المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412556
يتصفح الموقع حاليا : 302

البحث

البحث

عرض المادة

ماذا لو تعارض الحديث مع القرآن الكريم؟

لا يتعارض حديث مع كتاب الله أبداً! وما يبدو حيناً من تعارض هو من سوء الفهم لا من طبيعة الواقع، وذلك مثل حديث "لَا يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ" وقوله تعالى: {ٱدْخُلُوا ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32].

 

الفهم الصحيح للموضوع كله، أنه لابد من عمل ينال به المرء رضا ربه، ويستحق رحمته، فالجنة ليست للكسالى والأراذل، بيد أن العمل المقبول هو المقرون بالتواضع لله، وإنكار الذات، والقلق من أن يرفض رب العالمين العمل المتقرب به لأن عيوبه لا تخفى عليه، أو لأنه دون حقه، أو لأي سبب آخر.

 

فمن تقدم بعمل وهو شامخ الأنف، ليس في حسابه إلا أنه قدم العمل المطلوب للجنة، وعلى الله أن يسلم له المفاتيح ليدخلها بعدنا امتلكها بعمله!! هذا المغرور لا يقبل منه شيء، ولا مكان له في الجنة.

 

أما من جاء خاشعاً خفيض الجناح، شاعراً بالإنكسار لأنه لم يقدم ما الله أهل له! فإنه يدخل الجنة بعمله!

 

والدلائل على هذا المعنى كثيرة، وما يعقلها إلا العالمون!

 

إن السنة بحر متلاطم بالأمواج، وما يستطيع فهمها على وجهها إلا فقيه يدرك ملابسات كل قول، والمراد الحق منه! فإن النبي عليه الصلاة والسلام ظل يكلم الناس ثلاثاً وعشرين سنة، اختلفت فيها الأحوال، وتباين الأفراد وتشعبت القضايا.

 

ووضع كل حديث بإزاء المقصود منه، أو معرفة النطاق الذي يصح فيه، هو عمل الفقهاء، وهو عمل لا مناص منه وإلا حرفنا الكلم عن مواضعه!

 

والمحزن أن ناساً لا فقه لهم تكلفوا ما لا يحسنون من قراءة للسنة، وإفتاء بها، فأساءوا ولم يحسنوا، وهم الآن حجر عثرة في طريق الدعوة الإسلامية!

بعضهم فهم أن الإسلام يشن حرب العدوات ويأخذ الناس على غرة دون دعوة إلى دين!

 

وبعضهم فهم أن مستقبل الأمة إلى ضياع لأنه لا يجيء يوم إلا والذي يليه شر منه!

وبعضهم فهم أن الغنى مضاد للتقوى، وأن الفقر أخو اليقين وطريق الآخرة!

وبعضهم فهم أن القدر تحويل قسري للمرء من طريق النجاة إلى طريق الهلاك أو العكس، لأن العلم الإلهي سبق بذلك!!

 

وسبب هذا الخبط اشتعال الدهماء بالسنة، دون أن يكون لديهم رصيد من الحكمة القرآنية! ودون أن يكون لديهم ذوق أدبي بأساليب الأدب العربي، ودون أن يكون لديهم بصر بأغوار النفس الإنسانية، وأحوال المجتمعات البشرية، ودون دراسة عميقة للسيرة الشريفة، وما حفل به ربع قرن من أحداث جسام وشئون وشجون! ودون تفريق بين ما هو عادي وما هو عبادي.

 

فالسنة عندهم الأكل على الأرض، لا على مائدة، وتنظيف الفم بالسواك لا بالفرشاة والاستنجاء بالأحجار لا بالأوراق، وإرخاء ذيل العمامة على الأقفية، وإيثار الأبيض من الملايس الفضفاضة، وضرب النقاب على الوجه حتماً، وذاك بالنسبة إلى النساء!

 

والواقع أن العادات البدوية غدت سنة نبوية، ولما كان العرب يؤخرون المرأة في المكانة فقد مُنعت باسم الإسلام من التردد على المساجد، ومن تلفي العلم في المدارس، ومن جهاد الكلمة، أي جهاد الأمر والنهي! ومن أي مشاركة في جهاد عسكري... إلخ.

 

والعارفون بالنسبة المطهرة يدركون بطلان هذه التقاليد، ومنافاتها للكتاب والسنة، ومع ذل فإن الدهماء المتحدثين في الإسلام يقاومون الحق بعصبية، ويرمون غيرهم بالإنطلاق مع المدنية الحديثة.

 

والذي أراه أن السنة ركن الإسلام بعد القرآن الكريم، ولكن لا يشتغل بتفاصيلها إلا الفقهاء، ومن يعنيهم الأمر من الولاة والقضاء والدعاة، والمتخصصين في أي مجال يحتاج إلى الإلمام بهذه التفاصيل.

أما رجل الشارع أو الشخص العادي، فإن أربعين حديثاً تكفيه وتغنيه.

 

وعلى أية حال ما يجوز لجاهل القرآن أن يحدث الناس أو يتصدر للفتوة في شئونهم!

لقد رأيت أغيلمة تشتغل بالسنة، انتهى أمرها بالهجرة إلى اليمن لعلها تبدأ من هناك نهضة إسلامية!! نهضة بعيدة عن فقه الحياة والإستمكان من الدنيا! لعل صالحي الجن سوف يمدونهم بالمتفجرات في ميادين الحرب، أو الغذاء والكساء والدواء في ميادين السلام.. والجنون فنون!!

 

نحن نستمد معاقد الإيمان وأركان الإسلام وأعمدة الأخلاق والمعاملات من الكتاب والسنة معاً، والسنة العملية التي وردت بطريق تفسير مستيقن للقرآن نفسه، وعلى وضوء هذا نصلي الخمس، ونحج البيت، ونعرف الكيفيات لهذه الفروض ن السنة العملية، وهناك أحكام كثيرة في الفروع أجمع عليها الفقهاء، ولا يخرج على هذا الإجماع مؤمن، أما ما كان موضع خلاف، فالأمر فيه على الاتساع، يعتنق أي مسلم ما شاء من وجهات النظر العلمية دون حرج.

 

قال الفقهاء: والسنة المشهورة تخصص عموماً القرآن، فالأولاد مثلاً يرثون أباهم بنص الآية: {يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىٓ أَوْلَٰدِكُمْ ۖ  لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلْأُنثَيَيْنِ...} [النساء: 11] وقد جاءت السنة بأن القاتل لا يرث أباه الذي قتله. كما جاءت السنة بأن الكافر لا يرث أباه المؤمن.

 

وقد تقيد السنة نصاً جاء في القرآن الكريم مطلقاً، فالآية تجعل الأم من الرضاع محرمة كالأم نفسها، وكذلك الأخوات قال تعالى: {... وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِىٓ أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ } [النساء: 23]. وجاء في السنة أن ذلك ليس على إطلاقه، فلا تحرم رضعة ولا رضعتان، ويرى عدد من الأئمة أن أقل من خمس رضعات لا يفيد التحريم!!

 

وبقي أبو حنيفة ومالك على القول بالتحريم المطلق!

 

 

والذي أميل إليه أن الأمومة لا تتكون من رضاع كثير، فإذا ورد في السنة أن الحد الأدنى لذلك خمس رضعات، أو عشر كما يرى البعض فهو قيد جدير بالرعاية!

 

وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِى ٱلْقِصَاصِ حَيَوٰةٌ} [البقرة: 179]، ولكن السنة بينت أنه لا يقتص للفرع من الأصل، فإذا قتل أب ابنه عوقب بغير القتل! والسبب أن هذا القتل شذوذ عن سنن الآباء الذين قد يفتدون أبناءهم بحياتهم، ويحيون كادحين ليوفروا لهم السعادة!

 

لا بد أن هذا القتل لا تصحبه نية الإجرام، وأنه وقع تحت ضغط جنوني طاريء!

 

ويرى مالك أنه لا قصاص إلا إذا كشفت التحقيقات أن الأب رجل متوحش مجرد من مشاعر الحنو، فكر ودبر لغرض خسيس! ويرى غيره إلغاء القصاص مطلقاً إمضاء للسنة!

 

وهذا التخصيص أو التقييد هو تفسير ممن تلقى الوحي للمراد الإلهي، ومن أحق من نبي القرآن بتفسيره! ولا يسمى معارضة للقرآن الكريم، بل هو بيان وتوضيح.

 

وتستقل السنة بإنشاء أحكام إلى جوار ما شرع في القرآن، وأي ضير في هذا! قالوا: مثل المسح على الخفين بدل شريعة الغسل! ومثل تحريم الذهب والحرير على الرجال... إلخ.

 

والتحقيق أن تشريعات السنة كلها داخلة في نطاق القرآن الكريم، ودلالاته القريبة والبعيدة، وعندي أن المسح على الخفين ليس من إنشاء السنة بل هو معنى القراءة الثابتة: {وَٱمْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] بكسر اللام عطفاً على ما قبلها، والتعبير مجازي كما يقول علماء البلاغة، أطلق الحال وأراد المحل!!

 

أما تحريم الذهب والفضة فسدَّاً لأبواب الترف! وأظن ما ورد من تحريم استعمال الجرس فلحماية شعيرة الأذان، وإلا فلا مانع من استعمال الجرس للإنذار أو في الساعات المنبهة، أو في الهاتف أو في أعناق الدواب مثلاً.

 

ولفقهاء الحنفية كلام في هذا الموضوع أورده هنا لأني ميال إليه، إنهم يرون أن الفرض والمحرم لابد في إثباتهما من نص قاطع، ومعنى هذا أن خبر الواحد لا ينهض على إثبات حرمة أو إثبات فرضية.

 

ويعني هذا أن الأحكام الشرعية تزيد اثنين فوق ما قرره الأئمة الآخرون!

 

الأئمة يقولون: الواجب ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه، والمحرم بالعكس ما يعاقب على فعله ويثاب على تركه، والمندوب ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، والمكروه ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله، والمباح ما استوى فيه طرفا الفعل والترك.

 

ويرى فقهاء الحنفية أن ما أمر به حديث آحاد لا يرتفع إلى درجة الفرض، ويسمى لديهم واجباً يؤمر بفعله ويلام على تركه، وما نهى عنه حديث آحاد لا يرتفع إلى درجة المحرم بل يؤمر بتركه ويلام على فعله، ويأخذ حكم الكراهة التحريمية، وهم يطلقون هذا الحكم على ما انفردت السنة بحظره كلبس الحرير والذهب للرجال مثلاً.

 

لا فريضة عندهم إلا بنص قطعي، ولا تحريم إلا بنص قطعي، وأخبار الآحاد عند الجمهور لا تفيد إلا الظن العلمي، وشذ بعض الحنابلة فروى عن إمامه أنها تفيد القطع، وهذا فهم مردود!

 

  • الخميس AM 09:05
    2022-03-24
  • 3715
Powered by: GateGold