هل في استطاعة الإسلام أن يقدم حلولاً للمشكلات الكبرى التي تعاني منها الإنسانية اليوم؟ - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 441852
يتصفح الموقع حاليا : 320

البحث

البحث

عرض المادة

هل في استطاعة الإسلام أن يقدم حلولاً للمشكلات الكبرى التي تعاني منها الإنسانية اليوم؟

تقع المصائب والمشاكل عندما يفرط الإنسان فيما يجب عليه، أو يستهين بما يمنع منه.. فحوادث الطرق تنشأ غالباً من السرعة الزائدة عن الحد، أو من التوقف المباغت، أو من خروج المرء عن المسار المحدد له..

 

ولو تبع الناس التعاليم الصادرة إليهم لوقاهم الله سيئات كثيرة، ولكن {ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ} [الروم: 41].

 

ولسنا ننكر أن هناك أقداراً قاهرة تعرض لنا بما نكره، وتفاجئنا بما لا دخل لإرادتنا فيه وهذه المصائب والمشاكل لا نؤاخذ بوقوعها، وإنما علينا أن نتصرف تجاهها بثبات وتسلم، لا بجزع وتمرد فهي بعض بلاء الدنيا الذي نختبر به!!..

 

ولكني أستعرض مشكلات كبيرة في عالمنا المعاصر، فأجد أغلبها من صنع الناس..

 

إنها تنشأ في غياب الإيمان الصحيح، والاستهداء بنور الله، والاستشهاد بالعلامات الخضراء والحمراء التي تعصم من الزلل.

 

القلق الشديد محنة كامنة وراء الركض الوحشي طلباً للرزق، إن هؤلاء الراكضين قد يدوسون قواعد الحلال والحرام، بل قد يدوسون العجزة والضعاف كي يصلوا قبل غيرهم..

 

بم نفسر هذا السعار الذي ملأ الدنيا؟ لا تفسير له إلا الجهل بالله، وبقيامه على الخلق وتدبيره للرزق..

 

وأذكر هنا جملة من الحقائق الدينية غير خاش من تأويل الجهلة لها وانحرافهم بها..

 

لو كان للإنسان صديق نبيل الخلق حلو العشرة، مأمون الوفاء لجعله واحته الظليلة في صحراء هذا الحياة! أفتكون صلة المؤمن بربه أنزل من هذه الصلة؟ ربه الودود المجيد {ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ} [طه: 8]

 

إننا نحيا في رحمته الواسعة، ونعمته المبذولة، وبركاته الهامية، ولكن ذلك كله يشبه العافية التي قيل في تبلد الشعور بها: الصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى..

 

إنه شيء مؤسف أن يقل إحساسنا بفضل الله الذي يغمرنا بالليل والنهار.. ثم يتضاعف جؤارنا بالشكوى إذا فقدنا بعض ما نهوى! والغريب أننا نعتبر ما تفقده هو مصلحتنا المؤكدة، أو الخير الذي حرمناه.. إن مواقنا مع القدر تكرار لموقف موسى مع الخضر حيت اعترض ما يجهل عقباه..

 

مع أن القصة ذكرت لتقول لنا: رب ضارة نافعة.. رب أمر أنكرنا بدايته وحمدنا نهايته {فَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُوا شَيْـًٔا وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].

 

هناك أبجديات للإيمان لو عرفناها لزالت مشكلة القلق والاكتئاب والتوتر التي تسود العالم.. وأرى أن الغرور البشري أو إحساس الإنسان بأنه يقوم وحده من وراء تلك المشكلة..

 

لقد خيل إلينا مع التقدم العلمي الجاف أننا مديرو هذا الكون ومالكو زمامه..

وإن الإنسان يستطيع المضي وحده إلى هدفه دون صحبة من رعاية عليا، أو مساندة من رب قدير.. وهذا هو الغباء المحض..

 

إن المساحة التي تعمل فيها إرادتنا الحرة ضيقة جداً، حقاً هي موجودة بيد أنها محكومة بظروف لا دخل لنا فيه منذ ولدنا إلى أن نموت، وما أغبى السمكة التي تظن أنها صنعت مياه البحار والمحيطات، وأنها صنعت الخياشيم التي تستخلص بها أنفاسها وسط الماء..

 

الواقع أن الخطط التي تحكم حياة البشر خفضاً ورفعاً وضيقاً وسعة جزء من الخطط التي تحكم الفضاء وتقلب كواكبه بين شروق وغروب..

 

مبتدؤنا ومنتهانا وما بين ذلك يشرف عليه {تَبَٰرَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ} [الملك: 1] .. {قُلْ مَنۢ بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍۢ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون: 88] .. {وَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ ۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُۥ ۚ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88].

 

فما معنى تجاهل هذا الواقع، الانطلاق في الدنيا دون وعي ودون غاية؟..

الإيمان بالله وصفاته هو لا غير حل تلك المشكلة! والإسلام يعرف الناس بربهم على نحو رائع مقنع مشبع، يغمر اللب والقلب بهداه ويجعل المرء إذا كرب فزع إلى الصلاة!..

 

ثم هو ينظر إلى ما أصابه وما أخطأه عارفاً: نت يدبر الأمر؟ فيقول "اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ".

 

وعند هذه الجملة الأخيرة نقف قليلاً.. فأصحاب الحظوظ الحسنة قد يكثرون أو يقلون في هذه الدنيا، غير أن مجرد وجودهم يثير الغيرة والتساؤل: لماذا أوتوا هذا الثراء أو هذا التقدم أو هذا الرجحان؟..

 

ويؤكد الإسلام أن هذا الجد لا يجدي أصحابه شيئاً، ولا ينفعهم عند الله أبداً! إنه بعض ما يساءلون عنه يوم الحساب، أو هو جزء من الاختبار الذي يكون للبعض بالجمع وللبعض بالطرح، ولا امتياز هنالك! "ورب كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وفي ذلك من ثمرات الإيمان بيوم آخر..

 

 

ومن المشكلات التي يشكو العالم منها الفقر المتوطن في بيئات كثيرة، وأحب أولاً أن أحدد المفاهيم حتى تنضبط الأحكام! أعرف موظفاً في وزارة العدل يقوت أسرة كبيرة، عرضت عليه يوماً مائة جنيه كي يدع أحد الخصوم يستولي على وثيقة تفيده في ملف تحت يده! وأبى الموظف الشريف مع أنه كان يبيت طاوياً ليعشي أولاده، وكان بحاجة إلى جنيه واحد لا إلى مائة..

 

هذا الفقير وأمثاله هم الذين قال الدين عنهم: إنهم سواد أهل الجنة..

وأعرف أن الزعيم محمد فريد فقد ما كان يملك من أرض في سبيل أسفاره كي يعرض شكوى وطنه من الاحتلال الإنجليزي! هذا فقر يذكرنا بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين ضحوا بما لديهم في سبيل عقائدهم..

 

وأعرف رؤساء كانوا يملكون القليل أو ما كانوا يملكون شيئاً! فلما ولوا الحكم فاضت أنهاره عليهم سمناً وعسلاً، فأضحوا هم وأقرباؤهم وأصدقاؤهم ومن يلوذ بهم أصحاب جاه عريض ومال ممدود!..

 

هؤلاء الأغنياء من سحت هم الذين قال الدين عنهم: إنهم جمهور النار، وبئس القرار...

 

لكن هناك فقراً نشأ عن أفات عضوية في الكيان الإنساني والملكات التي زود بها أصلاً، وهو الفقر الذي ينتشر في الأقطار المتخلفة، أو في أرجاء العالم الثالث.. إنه فقر تعود وصعلكة، وهو فقر ينكره الدين، ويعد أصحابه آثمين، أو عجزة ملومين!..

 

إن الله سبحانه يسر كل ما في الأرض من خير للإنسان، ومكنه من ارتقائه.. ولم يطلب منه بإزاء ذلك إلا أن يعرف حقه ويشكر فضله، فإذا جاء أمرؤ أو جاءت شعوب، وتجاهلت هذا البذل، ورأت أن تعيش عارية بدل أن تكتسي! أو جائعة بدل أن تطعم، فهي شعوب مجرمة..

 

وقد رأيت ناساً ينتمون إلى الإسلام – وهو انتماء مريب – يشبهون الثعالب التي تأكل من فضلات الأسود، تراهم أمام قوى الكون، وأسراره حيرى، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا..

 

إذا جاءهم الغيث شبعوا، إذا هاجمهم الجفاق تضوروا وتسولوا.. لو وضعت مفاتيح الكنوز بين أيديهم لعجزوا عن إدارتها، وبقوا وقوفاً أمام خزائنها المغلقة.. هؤلاء جديرون بالفقر يقيناً.. وعلاجهم يحتاج إلى تغيير نفوسهم..

وإذا كان هؤلاء محنة في الميدان الإقتصادي فهم كذلك محنة في الميدان السياسي!.

 

ذكرتهم وأنا أقرأ الكلمات التي كتبها أنصار زعيم المعارضة الفلبيني الذي قتل في مطار "مانيلا" لقد وضعوا فوق رفاته هذه الجملة "لا مكان للطغاه لو لم يكن هناك عبيد" نعم، إن أي فرعون لا يوجد إلا حيث يكون الأوغاد والأذناب..

 

والفقراء من هذا الصنف يمدون أكفهم في الأزمات، وباسم الإنسانية قد يضع الأقوياء في أيديهم بعض ما يستبقس الحياة، ولا عليهم! فتبقى أيديهم السفلى وأيدي الأقوياء هي العليا، لكن إلى متى؟..

 

إن الحل لمشكلة الفقر هو العمل لا الاستجداء، هو فهم قوله تعالى للناس: {وَلَقَدْ مَكَّنَّٰكُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَٰيِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [الأعراف: 10]..

وذلك يتطلب تغيير النفوس لتنتج بدل أن يكون قصاراها الاستهلاك..

 

والمعاناة هي سلم الكمال، ويعجبني قول أبي الطيب:

              لولا المشقة ساد الناس كلهم        الجود يفقر والإقدام قتال..

 

وشعوب العالم الثالث تحسب السعد والنحس طوالع فلكية! أو كما صور الأستاذ مصطفى أمين يحسب أحدهم أنه يجلس على كرسي في مقهى، وكما يصفق بيديه طالباً من الساقي "واحد شاي" يصفق طالباً "واحد حقوق إنسان" أو "واحد حريات شعوب" أو "واحد عدالة اجتماعية"!..

 

ولندع مشكلة الفقر فطالما كتبنا فيها، بل استفتحنا حياتنا الأدبية الخوض في مآسيها..

 

ولننظر نظرة خاطفة إلى مشكلة أخرى هي السلام! وهي مشكلة قد يؤدي تجاوزها إلى أن يفقد العالم حياته وحضارته كلتيهما. بعد ما أصبحت أدوات الفتك ذريعة إلى إبادة جماعية..

 

والساسة الذين يتحدثون عن السلام لهم منطق عجيب! فبنو إسرائيل ينشدون السلام بعد أن يدمروا الوجود العربي في فلسطين، ويضعوا الخطة لإقامة هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى!..

 

والروس ينشدون السلام بعد ابتلاع أفغانستان إلى جانب آسيا الإسلامية كلها، واعتبار الدين خرافة لا معنى لبقائها..

 

وجنوب إفريقيا تطلب السلام بعد إخماد أنفاس الزنوج وحرمانهم من منزلة البشر أو من مكانة الجنس الأبيض.. والأمريكيون يطلبون السلام بعد تأييد اليهود ودعم حقهم في بناء المستعمرات على الأرض العربية وقولهم: خلقت إسرائيل لتبقى.. إلخ..

 

إن العالم أمام لون من النفاق والتبجح يستحيل أن يبقى معهما سلام..

العدل أولاً ثم المطالبة باحترامه، والتسلح للذود عنه..

ويستحيل أن يوجد سلام؛ ما حكم الدنيا منطق الغابات..

 

إن القرآن الكريم ناشد أهل الإيمان أن يحرصوا على السلام، ويستريحوا إليه: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا ٱدْخُلُوا فِى ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ ۚ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: 208].

 

فماذا يحدث إن أعرضوا عن هذا النداء؟ ستمتليء الأرض بالأحزان والخراب {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِى ٱلْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوٓا أَرْحَامَكُمْ أُولَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰٓ أَبْصَٰرَهُمْ} [محمد: 22-23].

 

لقد قرأت قصصاً أليمة عما يصيب الرجال والنساء والأطفال في أثناء الحروب من أسى وضياع يهتكان الأستار، ويستر خصان العار! ورأيت صوراً قابضة مبكية للجثث على عرض الطريق أو تحت الأنقاض، أمست رفاتاً هامداً وولت عنها بشاشة الحياة وآمالها العراض..

 

إن الحرب شيء كريه حقاً، والويل للمجرمين الذين يشعلون نارها ويحتقرون آثارها..

 

وفي الأديان السماوية كلها لم يأذن الله بحرب عدوان، وإنما أذن في حرب تحمى بها الحقوق وتصان الحقائق، وتبقى فيها بيوت الله قائمة لعبادته وحده..

 

وفي قراءة صحيحة يقول الله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍۢ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40].

 

ورب البيت لا يطالب بالإستسلام للِّصِّ المغير إيثار للسلام، وصاحب العقيدة لا يكلف بتركها تحت بريق السيوف...

 

وإذا خلصت النيات يمكن إقامة مؤسسات عالمية للحفاظ على السلام، بعد غسل النفوس من الأثرة والبغي، وإشعار بأنها أولاً وآخراً من الله بدأت وإليه تصير.

 

  • الخميس AM 10:59
    2022-03-24
  • 1667
Powered by: GateGold