الرؤيا ليست حجة شرعية - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 441851
يتصفح الموقع حاليا : 319

البحث

البحث

عرض المادة

الرؤيا ليست حجة شرعية

ذهب بعض الناس إلى الاعتماد على الرؤى والمنامات واعتبارها حجة (1).

والصحيح أن الرؤيا لا تعتبر حجة ولا مصدرًا من مصادر التشريع، ولا يجوز أن يبني عليها الإنسان حكمًا شرعيًا حلًّا أو حرمة، كراهة أو استحبابًا، أو غير ذلك من مثل تعيين مراد الله ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بتفسير الكتاب والسنة.

وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أن الحق الذي لا باطل فيه هو "ما جاءت به الرسل عن الله تعالى، وُيعرف بالكتاب والسنة والإجماع، فإن هذا حق لا باطل فيه، واجب الاتباع لا يجوز تركه بحال، عامُّ الوجوب لا يجوز ترك شيء مما دلت عليه هذه الأصول، وليس لأحدٍ الخروج عن شيء مما دلت عليه"، وقال -رحمه الله-: "الكتاب والسنة والإجماع، وبإزائه لقومٍ آخرين: المنامات، والإسرائيليات، والحكايات". اهـ (2).

الأدلة على أن الرؤيا ليست، مصدرًا للتشريع:

1 - أن الله تعالى أوجب علينا اتباع كتابه المجيد وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- لا غير، وذلك كثير في القرآن الكريم، كقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 3].

2 - قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

فلا مجال لتشريعِ بعد انتقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى.


(1) انظر: "إرشاد الفحول" (2/ 291).
(2) "مجموع الفتاوى" (19/ 5).

قال الشوكاني -رحمه الله-: "ولا يخفاك أن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- قد كمله اللَّه عز وجل، ولم يبق بعد ذلك حاجة للأمة في أمر دينها، وقد انقطعت البعثة بالموت" (1).

3 - أن الأدلة الشرعية التي هي أصول الأحكام ومصادرها، محصورة في الكتاب والسنة باتفاق الأئمة، ثم الإجماع والقياس باتفاق جمهورهم، ثم العرف، والاستصحاب، والاستحسان، والمصالح المرسلة، وشرع من قبلنا، وقول الصحابي، وسد الذرائع، على خلاف بين جمهور الأئمة في حجيتها، ولم يذكر أحد من أئمة العلم الرؤى المنامية ضمن هذه الأدلة.

قال الشوكاني -رحمه اللَّه-: " ولم يأتنا دليل يدلُّ على أن رؤيته في النوم بعد موته -صلى الله عليه وسلم- إذا قال فيها بقول أو فعل فيها، يكون دليلًا وحجة، بل قد قبضه اللَّه إليه بعد أن كمل لهذه الأمة ما شرعه لها على لسانه" (2) اهـ.

4 - أن الرؤى ثلاثة أقسام من حيث منابعها: رحماني، ونفساني، وشيطاني، ولا سبيل إلى التمييز بينها حتى نقبل الرحماني، ونرد ما عداه.

قال الامام المحقق ابن قيم الجوزية -رحمه اللَّه تعالى-: "والرؤيا كالكشف: منها رحماني، ومنها شيطاني، ورؤيا الأنبياء وحي فإنها معصومة من الشيطان، وهذا باتفاق الأمة، ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام بالرؤيا. وأما رؤيا غيرهم فتُعرض على الوحي الصريح: فإن وافقته، وإلا لم يُعمل بها" (3).

وقال الشيخ عبد الرحمن المُعَلِّميُّ -رحمه اللَّه-: "الرؤيا قصاراها التبشير والتحذير، وفي الصحيح: أن الرؤيا قد تكون حقًّا وهي المعدودة من النبوة، وقد تكون من الشيطان، وقد تكون من حديث النفس، والتمييز مشكل" (4).


(1) انظر: "إرشاد الفحول" (2/ 291، 292).
(2) "إرشاد الفحول" (2/ 291، 292).
(3) "مدارج السالكين" (1/ 51).
(4) "التنكيل" (2/ 242).

5 - أن الرؤيا تقع حال النوم، وليست هي حالة ضبط وتحقيق، ولا هي حالة تكليف، ولذلك رُفع القلم عن النائم حتى يستيقظ، فلا تقبل رواية النائم لاختلال ضبطه.

6 - أن الغالب في الرؤيا "الترميز" والإشارة، ولا يفقه تعبيرها إلا قلةٌ من الناس، فتكون محتملة لتفسيرات متعددة، وما كان هذا شأنه لا يستقيم الاستدلال به.

قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي -رحمه الله-: "الغالب أن تكون على خلاف الظاهر حتى في رؤيا الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كما قصَّ من ذلك في القرآن، وثبت في الأحاديث الصحيحة، ولهذه الأمور اتفق أهل العلم على أن الرؤيا لا تصلح للحجة، وإنما هي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حجة شرعية صحيحة كما ثبت عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه كان يقول بمتعة الحج لثبوتها عنده بالكتاب والسنة، فرأى بعض أصحابه رؤيا توافق ذلك، فاستبشر ابن عباس". اهـ (1).

وكما قال ابن القيم- رحمه الله -:

قال شيخنا -يعني ابن تيمية-: "كان يُشْكِل عليَّ أحيانًا حالُ من أصلي عليه الجنائز؛ هل هو مؤمن أو منافق؟ فرأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المنام، فسألته عن مسائل عديدة، منها هذه المسألة، فقال: "يا أحمد! الشرطَ الشرطَ". أو قال: "عَلِّق الدعاء بالشرط" (2)، فهذه الرؤيا يستأنس بها فحسب.

[قول الإمام أبي إسحاق الشاطبي]

1 - قال الإمام أبو إسحاق الشاطبي -رحمه اللَّه - تعالى-:

"وأضعف هؤلاء احتجاجًا، قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المنامات، وأقبلوا وأعرضوا بسببها، فيقولون: رأينا فلانًا الرجل الصالح، فقال لنا: اتركوا كذا، واعملوا كذا، ويتفق مثل هذا كثيرًا للمترسِّمين برسم التصوف، وربما قال بعضهم: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في النوم فقال لي: كذا، وأمرني بكذا، فيعمل بها، ويترك بها، مُعْرِضًا عن الحدود الموضوعة في الشريعة، وهو خطأ؛ لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعًا على حال، إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية، فإن سَوَّغَتْها عُمِلَ بمقتضاها، وإلا وجب تركُها، والإعراضُ عنها، وإنما فَائِدَتُهَا البِشارة أو النذارة خاصة، وأما استفادة الأحكام فلا، ... فلو رأى في النوم قائلًا يقول: إن فلانًا سرق فاقطعه، أو عالم فاسأله، أو اعمل بما يقولون لك، أو فلان زنى فحدَّه، وما أشبه ذلك؛ لم يصح له العمل حتى يقوم له الشاهد في اليقظة، وإلا كان عاملًا بغير شريعة؛ إذ ليس بعد رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وحي".

ولا يُقَالُ: إن الرؤيا من أجزاء النبوة، فلا ينبغي أن تُهْمَلَ، وأيضًا إن المخبر في المنام قد يكون النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو قد قال: "مَنْ رَآنِي في النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِي حَقَّا، فَإنَ الشَيْطَانَ لَا يَتَمَثلُ بِي"، وإذا كان؛ فإخباره في النوم كإخباره في اليقظة.

لأنا نقول: إن كانت الرؤيا من أجزاء النبوة فليست إلينا من كمال الوحي، بل جزء من أجزائه، والجزء لا يقوم مقام الكل في جميع الوجوه، بل إنما يقوم مقامه في بعض الوجوه، وقد صُرِفَتْ إلى جهة البشارة والنذارة.

وأيضًا، فإن الرؤيا التي هي جزء من أجزاء النبوة من شرطها أن تكون صالحة من الرجل الصالح، وحصول الشروط مما ينظر فيه، قد تتوفر، وقد لا تتوفر.

وأيضًا فهي منقسمة إلى الحُلْم وهو من الشيطان، وإلى حديث النفس، وقد تكون بسبب هيجان بعض أخلاط، فمتى تتعين الصالحة حتى يُحْكَمَ بها وتُتركَ غيرُ الصالحة؟

ويلزم أيضًا على ذلك أن يكون تجديدَ وحيٍ بحكمٍ بعدَ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو منهي عنه بالإجماع.

 


(1) "التنكيل " (2/ 259).
(2) "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (3/ 399).

يُحكى أن شريك بن عبد اللَّه القاضي دخل على المهديِّ، فلما رآه قال:

"عليَّ بالسيف والنِّطْع" (1)، قال: "ولم يا أمير المؤمنين؟ "، قال: "رأيت في منامي كأنك تطأ بساطي وأنت معرض عني، فقصصتُ رؤياي على مَن عبَّرها، فقال لي: يُظهر لك طاعة، ويضمر معصية"، فقال له شريك: "والله ما رؤياك برؤيا إبراهيم الخليل -عليه السلام- ولا أن معبرك بيوسف الصديق -عليه السلام-، فبالأحلام الكاذبة تضرب أعناق المؤمنين؟ "، فاستحيى المهدي، وقال: "اخرج عني"، ثم صرفه، وأبعده.

وأما الرؤيا التي يخبر فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرائي بحكم، فلابد من النظر فيها أيضًا، لأنه إذا أخبر بحكم موافق لشريعته، فالحكم بما استقر، وإن أخبر بمخالف، فمحال، لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا ينسخ بعد موته شريعته المستقرة في حياته، لأن الدين لا يتوقف استقراره بعد موته على حصول المرائي النومية، لأن ذلك باطل بالأجماع، فمن رأى شيئًا من ذلك فلا عمل عليه، وعند ذلك نقول: إن رؤياه غير صحيحة، إذ لو رآه حقًّا لم يخبره بما يخالف الشرع.


(1) النِّطْع: بساط من الجلد، كثيرًا ما كان يُقْتَل فوقه المحكومُ عليه بالقتل.

لكن يبقى النظر في معنى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من رآني في النوم فقد رآني"، وفيه تأويلان: أحدهما: ما ذكره ابن رشد، إذ سئل عن حاكم شهد عنده عدلان مشهوران بالعدالة في قضية، فلما نام الحاكم ذكر أنه رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال له: "لا تحكم بهذه الشهادة، فإنها باطلة"، فأجاب بأنه:

لا يحل له أن يترك العمل بتلك الشهادة، لأن ذلك إبطال لأحكام الشريعة بالرؤيا، وذلك باطل لا يصح أن يُعتقد، إذ لا يَعلم الغيبَ من ناحيتها إلا الأنبياءُ الذين رؤياهم وحي، ومَن سواهم إنما رؤياهم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.

ثم قال: وليس معنى قوله: "من رآني فقد رآني حقًّا" أن كل من رأى في منامه أنه رآه فقد رآه حقيقة، بدليل أن الرائي قد يراه مرات على صور مختلفة، ويراه الرائي على صفة، وغيره على صفة أخرى، ولا يجوز أن تختلف صور النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا صفاته، وإنما معنى الحديث: من رآني على صورتي التي خُلِقتُ عليها فقد رآني، إذ لا يتمثل الشيطان بي ... "، إلى أن قال الشاطبي -رحمه اللَّه-: "فهذا ما نقل عن ابن رشد، وحاصله يرجع إلى أن المرئي قد يكون غير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإن اعتقد الرائي أنه هو"، ثم قال: "نعم لا يَحكم بمجرد الرؤيا حتى يعرضَها على العلم، لإمكان اختلاط أحد القسمين بالآخر، وعلى الجملة فلا يَستدل بالرؤيا في الأحكام إلا ضعيف المُنَّة (1)، نعم يأتي المرئي تأنيسًا وبشارة ونذارة خاصة، بحيث لا يقطعون بمقتضاها حكمًا، ولا يبنون عليها أصلًا، وهو الاعتدال في أخذها، حسبما فُهم من الشرع فيها، واللَّه أعلم" اهـ (2).


(1) المُنَّة: القوة، يقال: ليس لقلبه مُنَّة.
(2) "الاعتصام" (1/ 260 - 264) بتصرف.

- وقال الإمام الشاطبي -رحمه اللَّه - تَعَالَى- في سياق الرد على من يحتج بالإلهام والكشف والرؤى المنامية:

(هذه الأمور لا يصح أن تُراعى وتُعتبر؛ إلا بشرط ألَّا تخرم حكمًا شرعيًّا، ولا قاعدة دينية، فإن ما يخرم قاعدة شرعية أو حكمًا شرعيًّا ليس بحق في نفسه، بل هو إما خيال أو وهم، وإما من إلقاء الشيطان، وقد يخالطه ما هو حق وقد لا يخالطه، وجميع ذلك لا يصح اعتباره من جهة معارضته لما هو ثابت مشروع، وذلك أن التشريع الذي أتى به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عام لا خاص، وأصله لا ينخرم، ولا ينكسر له اطراد، ولا يحاشَى من الدخول تحت حكمه مكلف، وإذا كان كذلك، فكل ما جاء من هذا القبيل الذي نحن بصدده مضادًّا لما تمهد في الشريعة؛ فهو فاسد باطل.

ومن أمثلة ذلك: مسألة سئل عنها ابن رشد في حاكم شهد عنده عدلان مشهوران بالعدالة في أمر، فرأى الحاكم في منامه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "لا تحكم بهذه الشهادة؛ فإنها باطل"، فمثل هذه الرؤيا لا معتبرَ بها في أمر ولا نهي، ولا بشارة ولا نذارة، لأنها تخرم قاعدة من قواعد الشريعة، وكذلك سائر ما يأتي من هذا النوع، وما روي "أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- أنفذ وصية رجل بعد موته برؤيا رؤيت (1)؛ فهي قضية عين لا تقدح في


(1) قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الإصابة (1/ 395، 396):
"وفي البخاري مختصرًا والطبراني مطولًا عن أنس -رضي الله عنه- قال: "لما انكشف الناس يوم اليمامة قُلتُ لثابت بن قيس: ألا ترى يا عم؟ ووجدته يتحنط، فقال: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بئس ما عودتم أقرانكم، اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، ومما صنع هؤلاء، ثم قاتل حتى قُتل، وكان عليه درع نفيسة، فمر به رجل مسلم فأخذها، فبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه، فقال: إني أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حُلم فتضيعه؛ إني لما قُتلت أخَذَ درعي فلان، ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس تستن -أي تعدو مرحًا ونشاطًا-، وقد كفى على الدرع بُرمة، وفوقها رَحْل، فأتِ خالدًا فمره فليأخذها، وليقل لأبي بكر: إن عليَّ من الدين كذا وكذا، وفلان عتيق.
فاستيقظ الرجل فأتى خالدًا، فأخبره، فبعث إلى الدرع فأتى بها، وحدث أبا بكر برؤياه، فأجاز وصيته. ورواه البغوي من وجه آخر عن عطاء الخراساني عن بنت ثابت بن قيس مطولًا. اهـ، وانظر ص (142).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- في "الاختيارات الفقهية" (189): "وتصح الوصية بالرؤيا الصادقة =

القواعد الكلية لاحتمالها، فلعل الورثة رضوا بذلك، فلا يلزم منها خَرْم أصلًا".

وعلى هذا فلو حصلت المكاشفة بأن هذا الماء المعين مغصوب أو نجس، أو أن هذا الشاهد كاذب، أو أن المال لزيد وقد تحصَّل بالحجة لعمرو، أو ما أشبه ذلك؛ فلا يصح له العمل على وفق ذلك ما لم يتعين سبب ظاهر؛ فلا يجوز له الانتقال إلى التيمم، ولا ترك قبول الشاهد، ولا الشهادة بالمال لزيد على حال، فإن الظاهر قد تعيَّن فيها بحكم الشريعة أمر آخر، فلا يتركها اعتمادًا على مجرد المكاشفة، أو الفراسة، كما لا يعتمد فيها على الرؤيا النومية، ولو جاز ذلك؛ لجاز نقض الأحكام بها؛ وإن ترتبت في الظاهر موجباتها، وهذا غير صحيح بحال، فكذا ما نحن فيه.

وقد جاء في "الصحيح": "إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأحكمَ له على نحو ما أسمع منه" الحديث؛ فقيد الحكم بمقتضى ما يسمع، وترك ما وراء ذلك، فلم يحكم إلا على وفق ما سمع، لا على وفق ما علم، وهو أصل في منع الحاكم أن يحكم بعلمه) (1) اهـ.


= المقترنة بما يدل على صدقها من إقرار كاتب أو إنشاء؛ لقصة ثابت بن قيس التي نفذها الصديق رضي الله عنه". اهـ.
(1) "الموافقات" (2/ 457 - 459).

نصوص أُخَر لبعض أهل العلم في المسألة

ذكر جماعة من أهل العلم منهم أبو إسحاق الإسفراييني أن من رأى النبي صلى الله عليه وأله وسلم في المنام وأمره بأمر يلزمه العمل به، ويكون قوله حجة (1).

وقد أبى جمهور العلماء هذه الطريقة، واتفقوا على أن أي شيء مما ينتج عن الرؤيا إذا خالف الشريعة مردود، وإن وافقها فهو أمارة يؤتنس بها، وإن لم يوافقها ولم يخالفها جاز العمل بها، وهاك بعضَ نصوصِهم:

- قال شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه-: "الرؤيا المحضة التي لا دليل على صحتها؛ لا يجوز أن يثبت بها شيء بالاتفاق" (2).

ونقل ابن مفلح عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- قال: "الإسرائيليات والمنامات لا يجوز أن يثبت بها حكم شرعي لا استحباب ولا غيره، ولكن يجوز ذكره في الترغيب والترهيب فيما لو عُلِم حُسْنُه أو قُبْحه بأدلة الشرع؛ فإنه ينفع ولا يضر، واعتقاد موجبه قدر ثواب وعقاب يتوقف على الدليل الشرعي" (3). اهـ.

  • واعترض الإمام أبو محمد علي بن حزم -رحمه الله- على من استدل على تحريم القُبلة على الصائم بما رواه بإسناده عن (عمر بن حمزة (4) أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: رأيت رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- في المنام، فرأيته لا ينظرني، فقلت: يا رسول اللَّه، ما شأني؟! فقال: ألست الذي تُقَبِّل وأنت صائم؟! قلت: فوالذي بعثك بالحق، لا أُقَبِّل بعدها وأنا صائم.

(1) انظر: "المدخل" لابن بدران ص (139).
(2) "مجموع الفتاوى" (27/ 457، 458).
(3) "مصائب الإنسان من مكائد الشيطان" ص (173).
(4) وهو ضعيف كما في "التقريب" ص (411) رقم (4884)، وضعفه أحمد، وابن معين، والنسائي.

قال أبو محمد: الشرائع لا تؤخذ بالمنامات، لا سيما وقد أفتى رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- عمر في اليقظة حيًّا بإباحة القبلة للصائم (1)، فمن الباطل أن ينسخ ذلك في المنام ميتًا! نعوذ باللَّه من هذا.

ويكفي من هذا كله أن عمر بن حمزة لا شيء). اهـ (2).

- وقال الإمام النووي -رحمه اللَّه-: "إن الرائي وإن كانت رؤياه حقًّا، ولكن لا يجوز إثبات حكم شرعي بما جاء فيها، لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي، وقد اتفقوا على أن من شروط مَن تُقبل روايته وشهادته: أن يكون متيقظًا لا مغفلًا ولا كثير الخطأ، ولا مختلَّ الضبط، والنائم ليس بهذه الصفة" (3). اهـ.

- وقال ابن الحاج -رحمه اللَّه-: (إن الله لم يكلف عباده بشيء مما يقع لهم في منامهم لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة ... " عَدَّ منهم: "النائم حتى يستيقظ"، لأنه إذا كان نائمًا فليس من أهل التكليف، فلا يعمل بشيء يراه في نومه) (4) اهـ.

- وقال الامام القرافي -رحمه اللَّه-: "فلو رآه عليه السلام، فقال له: إن امرأتك طالق ثلاثًا، وهو يجزم بأنه لم يطلقها؛ فهل تحرم عليه لأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يقول إلا حقًّا؟ وقع فيه البحث مع الفقهاء، واضطربت


(1) يشير إلى ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: هَشِشْتُ فقبلتُ وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمرًا عظيمًا، قبلت وأنا صائم، قال: "أرأيت لو مضمضتَ من الماء وأنت صائم؟ "، قُلْتُ: لا بأس به، قال: "فمَهْ؟! " أخرجه أبو داود (2385)، وغيره، وصححه الألباني -رحمه الله-.
(2) "المحلى" (6/ 208، 209).
(3) نقله عنه د. محمد الأشقر في "أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -" (2/ 162).
(4) "نفسه".

آراؤهم في ذلك بالتحريم وعدمه، لتعارض خبره عليه السلام عن تحريمها في النوم، وإخباره في اليقظة في شريعته المعظمة أنها مباحة له، والذي يظهر لي أن إخباره عليه السلام في اليقظة مقدم على الخبر في النوم لتطرق الاحتمال للرائي بالغلط في ضبط المثال" (1). اهـ.

وسُئل العز بن عبد السلام -رحمه الله- عن ثواب القراءة المُهْدى للميت: هل يصل أو لا؟ فأجاب بما ملخصه:

"ثواب القراءة مقصور على القارئ، لا يصل إلى غيره"، إلى أن قال: "والعجب أن من الناس من يثبت ذلك بالمنامات، وليست المنامات من الحُجَج الشرعية التي تثبت بها الأحكام" (2).

وقال العلامة عليُّ بن سلطان محمد القاري -رحمه اللَّه-: "لا اعتماد على رؤية المنام في غير حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مع أن الرؤى قد تحتاج إلى تعبير يناسب الرائي أو غيره في هذا المقام، فلو فرض أن أحدًا رأى النبي عليه الصلاة والسلام، وأمره بفعل شيء أو تركه على خلاف قواعد الإسلام؛ فليس له القيام بذلك الأمر بإجماع علماء الأنام" (3).اهـ.

وقال العلامة الشوكاني- رحمه اللَّه-: "إن الشرع الذي شرعه اللَّه لنا قد كمَّله اللَّه -عَزَّ وجَلَّ-، وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] ..

ولم يبق بعد ذلك حاجة للأمة في أمر دينها، وقد انقطعت البعثة لتبليغ الشرائع وتبيينها بالموت، وبهذا تعلم أنا لو قدَّرنا ضبط النائم لم يكن ما رآه من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أو فِعْلِهِ حجةً عليه ولا على غيره من الأمة" (4) اهـ.


(1) "الفروق" (4/ 245، 246).
(2) "فتاوى سلطان العلماء العز بن عبد السلام" ص (43، 44).
(3) "المقدمة السالمة في خوف الخاتمة" ص (22).
(4) "إرشاد الفحول" ص (249).

وقال العلامة عبد العزيز بن باز -رحمه اللَّه-:

"أما اعتماد المنامات في إثبات كون فلان هو المهدي؛ فهو مخالف للأدلة الشرعية ولإجماع أهل العلم والإيمان، لأن المرائي مهما كثرت لا يجوز الاعتماد عليها في خلاف ما ثبت به الشرع المطهر، لأن الله سبحانه أكمل لنبينا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ولأمته الدين، وأتم عليهم النعمة قبل وفاته -عليه الصلاة والسلام-، فلا يجوز لأحد أن يعتمد شيئًا من الأحلام في مخالفة شرعه -عليه الصلاة والسلام-" (1).

وأخيرًا إليك هذه الوقائع:

[الأولى]

حكى العثماني قاضي صفد أنه توجه لزيارة الشيخ الزاهد الفقيه الشافعي فرج بن عبد اللَّه المغْرِبي الصفدي صحبة الشيخ تاج الدين المقدسي، فجرت مسألة النظر إلى الأمرد، وأن الرافعي يُحَرِّمُ بشرط الشهوة، والنووي يقول: "يحرم مطلقًا"، فقال الشيخ فرج: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في المنام، فقال لي: "الحق في هذه المسألة مع النووي"، فصاح الشيخ تاج الدين، وقال: "صار الفقه بالمنامات؟! "، فخضع الشيخ فرج، وقال: "أستغفر الله، أنا حكيت ما رأيت، والبحث له طريق"، فسكت الشيخ تاج الدين، وقال: "نحن في بيتك" (2).

[الثانية]

في إحدى السنوات تراءى الناس الهلال -هلال رمضان- فلم يروه، فجاء رجل إلى قاضي البلد يقول له:

"لقد رأيت الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- البارحة في المنام، وأخبرني أن الليلة من رمضان، وأمرني والمسلمين بالصيام".


(1) "جريدة عكاظ" (18/ 1/ 1400 هـ).
(2) "الدرر الكامنة" (3/ 311، 312).

فقال له القاضي: "إن الذي تزعم أنك رأيته في المنام، قد رآه الناس في اليقظة جَهَارًا نَهارًا، وقال لهم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)؛ فلا حاجة بنا إلى رؤياك" (1).

[الثالثة]

رُوِيَ أن رجلًا رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في النوم، فقال له: "اذهب إلى موضع كذا فاحفره، فإن فيه رِكَازًا (2)، فخذه لك، ولا خُمسَ عليك فيه"، فلما أصبح ذهب إلى ذلك الموضع، فحفره فوجد الرِّكَازَ فيه، فاستفتى علماء عصره، فأفتوه: بأن لا خُمسَ عليه لصحة الرؤيا، وأفتى العز بن عبد السلام بأن عليه الخمسَ، وقال: أكثر ما يُنَزَّلُ منامُه منزلةَ حديثٍ صحيح، وقد عارضه ما هو أصحُّ منه، وهو حديث "في الرِّكَازِ الخْمُسُ" (3).

وحكى الغزالي عن بعض الأئمة: أنه أفتى بوجوب قتل رجل يقول بخلق القرآن، فروجع فيه، فاستدل بأن رجلًا رأى في منامه إبليس قد اجتاز بباب المدينة، ولم يدخلها، فقيل: "هل دخلتها؟ " فقال: "أغناني عن دخولها رجل يقول بخلق القرآن -وذكر اسمه-"، فقام ذلك الرجل، فقال: "لو أفتى إبليس بوجوب قتلي في اليقظة هل تقلدونه في فتواه؟ " فقالوا: "لا"، فقال: "قوله في المنام لا يزيد عن قوله في اليقظة! " (4).

يقول الدكتور عمر الأشقر -حفظه اللَّه-: "الرؤيا لا تُعَدُّ تشريعًا، وبعض الأفراد والجماعات تجعل من الرؤى، والتجليات، والأفكار، وأحاديث القلوب مصدرًا تشريعيًّا ينافس القرآن والسنَّة، وقد يُقَدَّمُ عليهما.


(1) "قضايا في المنهج" ص (15).
(2) الركاز: المراد به هنا الأجزاء المستقرة في الأرض من المعادن والجواهر كالذهب والفضة والنحاس، وانظر: "الرؤى والأحلام في السنة النبوية" تأليف عبد الله العمري ص (53).
(3) "شرح الزرقاني على الموطأ" (2/ 101)، والحديث في البخاري (1499)، ومسلم (1710).
(4) "الاعتصام" للشاطبي (1/ 262).

الرُّؤيَا الصادقة ما هي إلا مبشِّرٌ بأمر سارٍّ، وقد تكون دعوةً إلى الاستقامة، وقد تكون تثبيتًا على الحق، وقد تُنَفِّرُ من الباطل، ولكنها لا تُشَرِّعُ شيئًا جديدًا، وقد جادلني رجل كان يَسِيرُ على بدعة لم يُشَرِّعْهَا اللَّه؛ إذ كان يَقُومُ على القبور بعد أن يُدْفَنَ أصحابها؛ لِيُلَقِّنَ الميتَ حُجَّتَهُ، ويعرفَه بما يجيب به رسلَ ربه، جادلني هذا الرجل بأن هذا مشروع، بدليل أنه رأى في منامه كيف يُفْعَلُ بالميت منذ نزع الروح إلى الدفن، وكان هذا التلقين مما رآه يُفعل، فقلت له: إن ديننا تامٌّ كامل، لا ينتظر شخصًا يكمله بالرؤيا والمنام، وكيف يكون جوابك عندما يأتيك آخَرُ يزعم أنه رأى خلاف ما رأيت؟!

ومن الذي نتبعه: أنت أم هو؟ كلا، لا نتبع إلا خير الهدي؛ هديَ محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-" (1).

* * *


(1) "جولة في رياض العلماء وأحداث الحياة" ص (114).

  • الثلاثاء PM 12:57
    2022-08-02
  • 3797
Powered by: GateGold