ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
الإِلهَامُ والكَشفُ والتَّحدِيث
[تعريف الإلهام لغة]
1 - يأتي بمعنى: إلقاء الشيء في الروع، ويختص ذلك بما كان من جهة اللَّه -تعالى- وجهة الملأ الأعلى، قال تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (1) [الشمس: 8] (2).
وأصله من: التهام الشيء، وهو: ابتلاعه، يُقال: التهم الفصيلُ ما في الضَّرْع، وفرسٌ لَهِم، كأنه يلتهم الأرض لشدة عدوه (3).
وقال ابن الأثير: "الإلهام: أن يلقي الله في النفس أمرًا يبعثه على الفعل أو الترك، وهو نوع من الوحي يخص الله به من يشاء من عباده" (4).
(1) "تاج العروس" ص (55)، و"مختار الصحاح" ص (253).
(2) وهذا هو الموضع الوحيد في القرآن الكريم الذي جاء فيه لفظ "الإلهام" صريحًا، لكنه ورد بالمعنى في قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68]، وهذا إلهام لغير مكلف، أما إلهام المكلفين ففي فوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} الآية [القصص: 7]، وقوله عز وجل: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} الآية [المائدة: 111]، وانظر: "لسان العرب" (2/ 555).
وأما السنة الشريفة فقد عبَّر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إن روح القُدُس نفثُ في روعي أن نفسًا لن تموت، حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب". رواه البغوي في "شرح السنة" (4112)، وله شواهد كثيرة ترتقي به إلى الصحة، انظرها في "حاشية الموافقات" (4/ 465، 466).
وجاء معنى الإلهام أيضًا في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قد كان يكون في الأمم قبلكم مُحَدَّثون، فإن يكن في أمتي منهم أحد؛ فإن عمر بن الخطاب منهم". رواه مسلم (4/ 1864)، والمحدَّثون هم المُلْهَمون، كما سيأتي ص (211).
(3) "المفردات في غريب القرآن" ص (455) ط. دار المعرفة.
(4) "النهاية في غريب الحديث والأثر" (4/ 284).
2 - ويأتي بمعنى: الإيقاع في القلب، ويشمل ما كان من جهة الله -تعالى- أو بواسطة الشيطان (1).
قال السمرقندي في "الميزان":
"تفسيره لغةً: إيقاع شيء في قلب العاقل يُفضي إلى العمل به، ويحمله عليه، ويميل قلبه إليه، حقًّا كان أو باطلًا، قال تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَها وَتَقْوَاهَا}، وذلك قد يكون بواسطة الشيطان وهوى النفس فيُسمى وسوسة" (2).
وفي "تاج العروس": "يُقال الإلهام: إيقاع شيء في القلب يطمئن له الصدر، يخص به الله من يشاء من عباده" (3).
أما تفسيره عرفًا: فيستعمل فيما يقع في القلب بطريق الحق دون الباطل، ويدعو إلى مباشرة الخيرات دون الشهوات والأماني (4).
3 - ويأتي بمعنى: التلقين: قال الفيروزآبادي: "ألهمه الله خيرًا، لقَّنه إياه" (5).
(1) وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن للشيطان لَمَّة بابن آدم، وللمَلَك لمة، فأما لمة الشيطان؛ فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأما لمة المَلَك؛ فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك، فليعلم أنه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى، فليتعوذ بالله من الشيطان، ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا}، أخرجه الإمام أحمد (1/ 235)، والترمذي رقم (2988)، والنسائي (11051)، وابن حبان (997) (3/ 278 - إحسان)، ورواه الحاكم (1/ 265)، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وأخرجه الطبراني في "الكبير" (10426)، وقال الهيثمي في "المجمع": "وإسناده جيد". اهـ. (10/ 679).
(2) "الميزان" ص (678).
(3) "تاج العروس" ص (255).
(4) "الميزان" ص (668).
(5) "القاموس المحيط" (2/ 255).
تعريف الإلهام اصطلاحًا:
تدور تعريفات الأصوليين حول معنى أن الإلهام: عبارة عن إلقاء معنى، أو فكرة، أو خبر، أو حقيقة في النفس، أو القلب، أو الروع، بطريق الفيض، بمعنى: أن يخلق الله -تعالى- فيه علمًا ضرورًّيا (1)، لا يملك المكلَّفُ دفعه بحالٍ من الأحوال.
وتحصيله لا يتأتى بطريق التعليم والاكتساب المعهود، بل يُفاض على النفس فيضًا بغير اختيارها ولا إرادتها، فهو لا يُطلب وإنما يُوهب.
ومن ثَمَّ فإن أدق تعريف للإلهام ما عَرَّفه به القاضي الدبوسي -رحمه اللَّه- إذ قال:
"ما حَرَّك القلبَ بعلمٍ يدعوك إلى العمل به من غير استدلالٍ بآية، ولا نظرٍ في حجة" (2).
(1) وثمرة العلم الضروري أنه إذا ألقي في القلب يحرك العمل، ويبعث على الفعل أو الترك.
(2) "تقويم الأدلة" ص (392)، وعلَّق عليه السمرقندي فقال: "وهو حدٌّ صحيح، فإن الإلهام في عرف الناس ما يكون من الله -تعالى- بطريق الحق". اهـ. من "ميزان الأصول في نتائج العقول" ص (679).
[إلهام الأنبياء وحي]
بَيَّن اللَّهُ -تعالى- مقامات وحيه إلى أنبيائه فقال: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51].
[فالمقامات ثلاثة]
الأول: الإلقاء في روع الموحَى إليه، بحيث لا يمتري النبي في أن هذا الذي ألقي في قلبه من الله -تعالى-، كما في حديث: "إن روح القدس نفث في روعي" الحديث (1)، وهذا هو الإلهام، قال الزركشي: "من جملة طرق الوحي: الإلهام" (2).
ومنه: رؤيا الأنبياء بلا شك، ولذلك بادر إبراهيم -عليه السلام- إلى ذبح ولده، قال تعالى في شأن إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 102 - 105].
وفي الحديث المتفق عليه قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-:
"أول ما بدئ به رسول الله -صلى اللَّه عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحة ي النوم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" (3).
[المقام الثاني: تكليم الله لرسله من وراء حجاب]
كما وقع لموسى -عليه السلام-، قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا
وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143].
وكما وقع لآدم عليه السلام، قال عز وجل: {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة: 33]. وكلم الله عبده ورسوله محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- عندما عُرج به إلى السماء.
المقام الثالث: الوحي إلى الرسول بواسطة مَلَك الوحي جبريل عليه السلام، ونادرًا ما يوحي إليه بواسطة غيره من الملائكة (4).
(1) تقدم تخريجه آنفًا.
(2) "البحر المحيط" (6/ 105).
(3) رواه الإمام أحمد (6/ 232، 233)، والبخاري (4956)، (6982)، ومسلم (160) (253)، غيرهم.
(4) انظر: "عالم الملائكة الأبرار" للدكتور عمر سليمان الأشقر ص (46 - 50).
-
الثلاثاء AM 11:16
2022-08-02 - 2532