المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411910
يتصفح الموقع حاليا : 315

البحث

البحث

عرض المادة

كيف يقيم المسلمون دولة إسلامية واحدة؟

{إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]. هذه الآية أدل شيء على صفة أمتنا وفحوى رسالتها، إنها أمة أورثها الله كتابه وأوصاها أن تعمل به وتدعو إليه، وأن تجعل وجودها المادي والأدبي مربوطاً بحقائق الوحي الأعلى، وترجمة عملية لمراد الله من خلقه: {ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ أَقَامُوا ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُوا بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ ٱلْمُنكَرِ} [الحج: 41].

 

وقد بقيت علاقة الأمة المصطفاة قائمة برسالتها تلك على تفاوت مثير، أحياناً تقوى فلا يعجزها شيء! وأحياناً تهين فيغلبها الذر!!

 

ومع التأمل في التاريخ الإسلامي أستطيع القول: إن بقاء المسلمين إلى يوم الناس هذا يرجع قبل كل شيء إلى حفظ الله تبارك اسمه! ثم إلى وفاء الجماهير العميق لدينها ثم إلى جهاد الفقهاء والدعاة والمربين!

 

أما التاريخ السياسي فركام من الأقذاء نما على مر الأيام وبلغ ذروته في هذه السنين العجاف!..

 

وإن كان يظهر بين الحين والحين خليفة أو ملك يمسح القذى، ويمهد الطريق ويكبت العدو!!

 

لقد شقت الأمة طريقها بقوة على عهد الخلافة الراشدة، وكانت الجماهير والحكام جسداً وروحاً لا فكاك بينها.

 

ثم اضطربت أجهزة الحكم العليا، ودخلها خلل مزعج أيام الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية، ومع ذلك رأى جمهرة العلماء والدعاة أن يبقوا الأمة موحدة الصف والهدف وراء أولئك الحكام، فكان المسلمون أمة واحدة وخلافة واحدة تقريباً..

 

ثم نبتت إلى جوار الجذع الغليظ سيقان أخرى ما لبثت أن اشتدت وتحولت إلى جذوع قوية، ومن هنا قامت دولة إسلامية شتى، فشاعن الفرقة والضعف!..

 

والحق أن مأساة الإسلام الأولى لم تجيء من كثرة حكوماته قدر ما جاءت من تفاهة الحاكمين وندرة مواهبهم، وسقوط منصب الخلافة بين أناس لا يصلحون لإدارة قرية صغيرة أو شركة محدودة!!

 

وما بد من كيان سياسي وثقافي موحد للمسلمين، حتى يستطيعوا أداء رسالتهم والقيام بحق الله عليهم، إلى جانب ما هو معروف من أن الإخاء الديني بين المسلمين، يسبق أخوة النسب، وأن الولاء للمعتقد فوق الولاء للنزعات العرقية والأرضية!

 

وقد يظن ظان أن هذه ضرب من الغلو! لكني بعد ما درست التاريخ الدولي للعلاقات بين المسلمين وغيرهم شعرت بأن هذا الترابط الإسلامي ضرورة حياة، ونداء البقاء بين ملل ونَحل تنظر إلى المسلمين بكرهٍ، وتود لهم العنت، بل الضياع!

 

ولا تزال الضغائن الأولى تتوارثها الأجيال، وتزيد جذوتها وهجاً، حتى مطالع هذا القرن الخامس عشر، فمع عمق الفجوة بين الهندوكية والشيوعية والصليبية واليهودية، رأيت الكل يعالجون الوجود الإسلامي بالقتل.

 

المذابخ الطائفية في الهند، والحرب الكيماوية في أفغانستان، ومجازر صبرا وشاتيلا في لبنان، ودير ياسين في فلسطين المحتلة، إنها النقمة على الإسلام وأمته حيث كانت، قاسم مشترك يجمع بين الأضداد على اختلاف الزمان والمكان، ويغريهم بانتهاز فرصة الضعف السائد للإجهاز على هذا الدين إلى الأبد...

 

فهل يلام المسلمون إذا فكروا في وحدتهم وخلافتهم بعد ما فشلت النزعات العالمية والصيحات الإنسانية في حقن دمائهم وحفظ حقوقهم..؟

 

وسؤال آحر؟ مَن مِن الوثنيين وأهل الكتاب نسى عقيدته، أو أصم أذنه عن ندائها؟ حتى يقال للمسلمين: انسوا ما لديكم!!

إن التحالف المكتوب وغير المكتوب ضد الإسلام يجعل الإنسان يهتف بين الحين والحين بالبيت المشهور:

                   كل يوم تبدي صروف الليالي

                                         خلقاً من أبي سعيد عجيباً!!..

 

فلنقم للإسلام دولته الجامعة ولتعد إليه خلافته الضائعة، وليتعلم المسلمون من أخطائهم الماضية كيف يحترمون الصواب ويلتزمونه..

 

سمعت من يقول: كيف يمكن حشد المسلمين في دولة واحدة، وتحت راية واحدة، وهم ألوف مؤلفة موزعون على أقطار فيحاء؟.

 

قلت: إن المسلمين يبلغون ألف مليون نسمة، وقد قامت للصين دولة وهي مثل ذلك العدد.. فإن قلت: إن الصينيين على أرض واحدة، ومساحة مشتركة, قلت: إن الاتحاد السوفيتي قدر على بناء دولة واحدة فوق أرض تأخذ نصف أوربا، ومثل ذلك من آسيا مع تعدد الأجناس واللغات!!

 

إنه لا توجد عوائق مادية تمنع قيام دولة واحدة للمسلمين، بل إن هذه الدولة ظلت قائمة أكثر من ثلاثة عشر قرناً، ما يخرج عن نطاقها إلا عدد محدود، يرنو إليها يستظل من بعي بحمايتها.

 

إن العوائق دون هذه الدولة نفسية، ومعنوية، واستعمارية، وهي ترجع إلى المسلمين قبل أن ترجع إلى خصومهم.

 

إن البعد عن الإسلام، والموت الأدبي الرهيب الذي حاق بشعوبه كانا من رواء سقوط الخلافة، واقتسام الأقوياء لترائها، بل إن المستعمرين في أقطار شتى من إفريقيا وآسيا خرجوا من الأرض التي احتلوها طوعاً لا كرهاً، دون أن تسفك قطرة دم! وتركوا في هذه الأرض حكاماً محليين يحرسون مصالحهم ونستحي أن نقول: تركوا حكاماً حزنوا لانسحابهم!

 

ومن هنا نؤكد أن عودة الدولة الإسلامية الواحدة تحتاج إلى تمهيد واسع، يعيد المسلمين أولاً إلى دينهم الحق، ويملأ أفئدتهم وألبابهم برسالته وعقائده وشرائعه وفضائله.. كما تحتاج إلى بصر حاد بأخطاء الماضي وأسباب الإنهيار حتى يمكن تجنبها، بلباقة ومقدرة، فتبنى الدولة الجديدة على قواعد لا تنال منها الأيام..

 

وغنى عن البيان أن هذه الدولة الجديدة، ليست مركزية، إنها مجموعة من الأقطار أو الولايات لها حكوماتها المحلية، ومجالس شوراها، وضرائبها، وشخصيتها المعنوية، يتكون منها بعد ذلك، كيان الدولة الكبرى ويوجد بعاصمتها الخليفة بسلطاته العامة..

 

ويستطيع الأخصائيون وضع القالب القانوني لهذا البنيان السياسي، ولا حرج عليهم أن يقتبسوا من الأنظمة المطبقة في دولة مشابهة بعد إشرابها روح الإسلام..

 

إن العنصر الحاضر ليس عصر الدويلات المنثورة، إنه عصر التكتلات الكبيرة القديرة على الحياة والمقاومة الذاتية!

 

إن العالم الإسلام ضم أجناساً كثيرة، من عرب وفرس وترك وهنود وزنوج...إلخ وهي أجناس سعدت بهذا الدين، وأرضت به ربها، وحققت به وجودها، ولكنا نقول بصراحة وصرامة: الإسلام استفاد سياسياً وثقافياً من فضائل هذه الأجناس، كما نكب ثقافياً وسياسياً من معاييها الأخرى!!.

 

ولما كنت عربياً مسلماً فإني سوف أتحدث عن بني قومي وأتحدث إليهم..

 

ما هذه العروبة التي اخترعوها، وكابروا بها الإسلام، وحسموا الولاء له، وجعلوا قوميتها فوق الدين، وبعثها بعيداً عن هداه؟

 

هل العرب بلا إسلام يصلحون لشيء؟ أو يقدمون للإنسانية أي شيء؟

 

تفرست في وجوه العروبيين الجدد، ورابني منهم ضغن على محمد، وهو أعلى قمة في التاريخ واستهانة بصحبه، وبما حملوا للعالم من وحي! أكان مطلوباً من هؤلاء الاصحاب ألا يبلغوا القرآن؟ وأن يتلوا على مسامع الناس هراء عمرو بن كلثوم:

                   إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً

                               تخر له الجبابرة ساجدينا!

                                         لمـــــاذا؟ أيــــها الأبـــلـــــه؟

 

لا حياة للعرب، ولا شرف، إلا بالعودة إلى سيرة أجدادهم الأقدمين والإخلاص للإسلام عقيدة وشريعة، واستبطان أدبه، والتزام هدفه، والاسقامة على صراطه المستقيم..

 

أما أن يعود البعض إلى قبر مسيلمة، يناشده العودة إلى الحياة، ويطلب منه قيادة صحوة عربية جديدة، فهو لا يألو أمته إلا خبالا، ولن يزيد العالم إلا سخرية بها..

 

ولما ترك العرب تقاليد الإسلام السياسية، وتقوى الخلافة الراشدة، وسلوك الفقهاء الكبار، ماذا صنعوا؟

 

استحيوا تقالي المفاخرة والمنافرة، والذهاب بالآباء، واسترخاص الدماء، فإذا الشعوب في أرجاء الدنيا تتنفس بحرية، وتعترض حكامها في طمأنينة وثقة، وتهتف ضدهم إذا شاءت.. أما العرب، فإن حاكماً واحداً يقدر على سحق عشرات الألوف لتكون العزة لغير الله! ومع هذه الفتكات الرهيبة يتواصى بقية العرب بالسكوت المطلق!

 

أظن العرب في جاهليتهم الأولى لم يبلغوا هذا الدرك من النذالة!

 

إنه لن تقوم دولة الإسلام الكبرى إلا إذا اعتنق العرب الإسلام من جديد، وكرروا ما صنع سلفهم الأول، وإلا ذهب الله بهم وأتى بخير منهم.

 

  • الخميس AM 09:35
    2022-03-24
  • 970
Powered by: GateGold