المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411862
يتصفح الموقع حاليا : 276

البحث

البحث

عرض المادة

ما تفسير الآيات التي قد تصف الله سبحانه وتعالى وصفاً مادياً؟ مثل {وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}

جلست يوماً أفكر: ما أنا بين الناس؟ قلت: واحد من ألوف مؤلفة تسكن هذه الأرض! سألت مرة ثانية: ما أنا بين من سكنوها منذ الأزل ومن يسكنونها آخر الدهر؟

 

فشعرت بأني أتضاءل، وأن وجودي يصغر!.

 

سألت مرة ثالثة ما أنا بين شتى العوالم؟ إن إرضنا التي نحس ضخامتها ذرة محقورة بين أسراب لا تحصى من الكواكب الثابتة والدوارة، وما يقدر العلماء أبداً على معرفة حدود هذا الكون، ولا أن يعرفوا ما يزخر به من أحياء..!

 

وشعرت بأني ازداد تضاؤلاً..! وقلت: يجب أن أعرف قدري، وألا أعدو حدي، إن الغرور جريمة علمية قبل أن يكون جريمة خلقية...

 

وراقبت بعض الحشرات السارحة في عالمها الخاص بها وقلت: أتدري عن عالم الإنسان شيئاً؟ أتعرف ما يجول في فكره؟ أتعرف ما يبحث من قضايا وما يقرأ من كتب؟؟ كلا كلا أني لها هذا؟؟

 

قلت: إن علمي بحقائق الألوهية كعلم هذه الحشرات بحقيقتي! ينبغي أن أعرف قدري وألا أعدو حدي! إنني نقطة معموصة في مساحات رهيبة من الزمان والمكان، كيف تحاول قطرة في ترعة أن تستوعب البحار والمحيطات وتشرف على اللجج والأنواء؟؟

 

ورحت مع أبي القاسم القشيري أناجي ربي بهذه الأبيات:

يا مــن تقاصر شكري عن أياديه               وكَلَّ كل لسـان عـــن معاليـــه

وجــوده لم يــزل فرداً.. بـلا شبه               علا عــن الوقت ماضيه وآتيـه

لا دهــر يخلقأأه، لا قهــر يلحقــه               لا كشف يظهـره، لا سر يخفيه

لا عــد يجمعــه، لا ضــد يمنعــه               لاحـــد يقطعـه.. لا قطر يحويه

لا كون يحصره، لا عون ينصره               وليس في الوهم معلوم يضاهيه

جـــــلاله أزلـــــى لا زوال لــــه               وملكه دائــم لا شـــيء يفنيـــه!!

 

إن القرآن الكريم حسم طيش الخيال عندما قال في التنزيه والتجريد {لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَىْءٌ ۖ  وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ} [الشورى:11]. ونحن من بعيد قد نشيم لمعان البرق، وقد يمر بعقلنا طيف عن أمجاد الألوهية، لا ندري مأتاه، ومع ذلك فإن هذه الخظرات العابرة لا تغني شيئاً، بل هي كما قال أبو الفتح البستي:

              كل من يرتقــي بــوهم             مــن جلال وقـدرة وسناء

              فالذي أبدع البرية أعلى            منه، سبحانه مبدع الأشياء

 

إنني أعد الباحثين في ذات الله مرضى! فنحن – على تفاهتنا – لا نعرف من نحن؟ فكيف نعرف الذات العليا؟

 

والأفهام البشرية في ذات الله تفاوتت تفاوتاً بعيداً بين التجسيد والتجريد، فكتاب العهد القديم صوروا الله يبكي ويندم ويمشي ويقعد ويأكل ويشرب ويضرب إلى جانب ما له من صفات رفيعة.

 

من أغرب الصور أنه جلس مستلقياً على قفاه متمدداً على الأرض واضعاً قدماً فوق أخرى!

 

وفلاسفة اليونان المؤلهون – في مقدمتهم أرسطو – صوروا الله منزها عن كل شيء، حتى عن الصفات التي يعلم بها ويقدر بها، فهو عالم بذاته قادر بذاته وبالغوا في التجريد حتى كأن الله معنى لا معنى لا ذات!!

 

فإذا تجاوزنا الأفهام البشرية إلى الوحي الأعلى، واستمعنا إلى القرآن الكريم وجدنا أوصافاً تقرب معنى الألوهية إلى الحس الإنساني من غير تجسيد، وتبلغ بها كمالاً لا يتناهى من غير تجريد..

المسلم يقرأ قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِۦ نَفْسُهُۥ ۖ  وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ} [ق: 16]. فيشعر بأن الله قريب منه، مطلع على دخيلته، ومع ذلك فهو يعلم أن الله مستو على عرشه محيط من وراء خلقه.

 

إنه يحس بالله دون أن يجسده، وينزه الله دون أن يفقده...

 

والإيمان الحقيقي أن تشعر بأن أصابع القدرة هي التي تحرك قلبك فيدق، ومعدتك فتهضم!

ماذا قلت؟ أصابع القدرة! هل للقدرة أصابع؟

 

وهنا ندخل في مبحث قديم، قتله المتقدمون تقعراً وجدلاً.. وانقسموا فيه فرقاً.. أما أنا فأنر به مر الكرام! وقد قلت في كتابي "مشكلات..." أنا مع السلف من غير تجسيم ومع الخلف من غير تعطيل.

 

لقد كان طبيعياً أن تجيء في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة جمل يتهيب العقل الغوص في معناها مثل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ} [البقرة: 115] {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} [ص: 75] {وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48].

 

وقد نبه القرآن – منذ أنزل – إلى أن هناك آيات ينبغي التسليم بها؛ لأن حقيقتها فوق الفكر العادي، ومن الزيع إكثار اللجاجة حولها.. لكن العناد والفراغ خلقاً طوائف لا شغل لها إلا هذا اللغو، فكانت بلاء على الأمة ولا تزال!

 

إن اللغات على كثرتها من وضع البشر، وقد ألفوها ليعبروا بها عما يريدون من معان، وما يستخدمون من أدوات، وشئون الألوهية فوق اللغات وفوق واضعيها، فإذا أفهمنا الله بلغاتنا شيئاً يتصل بذاته العليا فعلى أسلوب التنزيل والتقريب.

 

وإذا كان عبدالله بن عباس يقول: إنه ليس في الدنيا من أوصاف الجنة إلا الأسماء، يعني أن الحقائق لم ترها عين ولم تسمعها أذن، فكيف بالحديث عن رب العالم وخالق الجنة والنار؟

إن الرغبة في فهم حقيقة العرش وحملته! أو كيف يجيء الله في ظلل من الغمام، وكيف يجيء والملائكة صفاً صفاً، هذا كله لهم مردود، ومجازفة الذاهب فيها مفقود، ومن الخير أن يعرف العقل أين ينتج فيتحرك، وإلا سكن!!

 

وقد كنا ونحن طلاب ندرس مذهبي السلف والخلف بهدوء، وبغتة لاحظت في أيامنا تحاقداً بين ناس يتبعون السلف، وناس يتبعون الخلف، والأمة الإسلامية تكاد تسقط من الإعياء ومن ضربات الأعداء، فعجبت لانفجار الخصومة في هذا الوقت العصيب!

 

وقد رأيت أن أثبت كلاماً للدكتور الشيخ محمد عبدالله دراز في الموضوع لعله يخفف من هذا البلاء قال: "إن كلمة "اليد" في قوله تعالى: {يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10] أو كلمة "اليمين" في قوله: {وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّٰتٌۢ بِيَمِينِهِۦ} [الزمر: [67] فسرها العلماء المتاخرون بأنها تعني القدرة، وهو استعمال مجازي مشهور يقال لا يد لي بكذا، أي لا قدرة لي عليه، أما السلف الصالح فقد اشتهر عنهم لا يؤولون هذه الظواهر بل يأخذونها على الحقيقة. والواقع أنهم لا يمنعون أصل التأويل، ولكنهم يسلكون في تأويلها مسلكاً علمياً متيناً يدل على علو كعبهم في الفهم، وأنا أحب أن أفسره لكم لأنه ينفعكم في مواضع كثيرة".

 

قال: "إنه لما دلت الأدلة القاطعة على مخالفته تعالى للحوادث، كان هذا قرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي المعروف لنا، فإذن هي مصروفة عن هذا الظاهر، وكأنه يراد بها معنى مجازي، لكننا لم تقم لنا قرينة معينة على تحديد هذا المعنى في أغلب الآيات، هل المراد به القدرة، أم الإرادة، أم صفة لا نعرفها؟ أم ليس هناك مجاز في المفرد يشار به إلى صفة معينة وإنما هو كلام تمثيلي لتربية المهابة في النفوس؟ كل ذلك سائغ في النظر، وليس ثم دليل يعين واحداً بخصوصه! لذلك وجب أن نقف حيث وقف بنا لدليل، فلنثبت له تعالى ما أراده من كلامه على الوجه الذي أراده مع تنزيهه عن المعنى الذي نالفه من صفات المخلوقين!".

 

 

قال: "ترون من هذا أن السلف يجوزون المعنى الذي ذهب إليه المتأخرون على أنه احتمال يحتمله الكلام، ولكنهم لا يلتزمونه التزاماً؛ لأن القول بالالتزام قول بغير دليل، من أجل ذلك سكتوا عن الخوض في تحديد معاني هذه الظواهر، واكتفوا بمعناها الإجمالي المصروف عن الظاهر... أما طريق الخلف – وهو الخوض في تحديد التأويلات – فإنما ألجأهم إليه – والله أعلم – ظهور بدع المشبهة والمجسمة وغيرهم، فأرادوا سد باب الإبهام، ودفع الوساوس عن العوام، لكيلا يخرجوا عن دائرة التنزيه، ولا يحرموا حول التشبيه جزاهم الله خيراً بما قصدوا، وغفر لهم تحديد ما حددوا".

 

قال: "وجملة القول أن طريق السلف هو الأليق بالعلماء، وطريق الخلف أصلح للعوام وأنصاف العوام!!".

 

وأرى أن كلام الشيخ الجليل فيه خير كثير، إنني في دروسي وعظاتي أتبع مذهب السلف، وعندما أجادل أهل الكتاب والماديين أنتفع بمباحث الخلف!

 

وفي كل الأحوال أرفض تجريد الفلاسفة، وتجسيم اليهود والنصارى، ومن تأثر بهؤلاء وأولئك من ضعاف التفكير..

 

  • الخميس AM 09:01
    2022-03-24
  • 808
Powered by: GateGold