مَنِ القادِرُ عَلَى التَّمييزِ بَينَ "الأَحوَالِ الرَّحمانِيَّةِ" وَ "الأَحوَالِ الشَّيطَانِيَّةِ"؟ - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 442563
يتصفح الموقع حاليا : 101

البحث

البحث

عرض المادة

مَنِ القادِرُ عَلَى التَّمييزِ بَينَ "الأَحوَالِ الرَّحمانِيَّةِ" وَ "الأَحوَالِ الشَّيطَانِيَّةِ"؟

يتمكن إبليس من الإنسان على قدر حظه من العلم، فكلما قَلَّ علمه، اشتد تَمَكُّنُ إبليسَ منه، وكلما كثر العلم، قل تَمكُّنُهُ منه؛ ولذلك لا تشتبه "الكرامة الرحمانية" بالحال "الشيطانية" إلا عند الجُهَّال، وأهل الأهواء، بخلاف أهل العلم والبصيرة.

قال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه تَعَالَى-: "فإذا كان العبد من هؤلاء فَرَّقَ بين حال أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، كما يُفَرِّقُ الصيرفي بين الدرهم الجيد والدرهم الزيف، وكما يُفَرِّقُ من يعرف الخيل بين الفرس الجيد والفرس الرديء، وكما يُفَرِّقُ من يعرف الفروسية بين الشجاع والجبان، وكما أنه يجب الفرق بين النبي الصادق وبين المتنبي الكذَّاب، فَيُفَرَّقُ بين محمدٍ الصادق الأمين رسولِ ربِّ العالمين، وموسى، والمسيح، وغيرهم، وبين مسيلمة الكذَّاب، والأسود العنسي، وطلحة الأسدي، والحارث الدمشقي، وباباه الرومي، وغيرهم من الكذَّابين، وكذلك يُفَرِّقُ بين أولياء اللَّه المتقين، وأولياء الشيطان الضالين" (1). اهـ.

وقال ابن الجوزي -رحمه اللَّه-:

"ومن العُبَّاد من يرى ضوءًا أو نورًا في السماء، فإن كان في رمضان، قال: (رأيت ليلة القدر)، وإن كان في غيره قال: (فُتِحَتْ لي أبوابُ السماء)، وقد يتفق له الشيء الذي يطلبه، فيظن ذلك كرامة، وربما كان اختبارًا، وربما كان من خِدَع إبليس، والعاقل لا يُسَاكنُ شيئًا من هذا، ولو كان كرامة" (2). اهـ.

كان أبو ميسرة فقيه المغرب يختم كل ليلة في مسجده، فرأى ليلة نورًا قد خرج من الحائط، وقال: "تَمَلَّ مِن وجهي، فأنا ربك"، فبصق في وجهه، وقال: "اذهب يا ملعون" (3) فَطَفِئَ النور (4).

وقال ابن الجوزي -رحمه اللَّه- أيضًا:

(وكم اغتر قوم بما يشبه الكرامات، فقد روينا بإسنادٍ: عن حسن عن أبي عمران قال: قال لي فرقد: "يا أبا عمران، قد أصبحتُ اليوم وأنا مهتم بضريبتي، وهي ستة دراهم، وقد أهلَّ الهلال وليست عندي، فدعوت، فبينما أنا أمشي على شط الفرات إذا أنا بستة دراهم، فأخذتها فوزنتها، فإذا هي ستة لا تزيد ولا تنقص"، فقال: "تَصَدَّقْ بِهَا، فإنها ليست لك"، قلت: -أبو عمران هو إبراهيم النخعي فقيه أهل الكوفة فانظروا إلى كلام الفقهاء، وبُعد الاغترار عنهم، وكيف أخبره أنها لُقَطَة، ولم يلتفت إلى ما يُشْبِهُ الكرامة، وإنما لم يأمره بتعريفها لأن مذهب الكوفيين أنه لا يجب التعريف لما دون الدينار، وكأنه إنما أمره بالتصدُّق بها لئلا يَظُنَّ أنه قد أُكرم بأخذها وإنفاقها.


(1) "الفرقان" ص (66).
(2) "تلبيس إبليس" ص (529).
(3) لأن الله تعالى لا يُرى في الدنيا، ونور الله -تعالى- لا يقوم له شيء، ولما ظهر للجبل منه أدنى شيء ساخ الجبل، وتدكدك، انظر: "مدارج السالكين" (3/ 229).
(4) "سير أعلام النبلاء" (15/ 396).

وبإسناد: عن إبراهيم الخراساني أنه قال: "احتجت يومًا إلى الوضوء، فإذا أنا بكوز من جوهر، وسواك من فضة، رأسه ألين من الخَزِّ -وهو أحسن الحرير الخالص- فاستكت بالسواك، وتوضأت بالماء، وتركتهما، وانصرفت".

قلت: في هذه الحكاية من لا يُوثَقُ بروايته، فإن صَحَّتْ دلت على قِلَّةِ علم هذا الرجل؛ إذ لو كان يفهم الفقه علم أن استعمال السواك الفضة لا يجوز، ولكن قلَّ علمه فاستعمله، وإن ظن أنه كرامة، واللَّه -تَعَالَى- لا يكرم بما يمنع استعماله شرعًا، إلا إن أُظْهِرَ له ذلك على سبيل الامتحان) (1).

قال القشيري: (قال إبراهيم الخوَّاص: طَلَبْتُ الْحلال في كل شيء، حتى طلبته في صيد السمك، فأخذت قصبة، وجعلت فيها شَعْرًا، وجلست على الماء، فألقيت الشِّصَّ، فخرجت سمكة، فطرحتها على الأرض، وألقيت ثانية، فخرجت لي سمكة، إذ مِن ورائي لطمة لا أدري مِن يَدِ مَنِ هي، ولا رأيت أحدًا، وسمعت قائلًا يقول: "أنت لم تُصِبْ رزقًا في شيء إلا أن تَعْمَدَ إلى مَنْ يذكرنا فتقتله؟ "، قال إبراهيم: "فقطعت الشعر، وكسرت القصبةَ، وانصرفت" (2).

ولو أن هذا الصوفي تَدَبَّرَ قوله -تَعَالَى-: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96]، لجزم قاطعًا بأن اللاطم لم يكن سوى إبليس؛ إذ اللَّه لا يعاقِب على صيد ما أباحه، ولا يحرم صيد الأسماك؛ لأنها تذكر اللَّه -عَز وَجَلَّ- فإنه ما من شيء إلا يُسَبِّحُ بحمده ويذكره، ولو تركنا ذبح الأنعام -وهى تذكر اللَّه -تعالى- أيضًا-، لم يكن لنا ما يقيم قُوى الأبدان.


(1) "تلبيس إبليس" ص (533).
(2) "الرسالة القشيرية" ص (84).

وذكر محمد بن أبي الفضل الهمداني المؤرخ قال: حدثني أبي قال: كان السرمقاني المقرئ يقرأ على ابن العلاف، وكان يأوي إلى المسجد بدرب الزعفراني، واتفق أن ابن العلاف رآه ذات يوم في وقت مجاعة، وقد نزل إلى دجلة، وأخذ منه أوراق الخس مما يرمي به أصحابُه، وجعل يأكله، فشق ذلك عليه، وأتى إلى رئيس الرؤساء، فأخبره بحاله، فتقدم إلى غلام بالقرب إلى المسجد الذي يأوي إليه السرمقاني أن يعمل لِبابه مفتاحًا من غير أن يُعْلمه، ففعل وتقدم إليه أن يحمل كل يوم ثلاثة أرطال خبزًا سميدًا (1)، ومعها دجاجة، وحلوى سكرًا، ففعل الغلام ذلك، وكان يحمله على الدوام، فأتى السرمقاني في أول يوم فرأى ذلك مطروحًا في القبلة، ورأى الباب مغلقًا فتعجب، وقال في نفسه: هذا من الجنة، ويجب كتمانه، وألَّا أتحدث به، فإن من شروط الكرامة كتمانَها (2)، وأنشدني:

مَنْ أَطْلَعُوه عَلَى سِرٍّ فَبَاحَ بِهِ ... لَمْ يَأْمَنُوهُ عَلَى الْأَسْرَارِ مَا عَاشَا

فلما استوى حاله، وأخصب جسمُه، سأله ابن العلاف عن سبب ذلك، وهو عارف به، وقصد المُزاحَ معه، فأخذ يُوري ولا يصرح، ويَكْني ولا يُفْصِح، ولم يزل ابن العلاف يستخبره حتى أخبره أن الذي يجده فى المسجد كرامة؛ إذ لا طريق لمخلوق عليه، فقال له ابن العلاف: "يجب أن تدعو لابن المسلمة، فإنه هو الذي فعل ذلك"، فنغص عيشه بإخباره، وبانت عليه شواهد الانكسار (3). اهـ.


(1) السَّميد: لغة في السميذ، معرب، وهو لُباب الدقيق.
(2) وقد قالوا: "الشأن في الكرامة إخفاؤها، وفي المعجزة إظهارها".
(3) "تلبيس إبليس" ص (533، 534)، ويشبه هذا: أن شخصًا صلى الفجر بالمسجد النبوي الشريف بعد التوسعة الأخيرة، وجلس يذكر الله، وإذا به يفاجأ بانفتاح جزء من سقف المسجد فرأى السماء، وحسبها كرامة، ونوى أن يكتم ذلك، ولا يحدث به الناس، ثم اكتشف بعد أنه يُفتح آليَّا لإدخال ضوء النهار.

أَمثِلَةٌ مِنَ الأَحوَالِ الشَّيطَانِيَّةِ

قال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه- في شأن أصحاب الأحوال الشيطانية: "وهؤلاء تقترن بهم الشياطين، وتنزل عليهم، فيكاشفون الناس ببعض الأمور، ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر، وهم من جنس الْكُهَّان والسحرة الذين تنزل عليهم الشياطين، قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)} [الشعراء: 221 - 223]، وهؤلاء جميعًا ينتسبون إلى المكاشفات، وخوارق العادات، إذا لم يكونوا متبعين للرسل، فلا بد أن يكذبوا، وتكذبهم شياطينهم، ولابد أن يكون في أعمالهم ما هو إثم وفجور؛ مثل نوع من الشرك، أو الظلم، أو الفواحش، أو الغلو، أو البدع فى العبادة، ولهذا تنزلت عليهم الشياطين، واقترنت بهم، فصاروا من أولياء الشيطان، لا من أولياء الرحمن؛ قال اللَّه -تَعَالَى-: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)} " (1) [الزخرف: 36].

ومن الأحوال الشيطانية حال "عبد اللَّه بن صياد"، الذي ظهر في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان قد -ظن بعض الصحابة أنه الدجَّال، وتوقف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أمره حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجَّال، لكنه كان من جنس الكُهَّان، وقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قَدْ خَبَأتُ لَكَ خَبْئًا" قال: "الدُّخُّ الدُّخُّ"، وقد كان خَبأ له سورة "الدخان"، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اخْسأ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ" (2)، يعني إنما أنت من إخوان الْكُهَّان، والْكُهَّان كان يكون لأحدهم القرين من الشياطين يخبره بكثير من المُغُيباتِ بما يَسْترِقُهُ من السمع، وكانوا يخلطون الصدق بالكذب، كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره أن النبي -صلى اللَّه عليه


(1) "الفرقان" ص (18، 19).
(2) رواه مسلم (4/ 2244) (2930).

وسلم- قال: "إِنَّ المْلَائِكَةَ تَنْزِلُ فيِ الْعَنَانِ -وَهُوَ السَّحَابُ- فَتَذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ في السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ، فَتُوحِيه إِلَى الْكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ" (1).

وهذا المسيح الدجَّال الذي هو أعظم فتنة تمر على البشرية في تاريخها، حتى حَذَّر جميع الأنبياء منه أُمَمَهُمْ، وحتى قال فيه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: فيما رواه أبو داود عن عمران بن حصين -رضي اللَّه عنهما-: "مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنأَ عَنْهُ، فَوَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأتِيه وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِن، فَيتَّبِعُهُ؛ مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ" (2)، وسوف يأتي بأعظم الخوارق:

فمنها: ما رواه حُذَيْفَةُ -رضي اللَّه عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ" (3).

- ومنها: أنه يستعين بالشياطين؛ فقد رُوِي عن أبي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قال: "وَإنَّ مِنْ فِتنتهِ أَنْ يَقُولَ لِأَعْرَابِيٍّ: أَرَأَيْتَ إِنْ بَعَثْتُ لَكَ أَبَاكَ وأُمَّكَ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيتَمَثَّلُ لَهُ شَيْطانانِ في صُورَةِ أَبيهِ وَأمّهِ، فَيَقُولَان: يَا بُنَيَّ اتَّبِعْهُ؛ فَإنَّهُ رَبُّكَ" (4).

- ومن فتنته: أنه -يأمر السماء فتُمْطِرُ، والأرضَ فتُنْبِتُ، ويدعو البهائم فتتبعه، ويأمر الخرائب أن تُخرِجَ كنوزها المدفونة فتستجيب (5).

- ومن فتنته: أنه يقتل ذلك الشابَّ المؤمنَ فيما يظهر للناس، ثم يَدَّعي أنه أحياه، فيقول ذلك الشابُّ: "واللَّه ماكنتُ فيكَ أشدَّ بصيرة مني اليوم" (6).


(1) رواه البخاري (221) (6/ 304 - فتح).
(2) "صحيح سنن أبي داود" (3/ 814) (3629).
(3) رواه مسلم (4/ 2248) (2934).
(4) "ضعيف ابن ماجه" (884)، ص (330).
(5) انظر الحديث في "صحيح مسلم" (4/ 2252) (2937).
(6) انظر الحديث في "صحيح البخاري" (13/ 101 - فتح)، ومسلم (4/ 2256) (2938).

يقول شيخ الإسلام في شأن أصحاب الأحوال الشيطانية:

(وهؤلاء تأتيهم أرواح تخاطبهم، وتتمثل لهم، وهي جن وشياطين، فيظنونها ملائكة؛ كالأرواح التي تخاطب من يعبد الكواكب والأصنام.

وكان من أول ما ظهر من هؤلاء في الإسلام: المختار بن أبي عبيد الذي أَخبر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في "صحيحه" عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "سَيَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبيرٌ" (1)، وكان الكذَّاب: المختار بن أَبي عبيد (2)، والمبير: الحجاج بن يوسف، فقيل لابن عمر وابن عباس: إن المختار يزعم أَنه يُنَزَّلُ إِليه، فَقَالَا: صدق، قال اللَّه تعالى-: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)} [الشعراء: 221 - 222].

وقال الآخر: وقيل له: إن المختار يزعم أَنه يُوحَى إلِيه، فقال: قال اللَّه -تَعَالَى-: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام: 121]) (3).

(والأسود العنسي الذي ادَّعى النبوة كان له من الشياطين من يخبره ببعض الأُمور المغيَّبة، فلما قاتله المسلمون كانوا يخافون مِن الشياطين أَن يخبروه بما يقولون فيه، حتى أعانتهم عليه امرأته، لما تبيَّن لها كفره، فقتلوه.

وكذلك مسيلمة الكذَّاب، كان معه من الشياطين من يُخْبِرُهُ بالمغيَّبات، ويعينه على بعض الأمور.

وأمثال هؤلاء كثيرون؛ مثل الحارث الدمشقي الذي خرج بالشام زمن


(1) رواه مسلم (16/ 100 - نووي)، والمبير: المهلِك.
(2) ومن طرائف الأخبار: أن سراقة البارقي -وكان من ظرفاء المدينة- أسره رجل من أصحاب المختار هذا، فأتى به المختار، وقال: "أسرتُ هذا"، فقال: "كذبتَ، ما أسرني إلا رجل عليه ثياب بيض على فَرَس أبلق"، فقال المختار: "أما إن الرجل قد عاين الملائكة، خلوا سبيله"، فأفلت منهم بدهائه وحسن تخلصه.
(3) "الفرقان" ص (86).

عبد الملِك بن مروان وادعى النبوة، وكانت الشياطين تُخرج رجليه من القيد، وتمنع السلاح أن يَنْفُذَ فيه، وتُسَبِّحُ الرُّخامة إذا مسحها بيده، وكان يُرِي الناسَ رجالًا وركبانًا على خيل في الهواء، ويقول: هي الملائكة، وإنما كانوا جِنًّا، ولما أَمسكه المسلمون ليقتلوه طعنه الطاعن بالرمح فلم يَنْفُذْ فيه، فقال له عبد الملك: "إنك لم تُسَمِّ اللَّه"، فسَمَّى اللَّه، فطعنه، فقتله (1).

وهكذا أهل الأحوال الشيطانية تنصرف عنهم شياطينهم إذا ذُكِرَ عندهم ما يَطْرُدُهَا؛ مثل آية الكرسي، فإنه قد ثبت في "الصحيح" عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث أَبي هريرة -رضي الله عنه-، لما وَكَّلَهُ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بحفظ زكاة الفطر، فسرق منه الشيطان ليلة بعد ليلة، وهو يمسكه، فيتوب، فيطلقه، فيقول له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ "، فيقول: زعم أَنه لا يعود، فيقول: "كَذَبَكَ، وَإِنَّهُ سَيَعُودُ"، فلما كان في المرة الثالثة، قال: دعني حتى أُعلِّمك ما ينفعك: إذا أويتَ إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] ... إلى آخرها، فإنه لن يزال عليك من اللَّه حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تُصْبحَ، فلما أخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "صَدَقَكَ، وَهُوَ كَذُوبٌ"، وأخبره أَنه شيطان.

ولهذا إِذا قرأَها الإِنسان عند الأَحوال الشيطانية بِصِدْقٍ أَبطلتها؛ مثل من يدخل النار بحال شيطاني، أَو يحضر سماع المكاءِ والتصدية، فتنزل عليه الشياطين، وتتكلم على لسانه كلامًا لا يُعْلَمُ، وربما لا يُفْقَهُ، وربما كاشف بعض الحاضرين بما في قلبه، وربما تكلم بألسنة مختلفة؛ كما يتكلم الجني على لسان المصروع، والإنسان الذي حَصَلَ له الحال لا يدري بذلك، بمنزلة المصروع الذي يتخبطه الشيطان من المس، ولبسه، وتكلَّم على لسانه، فإذا أَفاق لم يشعر بشيء مما قال) (2). اهـ.


(1) انظر تفصيل خبره في "تلبيس إبليس" ص (529 - 533).
(2) "الفرقان" ص (134، 135).

(وهذه الأرواح الشيطانية هي الروح الذي يزعم صاحب "الفتوحات" أَنه أَلقى إِليه ذلك الكتاب، ولهذا يذكر أَنواعًا من الخلوات بطعام معين، وشيء معين، وهذه مما تفتح لصاحبها اتصالًا بالجن والشياطين، فيظنون ذلك من كرامات الأَولياء، وإنما هو من الأَحوال الشيطانية، وأَعرف من هؤلاءِ عَدَدًا، ومنهم من كان يُحْمَلُ في الهواء إلى مكان بعيد ويعود، ومنهم من كان يُؤْتَى بمال مسروق، تسرقه له الشياطين وتأتيه به، ومنهم من كانت تدله على السرقات بِجُعْلٍ يحصل له من الناس، أَو لعطاء يعطونه إذا دَلَّهُمْ على سرقاتهم، ونحو ذلك.

ولما كانت أحوال هؤلاء شيطانية، كانوا مناقضين للرسل -صلوات اللَّه- تعالَى -وسلامه عليهم-، كما يُوجَدُ في كلام صاحب "الفتوحات المكية"، و"الفصوص"، وأشباه ذلك؛ يَمْدَحُ الكفارَ؛ مثل قوم نوح، وهود، وفرعون، وغيرهم، وينتقصُ الأَنبياءَ؛ كنوح، وإبراهيم، وموسى، وهارون، ويَذُمُّ شيوخ المسلمين المحمودين عند المسلمين؛ كالْجُنَيْدِ بن محمد، وسهل بن عبد اللَّه التستري، وأَمثالهما، ويَمْدَحُ المذمومين عند المسلمين؛ كالحلاج ونحوه؛ كما ذكره فى تجلياته الخيالية الشيطانية) (1). اهـ.

التَّفْرِيقُ بَيْنَ كَرَامَاتِ الْأَوْليَاءِ وَالأحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ:

(وبين كرامات الأَولياء، وبين ما يشبهها من الأَحوال الشيطانية فروق متعددة:

منها: أَن كرامات الأَولياء سببها الإيمان والتقوى، والأَحوال الشيطانية، سببها ما نهى اللَّه عنه ورسوله.

وقد قال -تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]،


(1) "الفرقان" ص (87).

فالقول على اللَّه بغير علم، والشرك، والظلم، والفواحش؛ قد حرَّمها اللَّه -تَعَالَى- ورسوله، فلا تكون سببًا لكرامة اللَّه -تَعَالَى- بالكرامات عليها، فإذا كانت لا تحصل بالصلاة، والذكر، وقراءَة القرآن، بل تحصل بما يُحِبُّهُ الشيطان، وبالأُمور التي فيها شرك؛ كالاستغاثة بالمخلوقات، أَو كانت مما يُسْتَعَانُ بها على ظلم الخلق، وفعل الفواحش، فهي من الأَحوال الشيطانية (1)، لا من الكرامات الرحمانية.

ومن هؤلاء من إذا حضر سماع المكاءِ والتصدية يتنزَّل عليه شيطانه حتى يَحْمِلَهُ في الهواءِ، ويخرجه من تلك الدار، فإذا حضر رجل من أَولياء اللَّه - تَعَالَى، طرد شيطانه فيسقط، كما جرى هذا لغير واحد.

ومن هؤلاء من يستغيث بمخلوق، إِمَا حي أو ميت، سواءٌ كان ذلك المخلوق مسلمًا، أَو نصرانيًّا، أَو مشركًا، فيتصور الشيطان بصورة ذلك المستغاث به، ويقضي بعض حاجة ذلك المستغيث؛ فيظن أنه ذلك الشخص، أَو هو مَلَكٌ تصوَّر على صورته، وانما هو شيطان أَضلَّه لَما أَشرك باللَّه، كما كانت الشياطين تدخل في الأَصنام، وتكلِّم المشركين، ومن هؤلاء من يتصوَّر له الشيطان، ويقول له: أَنا الْخَضِرُ، وربما أَخبره ببعض الأُمور، وأَعانه على بعض مطالبه، كما قد جرى ذلك لغير واحد من المسلمين، واليهود، والنصارى، وكثيرٌ من الكُفَّار بأَرض المشرق والمغرب، يموت لهم الميت، فيأتي الشيطان بعد موته على صورته، وهم يعتقدون أَنه ذلك الميت، ويقضي الديون، ويرد الودائع، ويفعل أَشياءَ تتعلق بالميت، ويدخل إلى زوجته ويذهب، وربما يكونون قد أَحرقوا ميتهم بالنار، كما تصنع كُفَّار الهند، فيظنون أَنه عاش بعد موته، ومن هؤلاء شيخ كان بمصر أَوصى خادمه فقال: "إذا أنا مت فلا تدع أحدًا يغسلني، فأنا أجيء وأغسل نفسي"، فلما مات رأى خادمه شخصًا في صورته، فاعتقد أَنه هو، دخل وغسل نفسه، فلما قضى ذلك الداخل غسله؛ أَي غسل الميت، غاب، وكان ذلك شَيْطَانًا، وكان قد أَضلَّ الميت، وقال: "إنك بعد الموت تجيءُ فَتُغَسِّلُ نفسك"، فلما مات جاءَ -أيضًا- في صورته ليغوي الأحياءَ، كما أَغوى الميت قبل ذلك.

ومنهم من يرى عرشًا في الهواء، وفوقه نور، ويسمع من يخاطبه، ويقول: أَنا ربك. فإن كان من أَهل المعرفة، عَلِمَ أَنه شيطان، فزجره، واستعاذ باللَّه منه، فيزول.

ومنهم من يرى أَشخاصًا في اليقظة يدَّعى أَحدهم أَنه نبي أَو صِدِّيقٌ، أَو شيخٌ من الصالحين، وقد جرى هذا لغير واحد، وهؤلاء منهم من يرى ذلك عند قبر الذي يزوره، فيرى القبر قد انشق وخرج إليه صورة، فيعتقدها الميت، وإنما هو 

جني تصوَّر بتلك الصورة، ومنهم من يرى فارسًا قد خرج من قبره، أو دخل في قبره، ويكون ذلك شيطانًا، وكل من قال: إنه رأَى نَبِيًّا بعين رأسه فما رأَى إلا خيالًا.

ومنهم من يرى في منامه أَن بعض الأكابر؛ إِما الصدِّيق -رضي اللَّه عنه-، أَو غيره قد قص شعره، أَو حلقه، أَو أَلبسه طاقيته، أَو ثوبه، فيصبح وعلى رأسه طاقية، وشعره محلوق، أَو مُقَصَّرٌ، وإنما الجن قد حَلَقُوا شعره، أَو قَصَّرُوهُ، وهذه الأَحوال الشيطانية تحصل لمن خرج عن الكتاب والسنة، وهم درجات، والجن الذين يقترنون بهم من جنسهم وعلى مذهبهم، والجن فيهم الكافر، والفاسق، والمخطئُ، فإن كان الإنسي كافرًا، أَو فاسقًا، أو جاهلًا، دخلوا معه في الكفر، والفسوق، والضلال، وقد يعاونونه إذا وافقهم على ما يختارونه من الكفر؛ مثل الإقسام عليهم بأسماءِ من يُعَظِّمونه من الجن وغيرهم، ومثل أن يكتب أَسماءَ اللَّه، أو بعض كلامه بالنجاسة، أَو يقلب "فاتحة الكتاب"، أو سورة "الإخلاص"، أو آية الكرسي، أو غيرهنَّ، ويكتبهنَّ بنجاسة، فيغوِّرون له الماءَ، وينقلونه، بسبب ما يرضيهم به من الكفر، وقد يأتونه بمن يهواه من امرأَة أَو صبي؛ إما في الهواء، وإما مدفوعًا مُلْجَأً إليه، إلى أَمثال هذه الأُمور التي يطول وصفها، والإيمانُ بها إيمان بالجبت والطاغوت، والجبت: السحر، والطاغوت: الشياطين والأصنام، وإن كان الرجل مُطِيعًا للَّه ورسوله باطنًا وظاهرًا؛ لم يمكنهم الدخول معه في ذلك، أَو مسالمته.

ولهذا لما كانت عبادة المسلمين المشروعة في المساجد التي هي بيوت اللَّه، كان عُمَّار المساجد أَبعد عن الأحوال الشيطانية، وكان أَهل الشرك والبدع، الذين يُعَظِّمُونَ القبور، ومشاهد الموتى، فيدعون الميت، أَو يدعون به، أَو يعتقدون أَن الدعاءَ عنده مستجاب -أَقْرَبَ إلى الأَحوال الشيطانية؛ فإنه ثبت في "الصحيحين" عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".

 

 


(1) ولا تحصل هذه الخوارق عند تلاوة القرآن الكريم، وإنما تحصل عند استعمال الآلات الموسيقية كالطبل والدف والمزامير وغيرها، وهذا دليل على أن هذه أحوال شيطانية لا إيمانية، ولذلك كان يشترط بعضهم على من يحضرهم ألا يقرءوا قرآنًا، ولا يتكلموا بشيء البتة، وقد طلب بعض الرفاعية من أحد الشباب الانصراف عنهم حين كان ذلك الشاب يتمتم بالذكر وقراءة القرآن، مما أدى إلى جرحهم لدى إدخالهم الشيش، حتى قالوا: "إن بين الحاضرين رجلًا روحه شريرة، فلينصرف عنا".
وقال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- في أثناء كلامه على طائفة محمد بن عيسى "أكلة الثعابين والنار": "وقد أحرجتُ واحدًا منهم، وأردته على أن يمكنني من وضع النار حيث أريد من بدنه، فلم يقبل، ثم استتبته، فأظهر التوبة عن مخادعة الناس بذلك ". اهـ. من "المنار" المجلد العاشر ص (290).
وقال أيضًا -رحمه اللَّه-: "إن ما يفعله الرفاعية من اقتحام النار وضرب الشيش وإدخال الحديد المحميِّ في ألسنتهم، وأكل الحيات والحشرات، إنما هو من الشعوذة التي لا ينفردون بها عن غيرهم، بل إنها منتشرة بين كثيرين من المنتمين إلى أديان ومذاهب ونحل مختلفة وفي أفكار عديدة". اهـ. كما حكاه عنه الشيخ عبد الرحمن دمشقية -حفظه الله-، ثم قال:
"وقد زعم أمامي واحد من أهل الطريقة الرفاعية أن إكرام الله لهم حاصل في كونهم يأكلون الزجاج أمام الكفار، وأنهم عاينوا الزجاج في بطنه، وتأكدوا من صحة ذلك، وأدّى ببعضهم إلى الإسلام، فقلت: هذا من جهل أولئك بحقيقة الأمر، فإنهم لو علموا أن هذا يحدث للوثنيين والبوذيين لربما ارتدوا على أعقابهم، بل يحدث مثل ذلك أيضًا على مسارح السيرك، حيث يدخِل الساحر الشيش في الأجساد، بل يَقْسِم الفتاة بالسيف نصفين". اهـ. بتصرف من "الرفاعية" ص (104، 105).

وثبت في "صحيح مسلم" عنه أَنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال قبل أَن يموت بخمس ليال: "إِنَ أَمَنَّ النَاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ، لَا يَبْقَيَنَّ فيِ الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا سُدَّتْ، إِلَّا خَوْخَة أَبِي بَكْرِ، ألا إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلُكمْ كانوا يَتَّخِذُونَ قبورَ أنبيائهم مَسَاجِدَ، ألَا فَلَا تتَخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ".

وفي "الصحيحين" عنه أَنه ذُكِرَ له في مرضه كنيسة بأرض الحبشة، وذكروا من حُسْنِها، وتَصاوِيرَ فيها، فقال: "أُولَئِكَ إذا كان فِيهمُ الرَّجلُ الصَّالِحُ بَنوا عَلَى قبرهِ مَسْجِدًا، ثم صَوَّروا تلك الصور، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ") (1).اهـ.

وقال شيخ الإسلام -أيضًا-:

(وإنما غاية الكرامة لزوم الاستقامة (2)، فلم يُكْرِمِ اللَّه عبدًا بمثل أن يُعِينَهُ على ما يُحِبُّهُ ويرضاه، ويزيده مما يقربه إليه، ويرفع به درجته.


(1) "الفرقان" ص (136 - 140).
(2) والمريد الصادق قد تكثر له الكرامات في ابتدائه تثبيتًا له وتأنيسًا ومعونة، فإذا كمل خفت عنه أو انعدمت لعدم احتياجه إليها، ومِن ثَمَّ قال الجنيد -رحمه الله-: "مشى قوم على الماء، ومات بالعطش من هو أفضل منهم". انظر: "زاد المسلم" (3/ 179)، وقال الشاطبي -رحمه الله-: "وعَدُّوا مَن رَكَنَ إلى الكرامات مستدرَجًا، من حيث كانت ابتلاءً، لا من جهة كونها آية أو نعمة". اهـ. من "الموافقات" (1/ 549).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "ومما ينبغي أن يُعرفَ: أن الكراماتِ قد تكون بحسب حاجة الرجل، فإذا احتاج إليها الضعيف الإيمان أو المحتاج؛ أتاه منها ما يقوي إيمانه ويَسُدُّ حاجته، ويكون مَن هو أكمل وَلايةً لله منه مستغنيًا عن ذلك، فلا يأتيه مثلُ ذلك لعلو درجته وغناه عنها، لا لنقص وَلايته، ولهذا كانت هذه الأمور في التابعين أكثر منها في الصحابة، بخلاف من تجري على يديه الخوارق لهداية الخلق أو لحاجتهم، فهؤلاء أعظم درجة". اهـ. من "الفرقان".
ولا يلزم من كون الرجل وليًا لله أن تقع له كرامات، فقد لا تقع الكرامات لمن هو من أعظم أولياء الله تعالى لاستغنائه عن ذلك لا لنقص في ولايته، ومن المُبَشرين بالجنة من الصحابة -رضي الله عنهم- مَن لم تقع له كرامات، فإن أعظم الكرامة: لزومُ الاستقامة، وانظر ص (196).

- وجميع ما يؤتيه اللَّه لعبده من هذه الأمور، إن استعان به على ما يحبه اللَّه ويرضاه، ويُقَرِّبُهُ إليه، ويرفع درجته، ويأمره اللَّه به ورسوله، ازداد بذلك رِفْعَةً، وقربًا إلى اللَّه ورسوله، وعَلَتْ درجته، وإن استعان به على ما نهى اللَّه عنه ورسوله؛ كالشرك، والظلم، والفواحش؛ استحق بذلك الذَّمَّ والعقاب، فإن لم يتداركه اللَّه -تَعَالَى- بتوبة، أو حسنات مَاحِيَةٍ، وإلا كان كأمثاله من المُذنبين؛ ولهذا كثيرًا ما يُعَاقَبُ أصحاب الخوارق، تارة بسلبها، كما يُعْزَلُ الملك عن ملكه، ويُسلَب العَالِمُ علمه، وتارة بسلب التطوعات، فينقل من الوَلاية الخاصة إلى العامة، وتارة ينزل إلى درجة الفسَّاق، وتارة يرتدُّ عن الإسلام، وهذا يكون فيمن له خوارق شيطانية، فإن كثيرًا من هؤلاء يرتد عن الإسلام، وكثيرًا منهم لا يعرف أَن هذه شيطانية، بل يَظُنُّها من كرامات أَولياء اللَّه، ويظن من يَظُنُّ منهم أن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- إذا أَعطى عبدًا خَرْقَ عادةٍ لم يحاسبه على ذلك، كمن يظن أن اللَّه إذا أعطى عبدًا مُلكًا، ومالًا، وتصرفًا، لم يحاسبه عليه، ومنهم من يستعين بالخوارق على أُمور مباحة، لا مأمور بها، ولا منهي عنها، فهذا يكون من عموم الأَولياء، وهم الأَبرار المقتصدون، وأَما السابقون المقربون فأَعلى من هؤلاءِ، كما أَن العبد الرسول أَعلى من النبي الملِك.

ولما كانت الخوارق كثيرًا ما ينقص بها درجةُ الرجل، كان كثير من الصالحين يتوب من مثل ذلك، ويستغفر اللَّه -تَعَالَى-، كما يتوب من الذنوب؛ كالزنا، والسرقة، وتُعْرَضُ على بعضهم فيسأَل اللَّه زوالها، وكلهم يأمر المرِيدَ السالك ألا يقف عندها، ولا يجعلها همته، ولا يتبجح بها (1)، مع ظنهم أَنها


(1) قال ابن الجوزي رحمه الله -تعالى-: "ولما علم العقلاء شدة تلبيس إبليس حذروا من أشياء ظاهرها الكرامة، وخافوا أن تكون من تلبيسه .. ، وعن رابعة أنها أصبحت يوما صائمة في يوم بارد، قالت: (فنازعتني نفسي إلى شيء من الطعام السخن أفطر عليه، وكان عندي شحم، فقلت: =

كرامات، فكيف إذا كانت بالحقيقة من الشياطين تغويهم بها؟! فإني أَعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع، وإنما يُخاطِبُهُ الشيطان الذي دخل فيها، وأَعْرِفُ من يخاطبهم الحجرُ والشجر، وتقول: "هَنيئًا لك يا ولي اللَّه"، فيقرأ آية الكرسي، فيذهب ذلك.

وأعرف من يقصد صيد الطير، فتخاطبه العصافير وغيرها، وتقول: "خذني حتى يأكلني الفقراء"، ويكون الشيطان قد دخل فيها، كما يدخل في الإنس، ويخاطبه بذلك، ومنهم من يكون في البيت وهو مغلق، فيرى نفسه خارجه وهو لم يفتح، وبالعكس، وكذلك في أبواب المدينة، وتكون الجن قد أَدخلته وأَخرجته بسرعة، أَو ترِيهِ أَنوارًا، وتُحْضِر عنده من يطلبه، ويكون ذلك من الشياطين، يتصورون بصورة صاحبه، فإذا قرأ آية الكرسي مرة بعد مرة، ذهب ذلك كله.

وأَعرف من يخاطبه مخاطبٌ، ويقول له: "أَنا مِن أَمْرِ اللَّه"، ويعده بأنه المهدي الذي بَشَّر به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويُظْهِرُ له الخوارق؛ مثل أَن يخطر بقلبه تصرف في الطير والجراد في الهواء، فإذا خطر بقلبه ذهاب الطير أَو الجراد يمينا وشمالًا، ذهب حيث أَراد، وإِذا خطر بقلبه قيام بعض المواشي، أَو نومُه، أَو ذَهَابُه؛ حصل له ما أَراد من غير حركة منه في الظاهر، وتحمله إلى مكة، وتأتي به، وتأتيه بأَشخاص في صورة جميلة، وتقول له: "هذه الملائكة الكروبيون أَرادوا زيارتك"، فيقول في نفسه: "كيف تصوروا بصورة المُرْدان؟ "، فيرفع رأسه فيجدهم بلِحَى، ويقول له: "علامة أَنك المهدي:


= لو كان عندي بصل أو كرات عالجته، فإذا عصفور قد جاء فسقط على المثقب في منقاره بصلة، فلما رأيته أضربت عما أردت، وخفت أن يكون من الشيطان). وبالأسناد عن محمد بن يزيد قال: كانوا يرون لوهيب أنه من أهل الجنة، فإذا أُخبر بها اشتد بكاؤه، وقال: قد خشيت أن يكون هذا من الشيطان". اهـ. من "تلبيس إبليس" ص (535، 536).

أَنك تنبت في جسدك شامة" (1)، فَتَنْبُتُ ويراها، وغير ذلك، وكله من مكر الشيطان.

وهذا باب واسع، لو ذَكَرْتُ ما أَعرف منه؛ لاحتاج إلى مجلد كبير، وقد قال -تَعَالَى-: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر: 15 - 16]، قال اللَّه -تبارك وتعالى-: {كَلَّا}، ولفظة (كلا) فيها زجر وتنبيه؛ زجرٌ عن مثل هذا القول، وتنبيه على ما يخبر به، ويأمر به بعده؛ وذلك أَنه ليس كل مَنْ حصل له نِعَمٌ دنيوية تُعَدُّ كرامة، يكون الله -عَزَّ وجَلَّ- مُكْرِمًا له بها، ولا كل من قَدَّر -أي: ضَيَّق- عليه ذلك يكون مُهِينًا له بذلك، بل هو -سبحانه- يَبْتَلِي عبده بالسَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، فقد يعطي النعم الدنيوية لمن لا يحبه، ولا هو كريم عنده؛ ليستدرجه بذلك، وقد يحمي منها من يُحِبُّهُ وُيوَاليهِ، لئلا ينقص بذلك مرتبته عنده، أَو يقع بسببها فيما يكرهه منه.

وأَيضًا كرامات الأَولياءِ لابد أَن يكون سببها الإيمان والتقوى (2)، فما كان سببه الكفر والفسوق والعصيان، فهو من خوارق أَعداء الله، لا من كرامات أَولياءِ اللَّه، فمن كانت خوارقه لا تحصل بالصلاة، والقراءَة، والذكر، وقيام الليل، والدعاء، وإِنما تحصل عند الشرك؛ مثل دعاءِ الميت، والغائب، أَو بالفسق، والعصيان، وأَكل المحرَّمات؛ كالحيات، والزنابير، والخنافس، والدم، وغيره من النجاسات، ومثل الغناءِ، والرقص، لاسيما مع النِّسوة الأجانب، والمردان، وحالة خوارقه تنقص عند سماع القرآن، وتقوى عند سماع مزامير الشيطان، فيرقص ليلًا طويلًا، فإذا جاءَت الصلاة صلَّى قاعدًا، أو ينقر الصلاة نقر الديك، وهو يُبغض سماع القرآن، وينفر عنه، ويتكلفه، ليس له


(1) وأمر هذه "الشامة" لا يُعرف له أصل في الأحاديث الصحيحة الواردة في حق المهدي، ومن الغريب أن "المهدي السوداني" عُني بأمر شامة كانت فيه، وكان يُعَوِّل عليها أحيانًا في إثبات مهديته.
(2) وقد قيل: "الكرامة تَنتجُ عن استقامةٍ، أو تُنْتج استقامةً".

فيه محبة، ولا ذوق، ولا لذة عند وجده، ويحب سماع المكاءِ والتصدية (1)، ويجد عنده مواجيد، فهذه أحوال شيطانية، وهو ممن يتناوله قوله -تَعَالَى-: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36].

فالقرآن هو ذكر الرحمن، قال -تَعَالَى-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [طه: 124 - 126]، يعني: تركتَ العملَ بها. {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}.

قال ابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "تكفَّل الله لمن قرأ كتابه، وعمل بما فيه، ألَّا يَضِلَّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة"، ثم قرأ هذه الآية) (2) اهـ.

حِيَلٌ لَا خَوَارِقُ

من الخوارق ما لا يكون بتسبب شيطاني مباشر، وإنما يكون بطريق التعلم والحيلة، كما يفعله النصارى كثيرًا، وكما كان يفعل ابن تومرت (3)، وكما رُوِيَ عن الحلَّاج، من أنه (كان يدفن شيئًا من الخبز، والشواء، والحلوى في موضع من البَرِّيَّة، ويُطْلِعُ بعض أصحابه على ذلك، فإذا أصبح قال لأصحابه: "إن رأيتم أن نخرج على وجه السياحة"، فيقوم، ويمشي الناس معه، فإذا جاءوا إلى ذلك المكان، قال له صاحبه الذي أطلعه على ذلك: "نشتهي الآن كذا وكذا"، فيتركهم الحلاج، وينزوي عنهم إلى ذلك المكان، فيصلي ركعتين، ويأتيهم بذلك، وكان يمد يده إلى الهواء، ويَطْرَحُ الذهب في أيدي الناس، ويُمَخْرِقُ،


(1) المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق.
(2) "الفرقان" ص (147 - 151).
(3) انظر حيل ودجل ابن تومرت في "المهدي" للمؤلف ص (226) وما بعدها.

وقد قال له بعض الحاضرين يَوْمًا: "هذه الدراهم معروفة، ولكن أؤمن بك إذا أعطيتني درهمًا عليه اسمك واسم أبيك"، وما زال يُمَخْرِقُ إلى وقت صَلْبِهِ) (1).

ومن ذلك ما ذكره بعض أصحاب ابن الشَّبَّاس قال: (حضرنا يومًا عنده، فأخرج جَدْيًا مشويًّا، فأمرنا بأكله، وأن نكسر عظمه ولا نهشمها، فلما فرغنا، أمر بردها إلى التنور، وترك على التنور طبقًا، ثم رفعه بعد ساعة، فوجدنا جديًا حيًّا يرعى حشيشًا، ولم نَرَ للنار أثرًا، ولا للرمَّادِ ولا للعظام خبرًا، قال: فتلطفتُ حتى عرفتُ ذلك، وذلك أن التنور يفضي إلى سرداب، وبينهما طبق نحاس بلولب، فإذا أراد إزالة النار عنه: فركه، فينزل عليه، فيسده، وينفتح السرداب، فإذا أراد أن يظهر النار: أعاد الطبق إلى فم السرداب، فتراءى للناس.

قال ابن الجوزي -رحمه اللَّه- تَعَالَى:

(وقد رأينا في زماننا من يشير إلى الملائكة، ويقول: "هؤلاء ضيف مُكْرَمون"، يوهم أن الملائكة قد حضرت، ويقول لهم: "تقدموا إليَّ".

وأخذ رجل في زماننا إبريقًا جديدًا فترك فيه عَسَلًا، فتشرب في الخزف طعم العسل، واستصحب الإبريق في سفره، فكان إذا غرف به الماء من النهر، وسقى أصحابه، وجدوا طعم العسل، وما في هؤلاء من يعرف اللَّه، ولا يخاف في اللَّه لومة لائم، نعوذ باللَّه من الخِذلان) (2).


(1) "تلبيس إبليس" ص (539).
(2) "نفسه" ص (541، 542)، وانظر: "مجموع الفتاوى" (11/ 445، 610)، و"البداية والنهاية" (14/ 36).

الإمام شهاب الدين القرافي وحِيل النصارى

قال -رحمه الله تعالى-: "ولما علم حُذَّاقهم أن دينهم ليس له قاعدة تُبنى عليه، ولا أصل يُرجع إليه، جمعوا عقول العامة، بتخييلات موهمة، وأباطيل مزخرفة، وضعوها في الكنائس والمزارات (1).

فمن ذلك أنهم وضعوا صورًا من الحجارة، إذا قُرئ أمامها الإنجيل تبكي، وتجري دموعها، يشاهدها الخاص والعام، فيعتقدون أن ذلك لما علمته من أمر الإنجيل، ويكون لها مجاري رقاق في أجوافها من ورائها متصلة بزق ممتلئة من الماء، يعصره بعض الشمامسة، فيفر الماء في المجاري، ويتصل بعيون الأصنام، وكذلك يصنعون أصنامًا يخرج اللبن من ثديها عند قراءة الإنجيل، وذلك بصقلية وغيرها.

ومن ذلك الأصنام من حديد وقناديل وصلبان عظام معلقة بين السماء والأرض، فلا يمسك شيء منها، ولا يمسها شيء، ويقولون: "إن ذلك سبب بركة ذلك المكان، وإنه برهان على عظمة الدين، فإن ذلك لم يوجد لغيرهم من الملل"، ويكون سبب ذلك حجارة من مغناطيس عُمِلت في ست جهات فوق الصنم، وتحته، ويمينه، ويساره، وخلفه، وأمامه، فيجذبه كل حَجَرٍ إلى جهته، وليس البعض أولى من البعض، فيقع التمانع، فيقف الحديد في الوسط، ولذلك لما دخل إليه بعضُ رسل المسلمين أمر بهدم ما حوله من البنيان فسقط، وذلك بقسطنطينية، كرسي مملكتهم، ومجتمع عظمائهم، وعقلائهم، وهذا حالهم.


(1) سمحت الكنيسة القبطية بوضع الأيقونات والصور في الكنائس، ولم تسمح بعمل أيقونات بارزة أو منحوتة على شكل تماثيل، أما الكنيسة الكاثوليكية فتتخذ التماثيل فضلًا عن الصور. "تاريخ الأقباط" (1/ 271).

ومن ذلك: أن لهم كنيسة كانوا يزعمون أن يد الله -تعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا- تظهر من الهيكل بها يومًا معلومًا من السنة يصافحه الناس، فدخل إليها بعض ملوكهم، فصافح اليد، ومسكها مسكًا شديدًا، وقال: "والله، لا تركت هذه اليد حتى أرى وجه صاحبها"، فقال له الأساقفة: "أما تخشى الرب؟! أخَرَجتَ من دين النصرانية؟ " فأبى أن يتركها بكثرة تهويلهم حتى يرى وجه صاحب اليد، فلما أعياهم أمرُه أخبروه أنها يدُ راهبٍ منهم، فقتله، ومنعهم من العود لذلك، فلم يعودوا.

وبالجملة؛ الإسهاب في هذا الباب يضيع الزمان لكثرته، وإنما أردت التنبيه على أنهم ما هم عليه من الضلال بنوع من الشعبذة (1) ". اهـ (2).


(1) الشعبذة والشعوذة: الأمور الخارقة للعادة التي تظهر على يد أهل الفساد.
(2) "الأجوبة الفاخرة على الأسئلة الفاجرة" ص (61 - 65).

ابن تيمية يكشف حِيَلَ الرهبان

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:

"وقد صنَّف بعض الناس مصنفًا في حيل الرهبان، مثل الحيلة المحكية عن أحدهم في جعل الماء زيتًا بأن يكون الزيت في جوف منارة، فإذا نقص صب فيها ماء، فيطوف الزيت على الماء، فيظن الحاضرون أن نفس الماء انقلب زيتًا.

ومثل الحيلة المحكية عنهم في ارتفاع النخلة، وهو أن بعضهم مر بدير راهب وأسفل منه نخلة، فأراه النخلة صعدت شيئًا شيئًا حتى حاذت الدير، فأخذ من رُطَبها ثم نزلت حتى عادت كما كانت، فكشف الرجل الحيلة، فوجد النخلة في سفينة في مكان منخفض إذا أرسل عليه الماء امتلأ حتى تصعد السفينة، وإذا صرف الماء إلى موضع آخر هبطت السفينة.

ومثل الحيلة المحكية عنهم في التكحل بدموع السيدة، يضعون كحلًا في ماء متحرك حركة لطيفة، فيسيل حتى ينزل من تلك الصورة فيخرج من عينها فيظن أنه دموع.

ومثل الحيلة التي صنعوها بالصورة التي يسمونها القونة (1) بصيدنايا، وهي أعظم مزاراتهم بعد القمامة وبيت لحم، فإن هذه صورة السيدة مريم، وأصلها خشبة نخلة سُقِيت بالأدهان حتى تنعمت وصار الدهن يخرج منها دهنًا مصنوعًا يُظن أنه من بركة الصورة.

ومن حيلهم الكثيرة النار التي يظن عوامهم أنها تنزل من السماء في عيدهم في قمامة، وهي حيلة قد شهدها غير واحد من المسلمين والنصارى، ورأوها بعيونهم أنها نار مصنوعة يضلون بها عوامهم، يظنون أنها نزلت من السماء، ويتبركون بها، وإنما هي صنعة صاحب مُحَالٍ وتلبيس.

ومثل ذلك كثير من حيل النصارى، فجميع ما عند النصارى المبدلين لدين المسيح من الخوارق: إما حال شيطاني، وإما محال بهتاني ليس فيه شيء من كرامات الصالحين" (2). اهـ.

* * *


(1) لعل المراد بها "الأيقونة"، وهي كلمة يونانية أو قبطية الأصل، يُعبر بها عن صور المسيح ومريم عليهما السلام، والحواريين والرسل والقديسين، ونحوهم، وهم يعظمون الأيقونات، ويوجبون وضعها في الكنيسة والبيوت والطرقات بزعم أن تأمل الأيقونة يحثهم على تكريم من ترمز إليه، وهو في الحقيقة عبادة للصور، وإن زعموا أنهم لا يقصدون عبادتها.

(2) "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (2/ 339، 340).

  • الثلاثاء PM 12:31
    2022-08-02
  • 1732
Powered by: GateGold