المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409150
يتصفح الموقع حاليا : 309

البحث

البحث

عرض المادة

ماذا صنع الإسلام لحفظ العقل والنفس والمال..؟

ألف الناس أن تكون العبادات أقرب إلى شئون الغيب عنها إلى دائرة المنطق، لكني أرى غير هذا، فأنا أنادي إلى الصلاة لا بدقات طبل ولا بزمارات إنذار، وإنما صوت يشدني من عقلي..!

وعندما أنصرف من صلاتي لا أجزى إلا بما عقلت منها!!

 

والدين الذي اعتنقته قام على معجزة عقلية، تعرفني أن الله واحد في الأرض والسماء لأنه { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22].

 

وفي القرآن مئات الآيات التي تتحدث عن العقل ووظائفه والأساليب الصحيحة لاستدلاله، وبعده عن الأوهام والظنون!

 

وقد أحصيت في مقال لي ست عشرة آية تنوه بأولي الألباب، وترى أنهم هم الناس حقاً! وهل الإنسان إلا عقله؟ ما أصدق قول المتنبي:

لولا العقول لكان أدنى ضيغم                    أدنى إلى شرف من الإنسان

 

ومن أجل ذلك يرى الإسلام ضرورة صقل العقل وتوسيع آفاقه وزيادة إشراقه بأنواع العلوم والتجارب، إن الأعمار العقلية للناس تنقص أو تزيد وفق ما يفيدون من تجربة ويتلقون من تعليم.

 

والحق أن الأمم تتقدم أو تتاخر بمقدار أنصبتها من العلم وقدرتها على تحويلها إلى حضارة مثمرة. . والعقل الصحيح هو الذي يقرأ آيات الله في الكون كما يقرؤها في المصحف. أما التخلف العقلي فستارة تسدل على البصائر والعيون فلا تكشف سراً ولا تدعم حقاً {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى ٱلْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَٰرُ وَلَٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ} [الحج: 46].

 

إن الأمم المختلفة عقلياً كالأطفال الذين لم يبلغوا الحلم يوضعون في وصاية الكبار حتى ينضجوا! وربما كرهت الأمم المختلفة هذه المنزلة المهينة! بيد أن سنن الله الكونية تفرض نفسها طوعاً أو كرها. .

 

وقد رأيت عابدين في أفكارهم – لا في قاماتهم – قصر فشعرت بخيبة الأمل، لأن هؤلاء العابدين كانوا بلاء على دينهم، وربما ضروه من حيث أرادوا نفعه، لأنهم كالدبة التي قتلت صاحبها. .!

 

يصقل العقل خلال مراحل الدراسة المتتابعة، ويصقل العقل بالحفاظ على سلامة الحواس، وعافية البدن، ويحفظ بإزدراء المسكرات والمخدرات والمفترات التي تنال من وعي المرء وكرامته، ويحفظ قبل ذلك وبعده باستفهام الرشد واستمداد النور منه سبحانه!!

 

وقد وردت في ذلك كله توجيهات من الكتاب والسنة يطول سردها..

 

وننتقل من صون العقل إلى صون النفس. إن احترام الإنسانية كلها يبدو في احترام فرد واحد قال تعالى {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفْسًۢا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحْيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعًا ..} [المائدة: 32] وجاء الإسلام فجعل النفس الإنسانية أقدس من الكعبة المشرفة ومن الأشهر الحرم قال عليه الصلاة والسلام: ".. أَلَا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثًا وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمْ انْظُرُوا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.."

 

ونظر عبدالله بن عمر إلى الكعبة وقال: "مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ، حرمة مَالِهِ وَدَمِهِ وعرضه.."!

 

 

ومقتضى الإيمان ألا يكون المؤمن مصدر إفزاع أو ترويع لغيره، ومن جوامع الكلم لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قَالَ الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ" يعني كما تربط الأغلال يدي الرجل فلا يقدر على عمل شيء، يقيد الإيمان يدي المؤمن فلا يعتدى على نفس، والمؤمن أشرف من أن يفتك بأحد..!

 

وفي الحديث كذلك "قَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا" "لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ".

 

ويرى الإسلام من المحافظة على الحياة أن يعتني المرء بصحته، ويستكمل أسباب عافيته، ويهتم بحواسه, وأعضائه وسائر بدنه، فإن البدن القدير على أداء الواجبات الناهض بشتى الأعباء من أجل النعم. .!

 

وقد كان من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا وَاجْعَلْها الْوَارِثَ مِنَّا" أي استبقها مادامت الأرواح في الأجساد حتى إذا متنا خلفناها في أبداننا فورثتنا، بدل أن نرثها ونحن على ظهر الدنيا..

 

ومن المحافظة على الحياة توقي الأمراض، وتناول الأدوية وقد رفض عمر السفر إلى أرض موبوءة بالطاعون! قيل له: تفر من قدر الله؟ قال: أفر من قدر الله إلى قدر الله!

 

وقد أصاب أمير المؤمنين السنة، وأخذ كلمته أحد العارفين فولد منها هذه الحكمة "الرجل كل الرجل من يغلب قدر الله بقدر الله".

 

إن الله يمهد للإنسان السبيل، وعليه بعدئذ أن يقدم لا أن يحجم، وهذا معنى قول الله في ذي القرنين {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِى ٱلْأَرْضِ وَءَاتَيْنَٰهُ مِن كُلِّ شَىْءٍۢ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا}   [الكهف: 84-85].

 

إن النفس شيء غال، وقد كرمها الإسلام فلم يهنها، وصانها فلم يضعها حتى تؤدي في الحياة رسالتها.

 

ويجيء بعد النفس المال، وهو قوام الحياة الشخصية والعامة، فما من أحد يستغنى عن المال ليطعم ويلبس ويقوت عياله، ويصون مروءته، وما من أمة تستغنى عن المال لتحمي كيانها وتدبر مصالحها، وتستبقى ذاتها.

 

 ولذلك أمرنا بتأثيلة وتنميته، ونهينا عن جعله بين أيدي السفهاء، فلا يحسنوا التصرف فيه ولا الإفادة منه قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَٰلَكُمُ ٱلَّتِى جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰمًا} [النساء: 5].

 

ونظراً لما للمال من آثار خاصة وعامة طلب الإسلام من صاحبه أن يرد عنه عدوان الغاصبين! ولو بذل دونه دمه!! روى النسائي عن مخارق بن سليم الشيباني أحد الصحابة قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الرَّجُلُ يَأْتِينِي فَيُرِيدُ مَالِي قَالَ ذَكِّرْهُ بِاللَّهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ قَالَ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ! قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ قَالَ فَإِنْ نَأَى السُّلْطَانُ عَنِّي؟ قَالَ قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ- تحميه.

 

وقد روى مسلم في صحيحه حديثاً يؤكد هذا المعنى، ويحكم بالشهادة لمن قتل دون ماله!!

 

وإنما ذكرنا ذلك ليعرف المسلمون قيمة المال، وضرورة حفظه والذود عنه! ترى أيوصي الشارع بهذه الاستمانة في شيء تافه؟ كلا كلا.. إنه لولا خطورة المال في الحياة الخاصة والعامة ما فرض القتال دونه.

 

ومعنى إيجاد المال وتحصينه إيجاد منابعه وتفجيرها، وهل منابع المال إلا الضرب في الأرض، واستغلال ظاهرها، واستخراج باطنها، واستثارة البر والبحر ليجودا بخيرات الله المودعة فيهما؟

 

 

والحق أن المال سلاح رهيب، والسلاح لا يحمد أو يعاب لذاته! ولكن يحمد في يد الشجاع المدافع عن حقوقه، ويذم في يد الظلوم المعتدي على غيره!! إنه وسيلة إلى الجنة أو إلى النار، بطريقة استخدامه {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ  وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْيُسْرَىٰ وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ  فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْعُسْرَىٰ وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ} [الليل: 5-11].

 

وقد نظر بعض الجهال إلى المال في أيدي الأشرار، وكرهوه لأنهم يستعينون به على الفجور والفساد، ثم شرعوا ينظمون قصائد طويلة في هجاء المال، وحسن التخلي عنه! حتى وهم العوام أن المال شر في كل يد، وأن البعد عنه غنيمة..!!

 

ومعنى البعد عنه البعد عن مصادر كسبه، وأسباب اقتنائه، وشاع هذا الفكر الغوغائي بين الجماهير، فإذا المسلمون من بضعة قرون لا يحسنون استخراج معدن من الأرض، ولا إجادة صناعة من صناعات السلام أو الحرب!

 

وإذا هم يحسبون الصعلكة تقوي، والافتقار في الدنيا هو الاغتناء في الآخرة، وسجلوا في بعض كتب السنة والتصوف أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر!!

 

ونشأ عن هذه الجهالات السائدة في مصادر الثقافة الدينية انهيار شامل للعالم الإسلامي لأن مواهبه الدينية والمدنية تبلدت وفسدت، حتى الأقطار التي رزقت سعة في ثروتها تيسر لها ذلك من جهد الأجانب في تحصيل خيراتها واستخراج كنوزها..!!

 

إن العقل الإسلامي تحيط به غشاوات سميكة، ولابد من تمزيق هذه الغشاوات إن أردنا الحياة، ولابد من مطاردة الغوغاء الذين فرضوا أنفسهم على الثقافة الدينية، وهم لا يصلحون لا لدنيا ولا لدين.

 


  • الاربعاء PM 06:29
    2022-03-23
  • 778
Powered by: GateGold