المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409098
يتصفح الموقع حاليا : 212

البحث

البحث

عرض المادة

أصحيح أن الفتوح الإسلامية تعود إلى عوامل قومية أكثر مما تعود إلى عوامل اقتصادية أو دينية؟

لا ريب أن الفتوح الإسلامية كانت شيئاً خارقاً للعادات، ولو أنك سألت أعرابياً قبل بعثة محمد أو إبانها: هل تفكرون في غزو فارس أو الروم؟ تظن بك مسا!!.

 

إن هذا لا يريد أحلام النيام! إنه كالهبوط إلى القمر بغير وسائل علمية!!..

 

لكن الواقع الذي لا يمكن إنكاره أن العرب – بعد ما أسلموا – هزموا الفرس والروم معاً في جبهتين متعاصرتين، واحتلوا بلادهم في وقت واحد!..

 

إن القبائل الهائمة على وجهها في صحراء الجزيرة قامت لها فجأة دولة تحت علم التوحيد، لم تسلخ من عمرها بضع سنين بعد وفاة صاحب الرسالة حتى شرعت تصارع الدولتين العملاقتين، وتُلحق بهما هزائم أبدية!..

 

ماذا حدث في دنيا الناس؟ إنها معجزة ما عرف خبرها إلا محمد وحده، الذي أقسم بربه أن تنفق كنوزها في سبيل الله قال عليه الصلاة والسلام: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ"!!.

 

إن الإنسان الملهم العابد المجاهد هو صاحب هذا التغيير الحاسم في تاريخ البشر، لقد جعل القمم سفوحاً والسفوح قمماً، وبين أن الهمل يستطيعون الوصول إلى أعلى السلم بالعلم والتربية، وأن الملوك يتحولون إلى عبيد بالترف والمعصية.

 

ولقد ثبت لكل ذي بصيرة أن محمداً وحده هو الإنسان الأول أو القمة الأولى في تاريخ الحياة ومن أزلها إلى أبدها..

 

غير أن أغلب المستشرقين أبي الاعتراف بهذه الحقيقة ورأى أن يلتمس تفسيراً لما حدث فقال: إن جفافاً سيئاً حل بجريزة العرب على عهد البعثة المحمدية وعقبها جعل العرب يتحولون إلى جيرانهم زرافات ووحدانا يطلبون القوت، ويفرون من المجاعة إلى أرض الهلال الخصيب في سوريا والعراق!.

 

ويبدو أن خبر هذه المجاعة العربية نمى إلى المستشرقين وحدهم فلم يذكره أحد من الناس!.

 

ولنفرض جدلاً أن مجاعة وقعت! هل إذا حل قحط بسويسرا أغارت عسكرياً على روسيا والولايات المتحدة ابتغاء القوت؟ لماذا قلت: سويسرا؟ هل إذا حل قحط بالكونغو ناوش الدولتين العظميين في العالم، واحتل أرضهما سعياً وراء الرزق؟ هذا تفكير سكارى!.

 

ثم تذكرت أن في كتبنا القديمة كلاماً قد يكون من وراء هذا الهذيان، قرأت في وصف إحدى المعارك بفارس أن المسلمين بعد انتصارهم استولوا على غنائم كثيرة من بينها فطائر ورقائق، فقال أحد الجنود: لو لم نقاتلهم على هذا الدين لقاتلناهم على هذا الرقاق!!.

 

قلت ساعتها: هذه نكتة مثل ما يصدر عنا نحن المصريين من دعابات! ولم أكن أدري أن الأب "لا مانس" سيتخذ من هذا الكلام دليلاً على أن للفتح العربي أسباباً اقتصادية!!..

 

ومثل ذلك ما قاله "رستم" للمغيرة بن شعبة في أثناء المفاوضات بين الفرس والعرب: قد علمت أنه لم يحملكم على ما أنتم فيه إلا ضيق المعاش وشدة الجهد، ونحن نعطيكم ما تتشبعون به، ونصرفكم ببعض ما تحبون، وهذا كلام هزل! فإن رستم يعلم أن كتاباً جاء سيده كسرى من بضع سنين يدعوه إلى الإسلام، مرسله هو محمد عليه الصلاة والسلام وأن أتباع هذا النبي جاءوا اليوم بالدعوة ذاتها، وهم مستعدون للعودة إلى بلادهم إذا ما أقتنع الفرس بها.

 

فما مكان هذا الطعام المعروض؟ ومن الذي طلبه؟ ومن الذي يقبله؟ إنه كلام هزل!.

 

وكتب التاريخ لدينا تروي الغث والسمين، وقد نبه الطبري قراءة إلى ذلك، حتى لا يخدعوا بكل ما يرويه، ولو صدقنا جدلاً ما حكاه الطبري – بسند تافه – أن خالد بن الوليد قال لرجاله: ألا ترون إلى الطعام كرفع التراب؟ بالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله والدعاء إلى الله عز وجل، ولو لم يكن إلا المعاش لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف حتى تكون أولى به! ونولي الجوع والإقلال من تولاه ممن أثاقل عما أنتم فيه!!

 

إن هذا الكلام – لوصح – لكان ضرباً من المزاح أو لفت النظر إلى ما في أيدي الكافرين من نعماء ليسوا أهلاً لها؛ لأنهم لم يشكروا الله عليها، ولم يؤدوا حقه فيها..

 

ويستحيل أخذ العبارة على ظاهرها القريب؛ لأن الأدلة قائمة أمام عيون المؤمنين على أن القتال طلباً للغنيمة جريمة، وأن المجرمين لا يفتح لهم ولا يفتح عليهم، فعن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله، رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضاً من الدنيا! فقال: "لا أجر له! فأعاد عليه ثلاثاً، كل ذلك يقول: لا أجر له"..

 

وروى مسلم في صحيحه خبر أول ثلاثة يدخلون النار يوم القيامة، وبعد أن ذكر القارئ المرائي والمتصدق قال: "ثم  يُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ!  فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

 

قال شفي الأصبحي: فأخبرت بهذا الحديث معاوية فَبَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ! وقال: قد فعل بهؤلاء ذلك فكيف بمن بقى من الناس؟ وتلى قوله تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15-16].

 

إن الصحابة جميعا، والتابعين معهم، يعلمون أن القتال طلباً لمغنم دنيوي مهلكة للدين، ومن ثم خرجوا للجهاد، ونفوسهم خالية من طلب الدنيا، مقبلة على طلب الآخرة، وذاك سر فلاحهم ونصرهم على عدوهم!.

 

هناك عقد فادح الثمن بين المؤمنين وربهم ولكنه جليل العوض، يقدمون حياتهم له ويمنحهم الجنة في مقابله، ومن طلب عظيماً خاطر بعظيمته {إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ۚ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ...} [التوبة: 111].

 

إن الإيمان حول أصحابه إلى زلازل وبراكين أتت على الشرك من القواعد! فماذا قيل: يا خيل الله اركبي، وإلى الله ارغبي.. رأيت الرجال يتسابقون إلى الموت موقنين بأن بعده الجنة..

 

وقد يكون أحدهم شيخاً كبيراً أثقلت جسمه السنون، فإذا سمع النداء تحامل على نفسه ليؤدي واجبه، فيقول هل بنوه إن الله عذرك! ونحن نجاهد عنك! فيقول: كيف عذرني وهو القائل: {ٱنفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَٰهِدُوا بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ} [التوبة: 41].

 

إن الشاب والشيخ، المثقل والمخفف، سواء في ضرورة الجهاد! الحق أن الوثنيات الدينية والسياسية والإقتصادية لم تجد فؤاداً أشجع ولا ذراعاً أشد، من فؤاد محمد وذراعه.

 

لقد حشد ضدها الجموع، ورمى طواغيتها بالأبطال، وأخذ يقول لهم: " مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ".. " رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَازِلِ".. "مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمَى اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ"... "لَا يَجْتَمِعُ كَافِرٌوَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أَبَدًا! وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي جَوْفِ عَبْدٍ غُبَارٌ فِيسَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الْإِيمَانُ وَالشُّحُّ".. "سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى".. "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ وَشَرِّ النَّاسِ إِنَّ مِنْ خَيْرِ النَّاسِرَجُلًا عَمِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ أَوْ عَلَى قَدَمِهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ وَإِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ رَجُلًا فَاجِرًا يَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ لَا يَرْعَوِي إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ"

 

يقول المغيرة بن شعبة للفرس: أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا: "أنَّهُ مَنْ قُتِل َمِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ".

 

بهذه التوجيهات وتلك المشاعر بدأ الهجوم على قوي الكفر والعدوان، فإذا الدو الكبرى التي غالبت الزمن وطاولت التاريخ تترنح وتتراجع ثم تهوى!!..

 

وجماعة المستشرقين دون مستوى الوعي بهذه الحقائق، فهم ما عرفوا – في ظل الاستعمار إلا حروب النهب والسلب، والأحقاد والأطماع، ولذلك يتحدثون عن محمد وصحبه حديث السكارى عن الملأ الأعلى.

 

ثم ظهر بدع مضحك يقول للناس: إن العروبة من وراء الفتوح العظيمة في فارس والروم! أي عروبة؟ كان العرب غربي فارس أذنابا لكسرى واسمهم المناذرة، وكانوا جنوبي الروم أذناباً لقيصر واسمهم الغساسنة، وكانوا في قلب الجزيرة يسمعون عن الروم والفرس كما يسمع الحمالون عن ركاب الدرجة الممتازة في السكك الحديدية!! إن العرب قبل الإسلام ومن غير الإسلام ما كانوا شيئاً، ولن يكونوا شيئاً وسنزيد ذلك بياناً في الإجابة التالية.

 

  • الخميس AM 10:26
    2022-03-24
  • 1133
Powered by: GateGold