المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409164
يتصفح الموقع حاليا : 345

البحث

البحث

عرض المادة

هل ينبغي في عصر تفجير الذرة وغزو الفضاء أن نقدم الولاء للإنسانية ونؤخر الولاء للدين؟

يطن كثير من الناس أن هذا العصر ليس عصر الأديان، ما توحي له كلمة دين من تعصب خاص، وأفق محدود، ورباط بالماضي، وتجهم لما لم نألف..!! ويقولون: هذا عصر الإنسانية العامة، ذات المعالم المطلقة والانفتاح على الآخرين.

 

إنه عصر هيئة الأمم، والميثاق العالمي لحقوق الإنسان، والدعوات التي تتسامى على الأجناس والألوان والقوميات والأديان!.

 

والواقع أن التفكير السائد هو أن القرن الخامس عشر للهجرة أو العشرين للميلاد هو القرن الذي انسحبت فيه الأديان، وتركت الزمام لمباديء أخرين تقود العالم، وعلى المتدينين الاكتفاء باللقاء العاطفي في معابدهم وعدم شغل الناس بقضاياهم القديمة.

 

هذا الكلام خدعة كبرى لا أصل لها، بل هو زيف من ألفه إلى يائه، وأستطيع أن أكرر ما قلته في مناسبات شتى إن هذا العصر هو العصر الذهبي للأديان كلها ماعدا الإسلام.

 

وأخشى أن يكون ترديده من مكر الطوائف الأخرى بنا، وحتى تبنى وجودها على رفاتنا، ونستطيع أن تملأ الفراغ الحادث بعد ذهابنا..

 

إن هذه الأيام العجيبة تشهد انطلاق أديان كانت مقيدة! وعقائد كانت جامدة، بل لقد تحرك مزهواً من كان أمله أن يدفع العار عن نفسه، وحسبه أن يظهر بحق الحياة المجردة!

 

لننظر إلى اليهودية التي سلخت من عمر الزمان فوق ثلاثين قرناً، هل وجدت أزهى من هذا العصر؟ إن العالم أجمع يستمع إليها، وينصب لأسلوبها في عرض الأمور!..

 

هل استطاعت اليهودية خلال عشرة قرون أو عشرين قرناً أن تجمع فلولها من أقطار الأرض، وأن تقيم لها دولة على أنقاضنا؟ وأن ترفض بصلف رجاء الراجحين أن تسمح للعرب بإقامة دويلة إلى جوارها؟..

 

لقد النتهت قصة اليهودي التائه، وبدأت قصة العربي التائه..

 

بدأت مأساة لاجئين، جمهرتهم الكبرى من المسلمين، يطاردون من قطر إلى قطر؛ لأن "هويتهم" سرقت منهم تحت الشمس، ومنحتها هيئة الأمم لأبناء التوراة، ورأت ذلك هو الإنسانية الصحيحة..

 

أفذلك ما نكلف بقبوله وإلا صرنا مسلمين متعصبين؟ نعمل ضد الإنسانية! ألا قبحاً لهذا المنطق..

 

وكانت النصرانية حتى مطالع هذا العصر تجر وراءها تركة مثقلة من الخصام الدامي بين العلم والدين، لقد قتلت العلماء وعوقت التقدم العلمي، ومشت على أشلاء الضحايا من طلائع الفكر الإنساني.. ورأت دول الغرب نفسها أن تقلم أظفارها، وتسمح لها بالعيش بعيداً عن كل نشاط ذي بال!!.

 

وبغية تغير الوضع كله، وأصبحت النصرانية سيدة الموقف وانعقد صلح وارف الظلال بينها وبين شتى الحكومات في أوربا وأمريكا...

 

ورأينا "بابا روما" ينطلق من قلعته في "الفاتيكان" إلى مشارق الأرض ومغاربها، ليجد الألوف المحشودة تنتظره، ورؤساء الدول في شرف استقباله، ومن مرت بهم طائرته أرسلوا إليه في الجو تحيات عطرة!..

 

فإذا خطب في "نيجيريا" وأكثر من تسعة أعشارها مسلم تناول بالضيف قضية تعدد الزوجات، وأومأ إلى منافاتها الأخلاق (!) وهو يعرف أن العالم الغربي غارق في الخنا إلى أذنيه.

 

إن مهاجمة الإسلام هدف إنساني.. وفي سبيل ذلك رأينا تعاوناً وثيقاً منظماً بين "الكاثوليك" الإنجيليين و "الأرثوذكس" علام يتعاونون؟ على إخماد الصحوة الإسلامية التي لاحت في أقطار كثيرة!!..

 

وفي سبيل تلك الغاية الإنسانية اتسع نطاق التعاون ليشمل اليهود!..

 

وتذكر قول :تشرشل" لما حالف الروس الشيوعيين ضد الألمان المسيحيين: إنني مستعد للتحالف مع الشيطان ضد عدوي!.

 

ورجعت إلى تاريخ البعثات التنصيرية فقرآت هذه المقتطفات للمطران "نيل" وهو يتحدث عن جهود الصليبيين في العصور الوسطى للتعاون مع المغول على ضرب الإسلام قال: ".. عندما سمع العالم الغربي للمرة الأولى عن غزو التتار للعالم الإسلامي، استقبل هذه الأنباء بإنشراح؛ لأنه إذا استطاع النصارى التحالف مع القوى المغولية على ضرب الإسلام من الخلف أمكن الخلاص بصورة نهائية من خطر المسلمين، وقد يكون من الأفضل أن يدمر هذان العدوان بعضهما الآخر، فستصبح الكنيسة بعدئد الخيار الأفضل، وذلك ما جعل المطران "وينشستر" يقول للملك هنرى الثالث ملك إنجلترا ما نصه "ليدمر هؤلاء الكلاب بعضهم بعضاً، وليصف كلاهما الآخر! وعندها سنرى الكنيسة الكاثوليكية العالمية تتأسس على أطلالهم"..

 

يقول محرر مجلة الأمة تعليقاً على هذه النصوص: "إن بعض السذج من المسلمين يعجبون للتواطؤ القائم بين الشيوعيى والصليبية على ضرب الإسلام، والذي ظهرت آثاره في زنجبار وتنجانيقا والسودان والحبشة وأوغندا وفلسطين.. إلخ لا مكان للعجب، فالتاريخ يعيد نفسه وأحداث العصر تماثل كل المماثلة ما نقلناه آنفاً على لسان المطران نيل.. لم يتغير إلا الوقت، أما الحق الكامن، والجهل المتعصب، والنفوس الملئوية والميول العدوانية فهي هي مازالت في القرن العشرين كما كانت في القرن العاشر، وما قبله وما بعده"..

 

ولنترك جيراننا أهل الكتاب! ولننظر بعيداً إلى ديار البوذية والهندوكية، إن الديانتين الوثنيتين في عصرهما الذهبي الآن ما بلغتا هذه الذروة يوماً ما..!!

يعرف دارسو الملل والنحل أن بوذا لم يرفع بصره يوماً إلى السماء لا داعياً ولا خاشياً؛ لأنه لا يؤمن إلا بالأرض وما عليها وقد وضع لأتباعه تعاليم حسنة ليعيشوا بها!

 

فلمات مات جعله هؤلاء الأتباع إلهاً، وجعلوا تعاليمه توراة وإنجيلاً وقرآناً، وأصبحت البوذيه ديناً! ما أغرب نقائض البشر!

 

ورأيت القباب الذاهبة في الفضاء تحتها تماثيل لبوذا جالساً يفكر! والألوف من العابدين يزدلفون حوله، إن الدولة الغربية أعانت هؤلاء على مطاردة الإسلام وطي راياته عن أقطار كثيرة، فالوثنية – من الناحية الإنسانية – أفضل من الإسلام!!..

 

أما الهنادك فهوايتهم المفضلة مطاردة المسلمين حيث كانوا!! إنهم يقدسون الأبقار والقردة، بل الجراثيم! الشيء الذي يستحق الموت هم المسلمون، وأقرأ الآن وأنا أكتب هذه السطور- كيف قتل أكثر من خمسة آلاف طفل وامرأة رمياً بالسهام أو ضرباً بالفئوس أو حرقاً بالنيران، مما جعل مئات الألوف تفر حذر الموت إلى جبال "الهيملايا"، ذلك كله في ولاية واحدة، ولاية "آسام".

 

تلك هي الإنسانية في عصرنا الحديث! إن رنين الكلمة المزيفة يقرع الآذان، ويثير الغثيان!!

 

إنني باسم الإسلام وأمته على استعداد كامل للحفاوة بهذه الكلمة يوم تكون عنواناً له موضوع، وعندما أفعل ذلك فأنا أوفى لديني ولا أخرج عليه، بل أعد من الولاء لديني أن أحسن الحسن، وأقبح القبيح، وأدفع عن المظلوم، وأبشر الرحمة، وأقيم العدل، وأرق للحيوات بله الإنسان أياً كان لونه ودينه!!.

 

إنني أعرف من ديني أن الله يقبل دعوة المظلوم ولو كانت من كافر!..

 

وأعرف من ديني أن حلفاً شريفاً تم في الجاهلية الأولى، قال النبي الكريم عنه: "لو دعيت به في الإسلام لأجبت"!!.. إنه حلف الفضول، للحفاظ على الحقوق ونجده المستضعفين..

وعلى ضوء ذلك أعلن احترامي الشديد للجنة العفو الدولية التي تقف بجهدها ضد العدوان، وتكشف أصحابه، ويؤلب عليهم ذوي الضمائر الحية في هذه الدنيا..

 

وأؤيد من أعماقي حسن معاملة الأسرى وأعلن الحرب على الرق الفردي والجماعي وعلى التفرقة العنصرية بجميع صورها.

 

معنى أنني مسلم أنني أعتنق ديناً طبيعياً، ويحترم الفطرة البشرية ونوازعها الطيبة ويحترم العقل الإنساني وأحكامه المنطقية، ويتوقع الخطأ ولا يحك على مقترفه بالموت، بل يمهد له طريق التوبة ويفتح أمامه أبواب الرجاء، ويلحظ حكم القدر في اختلاف الأديان فيدعو إلى رأيه بالحكمة والموعظة الحسنة ويرفض الفتنة والقسوة..

 

تلك هي الإنسانية التي نحبها ونراها امتداداً لرسالة الله، ومرادفاً للإسلام..

 

  • الخميس AM 10:24
    2022-03-24
  • 947
Powered by: GateGold