المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413797
يتصفح الموقع حاليا : 331

البحث

البحث

عرض المادة

شعب يهودي أم جماعات يهودية؟

يحاول الصهاينة فرض مفهوم الوحدة اليهودية علـى واقـع أعضـاء الجماعـات اليهوديـة وتواريخهم وانتماءاتهم المتباينة، وهذا ما يفعله أيضاً المعادون لليهود واليهودية. ويتضح هذا، على سبيل المثال، من التأمل في الدلالات المختلفة لمصطلح بسيط مثل "اليهود"، وهو مصطلح خلافي يخبئ تحيزات مختلفة.  

وقد نجح الصهاينة في ترسيخ مفهوم "الوحدة اليهودية" في وجـدان معظـم البـاحثين بحيث أصبحوا يتصورون أن مصطلح "يهودي" (بشكل عام ومطلق) مصطلح محدد المعنـى، رغم أن كلمة يهودي هي من أكثر الدوال إشكالية رغم بساطتها. فكلمة "يهـودي" يمكـن أن تُستخدم للإشارة إلى العبرانيين القدامى باعتبارهم جماعة عرقية أو إثنية (قوم) أو باعتبـارهم جماعة دينية (شعب مختار) كما تستخدم الكلمة للإشارة إلى اليهـود الحاخـاميين والقـرائين والسامريين ويهود الصين وإثيوبيا.  

ويُشار إلى اليهود باعتبارهم شعباً مقدساً في التراثين الدينيين المسـيحي واليهـودي.  وبعد ظهور العلمانية أصبحوا شعباً عضوياً يشار إليهم بوصفهم "الشعب اليهودي "، أو بالمعنى اللاديني مجرد "اليهود" (بالإنجليزية: جوري Jewry) ويُشار إلى السفارد والإشكناز والصابرا ويهود الولايات المتحدة على أنهم يهود، وتزداد الأمور اختلاطاً حـين يُسـتخدم المصـطلح للإشارة إلى يهود العالم وإلى صهاينة العالم والمستوطنين الصـهاينة فـي إسـرائيل. ولعـل المصدر الأساسي لهذا الخلط هو التراث الإنجيلي الذي يتحدث دائما عن اليهود ككل باعتبارهم الشعب، وهي طريقة للرؤية ورثها العالم الغربي ككل، ولهذا نجـد أن المحايـدين العلميـين والمعادين لليهود والصهاينة المتحيزين كلهم يتحدثون عن اليهود ككيانٍ متجانس.  

وغني عن القول إن استخدام الدال يهودي بهذه الطريقة يجعله عديم الفائدة، إذ يشـير إلى حقل دلالي متضارب ومدلولات مختلفة، وهو الأمر الذي يتجلى من خلال دراسة الحقـل الدلالي لبعض المصطلحات السائدة للإشارة إلى اليهود، ومن بينها:  

  • "اليهود بوصفهم كلاً متماسكا ً"

وهي ترجمتنا للكلمة الإنجليزية "جوري Jewry "والتي كانت تستخدم أصـلاً للإشـارة إلـى الجيتو أو الشارع أو الحي الذي يسكنه اليهود، وهي تشير إلى اليهود من حيث هم كل متماسك لا من حيث هم جماعات شتي لكل منها انتماؤها العرقي أو الإثني أو الحضاري وتضـم فـي صفوفها أعضاء يهوداً لكلٍّ طموحاته وتصوراته الخاصة به. وتفترض الكلمة أن هناك علاقة عضوية بين أعضاء الجماعات اليهودية في العالم، وأنهم يخضعون للحركيات التاريخية نفسها التي تجب الانتماءات المختلفة والتناقضات الكامنة والظاهرة.  

ويحبذ الصهاينة استخدام هذا المصطلح لأنه يعبر عن رؤيتهم ونموذجهم التفسـيري، وهذا المصطلح لا يختلف كثيراً في تضميناته عن مصطلحات مثـل "الشـعب اليهـودي" أو "الشعب العضوي" فهي جميعاً تشير إلى كل عضوي متماسك.  

  • "الشعب اليهودي"

وهي عبارة تفترض أن اليهود شعب واحد بالمعني القومي أو العرقي للكلمة، كما تفترض أن لديهم قوميتهم اليهودية المستقلة وهو أمر يتنافى مع الواقع التاريخي كمـا بينـا فـي تحليلنـا المصطلحي.  

  • "الشعب"

وهي كلمة تتواتر في الأدبيات الدينية اليهودية والمسيحية وفي الدراسـات الدنيويـة أيضـاً.  ويختلف معنى الكلمة في السياق الديني عنه في السياق الدنيوي والتاريخي، فهي في السـياق الديني تعني "جماعة دينية" ترتبط بميثاق مع الإله وتنتفي عنها صفة الشـعب بعـدم تنفيـذها العهد، وهذا الشعب قد يرى نفسه شعباً مختاراً أو شعباً مقدساً أو أمة الروح أو الأمة المقدسة أو الشعب الأزلي أو المفضل على العالمين، ومن أسمائه "بنو يسرائيل" و"شعب يسرائيل".  

أما في السياق الدنيوي فالأمر أكثر تركيباً، حيث يعني "الشـعب" مجموعـة القبائـل العبرانية التي تسللت إلى كنعان ثم اتحدت في المملكة العبرانية المتحدة ثم انفكت إلى مملكتين المملكة الشمالية والمملكة الجنوبية، وقد اعتبره اليونـانيون والرومـان "إثنـوس "، أي ً قومـا يترأسهم رئيس القوم (إثنآرخ) ثم تحولوا إلى جماعات يهودية مختلفة منتشرة. وفـي العصـر الحديث عاد الحديث بين الصهاينة عن "الشعب اليهودي" أو "الشعب العضوي (فولك)".  

  • "الشعبان"

وهو مصطلح صهيوني جديد يشير إلى كل من الشعب الفلسطيني و"الشـعب الإسـرائيلي" أو "اليهودي". وهذا المصطلح يتضمن شكلاً من أشكال الاعتراف بوجود شعب فلسطيني وبالتالي حقوق فلسطينية في أرض فلسطين (إرتس يسرائيل في المصطلح الصهيوني)، ولكنـه يؤكـد أيضاً وجود شعب يهودي له حقوق في فلسطين المحتلة قبل عام ١٩٤٨ ،كما يتضمن شـكلاً من أشكال التكافؤ بين الفلسطينيين والمستوطنين الصهاينة وشكلاً من أشـكال المسـاواة فـي الحقوق، وكأن الغزاة الصهاينة لا يختلفون عن السكان الأصليين، فمصطلح "الشعبين" يضـفي شرعية على عملية الغزو الصهيوني.  

  • الجماعات اليهودية

وهو المصطلح الذي نقترحه بدلاً من مصطلح "اليهود". ونحـن نـذهب إلـى أن العبـرانيين (والعبرانيين اليهود)، أي اليهود القدامى، كانوا يشكلون وحدة ثقافية وإثنية تتسـم بقـدر مـن التماسك والتجانس والوحدة، ولكن مع انتشار اليهود في أرجاء العالم في مجتمعات مختلفة لكلٍّ تقاليدها الحضارية والدينية وتواريخها تفاعل اليهود مع هذه التقاليـد والتـواريخ وخضـعوا لمؤثراتها شأنهم شأن كل الأقليات والبشر، وقد بدأت عملية الانتشار مع التهجير البابلي، ولكن وتيرتها تصاعدت مع ظهور الحضارة الهيلينية والرومانية، واكتملت عملية الانتشار والتفـرق مع هدم الهيكل في عام ٧٠م على يد تيتوس وكذلك سقوط العبادة القربانية المركزيـة وأيـة سلطة دينية مركزية يهودية، وقد تحول اليهود نتيجة هذه العملية إلى جماعات مختلفة متفرقـة غير متجانسة. ونحن نفضل استخدام مصطلح جماعات يهودية علـى مصـطلح يهـود، لأن المصطلح الأخير يؤكد التماسك والتجانس والوحدة حيث لا تماسك ولا تجانس ولا وحدة.  

ولفهم سلوك هذه الجماعات وحركتها ومصيرها لابد مـن العـودة إلـى التشـكيلات الحضارية التاريخية التي كانوا يوجدون فيها لا إلى جوهر يهودي يتجاوز الزمـان والمكـان ويشكل وحدتها الجوهرية، أو إلى تاريخ يهودي يتطور حسب قوانينه الداخلية ويتطور اليهود في إطاره منعزلين عن تواريخ الجماعات التي يعيشون بين ظهرانيها.  

إن مشاكل الجماعات اليهودية متنوعة ونابعة من وجودها في مجتمعات مختلفـة ذات مستويات مختلفة من التقدم والتخلف، واستخدام اصطلاح يهود على إطلاقه لن يساعد ً كثيـرا على التحليل والتفسير، ومن ثم نرى أن كلا من العقيدة اليهودية والهوية اليهودية هما في واقع الأمر عقائد وهويات تأخذ شكل تركيب تراكمي جيولوجي يحوي داخله طبقات غير متجانسـة تعيش بعضها فوق بعض، وإذا ما أطلقنا على هذا اسم "يهود" و"يهودية" لكان في الأمر تعسف ولي لعنق الواقع، ولذلك فنحن نشير إلى العقائد وإلى الجماعات اليهودية بحيث تؤكـد كلمـة جماعات على استقلال كل جماعة وعلى خضوعها لحركيات تاريخية وحضارية مختلفة.  

  • الخميس PM 03:32
    2022-08-18
  • 772
Powered by: GateGold