المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411864
يتصفح الموقع حاليا : 274

البحث

البحث

عرض المادة

لماذا كانت الصلوات خمساً في اليوم؟ وما هو شكل الصلاة المقبولة!

كما يحتاج الجسم الناشط إلى وجبات غنية تمده بالحرارة، وتجدد ما بلى من خلاياه، وتحفظ عليه عافيته، تحتاج النفس الإنسانية إلى وجبات أخرى تعينها على التحليق، وتمنعها من الإسفاف، وتستنقذها من أمواج الفتنة والذهول، وشتى الأهواء والأقذاء!

 

إن الإنسان – بحواذب من طبعه – يحب أن يذكر نفسه وينسى ربه، يحب أن يضمن مصلحته وحدها ولا عليه أن يضيع الآخرين، يحب أن يأخذ ولا يعطي، وإذا أخذ فالشكر ثقيل عليه، أن شكر فكلمات خفيفة... ثم لا حق بعد لأحد!!

 

وقد فرض الله الصلاة على الناس طهراً من هذه الدنيا، وتربية على جميع الفضائل التي تصح بها إنسانيتهم، وتكمل بها عبوديتهم، وتتم بها رسالتهم في هذه الحياة، وهل خلقول إلا لعبادته سبحانه؟

 

وكون الصلوات عدداً معيناً ككون السعرات الحرارية التي يفتقر إليها الجسم عدداً معيناً! لا تتحقق الثمرات المطلوبة إلا بهذا المقدار، ويقع الخلل المادي والأدبي بمقدار هنا وهناك!

وتنظر إلى حقيقة الصلاة التي شرعها الله للناس، يقول الفقهاء عن هذه الصلاة: إنها أقوال وأفعال مبدوءة بتكبير الله تبارك اسمه، ومختومة بالسلام على عباد الله جميعاً...

 

قالوا: أما الأفعال فقد استوعبت صور التحية التي كان يتقدم بها الناس إلى رؤسائهم وعظمائهم بعد تجريدها من المقاصد الرديئة! الوقوف الخاشع! القعود المؤدب! الركوع والسجود اللذان هما نهاية الاستكانة والاستسلام..!

 

فأفعال الصلاة أن نقوم لله قانتين، وأن نركع ونسجد له معظمين، وأن نقعد مخبتين قائلين له: إن هذه التحيات التي أديناها، وكل عمل صالح نقوم به في حياتنا هو لك وحدك يا ربنا الكبير!!

أليس ربنا أهلاً لهذه التحيات اللطيفة نقدمها له – سبحانه – صباحاً ومساء؟

 

بلى! وهو أهل التقوى وأهل المغفرة.. لذلك يقول الله لكل مسلم: {وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ ٱلَّيْلِ ۚ إِنَّ ٱلْحَسَنَٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّٰكِرِينَ} [هود:114].

 

وربما أحس المرء بكلفة في أداء هذا الواجب! واستثقل تكراره ألم نقل الإنسان قليل الشكر؟ لا بأس عود نفسك {وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ} [هود: 115].

 

وتكتنف أفعال الصلاة أو تتخللها أقوال كثرة والمطلوب أن يكون المصلى حاضر الوعي حين يتكلم، فإذا بدأ صلاته قائلاً: الله أكبر، فمعنى ذلك أنه في موقف جدير يجمعه مع الله فلينتبه!

 

ويسمى الفقهاء هذه التكبيرة تكبيرة الإحرام، كأن الإنسان حرم على نفسه الانشغال بشيء آخر لأنه شرع في مناجاة الله، والالتفات إليه وحده..

 

والأقوال التي يرددها المصلى كثيرة، لعل أهمها تلاوة أم الكتاب، وقراءة هذه السورة ليس اختياراً في الحفظ! فإن كلماتها تمثل لقاء حياً بين الله وعبده، العبد يتكلم والسيد يجيب!

 

في الحديث القدسي: "قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.."

فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي! 

وَإِذَا قَالَ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي.. 

وَإِذَا قَالَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي.. 

فَإِذَا قَالَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ..

فَإِذَا قَالَ  {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ أي أعطيته ما طلب..

 

وتكرار هذه المعاني حق، فإن نعم الله مترادفة توجب تكرار الشكر، وذكر الله بصفاته العلا، وأسمائه الحسنى ثناء صادق ومدح مستحب، والشعور بيوم الدينونة وملكه القائم على كل نفس بما كسبت يكفكف الغرور بالدنيا...

 

وتعهد المصلى أن يعبد الله وحده، ويستعين بالله وحده هو رب التوحيد. فإذا وفي المصلى بعهده، وسأل ربه من رفده منحه ما يطلب، وأفضل ما يطلب الإنسان هدى يقيه الانحراف، ورضا يقيه الطرد، ونعمة تقر بها عينه، وسداداً يقيه الحيرة...! الظفر بذلك سعادة الدنيا والأخرى..!

 

ومع فاتحة الكتاب يقرأ المرء ما يشاء من الكتاب نفسه. وفي هذه الزيادة معرفة أكثر بالوحي الأعلى، وما فيه من تبصرة بشئون الحياة كلها..

 

ثم يركع المصلى مسبحاً ربه العظيم، فكم من سكان الأرض يشرك به أو يجحد وجوده، أو يجهل ما ينبغي له من نعوت الكمال، أما المسلم فهو يخالف أولئك جميعاً وينزه ربه عما لا يليق به من نقائص. وهو موقن بأن تنزيهه هذا قد صعد إلى الله الجدير به ولذلك يرتفع من ركوعه قائلاً: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ.. أي استجاب الله لمن أثنى عليه وحمده.

كان النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ"

 

ومعنى الجملة الأخيرة أن المرء لا ينفعه عند الله ما نال في الدنيا من حظوظ الرفعة والنعمة، فليس في ذلك دليل على الرضوان إلا على {ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا فِى ٱلْآخِرَةِ إِلَّا مَتَٰعٌ} [الرعد: 26].

 

ثم يهوى المصلي ساجداً يسبح اسم ربه الأعلى، ومع كل ركوع سجودان! والإنسان يكون في أزكى الأحوال وأشرفها عندما يضع جبهته على الأرض بين يدي ربه، فليدع بما شاء.

وكان النبي أحياناً يقول في سجوده: "سَجَدَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ". أو سبحان ذي الملكوت والجبروت والعظمة" وهذه الحركات كلها يكتنفها التكبير بدءاً أو ختاماً.

 

وفي القعود الأول أو الأخير يذكر المرء لربه أن كل ما سبق من أفعال وأقوال تحيات لوجهه الكريم، فهو يقول: التحيات لله، والصلوات الطيبات، ثم يلقى السلام على صاحب الرسالة العظمى لقاء ما علم وربي وأرشد، وكأن هذا السلام إشارة إلى أنه الأسوة الحسنة، في إقام الصلاة، وسائر الشرائع التي جاء بها! ثم يرسل سلاماً آخر على نفسه وعلى عباد الله الصالحين..!

ما أحلى هذه الكلمات كلها، وما أشرف الصلاة التي يكلف المسلم بأدائها..

 

والمهم أمران: أحدهما عقلي والآخر قلبي! أما العقلي فيجب أن يعلم ما يقول، ويعرف يناجي ربه به فقد جاء السنة أن المرء لا يكتب له من صلاته إلا ما عقل منها! أما أن يكون سكران بخمرة الدنيا وشواغلها، ثم يقف تائها لا يدري ما يتكلم به فهذا هبوط وضياع {لَا تَقْرَبُوا ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]

 

أما القلبي فإن الصلاة تورث الخشوع والأدب والخشية، وهي معراج روحي يرقى بصاحبه إلى الملأ الأعلى، إنها – إن أقيمت كما شرع الله – توبة كاملة تمحو الخطايا محواً، وتطهر النفس قال عليه الصلاة والسلام: " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قَالُوا لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا".

 

والأساس أنها تعصم من الخطايا، وتحول دون مواقعتها كما قال تعالى: {إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ} [العنكبوت: 45].

بيد أن البشر ضعاف وقد تهي إرادتهم أمام إغراء ما، ويزلهم الشيطان فهل ييأسون من تسام ومتاب وعود إلى الله؟ كلا، فليفزعوا إلى الصلاة فهي تنقي أرواحهم وتشد عزائمهم إلى الصراط المستقيم، المسلم لا يذهب إلى كاهن يأخذ بيده، فليس الكاهن خيراً منه، ولو فرضنا أنه خير فما ينفع إلا نفسه ولا مفزع إلا إلى الله..

  • الاربعاء PM 06:04
    2022-03-23
  • 846
Powered by: GateGold