المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413822
يتصفح الموقع حاليا : 299

البحث

البحث

عرض المادة

حق الخالق وحق العباد

بقلم: فاتن صبري
Www.fatensabri.com  
من كتاب: دين عالمي 

كم تعجبت خلال تجوالي حول العالم من اهتمام الجميع بالمطالبة بحقوق الإنسان وحقوق الحيوان وحقوق المرأة،  حتى انتهوا بحقوق المثليين والذين لا يملكون إلا ميول شاذة خارقة لقوانين الكون.  وهل ميولي للسفر والتجوال على سبيل المثال يجعل لي حق على الدولة أن تدعمني ماليًا ومعنويًا لتحقيق رغباتي وميولي حتى وإن كانت طبيعية؟ 

وبغض النظر عن التناقض الملحوظ في تصرفات البشر بهذا الخصوص، فقد تناسوا أهم حق وهو حق الخالق الذي خلقهم وصورهم وأعطاهم حرية الاختيار. ونسوا أيضًا المطالبة بحقهم في التواصل مع الخالق مباشرة.

قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الأنعام:151).
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (الأنعام:152).

إن الدين هو: مجموعة العلاقات والأخلاقيات والقيم التي تربط الإنسان بخالقه، وبِالمجتمع من حوله.

  • أولا: جزء يختص بالعلاقة مع رب العالمين.
  • ثانيا: جزء يختص بتنظيم العلاقات الإنسانية.

تُشدِّد الوصايا في الآيات الكريمة أعلاه، على المحافظة على الحقوق، وعلى رأسها حق رب العالمين في عبادته مباشرة وليس من خلال قديس ولا قسيس، وهي النقطة التي تُغطي العلاقة بين الانسان وخالقه.

ومن ثم حق الوالدين بِالإحسان لهما، ومن ثم حق الأولاد والذرية في الحصول على حياة كريمة، والنهي عن اقتراف الفواحش أو حتى الاقتراب منها، وعدم قتل النفس البشرية بغير حق، والمحافظة على مال اليتيم، والقسط في الوزن والمِكيال، والعدل عند القول والفعل، والوفاء بالعهود، وعلى رأسها العهد مع رب العالمين.

ورغم وجود هذه الوصايا في الديانات الأخرى المنتشرة في العالم، إلا أنه من العجيب، أنني وجدت من خلال حواراتي مع غير المسلمين أنهم يتذكرون جميع الوصايا إلا الوصية الأولى، فعندما أطلب منهم سردها لي، فإنهم غالبًا ما يبدؤون من الثالثة، ويُعللون ذلك بأنهم دائمًا ما ينسون الوصية الأولى والثانية، والتي تنص على أهمية عبادة الله وحده من غير وسيط. وهذا دليل على تجاهل هذه الوصايا بصورة متعمدة، من قبل رجال الدين والمُؤسسات الدينية، لكسب فوائد دنيوية وسياسية.

سألني بوذي من دولة تايلاند يومًا:

تعتمد البوذية في تعاليمها على أن الإنسان مسؤول عن تصرفاته ويجب أن يتصرف بما يُرضي ضميره، بينما يقول الإسلام إن أفعال الإنسان تُقدر له يوم ينفخ الله فيه الروح في بطن أمه.

مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  (الحديد 22).

مما يجعل المسلم اتكالي على الله إلى أبعد الحدود.

قلت له: جعل الله تبارك وتعالى للعبد اختيارا ومشيئة ومنحه إرادة يختار بها طريق الخير أو الشر، وبها يفعل ما يريد، وعلى أساس هذه الحرية يحاسب الإنسان على أفعاله وأقواله. ولذلك فالإختيار مع وجود العقل وعدم الإكراه هو مناط التكليف وإذا فُقِد العقل أو الحرية زال التكليف.

ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه إذا سلب ما وهب أسقط ما أوجب. وعلى الرغم من أن الأعمال جميعها مسجلة عند الخالق، لكنها غير مفروضة على الإنسان. إنما هي في علمه المسبق.

 ويمكن تشبيه ذلك بتوقعنا المسبق لتصرفات أطفالنا نظرا لإدراكنا لطبيعة شخصيتهم وهذا لا يعني أننا نجبر أطفالنا على هذه التصرفات. فإن رب العالمين - وله المثل الأعلى- يعلم طبيعة البشر، فهو الذي خلقنا ويعلم ما في قلوبنا من الرغبة بالخير أو الشر ويعلم نوايانا ومطلع على أفعالنا وكون هذا العلم مسجل عنده لا يلغي أو يناقض حرية اختيارنا. علما بأن الله علمه مطلق وتوقعات البشر تصيب وتخطئ.

يمتلك الإنسان حرية الاختيار فقط في حدود معرفته وإمكانياته. الحساب يكون مرهون بوجود المسؤولية وإمكانية الاختيار، فالخالق لن يحاسب المرء على شكله ووضعه الإجتماعي وانتمائه القبلي، لأن كل ذلك خارج عن نطاق امكانياته واختياره.

الإيمان بوجود خالق للكون التزام ومسؤولية، فالإيمان يجعل الضمير متيقظًا، ويحث المؤمن على محاسبة نفسه في كل صغيرة وكبيرة، المؤمن مسؤول عن نفسه وأسرته وجاره وحتى عن عابر السبيل، وهو يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله، ولا أظن أن هذه من صفات مدمني الأفيون التي يوصم بها المؤمنون اليوم. عدم الإيمان بخالق يدعو أتباعه إلى المادية، وتهميش علاقتهم مع خالقهم برفضهم للدين والتخلي عن المسؤوليات والواجبات، وحثهم على الاستمتاع باللحظة التي يعيشونها بغض النظر عن العواقب، فيفعلوا ما يحلو لهم حال الأمن من العقوبة الدنيوية، معتقدين بعدم وجود رقيب أو حسيب إلهي، ولا بعث أو حساب.

حقوق اﻹنسان

 

أذكر أنني واجهت نقاشًا عنيقًا مع علماني عربي:

حيث قال:

إن البشر هم من لهم الحق في تحديد الحقوق الطبيعية.

قلت له:

تخيل أنك كنت ضيف على شخص يملك منزل ضخم يحتوي غرف مفروشة بأثاث جميل وطاولة طعام وأدوات مطبخ، الخ.

والسؤال هنا:

هل يحق لك أن تأكل على طاولة طعامه، وتستخدم أدوات مطبخه أو تكسر أحد قطع أثاثه دون إذنه؟

طبعًا هذا الفعل سيكون مذمومًا عند كل عاقل، لأنك تصرفت في ملك غيرك دون إذنه.

السؤال اﻵن:

لو سمح لك مالك المنزل بالتصرف في موجودات المنزل، هل يحق لك التصرف في هذه الحالة؟

بالطبع يختلف جواب العقل هنا وأصبح يجيب باﻹثبات.

فلماذا اختلفت اﻹجابة هنا؟

اختلفت اﻹجابة لأن مفهوم الحق مرتبط ارتباطًا كليًا بمفهوم الملكية.

فالمالك (اﻹنسان) الحكيم العاقل العادل هو الوحيد الذي له حق التصرف في ملكه، وهو الوحيد الذي له الصلاحية أن يعطي الغير الحق في أن يتصرف في ملكه. وبدون إذن المالك يُعتبر أي تصرف في موجودات المنزل تصرف في ملك الغير، وهو فعل مذموم وقبيح عند عقلاء البشر.

يبني العقل على أن هذا الكون له خالق أوجده من العدم، وهذا الخالق يتصف بصفات الكمال.

السؤال هنا:

هل العقل يخبرنا أن هذا الكون هو مخلوق فقط لهذا الخالق؟ أم هو مملوك أيضًا لهذا الخالق؟

فالخالق مالك أيضًا.

على سبيل المثال:

عندما أصنع شيئًا بجهدي وتعبي، فلسوف يفهم الناس مباشرة أنني مالكة لهذا اﻹختراع.

فإذا كان العقل يحكم على مصنوعات البشر  بالملكية لمن صنعها، والتي لم تُصنع من العدم، فما بالك بمن خلق الكون بما فيه من مخلوقات، فهو أجل وأعلى لأنه خلق من العدم، فملكية الخالق هي الملكية الحقيقية.

فبما أن الخالق (الله تعالى) مالك لما يخلق، فبالتالي إن تصرفه في الكون ليس لأنه هو المالك فقط؛ بل هو المالك، وتصرفه عن ملك وحكمه وعدل، و هو الوحيد الذي له الحق بتحديد الحقوق والحريات فيما يخص ملكه.

نفهم مما سبق أنه لا بد أن تستند الحقوق على ما يحدد الخالق للبشر عن طريق التواصل معه.

سألني بريطاني مسن يومًا:

ما هو الدليل على تواصل الخالق مع خلقه عن طريق الرسل؟

قلت له:

يوجد في داخل النفس البشرية دافعًا فطريًا شديدًا لمعرفة أصله ومصدر وجوده والغاية من وجوده، إن فطرة الإنسان تدفعه دومًا للبحث عن المتسبب بوجوده. غير أن الإنسان وحده لا يمكن له أن يُميِّز صفات خالقه والهدف من وجوده ومصيره إلا من خلال تدخل هذه القوى الغيبية، وذلك بإرسال رسل لتكشف لنا عن هذه الحقيقة.

مثلاً إذا بنى الإنسان مسكنًا، ثم تركه بدون منفعة له أو لغيره أو حتى لأولاده، فإننا بطبيعة الحال نحكم عليه بأنه إنسان غير حكيم أو غير سوي.

 لذلك – ولله المثل الأعلى- فإنه من البديهي أن يكون هناك حكمة من خلق الكون، وتسخير ما في السماوات والأرض للإنسان.

فنفهم من هذا أن تشريع حقوق للإنسان وغيرها من دون اعتبار لوجود الخالق هو تصرف في ملك الغير، وبالتالي فهو عمل مذموم، ناقص، وفاقد للقيمة المنطقية العقلية والحكمة.

مما سمعت ولفت انتباهي:

في العاشر من ديسمبر من عام 1948 وفي باريس تحديدًا، اعتمدت اﻷمم المتحدة اﻹعلان العالمي لحقوق اﻹنسان بوصفه  على أنه المعيار المشترك الذي ينبعي أن تستهدفه كافة الشعوب واﻷمم، وهو يحدد وللمرة اﻷولى حقوق اﻹنسان اﻷساسية التي يتعين حمايتها عالميًا، مثل حق حرية الحياة وحرية اﻹعتقاد، وحرية التعبير، والحق في التعليم والملكية الخ.

 تبدو هذه الحقوق عقلية ومنطقية ولكن تُذكر دون أي دليل واضح عليها.

بينما يكثر الاستدلال على صحتها بطريقتين:

  • التنبيه على فائدتها وأثرها.

فمثلاً ذُكر في وثيقة حقوق اﻹنسان:

” كان غاية ما يرنو إلية عامة البشر هو انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة، ويتحرر من الفزع والفاقة”.

  • توافقها مع طبيعة البشر، وميلهم إليها واضطرارهم لها.

يقول الفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو" وهو أحد المنظرين لفكرة الحقوق الطبيعية:

"الحرية جزء من طبيعة اﻹنسان، واﻹنسان لا يستطيع التنازل عن طبيعته".

 لكن هل هذه الطرق في اﻹستدلال صحيحة و منطقية؟

ما المقصود أصلاً بالحق؟

الحق هو الشيء الثابت الفاعل الذي يقبح عدم مراعاته من قبل الجميع وبلا استثناء، مثل التعامل بالعدل والوفاء بالعهد وحفظ اﻷمانة، الخ.

فبناءً على ذلك تكون الطريقه الأولى للإستدلال على الحقوق من خلال بيان أثرها لا يصح عقلاً، لأنه بمجرد كون حقوق اﻹنسان نافعة لشخص معين أو لمجموعة من الناس لا يعني أنه حق من حقوقه ويجب على اﻵخرين مراعاته، وبمجرد كون فكرة ما لصالحي لا يعني أنها صحيحة.

فبمجرد كونها مصالح لا يجعلها حقوق طبيعية ملزمة للآخرين.

 

بالنسبة للطريقة الثانية وهي الاستدلال على الحقوق عن طريق توافقها مع طبيعة البشر، فهنا نسأل سؤال مهم:

هل مجرد الميل النفسي لأمر ما يعتبر المسوغ للمطالبة فيه واعتباره حق؟

لقد وجدت خلال سفري أن في بعض الدول اﻷفريقية يميل الناس إلى قضاء حاجتهم في الطرق العامة وأمام الجميع، فهل يجعل هذا الميل لهم الحق على اﻵخرين بدعمهم والدفاع عن حقوقهم؟

هل ميل السارق إلى السرقة حق من حقوقه؟

فعقلاً الميل اﻹنساني لفكرة معينة لا يجعلها صحيحة، بل المعتمد دائمًا وأبدًا هو تقديم دليل عقلي ومنطقي يوضح بدقة جوابًا على هذا السؤال.

لماذا يملك اﻹنسان حق على اﻵخرين يجب عليهم مراعاته؟

فلا يكفي لإجابة هذا السؤال أن يقال لأنها تتوافق مع طبيعته وميله فيجب على الجميع مراعاتها.

سألتني أمريكية يومًا قائلة: لماذا لا تعترفون أنتم المسلمون بحقوق المثليين؟

قلت لها: وهل تعترفين بحق ممارسة زنا المحارم؟

قالت: لا، لا أعترف. هذا التصرف مشين ويؤثر على السلامة العقلية لأفراد المجتمع.

قلت لها: لماذا؟ وهل أنتِ من يقرر نوعية الحقوق المسموحة والمؤثرة على السلامة العقلية من عدمها؟

من أكثر من مئة عام كان الاعدام عقوبة المثلية الجنسية، وخففت العقوبة لاحقًا للمؤبد، ووصل التخفيف إلى عدد سنوات قليلة في السجن إلى أن وصل إلى غرامة مالية بسيطة، ثم السماح به لدرجة اعتباره حق شرعي ومدعوم ثم الدفاع عنه.

 ومن ثم عقاب من يهاجمه. من الذي يمنع البشر لاحقًا من اتباع نفس السياسة مع زنا المحارم؟ وقد شاهدت بالفعل مؤخرًا فيديو لأخ وأخته يطالبان بحقهما بإقامة علاقة زوجية وتسجيل زواجها رسميًا.

نحن بحاجة لنظام ثابت لا يحضع لأهواء البشر، من خالق البشر نفسه الذي يعلم طبيعتهم وما يصلح لهم وما لا يصلح.

هناك مشاكل فلسفية تعترض مفهوم حقوق اﻹنسان والحقوق الطبيعية.

ما هو مفهوم اﻹنسان؟

هل اﻹنسان هو الكائن الذي يتكون في بطن أمه قبل الولادة؟ أم أن اﻹنسان هو الطفل المولود؟ وهل المجنون إنسان؟ وماذا عن المعاق؟

لماذا يتم حصر الحقوق في اﻹنسان فقط؟

فإنه إذا كان هناك حق طبيعي ثابت لكل كائن حي مختار فليزم أن تشمل هذه الحقوق حقوق جميع الكائنات بلا استثناء.

فليزم مراعاة حق الحياة للحيوانات، والحشرات، والنباتات، بل حتى البكتيريا والجراثيم.

وإذا سلمنا بوجود فعلاً من يعترض على أكل لحوم الحيوانات من بعض النباتيين بحجة حقوق الحيوان، فلماذا لا تتم المطالبة بحق الحيوانات التي تحبس في الحدائق، والحشىرات التي تباد بالمبيدات، بل حتى الجراثيم التي تقتل بمعجون اﻷسنان. فعدم مراعاة حقوق هذه الكائنات يعتبر نقض للقاعدة اﻷساسية التي بنيت عليها نظرية الحقوق الطبيعية، بل ويُعتبر جريمة. فالخالق المالك لهذا الكون هو من يحدد نوع الحيوان الذي يُؤكل والحيوان الذي لا يُؤكل، وما لا ينفع فيجب أن نتخلص منه، وما ينفع فيجب علينا اﻹستفادة منه.

إذًا، نعود للسؤال المحوري: من الذي جعل هذا الحق للإنسان؟

هل اﻹنسان هو الذي جعل الحق للإنسان؟

من أين له هذا الحق أصلاً؟ وإذا ثبت أنه لا حق له في تأسيس الحقوق، فما هو البديل إذًا؟

لقد أسس دين اﻹسلام لحقوق وكرامة اﻹنسان منذ 14 قرنًا:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات:13).

 المساواة بين البشر عبارة عن خصوصية أخلاقية وليست حقيقة طبيعية أو مادية أو عقلية، فالناس من المنظور المادي أو الطبيعي أو العقلي بلا شك غير متساوين فمنهم الطويل والقصير ومنهم الأبيض والأسود على سبيل المثال، وتأسيسًا على الإيمان بالخالق والدين فقط يستطيع البشر المطالبة بالمساواة، فالقول إن البشر متساوون ممكن فقط إذا كان الإنسان مخلوقًا لله.

قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ( النساء:١).

يقول علي عزت بيجوفيتش:

"الأخلاق كظاهرة واقعية في الحياة الإنسانية، لا يمكن تفسيرها تفسيرًا عقليًا، ولعل في هذا الحجة الأولى والعملية للدين. فالسلوك الأخلاقي، إما أنه لا معنى له، وإما أن له معنى في وجود الله، وليس هناك اختيار ثالث. فإما أن نسقط الأخلاق باعتبارها كوْمة من التعصبات، أو أن نُدْخل في المعادلة قيمة يمكن أن نسميها الخلود، فإذا توافر شرط الحياة الخالدة، وأن هناك عالمًا آخر غير هذا العالم، وأن الله موجود، بذلك يكون سلوك الإنسان الأخلاقي له معنى وله مبرر”[1].

 مما قرأت وأعجبني:

" إن الملحد عندما ينكر وجود الإله بسبب وجود الشر فهو يناقض نفسه. يقر الملحدون أنهم لا يؤمنون بوجود إله، بدعوى أنهم لا يؤمنون إلا بما هو مادي محسوس، بالتالي ينكرون العالم الغيبي، من ملائكة، وجن، ورسالات سماوية، وأنبياء ومعجزات، ويعترفون في المقابل بالمادة «الطبيعة».

و الطبيعة أو المادة (البيئة) بإقرارهم محايدة تمامًا؛ لا تخضع لحتمية الشر ولا لحتمية الخير، فضلاً أن تكون خاضعة للأخلاق أو مصدرًا لها. وإذا كان الإنسان ابن الطبيعة، وماديًا محضًا، وفاقد الشيء لا يعطيه، فلماذا لم يكن الإنسان محايدًا هو الآخر عن الخير والشر والأخلاق؟[2]".

كيف يفتخر الملحد بأخلاقه بينما الطبيعة باعترافه لا تعرف الأخلاق حسب زعمه؟ هذا يعني أن المفاهيم الأخلاقية التي يفتخر بها الملحد هي هبة من الخالق التي ينكر هو وجوده، وهذا ما نصطلح عليه بالفطرة، التي أودعها الله فينا لنكون جاهزين لاستقبال رسالاته التي يبلغنا إياها بواسطة أنبياء ورسل.

 وهذه هي الرسالة، أما بالعقل فنتصل بالعالم الغيبي والعالم المادي:

غيبي ــ لأن جزءً مهمًا من العقل تجريدي – فنتعقَّل الرسالات السماوية.

المادي: لنستطيع إعماره وفق ما تمليه الرسالة السماوية الخُلقية.

يقول الملحد البريطاني "ريتشارد دوكنز" [3]: “إن الطبيعة ليست شريرة، لكنها للأسف غير مبالية، وهذا من أصعب الدروس التي ينبغي أن يستوعبها الإنسان، فمن الصعب علينا الإقرار بأن كل الأمور ليست خيرة أو شريرة، ليست رحيمة أو شرسة، إنها لا مبالية بكل آلام الإنسان، إذ ليس لدى الطبيعة أي هدف”.

تنادي بعض الديانات صراحة بنظام الطبقية تدينًا، فالهندوسية تقسم الناس إلى خمس درجات أشراف وغيرهم (براهمان، كشاترياس، فيشاش، شدراس، داليتس).

وكل ديانات الهند تؤمن بالكارما (حالة الإنسان من الغنى والفقر متوقفة على عمله الذي عمل في حياته السابقة)، وعليه فنظام الطبقية معتمد لديهم.

إضافةً إلى أن اليهودية تقوم على العرقية: دين أبناء إسرائيل “شعب الله المختار”.

بينما يتميز الإسلام عن بقية الديانات بالمساواة المطلقة بين بني آدم.

سألني شخص يهودي يومًا:

ألم يقل الله عنكم في القرآن:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.

فأنتم تُؤمنون بالعرقية كاليهود تمامًا.

قلت له: هذه الآية نزلت بناءً على علم الله المسبق أن المسلمين سوف يحفظوا رسالة خالقهم، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وليس بناءً على تمييز عرقي، فأعداد المسلمين تزداد يومًا بعد يوم من جميع اﻷعراق واﻷمم.

على سبيل المثال:

مدير مدرسة معينة ممكن أن يرشح طالب من طلبة المدرسة لبعثة دراسية ويزكيه بقوله هذا أفضل طالب عندي.

هذا المدح والترشيح جاء بناءً على معرفة المدير المسبقة بتفوق الطالب واجتهاده، وليس بناءً على أساس عرقي.

وطبعًا مع فارق علم الخالق المطلق وعلم البشر المحدود.

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (آل عمران:110).

قال رسول الله في خطبة الوداع:

أيها الناس، اسمعوا مني أبيِّن لكم، فإني لا أدري لعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا، في موقفي هذا. أيها الناس، إن دماءكم، وأموالَكم، حرامٌ عليكم إلى أن تَلقَوْا ربَّكم، كحرمةِ يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغتُ، اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة، فليؤدِّها إلى من ائتمنه عليها. إن ربا الجاهلية موضوع... (رواه النسائي وأبو داوود).

...أيها الناس، إن ربَّكم واحدٌ، وإن أباكم واحد، كلكم لآدمَ، وآدمُ من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عَجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد. (رواه النسائي وأبو داوود).

الحق: ما طابق الواقع

لفت انتباهي خلال تجوالي حول العالم الاستخدام الغريب لبعض المصطلحات من قبل بعض الشعوب للتعريف عن النفس أو عن الغير.

أذكر أنني واجهت مواقف مضحكة بسبب تعريف خادمة المنزل الأفريقية لصديقاتها وبنات وأبناء قريتها على أنهم إخوتها، حتى قلت لها يومًا مازحة: ما هذا العدد الكبير من الإخوة والأخوات، أنتم تصلحون لتكوين فريق كرة قدم.

أنا لا أنكر بالطبع إخوة جميع البشر في نسبتهم ﻵدم أبو البشر، لكن علمني الدين الإسلامي أن الوضوح ووضع الأمور في نصابها هو أساس الحياة السليمة القائمة على الحق الذي جاء الإسلام ليقيمه على الأرض وهو:

الإيمان بإله واحد وهو الخالق، الذي ليس له شريك ولا ولد، وعبادته وحده بدون قسيس ولا قديس وبلا حجر أو صنم أو أي وسيط.

ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (سورة الحج:62).

فجاء الإسلام ليقيم الحق بخصوص خالق الكون أولاً، ثم ليقيم الحق بخصوص المخلوقات.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَتٍ مِّنْهُ ۚ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا  (سورة فاطر:40).

الآية تشير هنا إلى أن عبادة غير الله تتضمن الادعاء بأنهم آلهة، والإله لابد أن يكون خالقًا، والدليل على أنه الخالق يكون إما بمشاهدة ما خلقه في الكون، وإما بوحي من الإله الذي ثبت أنه خالق، فإذا لم يكن لهذا الادعاء دليل، لا من خلق الكون المشهود، ولا من كلام الإله الخالق، كانت بالضرورة باطلة.

كان بعض العرب يعتقدون أن الرجل الذكي له قلبان، وكان الواحد منهم إذا غضب من زوجته قال لها أنت كأمي، وكان الواحد منهم يتبنى ابن غيره وينسبه إلى نفسه كأنه ولده، كما يفعل الناس الآن في الغرب. فحَكَمَ الله تعالى على كل هذه الدعاوى بأنها مجرد كلام لساني، وأنها مخالفة للحق.

مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ  ( سورة الأحزاب :4).

وهذا هو الفرق بين الحق والباطل، فالحق يعكس العلم الحقيقي المطابق للواقع، وأما الباطل فهو وهم.

الإسلام يحث على كفالة اليتيم، ويحث كافل اليتيم على أن يعامل اليتيم كمعاملته لأبنائه، لكن يُبقي الحق لليتيم لكي يتعرف على أسرته الحقيقية، لحفظ حقه في ميراث أبيه، ولتجنب اختلاط الأنساب.

إن قصة الفتاة الغربية التي عرفت بالصدفة بعد ثلاثين عامًا أنها ابنة بالتبني وانتحرت، هي أكبر دليل على فساد قانون التبني. لو كانوا أخبروها منذ الصغر لرحموها، ولأعطوها الفرصة لكي تبحث عن أهلها.

ولهذا كان من الضرورة التعريف السليم والصحيح لكل فرد من أفراد المجتمع، سواءً كانوا من الأخوة، أولاد العم، الأصدقاء، أو الغرباء، وهكذا.

اليوم وفي ظل وجود المطالبات من قبل الشواذ بإلغاء ما يسمى بتحيز اللغة، واتهام اللغة بعدم الإنصاف باحتوائها على أسماء الإشارة التي تشير إلى الذكر بطريقة مختلفة عن اشارتها إلى الأنثى، والسعي لتوحيد المسميات والألقاب لتسهيل أمور حياتهم الشاذة، والتي هي عبارة عن خرق لقوانين الطبيعة، نجد أنفسنا نحن كمسلمين في اضطرار لفتح باب النقاش لإقناع بعض المفسدين بعدالة اللغة، والتي وضعت الأمور في نصابها التي خلقها الله عليه، وذلك بالإقرار بوجود ذكور وإناث في هذه الحياة، لهم طبيعة فسيولوجية مختلفة، يطالبون بتوحيد المسميات والألقاب والجنس والهوية.

وبالتالي يجد الإنسان نفسه يومًا لا يدري هل من يعالجه طبيب أم طبيبة، وما هي هوية من يكلمه، وما هو جنس من يجلس إلى جانبه. فنجد أنفسنا بذلك ندافع عن الثوابت الكونية التي خلقها الخالق، والتي هي أصلا من المسلمات و البديهيات.

إنصاف الدين

أذكر قصة لمدرِّسة اللغة الفرنسية، وهي أفريقية من دولة “بنين” المجاورة لمدينة لاغوس حيث كنا نقيم، والتي كنت قد أبلغتها بعد المحاضرة بحاجتي لخادمة للمنزل تتكلم اللغة الفرنسية، لكي أتمكن وأولادي من ممارسة اللغة الفرنسية معها، فتفاجأت بقولها: أنا مُستعدة لأن أعمل خادمة لديكِ.

قلت لها: أنتِ مُدرَستي ولك احترامك عليّ.

قالت: أنت لطيفة للغاية، ولكنني فعلاً بحاجة لهذا الأمر، فأنت تعرفين أنني آتي كل يوم من دولة “بنين” المجاورة لهذه المدينة، وأنا بحاجة إلى سكن، وسوف أنظف لكِ البيت صباحًا وأعمل في المركز مساءً، وأنا لاحظت أنكم ودودون جدًا، مع أن كتابكم (القرآن) لم يتحدث عن الحب أبدًا، ولا حتى عن حب الخالق لعبيده، وكيف يحبهم وهو يُضيق عليهم في العيش.

قلت لها: بالنسبة للسكن، فتفضلي للسكن بدون عمل ولا مقابل، فلدينا مُلحق خاص للعاملين وممكن أن تشاركيهم في المبيت.

أما بخصوص القرآن، فهل قرأتِ القرآن أصلًا؟

قالت: لا، لكنني سمعت بذلك.

قلت لها: لو قرأتِ القرآن لأدركتِ ما فيه من ذكر لرحمة الله وحبه لعباده، ولكن حب الله جل جلاله للعبد ليس كحب العباد بعضهم بعضًا، لأن الحب في مقاييس البشـر هو حاجة يفتقدها المحب، فيجدها عند المحبوب، ولكن الله جل جلاله غني عنا، فحب الله لنا حب تفضل ورحمة، حب قويٍّ لضعيف، وحب غني لفقير، وحب قادر لعاجز، حب عظيمٍ لصغير، وحب حكمة.

قالت: كيف هذا؟

قلت لها:  ألا تأخذي بيد طفلك الصغير بكل حب إلى غرفة العمليات ليشقوا بطنه، وأنتِ واثقة تماما من حكمة الطبيب وحبه للصغير وحرصه على نجاته.

قالت: كيف يُحبهم وهو يُقيد حريتهم ولا يسمح لهم بأن يفعلوا ما يحلو لهم؟ ألم تسمعي بالفردانية؟ ألم تسمعي بهذا المفهوم المتطور، وهو أن قرارات الفرد يجب أن تكون مستندة على منفعته ومتعته الشخصية وهو مركز الاهتمام الرئيسي، أي أن مصالحه الشخصية تتحقق فوق اعتبارات البلد وتأثيرات المجتمع والدين، وتسمح له بتغيير جنسه، ويفعل ما يحلو له، ويرتدي ويتصرف في الطريق كما يريد، فالطريق للجميع.

قلت لها:

وهل تسمحين لأطفالك بفعل ما يحلو لهم بذريعة حبك لهم؟ هل تسمحي لابنك الصغير أن يُلقي بنفسه من نافذة المنزل أو يلعب بسلك الكهرباء المكشوف؟

قلت لها: عبارة الطريق للجميع صحيحة لكن فهمك لها خاطئ، لو كنت تسكنين مع مجموعة من الأشخاص في منزل واحد مشترك، هل كان سيعجبك تفسيرك لهذه العبارة؟ هل كنت ستقبلين بأن يقوم أحد شركائك في المنزل بعمل مشين كقضاء الحاجة في صالة المنزل بحجة أن المنزل للجميع؟ هل ستقبلين الحياة بهذا المنزل بدون قوانين ولا ضوابط تحكمها؟ فالإنسان بالحرية المطلقة يصبح كائنًا قبيحًا، وكما ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه عاجز على تحمل هذه الحرية.

الفردانية لا يمكن لها أن تكون هوية بديلة عن الهوية الجامعة مهما كانت قوة الفرد أو نفوذه. أفراد المجتمع طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى لبعضها عن بعض. فمنهم الجنود والأطباء والممرضون، والقضاة، فكيف يتسنى لأي منهم أن يُغلب منفعته ومصلحته الشخصية على الآخرين ليحقق سعادته، ويكون هو مركز الاهتمام الرئيسي؟

قالت: كيف تتحقق السعادة إذًا؟

قلت لها: السعادة في الفردانية، هي الانتصار، الهيمنة وامتلاك التكنولوجيا. لكن السعادة في الإسلام، هي القلب المطمئن، الزواج الناجح، المسكن الواسع، الجار الصالح، المركب المريح، المشاركة والتعاون.

وقد جعلت الحضارة الإسلامية والتي تشكلت من مزيج من مختلف الشعوب والقبائل الفردانية  كالرسم البياني، فجعلت حساب وجزاء، واجبات وحقوق، وكما يقع على الفرد العقاب أيضًا يُكافأ،

ولقد حرر الإسلام أيضاً الفرد من العصبية القبلية وأعاده إلى الفطرة السليمة، كمدني اجتماعي، يعيش في جماعة تحترمه وتُقدر إمكانيته التفكيرية وقدرته على التعايش مع الآخرين.

فالأمة المُطلعة للتقدم والتي تتبنى هدفًا ساميًا، تنطلق من مفهوم الكيان الواحد، فلكل فرد اجتهاده وأفكاره وقدراته، لكن التطبيق يحتاج إلى الجماعة، وبالتالي يتساوى الجميع هنا حسب ما قدمه كل فرد.

وبذلك يكون الإسلام قد حدد علاقة الفرد بالمجتمع، وأوضح بأن الفرد ليس سوى جزءٍ صغير لا يتجزأ عن الهوية الجماعية التي بدورها تكفل ضبط إيقاع الحياة. مما أنتج مجتمعًا مستقرًا وآمنًا، لأنه كلما اختل التوازن بين الطبقات، ستظهر الصراعات، ويُفتقد الرضا في المجتمع.

فلم يعد المال هو المعيار الأعلى الذي يميز مالكه عن الآخرين، ولا بالمال تتحقق القوة وقيادة العالم. القائد في النظام الإسلامي لا يُقيَّم بما يملك من مال، لكن بما لديه من عِلم وأخلاق وعدل، وبهذه الصفات وحدها استطاعوا سابقاً التقدم وتحقيق الانتصارات.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى   (رواه مسلم).

قالت:  الفردانية ترتبط بالشذوذ الجنسي بشكل مباشر، فلماذا لا تحبون الشاذ جنسيًا، فما لديه من ميول، هو مسألة جينية طبيعية، وميول طبيعي، ويجب أن نحترمه.

قلت لها: وهل تحترمي ميول السارق إلى السرقة؟ فهذا أيضاً ميول، ولكنه في الحالتين ميول غير طبيعي، إنه خروج على الفطرة البشرية، واعتداء على الطبيعة، ويجب أن يُقوَّم.

لقد خلق الله الإنسان وهداه إلى الطريق السليم، ولديه حرية الاختيار بين طريق الخير وطريق الشر.

وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ   (البلد:  10).

ولذلك نجد أن المجتمعات التي تُحرِّم المثلية نادرًا ما يظهر فيها هذا الشذوذ، والبيئة التي تبيح وتشجع على هذا السلوك، تزداد فيها نسبة المثليين، مما يدل على أن الذي يُحدد احتمال الشذوذ لدى الإنسان، هو البيئة والتعاليم المحيطة به.

ولذلك قال تعالى عن قوم لوط:

 وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82 )  (سورة الأعراف).

هذه الآية تؤكد أن الشذوذ ليس وراثيًا، وليس من أصل تركيب الشفرة الوراثية للإنسان، لأن قوم لوط هم أول من ابتدع هذا النوع من الفاحشة. وهذا يتطابق مع أوسع دراسة علمية، والتي تُؤكد أن الشذوذ الجنسي لا علاقة له بالجينات الوراثية[4].

إن هوية الإنسان تتغير في كل لحظة، حسب مشاهدته للفضائيات، أو استخدامه للتكنولوجيا أو تعصبه لفريق كرة قدم مثلاً.  لقد صنعت العولمة منه إنسانًا معقدًا. الخائن أصبح صاحب وجهة نظر. والشاذ أصبح صاحب سلوك طبيعي، وأصبح لديه الصلاحية القانونية للمشاركة في نقاشات علنية، بل وعلينا دعمه والتصالح معه.

وأصبحت الغَلبة لمن لديه التكنولوجيا، فإذا كان الشاذ هو الطرف الذي يمتلك أسباب القوة، فسيفرض على الطرف الآخر قناعاته. مما أدى إلى إفساد علاقة الإنسان بنفسه وبمُجتمعه وبخالقه.

بارتباط الفردانية بالشذوذ الجنسي بشكل مباشر، تلاشت هنا الفطرة الآدمية التي ينتمي لها الجنس البشري، وسقطت مفاهيم العائلة الواحدة، فبدأ الغرب بوضع حلول للتخلص من الفردانية، لأن الاستمرار بهذا المفهوم سيُضيع المكاسب التي حققها الإنسان المعاصر، كما أضاع مفهوم العائلة، وبالتالي ما زال الغرب حتى اليوم يعاني من مشكلة تقلص أعداد الأفراد في المجتمع، والذي أدى إلى فتح الأبواب لاستقطاب المهاجرين.

فالإيمان بالله واحترام قوانين الكون التي خلقها لنا، والالتزام بأوامره ونواهيه، هو طريق السعادة في الدنيا والآخرة.

==============================

[1]  كتاب بين الشرق والغرب. علي عزت بيجوفتش.

[2]  كتاب شغاء لما في الصدور. د. هيثم طلعت.

[3]  كتاب النهر الخارج من جنة عدن، ريتشارد دوكنز، ص95-96.

[4] https://kaheel7.net/?p=15851

  • السبت PM 03:05
    2022-06-04
  • 1407
Powered by: GateGold