المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411864
يتصفح الموقع حاليا : 275

البحث

البحث

عرض المادة

الإرهاب الصهـيوني/الإسـرائيلي والانتفاضة

الإرهاب الصهـيوني/الإسـرائيلي والانتفاضة
Israeli-Zionist Terrorism and the Intifada
مع اندلاع انتفاضة الشعب الفلسطيني في ديسمبر 1987 أصبحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة يومية مع حركة عصيان مدني تمتد جغرافياً بمسافة الضفة الغربية وقطاع غزة وتتخذ من الحجارة والعَلَم الفلسطيني رموزاً لمقاومة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الذي استهدف محو الوجود العربي الفلسطيني. وبحكم طبيعته الاستيطانية الإحلالية لجأ الاستعمار الصهيوني إلى المزيد من الإرهاب، فدخل حلقة مفرغة إذ جاء الرد على المزيد من الإرهاب بالمزيد من الانتفاضة.


وبعد اندلاع الانتفاضة بأيام معدودة (في 22 ديسمبر 1987) أصدر القضاء العسكري حكماً على حسين أبو خاطر (29 عاماً ) من مخيم النعيرات بالسجن لمدة عام بتمهة الاشتراك في مظاهرة (وكانت أقصى عقوبة من قبل شهرين فقط). ولكن المظاهرات تحولت إلى سلوك يومي لمئات الآلاف من الفلسطينيين.

ولقد لجأت سلطات الاحتلال إلى تكثيف آليات العقاب الجماعي من حظر تجوُّل وحصار أمني للبيوت فضلاً عن التوسع في الاعتقالات وأحكام السجن والتعذيب والطَرْد والإبعاد. لكن الجهود الإسرائيلية لتطوير آلة الإرهاب اتجهت أساساً إلى كيفية قمع حركة الاحتجاج اليومي الجماهيري في شوارع المدن والقرى ومخيمات اللاجئين. ومن هنا يمكن أن نلحظ مأزق فشل معالجة الإرهاب بالمزيد من الإرهاب عندما تلجأ سلطات الاحتلال للرصاص الحي والرصاص البلاستيكي والرصاص المطاطي. وقد بدأت في أغسطس عام 1988 في استخدام ذخيرة جديدة تمزج بين المطاط (الغلاف الخارجي للطلقة) والمعدن وهو ما أسفر عن استشهاد 47 فلسطينياً في الخمسة شهور الأولى من استخدام هذه الذخيرة. وفي العام نفسه (1988) لجأت السلطات الإسرائيلية إلى طائرات الهليكوبتر بتوسُّع لمطاردة المتظاهرين وإطلاق النار علىهم.

ثم توسع جيش الاحتلال في استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع على نحو غير مسبوق وهو ما أسفر عن حالات اختناق بين النساء والصبية والأطفال على نحو خاص. ثم استخدمت سلطات الاحتلال قنابل غازية تدخل في نطاق أدوات الحرب الكيماوية تحتوي على مكونات كيماوية تفضي إلى الاختناق والموت. وخلال عام 1988 بدأت في استخدام هذه القنابل (الأمريكية الصنع) في بلدة حلحول واستشهد خمسة فلسطينيين من جرائها في قباطية خلال العام نفسه.

ولكن تكنولوجيا الإرهاب المدعومة أمريكياً أخفقت في قمع الانتفاضة وصبية الحجارة، فحاول إسحق رابين وزير الدفاع أن يعيد استخدام بربرية القمع البدائي فأصدر أوامره لقواته "بتكسير عظام الفلسطينيين" وكأنه كان يبحث عن لغة يفهمها من لا يعبأون بآخر منجزات تكنولوجيا قمع المتظاهرين. ولمعاونة الجنود الإسرائيليين في مهمة القمع البدائي البربري تم إنتاج هراوة من ألياف زجاجية ومعدنية لتحل محل الهراوات الخشبية.

وقد حاول الإسرائيليون اكتشاف سر الحجارة فقامت ورش الجيش بتطوير مقلاع لقذف الأحجار لاستخدامه ضد المظاهرات الفلسطينية، وبدأ أولى تجاربه في مخيم بلاطة قرب نابلس.

وقد تعمقت أزمة الإرهاب الصهيوني/الإسرائيلي، فالمواجهات اليومية مكشوفة أمام أعين العالم. فوجهت آلة الإرهاب جانباً من نشاطها ضد رجال الإعلام وضمن ذلك وسائل الإعلام الأمريكية والغربية الحليفة للمشروع الاستيطاني. وتلقى العديد من الصحفيين والمصورين الضرب على أيدي جنود جيش يزعم قادته أنهم يمثلون الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة. وقد بيَّن أن الجيش الإسرائيلي قد استورد تكتيكات عصابات الموت في أمريكا اللاتينية، إذ قام جنوده (من فرقة المستعربين) والمتخفون في ملابس عربية بقتل الفلسطينيين.

وقد قامت الدولة الصهيونية برفع عدد جنود جيشها في الضفة وغزة بما يزيد عن خمس مرات مقارنةً بالفترة السابقة على الانتفاضة. وبالمقابل فإن ظاهرة محاكمة الجنود والضباط الذين يرفضون أو يتهربون من الخدمة هناك قد طرحت نفسها بقوة على التجمُّع الصهيوني.

وقد أصدرت وزارة الدفاع الإسرائيلية أوامر ترخص للمستوطنين إطلاق النار فوراً على من يُشتبه في شروعه في إلقاء الزجاجات الحارقة، وشاع أن إطلاق النار يجرب حتى إزاء من يحمل زجاجات مياه غازية. ويمكن القول بأن المستوطنين المسلحين تحولوا إلى احتياطي لجيش الاحتلال يعاونه في تنفيذ سياسته الإرهابية ويقوم بأعمال البلطجة الفجة التي لا تلائم الزي العسكري الرسمي الذي تطارده عدسات الإعلام العالمي. ولذا فإن الشكل التنظيمي لإرهاب المستوطنين الصهاينة انتقل من الجماعة شبه السرية التي تخطط لعمليات مدروسة من اغتيالات ونسف لأهداف مختارة بعناية إلى عصابات يَغلب على حركتها المظهر التلقائي. وتندفع هذه العصابات في موجات عنف عشوائي المظهر لتحرق السيارات والمتاجر الفلسطينية في الشوارع وتختطف الأطفال الفلسطينيين وتعتدي عليهم بالضرب المفضي إلى الموت أحياناً.

وتقدر حصيلة الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي أثناء الانتفاضة (من 1987 ـ 1991) بحوالي ألف شهيد ونحو 90 ألف جريح ومصاب و15 ألف معتقل فضلاً عن تدمير ونسف 1228 منزلاً واقتلاع 140 ألف شجرة من الحقول والمزارع الفلسطينية.

ولقد ظلت السياسة الأمريكية تمارس دور الراعي والحامي للإرهاب الصهيوني الإسرائيلي رغم ذلك. ويعكس اتجاه تصويت الولايات المتحدة في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة الإصرار على الوقوف إلى جانب إسرائيل. وإن كان صمود الانتفاضة في وجه الإرهاب قد عمَّق انقساماً بين الإدارة الأمريكية وبين قطاعات من الرأي العام الأمريكي.

ولكن يتعين تأكيد أن أبرز نتائج سنوات الانتفاضة هي تعميق أزمة الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي بسبب فشله في تحقيق أهدافه الإستراتيجية، إذ جاء الرد بليغاً من أبناء الشعب الفلسطيني الذين وُلدوا بعد الاحتلال (1967) وكأنهم ـ رغم كثافة الإرهاب الذي ظل يطاردهم في مدارسهم وبيوتهم ـ استجابوا لنبوءة القاص الفلسطيني (يحيى يخلف) عن "تفاح الجنون" الذي أكله "الحمار الوديع" في غزة فعلَّم أطفالها فضيلة التمرد والثورة خروجاً عن حسابات العقل البليد وموازين القوى بين المستوطن المحتل المدجج بالسلاح وصاحب الأرض والوطن الأعزل.

  • الاثنين AM 11:16
    2021-05-17
  • 1156
Powered by: GateGold