المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413323
يتصفح الموقع حاليا : 160

البحث

البحث

عرض المادة

حب الإمام علي للصحابة

بين ركام هائل من الروايات الشيعية الشاتمة لصحابة رسول الله، والأدعية اللاعنة لهم تبقى حقيقة لن تخفيها تلك المرويات، حقيقة الحب الذي يكنه علي بن أبي طالب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تلك الذكريات وتلك المشاهد العظيمة التي شاركهم فيها جنباً إلى جنب، وبقيت في ذاكرته وأمام عينيه لحظة بلحظة وحادثة بحادثة، على عكس الأطروحة الشيعية التي لا تظهر علاقته بهم وبالأخص الخلفاء الثلاثة إلا بمظهر البغضاء والتنافر ولا تصوره إلا بصورة الحاقد الصامت الذي لا يتعامل معهم بحضرتهم إلا بتقية وحذر ولا يتحدث عنهم من ورائهم إلا بسوء ولعن وكلام يُنبئ عن رغبة في الانتقام!

الصورة الحقيقية الناصعة البياض تبقى وما سواها يطيش، إنها تتجلى في أهم كتاب عند الشيعة الإثني عشرية "نهج البلاغة"، تلك النصوص كفيلة بهدم الأطروحة القائمة على لعن وسب صحابة رسول الله والقول بردتهم وانقلابهم على أعقابهم من بعده!

ولنقف مع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقفة تأمل وهو يصوّر لنا صحابة رسول الله كما رآهم وعاينهم، فيقول: (لقد رأيت أصحاب محمد فما أرى أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سُجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأنّ بين أعينهم ركب المعزى (1) من طول سجودهم


(1) ركب جمع ركبة موصل الساق من الرجل بالفخذ. وإنما خص ركب المعزى ليبوستها واضطرابها من كثرة الحركة، أي أنهم لطول سجودهم يطول سهودهم، وكأنّ بين أعينهم جسم خشن يدور فيها فيمنعهم عن النوم والاستراحة.

إذا ذُكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء الثواب) (1).

وهو يتحسر على فراقهم ويرثيهم بعد موتهم كحال أي محب فارق من يحبه فيقول: (أين القوم الذين دُعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه وسلبوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض أطرافها زحفاً زحفاً وصفاً صفاً، مُره العيون من البكاء، خُمص البطون من الصيام، ذُبل الشفاه من الدعاء، صُفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ إليهم، ونعضّ الأيدي على فراقهم) (2).

[نهج البلاغة والثناء العطر على عمر بن الخطاب!]

قد يبدو غريباً أن يحتوي نهج البلاغة على مدح عمر بن الخطاب لكنها الحقيقة التي لم يستطع إغفالها حتى الشيخ الرضي مؤلف كتاب "نهج البلاغة" رغم انتسابه إلى الشيعة الإثني عشرية.

وهنا حُق للعاقل أن يتأمل هذه المسألة جيداً وأن يُذعن للحقيقة كي لا يكون ممن قال الله تعالى فيهم {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}؟ (3)

هذا علي بن أبي طالب يخاطب عمر بن الخطاب بعد أن استشاره في غزو الروم فيقول: (إنك متى سرت إلى هذا العدو بنفسك، فتلقهم فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة (4) دون


(1) نهج البلاغة ص189 - خطبة رقم (97).
(2) نهج البلاغة ص234 - خطبة (121).
(3) سورة الأحزاب آية 67
(4) عاصمة يلجؤون إليها، من كنفه أي صانه وستره، وفي هذا إقرار بشرعية خلافة عمر، فتأمل.

أقصى بلادهم. ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً محرباً، واحفز معه أهل البلاء (1) والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تُحب، وإن تكن الأخرى، كنت ردأً (2) للناس ومثابة (3) للمسلمين) (4).

ويخاطب عمر قائلاً: (فكن قطباً، واستدر الرحا بالعرب، وأصلهم دونك نار الحرب فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك. إنّ الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصل العرب، فإذا اقتطعتموه استرحتم فيكون ذلك أشد لكَلِبهم عليك وطمعهم فيك) (5).

ويمدح عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد موته قائلاً: (لله بلاء فلان (6)، فلقد قوّم الأود (7)، وداوى العمد (8)، وأقام السنة، وخلّف الفتنة (9) ذهب نقي الثوب، وقليل العيب.


(1) أهل المهارة في الحرب، والبلاء: هو الإجادة في العمل وإحسانه.
(2) الردء بالكسر هو الملجأ
(3) المثابة: المرجع
(4) نهج البلاغة - خطبة رقم (134) (ومن كلام له وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج إلى غزو الروم).
(5) نهج البلاغة - خطبة رقم (146) (ومن كلام له (ع) وقد استشاره عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه)
(6) أي لله ما فعل من الخير
(7) قوّم الاعوجاج
(8) العمد – بالتحريك -: العلة
(9) أي تركها خلفه، لا هو أدركها ولا هي أدركته

أصاب خيرها، وسبق شرها. أدّى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه. رحل وتركهم في طرق متشعبة، لا يهتدي بها الضال، ولا يستيقن المهتدي) (1).

يقول ابن أبي الحديد تعليقاً على هذا النص في "شرحه لنهج البلاغة": (ويروى (لله بلاء فلان) أي: لله ما صنع، وفلان المكنى عنه عمر بن الخطاب، وقد وجدت النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن جامع نهج البلاغة وتحت فلان عمر، حدثني بذلك فخّار بن معد الموسوي الأودي الشاعر.

وسألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي، فقال لي: هو عمر فقلت له: أيثني عليه أمير المؤمنين (ع) هذا الثناء، قال: نعم، أما الإمامية فيقولون إنّ ذلك من التقية واستصلاح أصحابه!!

وأما الصالحيون من الزيدية فيقولون إنه أثنى عليه حق الثناء ولم يضع المدح إلا في موضعه ونصابه.

وأما الجارودية من الزيدية فيقولون إنه كلام قاله في أمر عثمان أخرجه مخرج الذم له والتنقص لأعماله كما يُمدح الآن الأمير الميت في أيام الأمير الحي بعده فيكون ذلك تعريضاً به!!!

فقلت له: إلا أنه لا يجوز التعريض والاستزادة للحاضر بمدح الماضي إلا إذا كان ذلك المدح صدقاً لا يخالطه ريب ولا شبهة، فإذا اعترف أمير المؤمنين بأنه أقام السنة وذهب نقي الثوب قليل العيب وأنه أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه فهذا غاية ما يكون من المدح، وفيه إبطال قول من طعن في عثمان بن عفان، لم يجبني بشيء، وقال: هو ما قلت لك!


(1) نهج البلاغة – خطبة رقم (228) (ومن كلام له (ع) في الثناء على عمر بن الخطاب).

فأما الراوندي فإنه قال في الشرح: (إنه (ع) مدح بعض أصحابه بحسن السيرة وإنّ الفتنة هي التي وقعت بعد رسول الله من الاختيار والأثرة، وهذا بعيد لأنّ لفظ أمير المؤمنين يشعر إشعاراً ظاهراً بأنه يمدح والياً ذا رعية وسيرة، ألا تراه كيف يقول (فلقد قوّم الأود وداوى العمد وأقام السنة وخلف الفتنة) وكيف يقول (أصاب خيرها وسبق شرها) وكيف يقول (أدى إلى الله طاعته) وكيف يقول (رحل وتركهم في طرق متشعبة)) (1).

وليس هذا الثناء العطر حبيس تلك الكلمات فقد أثنى علي بن أبي طالب رضي الله عنه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعبارات أخرى سطّرها التاريخ، ومنها قوله في نهج البلاغة: (ووليهم وال فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه) (2).

يقول ابن أبي الحديد: (الجران مقدم العنق، وهذا الوالي هو عمر بن الخطاب) (3).

وليس أدل على هذه العلاقة الطيبة المتينة بين عمر وعلي من تزويج علي ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب كما اعترفت بذلك كتب ومصادر الشيعة الإثني عشرية (4).


(1) شرح نهج البلاغة 12/ 3
(2) نهج البلاغة ص107 (باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام) رقم (467).
(3) شرح نهج البلاغة 20/ 218
(4) إنّ هذا الزواج يبطل الروايات المكذوبة والتي تحكي أنّ عمر بن الخطاب ضرب فاطمة برجله حتى سقط جنينها!! هب أنّ رجلاً ضرب زوجتك وتسبب في قتل ولدك، هل تزوجه من ابنتك؟!! وهل ترضى أن يكون صهرك؟!! بل وتسمي أحد أبنائك باسمه!! للاطلاع على هذه الحقيقة التاريخية يمكنك مراجعة كتاب (زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب- حقيقة لا افتراء) للأستاذ السيد أحمد إبراهيم الإسماعيلي.

هل يُسمّي الرجل أبناءه بأسماء أعدائه؟!

ربما يتفاجأ كثير من عامة الشيعة اليوم عندما يطّلعون على حقيقة ظلت مخفية عنهم لزمن طويل، لم تخطر لهم على بال، بل هي عند الأكثرين من الاستحالة بمكان ما دامت مرتبطة بمحبة أبي بكر وعمر.

فعادة ما يُظهر علماء الشيعة الإثني عشرية علاقة أهل البيت بكبار صحابة رسول الله (أبي بكر وعمر) وغيرهم من الصحابة بمظهر البغض المتبادل لكننا أمام دليل ملموس على نوع خاص من المعزّة والتقدير، يعبّر فيها أهل البيت عن حبهم وإجلالهم لأصحاب رسول الله حين يسمّون أبناءهم وبناتهم بأسماء ارتبطت ذهنياً عند الشيعة الإثني عشرية بالنفاق والكفر والانقلاب على الأعقاب.

فقد سمّى الإمام علي ابناً له من ليلى بنت مسعود بن خالد التميمية باسم (أبي بكر) (1) وابناً آخر له من أم حبيب بنت ربيعة باسم (عمر) (2) وابناً آخر له من أم البنين بنت حزام بن خالد باسم (عثمان) (3).

وسمّى الإمام الحسن ابنه أبا بكر (4)، وذكر الطبرسي ابناً آخر له أسماه الإمام الحسن باسم (عمر) (5).


(1) مقاتل الطالبيين ص91
(2) الإرشاد 1/ 354
(3) المصدر نفسه
(4) كشف الغمة 2/ 198 وإعلام الورى 1/ 416
(5) إعلام الورى 1/ 416

أما الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) فقد سمّى أحد أبنائه باسم (عمر) (1).

كل ذلك تبركاً وتيمناً بصاحبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (أبي بكر وعمر).

وقد سمّى الإمام موسى بن جعفر (الكاظم) إحدى بناته (عائشة) (2)، وذكر الأربلي في كشف الغمة أنّ من أبناء هذا الإمام الجليل (عمر) (3).

وقد ائتسى الإمام علي بن موسى (الرضا) بأبيه الكاظم فسمّى ابنته بـ (عائشة) (4).

وكذلك فعل الإمام علي بن محمد (الهادي) فسمّى ابنته عائشة (5).

كل هذه الحقائق مذكورة ومسطرة في كتب الشيعة.

إنّ كل ذلك يؤكد أنّ الشيعة الإثني عشرية لا يقفون من الصحابة موقف أهل البيت من الصحابة، وإلا فهل من الشيعة من يرضى أن يُسمي ولده أبا بكر أو عائشة ما دام أهل البيت فعلوا ذلك؟ أم أنّ هذا خطأ آخر ارتكبه الأئمة يُضاف إلى جانب خطئهم في مبايعة أبي بكر وعمر وتنازل الحسن عن الخلافة!!

إننا بهذا نضع (حب الشيعة الإثني عشرية لأهل البيت) تحت الاختبار والمحك: فهل يقتدي الشيعة الإثنا عشرية بأهل البيت في تسمية أبنائهم بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة كما فعل أهل البيت حسبما تروي كتب الشيعة الإثنى عشرية أنفسهم؟

فإن لم يفعلوا ذلك كان حبهم لأهل البيت ضرباً من الادعاء وما أسهل الدعاوى.


(1) منتهى الآمال 2/ 59 وكشف الغمة 2/ 302 والإرشاد 2/ 155 وإعلام الورى 1/ 493
(2) الإرشاد 2/ 244 وإعلام الورى 2/ 36
(3) كشف الغمة 3/ 31
(4) كشف الغمة 3/ 60
(5) كشف الغمة 3/ 177

  • الاثنين AM 02:56
    2022-05-23
  • 1813
Powered by: GateGold