المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413649
يتصفح الموقع حاليا : 250

البحث

البحث

عرض المادة

الخصـخصة وتطبيع الاقتصاد الإسرائيلي (العمالي)

الخصـخصة وتطبيع الاقتصاد الإسرائيلي (العمالي)
Privatization and the Normalization of Israeli (Labour) Economy
ظهر اتجاه في إسرائيل يطالب بالتخلي عن الاقتصاد العمالي التعاوني (الاستيطاني) وتهميش مؤسساته وإدارة الاقتصاد الإسرائيلي على أساس الاقتصاد الحر وأولويات المنطق الاقتصادي المعتادة، عَبْر تقليص دور الدولة والقطاع العام وتحويل الاقتصاد الإسرائيلي العمالي إلى اقتصاد رأسمالي، بعد أن فَقَد قدرته على مواجهة المشكلة الاقتصادية منذ مطلع السبعينيات بسبب الآثار السلبية لإشراف الدولة المباشر على الاقتصاد، ومناخ الاعتماد على المساعدات. ومما يساعد على هذا الاتجاه الاتجاهات السائدة الآن في العالم من اتجاه نحو الخصخصة والعولمة وهو اتجاه تضغط في اتجاهه الولايات المتحدة حتى تستطيع إسرائيل أن تلعب دوراً اقتصادياً في منطقة الشرق الأوسط بحيث يتراجع دورها القتالي إلى حدٍّ ما. ولا شك في أن الليكود يرى أن فك الاقتصاد العمالي يؤدي إلى تفكيك القواعد الانتخابية لحزب العمل المتمثلة في الهستدروت والكيبوتس وغيرها من المؤسسات. وقد تبنَّى حزب العمل هذه السياسة أيضاً وتوسَّع في الإجراءات الرامية للإصلاح الاقتصادي منذ عودته للحكم عام 1992.


ولكن هذا الاتجاه يصطدم بالحقيقة البنيوية الأساسية وهي أن الطبيعة الاستيطانية الإحـلالية للكيان الصـهيوني (الهـجرة الاستيطانية ـ الاستيعاب ـ التوسع ـ الأمن ـ قمع السكان الأصليين) تتطلب ترتيب الأولويات الاقتصادية بصورة تختلف عن متطلبات السوق في إطار النظام الرأسمالي. فالبنية الاقتصادية الرأسمالية (الليبرالية/الاقتصادية) تتناقض مع متطلبات التوسع الصهيوني (جغرافياً ـ بشرياً) وضرورة التفوق العسكري وأولوية إنتاج الأسلحة المتطورة وتوزيع المدخرات وفق هذه الأولويات الإستراتيجية وليس وفق الكفاءة الاقتصادية. فأهم

سمات الاقتصاد الإسرائيلي أنه اقتصاد محمي (بالإنجليزية: بروتكتيد إيكونومي( protected economy.

ويمكن أن نضرب بعض الأمثلة على أسبقية الضرورات الاستيطانية على الاعتبارات الاقتصادية. كانت نسبة البطالة في إسرائيل عام 1993 حوالي 11% (أعلى معدل في تاريخ إسرائيل) وكانت نسبتها بين المهاجرين السوفييت 30%. فلو كانت الاعتبارات الاقتصادية تسبق الضرورات الاستيطانية لأوقفت الدولة الصهيونية (الاستيطانية) الهجرة من الخارج، ولكنها مع هذا ظلت تشجع المهاجرين وتلتزم بمنحهم معونات مالية سخية لتحقيق مستوى معيشي مرتفع بل التزمت إيجاد أعمال لهم. ويتم كل هذا بالاستدانة من الخارج (عشرة مليارات دولارات). والاستدانة هنا لا تتم بهدف زيادة الاستثمارات أو توسيع رقعة الاقتصاد الحر أو توفير المزيد من الخدمات للمجتمع وإنما تحقيق هدف استيطاني هو تشجيع الهجرة للوافدين بغض النظر عن مقدرة المجتمع الإسرائيلي الاستيعابية، وبغض النظر عن قلق اليهود الشرقيين من هجرة مجموعة من الإشكناز ستدفعهم درجة أو درجتين أسفل السلم الاجتماعي والطبقي، وبغض النظر عن استجابة السكان الأصليين الذين يرون أن مثل هذه الهجرة هي في واقع الأمر تكريس لوضع التشرد والغربة الذي يعيشون فيه وهو ما يزيد مقاومتهم.

ويمكن أن نضرب مثلاً آخر من قطاع البناء، الذي يُعَد من أهم القطاعات في الاقتصاد الإسرائيلي، والبناء يعني بالدرجة الأولى بناء المستوطنات، وهي عملية استيطانية محضة، غير خاضعة لمعايير الجدوى الاقتصادية العادية. إذ يتم اختيار موقع المستوطنة بناءً على اعتبارات عسكرية. وقد يحتاج الأمر لنزع ملكية أراضي بعض العرب وطردهم منها (الأمر الذي يسبب المزيد من المقاومة التي تسبب بدورها خسارة اقتصادية). ثم يتم تأسيس المستوطنة قبل أن يكون هناك مستوطنون، ثم يُعلَن عن تأجير المنازل فيها بأسعار غير اقتصادية لجذب المستوطنين، وتتم حراستها بتكلفة باهظة.

والعمالة العربية أساسية في قطاع البناء، ولو كانت الاعتبارات الاقتصادية هي الأهم لتم تشغيل آلاف العرب فيها بشكل دائم ومستمر. ولكن مثل هذا الوضع يهدد أمن إسرائيل العسكري والاجتماعي إذ يعني سقوط قطاع اقتصادي مهم في أيدي السكان الأصليين ووجودهم بشكل دائم داخل تجمُّع المستوطنين. كما أن السلطات العسكرية كثيراً ما تضطر إلى منع العمال العرب من الذهاب إلى مواقع أعمالهم بعد قيام أحد العرب بإحدى العمليات "الإرهابية" أو "الانتحارية" ("الفدائية" أو "الاستشهادية" في مصطلحنا). وحيث إن المستوطنين الصهاينة يرفضون العمل في أعمال يدوية مثل البناء فإنه يتم استيراد عمال كوريين وفلبينيين ورومانيين!

وحالة قطاع البناء هي حالة ممثِّلة لكثير من الحالات. إذ ينطبق الشيء نفسه على الزراعة الإسرائيلية. فلو سادت الاعتبارات الاقتصادية لتم استخدام الأيدي العاملة العربية على نطاق أوسع في الكبيوتسات والمزارع الجماعية وبشكل أكثر علنية ورشداً. ولكن مثل هذا الأمر يتناقض مع المُثُل العليا الصهيونية ومع قوانين الصندوق القومي اليهودي الذي ينص على ضرورة ألا يعمل في الأرض التي يمتلكها الشعب اليهودي سوى اليهود (ومع هذا "يتسرب" العرب بأعداد كبيرة في قطاع الزراعة وقطاع البناء وغيرها من القطاعات الاقتصادية(.

ويمكننا القول بأن ما يُقال له "الطرق الالتفافية" هي صورة متبلورة لأسبقية الاستيطاني على الاقتصادي، فهي طرق تكلف الكثير لإنشائها وحراستها، ومع هذا تستمر الدولة الصهيونية في تشييدها حتى لا تحدث أية مواجهة بين المستوطنين والسكان الأصليين وحتى يتمتع المستوطنون بعزلتهم!

ويُعتبَر قطاع الخدمات بصفة عامة أهم قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي بلا استثناء، فهو يمثل نحو 78.4% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي عام 1994، بينما يمثل قطاع الصناعة 16.8% والزراعة 4.8% في العام نفسه، طبقاً لبيانات تقرير البنك الدولي الصادر عام 1996. ويبدو هذا الوضع شديد التطرف حيث يشكل قطاع الخدمات نسبة أعلى حتى من الدول الصناعية التي يتزايد فيها الوزن النسبي لهذا القطاع، وتقترب هذه النسبة من مثيلتها في هونج كونج التي تُعَد مركزاً مالياً وتجارياً وإقليمياً ودولياً بالأساس وتعتمد على علاقاتها بالاقتصاديات الأخرى. وتعود ضخامة قطاع الخدمات لكون إسرائيل مجتمعاً استيطانياً يتلقى مساعدات وتحويلات ضخمة من الخارج (انظر: «المعونات الخارجية للدولة الوظيفية»)، ويقوم بإنفاق أجزاء كبيرة منها على خدمات لم يكن الاقتصاد الإسرائيلي ليتمكن من توفيرها لولا المساعدات الخارجية. كما أن التجمُّع الصهيوني يلجأ دائماً لرشوة المهاجرين حتى لا ينزحوا عن المستوطن الصهيوني. ومن ثم فإن ضخامة قطاع الخدمات هو ضرورة بنيوية للمجتمع الاستيطاني ولا يمكن تقليصه.

ورغم كل هذه العوائق البنيوية إلا أنه تم الإعلان عن برنامج موسَّع للخصخصة في التسعينيات يتم على أساسه بيع جزئي وكلي لبعض المشروعات العامة، واتباع سياسات التحرير الاقتصادي في المجالات المالية والنقدية والائتمانية. وقد شهد الاقتصاد الإسرائيلي، منذ منتصف الثمانينيات، تزايداً في وزن القطاع الخاص مقابل ضمور وزن القطاع العام الذي يشمل ملكية الدولة والهستدروت، وذلك من ناحية العمالة والمؤسسات في القطاع الصناعي. حيث بلغ نصيب القطاع الخاص من العمالة 77.8% عام 1994 بعد أن كان 66.6% عام 1985، في حين بلغ نصيب القطاع العام 22.2% في نفس العام بعد أن كان 33.4% عام 1985، وبلغ نصيب القطاع العام من المنشآت الصناعية 2.7%، والقطاع الخاص 97.3%.

ومع عودة الليكود إلى الحكم عام 1996، فإن المصلحة السياسية لليكود قد تجعله يندفع في اتجاه تقليص القطاع العام الذي هيمن عليه تاريخياً أشخاص ينتمون لحزب العمل، فجاء في برنامج الليكود أن الحكومة ستقوم بخصخصة الشركات الحكومية كافة باستثناء الشركات أو بعض أقسام الشركات التي لها تأثير أمني.

ولكن ثمة تناقض أساسي بين هذا الاندفاع الليكودي نحو الخصخصة وأيديولوجية نيتنياهو الاقتصادية المعلنة. فهي، على حد قول عزمي بشارة، أيديولوجية يمينيةتتماثل مع الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة،وكلمة الخصخصة هي المفتاح،وتخفيض المصروفات العامة، وبالتالي الضرائب أيضاً. ولكن قاعدة حزب الليكود البشرية وقاعدة حزب شاس مثلاً، تضم في صفوفها أوساطاً واسعة من المسحوقين، والطبقات الوسطى الدنيا، ومن المهمشين اقتصادياً، وإذا ما تابعت الحكومة سياسة الخصخصة فلابد من تفجُّر صراع داخل الائتلاف الحاكم وداخل الليكود نفسه. ويلوح أيضاً تناقض بين الموقف القومي اليميني الأمني التوجه والداعي إلى تجنيد طاقات المجتمع كافة في المواجهة وبين الموقف الليبرالي الاقتصادي، فالنزعة الأولى تتطلب التعامل مع المجتمع كجماعة عضوية وليس مجرد سوق. وللتعويض عن فقدان أواصر التكافل الاجتماعي أمام بروز الفوارق الطبقية، وتراجع القطاع العام أمام قوانين السوق تزيد القوى اليمينية في ديماجوجيتها القومية. وسوف تزيد من الاهتمام المعطى للتربيةالدينية اليهودية، وكل ما من شأنه إعادة إنتاج الجماعة العضوية في الوعي بعد غيابها في الواقع.

غير أن هناك رأي يذهب إلى أن إسرائيل ستحاول ، رغم كل هذا، التكيف مع المتغيرات العالمية، وخصوصاً بعد نشوء منظمة التجارة العالمية وسريان اتفاقيةالجات، وأنها ستعمل على تحرير اقتصادياتها من القيود الحكومية والبيروقراطية، بل إنها سارت فعلاً على هذا الطريق، وأن ما سيذلل لها كل الصعوبات ويحل سلبيات وأعباء إعادة الهيكلة والخصخصة ليس الأساليب العادية التي تتبعها أية دولة أخرى في ظروف مماثلة، وإنما من خلال المساعدات والتبرعات والقروض، ومن خلال الاندماج السهل بين الشركات الإسرائيلية والشركات المتعددة الجنسيات، وخصوصاً أن لدى هذه الأخيرة فروعاً وأسهماً في إسرائيل وفي شركاتها العامة والمشتركة. وهذا التحرير لن ينعكـس سلباً لا على مسـتوى رفاهية المجتمع الإسرائيلي، ولا على أولويات إسرائيل الاقتصادية، ولا على مستوى دعم الإنفاق العسكري للأسباب المذكورة آنفاً.

ونحن نميل إلى القول بأن عملية تطبيع الاقتصاد الإسرائيلي المحمي وخصخصته هي مسألة صعبة جداً إن لم تكن مستحيلة بسبب وضع التجمُّع الصهيوني كتجمُّع استيطاني وما نجم عن ذلك من سمات بنيوية تقف عائقاً في طريق التطبيع. كما أن الهاجس الأمني يقوِّض كثيراً من محاولات التطبيع،إذ أن الإجراءات الأمنية المشددة تعوق تدفق السلع والعمالة.

  • الثلاثاء AM 10:21
    2021-05-18
  • 1155
Powered by: GateGold