلك كان البرهان برهاناً على أن الوجود لا يخرج عن خالق ومخلوق. ولذلك كله لا بد من لفت النظر إلى هذه الأمور الثلاثة.على أن وجود الخالق حقيقة ملموسة محسوسة يوضع الإصبع عليها، فالوجود للخالق يوضع الإصبع عليه بالحس وإدراكه إدراك حسي مباشر وليس إدراكاً من قضايا منطقية، بل الحس بهذا الوجود للخالق هو الذي يعطي هذا الإدراك كإدراك أي شيء محسوس. وليس معنى هذا أن الخالق محسوس ملموس بل وجود هذا الخالق هو المحسوس الملموس. والبرهان عليه في منتهى البساطة وإن كان أيضاً في منتهى التعقيد. أما كونه في منتهى البساطة فإن الإنسان يحيا في الكون فهو يشاهد في نفسه، وفي الحياة التي يحياها الأحياء، وفي كل شيء في الكون تغيراً دائماً وانتقالاً من حال إلى حال، ويشاهد وجود أشياء وانعدام أشياء، ويشاهد دقة وتنظيماً في كل ما يرى ويلمس فيصل من هذا عن طريق الإدراك الحسي إلى أن هناك موجداً لهذا الوجود المدرك المحسوس. وهذا أمر طبيعي جداً، فإن الإنسان يسمع دوياً، فيظن أنه دوي طائرة أو سيارة أو مطحنة أو أي شيء ولكن يوقن أنه دوي ناتج عن شيء فيوقن بوجود شيء خرج منه هذا الدوي، فكان وجود الشيء الذي نتج عنه الدوي أمراً قطعياً عند من سمعه. فقد قام البرهان الحسي على وجوده وهو برهان في منتهى البساطة، فيكون الاعتقاد بوجود شيء نتج عنه الدوي اعتقاداً جازماً قام البرهان القطعي عليه، ويكون هذا الاعتقاد أمراً طبيعياً ما دام البرهان الحسي قد قام عليه، وكذلك فإن الإنسان يشاهد التغير في الأشياء ويشاهد انعدام بعضها ووجود غيرها، ويشاهد الدقة والتنظيم فيها، ويشاهد أن كل ذلك ليس منها، وأنها عاجزة عن إيجاده وعاجزة عن دفعه، فيوقن أن هذا كله صادر عن غير هذه الأشياء، ويوقن بوجود خالق خلق هذه الأشياء وهو الذي يغيرها ويعدمها وينظمها، فكان وجود هذا الخالق الذي دل عليه وجود الأشياء وتغيرها وتنظيمها أمراً قطعياً عند من شاهد تغيرها ووجودها وانعدامها ودقة تنظيمها. فقد قام البرهان الحسي بالحس المباشر على وجوده وهو برهان في منتهى البساطة، فيكون الاعتقاد بوجود خالق لهذه الأشياء المخلوقة والتي تعدم وتتغير ولا تملك إيجاد ذلك لها ولا دفعه عنها اعتقاداً جازماً قام البرهان القطعي عليه. ولذلك كان من الطبيعي جداً أن من يشاهد الأشياء المدركة المحسوسة وما يحصل لها وفيها مما لا تستطيع إيجاده لها ولا دفعه عنها أن يصل من هذا عن طريق الإدراك الحسي إلى أن هناك موجداً لهذا الوجود المدرك المحسوس. وهذا أمر عام يشمل جميع البشر ولا يستثنى منه أحد مطلقاً. ولذلك كان الإقرار بوجود الخالق عاماً عند جميع بني الإنسان في جميع العصور، والخلاف بينهم إنما كان بتعدد الآلهة أو توحيدها، ولكنهم مجمعون على وجود الخالق، لأن أدنى إعمال للعقل فيما يحسه من الموجودات يري أنها مخلوقة لخالق وأن هناك خالقاً، لهذا كان البرهان بسيطاً في منتهى البساطة، لأنه لا يعدو لفت النظر إلى ما يقع عليه الحس من الموجودات. فإن مجرد النظر فيها مما لا تستطيع إيجاده لنفسها ولا دفعه عنها يوصل إلى أنها مخلوقة لخالق وإلى أن هناك خالقاً خلقها. ولذلك جاءت أكثر براهين القرآن لافتة النظر إلى ما يقع عليه حس الإنسان للاستدلال بذلك على وجود الخالق: (أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ( وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ( وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(، (فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ ( خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ(، (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ( أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ(، (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ( أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ(، (أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ( أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ(، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ(، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ( فهذه براهين قاطعة على وجود الخالق، فلينظر الإنسان إلى كيفية خلق الإبل، ورفع السماء، ونصب الجبال يدرك وجود الله، ولذلك فإن تيتوف رائد الفضاء الروسي حين قام برحلته الفضائية حول الأرض قال أنه رأى الأرض معلقة في الفضاء لا يمسكها شيء أبداً لا من فوقها ولا من تحتها ولا عن جوانبها فهي معلقة من نفسها هكذا في الفضاء دون أن يمسكها شيء وأنه تذكر ما تقوله الديانات. أي أنه استدل من هذه المشاهدة أنه لا يمكن للأرض أن تعلق هكذا في الفضاء لا يمسكها شيء وهو يدور حولها ولا يجد شيئاً يمسكها ومع ذلك هي معلقة ولا تسقط استدل من ذلك على أنه لا بد من شيء يمسكها ويمنعها من السقوط. فهذا برهان حسي شاهده تيتوف في الأرض، وهو أصدق البراهين مع كونه في منتهى البساطة. ومنه كذلك سؤال الإنسان عن خلقه من الماء الدافق، ومنه سؤال الناس عما يمنون وعما يحرثون وعما يوقدون، هل خلقوا الأولاد من هذا الذي يمنون، والزرع من هذا الذي يزرعون، والشجر الذي يوقدون. فجوابهم القطعي وهم يقطعون بأنهم ليسوا هم الموجدين هو أن هناك خالقاً خلقها غيرهم. ومنه أي من البرهان الحسي لفت نظر العقول إلى خلق السموات والأرض، وإلى اختلاف الليل والنهار، وإلى الفلك التي تجري في البحر، وإلى المطر، وإلى ما بث في الأرض من كل دابة، وإلى تصريف الرياح، وإلى السحاب، لتدرك هذه العقول من هذه المحسوسات أن هناك خالقاً. فكل هذه براهين قاطعة على وجود الخالق، وهي براهين مسكتة، وهي في منتهى البساطة يدركها جميع الناس ويسلم بها جميع الناس، ولا يجد أحد جواباً عليها. فوجود الخالق بهذه البراهين محسوس ملموس يوضع الإصبع عليه، وهي براهين في منتهى البساطة.وأما كون البرهان على وجود الخالق في منتهى التعقيد فذلك أن هناك أناساً من البشر يأبون البساطة ويعقدون على أنفسهم الأمور فيبحثون في هذا الأمر البسيط بشكل معقد، فيصلون إلى أشياء جديدة تعقد عليهم الأمور، ولذلك صار لا بد لهم من براهين على هذه الأمور الجديدة التي وصلوا إليها. فمن ذلك أن بعض الناس في العصر القديم رأوا أن العالم متغير بالمشاهدة والحس، وهذا أمر لا يستطيع أحد إنكاره، وهذا يعني أن العالم حادث لأن كل متغير حادث، وما دام حادثاً فهو مخلوق، أي وجد بعد أن لم يكن، ولكنهم رأوا أن تغيره إنما هو في أجزائه التي يتكون منها، أما هو ككل فرأوه كما هو، فالكواكب لا تزال كما هي كواكب لم تتغير، والحياة لا تزال في الأحياء هي الحياة لم تتغير والإنسان لا يزال هو الإنسان لم يتغير، فتوصلوا من ذلك إلى أن العالم ليس حادثاً وإنما هو قديم أزلي لا أول له فهو إذن ليس مخلوقاً لخالق. ومن ذلك أن بعض الناس في العصر الحديث رأوا أن حوادث العالم متعددة كما يشاهد ذلك بالحس فهي تنتقل من حال إلى حال، ونقلها هذا من حال إلى حال وجعلها في حركة دائمة ليس ناتجاً منها، فإنها بذاتها ومفردها لا تستطيع ذلك ولا تملك دفعه عنها. فكان الأمر الطبيعي أن يتوصلوا بذلك إلى وجود قوة تنقلها من حال إلى حال وتحركها، أي أن يتوصلوا إلى وجود خالق للعالم، ولكنهم توصلوا إلى عكس ذلك تماماً، إذ قالوا أن العالم بطبيعته مادي، وأن حوادث العالم المتعددة هي مظاهر مختلفة للمادة المتحركة، وأن العلاقات المتبادلة بين الحوادث، وتكييف بعضها بعضاً بصورة متبادلة، هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة، وأن العالم يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة، وتوصلوا من ذلك إلى أن العالم ليس بحاجة إلى عقل كلي، فليس بحاجة إلى خالق يخلقه، لأنه مستغن بنفسه. ومن هذا يتبين أنه في القديم والحديث لم يأت إنكار وجود الخالق طبيعياً وإنما جاء على مخالفة للأمر الطبيعي بتفسير ما يلزم بالاعتراف بوجود الخالق تفسيراً مغلوطاً يؤدي إلى إنكار وجوده. فبالنسبة للقديم نجد أن تغير العالم أمر لا يمكن إنكاره، والتغير ليس في أجزائه فحسب بل فيه أيضاً ككل غير أن التغير لا يعني أن حقيقته قد تغيرت، وإنما وضعه في تغير دائم، فالبرتقالة ونبتة الزرع والحجر والحديد والإنسان والحيوان وغير ذلك تتغير من حال إلى حال بالمشاهدة، ولكن تغيرها لا يعني أن البرتقالة تصبح حجراً والحجر يصبح حديداً والحديد يصبح نبتة زرع.. وهكذا.. وإنما التغير يكون بالصفات ويكون بالأحوال، وأما تغيره إلى شيء آخر فهو تبدل، والتبدل ليس هو البرهان وإنما البرهان هو وجود التغير، وبناء على هذا ليس صحيحاً أن العالم ككل لم يتغير، وليس صحيحاً أن الكواكب لا تزال كما هي لم تتغير وليس صحيحاً أن الإنسان كما هو لم يتغير، وليس صحيحاً أن الحياة كما هي لم تتغير. فالعالم في مجموعه بكل ما فيه من كون وإنسان وحياة يتغير، فالكواكب متغيرة بالمشاهدة ومجرد حركتها هو تغير، والإنسان متغير بالمشاهدة وانتقاله من طفل إلى شاب إلى هرم هو تغير، والحياة متغيرة بالمشاهدة وكونها تظهر في الإنسان والحيوان والنبتة والشجرة دليل على وجود التغير فيها فهي متغيرة حتماً، وبذلك ينقض ما ذهبوا إليه بأن العالم ليس حادثاً لأنه متغير ككل وكأجزاء بل هو دام التغير. وكل متغير حادث، فالعالم حادث وإذن هو ليس أزلياً، وما دام ليس أزلياً فهو مخلوق لخالق لأن غير الأزلي مخلوق.على أن كون العالم ليس أزلياً يكفي لإثباته ما يشاهد فيه من ربيع وصيف وشتاء وخريف، ومن تلبد غيوم وصفاء أجواء، ومن برق ورعود وريح عاصف ونسيم عليل، ومن موت وحياة، ومن انتقال الحبة إلى زرع وإلى هشيم، والغرسة إلى شجرة وإلى خشب وأحطاب، والماء إلى بخار أو جليد، ومن انتقال النطفة إلى جنين إلى طفل إلى شاب إلى شيخ هرم، والبيضة إلى كتكوت إلى دجاج إلى طعام يأكله الناس، وإلى غير ذلك مما يحدث في العالم ككل وما يحدث في كل جزء من أجزائه. فإن هذا كاف للبرهان على أن العالم حادث بوصفه كلاً، وأنه حادث بكل جزء من أجزائه، وكونه حادثاً يعني أنه ليس أزلياً، أي أن له أولاً قد ابتدأ منه، وهذا يعني أنه مخلوق لخالق. فكونه له ابتداء معناه أنه كان معدوماً ووجد، وكونه قد وجد من عدم يحتم أن له موجداً أوجده. وهذا كاف لإثبات وجود الخالق، لأن وجود مخلوق لخالق يعني حتماً وجود الخالق، وبذلك ينقض ما ذهب إليه بعض الناس في العصر القديم من أن العالم أزلي قديم، ويثبت أن العالم مخلوق لخالق، وبذلك يثبت وجود الخالق.وأما بالنسبة لما قال به بعضهم في العصر الحديث، أي بالنسبة لما قال به الشيوعيون، فإننا نجد أن موضع الإنكار عندهم هو أنهم يقولون إن العلاقات المتبادلة بين الحوادث، وتكييف بعضها بعضاً بصورة متقابلة، هي قوانين ضرورية لتطور المادة المتحركة، وأن العالم يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة. هذا هو موضع إنكار وجود الخالق عندهم. فالتعقيد جاء إليهم من تفسير ما في العالم من تغير وانتقال من حال إلى حال، وما فيه من وجود بعض الأشياء بعد أن لم تكن وانعدام بعض الأشياء بعد أن كانت، أو على حد تعبيرهم من تشكل المادة بأشكال مختلفة، من تفسير ذلك بأنه إنما يحدث من قوانين المادة وليس من شيء غيرها، فقوانين حركة المادة هي التي تؤثر في العالم، وهو يتطور تبعاً لقوانين حركة المادة. هذا هو موضع الإنكار، ولذلك كان المطلوب هو حل هذه العقدة عندهم، أي كان محل البحث هو قوانين المادة وليس تغير العالم. فإذا ثبت أن هذه القوانين لم تأت من المادة، ولا هي خاصة من خواصها، وإنما هي مفروضة على المادة فرضاً من غيرها ومن خارجها، فإنه يكون هناك غير المادة هو الذي يؤثر فيها، وبذلك تبطل نظريتهم وتحل العقدة عندهم، لأنه يكون العالم ليس سائراً تبعاً لقوانين حركة المادة، بل سائراً بتسيير من أوجد له هذه القوانين وفرضها عليه فرضاً، وأجبره على أن يسير بحسبها، فتنقض النظرية وتحل العقدة.أما كون هذه القوانين لم تأت من المادة فلأن القوانين هي عبارة عن جعل المادة في نسبة معينة أو وضع معين، فالماء حتى يتحول إلى بخار أو إلى جليد إنما يتحول حسب قوانين معينة، أي حسب نسبة معينة من الحرارة فإن حرارة الماء ليس لها في باديء الأمر تأثير في حالته من حيث هو سائل، لكن إذا زيدت أو أنقصت حرارة الماء جاءت لحظة تعدلت فيها حالة التماسك التي هو فيها وتحول الماء إلى بخار في إحدى الحالات وإلى جليد في الحالة الأخرى، فهذه النسبة المعينة من الحرارة هي القانون الذي بحسبه يجري تحول الماء إلى بخار أو إلى جليد، وهذه النسبة، أي كون الحرارة بمقدار معين لمقدار معين من الماء لم تأت من الماء، لأنه لو كانت منه لكان بإمكانه أن يغيرها وأن يخرج عنها، لكن الواقع أنه لا يستطيع تغييرها ولا الخروج عنها وإنما هي مفروضة عليه فرضاً فدل ذلك على أنها ليست منه قطعاً، وكذلك لم تأت من الحرارة، بدليل أنها لا تستطيع أن تغير هذه النسبة أو تخرج عنها، وأنها مفروضة عليها فرضاً، فهي ليست منها قطعاً، فتكون هذه القوانين ليست من المادة.وأما كون هذه القوانين ليست خاصية من خواص المادة، فلأن القوانين ليست أثراً من آثار المادة الناتجة عنها حتى يقال أنها من خواصها وإنما هي شيء مفروض عليها من خارجها. ففي تحول الماء ليست القوانين فيه من خواص الماء ولا من خواص الحرارة، لأن القانون ليس تحول الماء إلى بخار أو إلى جليد، بل القانون تحوله بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء. فالموضوع ليس التحول، وإنما هو التحول بنسبة معينة من الحرارة لنسبة معينة من الماء، فهو ليس كالرؤية في العين من خواصها، بل هو كون الرؤية لا تكون إلا بوضع مخصوص. هذا هو القانون، فكون العين ترى خاصية من خواصها، ولكن كونها لا ترى إلا في وضع مخصوص ليس خاصية من خواصها وإنما هو أمر خارج عنها، وكالنار من خواصها الإحراق، ولكن كونها لا تحرق إلا بأحوال مخصوصة ليس خاصية من خواصها بل هو أمر خارج عنها، فخاصية الشيء هي غير القوانين التي تسيره، إذ الخاصية هي ما يعطيه الشيء نفسه وينتج عنه كالرؤية في العين وكالإحراق في النار وما شاكل ذلك، ولكن القوانين التي تسيّر الأشياء هي كون الرؤية لا تحصل من العين إلا بأحوال مخصوصة وكون الإحراق لا يحصل من النار إلا بأحوال مخصوصة وكون الماء لا يتحول إلى بخار أو جليد إلا بأحوال مخصوصة.. وهكذا وبهذا ثبت أن قوانين المادة ليست خاصية من خواص المادة وإنما هي أمر خارج عنها.وبما أنه ثبت أن هذه القوانين ليست من المادة ولا خاصية من خواصها فتكون آتية من غيرها، ومفروضة عليها فرضاً من غيرها ومن خارجها، وبذلك يثبت أن غير المادة هو الذي يؤثر فيها، وبذلك يثبت بطلان نظرية الشيوعيين، لأنه ثبت أن العالم ليس سائراً تبعاً لقوانين حركة المادة بل هو سائر بتسيير من أوجد هذه القوانين وفرضها عليه فرضاً، فيكون العالم بحاجة لمن وضع له هذه القوانين وفرضها عليه. وما دام بحاجة إلى من فرض عليه هذه القوانين فهو أي العالم ليس أزلياً، وما دام ليس أزلياً فهو مخلوق. لأن كونه ليس أزلياً يعني أنه وجد بعد أن لم يكن فهو مخلوق لخالق، ومجرد ثبوت وجود المخلوقات لخالق يثبت وجود الخالق.هذه هي البراهين على وجود الخالق لإثبات وجوده لأولئك الذين عقدوا أنفسهم فتعقدت نظرتهم إلى العالم، وهي براهين مسكتة كافية لنقض نظريتهم. فإن إثبات أن المادة لا تملك السير إلا بحسب هذه القوانين، ولا تملك أن تغيرها أو تخرج عنها دليل ملزم بأن هناك غير المادة فرض عليها هذه القوانين فرضاً، فكانت المادة محتاجة إلى غيرها، فهي مخلوقة وليست أزلية، وبذلك يبطل أساس المادة الديالكتيكية وهو العقيدة الأساسية، ويبقى الكلام عن الطريقة الديالكتيكية من حيث النواحي التي تأخذها.

  • الثلاثاء PM 07:33
    2015-06-02
  • 3613
Powered by: GateGold