المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409080
يتصفح الموقع حاليا : 391

البحث

البحث

عرض المادة

كيف يحقق الإسلام التوازن الاقتصادي في المجتمع؟

لا يرتاب عاقل في أن الإسلام منح الفرد حق التملك مادام السبب مشروعاً قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعَٰمًا فَهُمْ لَهَا مَٰلِكُونَ وَذَلَّلْنَٰهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَٰفِعُ وَمَشَارِبُ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} [يس:71-73].

 

وقد رغَّب الواجدين أولي السعة أن يؤتوا غيرهم ويشركوهم في نعمة الله لديهم {وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ ءَاتَٰكُمْ } [النور:33].

 

ورهَّب – سبحانه – من تسليط اليد السفيهة على المال تريقه في العبث، وتهدد المصالح المرتبطة به القائمة عليه {وَلَا تُؤْتُوا ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَٰلَكُمُ ٱلَّتِى جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰمًا} [النساء:5].

 

ونادى تبارك اسمه جماهير المؤمنين أن يستعفوا عن الحرام، وألا تكون معاملاتهم انتهاباً وشرها، بل يجب أن تكون عن طيب نفس، وعن رضا قلبي {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوٓا أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِٱلْبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍۢ مِّنكُمْ} [النساء:29] والواقع أن ازدهار العمران وتوقد الملكات، وتضاعف الإنتاج إنما يجيء مع سباق الحوافز الخاصة، ورغبة البشر في الكسب، والمزيد من الكسب، لأنفسهم وأولادهم..

 

وقد أقر الإسلام حرية التملك، وإن كان قد أثقلها بالقيود التي تمنع سطوة الأنانية، وطغيان الاستغناء..

 

والشيوعي تلعن الملكية الخاصة، وتجعلها مسئولة عن المظالم الإجتماعية قديمها وحديثها!..

 

 

وقد تكونت للشيوعية بشقيها الإقتصادي والفلسفي الإلحادي دول كبيرة، والذي يعنيني أنا المسلم المؤمن بالله وكتبه ورسله – أمران: أحدهما أهم وأخطر من الآخر.

الأول: إثبات معالم الإيمان جملة وتفصيلاً فلا هوادة في جحد الألوهية، وإنكار الوحي الأعلى..

الثاني: احترام الملكية الصحيحة، ورفض ما عداها من تملك أساسه السحت والاغتصاب وضروب الاستغلال السيئ.

 

وإنما أقرر ذلك، لأن هناك أناساً يزعمون الإسلام – ويعلم الله ما في قلوبهم – ثم يتخوضون في مال الله تخوضاً رهيباً فلا يتركون منه إلا ما عجزوا عن حمله! ولا يبالون من أين اكتسبوا! ولا يرقوت لضعيف داسوه وهم يجمعون ولا يكترثون لمحتاج يرنو إليهم ابتغاء معونة!!

 

يقول أولئك: إنهم يحاربون الشيوعية؛ لأنها ضد الدين!! وهم الطريق الموصل إليها والمغرى بها!! والدين الذي يذكرونه بعيد عن أخلاقهم وأعمالهم!

 

على أية حال نحن نحامي عن الإسلام الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد، وتأبى أن تبقى رسالته العظمى في وصاية نفر من المترفين والمتخومين {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوا فِى ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ} [القصص: 5-6].

 

ومن الصعب فصل الإقتصاد عن السياسة، ومن هنا فإنك حيث تجد الخلل السياسي تجد الإثراء الحرام، واستغلال السلطة إلى أبعد الآماد، وسوق المغانم إلى الأقارب والأتباع والحواشي..

 

وأرى أن طهارة الربح أصل عظيم لصلاح المجتمع، وأن مصادرة الأملاك التي سرقت من حقوق الآخرين تعيد إلى النفوس والأوضاع قدراً كبيراً من الاستقرار والتوازن! إن رأي الأجانب في أساليب الربح والخسارة، والغني والفقير في بلادنا ينعكس رءوس الدعاة، ويلصق بالإسلام تهماً هو منها براء.

 

وقد سردنا النصوص في تحريم النهب والغش والاحتكار والاستغلال في أماكن من كتبنا..

 

والمال المكسوب من حلال تجب فيه حقوق شتى، أولها الزكاة، ومكانتها في الإسلام كبيرة، والغاية منها قطع دابر البأساء والضراء، وإيذاء العون الذي يحقق للفقراء الاكتفاء الذاتي.

 

وتدبر قول الرسول الكريم: "أَلَا رَجُلٌ يَمْنَحُ أَهْلَ بَيْتٍ نَاقَةً تَغْدُو بِعُسٍّ – قدح كبير - وَتَرُوحُ بِعُسٍّ إِنَّ أَجْرَهَا لَعَظِيمٌ".

أي توفر لأهل البيت مقداراً سخياً من اللبن في الصباح والمساء، وبذلك تتم تغذيتهم!

 

إن الصورة المعروفة للزكاة يد تمتد ذليلة سائلة لتتلقى فتاتا يسد حاجة اليوم، ثم تكرر الضراعة والطلب لتسد حاجة الغد، وهكذا دواليك؟

 

وتلك لعمر الله مستكرهة، إن الإسلام أول قاتل لاستخراج حق الله في المال، ثم تولت الدولة إعطاء من ترى بهم حاجة، لكن كيف تعطي وكم؟ يجيب الدكتور يوسف القرضاوي على ذلك في تفصيل نقتبس منه هذه السطور: "فهناك المذاهب الذي رجحه الغزالي وهو مذهب المالكية وجمهور الحنابلة وبعض الشافعية وهو أن يأخذ المحتاج ما يتمم كفايته من وقت الآخذ إلى سنة مستقبلة – أي نفقة عام كامل – قال الغزالي فهذا أقصى ما يرخص فيه من حيث إن السنة إذا تكررت تكررت أسباب الدخل، ومن حيث إن الرسول الكريم ادخر لعياله قوت سنة، والقائلون بهذا الرأي يذكرون أن كفاية السنة ليس لها حد معين تقف عنده "فإن كانت لا تتم إلا بإعطاء الفقير الواحد أكثر من نصاب، من نقود أو حرث أو ماشية أخذ من الزكاة ذلك القدر، وإن صار به غنياً؛ لأنه حين الدفع إليه كان فقيراً مستحقاً"!!

 

ومن الطرائف التي ذكرها صاحب الكتاب الجليل "فقه الزكاة" أن الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز أمر من ينادي في الناس كل يوم: أين المساكين؟ أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ يعني طالبي الزواج الذين لا مهر معهم!! فإن بيت مال المسلمين يساعد على الزواج وإيتاء المهر!!

ثم ذكر الأستاذ رأياً آخر للفقهاء في القدر الذي يمنح من الزكاة، هذا القدر ليس كفاية عام كما ذكرنا، إنه كفاية العمر، قال: "وهذا الرأي هو الذي نص عليه الشافعي في "الأم" واختاره جم غفير من أصحابه".

 

إن الإسلام دين طبيعي يحارب السرقة بتموين الناس! ويحارب الزنى بتزويج الراغبين في العفاف! ويسخر تعاليمه المالية لتحقيق أهدافه الخلقية، وضبط المسار الإجتماعي حتى لا يعوج أو يزيغ..

 

على أن دائرة الزكاة مهما اتسعت فينبغي ألا تعدو بها حدودها، قد تكون الزكاة عوناً للعاجزين، ولكنها مساعدة مؤقتة للعاطلين إلى أن يجدوا العمل!

 

وقد جاء في الحديث: "لا تجوز الزكاة على ذي مرة سوى" أي أن الرجل السليم الخلقة، السوي الحواس والأعضاء يتجه إلى العمل ليتكسب منه ويفوت أهله!

 

ولا ننسى أن الزكاة نفسها هي فضول من عملوا وكسبوا وادخروا، فالعمل هو المصدر الأساسي للثروة، وعلى الدولة أن تمهد ميادينه لكل قادر، وأن تحارب البطالة بكل ما لديها من قوة!..

 

وأجدني مكلفاً بمصارحة قومي، وإن ساءتهم هذه المصارحة، إن غيرهم من الناس كان أجلد منهم على العمل، وأبصر بأسبابه، وأحيل على معالجته والنجاح فيه ونيل الغنى الباذخ منه!..

 

وقد تساءلت عن سر ذلك؟ فوجدت أن تقاليد البدو تسللت إلى تعاليم الإسلام وتقاليد المسلمين فوقفت بأمتنا على حين تحرك غيرها وسبق سبقاً بعيداً.

 

والبدو يحتقرون الفلاحة، ويزدرون الحرف ومجالس الأغراب ملآى بالمفاخرات والمنافرات والتطاول بالرياسة، والتنزه عن عدد من الصناعات!

 

فالفرزدق يهجو جريراً لأن أباه حداد! أما مجاشع جد الفرزدق فلا تدري مما يأكل؟..

وإلى أمد قريب كان ابن عمدة القرية من ابن طبيب القرية! أو ابن شرطيها! واليد الملوثة بالنفط والقارة مؤخرة عن اليد التي تقبض النقود حصيلة كدح هذا وذاك!!

 

وربما وصل هذا التفاوت إلى عقود الزواج فعد ابن هذا ليس كفئاً لبنت ذاك، ونسب ذلك كله إلى الإسلام..

 

إن المجتمع الإسلامي يجب أن يعاد تشكيله وفق القانون الإلهي الفذ {وَقُلِ ٱعْمَلُوا فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ...} [التوبة: 105].

 

أما عوائد المترفين والقاعدين فلتطوح معهم إلى الجحيم.

 

  • الخميس AM 09:40
    2022-03-24
  • 1024
Powered by: GateGold