المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412400
يتصفح الموقع حاليا : 373

البحث

البحث

عرض المادة

هل الإيمان بالأنبياء الأولين والكتب السابقة ضروري في الإسلام، وما حكمة ذلك؟

وجود العالم لم يبدأ ببعثة محمد، ولا بولادة عيسى، إن قوافل البشرية تنساب في دروب الحياة قبل ذلك بقرون طويلة.

 

ورب العباد لم يدع عباده حيارى خلال هذه القرون، لقد اصطفى (موسى) من بين الناس وقال له: {وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰٓ إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِى} [طه: 13-14]. ومن قبل موسى بأجيال اختار إبراهيم وألهمه أن يقول لقومه: {...ٱعْبُدُوا ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ ۖ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَٰنًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَٱبْتَغُوا عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُوا لَهُۥٓ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 16-17].

 

ومن قبل إبراهيم بعث نوحاً الذي مكث قرابة عشرة قرون يلح علة قومه أن يعرفوا ربهم ويوحدوه ويستغروه ويسألهم مؤبخاً: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍۢ طِبَاقًا وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح: 13-16].

 

إن المعاني التي رددها هؤلاء النبيون خالدة، والحقائق التي شدوا الجماهير إليها يجب أن يبقى صداها ما بقيت الأرض والسماء.

 

والنبي الخاتم أكد أنه لا يبنى على فراغ، وإنما على دعائم مهدها السابقون، وأنه يذكر الأمم كلها بالأصول التي جهلتها أو تجاهلتها: الله الواحد، واليوم الآخر، والطاعة المطلقة لرب الأرض والسماء، التزام صراطه المستقيم، الاحتكام إليه فيما شرع، التعاون على البر والتقوى، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة العدالة وتحقيق الخير.. إلخ.

 

وفي هذا يقول الله للمسلمين: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًا وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِۦٓ إِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ ۖ أَنْ أَقِيمُوا ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}  [الشورى: 13].

 

ونحن المسلمين نجزم بأن كل رشد آتاه الله رسله الأولين فقد أتى القرآن به، ثم أربى عليه بعد ذلك  ما تفتقر إليه الأجيال اللاحقة مما يسد كل ثغرة، ويمحق كل شبهة ويرد همزات الشياطين.

 

إنني أنا المسلم أشعر بولائي لموسى وعيسى ومن قبلهما من أنبياء الله، ومحبتي لأولئك المصطفين الأخيار نبعت من أن محمداً عرفني بهم، وأعلن أخوته لهم وجهاده معهم في طريق مشترك!

 

وفي السورة الأولى – بعد فاتحة الكتاب – تذكر أصول التقوى كما بينها القرآن الكريم فتشرح على هذا النحو {ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ...} [البقرة: 2-4].

 

ومع هذا التلاقي البين بين الإسلام والأديان الأولى، فإن تاريخ الحياة مع أتباع الأديات محزن موجع، قال اليهود: ليست النصارى شيء وبادلهم النصارى الحكم نفسه، ثم قال الأثنان معاً: ليس المسلمون على شيء!! وقال الماديون جميعاً: ليست الأديان السماوية الثلاثة إلا خرافة، وليس أتباعها على شيء!

 

ويظهر أن النفس الإنسانية تشدها إلى شهواتها خيوط قوية، وقد يكره المرء أن يظهر عبد غرائزه فماذا يصنع؟

 

يستبدل بهذه الخيوط أوامر سماوية شريطة أن تحقق له ما يشتهي! فإذا هو ينتمي إلى أحد الأديان ظاهراَ ودينه الباطن عبادة نفسه، وبلوغ هواه، وقد يكون التدين الفاسد أضر بالحياة من الجهل بالدين كله!!.

 

وعندما نطالع مسيرة الإنسانية من قديم تفجؤنا هذه المأساة، ولنتدبر قوله: {كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ} [البقرة: 213] الجملة الأخيرة أزاحت الستار عن أسباب الاختلاف، والتعادي والتقاتل الذي وقع بين المتدينين إنه البغي..!!

 

والإنسان يتحول إلى وحش خبيث عندما يغلف شهوته بالقيم الرفيعة، ويزعم أنه يقاتل من أجلها والواقع أنه يقاتل من أجل شيء آخر..!

 

لنترك هذه التهم فكل دين ابتلى بمستغلين أساءوا إلى الناس باسم رب الناس. ولنشرح تحديد الإسلام لعلاقته بمن سبق من رسل وبما سبق من كتب.

 

عندما شاء أهل الكتابين السابقين تحكير الهدى على ما عندهم وحدهم {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَٰرَىٰ تَهْتَدُوا...} قال الله لإتباع محمد {قُولُوٓا ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلْأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِىَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍۢ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 135-136].

 

إن هناك وحدة دينية يدعو إليها النبي الخاتم تقوم على أصول عامة جامعة وصحيح أن هناك اختلافاً في الفروع تنوعت من أجله الشرائع على مر العصور، لكن الخلاف في هذه الشرائع ليس ذا بال.

 

وعلى أية حال فإن شبكة القوانين التي رسمها القرآن، وأوضحتها السنة هي الطريقة المثلى لضمان المصالح المنشودة إلى آخر الدهر.

 

ولم يقع التقاتل على هذه التشريعات الفرعية، إنما وقع التقاتل على أركان العقيدة وأصول الإيمان، وإن كان الشرود المبدئي قد جر إلى مخالفات أهدرت معالم الحلال والحرام، وجرأت على اقتراف الربا والزنى والسكر وكثير من الآثام.

 

ونحن المسلمين المصدقين بنبوة موسى وعيسى، وبما أنزل الله عليهما من كتب، نرى أن اليهود والنصارى هجروا ما أنزل الله إليهم، وتركوا الأيام تجر عليه ثوب النسيان.

 

ومن هنا أوحى إلى النبي الخاتم أن يستمسك بما أوتى، وأن يلتزم الإنصاف في معاملة أتباع أولئك النبين { فَلِذَٰلِكَ فَٱدْعُ ۖ  وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ ۖ  وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٍۢ ۖ  وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ  ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَآ أَعْمَٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَٰلُكُمْ ۖ  لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ  ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ  وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ} [الشورى:15]. ونثبت هنا أدباً جليل القدر، التزمه القرآن الكريم وهو يحكي سير الأنبياء الأولين، وما تعرضت له هذه السير – بعد – من تحريف يتصل بجوهر الإيمان، فقد ذكر سفر التكوين أن الله تنزل من عليائه وتناول الطعام مع نبيه إبراهيم!!

 

وقد أبى القرآن مناقشة هذه القضية الغريبة، واكتفى بذكر قصة ضيف إبراهيم المكرمين على حقيقتها دون تكذيب لأحد من الرواة..!!

 

والمعروف أن الله أنزل التوراة على موسى قيل: كتبها له بيده، وأمره أن يأخذ بني إسرائيل بأحكامها.

 

والذي يقرأ التوراة اليوم يجد فيها مشهداً مؤثراً لوفاة موسى، وكيف أنه عاش مائة وعشرين سنة فلم يتغضن له جلد، ولم يكل له بصر ثم مات، وناحت عليه نسوة إسرائيل كذا يوماً، ودفن بعرصات "مؤآب" ولم يعرف قبره!!.

 

وظاهر أن هذا الكلام لمؤرخ كان يسجل حياة موسى بين قومه، ولكن كلام المؤرخ تسلل بطريقة ما إلى التوراة نفسها، التوراة التي نزلت على موسى! وأصبح جزءاً منها!!

 

ولم يشأ القرآن الكريم أن يكشف هذا الزيف، مكتفياً بتقرير العقائد والأخبار الصحيحة، على نحو ما ورد في عدد الفتية أهل الكهف، ما قيمة الجدال الطويل هنا وهناك؟ {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَآءً ظَٰهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 22].

 

ومع ذلك الخلط فقد اعتبر الإسلام أن ما لدى القوم من مواريث يجعلهم أهل كتاب، ويجعل مكانتهم أرفع من مكانة الملاحطة وعبدة الأصنام، وأن ما بقى لديهم من تعاليم سماوية يتيح مخالطتهم، والأكل من أطعمتهم، والتزويج من نسائهم وحماية معابدهم وشعائرهم...

 

{يَسْـَٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ} [المائدة: 4] ويأتي الرد {ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ ۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْكِتَٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ  وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِىٓ أَخْدَانٍۢ ۗ  ...} [المائدة: 5].

 

والمقصود من هذا كله تذويب الجفوة، وتمويت الفرقة والتعريف بما لدينا في جو من السماحة والود. وأحسب أن هذه الحكمة من وراء السكوت المعتمد عن مناقسة مواضع التحريف الكثيرة في مرويات القوم، وإنها جزء من نطاق العفو الذي ورد في قوله تعالى: {يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍۢ ۚ  قَدْ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَٰبٌ مُّبِينٌ} [المائدة:15 ].

 

وما أجمل أن يعرض موسى قضية اليوم الآخر في خطاب الله له {إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ  فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرْدَىٰ} [طه: 15-16]. والتوراة القائمة ليس فيها ذكر ليوم القيامة أو الجنة والنار..

 

وما أجمل أن يعرض عيسى نفسه قضية التوحيد فيقول لقومه: {إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ ۗ  هَٰذَا صِرَٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [آل عمران: 51].

 

وهكذا عرض القرآن النبوات السابقة لتبقى تعاليمها مع النبوة الخاتمة هداية للإنسانية حتى يومها الأخير.

 

  • الاربعاء PM 05:55
    2022-03-23
  • 895
Powered by: GateGold