المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409174
يتصفح الموقع حاليا : 375

البحث

البحث

عرض المادة

ما موقف الإسلام من العنصرية السائدة في بعض الحضارات؟

ظهر خلال هذا القرن الزعيم الألماني "هتلر" يزعم أن الدم الأري أرقي من غيره وأن الشعب الألماني بطبيعته يرجح غيرم من الشعوب السامية – يعني اليهود والعرب وأشباههم – وتحول هذا الزعم إلى عقيدة تساند مشاعر الكبرياء ونزعة السيادة عند الألمان ومن على مستواهم.

 

وهذا كلام خرافي لا وزن له! وإن كان راسباً لا في نفوس الألمان وحدهم، بل في نفوس الأوربيين وأفراد الجيش الأبيض عموماً!

 

إن بني آدم من ناحية الخلقة يستوون في أنهم نفخة من روح الله الأعلى حلت في إهاب من تراب هذه الأرض، فالبشر كلهم ينميهم أصل واحد، ويجمعهم نسب مشترك. قال تعالى يشرح تلك الحقائق: {ٱلَّذِىٓ أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُۥ ۖ  وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلْإِنسَٰنِ مِن طِينٍۢ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُۥ مِن سُلَٰلَةٍۢ مِّن مَّآءٍۢ مَّهِينٍۢ ثُمَّ سَوَّٰهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦ ۖ  وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ ۚ  قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 7-9].

 

لا فرق بين جلد أبيض أو أسود أو أصفر أو أحمر، إن هذه الألوان المختلفة تشابه ما تراه العيون من اختلاف في ألوان الأزهار والورد، ولا دلالة على عراقة أو تفاهة.

 

بيد أن كثيراً من الناس يسرهم أن يختلفوا من عند أنفسهم هذه الفروق، وأن يقيموا حولها عصبيات، وأن يجعلوا لها وزناً خاصاً في التقديم والتأخير، والقبول والرفض!

 

وقد رأيت البعض يتشبت بهذه الأوهام لأنها رجحت كفته دون جهد! ومنحته شرفاً جعله – دون حركة – يسبق الناشطين! إنه لشيء ظريف أن يحسب المرء سيداً لأنه تكون في بطن معين، ونشأ الناس من ماء مهين، أما هو فمن ماء شريف.

 

إنه – مع احترامنا لقوانين الوراثة – نقرر أن الوراثة لا تنشيء عظمة ولا تكسب نجاحاً، فهناك أنبياء من أصلاب كافرة، وهناك فجار من أصلاب أنبياء، وقد كان أبو الطيب شاعراً مفلقاً من أب لا يعرف شعراً ولا نثراً، وكان أبو العلاء فيلسوفاً متشائماً من أب لا يدري شيئاً من الفلسفة..

 

ثم إن روافد الوراثة غامضة المنبع والكنه في أبناء الجيل الواحد، فكيف إذا تكاثرت الأجيال؟ ونحن نعرف النكتة المروية عن امرأة جميلة أحبت عبقرياً دميماً وعرضت عليه الزواج لينجبا إبناً يرث جمالها وذكاءه! فقال لها الرجل: أخشى أن يرث غباوتك ودمامتي!!

 

إن القول بأن جنساً ما ذكى بأصل الخلقة، وجنساً آخر غبي بأصل الخلقة قول فيه ادعاء ظاهر، إن ظروف البيئة هي التي تصنع الأعاجيب، وهي التي تنمي المواهب أو تقتلها، بل هي التي تحيي الفطرة أو تميتها.

 

والجنس الأبيض الذي يعمر غرب أوربا وشمالها، والذي يفرض وصايته على العالم كله، كان أياماً طوالاً يشتهر بالغباوة والانحطاط، وقد نقلنا في كتابنا "مع الله" كلام المستشرق "فيليب حتى" عن تأخر الأوربيين الحضاري وتفوق عرب الأندلس عليهم". .  في الوقت الذي كانت فيه جامعة "أكسفورد" ترى الاستحمام عادة وثنية، كانت الأجيال من علماء قرطبة تتمتع بالاستحمام في مؤسسات فاخرة..." ويدلنا على موقف العرب حيال برابرة الشمال – هكذا كان آباؤنا يسمون سكان أوربا – وفكرتهم عنهم ما ورد في كلام عالم "طليطلة" صاعد رءوسهم برد هواءهم وكشف وجوههم فصارت لذلك أمزجتهم باردة واخلاطهم فجة! فعظمت أبدانهم وابيضت ألوانهم وانسدلت شعورهم وانعدمت دقة الأفهام وثقوب الخواطر، وغلب عليهم الجهل والبلادة، وفشا فيهم العمى والغباوة!!

 

أرأيت هذا الوصف؟ إنه لأهل أوربا الذين يقودون العالم الآن، وليس للهنود أو الزنوج أو العرب.. أو بقية العالم الثالث!!

 

والعالم اليوم ينظر إلى هزائم العرب أمام اليهود، ويبتسم ساخراً..! وقد كان أباء أولئك المهزومين يحتقرون الجبن اليهودي ويبرءون منه، ويقولون لنبيهم في أول قتال له مع الوثنية: لا نقول لك ما قال بنو إسرائيل: اذهب أنت وربك قاتلا إنا ها هنا قاعدون!

 

بل اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، إن خضت بنا هذا البحر خضناه معك، ما يتخلف منا أحد!!

 

إن الإسلام بين أن الأفراد والأجناس يصنعون يومهم وغدهم بأنفسهم، وهم في سباق مفتوح يتقدم فيه من شاء ويتأخر فيه من شاء لا مدخل للون او عرق، { إِنَّهَا لَإِحْدَى ٱلْكُبَرِ نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:35-37].

 

فقد سبق الأسود في الدنيا والآخرة، أو يقع العكس! وقد ترجح كفة رجل من سواد الناس، وتطيش كفة آخر من أبناء الرسل، أو العكس {وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ ۚ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُولَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِـَٔايَٰتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 8-9].

 

وجاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه قومه:  لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم وقال: "وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ" وهذا مصداق الآية الشريفة {فَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَلَآ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍۢ وَلَا يَتَسَآءَلُونَ} [المؤمنون: 101]. وقال تعالى: {وَلِكُلٍّۢ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأحقاف:19].

 

ومع كثرة ما نبه الإسلام إلى مبدأ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَٰكُمْ} [الحجرات: 13] لوحظ أن العرب يغالون مغالاة منكرة بالأنساب والحرف، ويجعلونها محور تقدير جائر وعصبيات عمياء.

 

 

الزراعة مهنة تافهة، وكلمة فلاح لامرئ نازلة المرتبة، وقد كان الفرزدق يهجو جريراً بأن أباه حداد! أما هو فإن الذي سمك السماء بنى له بيتاً دعائمه أعز وأرفع! بم؟ بغير شيء!

 

وفرضت تقاليد البدو نفسها على المجتمع العربي، بل على جانب من الفقه الإسلامي، فإذا عدد كبير من رجال الفقه يرون الهاشمية لا يكافئها عربي عادي، وأن العربية لا يكافئها أعجمي، وحكم القضاء الشرعي بتطليق فتاة من أسرة شريفة النسب تزوجت بالشيخ على يوسف محرر صحيفة "المؤيد" المشهورة.

 

أما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كبير" فقد وضع على الرف!

 

وكما تسللت هذه التقاليد إلى ميدان الفقه تسللت إلى ميدان الحكم والسياسة فكانت عصبيات القبائل قديماً وعصبيات الأسر حديثاً من وراء طلب الرياسة وبسط النفوذ.

 

وعندما يبحث سبب فساد المجتمع الإسلامي وانهيار الحضارة الإسلامية عموماً، فستكون هذه الجاهليات من أبرز العلل.

 

وإلى يوم الناس هذا لا تزال الكفاءة الشخصية تؤخر أمام مكانة العائلة وقيمة النسب! ذلك في وقت يشيع في أرجاء العالم تنافس لا حدود له في البحث العلمي والإنتاج الغزير، وتجويد السلع، وكشف المجهول، ومراقبة الخصوم، وكسب الأصدقاء، إنه تنافس ترتبط به مصائر أمم ومستقبل رسالات! ترى ما موقفنا؟

 

جاء في السنة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة أمر الله منادياً ألا إني جعلت نسباً وجعلتم نسباً، جعلت أكرمكم عند الله أتقاكم فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان بن فلان خير من فلان بن فلان، فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم، أين المتقون؟".

 

وعن جابر خاطبنا رسول الله في أوسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، ألا هل بلغت؟ قالوت بلى يا رسول الله! قال: فليبلغ الشاهد الغائب..!

 

وروى أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ..!!". 

 

  • الخميس AM 08:53
    2022-03-24
  • 851
Powered by: GateGold