المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412558
يتصفح الموقع حاليا : 303

البحث

البحث

عرض المادة

ماذا يرمز إليه الوضوء؟ ولماذا لا تصح الصلاة إلا به..؟!

نظرت إلى بعض الأشجار القريبة منا وكان غبار الجو قد كساها، وجعل أوراقها داكنة، فلم تثر انتباهاً وخلقتها دون توقف.. وشاء الله أن تمطر السماء بعد قليل، وكان مطراً غزيزاً، ومررت بالأشجار نفسها فكان منظرها عجباً كانت خضرتها تزهو، والأوراق تحت أشعة الشمس تلمع! فقلت: ما أحسن النظافة، أبرزت الخلقة الطبيعيى في جمالها الأصيل، وبعثت النفوس على الإعجاب..

 

كذلك جسم الإنسان، إن النظافة تجلو وتزكيه، والجسم الإنساني أحوج من غيره إلى التطهير الدائم، لأن متاعبه لا تجيء من الغبار وحده، وإنما تجيء من إفرازات الجلد والأعضاء ونفايات الأجهزة التي لا تهدأ حركتها، ولم أر نظاماً للتنقية والتطرية أدق من التشريع الإسلامي في احترام الجسم وإزالة القذى عنه، واستئصال ما يشينه واستبقاء ما يزينه...

 

والوضوء من شعائر الإسلام المطردة في الحياة الإسلامية، وهو من الوضاءة أي الحسن الباهر، ومعنى ذلك أنه فوق النظافة أنه تخلية وتحلية، والنظافة قد تعني إزالة الأوساخ وحسب!

 

كلمة الغسل في اللغة لا تعني إسالة الماء فقط، يقال: غسلت السماء الأرض إذا كان المطر بالغ الشدة، وإذا فرض الإسلام غسل أعضاء معينة فهو يريد تدليكها بما يطهرها ولا يترك أثراً منفراً فوقها.

 

وقد أوجب الإسلام الوضوء كما فرض جملة من الأغسال التي تشمل الجسد كله! ونستطيع جعل الوضوء رمزاً لفلسفة الإسلام في تكريم الجسم الإنساني وإعزازه إذ إن هناك عقائد تعلن حرباً على هذا الجسم، وترى الارتقاء في إهماله وإنحافه والجور عليه، وذلك في زعمها لترقية الروح.

والواقع أن الإنسان معنى ومبنى وقلب وقالب، وعزل المادة عن الروح صعب.

والمفروض أن يكون المعنى الشريف في مبنى نظيف، وأن يكون القلب الطيب في إهاب نفيس..!

 

روى مسلم عن عمر بن عبسة رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ الْوُضُوءُ؟ قَالَ: "أَمَّا الْوُضُوءُ فَإِنَّكَ إِذَا تَوَضَّأْتَ فَغَسَلْتَ كَفَّيْكَ فَأَنْقَيْتَهُمَا خَرَجَتْ خَطَايَاكَ مِنْ بَيْنِ أَظْفَارِكَ وَأَنَامِلِكَ فَإِذَا مَضْمَضْتَ وَاسْتَنْشَقْتَ مَنْخِرَيْكَ وَغَسَلْتَ وَجْهَكَ وَيَدَيْكَ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحْتَ رَأْسَكَ وَغَسَلْتَ رِجْلَيْكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ اغْتَسَلْتَ مِنْ عَامَّةِ خَطَايَاكَ فَإِنْ أَنْتَ وَضَعْتَ وَجْهَكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَرَجْتَ مِنْ خَطَايَاكَ كَيَوْمَ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ"

قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: فَقُلْتُ يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ انْظُرْ مَا تَقُولُ أَكُلُّ هَذَا يُعْطَى فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي وَدَنَا أَجَلِي وَمَا بِي مِنْ فَقْرٍ فَأَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَدْ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

والواقع أن الجزاء المذكور ليس على مجرد الوضوء، فإن الوضوء وسيلة إلى الصلاة، وهذي وذاك مظهران الإيمان حسن، ومسارعة إلى رضوان الله، فالثواب الوارد منظور فيه إلى جملة هذه الخصال المترابطة، وقد تأكد هذا المعنى من أحاديث كثيرة..

 

والوضوء وحده لا يصلح إذا كان الجسم بحاجة إلى تطهير تام، كما في حالة الجنب والحائض والنفساء، وقد أمر الإسلام بتتبع ما يلوث البدن حتى لا يبقى أي أثر لنجس، وكانوا قديماً يستعينون ببعض الأعشاب والألياف لإدراك النظافة المطلوبة، وفي عصرنا توصل العلماء إلى مواد كثيرة يمكن استخدامها لتحقيق هذا الغرض!

 

إن المعلم كالطبيب، كلاهما يريد الكمال للإنسان، والطبيب في كشوفه وعلاجاته يتناول الجسم كله لا يستثنى منه شيئاً، وكذلك فعل الإسلام وهو ينقي البدن ويجمله، أنه لم يتحرج من ذكر شيء مهم وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ – إزالة الشعر حول المواضع الحساسة وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْآبَاطِ".

 

أي إن من المحافظة على الفطرة السليمة – وهي جوهر الدين – أن يتعهد المرء بدنه بهذه الآداب.

 

ومن أطال شعر رأسه وجب عليه أن ينظفه ويسرحه ولا مانع من تعطيره، ففي الحديث: " مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ".

 

ولابد من غسل الفم وتعهد الأسنان ومنع الفضلات من التخلف بين الثنايا، إن الفم المتغير الرائحة بلاء على صاحبه، ومصدر أذى لأصحابه، وقد أسقط الإسلام صلاة الجماعة عن الأبخر!! كما ندب لمن أكل ثوماً أو بصلاً أو فجلاً أن يبتعد عن المجالس العامة، وتعاليم الإسلام في استعمال السواك كثيرة، ويمكن الاستعانة بالمعاجين التي تنظف الفم، وقد تغنى مكان السواك...

 

والغريب أن الإسلام لم يكتف بالطهارات التي قررها، بل ضم إلى ذلك التزين الذي يصلح الهيئة، ويجلب الاحترام، وقد روى أبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أَوْمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ بِيَدِهَا كِتَابٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ مَا أَدْرِي أَيَدُ رَجُلٍ أَمْ يَدُ امْرَأَةٍ قَالَتْ بَلْ امْرَأَةٌ قَالَ لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً لَغَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ يَعْنِي بِالْحِنَّاءِ.  أي لظهرت حمرة الخضاب على الأظافر!!

 

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَايِعْنِي قَالَ لَا أُبَايِعُكِ حَتَّى تُغَيِّرِي كَفَّيْكِ كَأَنَّهُمَا كَفَّا سَبُعٍ". أي وحش!

 

والتجمل شيء غير التبرج، والتبرج إهاجة الغزائز الساكنة بصورة تميل بها نحو الإثم! أما التجميل فهو إبراز الجمال الطبيعي في إطاره العادي المعتدل، وجمال الأنوثة غير جمال الرجولة، والإسلام يرفض تشبه أحد الجنيسين بالآخر، وليس معنى نهي المرأة عن التبرج أن تكون دميمة المظهر أو كريهة الرائحة، كلا فلتكن حسنة الهيئة مع الاحتشام، ولتكن طيبة الرائحة دون تعطر صارخ..!

 

قلنا: إن الوضوء من الوضاءة، أي الحسن والملاحة والإشراق! والحياة الإسلامية الأولى كانت آية في النظافة والارتقاء، فلما ساء معنى التدين وانحدر مستواه ظن البعض أن الهيئة الرثة من الدين وأن إهمال الجسم دليل على التقوى وطلب الآخرة! والحق أن الشكل الفوضوي دليل موضوع مشوش وأن من أهمل حق بدنه لا يؤتمن على كثير من الحقوق..

 

أما نستحي – وقد أضاف الله الزينة إلى نفسه – أن ننأى عنها؟ ألم يجيء في الكتاب العزيز: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ} [الأعراف: 32] إن الله يريد وضاءتنا فلم نريد نحن الدمامة والرثائة؟!

 

إن الوضوء رمز إسلامي لكل أسباب النظافة والزينة، على أن يكون وراء ذلك بداهة فكر نظيف، وأدب رائق جميل، فيكمل الإنسان جوهراً ومظهراً وحقيقة وصورة!

 

والوضوء ليس شرطاً لذكر الله سبحانه وتعالى، فالمسلم يستطيع أن يذكر ربه في أوقاته كلها جُنباً أو طاهراً، بل يستطيع أن يقرأ القرآن الكريم – فيما أرى – وتستطيع الحائض ذلك. والمؤمن لا ينجس أبداً والجنابة عارض لبدنه يمكن الخلاص منه على عجل.

 

أما الصلوات المكتوبة كلها، فيستحيل الدخول فيها دون طهر، والوضوء كاف لمن قام به حدث أصغر، أما الحدث الأكبر فلابد من الغسل.

 

وإنما اشترط ذلك حتى لا يتجوز المؤمن في شئون النظافة، ويتركها لأي عذر ينويه، فما أسرع الناس إلى الترخص فيما لم يلزموا به حتما، وإذا كانت الصلاة من أركان الإسلام الخمسة، فإن النظافة تعد من الأركان لأنها تمهيد لا مناص منه للصلاة، ثم جاء تعبير القرآن بعد ذلك أعم وألطف إذ أمر باتخاذ الزينة عند الوقوف بين يدي الله: {يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍۢ...} [الأعراف: 31].

 

والنظافة خلق قبل أن تكون عادة تتبع الغنى أو الفقر، ومن كان شديد الحس بطهارة جسمه لن يعدم أية وسيلة تجعله تقياً وسيماً، وكم من فقير نظيف، وغني ممجوج...!

  • الاربعاء PM 06:05
    2022-03-23
  • 923
Powered by: GateGold