المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412343
يتصفح الموقع حاليا : 259

البحث

البحث

عرض المادة

لغات ولهجات وأزياء اليهود

تستخدم بعض المراجع الصهيونية اصطلاح«اللغات اليهودية » للإشارة إلى اللغات واللهجـات والرطانات التي يتحدث بها أعضاء الجماعات اليهودية في العالم.. ونحن نفضل العبارة الثانية على الأولى نظراً لمقدرتها التفسيرية العالية ولتأكيدها الوحدة وعدم التجانس في ذات الوقت.  

ولم يتحدث اليهود اللغة التي تُعرَف بالعبرية إلا لفـترة قصـيرة للغاية، فلغة الآبـاء (إبراهيم وإسحق ويعقوب) (٢١٠٠ - ١٢٠٠ ق.م) كانت لهجة سامية قريبة من العربيـة أو الآرامية، أما العبرية فكانت لهجة من اللهجات الكنعانية ولم يتخذها اليهود لساناً لهـم إلا بعـد إقامتهم في كنعان (ابتداءً من ١٢٥٠ ق.م). ويبدو أن العبرية قد اختفت بوصفها لغة الحـديث بين اليهود مع التهجير البابلي (٥٦٧ ق.م). وثمة نظرية تذهب إلى أن الآرامية (كانت لغـة المسئولين في بلاط ملوك مملكة يهودا الجنوبية). ورغم أنه بقي بعض اليهود فـي فلسـطين يتحدثون العبرية، إلا أن الآرامية حلت ً تماما محل العبرية نحو ٢٥٠ ق.م.  

أما اللغات التي كان يستخدمها أعضاء الجماعات اليهودية في تعاملهم مع الآخرين بعد انتشارهم في العالم، فكانت في معظم الأحيان لغة الوطن الذي استقروا فيه وانتمـوا إليـه، أو إحدى اللغات الدولية السائدة. فكان يهود بابل يتحدثون الآرامية، لغة التجارة الدوليـة والإدارة في الشرق الأدنى القديم. وكان يهود الإسكندرية في العصر الهيليني يتحدثون اليونانية، كما أن يهود فلسطين كانوا يتكلمون إما الآرامية أو اليونانية (جاء في العهد الجديد أن القديس بـولس تحدَّث للناس في فلسطين باليونانية ثم تحدَّث معهـم بالآراميـة بعـد ذلـك). وبعـد انقسـام الإمبراطورية الرومانية، كان يهود الإمبراطورية الشرقية يتحدثون لغة هذه الإمبراطورية، أي اليونانية (وظلوا يتحدثون بها حتى الفتح العثماني). أما يهود الإمبراطورية الغربية وأفريقيـا وغرب أوربا، فكانوا يتحدثون اللاتينية. ويبدو أن بعض يهود الإمبراطورية الإيرانيـة كـانوا يتحدثون باللهجات الفارسية المختلفة (ففي سفر إستير ورد أن أعضاء الجماعـات اليهوديـة كانوا يتحدثون بالفارسية مع الفرس بدون صعوبة)، وكان يهود العـالم العربـي يتحــدثون العربية، وهكـذا. وفي بعض الأحيان، كان أعضاء الجماعات اليهوديـة يسـتخدمون، فـي التعامل فيما بينهم، رطانات مُكوَّنة من لغة الوطن أو لغة المنشأ بعد أن يُدخلوا عليهـا بضـع كلمات ومصطلحات عبرية أو آرامية أو ألفاظاً من أية لغة أخرى كانوا يتحدثون بها في البلـد الذي كانوا فيه قبل هجرتهم. فيهود الأندلس، على سبيل المثال، كانوا يتحدثون رطانة تُسـمَّى  «العربية اليهودية»، ويهود إسبانيا كانوا يتحدثون اللادينو، وهي رطانـة إسـبانية (وسـيطة)  دخلت عليها بضع كلمات من العبرية والتركية واليونانية. أما يهود أوربـا الشـرقية، فكـانوا يتحدثون اليديشية، وهي رطانة ألمانية تحوَّلت في مرحلة لاحقة إلى ما يشـبه لغـة مسـتقلة للحديث والكتابة . وفي القرن السادس عشر، يبدو أن معظم يهود العالم كـانوا يتحـدثون إمـا اليديشية (في أوربا) أو اللادينو (في الدولة العثمانية). وكثيرا ما كـان أعضـاء الجماعـات اليهودية يستخدمون الحروف العبرية في كتابة هذه الرطانات في المعامـلات اليوميـة، مثل الفواتير التجارية أو غير ذلك من أمور الدنيا. ولم يكتب أعضاء الجماعـات اليهوديـة بهـذه الرطانات أدباً ذا بال، لا في الماضي ولا في العصر الحديث. وربما يمكن استثناء اليديشية من ذلك، فنظراً لأنها عمرت طويلاً (نسبياً) وأصبحت، مع القرن التاسع عشر، لغة مستقلة يتحدث بها معظم يهود العالم الغربي الذين كانوا مُركَّزين في روسيا وبولندا، فكُتب بهـا أدب شـعبي للنساء والعامة في بادئ الأمر، ثم كُتبت بها أعمال أدبية بعضها يرقى إلى مسـتوى الأعمـال الجادة. ولكن هذه المرحلة دامت فترة قصيرة للغاية بسبب اختفاء اليديشية.  

وفي محاولة لتفسير وجود لغة أو رطانة أو لهجة خاصة بأعضاء الجماعات اليهودية، يمكن القول بأن ً كثيرا من الجماعات اليهودية شكلت جماعات وظيفية وسيطة تضطلع بـدور التجارة والربا والأعمال الشبيهة الأخرى، ومثل هذه الجماعات كانت فـي العـادة تربطهـا بالمجتمع علاقة موضوعية، الأمر الذي تطلَّب خَلْق مسافة بينها وبين المجتمع. واللغة الخاصة تزيد من غربة الجماعة الوظيفية وتزيد تجردها وتحتفظ لها بعزلتها وهو ما يُيسِّر اضطلاعها بدورها الخاص في المجتمع، فجماعات الغـجر تتحدث لغة خاصـة بهـم تماماً كمـا كـان المما يل ك يتحدثون الشركسية.  

أما بالنسبة للغة التأليف الديني، فقد كُتب العهد القديم كُتب بعبرية قديمة اختفت كلغـة مُستخدَمة بعد التهجير البابلي، ولذا نجد أن لغة التلمود هي الآرامية بالأساس. ومع هذا، ظلت العبرية لغة المؤلفات الدينية في معظم الأحيان وليس كلها، فوضع هليل وشـماي مؤلفاتهمـا بالعبرية، في حين وضع المفكرون اليهود، في الإسكندرية في العصـر الهيلينـي، مؤلفـاتهم الدينية والدنيوية باليونانية وكان موسى بن ميمون يكتب بالعربية، أما راشـي فكـان يكتـب بالعبرية، وكُتب معظم أدب القبَّالاه الصوفي بالآرامية. وظل هذا الوضع قائماً حتـى القـرن التاسع عشر، حين بدأ المفكرون اليهود يضعون مؤلفاتهم الدينية بلغة الـوطن الأم وحسـب. فكتب موسى مندلسون بالألمانية، وكذا مارتن بوبر وكل المفكرين اليهود الإصلاحيين. ويكتب كثير من المفكرين اليهود الآن، مثل جيكوب نيوزنر في الولايات المتحدة، مؤلفـاتهم الدينيـة باللغة الإنجليزية . بل إن لغة الصلاة عند اليهود الإصلاحيين والمحافظين والتجديديين أصبحت الإنجليزية، ولا يستخدم العبرية سوى الأرثوذكس.  

وفيما يتعلق بالكتابات التي تقع خارج نطاق التفكير الديني من أدب وفلسـفة وعلـم، والتي قام بوضعها مؤلفون يهود، وهم قلة نادرة حتى القرن التاسع عشر، فقد كانت اللغة منـذ البداية لغة الوطن الأم. ففيلون السكندري وضع مؤلفاته باليونانية، وموسى بن ميمـون كـان يستخدم العربية، وكذلك كان معظم الشعراء اليهود في الأندلس. أما في العصور الوسطى في الغرب، فلم يظهر مؤلفون يهود يُعتد بهم حتى القرن السابع عشر حيث ظهر إسبينوزا، المنشق على اليهودية، الذي كتب مؤلفاته باللاتينية شأنه شأن كثير من الكُتَّاب الغربيين في عصره.  

وغني عن البيان أن المؤلفات غير الدينية للمؤلفين من أعضاء الجماعـات اليهوديـة تُكتب كلها في الوقت الحاضر بلغة الوطن الذي يعيشون في كنفه. فيعقوب صـنوع (الكاتـب المصري اليهودي) كتب بالعربية، وهـايني ومـاركس بالألمانيـة، وبروسـت بالفرنسـية، ودزرائيلي وسول بيلو بالإنجليزية، بل إن معظم كلاسيكيات الفكر الصهيوني كُتبت بالألمانيـة أو الإنجليزية. وكان هرتزل لا يعرف العبرية ولا أبجديتها، لكنه حاول في المؤتمر الصهيوني الأول ( ١٨٩٧ (أن يُدخل البهجة على قلوب الحاخامات الأرثوذكس فنطـق بـبعض كلمـات عبرية كُتبت له بالأبجدية اللاتينية، وكتب فيما بعد (في مذكراته) ملاحظـة يقـول فيهـا: "إن محاولتي هذه سببت لي مشقة كبيرة تفوق كل متاعبي في الإعداد للمؤتمر". وكـان هرتـزل ونوردو وكثير من المفكرين الصهاينة الأوائل، لا يؤمنون بوجود ما يُسمَّى «الثقافة اليهودية».  وقد سخر هرتزل من هذا المفهوم بصوت عال حينما طُرح لأول مرة في أحد المؤتمرات. ولم يكن هرتزل يتصوَّر أن تكون العبرية هي لغة الوطن القومي الذي يقترحه، إذ كان يـرى أن كل مستوطن يهودي سيتحدث بلغته. وقد نشبت في السنين الأولي من الاستيطان حرب سُمِّيت «معركة اللغة» بين دعاة استخدام الألمانية من أتباع الاستعمار الألماني ودعاة استخدام العبرية من يهود شرق أوربا التابعين للاستعمار الإنجليزي.  

واللغة الأساسية ليهود العالم الآن هي الإنجليزية التي يتحدث بها يهــود الولايـات المتحـدة وكندا وإنجلترا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا، وهـؤلاء يشـكلون الأغلبيـة العظمى من يهود العالم (وهذا يعود إلى ارتباط الجماعات اليهوديـة فـي العصـر الحـديث بالتشكيل الاستعماري الاستيطاني الغربي بشكل عـام، والأنجلـو ساكسـوني علـى وجـه الخصوص)، ثم تأتي العـبرية (لغـة يهـود إسـرائيل ) في المرتبــة التالية، أما اليديشـية فقد اختفت تماماً ً تقريبا في الولايات المتحدة، وهي آخذة في الاختفاء في روسيا. ولم يَعُد هناك أثر اللادينو.  

ويُقال إن تعدد لغات الجماعات اليهودية في شرق أوربا كان سبباً أساسياً فـي أزمـة الهوية التي جابهوها، فقد كانت لغتهم المقدَّسة هي العبرية، ولغتهم القانونية هي الآرامية (لغة التلمود)، ولغة الحديث هي اليديشية، ولغة المثل الأعلى الاندماجي هي الألمانية أو البولندية أو الروسية وأحياناً الأوكرانية، ولغة المثل الأعلى الصهيوني هي العبرية (كلغة حديث لا كلغـة عبادة). وكان يقابل هذه الانقسامات اللغوية انقسام طبقي واجتمـاعي. وسـاعدت كـل هـذه الانقسامات على تصعيد الأزمة.  

ومع بدايات العصر الحديث وخروج اليهود من الجيتو، وبعد تحديثهم وزوال تميُّـزهم الوظيفي، بدأت تختفي هذه الرطانات إذ طالبت الدولة القومية الحديثة أعضاء الأقليـات بـأن يكون انتماؤهم القومي لأوطانهم كاملاً. وتعرضت اليديشية بالذات لهجوم شديد، خصوصاً أن التجار اليهود كانوا يستخدمونها، وهو ما كان يُسهِّل لهم غش الآخرين. وتظل الصورة اللغوية العامة بالنسبة لأعضاء الجماعات اليهودية في العالم، وفيما يختص بالحديث ولغة المعـاملات اليومية، هي أنهم يتحدثون من ناحية الأساس لغة الموطن الذي كانوا يعيشون في كنفه.  

  

أزياء اليهود

  

يستمد أعضاء الجماعات اليهودية خطابهم الحضاري وعاداتهم وتقاليدهم من المجتمعات التـي يعيشون بين ظهرانيها، وهذا يتضح في كثير من الظواهر مثـل: الأزيـاء التـي يرتـدونها، والأطعمة التي يتناولونها، واللهجات التي يتحدثون بها. خذ، على سبيل المثال، الأزياء. ابتداءً لا يمكن الحديث عن «أزياء يهودية»، وإنما يمكن الحديث عن الأزياء والملابس والثياب التي يرتديها أعضاء الجماعات اليهودية المتعددة والتي تختلف باختلاف المجتمعات التي يعيشـون في كنفها، ومن ثم يكون اصطلاح «أزياء الجماعات اليهودية» أكثر دقة وأعلى قـدرة علـى التفسير والتصنيف، فالذي يحدِّد السمات الأساسية لهذه الأزياء المجتمعات التي يعيش أعضاء الجماعات اليهودية في كنفها. ولا يمكن فهم تحولات وتطوُّر أزياء أعضاء هذه الجماعات إلا في هذا الإطار، وهو أمر طبيعي تماماً. فالأزياء، شأنها شأن اللغـة، رمـوز اجتماعيـة لا يبتدعها المرء وإنما يتلقاها من المجتمع، وقد يحاول التغيير في بعض التفاصيل (وحينئـذ قـد يوصف بالأصالة أو بالشذوذ)، لكن الأزياء في نهاية الأمر لغة اجتماعية. وقد كان العبرانيون في مصر يرتدون (علي ما يبدو) أزياء قدماء المصريين، كما ارتدوا أزياء البابليين ثم الفرس وهم في بابل وفارس، وأزياء اليونان والرومان إبان حكم الإمبراطوريات الهيلينية والرومانيةولم يختلف زي اليهود المستعربة عن أزياء العرب. ولا نرى يهود الدولة العثمانية يرتـدون سوى الزي السائد في زمانهم ومكانهم. وحينما بدأ العثمانيون يرتـدون الطربـوش ارتـدوه، وعندما تخلوا عنه واستعملوا الأزياء الغربية تحولوا بتحـوُّلهم. ويرتـدي يهود الهــند، من الذكور والإناث، الأزياء الهندية المعروفة، كما ارتدى يهود الصين أزياء أهل بلدهم.  

ومع هذا، لابد من الإشارة إلى أن أعضاء الجماعات اليهودية، شأنهم شأن الأقليـات والجماعات الدينية والإثنية الأخرى قبل العصر الحديث، لهم بعض الثياب المميَّزة المرتبطـة بشعائر دينهم وأعيادهم ومناسباتهم التي لا يشاركون فيها أعضاء الأغلبية. فعلى سبيل المثال، يرتدي أعضاء الجماعة اليهودية من المتدينين (أي الغالبية الساحقة من اليهود حتـى أواخـر القرن الثامن عشر، وأقلية صغيرة للغاية في العصر الحديث) شال الصلاة (طاليت) وهم فـي طريقهم إلى المعبد يوم السبت، ويرتدي بعضهم شال صلاة ً صغيرا تحت ملابسه طيلة الوقت، وإن كانت أغلبية يهود العالم هجرت هذه الممارسات الدينية. وحيث إن قـوانين المجتمعـات التقليدية كانت مبنية على الفصل الحاد بين الطبقات والجماعات، فإن الأزياء كانـت تُسـتخدَم وسيلةً لتدعيم هذا الفصل، فلا يرتدي الفرسان زي الفلاحين، ولا يرتدي هؤلاء زي التجـار، وهكذا. ولأن أعضاء الجماعة اليهودية كانوا يتركزون عادةً في مهنة واحدة مثل التجارة، فقد كانوا يرتدون زي أهل هذه المهنة حينما يتطلب الأمر اشتغالهم بها. كما أن انتماء الفرد فـي تلك المجتمعات إلى إحدى الأقليات، خصوصاً إذا كانت الأقليـة مـن الجماعـات الوظيفيـة الوسيطة، كانت تصحبه مجموعة من المزايا والأعباء كما كان الحال في العصور الوسطى في الغرب، إذ كان لابد من ارتداء شارة تميِّزه عن الآخرين. ومن هنا، وُجـدت شـارة اليهـود المميَّزة التي كانت تُعَدُّ ميزة يحصلون عليها ويسعون من أجلها، فهـي تَكفُـل لهـم الحمايـة وتضمن لهم الإعفاء من جمارك المرور على سبيل المثال. ولكن أحياناً كان يُفـرَض علـى اليهود في العالم الغربي، وعلى غيرهم من أعضاء الأقليات، زي محدَّد لضمان الأمن الداخلي أو كمحاولة للحد من نشاطهم وتضييق الخناق عليهم، خصوصاً حينما يصـبح المجتمـع بـلا حاجة إليهم. ولكنه، في جميع الحالات، لم يكن هناك زي واحد يُفرَض على اليهود فـي كـل زمان ومكان، بل كانت هناك أزياء مختلفة ومتعددة بـاختلاف وتعـدُّد الأمـاكن والمراحـل التاريخية والظروف الاجتماعية والسياسية.  

وإذا كنا قد شبَّهنا الأزياء باللغة، فإن بوسعنا الآن أن نشبه أزياء أعضـاء الجماعـات اليهودية باللهجات التي يتحدثون بها. فلهجات أعضاء الجماعة اليهودية تنبثق مـن لغـة مـا يتبنونها ثم يضيفون إليها بعض العبارات العبرية، ويستمرون في اسـتخدامها حتـى بعـد أن تتطور اللغة الأصلية، كما حدث مع اليديشية التي هي عبارة عن ألمانية العصـور الوسـطى نقلها اليهود إلى بولندا واستمروا في استخدامها كما هي (مع أنها تطورت في وطنها الأصلي)  وأضافوا إليها كلمات سلافية وعبرية.  

وعلى سبيل المثال، فإن الزي الذي يُسمَّى «الكسوة الكبرى»، وهـو رداء العـروس اليهودية في المغرب، يضم عناصر من أزياء إسبانيا كان أعضاء الجماعة اليهودية قد تبنوهـا قبل طردهم منها وأضافوا إليها عناصر من أزياء المغرب. وحدث تطـوُّر مماثل في أزيـاء يهود شرق أوربا، فهم يرتدون رداءً طويلاً مصنوعاً من الحرير ذا أكمام طويلة ومفتوحاً من الأمام حيث يُثبَّت بحزام في الوسط ويُسمَّى «كفتان» (من الكلمة العربية «قفطـان»). وكـان النبلاء البولنديون يرتدونه. ويبدو أن هؤلاء بدورهم كانوا قد نقلوه من الزى الرسـمي لـدى المغول في القبيلة الذهبية والتي كانت تمثل القوة العظمى في أوربا السلافية. وتطوَّر الكفتـان بعد ذلك وأصبح ما يُسمَّى «كابوت». وقد تبنَّى يهود شرق أوربا، إلى جانـب ذلـك، بعـض العناصر الأخرى من رداء النبلاء البولنديين، حيث كان اليهود يشكلون جماعة وظيفية وسيطة تمثل مصالح هؤلاء النبلاء في أوكرانيا وغيرها من الأماكن. ومن أهم هذه العناصـر قبعـة اليرمولك، وهو غطاء الرأس الصغير الذي أصبح السمة المميِّزة لأعضاء الجماعة اليهوديـة من المتدينين، بل ويرتديه غير المتدينين كذلك باعتباره طقساً مـن طقـوس حفـاظهم علـى هويتهم. ومن الملامح المميِّزة أيضاً لـرداء يهـود شـرق أوربـا قبعـة خارجيـة تُسـمَّى «الشترايميل». ومن الواضح أنها من أصول سلافية، فهي قبعة ثُبِّت في طرفها ذيول ثعالـب، وكانت كثرة عدد الذيول من علامات الثروة. ويذهب آرثر كوستلر إلى أن هذه القبعـة كـان يرتديها يهود الخزر وأنهم نقلوها عن قبائل الكازاك.  

أما النساء، فقد كن حتى منتصف القرن التاسع عشر يرتدين عمامة عالية بيضاء كانت نسخة طبق الأصل من «الجولوك» التي كانت تلبسها نساء الكـازاك والتركمـان. ومازالـت الفتيات اليهوديات الأرثوذكسيات ملزمات، حتى اليوم، بأن يضعن عوضاً عن العمامة البيضاء العالية شعراً مستعاراً من شعورهن ذاتها، ثم ينزعنه عندما يتزوجن.  

وقد احتفظ يهود شرق أوربا بهذا الزي بتنويعاته المختلفة. وبقيت لهذا الزي المميَّـز وظيفته في مجال عَزْل أعضاء الجماعة اليهودية الوظيفية الوسيطة عن محيطهم (إلى جانـب الرموز والأشكال الأخرى مثل اللهجة المميَّزة والعقيدة المختلفة). ولكن، مع التحولات العميقة في وسط أوربا وشرقها، ورغبة الدولة القومية المركزية في إنهاء عزلة اليهود وغيرهم مـن الجماعات والأقليات، طُلب إلى أعضاء الجماعة اليهودية التخلي عن هذا الزي وارتداء الأزياء الغربية، وصدرت قوانين تُحرِّم ارتداء أزياء خاصة بالجماعات اليهودية. لكن أعضاء الجماعة اليهودية رفضوا هذا التغيير القسري في بادئ الأمر، قبل أن يندمجوا في نهاية المطـاف. ولا يحافظ على زي يهـود شـرق أوربا سوى الجماعات الحسيدية، وهم قلة صغيرة.  

ومنذ عام ١٨٨١ وحتى عام ١٩٣٥ ،اشتغل كثير من اليهود في تجارة الرقيق الأبيض المشينة، وكان القوادون يرتدون الكفتان حتى أصبح الكفتان والبغاء مرتبطين تمام الارتباط في الذهن الشعبي في الغرب.  

وفي الوقت الحاضر، ترتدي الغالبية الساحقة من أعضاء الجماعات اليهودية في العالم الأزياء السائدة في مجتمعاتهم ويتبعون آخر الموضات، إن سمح لهم دخلهم بذلك، وهم في هذا لا يختلفون عن معظم البشر في القرن العشرين.  

أما في الدولة الصهيونية، فلم يُلاحَظ ظهور زي إسرائيلي أو يهودي خاص، وإن كان يُلاحَظ أنهم يرتدون الصندل (حتى أصبح إحدى العلامات المميِّزة لجيـل الصـابرا). ولكـن ارتداء الصندل ليس تعبيراً عن هوية يهودية كامنة أو عن أي شيء من هذا القبيل، وإنما هـو تعبير عن حرارة الجو في الشرق الأوسط، ومن ثم نجد أن الصندل منتشـر فـي كـل دول المنطقة! كما يُلاحَظ أن المضيفات في خطوط العال الإسرائيلية يرتدين زياً قريباً جداً من زي الفلاحات الفلسطينيات!  

ولا يُوجَد زي خاص وموحَّد للحاخامات. فحاخامات يهود فرنسا يرتدون زي الوعاظ الهيجونوت، أما في إنجلترا فبعضهم يرتدي زي قساوسة الكنيسة الإنجليكانية، وفي الولايـات المتحدة يرتدون الزي الغربي العادي، شأنهم في هذا شأن الوعاظ في كنـائس البروتسـتانت، وفي الدولة العثمانية كان الحاخامات يرتدون زي الشيوخ أي جُبّة وقفطاناً وعنترية وعمامة.  

  • الخميس PM 03:48
    2022-08-18
  • 706
Powered by: GateGold