المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413596
يتصفح الموقع حاليا : 200

البحث

البحث

عرض المادة

ما الفارق بين القرآن، والحديث القدسي، والحديث النبوي؟

القرآن الكريم هو كلام الله تبارك وتعالى، المسجل بين دفتي المصحف الشريف، وهو المعجزة التي أيد الله بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، وتحدى مكذبيه! وهو منقول بالتواتر، ومتعبد بتلاوته، ومعصوم إلى آخر الدهر من أي تحريف.

 

وكان العرب يودون لو جاءتهم خوارق حسية بدل تحديهم بكتاب يخاطب الألباب والأفئدة، وجاء على ألسنتهم: { وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ} [الرعد: 31]، لا، هذا القرآن تسير به الجبال وتقطع به الخرافات، ويكلم به الأحياء!

 

وقد وقعت الخوارق التي يطلبون فما آمن منهم أحد لأن العناد أعماهم.

 

ولعل أفضل ما يوصف به القرآن ما جاء عن الحارث الأعور قال: مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث، فدخلت على عليِّ رضي الله عنه فأخبرته فَقَالَ: أو قَدْ فَعَلُوهَا؟ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إما إنها سَتَكُونُ فِتَنٌة، قُلْتُ وَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا قَالَ كِتَابُ اللَّهِ كِتَابُ اللَّهِ.

فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِىٓ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦ} [الجن: 1-2] هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

 

والحديث يفيد أن دراسة القرآن تسبق دراسة السنة أو بتعبير آخر: لن يكون فقيهاً في السنة قصير الباع في فقه القرآن الكريم، والكتاب والسنة معاً دعامتا الدين.

أما الحديث القدسي فهو كلام الله تعالى ولكنه لا يحتوي الخصائص القرآنية، فليس معجزاً في عبارته ولا وقع به التحدي، ثم إنه لا يتعبد بتلاوته، فلا تصح به صلاة.. وأخيراً لم يصل إلينا بطريف التواتر القطعي، فالأحاديث القدسية قد يكون فيها الصحيح والحسن والضعيف، بل قد يكون فيها الموضوع كحديث (عبدي أطعني أجعلك ربانياً تقول للشيء كن فيكون)، فإنه لا أصل له..!

 

ويرى البعض أن الحديث القدسي من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبر فيه الرسول عن مراد الله تعالى، وكأن لسان الحال يقول كذا، والجمهور على الرأي الأول، وأنه يشبه الوحي النازل في صحف إبراهيم وموسى، أي كلام إلهي غير معجز ولم نكلف بتلاوة ألفاظه والتعبد بها كما تقرر ذلك للقرآن الكريم..!

 

من نماذج الحديث القدسي الصحيح ما رواه مسلم عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال:

"يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا..

يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ

يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ!

يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ.

يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ

يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي!

يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا

يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ!

يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ".

 

ومن نماذج الحديث القدسي الحسن السند ما رواه أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى:

"يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي!!

يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي!!

يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً!!".

 

في هذا الحديث جرعة منعشة للإرادة التي غلبها اليأس من طول ما انهزمت في الحرب السجال بين الخير والشر أو بين العصمة والسقوط، والمراد أن تفيق لتستأنف سيرها إلى الله، وتلزم الصراط المستقيم، فالحديث هنا يشبه قوله تعالى: {قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنِيبُوٓا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُۥ...} [الزمر: 53-54].

 

وليس الحديث تهويناً من مغبة الانحراف كما يتصور الجهال.

 

وشيء آخر، نلفت البصائر إليه أن آفة الكثيرون من العصاة هي عبادة النفس! أعني أنهم يعبدون أنفسهم من دون الله، أو يشركون أنفسهم مع الله، ويقدمون هواهم على دينه.

 

ومن برئ من هذه الأثرة الغبية، ووقف أمام الله، أو لقيه هاضماً نفسه، بادي الفاقة إليه وحده، فهو أهل لأن يحظى بمغفرته.

 

وذلك في نظري السر في رفض الله سبحانه لأي شيء يعتبر شريكاً له، إن أي شيء يعكر حقيقة التوحيد، مهما كان أمره، بشراً أو حجراً أو مالاً أو جاهاً هو صدع هائل في الإيمان!!

 

أما الحديث النبوي فهو ما ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو حُكم أو تقرير، فإن الرسول الكريم إمام الأمة، وأسوتها الحسنة، وله عليها حق الطاعة، كما بين الله ذلك في كتابه {وَأَطِيعُوا ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور:56]  {مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [النساء: 80].

وبعض الناس لا يفقه معنى الرسالة ولا مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحسب أن القرآن وحده كاف في هداية الناس دون بيان من صاحبه، ودون تطبيق عملي يوضح مراد الله من عباده، وهذا خطأ بالغ، فإن القرآن ليس نقطة عثرنا عليها في فلاة، ولا كتاباً نظرياً يستطيع كل امريء أن يفسره على هواه ضارباً عرض الحائط بتوجيهات من نزل عليه وكلف بتبليغه!!.

 

والحق أن تجاهل السنة النبوية جهل فاضح بقدر أعظم رجل في تاريخ الإنسانية الطويل.

 

إن محمداً – لو لم يكن رسولاً – لكان لنفاسه معدنه، وطهر سريرته، ومجادة نفسه، أهلاً لأن يسمع نصحه! فكيف وهو بالرسالة التي اختير لها – قد اتصل بالملأ الأعلى, وأضحى معصوماً في كل ما يصدر عنه {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ} [النجم: 3].

 

إنه عندما يتكلم يُبلغ عن الله! ويصدر عن فؤاد موصول بنور السموات والأرض، وكما قال الله له: {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَٰبُ وَلَا ٱلْإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلْنَٰهُ نُورًا نَّهْدِى بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِىٓ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ} [الشورى: 52].

 

ونحتار من الحكمة النبوية هذا الحديث الشريف، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يَمْنَعُهُ ابْنِ السَّبِيلِ، يقول الله له يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ..!

وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا سِلْعَةً بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ لَهُ بِاللَّهِ تعالى: لقد لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وأخذها وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ..!

وَرَجُلٌ بَايَعَ الْإِمَامَ لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا مَا يُريد وَفَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ..!!

 

وجمهور المسلمين على أن طاعة الرسول من طاعة الله سبحانه، وأن من قرر عصيان رسول الله، ورفض ما أمر به أو نهى عنه، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه..

 

والواقع أن من يترك حديثاً ما من المرويات التي بلغتنا، لا يفعل ذلك تمرداً على صاحب الرسالة، وإنما شكا منه صدق ما نسب إليه، أو في المعنى المراد منه..!

 

بيد أن السنة الشريفة ليست كما يتصور البله، كلاماً جمع بطريق الجزاف أو سجل دون وعي!! لا، إن جميع الضوابط التي يمكن حشدها لضمان الصدق والدقة قد اتخذها علماء المسلمين.

 

ثم إن السنة العملية، وصلت إلينا بطريق التواتر، الذي وصل به القرآن نفسه، فلا مجال لإنكار صلاة أو زكاة من الصلوات المكتوبة، أو الزكوات المحسوبة.

 

  • الخميس AM 09:04
    2022-03-24
  • 883
Powered by: GateGold