المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413977
يتصفح الموقع حاليا : 300

البحث

البحث

عرض المادة

الكيبوتس: السمات الأساسية

الكيبوتس: السمات الأساسية
Kibbutz: Main Traits
السمة الأساسية للكيبوتس، شأنه شأن أية مؤسسة استيطانية إحلالية، أنه مؤسسة عسكرية بالدرجة الأولى. فعلى سبيل المثال، كان اختيار موقع الكيبوتس يتم لاعتبارات عسكرية بالدرجة الأولى، ثم لاعتبارات زراعية بالدرجة الثانية. وتظهر طبيعة الكيبوتس العسكرية في أن أعضاءه لا يتدربون على الزراعة وحسب، وإنما على حمل السلاح أيضاً. ويقوم الكيبوتس بغرس القيم العسكرية في أعضائه من خلال الدعاية الأيديولوجية والتربية الرسمية وغير الرسمية اليومية، وبخاصة من خلال أسلوب الحياة.


وقد ساهمت الكيبوتسات في إنشاء الكيان الصهيوني والحركة الاستيطانية الإحلالية، قبل وبعد إنشاء الدولة الصهيونية. فقامت الكيبوتسات بتنظيم الهجرة غير الشرعية إلى فلسطين منذ عام 1934. واستمرت في هذا النشاط حتى بعد أن تأسست منظمة خاصة للهجرة غير الشرعية عام 1939.

وبسبب تكامل الاستيطان والقتال، زاد عدد مزارع الكيبوتس بعد الثلاثينيات أثناء الثورة العربية. فقبل هذا التاريخ كانت مزارع الموشاف (وهي مزارع تعاونية أقل جماعية ولا تتسم بالصبغة العسكرية) تنمو بنسبة تفوق مزارع الكيبوتس. ولكن بعد عام 1936 تغيَّرت النسبة لصالح الكيبوتس (ويُلاحَظ كذلك أنه بعد إنشاء الدولة وبظهور الجيش الإسرائـيلي الذي يضـطلع بمهـام الدفاع زاد عدد مزارع الموشاف مرة أخرى، وتراجع عدد الكيبوتسات).

لعبت الكيبوتسات دوراً بارزاً في منظمة الهاجاناه العسكرية الصهيونية قبل عام 1929. وتؤكد موسوعة الصهيونية وإسرائيل أن كل أعضاء الكيبوتسات كانوا أعضاء في الهاجاناه، وأن عدداً كبيراً من ضباط الهاجاناه أتوا من الكيبوتسات. وتضيف الموسوعة أن هذا لم يكن غريباً على الإطلاق "لأن بنية الكيبوتس نفسها ونظامه يشبهان من بعض النواحي التنظيم العسكري". فأعضاء الكيبوتس ليسوا مرتبطين بأي بناء أسري، ولم يكن مفروضاً عليهم توفير الرزق لأعضاء أسرهم، وإنما كانوا أفراداً لا تربطهم أية أواصر صداقة مع أحد، ويمكن اسـتدعاؤهم للخـدمة العسـكرية كلما وحيثـما دعـت الحاجـة لذلك (فهم بنيوياً مثل الجنـود المرتزقة). كما أن معظـم أعضـاء الكيبوتسات في تلك الفترة ذكوراً كانوا أم إناثاً، كانوا شباناً في سن الخدمة العسكرية ليس بينهم أطفال أو عجائز. ولذا كان من السهل إقامة الكيبوتسات بسرعة والدفاع عنها بصلابة.

وقد قامت حركة الكيبوتسات في السنوات الأخيرة من حكم الانتداب البريطاني بدور أساسي في "خلق الحقائق" بإنشاء مستوطنات جـديدة في المناطق النائية. فاسـتوطن أعضاء الكيبوتس في شمال النقب، وجبال القدس ومناطق أخرى. وقد أنشأ المستوطنون الصهاينة ما يزيد عن 52 مستوطنة من نوع السور والبرج، وكان من بينها 37 مزرعة كيبوتسية.

وحينما قررت الهاجاناه إنشاء وحدات الصاعقة النظامية (البالماخ) ولم تكن تملك الاعتمادات الكافية، بادرت حركة الكيبوتس بتجنيد الأعضاء ورتبت ساعات العمل لهم بحيث أصبح في مقدور عضو الكيبوتس أن يعمل نصف شهر في المزرعة الجماعية، والنصف الآخر في صفوف البالماخ. ولذا حينما اندلعت حرب عام 1948 بعد إعلان قيام الدولة الصهيونية كان حوالي 2000 عضو في البالماخ يعيشون في 41 كيبوتس.

وكانت الكيبوتسات تشكل مواقع للترسانات العسكرية ومصانع للذخيرة، لذلك كانت القوات البريطانية تهاجم الكيبوتسات دائماً بحثاً عن الذخائر وعن أعضاء البالماخ كما حدث يوم 29 يونيه 1946 حينما هاجمت القوات البريطانية عشرات الكيبوتسات.

وقد استمر الكيبوتس في أداء هذا الدور الأساسي في المؤسسة العسكرية بدرجات متفاوتة، فساهم في التوسع الصهيوني في الأراضي العربية التي احتُلت عام 1967، كما أنه لا يزال ينهض بدور مهم في عملية الاستيطان التي تتم في الضفة الغربية (وإن كانت الأشكال الأخرى من الاستيطان مثل الموشاف هي الأكثر شيوعاً الآن).

ولا تزال نسبة كبيرة من القيادات العسكرية في الجيش النظامي والاحتياط تأتي من هناك. فعلى سبيل المثال، ورد في إحدى الإحصاءات أن رُبع ضباط جيش الكيان الصهيوني وثلث الطيارين المقاتلين أعضاء في الكيبوتس. ولعل أكبر دليل على أن الكيبوتس يمثل العمود الفقري للعسكرية الصهيونية هو أن 33% من ضحايا حرب 1967 من أبناء الكيبوتس (ولنتذكر أن نسبتهم القومية هي أقل من 4%). ويقوم أبناء الكيبوتس بأشق المهام العسكرية وأخطرها، كذلك المهام السرية في الداخل والخارج ذات الطابع الانتحاري (مثل عملية مطار عنتيبي في أوغندة). ويوجد عدد كبير منهم في الوحدات الخاصة مثل المظليين والضفادع البشرية.

ورغم أن الكيبوتس مؤسسة عسكرية إلا أنها ليست مؤسسة عسكرية بالمعنى المألوف للكلمة، وإنما هي جماعة وظيفية عسكرية استيطانية (مملوكية) وظيفتها هي القتال والاستيطان، وما عدا ذلك من وظائف فثانوي. ويتضح هذا في الطبيعة المملوكية لنمط الحياة. وبالفعل نجد أن الحياة داخل الكيبوتس جماعية إلى أقصى حد، كما نجد أن أشكال التعبير الفردية في حكم المنعدمة، فملكية الأرض والمباني والأدوات، بل أحياناً الملابس الشخصية، ملكية جماعية.

وحينما ينضم عضو للكيبوتس فهو لا يشتري شيئاً لأنه لن يملك شيئاً، وحينما يترك الكيبوتس فإنه لا يبيع شيئاً ولا يأخذ معه شيئاً (وإن كانت السنوات العشرون الأخيرة بدأت تشهد منح العضو مكافأة مالية صغيرة في بعض الأحيان). ولا يتقاضى الأعضاء مرتبات وإنما يحصلون على كل احتياجاتهم الأساسية دون مقابل مثل الطعام والمسكن والملبس وأحياناً إصلاح الملابس وغسلها، والرعاية الطبية ورعاية الأطفال والتعليم. أما احتياجات الفرد الأخرى مثل شراء بعض السلع الاستهلاكية الصغيرة (إناء زهور مثلاً) أو قطع الملابس الكمالية وتكاليف الإجازات التي يقضيها خارج الكيبوتس فيقوم بدفع تكاليفها بنفسه من مصروف جيبه الشهري الذي يعطيه له الكيبوتس، وإن تبقى معه أي مبلغ من النقود فعليه أن يعيده لصندوق الكيبوتس (بل كان من المحظور على أي عضو حتى عهد قريب أن يكون له حساب خاص في البنك).

ويقوم أعضاء الكيبوتس بالعمل في أحد الأنشطة التي يقوم عليها الكيبوتس. مع ذلك فإن بعضهم يقوم بالعمل خارج نطاق الكيبوتس سواء في المشروعات التي يتولى الكيبوتس تنفيذها في الأقاليم أو في مؤسسات الدولة أو في أماكن أخرى. وفي هذه الحالة يستمر هؤلاء في العيش داخل الكيبوتس ويستفيدون من خدماته الاجتماعية إلى جانب تناول الطعام، ويحصلون على الخدمات نفسها التي يحصل عليها بقية الأعضاء إلى جانب قيامهم بتناوب خدمات الحراسة. وهذه الخدمات التي تحصل عليها هذه الشريحة من الأعضاء بالطبع ليست بالمجان، ولكنهم يحصلون عليها مقابل تنازلهم للكيبوتس عن مرتباتهم التي يتقاضونها في الخارج. ولا يتمتع أعضاء الكيبوتس بأية حياة أسرية مستقلة، فهم يتناولون معظم الوجبات سوياً (وعدم تناول الطعام مع الجماعة في الكيبوتس يُعَدُّ رفضاً لها وارتداداً إلى حياة الجيتو). والأطفال كذلك يعيشون بعيداً عن والديهم، لا يقومون بزيارتهما إلا بعض الوقت بعد الدراسة وبعد ساعات العمل.

وإضعاف الروابط الأسرية في الكيبوتس يتم لحساب الروابط القومية ولحساب الولاء للدولة أو المؤسسة. فالفرد الذي لا يعيش حياة خاصة به، والذي ليس له ذكريات فردية، ولا يربطه أي رباط بأي إنسان آخر، هو الفرد القادر على الانتماء بسهولة ويسر إلى جماعته الوظيفية، وهو الإنسان القادر على تكريس ذاته لوظيفته مهما بلغت من لا إنسانية، وهو الإنسان القادر على الإيمان بمجردات وأوهام ليس لها سند في الواقع. ويبدو أن التنشئة الاجتماعية في الكيبوتس تهدف إلى هذا أساساً. فالطفل الذي يعتمد على المؤسسة (لا على أبيه أو أمه) في معيشته وملبسه، تضعف العلاقة بينه وبين أبويه وتَقوَى بينه وبين المؤسسة التي يتبعها بعد ولادته ببضعة أيام حيث يوضع في بيت الأطفال ويمكث هناك مدة سنة ينتقل بعدها إلى بيت الصغار. وفي تلك المرحلة يُسمَح للأبوين باصطحاب طفلهما إلى البيت لقضاء بضع ساعات معهما.

وفي سن الرابعة يُرسَل الطفل إلى دار الحضانة، وينتقل منها إلى المدرسة الابتدائية عند بلوغه السابعة. والمرحلة النهائية من النظام التعليمي هي المرحلة الثانوية التي يدخلها الطفل في سن الثانية عشرة حتى يبلغ الثامنة عشرة. وعبر كل هذه المراحل يُلقَّن الطفل العقيدة والقيم الصهيونية ويدرس مواد دراسية مثل المادة التي تُسمَّى «الوعي اليهودي».

ولكل كيبوتـس كبير مدارسـه الخاصة بجميع مراحل النظام التعليمي. وتشترك الكيبوتسات الصغيرة سوياً وتنشىء المدارس الخاصة بها. ومستوى التعليم في هذه المدارس عال، وخصوصاً أن المدرسين فيها من أعضاء الكيبوتس، ولذلك فهم يتسمون بنفس التفاني في خدمة الجماعة، فهم لا يُضربون عن العمل لزيادة الأجر، كما هو الحال مع زملائهم في النظام التعليمي العام. وعند بلوغ الثامنة عشرة يقوم عضو الكيبوتس بأداء الخدمة العسكرية الإلزامية (لمدة ثلاثة سنوات) وعند عودته قد ينضم إلى إحدى الجامعات أو المعاهد الفنية.

وهكذا ينشأ عضو الكيبوتس من المهد إلى اللحد دون الدخول في علاقة إنسـانية فردية مباشـرة. فهـو دائماً عضو في هذه المؤسـسة أو تلك، وهو ما يجعله إنساناً قادراً على تلقِّي الأوامر دون تفكير أو احتجاج. وكثير من أطفال الكيبوتس يفقدون كل صلة بآبائهم بعد بلوغهم الثالثة عشرة، وهم في هذا يشبهون المماليك الذين كانوا يُختَطفون من بلادهم في سن مبكرة، ثم يُنشَّئون تنشئة جماعية تفقدهم فرديتهم وإنسانيتهم، وتحوِّلهم إلى جماعة محاربة ليس لها روابط اجتماعية أو إنسانية، متفرغة تماماً للقتال وحسب.

وكانت جماعية الكيبوتس في بداية الأمر لا تلتزم بأية معايير، فقد كان كل شيء مملوكاً ملكية جماعية حتى الملابس الداخلية. ولم تكن هناك حمامات منفصلة للرجال والنساء. ولكن بعض هذه الأشكال الجماعية المتطرفة قد اختفت وإن احتفظ الكيبوتس بطابعه الجماعي الأساسي.

وتظهر جماعية الكيبوتس في طريقة الإسكان، الذي يتبع خطاً واحداً متكرراً من كيبوتس لآخر. إذ تُقسَّم مباني المزارع الجماعية إلى قسمين: المساكن والمباني الأخرى. أما المساكن فهي عادةً وحدات متقاربة يتكون كل منها من طابق واحد، تقع بين مجموعة من الأشجار، وكل وحدة سكنية مقسمة إلى شقتين أو ثلاثة، وتتكون كل شقة من غرفة صغيرة يقطنها رجل وامرأة. ويتم تنظيف الثياب وكيها في بيت الغسيل العام. وأثاث هذه المنازل بسيط إن لم يكن متواضعاً، وإن وُجد تليفزيون أو جهاز ستيريو فيوضع عادةً في غرفة المعيشة الجماعية.

ويضم الكيبوتس أيضاً عدة مبان: مبنى الثقافة (وهو من أهم المباني)، ومبنى الاجتماعات، وحمام سباحة، وقطعة أرض مخصصة للرياضة. وعلى مقربة من المجموعة السكنية من المباني توجد المجموعة الإنتاجية، وتضم حظائر الحيوانات والمصانع والمزارع نفسها. وتوجد منازل الكيبوتس وصالة الطعام والمدرسة وقاعة الاجتماعات والمباني الأخرى في وسط الكيبوتس، أما المزارع والمصانع والحقول فإنها تلتف من حوله (وهو ما يبيِّن طبيعته العسكرية).

ويهدف التصميم المعماري للكيبوتس إلى إضعاف الروح الأسرية وتقوية الروح الجماعية، فكثير من أعضاء الكيبوتس يرون أن الزواج مؤسسة بالية لابد من التخلي عنها، فهي مظهر من مظاهر الجيتوية والفردية التي ينبغي التخلي عنها. وحتى الآن لا يتطلب عقد الزواج سوى التقدم بطلب للحصول على غرفة مشتركة، وعند الطلاق يُلغَى هـذا الترتيب. بل في بعـض الأحيان تم إلغاء تعبير «شاب» و«شابة»، وأحياناً يُشار للأزواج على أنهما «زوج» بمعنى «اثنين»، وقد نتج عن كل هذا بطبيعة الحال ارتفاع معدلات الطلاق.

ومن أهم العناصر التي تحافظ على جماعية الكيبوتس وتدعمها وتحوِّلها إلى ممارسة حياتية يومية، لجان الأمن التي كانت تقوم بالتجسس على الأعضاء وبتفتيش غرفهم وفتح خطاباتهم. وتقوم هذه اللجان بالتنسيق مع الجيش وتؤدي كثيراً من وظائف الدولة، أي أنها تضطلع بوظيفة ترويض أعضاء الكيبوتس وترشيدهم واستئناسهم لصالح المؤسسة الحاكمة. وتتم هذه العملية من خلال ممارسة ضغط اجتماعي هائل مباشر، فالكيبوتس مجتمع كامل صغير. وقد وصف موتكي يحزقيلي، وهو مدرس في أحد الكيبوتسات، هذه الروح الجماعية التي تهدف إلى تفريخ المقاتلين بقوله: إن عضو الكيبوتس ينشأ في جو كثيف من الناحية الجسمية والعقلية، فديناميات الكيبوتس الاجتماعية قاسية لأقصى درجة. فالجماعة هي التي تقرر نوع الموسيقى الذي ستسمعه وأية آلة موسيقية ستلعبها وفي أية وحدة عسكرية ستكون خدمة عضو الكيبوتس العسكرية. وإذا رفض أحد الأعضاء التطوع في الجيش واتخذ موقفاً من حرب لبنان (على سبيل المثال) تقوم لجنة الأمن بعملية تحريض ضده من خلال أعضاء الأسرة الكيبوتسية، فيُتهم بأنه ليس محارباً ولا مقاتلاً، بل يُتهم في رجولته، ويتم هذا الأمر في محيط الحياة العامة الخارجية، وفي محيط الأسرة، وفي حياته الخاصة، الأمر الذي يجعل الضغوط ذات تأثير قوي.

ومن المبادئ الأساسية التي تنطلق منها حركة الكيبوتس، مبدأ الديموقراطية والمساواة بين الأعضاء في كل شيء. ويترجم هذا نفسه إلى ما يُسمَّى «سياسة الحكم الذاتي». إذ تتخذ كل القرارات الخاصة بالكيبوتس من خلال نظام إداري يتم بالانتخاب. والسلطة العليا هي المؤتمر العام للكيبوتس، الذي يضم جميع الأعضاء ويأخذ شكل اجتماع أسبوعي (عادةً يوم السبت).

ولكن مع هذا يبدو أن سلطة المؤتمر العام للكيبوتس لا تمتد إلا إلى التفاصيل. إذ تظل القرارات الأساسية بشأن إدارة مزارع الكيبوتس وتحديد سياستها الإنتاجية والاقتصادية متروكة لأمانة اتحادات مزارع الكيبوتس بالاشتراك مع أمانات الأحزاب التي تنتمي إليها. وتوضع هذه القرارات موضع التنفيذ داخل الكيبوتس من خلال فئة صغيرة من الأفراد يتناوبون المراكز القيادية فيما بينهم. ولعل هذا يُفسِّر انصراف الأعضاء عن حضور مثل هذه المؤتمرات التي من المفروض أن تكون لها كل السلطة. ولذا نجد أن السلطة داخل الكيبوتس تتركز في يد السكرتير العام للمؤتمر والمدير الاقتصادي.

ومن أشكال المساواة المتطرفة في الكيبوتس، المساواة بين الرجل والمرأة، فيقوم الجميع بالأعمال اليدوية نفسها، شاقة كانت أم هيِّنة. وقد بلغ البعض في تطرفه أنه أنكر على المرأة حقها في التزين، لأن هذا من شأنه أن يخلق الحواجز والتفرقة بين الرجل والمرأة. وقد نجح الكيبوتس إلى حدٍّ كبير في إعداد الكثير من النساء للقوات المسلحة الإسرائيلية، وإن كان معظمهن يقمن بأعمال إدارية، مثل الأعمال الكتابية والتمريض في الميدان، ويبتعدن عن المهام القتالية.

وهذا الحديث عن المساواة والديموقراطية يجب ألا يعمينا عن حقيقة الكيان الصهيوني التسلطية العنصرية. فالمساواة قد تكون أمراً مطبقاً داخل أسوار الكيبوتس، وحتى هذا أمر مشكوك فيه، ولكنها لا تتعداه على الإطلاق، إذ يظل محظوراً على العرب(بل على اليهود الشرقيين الذين جاءوا من بلاد عربية) الانضمام لهذه الكيبوتسات، فهي شأنها شأن الجيش الإسرائيلي، مؤسسة إشكنازية (يهودية غربية بيضاء).

ومن المفاهيم الأخرى التي تستند إليها حركة الكيبوتس (شأنها في هذا شأن الحركة التعاونية الصهيونية)، مفهوم العمل العبري الذي يذهب إلى أن اليهـودي كي يشفي نفسـه من طُفيليته الجيتوية ومن ضعفـه وخوره، لابد أن يعمل بيديه، وأن الأمة اليهودية لن تصبح أمة بمعنى الكلمة إلا إذا ضمَّت في صفوفها عمالاً وفلاحين. ومن هنا يصبح العمل اليدوي الطريقة التي يُولَد بها اليهودي الجديد ليحل محل يهودي الجيتو القديم.

ولكن العمل اليدوي، شأنه شأن الجوانب الأخرى للحياة في الكيبوتس، هو رد فعل للظروف في فلسطين والنسق الصهيوني الفكري. فالصهيوني الذي يعمل بيديه سيشفي نفسه من أمراضه الهامشية والطفيلية (وهذا هو الجانب العقائدي) ولكنه لن يضطر إلى اسـتئجار العرب، وبالتالي سـيتمكن من طردهـم (وهذا هو الجانب العملي).

ولكن لا الجماعية ولا العمل اليدوي نجحا في جعل الكيبوتس مشروعاً اقتصادياً ناجحاً، إذ ظل الكيبوتس في الماضي والحاضر جزءاً من الاقتصاد الاستيطاني الذي يعتمد بالدرجة الأولى على التمويل الخارجي. والكيبوتس لا يختلف كثيراً عن الدولة الصهيونية التي تعتمد على المعونات الخارجية. وكما أن الدول العظمى تمول إسرائيل، نجد أن الوكالة اليهودية تدعم المستوطنات وتمولها، ويأخذ هذا الدعم أشكالاً مختلفة، فالمساحات الشاسعة التي حصل عليها الكيبوتس (وهي رأسماله الثابت الأساسي)، حصل عليها دون مقابل عن طريق الاغتصاب من العرب، وهو لا يدفع عنها سوى إيجار زهيد للوكالة اليهودية. وتنال الكيبوتسات معاملة مفضلة من حيث الإعفاء من الضرائب وتقديم المساعدات والهبات المالية والقروض المعفاة من الفوائد أو بفوائد منخفضة. وتوفر الدولة والمصادر الصهيونية الرسمية الوقود والأسمدة والكهرباء والمياه، كما يوجد سعران متفاوتان لمياه الري، واحد يُطبَّق على العرب والآخر يُطبَّق على يهود مزارع الكيبوتس. هذا بالإضافة إلى الإجراءات الخاصة التي تُتخذ لحماية مستوطنات الكيبوتس والتسهيلات الائتمانية التي تُمنح لها، أي أن اكتفاء مزارع الكيبوتس الذاتي الذي تروج له بعض المراجع الصهيونية، يشبه من بعض الوجوه اكتفاء إسرائيل الذاتي الممول. وإذا كانت الدول العظمى تمول إسرائيل وتدعمها حتى تحوِّلها إلى قاعدة عسكرية لا تملك أسباب البقاء بمفردها، فإن الحركة الصهيونية تموِّل المستوطنات والكيبوتسات للسبب نفسه، إذ كلما ازداد التمويل والدعم، ازداد اعتماد المستوطنات والمستوطنين على المؤسسة الصهيونية. وبالتالي يصبح التمويل من قبيل التكبيل، إذ حينما ينضم الإسرائيلي إلى إحدى المستوطنات فهو لا يدفع شيئاً حقاً، ولكن تُنفَق عليه أموال باهظة (نفقات تعليم وإسكان وخلافه)، ولذلك يصبح من العسير عليه الانسحاب من المشروع الذي انضم إليه.

  • الثلاثاء AM 10:10
    2021-05-18
  • 1494
Powered by: GateGold